مقدّمة

بِسْمِ الله اَلرَّحْمَنِ الرّحيم

توطئة:

يكثر أن نسمع أو نقرأ أن أسماء النجوم في الفلك الحديث هي أسماء عربية . و الراصدون العرب الذين يتابعون النجوم في الأطالس الحديثة, يلفت انتباههم كثرة الأسماء العربية التي يقرؤونها بأعينهم في الأطالس و الجداول , بالأحرف اللاتينية طبعاً.هذه الأسماء نفسها لا توجد في الخرائط و الجداول و حسب , بل توجد في كل الكتب و المقالات الفلكية التي تتحدث عن النجوم. و هي تبدو غريبة للأوروبيين و عليهم أن يحفظوها عن ظهر قلب. و لكن الراصد أو القارئ العربي يجد أنها أليفة لديه ,

بعضها بلغة عربية فصحى واضحة كل الوضوح , و البعض الآخر يلوح أنه عربي و إنما يصعب تحديده.

إن الطابع العربي واضح في أسماء النجوم الحديثة , و هذا هو الذي دفع عالماً في اللغة العربية مثل أمين فهد معلوف إلى وضع ((المعجم الفلكي)) , و دفع الأستاذ منصور حنا جرادق إلى وضع ((القاموس الفلكي)) , و كلاهما في مقدمته لكتابه يذكر هذه الحقيقة .

و الدافع نفسه هو الذي دفعني شخصياً إلى دراسة أسماء النجوم و التوسع فيها . فقد كنت راصداً للنجوم أتابع أسماءها في الأطالس الإنكليزية المختلفة , فراعني كثرة ما كنت أجد من الأسماء العربية . و هدف هذا الكتاب هو أن أبيّن أصول هذه الأسماء و كيف و صلت إلى الفلك الحديث في أيامنا هذه

نشوء علم الفلك عند العرب :

منذ أواخر القرن الثامن الميلادي ازدهرت حركة الترجمة عند العرب لجميع العلوم , و الفلك منها . أخذوا الكثير من الهند و اللغة السريانية و الإغريق . لكن جوهرة الفلك وجدوها في كتاب المجسطي لبطليموس . فترجموه عدة مرات و علقوا عليه و شرحوه , و كان هو الأساس فيما عندهم من فلك . لقد وجدوا فيه أخطاء كثيرة , هنا و هناك , فصححوها . و لكنها كانت أخطاء ثانوية لم تغير شيئاً  في اللب و الجوهر .

المجسطي :

هو الدستور الذي كان يسير عليه علم الفلك في القرون الوسطى . و هو كتاب علمي بلا شك , و إن كان يقوم على أساس خاطئ , هو إن الشمس , بل الكون كله , يدور حول الأرض .

و قد قسَّم المجسطي نجوم السماء إلى مجموعات بحسب ما عرف بطليموس من الأساطير الإغريقية . و سمّى العرب كل مجموعة (كوكبة) أو (صورة). و رسم شكلاً على الكوكبة يوحي باسمها , و وضع النجوم على الشكل و عيّن لكلّ نجم طوله و عرضه في السماء (الذي يسمى الآن الطول و العرض بالنسبة لدائرة البروج) . و ما دام قد أعطى هذا التحديد بالأرقام , إذاً لم يعد مجال للخطأ في نجم أو في الالتباس بينه و بين نجم آخر.

و قد جاء الفلكيون العرب فسمّوا كلّ كوكبة :

          أ‌-          إما باسمها الموجود في المجسطي نفسه , مثل برشاوس و قيفاوس و اللورا .

       ب‌-       أو ترجموا الاسم إلى العربية , مثل الشجاع و الدب .

       ت‌-       أو وضعوا اسماً عربياً كان يطلق على الكوكبة , مثل العوَّاء و الجوزاء .

كان بطليموس قد أعطى كل نجم في الكوكبة رقماً خاصاً به . و فعل العرب الشيء نفسه , فأعطوا النجوم  في كل كوكبة أرقاماً و إنما وضعوها على شكل حروف تدلّ على هذه الأرقام . و قد يكون رقم النجم في الكوكبة كافياً للدلالة عليه في أثناء الدراسة . لكن جرت العادة أن تعطى بعض النجوم أسماء أعلام خاصّة بها , على الخصوص تلك النجوم النيّرة التي تطلق عليها الشعوب أسماء .

أسماء النجوم عند العرب :

عندما استوعب العرب الفلك و ظهر العلماء الفلكيون الكبار , و أخذوا يضعون الأزياج و الجداول , و يكتبون الكتب الفلكية , نجد أن أسماء النجوم التي يطلقونها هي أسماء عربية , على العكس من أسماء الكوكبات . و لا نجد إلا اسماً يونانياً واحداً هو (السرما) أو (إيوتا العذراء) الذي يرويه الصوفي عن بطليموس .

وضع الفلكيون الأسماء العربية التي عرفت في البادية مثل الشعريين و الفرقدين و السمّاكين . و وصفوا التشكيلات النجمية , سواء في كوكبة واحدة أو في أكثر من كوكبة , مثل النسق الشامي و النسق اليماني و الناقة و الكف الخضيب و الكف الجذماء .

أما النجوم الأخرى فكانوا يرسمون صورة الكوكبة و يضعونها عليها و يعطوها أسماء بحسب موقعها من الصورة , على غرار ما فعل بطليموس . فهذا على الأنف و هذا على الفخذ و هذا على العاتق ... من هذه الصفات نجد أن نجوماً في الفلك الحديث قد استمدت أسماءها .

الترجمة إلى اللاتينية :

إن المستوى الحضاري الراقي الذي وصل إليه العرب في حضارتهم جعل أوروبا تنقل ما عندهم من علوم لكي تهتدي بها . فازدهرت الترجمة من العربية إلى اللاتينية ( و كانت هذه هي لغة العلم في جميع أوروبا آنذاك ) ابتداءً من القرن الثاني عشر الميلادي ,  وخاصة في الأندلس . و أخذ المترجمون و الناسخون ينقلون من اللغة العربية , و ظهر العلماء الكبار في الغرب , فوضعوا الكتب و الأطالس .

و دامت هذه العملية بضعة قرون من الزمن . و بين النقل و النسخ , نجد كثيراً من التحريفات قد طرأت على كثير من أسماء النجوم .

إن متابعة هذه التسميات و معرفة ما طرأ عليها من تحريفات , تحتاج إلى أن نبتدأ من الأساس , من الصورة التي نقلها العرب عن بطليموس . و قد اخترت كتاب الصوفي (( صور الكواكب الثمانية و الأربعين )) لأنه الكتاب العلمي الدقيق الشامل , فنقلت الصور عنه , فالنجم قد يكون استمد اسمه من الصورة.

و لكي يكون الكتاب صالحاً للرصد و المتابعة العملية في السماء , ألحَقْتُ في آخره أطلس يستطيع القارئ أن يعرف منه موضع كلّ كوكبة  والوقت الذي يجدها فيه . و قد رسمته على نمط الأطالس الحديثة و إنما وضعت عليه صور الصوفي لسهولة الاستدلال .

التسمية في الفلك الحديث :

يسمّي الفلك الحديث النجوم حالياً بالأحرف اليونانية  . ألفا .. بيتا .. غاما .. دلتا .. إلخ . و يوزع الحروف الأربعة و العشرين اليونانية على النجوم الظاهرة في الكوكبة . حتى إذا انتهت هذه الحروف و كانت هناك نجوم أخرى خافتة فإنه يعطيها أرقاماً أو أحرفاً لاتينية . و لكن الفلك الحديث , بالإضافة إلى هذه التسمية , يعطي الكثير من النجوم أسماء نجدها في الأطالس و الجداول و الكتب .

على أية حال , فقد آثرت في الصورة التي نقلتها عن الصوفي أن أسمّي النجوم التي على الصورة بالحروف اليونانية لكي يربط القارئ النجم الذي عناه الصوفي بالفلك الحديث مباشرة .

و لهذا كان من الضروري على قارئ هذا الكتاب أن يعرف الحروف اليونانية . فالحديث عن أيّ نجم سيكون بذكر اسمه بالحرف اليوناني , ايّ بحسب التسمية في الفلك حالياً .

و تمشّياً مع هدف هذا الموضوع , فإنني أستطيع أن أصنّف أسماء النجوم في الفلك الحديث بالنسبة إلى علاقتها مع الأسماء العربية إلى ستّة أصناف , و هي كما يلي :

أولاً : نجوم لها أسماء ليست عربية

‌أ.        أسماء لاتينية تبلغ حوالي خمسة عشر اسماً . منها أسماء احد عشر نجماً نيراً من القدر الأول , و هذه من المتوقع أن يكون لها أسماء شعبية و أن تكون معروفة سابقاً عند الأوروبيين , و عند قيامهم بالترجمة أبقوا على هذه الأسماء لشهرتها عندهم .

أما النجوم من القدر الأول ذات الأسماء اللاتينية فهي :

 

و النجوم التي تحمل أسماء لاتينية , بالإضافة إلى هذه النيرة , هي :

و قد جاءت هذه التسمية في العصر الحديث , لا أيام الرومان .

 

‌ب.   نجمان لهما اسمان فارسيان :

النجوم الثلاثة المصطفّة في كوكبة العقاب (ألفا) و (بيتا) و (غاما) كان العامة عند العرب يطلقون عليها اسم   ( الميزان ) و ترجمها نصير الدين الطوسي إلى الفارسية (شاهين ترازو) أي قبّ الميزان. ثم وزّع هذا الاسم الأخير على النجمين (بيتا) و (غاما) . أصبح (بيتا) اسمه الشاهين , و جرى تحريف على ترازو و أعطي للنجم (غاما) ((كونيتش)) .

‌ج.    هناك اسم تركي , هو :

و هو تحريف كلمة ( يلدز ) التركية و معناها كوكب .

 

‌د.       هناك اسم عبراني , هو :

 

‌هـ.       هناك اسمان غير عربيين , غير معروف أصلهما بالنسبة لكاتب هذا الكتاب على الأقل :

و يعلق الدكتور كونيتش قائلاً إن الاسم من أصل بابلي أدْخِلَ مؤخراً , مأخوذ من بعض الأبحاث المعاصرة عن الفلك عند البابليين .

ثانياً : أسماء لاتينية وضعت ترجمة للاسم العربي الذي بدوره كان ترجمة للاسم اليوناني في المجسطي

و قد ورد لأول مرة في ترجمة لاتينية لأحد كتب أبي معشر البلخي المنجّم ( كونيتش ) .

إنّ الاسماء التي ذكرتها في ( أولاً ) و ( ثانياً ) هي كل الأسماء الأجنبية اللاتينية التي استطعت أن أجمعها من الجداول و الأطالس الفلكية الحديثة المتيسرة لدي , و إذا كانت جداولي و أطالسي كاملة , فقد يعتبر هذا حصراً .

أمّا ما تبقى من أسماء النجوم , و هو يزيد كثيراً على الثلاثمائة , فهو عربي بشكل أو بآخر , قد يكون عربيّاً أصيلاً و قد يكون عربياً أصيلاً و قد يكون ترجمة عن بطليموس.

ثالثاً : نجوم ذات أسماء عربية صرفة

أ‌.        منها ما هو واضح جداً , مثل :

 

ب‌.   و منها ما يلوح لأول وهلة أنّه غير عربي , نظراً لصعوبة أداء اللفظ العربي بالأحرف اللاتينية , مثلاً :

 

رابعاً : نجوم حدث تحريف في أسمائها , فأصبحت تبدو و كأنها غير عربية

 

خامساً : نجوم أخذت أسماء عربية كان وضعها العرب لنجوم غيرها

ألفا الكلب الأصغر هي الشعرى الشامية أو الغميصاء , عندما نقلها العلماء الغربيون و ضعوا لها اسماً Procyon . و لكنهم أخذوا اسم الغميصاء و وضعوه للنجم ( بيتا الكلب الأصغر ) , فأصبح اسم ( بيتا ) الآن في الفلك الحديث Gomeisa  .

و بالمثل , أطلقوا اسم Canopus على ( الفا القاعدة ) الذي عرفه العرب باسم سهيل . و أخذوا اسم Suhail و أطلقوه على نيّر قريب له هو ( لامدا الشراع ) .

 

سادساً : نجوم لها أسماء عربية و ضعها الباحثون الغربيون لم ترد عن العرب أصلاً

و من هذا النوع الأمثلة التالية :

 

 

أرجو من القارئ أن يتذكر أنّ البحث ينطبق على ما في الفلك الحديث من نجوم ترى في المناطق المعتدلة الشمالية حتى خط عرض 28 تقريباً , أيّ النجوم التي عرفها العرب و عرفها بطليموس .

و هو يتناول جميع أسماء النجوم في الجداول و الأطالس و الكتب الفلكية الحديثة باللغة الإنكليزية . و هي نادراً ما تختلف عن اللغات الأوربية الأخرى في هذا الشأن .

أقول جميع أسماء النجوم , و أعني تلك التي صادفتها في دراستي و في رصدي , و إذا و جد القارئ نجماً لم أذكره , فباستطاعته بالاسترشاد بالصور و بالأحرف اليونانية و بقليل من العناء , أن يعرف سبب التسمية و أصلها .

الدكتور عبد الرحيم بدر

المقالات موجودة في المجلدات التالية من مجلة مجمع اللغة العربية بدمشق :

قام بتحرير النص و الصور

  قتيبة أقرع

kutaibaa@gmail.com