كتاب الشرح الكبير للرافعي الشافعي م 4 ص 4 ، يقول :
لو أحدث عمدا أو سهوا بطلت صلاته وإن أحدث بغير إختياره كما لو سبقه الحدث فلا خلاف في بطلان طهارته وهل تبطل صلاته ؟ فيه قولان الجديد أنها تبطل لأنه لا صلاة إلا بطهارة ثم مضى فقال وبهذا قال أحمد ويروى عن مالك أيضا والقديم ( أي الرأي القديم ) وبه قال أبو حنيفة أنها لا تبطل ! بل يتوضأ ويبني على صلاته وهو أشهر الروايتين عن مالك
معنى هذا الكلام ؟؟؟
الإنسان إذا كان في صلاته ونفرض أنه تعمد الحدث يعني تعمد مثلا إخراج الريح فهنا إجماع على أن صلاته باطلة ينبغي عليه أن يذهب ويتوضا من جديد ويصلي من جديد
البحث في فقه أهل الخلاف كان في هذه المسألة ماذا لو لم يتعمد الحدث في الصلاة ؟ اي سبقه هذا الحدث من دون إختياره .. أخرج ريحا من دون إختياره وهو في الصلاة
يقول قولان ورأيان ، قول يقول بطلت الصلاة مثل المسألة السابقة وعليه أن يذهب ويتوضأ ويستأنف الصلاة من جديد
قول ثان يقول لا!! هو الآن في وسط الصلاة وأحدث يذهب يتوضأ لنفرض أنه صلى ركعتين يتوضأ ويرجع فيكمل الركعتين الأضافتين فتتم له أربع ركعات يبني على صلاته !
هذا القول الثاني والفتوى الثانية هي فتوى أبي حنيفة .. الشافعي في القديم كما يقوله الرافعي أي الشافعي كان يقول بهذه الفتوى ولكن عدل عنها الى الفتوى الجديدة في آخر قوله وأشهر الروايتين عن مالك .. هنالك روايتان مالك يقول بالرأي القديم وهنالك رواية عن مالك بأنه صاحب رأي جديد في هذه المسألة يوافق قول الرافعي مثلا او ما ينقله الرافعي ولكن الرافعي يقول أشهر الروايتين عن مالك هو انه صاحب الرأي القديم بمعنى أن مالكا يذهب الى أن المصلي إذا أحدث في صلاته فأن صلاته لا تبطل بل عليه أن يذهب ليتوضأ ثم يرجع فيبني على صلاته ويتم باقي الصلاة .
لماذا قالوا بالبناء هنا ؟ أنه يبني على صلاته ويستأنف الصلاة .. بناءا على بعض الأدلة منها ما جاء في سنن ابن ماجه برقم 1221 ، عن ابن أبي مليكة عن عاشة قالت :
قال رسول الله صلى الله عليه واله من أصابه قيء أو رعاف أو قلس ( القلس دون القيء يعني إرجاع الطعام في فضاء الفم ) أو مذي وهم يعتبرونها من الحدث في الصلاة .. فلينصرف فليتوضأ ثم ليبني على صلاته وهو في ذلك لا يتكلم .. يعني لا يتكلم وهو ذاهب للوضوء ويرجع ليكمل الصلاة
ولكن هذا الخبر عن عائشة ضعيف !.. قال ابن حجر في تلخيص الحبير م1 ص 495 ، وأعله غير واحد أي قال أنه معلول غير واحد بأنه من رواية اسماعيل ابن عياش عن ابن جريج ورواية اسماعيل عن الحجازيين ضعيفة ، وقد خالفه الحفاظ من أصحاب ابن جريج فرووه عنه عن أبيه عن النبي صلى الله عليه واله مرسلا الى ما هنالك من كلام ... فالخبر يفترض في المقام الأول لا حجة فيه ولا يمكن الإحتجاج به لأنه ضعيف .
في المقابل هنالك حديث عن رسول الله صلى الله عليه واله أقوى من هذا الحديث ويدل على خلافه ، وهذا الحديث الثاني حديث حسن والحسن يحتج به لأنه ليس من أقسام الضعيف .. فيفترض أن الفقه يتجه الى هذا الخبر الأثبت عن النبي صلى الله عليه واله ، وهذا الخبر الأثبت ما جاء في سنن أبي داوود برقم 205 ، عن علي ابن الطلق وبعضهم يخطئ يقول عن علي ابن ابي طالب عليه السلام ولكن الرواية ليست عن علي وهذا ما أدى الى الإشتباه في أن الرواية عن علي عليه السلام ولكن الرواية عن شخص آخر من أصحاب النبي صلى الله عليه واله أسمه علي ابن الطلق .. قال :
قال رسول الله صلى الله عليه واله إذا فسى أحدكم في الصلاة فلينصرف فليتوضأ وليعد الصلاة
الخبر واضح ومعناه إذا أنسان أحدث في صلاته فصلاته باطلة .. ينصرف ويتوضأ ويعيد الصلاة ، وهذا الخبر وارد في سنن ابي داوود وسكت عنه أبو داوود والمعلوم أن ما سكت عنه أبو داوود في سننه يكون صحيحا بحكمه أو صالحا ، لأنه في رسالته الى أهل مكة قال : كل ما سكت عنه فهو صالح اي صالح لأن يحتج به .
وهذا الخبر أيضا صححه جماعة من أعلام أهل الخلاف منهم إبن حبان إذ أخرجه في صحيحه وآخرون حسنوه ومنهم ابن حجر العسقلاني وغيرهم فيفترض أن الفقه ينبني على هذا الخبر دون خبر عائشة ! ..
فلماذا تقلقلوا ؟ ما هو السر هنا ؟ لماذا ذهب بعضهم كأبي حنيفة ومالك في أشهر الروايتين عنه وسفيان الثوري أيضا وجماعة من فقهائهم والشافعي في القديم .. فلماذا هؤلاء ذهبوا الى الرأي الثاني ؟ أي البناء على الصلاة وعدم إستئنافها من الأول
بحسب الصناعة الفقهية يفترض إذا الخبر الذي هو خبر أبي داوود خبر علي ابن الطلق أثبت عن النبي صلى الله عليه واله أي يحكم بموجبه دون خبر سنن ابن ماجة عن عائشة ، لأنه ذاك ضعيف وهذا أقوى منه .. فلماذا هذه القلقلة ؟ وهذا الإضطراب !
السر في ذلك هو هذا !
سنة الشيخين ... سنة أبي بكر وعمر !
صحيح أن الخبر الأثبت عن النبي صلى الله عليه واله الحكم ببطلان الصلاة إذا ما أحدث أحد في صلاته ولكن أبا بكر وعمر ما عملا بهذا ! أين ؟
ارجع الى كتاب بدائع الصنائع للكاشاني الحنفي م 1 ص 220 ، يقول : وروي أن ابا بكر الصديق ( رض ) سبقه الحدث في الصلاة فتوضأ وبنى وعمر ( رض ) سبقه الحدث وتوضأ وبنى على صلاته
فعرفنا القصة أين ! .. لماذا ردوا هنا حديث النبي صلى الله عليه واله الأثبت ؟
السبب أنه حضرة جناب أبي بكر لما كان في الصلاة فسى أو عمل شيء من هذا القبيل ! يجوز أقوى من ذلك .. فهو متكاسل واين يعيد الصلاة من جديد فتوضأ بسرعة وأكمل ما بقي والمساكين واقفين الذين يصلون ورائه .. ونفس الشيء عمر فعل ، فإذ رأوا أن أبا بكر أحدث في الصلاة ولم يبطل صلاته بل بنى عليها وأكملها وكذلك عمر قالوا إذن هذه هي الفتوى المعتمدة !
وفي كتاب السنن الكبرى للبيهقي برقم 632 ، رواية أكثر تفصيلا عما أحدثه عمر ابن الخطاب في صلاته ... الرواية عن أبن أبي مليكة قال :
أن عمر ابن الخطاب بينا هو يؤم الناس إذ زلت يده على ذكره فأشار الى الناس أن أمكثوا ثم خرج فتوضأ ثم رجع فأتم بهم ما بقي من الصلاة !
هذه الصلاة بأي كيفية ؟ صلاة عجيبة غريبة ..
الكلام هو هذا .. لماذا لجأ القوم الى التعامل مع سنة النبي صلى الله عليه واله بمثل هذا التعامل ؟ ما هو السر في ذلك ؟
يعني لماذا بخسوا حقها ؟ أحاديث صحيحة يردونها لأن العمل على خلافها .. الإستحسان على خلافها .. الرأي على خلافها .. المصالح المرسلة على خلافها .. سد الذرائع على خلافها .. وهذه كلها أصول ما أنزل الله بها من سلطان ومرجعها الرأي والهوى
والآن نجد أن هذه النزعة كانت منذ القديم .. متأصلة في مثل أبي بكر وعمر وأخذها عنهما أمثال عبد الله ابن مسعود وعروة ابن الزبير ومن ثم تولدت منها كل هذه المباني الباطلة وتولد منها كل هذا الفقه الباطل الذي مسخ الشريعة وأفسد على الناس وضوئهم وصلاتهم وصيامهم وحجهم وزكاتهم وأفسد أنكحتهم وأفسد ما أفسد من دين الله وسنة نبيه صلى الله عليه واله ..
لماذا هذا الميلان لسنة أبي بكر وعمر على حساب سنة النبي صلى الله عليه واله ؟
إن الأمر لواضح .. أن هؤلاء ليسوا من اهل الإلتزام بالدين المحمدي الخالص الحقيقي بل هم من اهل الإلتزام بدين السقيفة ورجالها
إنكم متعصبون لأبي بكر وعمر .. والمسلم الحقيقي لا يتعصب للرجال بل يتعصب للحق .. يتعصب للكتاب .. يتعصب للسنة ..
فإذا ما جاء فعل الرجال أو أقوالهم على خلاف الكتاب والسنة ضرب بذلك كله عرض الجدار ، وقال أنا سني ما سنه النبي صلى الله عليه واله أمضي عليه فقط .
هذا المسلك الذي نجده في فقه أهل الخلاف ليس بمسلك اهل السنة الحقيقيين .. هذا مسلك أهل الخلاف .. الذين خالفوا سنة النبي صلى الله عليه واله .. الذين خدعوا الناس بزعمهم أنهم أهل السنة .
قد يقول قائل أن هؤلاء الفقهاء إنما قدموا عمل أبي بكر وعمر كان على قاعدة تقديم أفضلية ابي بكر وعمر على من دونهما من الصحابة .. أفضلية رواية الشيخين على ما دونهما من الصحابة وليس تقديمهما على عمل النبي صلى الله عليه واله ، لذلك يقدمون رواية الشيخين
نقول :
أولا هذا التوجيه بحد ذاته مخروم ، بأنه إن فرضنا أن هنالك ما صح عن النبي صلى الله عليه واله وكان موافقا للقرآن وخالفه أبو بكر وعمر ولو رواية عن رسول الله صلى الله عليه واله لوجب أن ينظر في الأصح وفي الأثبت وفي الأولى بأن يؤخذ به .. كأي تعارض ما بين الأدلة
أما أن تجعل الكفة دائما لأبي بكر وعمر ولو على هذا النحو وهو الرواية عن النبي صلى الله عليه واله فهذا إن لم يكن فيه دليل شرعي نصي كأن يقول النبي صلى الله عليه واله مثلا إن عليكم فيما لو تعارض عني الخبر أن تأخذوا بما قاله أبو بكر وعمر .. فحينذاك إذا فقدنا مثل هذا الدليل النصي فأن هذا الأمر يكون مخروما ولا يمكن المصير أليه
لا يقال هنا أن النبي قال عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي لأنه هذا حديث مجمل أوله أنه من هم هؤلاء الخلفاء الراشدون المهدييون ؟ من بعده ، فقولنا أنهم أئمة أهل البيت عليهم الصلاة والسلام لأننا ما وجدنا ضلالا يصدر منهم ولا إضلالا فكانوا هادين مهديين أما أبو بكر وعمر فما كانا على هذه الصفة ولا أقل من هذا الإجمال ولا يمكن التمسك بالإجمال في رد المحكم او المفصل
ولا يقال كذلك هنا أن النبي قال إقتدوا باللذين من بعدي أبا بكر وعمر ، فأما أولا فأن من ألفاظ هذا الحديث أن النبي صلى الله عليه واله قال أبا بكر وعمر على النصب وهذا يقتضي أنه تكلم بشيء سابق في هذا ووجه خطابا لأبي بكر وعمر بأن يلتزما باللذين من بعده أن يا أبا بكر ويا عمر ونحن نعلم أن اللذين تركهما من بعده النبي صلى الله عليه واله خليفتين وثقلين هما الكتاب والعترة .. فكأن النبي صلى الله عليه واله قال إقتدوا باللذين من بعدي أي الكتاب والعترة ووجه خطابا خاصا لأبي بكر وعمر قائلا أبا بكر وعمر أي يا أبا بكر وعمر ، فأن أبينا ذلك أو أسقطناه فإن هذا الحديث بحد ذاته فيه كلام ، وهنالك من أعلام أهل الخلاف من قال بأن هذا الحديث موضوع .. وضعه المتعصبون لأبي بكر وعمر
ولا أقل من وجود الشبهة فيه فلا يمكن التمسك به على أنه لا يعطي صكا تاما لأبي بكر وعمر بأن لهما هيمنة في مقام الترجيح بين الأدلة
وهذا الكلام فيما لو روى أبو بكر أو عمر شيئا عن النبي عارض ما ينبغي الأخذ بخلافه ، فكيف ولم يرويا شيئا ! ؟
إذ قدم أهل الخلاف عمل أبي بكر وعمر على الحديث الأثبت عن النبي صلى الله عليه واله الى أن هذا العمل كان صرف العمل وليس ما ينسب الى النبي صلى الله عليه واله
فأن قلتم إننا لا نرى أبا بكر أو عمر يخالفان النبي في شيء ولذا لابد أن يؤول أو ينزل عملهما منزلة السنة المنقولة العملية .. قلنا لكم هذا أول الكلام ، أنا لنا أن نلتزم بأن عملهما سنة عملية أو حاكية عن سنة النبي صلى الله عليه واله وقد ثبت انهما يخالفان ويعبران عن المخالفة ولا أقل من عمر لما يخالف النبي في رزية الخميس في وجهه ! وأنا لنا أن نقول إنهما حاكيان عن هذه السنة والمسألة إبتلائية وقد إنفردا بها
يعني مسألة إبتلائية تتعلق بصلاة النبي صلى الله عليه واله وهذه الصلاة التي كان يوميا يصلي بالمسلمين خمس مرات على الأقل .. هذه ينفرد أبو بكر وعمر بذلك ..
هب أنها كانت هكذا ، نفرض أنها كانت سنة محكية عملية .. فهذه الحكاية ظنية في أحسن فروضها بمعنى أن الفقيه يقول هذه المخالفة الآن من أبي بكر وعمر أنا أجردها من المخالفة وأقول أنها موافقة لسنة النبي ولكني لا أستطيع أن أقول هذه الموافقة قطعية بل هي ظنية لأنه قد تكون مخالفة صرفة .. أنهم كانوا أحيانا يخالفون رسول الله صلى الله عليه واله كما خالف عمر رسول الله في قضية التيمم ، تيمم المجنب ولم يعمل حتى بقول عمار وهدده وقال له إتقي الله يا عمار .. عمار يقول له ألا تتذكر النبي هكذا أمرني وهكذا كنت مجنبا في ذلك السفر وتيممت وهو يقول إتقي الله يا عمار فقال إن شئت لم أحدث به وهذا فرض من قبل عمر
إذن فهو كان يخالف .. وإذ صح أنه يخالف أحيانا ويجتهد برأيه كما يقوله أهل الخلاف في فقههم وأصولهم أنه كان أحيانا كان يجتهد هؤلاء ويخالفون النبي صلى الله عليه واله في أمر .. فإذن كفقيه إذا ما رأيتم مخالفة منهم فأنزلها منزلة الموافقة فهذا في أحسن فروضه ظن ، والظن هنا لا يمكن أن يقاوم القطع .. الدليل الذي جائني عن النبي صلى الله عليه واله إن كنت محجوجا به إن كان هذا الحديث تاما في شرائط الحجية فما ينبأني به مقطوع به .. أي إستدلالي بالنص مقطوع به أما إستدلالي بعمل أبي بكر وعمر على أنه كاشف عن النص هذا ظني والظني لا يقاوم القطعي ..
النبي يأتي فيقول مثلا إذا أحدث الرجل في صلاته فعليه الإعادة وهذا نص دلالته قطعية ، أما عمل ابي بكر وعمر المخالف لهذا أن أقول إن عملهما كاشف عن حكم النبي وسنته هذا ليس بنص ولا ظاهر .. هذا إستدلال ظني في أحسن فروضه ، والظني لا يقاوم القطعي .
فعجبا لماذا تمسكوا بالظني وأهملوا القطعي ؟ وهل هذا إلا إعراض عن سنة النبي صلى الله عليه واله ؟
هذه المسألة التي ينبغي الإلتفات اليها
ثم أن هذا المثال ليس الأوحدي في المقام بل عشرات الأمثلة ... أنهم لطالما حاولوا الإعراض عن سنة النبي صلى الله عليه واله إما ردها وإما تأويلها ومخالفتها بنحو من الأنحاء لعمل أبي بكر وعمر ولعمل أهل المدينة حتى قال الليث ابن سعد أحصيت على مالك ابن أنس سبعين مسألة خالف فيها الأحاديث الصحيحة عن رسول الله صلى الله عليه واله لرأي نفسه ، فماذا نفعل مع كل هذا ؟
وهذا بمجموعه ينبأنا أنه هنا هنا تعصبا وتقديما لعمل ابي بكر وعمر وسنتهما وسيرتهما وإنحدر عنهما أو إتبعهما أهل المدينة على إصطلاح مالك وأضرابه وهذا كله ليس له تفسير سوى أنه خيانة لرسول الله صلى الله عليه واله ولسنته .