أطعنا بني تيم ابن مرة شقوة .... وهل تيم الا أعبد وإماء
وأنك لو رأيت عبيد تيم .... وتيما قلت أيهما العبيد .
هذان بيتان من الابيات الشعرية التي تدل دلالة واضحة على ان العرب كانوا يعتبرون قبيلة تيم ابن مرة وهي قبيلة ابي بكر ابن ابي قحافة قبيلة العبيد والاراذل .
فكانوا يترخصون شأن هذه القبيلة والبيتان أولهما للشاعر عمير ابن الاهلب الضبي الذي ندم في آخر لحظات حياته قبل ان يموت من أثر الجراح ندم على مشاركته في واقعة الجمل نصرة لعائشة ضد أمير المؤمنين صلوات الله وسلامه عليه
أما البيت الثاني فهو للشاعر جرير
لماذا وصفت هذه القبيلة بأنها قبيلة العبيد والإماء ؟ السبب في ذلك هو أن الاستلحاق كان متفشيا فيهم ، أي بمعنى أن أهل هذه القبيلة كانوا قد أعتادوا على أن يشتروا العبيد من الحبشة وغيرها ثم يستلحقونهم أي يتبنونهم ويجعلونهم بمثابه الأبناء ، ثم هؤلاء كانوا يتناسلون بطبيعة الحال الى ان أصبحت قبيلتهم هذه قبيلة مهجنة ( هجينة ) وليست من القبائل العربية الاصيلة !
لهذا السبب لوحظ على أبناء هذه القبيلة ( قبيلة تيم ) أنهم كانوا شديدي السواد ، يعني لونهم كان لونا أسود بشدة ، وحتى أبو بكر وكذلك طلحة وكذلك عائشة وكل من ينتسب الى هذه القبيلة ذكر المؤرخون في صفاتهم أنهم كانوا من السودان وكانوا سود اللون
فمثلا ورد في كتاب عيون الأثر لإبن سيد الناس ص 449 ، في وصف ابي بكر ابن ابي قحافة أنه كان أسود اللون آدما ( كان رجلا طوالا آدم ) طويل وآدم اللون أي بمعنى أسود اللون .
كذلك ورد في وصف عائشة أنها كانت أدماء كما نجده في لسان الميزان لإبن حجر ج 3 ص 124 ، والتاريخ الكبير للبخاري ج 4 ص 104 ، وإن كان البخاري وابن حجر قد رويا هذه الرواية عن الراوي في معرض تكذيبه !
لأن المخالفين يعتقدون بأن عائشة كانت بيضاء ! وأن بياضها كان مشربا بحمرة ! ولهذا سميت بالحميراء ! وأطلق رسول الله صلى الله عليه واله عليها وصف الحميراء ... لكن هذا خلاف الواقع والحقيقة
والسبب أنه لم يعهد عند العرب أنهم يصفون المرأة البيضاء المشربة بحمرة بالحميراء وانما كانوا يصفونها بالزهراء ! البيضاء المشربة بحمرة تسمى عند العرب بالزهراء
ولهذا وصفت سيدة نساء العالمين فاطمة صلوات الله عليها بالزهراء ، ووصف أبوها كما في رواية عن أنس ابن مالك رويت في مصادر المخالفين وصف بالأزهر لأنه كان أبيض مشربا بحمرة .
فلو كانت عائشة على ما يزعمه المخالفون بيضاء مشربة بحمرة ، لوجب أن توصف بالزهراء لا أن توصف بالحميراء !
وأما معنى الحميراء فيرجع فيه الى المعاجم والى كتب اللغة والاشعار وما أشبه إذ يتجلى المعنى حينئذ ، فقد وجدنا مثلا في كلام العرب هذا المثل يقولون :
شر النساء الحميراء المحياض ! والسويداء الممراض ، أي معنى الحميراء يكون ها هنا هي المرأة التي يكثر عندها الحيض والاستحاضة ، وهي تكون من شر النساء !
والسويداء الممراض ، أي المرأة التي تكون سوداء وهي كثيرة المرض ، وعائشة كانت تنطبق عليها هذه الصفات مجتمعة ... ولكن التعرض الى هذا بالتفصيل ليس في وارد بحثنا
ورد أيضا في وصف طلحة بأنه كان اسود اللون وهكذا كانت قبيلة تيم ، وبهذا يتأكد عندنا انما ما يروى من أكاذيب من أن أبا بكر او عائشة كانا أبيضا اللون فهذا يكون من جملة الأكاذيب إذ لا يعقل ان يكون أبناء القبيلة المشتهرة بسوادها بيضا فجأة ، وكأن آباءهم كانوا روما او فرسا !
فإذن ، ألوان هذه القبيلة كانت سوداء وفي ذلك دلالة على أنهم كانوا سوادهم ليس أقرب لسواد العرب ، فالعرب كان فيهم سود ولكن سوادهم مائل الى السمرة لا سوادا غامقا
كما نجده الان في افريقيا ، فاذا قارنا الحبشي مع اليمني مثلا او العربي الأصيل في مكة او المدينة او غيرهما نجد هنالك تمايزا في اللون بين هذين ، فذاك الذي يكون من الحبشة يكون سواده أكثر شدة .
ولذا نعيد ونكرر كان يقول جرير وانك لو رأيت عبيد تيم ... وتيما قلت ( تساءلت ) أيهما العبيد !
فأبو بكر كان لاشك من القبيلة المستحقرة في مكة والقبيلة التي يغلب عليها العبيد السود ولو لاحظنا أو تدبرنا جيدا لوجدنا أن بكر أسمه يدل على عبوديته ... أسمه يدل على عبوديته ! فأن أسمه هو عتيق !
والعتيق هو ذلك الذي يكون عبدا فيعتق ، فيسمى عتيقا .... وهذا مشهور في اللغة العربية ومعروف ، ونجد فيه إشارات حتى في بعض أحاديث المخالفين فمثلا تروي عائشة في إحدى الاحاديث المعتبرة عن طريق المخالفين أنه كان هنالك مولى لرسول الله أعتقه فهو عتيق ( مضمون الحديث )
فمعنى كلمة العتيق هو ذلك الذي يعتق من العبودية ويمن عليه بالحرية ، فأسم أبو بكر هو عتيق .
المخالفون أشتهر في أوساطهم ان اسم أبا بكر هو عبد الله ولكن الحال خلاف هذا ... اذا سلمنا بأن أسم أبا بكر هو عبد الله فأنا نحمل ذلك على ان رسول الله صلى الله عليه واله سماه هذا الاسم
لأن رسول الله صلى الله عليه واله كان يغير أسماء الناس بما يتلاءم مع الوضع الإسلامي الجديد ، فمن يكون في أسمه شيء من المنقصة وشيء من المثلبة فأنه كان يحوله الى أسم آخر
وابتدعوا لذلك كثيرا من الاقوال ! تارة يقولون بان رسول الله قال له أنت عتيق الله من النار ، يعني الله أعتقك من النار فأنت لاشك داخل الى الجنة فيقولون منذ يومئذ سمي بالعتيق ، وتارة يقولون انه سمي بالعتيق لجمال وجهه والحال أن وجهه كما بحثنا في صفاته الشخصية التي وردت في التأريخ نجد أنه كان يلقب بأخيف بني تيم !
أخيف بني تيم ماذا تعني ؟ يعني عين كانت سوداء والعين الثانية كانت زرقاء ( مسخ ) ووجهه لم تكن فيه أدنى مسحة من الجمال على الاطلاق
كان أسود وكانت عيناه غائرتين والى غير ذلك من الصفات التي وردت في شأنه ، فليس فيها شيء من الجمال .
ثم وجدنا ما هو أصعب من هذا الامر على القوم وهو أن عائشة كذبت ما روته عن رسول الله صلى الله عليه واله فناقضت
إذ روت مرة من أسره ان ينظر الى عتيق من النار فلينظر الى ابي بكر وثم في رواية أخرى كذبت ذلك وأكدت أن أبا بكر أسمه الأصلي هو عتيق وأن اباه سماه بهذا الاسم أساسا وفي نفس هذه الرواية يظهر مدى إرتباك عائشة أنها في البداية أدعت ان اسمه عبد الله ثم أرتبكت لما جوبهت بحقيقة أن اسمه أصلا عتيق .. أرتبكت فصححت الامر وأقرت واعترفت بأن اسم أبا بكر عتيق بالأصل
هذه الرواية يرويها ابن حجر في الإصابة ج 4 ص 146 ، ويرويها غيره أيضا في مصادر متعددة ، عن القاسم ابن محمد ابن ابي بكر يعني عائشة تكون عمته إذ هو ابن محمد ابن ابي بكر قال :
سألت عائشة عن أسم ابي بكر فقالت عبد الله ، القاسم يقول سألتها أولا عن اسم ابي بكر فقالت عبد الله فقلت ان الناس يقولون عتيق ! المشهور عند الناس ان اسم أبا بكر هو عتيق ، قالت ان أبا قحافة والد ابي بكر كان له ثلاثة أولاد فسمى واحدا عتيقا والثاني معتقا والثالث عتيقا ( بضم العين ) وفي لفظ آخر معيتقا
ماذا نصنع الان بهذه الرواية عن عائشة ؟ في هذه الرواية نلاحظ عدة ملاحظات
الأولى ان عائشة تتناقض أولا تناقضت بأنها روت سابقا أن أسم عتيق جاء من قبل رسول الله صلى الله عليه واله لما قال من سره ان ينظر الى عتيق من النار فلينظر الى أبو بكر ، وهنا تجعل أسم عتيق قد جاء لإبي بكر ونحل له من قبل أبيه بي قحافة !
الثاني أنه في نفس هذه الرواية هي تتناقض وتكذب نفسها بنفسها ففي البداية لما تسأل عن أسم ابي بكر فتقول عبد الله ثم بعد ذلك لما تجابه بحقيقة ان الناس قد اشتهر بينهم باسم عتيق فلم تقل مثلا اسمه عبد الله ولقبه عتيق ؟ لأنه رسول الله سماه بكذا
وإنما تؤكد ان أبا قحافة كان له ثلاثة أولاد ، والثلاثة أولاد سماهم بأسماء متشابهة ترجع الى أصل واحد وجذر واحد والى مادة واحدة ، وهي مادة العتق ؟ عتق ، يعتق فلانا فهو عتيق وهو معتق والمعتوق عتيق
فسمى واحدا عتيقا وهذا أبو بكر وكان له أخوان الثاني معتق والثالث عتيق ( بضم العين ) فاذا كان اسم عتيق لأبي بكر قد جاء من قبل رسول الله صلى الله عليه واله فعجبا كيف وجدنا أخويه الاخرين لهما اسمان متشابهان ، فكل هذه الأسماء ترجع الى معنى واحد وهو ان هؤلاء كانوا عبيدا وقد أعتقوا .
وهذا هو الصحيح ، وهذا هو الواقع ... كما تؤكد مصادر السيرة والتأريخ بإستفاضة فالقرائن التي نجدها كثيرة في هذا المعنى