أحمد آيت أعريان - ظلال الأساطير

هذا الكتاب

لم ير علي ما قامت به جدته إلا عند الظهيرة، عندما جلس تحت شجرة بَلُّوط، وبدأ يعْزف على شبابته، وإذا بالتيس يقترب منه شيئا فشيئا إلى أن صار أمامه.

نظر إليه علي فرأى غُرَّته مخضبة بالحناء، حينئذ أمسك بقرنيه، وقال له:

- إِوَا مَبْروُكْ الحنَّاءْ.

في ذلك اليوم نفسه، ذهب علي إلى المغارة عند إحساسه بالعطش، ولما شرب من العين، أزال ملابسه واغتسل، وقبل أن يخرج سمع قهقهاتٍ تملأ المكان، كما سمع إيقاعات على الدف مصحوبة بغناء أمازيغي شجي.

تسمر في مكانه وفرائصه ترتعد من شدة الخوف، إلى أن سمع امرأة تقول بالأمازيغية لامرأة أخرى ما معناه:

- يا هَمْهَرِيَّة ها ربِّي جاب لْبَنْتَكْ هذا لَغْزالْ، ما عدا إلى ما فيها الْفَايْدَة.

قفز علي من مكانه كالملسوع، وأسرع نحو الباب، فتبعه شبح وهو يقول:

- اتْسنَّى اَلزِّينْ نْقُولْ لِيكْ اَتْسَنَّى.

من شدة فزعه كان يجري ويلهث، وملابسه في يده، ولم يتوقف عن الجري حتى دخل وسط غنمه، رءاه التيس على ذلك الحال فضحك ضحكة لم يضحكها من قبل.

في المساء اختلى بجدته وحكى لها ما وقع له، فنصحته بألاَّ يعود إلى تلك المغارة مرة أخرى، لأنها قد تكون مسكونة بالجن.

وقد ظل علي خائفا من الاقتراب منها، وكلما تذكر الجرة المليئة بالذهب، حدثته نفسه بأنها كانت ولا شك في ملكية جنِّي، وإذا تفقدها يوما - لا قدَّر الله – ولم يجدها، فسيبحث عنها في كل مكان إلى أن يعثر عليها.

كما حدثته نفسه بأن التيس الذي دله على تلك المغارة، ليس كالتيوس الأخرى، فقد يكون ممسوسا، وأكبر دليل على ذلك، خِفَّتُه ومرحه، وحركاته المستعصية على الفهم.

مقتطف