من رسالة كتبها إمام من أئمة الحنابلة وهو نجم الديني الطوفي يقرر فيها أصول أهل الخلاف ومنها تقديم المصلحة على النصوص .. نصوص من رسول الله صلى الله عليه واله وأحاديث صحيحة ؟ كيف وبأي وجه نستحل تقديم مصالحنا على تلك النصوص ؟
قال : أن النصوص مختلفة متعارضة فهي سبب الخلاف في الأحكام المذموم شرعا ( الخلاف مذموم شرعا ) بحثنا أن هذا الخلاف سببه فوجدنا إختلاف في النصوص .. تعارض النصوص
ورعاية المصلحة أمر متفق في نفسه لا يختلف فيه ، فهو سبب الإتفاق المطلوب شرعا فكان إتباعه أولى .. وقد قال الله عز وجل وإعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا وقال الله عز وجل إن الذين فرقوا دينهم وكانوا شيعا لست منهم في شيء وقوله عليه الصلاة والسلام لا تختلفوا فتختلف قلوبكم وقال عز وجل في مدح الإجتماع وألف بين قلوبهم لو أنفقت ما في الأرض جميعا ما ألفت بين قلوبهم ولكن الله ألف بينهم وقال عليه الصلاة والسلام وكنوا عباد الله إخوانا .
يقول نحن ما ينبغي أن نهتم به هو أن نجتمع ونأتلف ونتحد و يتحدث عن أن الغاية من إرشاده تبيين طريق الوحدة الإسلامية وجمع كلمة المسلمين المختلفين في المذاهب على الحق الذي أمرهم الله به .. إذن الغاية هي الإجتماع والإتلاف
المصلحة تجمعنا ، الأحاديث تفرقنا ، فيجب أن نتمسك بالمصلحة وهي أولى عند الله لأن الله أمرنا بالإعتصام وأعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا ونقدم العمل بالمصلحة على العمل بالأحاديث لأنها متعارضة وهي سبب إختلافنا !
فلا يأتينا أحد ويقول هذا رأي الطوفي .. فالطوفي يقرر هنا أنه ليس صاحب مذهب مستقل ، لأن هنالك من غمز فيه إذ أحرجهم كلامه .. الطوفي يقرر لا أنه يؤصل ويؤسس من تلقاء نفسه .. يقرر المذهب .. يقرر ما جرى عليه أهل المذهب أنه حنبلي .. وكلامه مدعوم ومعضد بأدلة كثيرة وشواهد وأن هذا هو مسلكهم وأنهم ينبذون الأحاديث ولا يعملون بها ويقدمون عليها المصالح المرسلة والإستحسان وسد الذرائع والعرف والعادة وعمل أهل المدينة والى ما هنالك من أمور
فما الذي قادهم الى هذا المسلك ؟
فمن جملة من قادهم اليه بعد بيان أن النزعة عمرية بدأت من عمر ابن الخطاب .. فالآن أن مما يدفعهم الى هذا أنهم راغبون بهذه الوحدة والإجتماع وقد وجدوا أن النصوص تفرقهم فقالوا الأولى الإعراض عنها والتمسك بالمصلحة
أن النصوص مختلفة متعارضة فهي سبب الخلاف في الأحكام المذموم شرعا ورعاية المصلحة أمر متفق في نفسه لا يختلف فيه ، فهو سبب الإتفاق المطلوب شرعا فكان إتباعه أولى
يعني صحيح الأحاديث نحن مأمورون بها ولكن وجدنا نتيجتها الإختلاف ووقوع الفرقة بيننا والإختلاف والله لا يرضى بالفرقة والإختلاف بيننا وهذا أمر مذموم شرعا !... المصلحة توحدنا من جانب آخر والتوحد والإتفاق أمر مطلوب شرعا فهذه تكسر تلك فيكون الأولى العمل بالمصلحة لا العمل بالسنة
ودائما أهل البدعة وأهل الضلالة والإعلام الخامنئي مثلا هؤلاء الضالون المضلون في وسطنا الشيعة أيضا .. هؤلاء يستدلون بمثل هذه الآيات وبمثل هذه الروايات لكي يدفعوا الناس الى وحدة شيطانية مذمومة شرعا مقبولة عرفا
هو يريد منك أن تنبذ السنة وتكفر السنة وتقدم عليها المصلحة فيستشهد بقوله تعالى وقال الله عز وجل وإعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا فلماذا نحن نتفرق .. نعمل بالسنة نتفرق .. نتمسك بالأحاديث ونتشدد في ذلك فستقع الفرقة فيما بيننا فالنعرض عنها وما شأننا بهذه الأحاديث
وقال الله عز وجل إن الذين فرقوا دينهم وكانوا شيعا لست منهم في شيء وقوله عليه الصلاة والسلام صلى الله عليه واله لا تختلفوا فتختلف قلوبكم وقال عز وجل في مدح الإجتماع وألف بين قلوبهم لو أنفقت ما في الأرض جميعا ما ألفت بين قلوبهم ولكن الله ألف بينهم وقال عليه الصلاة والسلام وكنوا عباد الله إخوانا
نلاحظ ان كل هذا الكلام يصب في مصب رعاية وحدة الأمة ! ومنعها من الفرقة والإختلاف بمعنى أن من الضروري الإهتمام بالوحدة والإجتماع كمصلحة راجحة ولو بالتضحية بالنص وبالسنة ما دامت مفرقة ، وهذا هو بعينه ما إحتج به المنافقون الكبار في إزاحة الوصي الشرعي الخليفة الأول الإمام علي ابن أبي طالب عليهما السلام .. فكانت هذه حجتهم .
رعاية المصلحة .. مصلحة أمة الإسلام ورعاية وحدتها وإجتماعها .. نعم أن رسول الله صلى الله عليه واله نص على علي وقد سلمنا بهذا ولكن لم يكن مقدرا للمصلحة كما ينبغي ، كما أنه هنالك قال نص على أنه تعال يا أبا بكر وتعال يا أبا هريرة قولا في الناس من قال لا إله إلا الله دخل الجنة ما كان مقدرا للمصلحة وقد رددناه هناك في حياته فكيف لا نرده بعد وفاته ؟ نحن نقدر المصلحة .. هذا الأمر صرح به عمر ابن الخطاب الذي هو أس وأصل وجذر هذا المسلك الشيطاني الخبيث في تحريف دين رسول الله صلى الله عليه واله وقلب سنته رأسا على عقب ..
معارضة عمر لحديث النبي صلى الله عليه واله ولأمره في حياته كاشف عن جواز معارضة النصوص الشرعية في زماننا إذا ما خالفت المصلحة ، أخرج مسلم بصحيحه برقم 31 في هذا الشأن
الحديث جاء فيه أن النبي صلى الله عليه واله قال لأبي هريرة وقد أعطاه نعليه إذهب بنعلي هاتين وقد أعطاه نعليه حتى لا أحد يشك في أبا هريرة ولا أحد يقول له إنك تكذب فهاتان نعلي النبي دلالة على أن ما تقوله وتنقله عن النبي صلى الله عليه واله فأنت صادق فيه
قال له : إذهب بنعلي هاتين فمن لقيت من وراء هذا الحائط يشهد أن لا إله إلا الله مستيقنا بها قلبه فبشره بالجنة ، فكان أول من لقيت عمر فقال ما هاتان النعلان يا أبا هريرة ؟
يدخل نفسه هذا اللعين في كل شيء وكأنه هو الحاكم المطلق
فقلت هاتان نعلا رسول الله صلى الله عليه واله بعثني بهما من لقيت يشهد أن لا إله إلا الله مستيقنا به قلبه بشرته بالجنة
فضرب عمر بيده بين ثديي فخررت لستي ( وقعت على مؤخرتي ) فقال إرجع يا أبا هريرة
عجيب ... النبي يأمره بشيء ويكلفه بشيء ويعطيه نعلاه الشريفتان لإمضاء وتنفيذ هذا الأمر النبوي .. بشارة نبوية وأنت يا عمر تأتي وتضربه .. فهل يستحق منك الضرب ؟ هل شرعا يجوز ضرب المؤمن ؟ المفروض أن ابو هريرة عند القوم مؤمن وممن له ختم رض
يقول ضربني بين ثديي حتى خررت لستي وجيد أنه لم يحدث في سرواله من وراء هذه الضربة .
فرجعت الى رسول الله فأجهشت بكاءا ، من هذا التصرف من عمر جاء يشتكي عند النبي صلى الله عليه واله .. وركبني عمر فإذا هو على أثري فقال لي رسول الله صلى الله عليه واله ما لك يا ابا هريرة قلت لقيت عمر فأخبرته بالذي بعثتني به فضرب بين ثديي ضربة خررت لستي ، قال إرجع فقال رسول الله صلى الله عليه واله يا عمر ما حملك على ما فعلت ؟ قال يا رسول الله بأبي أنت وأمي أبعثت أبا هريرة بنعليك من لقي يشهد أن لا إله إلا الله مستيقنا بها قلبه بشره بالجنة
هنا عمر يسأل النبي ليتأكد فالأصل عنده أن ابا هريرة كذاب ، إذا كانت رواية الصحابي على إصطلاحهم وتعبيرهم إذا كانت مقبولة وهو فوق الجرح والتعديل فيفترض أن عمر يصدق كلام أبي هريرة ولا يشك فيه ولا يذهب للنبي لكي يتأكد .. فلماذا يسأل النبي ؟
النبي أجابه قال : نعم قال فلا تفعل
يعني عمر يوضح للنبي أنك مشتبه لأن هذا كلامك ليس فيه مصلحة ..
لا تفعل لأني أخشى أن يتكأ الناس عليها
دعهم يصلون ويزكون ويحجون ويصومون ، ربما يتكلون ويقولون إنه تكفينا شهادة أن لا إله إلا الله .. فكلامك يا رسول الله ليس في محله وبشارتك هذه ليست في محلها فهذه خلاف المصلحة وخلاف الحكمة
لا تفعل .. فماذا فعل النبي صلى الله عليه واله حسب روايتهم طبعا
قال رسول الله صلى الله عليه واله فخلهم
ما دام كلامك يا عمر فكلامك هو الذي يمشي لأنك أعرف بالمصلحة .. وهذا الإعتقاد راسخ في أذهان أهل الخلاف ، أنه بالفعل عندهم إعتقاد راسخ أن عمر يصحح للنبي أخطائه يصوب له آرائه وينزل القرآن موافقا لرأي عمر .. فالصورة المرسومة عن عمر صورة جدا عظيمة في أذهان أهل الخلاف .. يتعاملون معه بهذا التعامل وكأنه هو القيم على رسول الله صلى الله عليه واله ، الوصي على النبي .. يعني النبي أحيانا ممكن يفرط أو يفرط يأخذه الإفراط أو التفريط فالذي يضبط الإيقاع المايسترو عمر فهو الذي يضبط الإيقاع ، فلذا من الطبيعي أنهم بعدئذ يستسهلون رد أحاديث النبي صلى الله عليه واله .. أصلا لا يتعاملون معها بتلك القدسية ويقولون هذه الأحاديث الأخرى التي جاءت من النبي .. هذه الأحاديث أيضا خلاف المصلحة وجدناها الآن فنحن على سنة عمر في ردها
نبطلها ونعمل بشيء آخر لأنها خلاف المصلحة .. وهذا المخالف الذي يستنكر أو يستبعد أن عمر رد نص النبي صلى الله عليه واله على علي أمير المؤمنين عليه السلام خليفة من بعده ويقول مستحيل لا يفعلها عمر ابن الخطاب .. أعمر ابن الخطاب يخالف سنة النبي ! فهذا الإنسان الجاهل الساذج يقال له نعم إذا كانت مصادرك تثبت أن عمر في حياة النبي لم يحترم النبي .. في حياة النبي كان يرد سنة النبي .. يردها بالعنف بالغلظة بالشدة الى حد أن أبا هريرة لما يبلغ عن النبي أمرا وبيده نعلي النبي يضرب من عمر ! ويرى أن الأمر الذي جاء به رسول الله خلاف المصلحة فيرده وينقضه .
إذا كان هذا الأمر محرزا في صفة عمر في حياة رسول الله صلى الله عليه واله فكيف لا يكون ذلك بعد إستشهاد رسول الله صلى الله عليه واله ؟ .. حينئذ ينطلق أكثر في رد سنة النبي صلى الله عليه واله
فمن يأتي يمكن أن يغمز أو يشكك في المقالة عن عمر وإعترافه بأنه علم أن النبي صلى الله عليه واله في مرضه كان سيصرح بإسم علي في كتابه فمنعه من ذلك .. فمن يرد هذا الحديث أو يحاول أن يشكك في سنده أو ما شاكل ، فمحاولته تكون فاشلة لأن هذا الحديث معتضد بحديث آخر في صحيح مسلم بل أحاديث تصرح بأن عمر ما كان يستحرم الرد على رسول الله حتى في حياته .
نحن نرى إستدلالا عجيبا إذا قبلنا الإستدلال مثلا من إستدلال الطوفي الحنبلي إستدلاله بهذه القصة قصة تبشير أبي هريرة للناس بأمر النبي ومنع عمر ومعارضته لهذا النص .. إذا قبلنا إستدلاله هذا بدعوى أنه في الحديث هذا ما يدل على أن النبي نزل على رأي عمر الموافق للمصلحة فكيف يمكن لنا أن نقبل إستدلاله بما هو عصيان لرسول الله وأدى الى إغضابه ..
الطوفي يقول إن لنا أن نعارض النصوص .. نصوص السنة للمصلحة .. المصلحة نقدمها على السنة ويأتي بأدلة على ذلك منها يقول أنه ذات مرة النبي صلى الله عليه واله أمر أبا هريرة أن يبشر الناس بأنه من قال لا إله إلا الله دخل الجنة فعمر عارض ذلك ونزل رسول الله على رأي عمر فنستفيد من ذلك جواز أن نعارض السنة النبوية لتصادمها مع المصلحة .. سلمنا وقبلنا ذلك على هناته وعلاته مع أن هذه إساءة لرسول الله ونحن لا نعتقد بأن النبي صلى الله عليه واله قبل بما فعله
هل رأيتم دين بالعالم هكذا ؟ يمشي بطريقة معكوسة .. أنت يفترض أن تستدل بالطاعة لتؤسس أصلا لا أن تستدل بالعصيان لتؤسس أصلا شرعيا .. ولكن أصول أهل الخلاف وفقههم كلها مقلوبة !