بعض مقالات عبد الرحيم بدر

مجلة التراث العربي-مجلة فصلية تصدر عن اتحاد الكتاب العرب-دمشق العدد السابع – السنة الثانية –نيسان "ابريل" 1982

Updated: Sunday, December 14, 2003 01:51 AM

عن العرب والنجوم - الدكتور عبد الرحيم بدر

حاجة أهل الجزيرة لمعرفة النجوم:‏

يقول الدينوري في كتاب الأنواء "يقال أن أعلم العرب بالنجوم كلب وبنوشيبان، وأن العلم من كلب في بني ماوية ومن شيبان في مرة. وصحبني رجل من الأعراب في فلاة ليلا، فأقبلت أسأله عن محالّ قومٍ من العرب ومياههم. وجعل يدلني على كل محلة ينجم وعلى كل ضياء (وقد تكون خباء) بنجم. فربما أشار إلى النجم وسماه، وربما قال لي، تراه، وربما قال لي، ولّ وجهك نجم كذا، أي اجعل مسيرك على نجم كذا حتى تأتيهم. فرأيت النجوم تقودهم إلى موضع حاجاتهم كما تقود مهايع الطرق سالك العبارات" 1‏

والواقع أن الصحراء الواسعة التي تمتد أطرافها لتتصل باللانهاية تملي على قاطنها أن يعرف موقعه منها، فيعرف كيف يصل إلى مورد الماء وإلى مواطن الكلأ يرعى إبله، ويعرف منازل القبائل الأخرى لكي يغزوها إذا شعر بالقوة أو يفر من وجهها إذا شعر بالضعف.‏

وكان يشعر بحاجة أقل من ذلك إلى معرفة مواعيد الفصول وهطول الأمطار وتقلبات الجو. وفي الواحات التي تصلح للزراعة كان يريد أن يعرف مواعيد الزراعة ومواعيد الحصاد.‏

كل هذه الحاجات جعلت الأعراب في الجاهلية وبعد الجاهلية يعرفون مواقع بعض النجوم التي قد تهديهم سواء السبيل.‏

وكان العرب يسمون هذا النوع من المعرفة بالتنجيم. وعندما أصبح علماً مدروساً سموه علم الهيئة.‏

وما جاء الدين الإسلامي حتى ازدادت الحاجة إلى علم الهيئة لتحديد أوقات الصلاة وأوقات الصيام، ومعرفة اتجاه القبلة.‏

حاجات الأمم الأخرى لمعرفة النجوم:‏

أما الأمم التي سبقت العرب في حضارتها فقد كانت لها دوافع أخرى أو دوافع مماثلة. غير أن جميع الأمم التي كانت لها حضارات في العصور القديمة والعصور المتوسطة – والعرب منهم- كانوا يؤمنون بأن لحركات الكواكب في السماء أثرا في حياة الإنسان وتصرفاته في القدر الذي طتب له، قد يكون سبب ذلك راجعاً في الأساس إلى حضارات ما بين النهرين التي كانت ترى أن الكواكب تتقمص روح الآلهة . ولكن كل حضارة ركزت دراستها على نوع معين، بحسب الفكرة التي كانت تسود تلك الحضارة عن هذا الأثر.‏

فحضارات ما بين النهرين كانت تركز اهتمامها على الكواكب وتحركاتها فالأجسام القدسية التي تتقمص روح الآلهة جديرة بالملاحظة والتتبع والرصد أما اليونان فالكواكب عندهم كانت هي الآلهة نفسها. ولهذه الآلهة من قصص الحب والانتقام والحسد والغيرة والمغامرات الغرامية ما يوجب إدخال النجوم في الحساب. كانت الحضارات في الهند وما بين النهرين قد أخذت تسمي بعض المجموعات النجومية في السماء.‏

ولكن الحضارة اليونانية لم تكد تترك مجموعة من المجوهرات النجومية الظاهرة إلا وأطلقت عليها اسماً من أسماء الأبطال أو الضحايا أو الحيوانات التي دخلت تلك الأساطير. وأصبح معظم السماء المنظور في نصف الكرة الشمالية ذا مجموعة نجومية معروفة، تحمل كلها أسماء الأبطال الأسطوريين، أو أسماء أدوات أو حيوانات تدخل عادة ضمن هذه الأساطير. ولبعض هذه التسميات مضمون فلكي، كالعقرب الذي لدغ أوريون الصياد، ونشأت بينهما عداوة مستحكمة فتباعد أحدهما عن الآخر في السماء، بحيث لا يرى أحدهما الآخر. أن هذا يذكّر دارس الفلك بأن العقرب يطلع عندما يغيب الصياد، والصياد يطلع عندما يغيب العقرب‏

وبعض القصص الأسطورية اليونانية أخذت أكثر من مجموعة في تسمياتها فقصة برشاوس الجبار واندروميدا وكيف أنقذها من التنين، لها خمس مجموعات.‏

البروج:‏

منذ أن بدأ رصد السماء عند الراصدين الأوائل، فيما بين النهرين أو في الهند أو الصين، عرف الإنسان أن الشمس والقمر والكواكب السيّارة المعروفة آنذاك، عطارد والزهرة والمريخ والمشتري وزحل – كلها تسير في دائرة معيّنة من السماء لا تتعداها. وقد وجد أن النجوم المنتشرة في هذه الدائرة يمكن أن تحدد أشكالها في اثني عشر شكلاً أو مجموعة. وقد أخذت هذه المجموعات أهمية كبيرة عند القدماء، لسبب واحد فقط، هو مرور الشمس والقمر والكواكب السيارة فيها. ولكن مرور هذه الأجرام السماوية المقدسة في هذه الأشكال النجومية شيء غير قليل. إنه يضفي شيئاً من القداسة على الشكل، حتى أنه لم يعد يسمي مجموعة أو كوكبة كنظيره في القبة الفلكية، وإنما أصبح يسمى برجاً. فالأبراج إذن هي تلك المجموعات النجومية التي تقع على المدار الذي يبدو لنا أن الشمس والقمر والكواكب السيارة تسير فيه. ومعرفة الأبراج (أو البروج)، ومواعيد شروقها وغيابها، ووقوع أحد الكواكب في هذا البرج أو ذاك- أمور تعتمد عليها صناعة التنجيم وكشف الطالع. وقد ازدهرت هذه المعرفة منذ حضارات ما بين النهرين. ولكن البروج أخذت أسماءها عندما وصفها بطليموس في كتاب (المجسطي في القرن الميلادي الثاني. وفي هذا الكتاب أيضاً تم تحديد بقية المجموعات النجومية في السماء (على الأقل الظاهرة جدا منها) وتم وضع الأسماء لها.‏

العرب في الجاهلية والمجموعات النجومية:‏

إن صناعة التنجيم القائمة على معرفة الكواكب والبروج لم تزدهر في الجزيرة العربية، ولهذا فإن البروج بحدودها وأشكالها المعروفة عند الحضارات التي سبقتهم لم تكن معروفة لديهم. حتى المجموعات النجومية التي هي خارج نطاق دائرة البروج، لم تكن محددة المعالم. إن تحديد صورة مجموعة من المجموعات يحتاج إلى تدوين ورسم يعطيها شكلها المتفق عليه، وليس هناك من الآثار الكتابية ما يدلنا على ذلك. إن معظم الآثار المكتوبة التي عرفت حتى الآن من الحضارة العربية في اليمن تدل على أن العرب قد أخذوا يعبدون بعض الكواكب وهذه نقلوها في الأرجح عن حضارة ما بين النهرين والفرس. والواقع أن الغالبية العظمى من معارفنا عن مدى إلمام عرب الجزيرة بالنجوم راجع إلى كتاب "صور الكواكب الثمانية والأربعين" لعبد الرحمن الصوفي. ففي هذا الأطلس الدقيق الرائع للمجموعات السماوية يذكر الصوفي ما قالته العرب عن كل مجموعة أو عن بعض نجومها. والذي يلفت الانتباه في تسميات العرب لنجوم السماء، أنهم كانوا يركزون اهتمامهم على نجمين لامعين، قد يكونان في مجموعة واحدة أو في مجموعتين ويشتركان عادة في خطوط الصعود المستقيم – أي أنهما يغربان ويشرقان في وقت واحد تقريبا. فهناك الفرقدان والشعريان والسماكان والهراران والشرطان والزبانيان والفرغان والنسران والمحلفان وما إلى ذلك.‏

أما نطاق البروج، وهو الذي تسير فيه الكواكب السيارة والشمس والقمر فقد قسموه إلى منازل القمر. رأوا أن القمر ينتقل في السماء في هذا النطاق ويعود إلى الموضع الذي كان فيه (تقريباً) بعد ثمانية وعشرين يوماً. فهو يمكث كل يوم في منزلة. وهذه الطريقة في التسمية كانت معروفة قبلهم في الهند، إلا أن الهنود يقسّمون منطقة البروج إلى سبع وعشرين منزلة.‏

ولكن تقسيم نطاق البروج إلى منازل لم يعد الأساس الذي يعتمد عليه الفلكيون عندما أصبح التنجيم علماً وأخذوا عن اليونان تقسيم البروج ودخلت صناعة أحكام النجوم ومعرفة الطوالع.‏

بداية الفلك في الحضارة العربية:‏

قامت الحضارة العربية بظهور الإسلام. وانشغل العرب أول الأمر بالفتوحات في عصر الخلفاء الراشدين، ثم في الحروب فيما بينهم. وفي عصر الأمويين لم تكن هناك بداية ملحوظة للاهتمام بالعلوم عامة أو بالفلك، اللهم إلا ما يرويه كرلو نلينو عن ابن القفطي من أن الأمير خالد بن يزيد بن معاوية ابن أبي سفيان كان ذا همة بالعلوم وهو أول من تُرجم له كتب الطب والنجوم والكيمياء حتى سمي حكيم آل مروان.‏

ويقول نلينو من المحتمل أن يكون أول كتاب ترجم من اليونانية إلى العربية (بقطع النظر عن كتب الكيمياء) هو كتاب عرض مفتاح النجوم المنسوب إلى همس الحكيم الموضوع على تحاويل سني العالم وما فيها من الأحكام النجومية، وجد نسخة منه خط يد في المكتبة الإمبرسيانية في ميلانو. وفي آخر هذه النسخة "وكان ترجمة الكتابة في ذي القعدة سنة خمس وعشرين ومائة هجرية" ومعنى ذلك أن المترجم فرغ من ترجمة الكتاب قبل انقراض الدولة الأموية بسبع سنين.‏

وما قامت الدولة العباسية حتى بدأ العمل الجاد في ترجمة الكتب من جميع الحضارات التي كانت معروفة آنذاك. وقد بدأ ذلك منذ أيام أبي جعفر المنصور (الخليفة الثاني) فترجمت الكتب من اليونانية والفارسية والهندية. وأخذت حركة الترجمة والتأليف تتسع وتزداد في أيام من تلاه من الخلفاء، وخاصة في عصر المأمون.‏

ومما يدل على أن العرب كانوا يدرسون الفلك دراسة جادة، وأنهم لم يكونوا يتخذونها مجرد متعة فكرية- كما هي حال العرب في الفلك في أيامنا هذه أنهم سرعان ما بدؤوا في استعمال آلات الرصد. ويقول نلّينو، نقلاً عن كتاب الفهرست وابن القفطي وحاجي خليفة، إنّ أول مسلم عمل أسطرلابا وألّف فيه كتاباً هو أبو اسحاق إبراهيم بن حبيب بن سليمان الفزاري من فلكيي المنصور، واسم الكتاب "كتاب العمل بالاسطرلاب المسطح" وهو مفقود ولا نعرف عنه إلا اسمه. وله رسالة أيضاً مسماة "كتاب العمل بالاسطرلاب وهو ذات الحلق" وهناك منجّم آخر من منجّمي المنصور اسمه ما شاء الله، ألّف الكتب في الاسطرلاب المسطح وذات الحلق، ضاعت كلها ولم تنج من التلف إلا ترجمة لاتينية لأحدها بعنوان "كتاب الاسطرلابات والعمل بها" طبعت ثلاث مرات في القرن السادس عشر الميلادي.‏

مهما يكن من أمر، فقد أخذت الترجمة بالازدياد والتحسن التدريجي مع اكتساب الخبرة. كانت أول الأمر نقلاً لقلة المترجمين المتيسرين. حتى أن يحيى بن خالد بن برمك طلب إلى جماعة أن يفسروا له المجسطي فلم يتقنوه فانتدب غيرهم أكثر منهم كفاية. وعلى وجه التعميم، لم تكن الترجمات في القرن الثاني الهجري متقنة. ولكن القرن الثالث الهجري تميز بإتقان التعريب.‏

وقد ترجم العرب عن الهندية كتاب السند هند الكبير والأرجبهر والأركند، وانبرى الفلكيون يعملون ازياجهم بناء على حساباتها. وترجموا عن الفارسية زيج الشهريار وعن اليونانية مؤلفات منسوبة إلى هرمس الحكيم ودروثيوس الصيداوي وانطيقوس الأثيني. ومنذ أيام المنصور ترجمت المقالات الأربع لبطليموس، وقد شكّك في نسبتها إلى بطليموس أبو معشر البلخي ورد عليه عليّ بن رضوان المصري والباحثون المتأخرون يثبتون صحتها ويؤيدون ابن رضوان المصري في ما جاء إليه.‏

ولما ترجم المجسطي لبطليموس وجد الفلكيون العرب فيه جامعاً مانعاً. فطغى على غيره وأصبح المصدر الرئيس الذي اعتمد عليه كل الفلكيين العرب.‏

كانت الترجمة في بداياتها للفهم والاستيعاب وكان يستعان بها في كتابة الازياج. ولكن لما تم هضم العلوم التي نقلتها الترجمات المتقنة جاء دور التصحيح فيما تتحدث عنه، والتعليق على الأخطاء الواردة فيها. وكانت آلات الرصد تتطور أيضاً مع تطور استيعابهم لهذه العلوم، فأخذت تظهر الكتب المختلفة عن كيفية عمل هذه الآلات والوصول بها إلى مراحل الاتقان. ولكن الرصد المتقن يحتاج إلى معرفة الدرجات والدقائق والثواني من الزاوية ويحتاج معرفة حساب المثلثات. فصدرت الكتب المتتالية في هذا النوع من الحساب. كانت حساباتهم أول الأمر تعتمد على القليل من حساب المثلثات الذي عرفه بطليموس، وعلى هندسة اقليدس المسطحة. ولكن حساب المثلثات الكروية بلغت شأواً عظيماً في كتابات البيروني، ووصل الكمال بعده عند نصر الدين الطوسي.‏

محيط الكرة الأرضية:‏

إن أي علم من العلوم التجريبية لا تكون له قيمة إذا لم تسنده البراهين والأدلة. بل إنه لا يعتبر علماً تجريبياً بدونها. وقيمة التراث الفلكي الذي بدونها. وقيمة التراث الفلكي الذي قدمه العرب قائمة على مقدار الجهد الذي بذله الفلكيون في الرصد والقياس والحسابات لما رصدوا وقاسوا. فإذا دوّى اسم البناني والبيروني والصوفي في القرون الوسطى، فليس ذلك لأنهم كتبوا لنا أموراً نظرية محضة، إنما لأنهم رصدوا وحسبوا أرصادهم ، وأجادوا بعد ذلك في التعبير عن آرائهم في نتيجة ما فعلوا.‏

عرف اليونان أن الأرض كروية، أعني أن هذه الفكرة دخلت إلى العلم التجريبي منذ أن نادى بها أرسططاليس (384-325ق.م) وكانت حجته قوية بسيطة. إذ تمعنت في النجم القطبي الذي تجده في الجهة الشمالية من السماء، فإنك تراه يكاد يكون ثابتاً في موضعه، والسماء بنجومها تدور حوله في 24 ساعة. وفي اليونان حيث كان يعيش أرسططا ليس يبدو النجم القطبي عالياً علواً لا بأس به في القبة الفلكية. ولكن المسافر إلى مصر يرى أن النجم القطبي الشمالي قد انخفض في الأفق، وسيجد أن هناك نجوماً جديدة قد أخذت تظهر في الأفق الجنوبي لا تظهر له أبداً في اليونان. هذه الظاهرة لا يمكن تفسيرها إلا إذا كانت الأرض كروية. وكانت هناك حجج أخرى لأرسططا ليس، ولكن هذه وحدها كافية.‏

طريقة أراتوستين النظرية:‏

وحوالي سنة 270ق. م كان الفيلسوف أراتوستين مسؤولاً عن مكتبة الاسكندرية الضخمة، فقرأ في أحد الكتب المتيسرة لديه أن الشمس تكون عمودية على مدينة أسوان عند الظهيرة في منتصف الصيف بحيث تنعكس أشعتها عن سطح الماء في بئر عميق. فقاس ميل الشمس عن السمت في الاسكندرية في اليوم نفسه، فوجد أنها أقل من أن تكون عمودية بسبع درجات ونصف الدرجة. هذه الدرجات هي الفرق بين أسوان والاسكندرية في محيط الأرض. كله 360 درجة، وهذا يبلغ خمسين ضعف الرقم الذي حصل عليه تقريباً، وسأل فوجد أن المسافة بين أسوان والاسكندرية 5000 ستاديوم. فضرب هذا الرقم في 50 وحصل على رقم يقارب الحقيقة وهو ما يعادل 24850 ميلا انجليزياً.‏

طريقة العرب العملية:‏

بيد أن العرب سلكوا طريقة أكثر عناء، وتتطلب أجهزة دقيقة جداً في سبيل الوصول إلى الهدف نفسه. ولا أدري إذا كان لديهم آنذاك علم بقياس أراتوستين.‏

لما كان القطب الشمالي الفلكي ثابتاً في السماء، ونراه يرتفع كلما سرنا إلى الشمال وينخفض كلما سرنا إلى الجنوب فمعنى ذلك أننا إذا قسمنا ارتفاع القطب ونحن في موضع معين، ثم أخذنا بالسير إلى الشمال حتى يزيد ارتفاع القطب درجة واحدة، فإننا نكون قد سرنا بمقدار درجة واحدة من محيط الأرض. الفكرة سليمة جداً وصحيحة نظرياً.‏

ولكنها تتطلب أجهزة دقيقة للغاية. ومما يزيد المسألة تعقيداً أن نجم القطب الشمالي ليس في القطب الشمالي بالضبط لكي يكون دليلاً في القياس. إنه يبعد حالياً حوالي درجة واحدة عن القطب وكان قبل ألف سنة يبعد خمس درجات. والذين قاموا بهذا القياس يعرفون ذلك، وكان عليهم أن يعيّنوا موضع القطب الشمالي أولاً ثم يقيسوا ارتفاعه عن الأفق. إنه عمل جبار معقد، على الأقل كان معقداً في تلك الأيام.‏

قام الفلكيون العرب بهذا العمل بأمر من الخليفة المأمون. وينقل لنا نلينو من النسخة الخطية الوحيدة الموجودة لكتاب الزيج الحاكمي الكبير- وهي محفوظة في مكتبة ليدن- لابن يونس المصري، ما يلي:‏

"الكلام فيما بين الأماكن من الذرع. ذكر سند بن علي في كلام وجدته له، أن المأمون أمره هو وخالد بن عبد الملك المروروذي (نسبة إلى مرو الرّوذ) أن يقيسا مقدار درجة من أعظم دائرة من دوائر سطح كرة الأرض قال فسرنا لذلك جميعاً، وأمر علي بن عيسى الأسطرلابي وعلي بن البحتري بمثل ذلك فسارا إلى ناحية أخرى. قال سند بن علي: فسرت أنا وخالد بن عبد الملك إلى ما بين وامة (كذا، ولعلها واسط الرقة) وتدمر، وقسنا هناك مقدار درجة من أعظم دائرة تمرّ بسطح كرة الأرض فكان سبعة وخمسين ميلا، وقاس علي بن عيسى بن البحتري فوجدا مثل ذلك، وورد الكتابان من الناحيتين في وقت واحد بقياسين متفقين. وذكر أحمد بن عبد الله المعروف بحبش في الكتاب الذي ذكر فيه أرصاد أصحاب الممتحن (أي فلكيي الخليفة المأمون برئاسة يحيى ابن أبي منصور الذين ألّفوا الزيج الممتحن بناء على الأرصاد العربية الممتحنة) بدمشق، أن المأمون أمر بأن تقاس درجة من أعظم دائرة من دوائر بسيط كرة الأرض. قال فساروا لذلك في برية سنجار حتى اختلف ارتفاع النهار قاسوا ما بين المكانين فكان؟2 ميلا وربع ميل منها أربع آلاف ذراع بالذراع السوداء التي اتخذها المأمون. وأقول أنا وبالله التوفيق أن هذا القياس ليس بمطلق بل يحتاج مع اختلاف ارتفاعي نصف النهار بدرجة إلى أن يكون القائسون جميعاً في سطح دائرة من دوائر نصف النهار، والسبيل إلى ذلك بعد أن نختار للقياس مكاناً معتدلا ضاحياً أن نستخرج خط نصف النهار في المكان الذي يبتدئ منه القياس ثم نتخذ حبلين دقيقين جيدين طول كل واحد منهما نحو خمسين ذراعاً، ثم نمرّ أحدهما موازياً لخط نصف النهار الذي استخرجناه إلى أن ينتهي ، ثم نضع طرف الحبل الآخر في وسطه ونمره راكباً عليه إلى حيث بلغ، ثم نرفع الحبل الأول ونضع أيضاً طرفه في وسط الحبل الثاني ونمره راكباً عليه ثم نفعل ذلك دائماً ليحفظ السمت وارتفاع نصف النهار يتغير دائماً بين المكان الأول الذي استخرج فيه خط نصف النهار والمكان الثاني الذي انتهى إليه الذين يسيرون حتى إذا كان بين ارتفاعي نصف النهار في يوم واحد درجة بآلتين صحيحتين تبين الدقيقة في كل واحدة منها قيس ما بين المكانين فما كان من الأذرع فهو ذرع درجة واحدة من أوسع دائرة تمر ببسيط كرة الأرض. وقد يمكن أن يحفظ السمت عوضاً عن الحبلين بأشخاص ثلاثة تسير بعضها بعضاً على سمت خط نصف النهار المستخرج وينقل أقربها من البصر متقدماً ثم الذي يليه ثم الثالث دائماً إن شاء الله". انتهى كلام ابن يونس المصري.‏

لقد أوردت هذا الكلام كله لأطلع القارئ على أسلوب كتابة الفلكيين العرب، أو على الأقل على أسلوب ابن يونس المصري، وخوفه من أن يكون الراصدون الذين يتحدث عنهم قد ضلوا وحادوا عن الطريق السوي، ولهذا فهو يصف لهم الطريقة التي تمنعهم عن الضلال في قياس كهذا.‏

ويستخلص من زيج ابن يونس أن الفرقتين اللتين قامتا بهذا القياس قد وصلتا إلى نتيجتين مختلفتين. فكان طول الدرجة عند أحدهما 56 وربع الميل وعند الثانية 57 ميلا، فاتخذ متوسطهما 56 وثلثي الميل.‏

وإذا أخذنا نتساءل عن مدى دقة هذا القياس وقرب النتيجة التي توصلوا إليها من الحقيقة، اعترضتنا مشاكل كثيرة. فكم هو طول الميل العربي؟ هل هو أطول أو أقصر من الميل الإنجليزي الذي نعرفه الآن؟ وسننتهي إلى نتيجة تقول أننا لا نعرف بالضبط.‏

إن عدم وجود قياس معياري للمسافات في العصور المتقدمة جعلنا نتحيز في النتائج التي تتضمن هذه القياسات. حتى النتيجة التي توصل إليها اراتوستين، فهي تعتمد على الستاديوم، وقد كانت هناك أنواع مختلفة للستاديوم، ولكن حسابها بالستاديوم الاسكندراني أعطانا هذه النتيجة القريبة من الحقيقة.‏

غير أن الطريقة التي قام بها العرب كانت صحيحة، والعمل نفسه كان جباراً ويعلق نلينو على ذلك فيقول "أما قياس العرب فهو أول قياس حقيقي أجري كله مباشرة مع كل ما اقتضته تلك المساحة من المدة الطويلة والصعوبة والمشقة واشتراك جماعة من الفلكيين والمسّاحين في العمل. فلا بد لنا من عداد ذلك القياس في أعمال العرب العلمية المجيدة المأثورة"3.‏

(حاشية – لقد قام الأستاذ حسن منزل من الهند بتحقيق الميل العربي بالنسبة إلى الميل الإنجليزي فوجد أن الرقم الذي توصل إليه فلكيو المأمون في قياس محيط الكرة الأرضية هو 24825 ميلا انجليزياً، يذكر هذا في المقدمة التي كتبها باللغة الإنجليزية لكتاب القانون المسعودي المطبوع باللغة العربية في مطبعة دائرة المعارف العثمانية في حيدر آباد. الدكن بالهند.).‏

قياسات أخرى:‏

كانت هذه الخطوة الجبارة بداية انطلاق للفلكيين اللاحقين، عرفوا منها أو من الروح الدافعة إليها أن الأساس الذي تقوم عليه دراسة الفلك هو الرصد والقياس. وإذا استثنينا أبارخوس وبطليموس فلا نجد في تاريخ الفلك السابق من كان يعتمد في رصده على القياس.‏

وقد حاول البيروني أن يعرف محيط الأرض بطريقة أخرى. وذلك بأن يقيس زاوية غروب الشمس وهو على رأس جبل عال، ثم يقدر ارتفاع ذلك الجبل، ويستعمل في ذلك حساب المثلثات. يذكر نلينو أن الأستاذ ويدمن اللماني أرسل إليه صورة فوتوغرافية عن النسخة الوحيدة المعروفة لكتاب الأسطرلاب للبيروني المحفوظة في مكتبة برلين جاء فيها "وفي معرفة ذلك طريق قائم في الوهم صحيح بالبرهان والوصول إلى عمله صعب لصغر الأسطرلاب وقلة مقدار الشيء الذي يبنى عليه فيه، وهو أن تصعد جبلاً مشرفاً على بحر أو بريّة ملساء وترصد غروب الشمس فتجد فيه ما ذكرناه من الانحطاط ثم تعرف مقدار عمود ذلك الجبل وتضربه في الجيب المستوي لتمام الانحطاط الموجود وتقسم المجتمع على الجيب المنكوس لذلك الانحطاط نفسه ثم تضرب ما خرج من القسمة في اثنين وعشرين أبداً وتقسم المبلغ على سبعة، فيخرج مقدار إحاطة الأرض بالمقدار الذي قدّرت به عمود الجبل، ولم يقع لنا بهذا الانحطاط وكميته في المواضع العالية تجربة. وجرأنا على ذكر هذا الطريق ما حكاه أبو العباس النيريزي عن أرسطولس أن أطوال أعمدة الجبال خمسة أميال ونصف بالمقدار الذي به نصف قطر الأرض ثلاثة آلاف ومائتا ميل بالتقريب، فإن الحساب يقضي لهذه المقدمة أن يوجد الانحطاط في الجبل الذي عموده هذا القدر ثلاث درجات بالتقريب. وإلى التجربة يلتجأ في مثل هذه الأشياء وعلى الامتحان فيها يعوّل وما التوفيق إلا من عند الله العزيز الحكيم"‏

انتهى كلام البيروني والجيب المنكوس هو ما نسميه الآن جيب التمام و22 على 7 هي النسبة التقريبية. ونرى من كلامه هذا أنه لم يكن قد قام بعد بقياس محيط الأرض. ولكن الأستاذ حسن منزل يذكر أن البيروني قد قام بهذا القياس عندما كان رهن الاعتقال في قلعة ناندا في البنجاب الغربية، فقد قاس محيط الأرض، وأن البيروني يذكر طريقه مماثلة في كتابه "التحديد". ويذكر أن البيروني أيضاً قاس مساحة سطح الأرض، وحجمها ووزنها بالذهب.‏

والواقع أن الفلكيين العرب لم يتركوا قياساً فلكياً يمكن أن يمر بالبال في تلك الأيام، وبمقدار مفهومهم عن الفلك إلا وطرقوه. فأعادوا قياسات أبارخوس وبطليموس، وعدّلوها بحسب ما دلت عليه آلات رصدهم التي أصبحت في الحقيقة أدق من تلك التي استعملها هذان العالمان. وقاموا بقياسات جديدة أيضاً. وكانت قياساتهم هذه موضع تعديل مستمر، بحيث نجيز لأنفسنا أن نقول أن أدق ما وصلوا إليه هو ما حققه البيروني.‏

فقاسوا مقدار ميل دائرة البروج عن خط الاستواء الفلكي وعرفوا تقدم الاعتدالين، وعينوا خطوط الطول والعرض. وعلى خلاف ما ذكر بطليموس قالوا إنّ الشمس تبتعد وتقترب من الأرض، وكذلك القمر. إذن فقد عرفوا وحدهم أن سير هذه الأجرام الظاهري حول الأرض ليس في دوائر وإنما في أشكال اهليجية، فهي تقترب أحياناً فتصبح في الحضيض وتبتعد أحياناً فتصبح في الأوج.‏

وهذه هي الفكرة التي اعتمد عليها الإمام أبو الحسن كوشيار بن لبان الجيلي في رسالته "في الأبعاد والأجرام" التي وجهها إلى البيروني (طبع دائرة المعارف العثمانية بحيدر آباد- الدكن) ففيها يعتمد على حجم القمر عندما يكون في الأوج وعلى حجمه عندما يكون في الحضيض، والفرق في الظل في أثناء الخسوف في الحالتين، وفي تقدير أبعاد الكواكب السيارة، يعتمد على حجمها الظاهري في الأوج وفي الحضيض. ومن الغريب أنه بهذه الطريقة عرف أن الأرض أكبر من عطارد ومن الزهرة وأصغر من المشتري وزحل، وأخطأ في نسبة حجمها إلى حجم المريخ ، فقال أنه أكبر منها.‏

وفي ذروة الدقة في الرصد في العصور نصل إلى عبد الرحمن الصوفي الذي وضع كتاب "صور الكواكب الثمانية والأربعين" (والكواكب هنا، جمع كوكبة والمقصود بها المجموعة النجومية). فقد كان كتابه الأطلس الدقيق الذي صحح ما وصفه بطليموس وأبارخوس وعدّل عليه، بحيث ظل المرجع الأساسي للراصدين حتى القرن السابع عشر الميلادي حين ظهر المرقب.‏

الكابوس الجاثم على الفلك عند العرب:‏

نرى من هذا، أن العرب لم يكونوا مجرد ناقلين لعلم الفلك الذي تسلّموه من الهند والفرس واليونان، بل إنهم هضموا العلم وتمثلوه، فنقّحوه وصححوه وزادوا عليه وجعلوه في حلة جديدة، هي أرقى ما يمكن أن تصل إليه فنون المعرفة في العصور الوسطى التي كانت تفتقر إلى المرقب وإلى الآلات دقيقة الصنع.‏

ونرى البيروني ينتقد تهاون بطليموس وتخيلاته في بعض ما ورد عنه. فهو يجد أن بطليموس حين حسب بعد الشمس عن الأرض أخذ في الاعتبار الكسوف الكلي للشمس ولم يعتبر الكسوف الحلقي. يقول:‏

"لكن بطليموس أخذ قطر القمر في البعد الأبعد مساوياً لقطر الشمس، معتمداً فيه الوجود بثقبتي ذات الشعبتين، ولم يجعل لقطر الشمس اختلافاً باختلاف أبعادها في فلك الأوج تهاوناً بذلك ومخيلاً إياه على الغيبة عن الخير مع إيجاب الحال إياه ظاهراً له" ثم يكمل قائلاً: "وقد اتضح أن القمر في أبعد بعده عن الأرض يقصر عن كسف الشمس بكليتها وهي عند أوجها وأما أقصره عن ذلك إذا كانت هي عند حضيضها، وما حكيناه عن الأير انشهري في كسوف الشمس يشهد بخلاف ما بنى عليه بطليموس، وأن الكسوف التام لا يمكن الشمس إلا في بعد هو إلى الوسط أقرب منه إلى الأبعد".‏

1.      لعل المراد بالضياء ما يوقد من النار بديار العرب. وقال الألوسي لعله خباء .(المجلة)‏

2.     في المقال إشارة استفهام. وفي النص الذي ذكره( نلينو (نو) ولم يفهم المستشرق هذا الرمز وهو واضح في حساب الجمل ومعناه 56 الواو ستة والنون بخمسين (المجلة).‏

3.      يقدر الميل العربي بـ 1848 مترا، أما نلينو فيقدره بـ 1973.2 مترا (المجلة).‏

يتبـــــع

مجلة التراث العربي-مجلة فصلية تصدر عن اتحاد الكتاب العرب-دمشق العدد السابع – السنة الثانية –نيسان "ابريل" 1982

Updated: Sunday, December 14, 2003 01:51 AM

تتمة المقالة الجزء الثاني

ولكن البيروني لم يشاهد في حياته كسوفاً تاماً للشمس، ولهذا فهو مضطر اضطراراً إلى الأخذ بما جاءه من بطليموس. يقول "ولما لم يكن وقع إلينا كسوف للشمس تام مرصود في وقت معلوم ولا من الأرصاد المحققة ما يمكن به الوصول إلى هذا الباب من غير تسلم ما أسسه بطليموس".

إذن كان البيروني لا يأخذ شيئاً من أرصاد بطليموس إلا وضعه موضع التمحيص والتدقيق، فينتقده حيث يجده مقصراً ويصححه في مواضع أخرى وبالمثل نجد عبد الرحمن الصوفي عندما يذكر النجوم يبين أخطاء بطليموس. إذن فهم كانوا يعتبرونه نداً لهم كثير الأخطاء.. ولكن. ولكنهم مع كل هذا ما زالوا يسيرون على قوله أن الأرض في مركز الكون وإن جميع الأجرام تدور حولها.

قد تكون الهالة القدسية التي أحاطت بالمجسطي عندما ترجمه العرب في مطلع حضارتهم هي التي ظلت تهيمن على الفلكيين العرب في أوج هذه الحضارة.

ومع أن هذه القدسية قد أزالها البيروني والصوفي إلا أن المجسطي وما جاء به ظل كابوساً جاثماً على الفكر الفلكي العربي، وقوله بثبات الأرض ظل هو القول المفضل مع أن البيروني يعتبر ذلك لمجرد سهولة الحساب عنده.

والواقع أن القول بدوران الأرض حول الشمس واعتبارها كوكباً سياراً، لم يكن باحتياج إلى مرقب ولا إلى آلات رصد دقيقة الصنع. وعندما جاء بهذا القول كوبرنيكس بعد ذلك بخمسة قرون لم يكن المرقب قد اخترع بعد، ولم تكن الصناعة قد تطورت لتنتج آلات دقيقة. والعرب كانوا يعرفون هذا الرأي.

وقد قال به بعض الفلكيين اليونان من قبلهم. ولكن أقوالهم لم تأخذ جذورها في العلم لأنه كان رأياً نظرياً. غير أننا نجد أحد الفلكيين العرب قد اتخذ خطوات عملية نحو هذه النظرية، فصنع أسطرلاباً خاصاً. ففي مقدمة القانون المسعودي، يورد الأستاذ حسن منزل ما يقوله البيروني في كتاب "الاستيعاب" الذي لم يطبع بعد، ما يلي "وقد رأيت لأبي سعيد السجزي اسطرلاباً من نوع واحد بسيط غير مركب من شمالي وجنوبي، سماه الزورقي، فاستحسنته جداً لاختراعه إياه على أصل قائم بذاته، مستخرج مما يعتقده بعض الناس من أن الحركة الكلية المرئية الشرقية هي للأرض دون الفلك. ولعمري هي شبهة عسرة التحليل صعبة المحق، ليس للمعوّلين على الخطوط المساحية من نقضها شيء، أعني بهم المهندسين وعلماء الهيئة، على أن الحركة الكلية سواء كانت للأرض أو كانت للسماء، فإنها في كلتا الحالتين غير قادحة في صناعتهم، بل إن أمكن نقض هذا الاعتقاد وتحليل هذه الشبهة فذلك موكول إلى الطبيعيين من الفلاسفة" انتهى كلام البيروني.

والمعلومات المتوافرة لديّ عن أبي سعيد السجزي تفيد أنه عالم بارع في الرياضيات، واسمه أحمد بن محمد بن عبد الجليل، وله في مكتبتي رسالة هندسية "في الشكل القطاع" طبع دائرة المعارف العثمانية بحيدر أباد. ولستُ أعرف له ما يفيد عن رأيه في دوران الأرض إلا رواية البيروني هذه وبعض تعليقات الفلكيين العرب الآخرين عليها.

إلا أن البيروني نفسه، بعقليته الجبارة، لم يكن يستطيع أن ينفي دورة الأرض. ففي كتابه "تحقيق ما للهند"، حين يتحدث عن أحد الفلكيين الهنود واسمه براهمكو بت الذي يقول إنّ الأرض هي التي تدور، نجده يعلّق التعليق التالي- "ونهب أن ذلك صحيح وأن الأرض تدور الدورة التامة نحو المشرق .. كما يدورها السماء عنده، فما العائق فيها عن الموازنة والموازاة؟ ثم ليست حركة الأرض دوراً بقادحة في علم الهيئة شيئاً بل تطرد أمورها معها على سواء، وإنما تستحيل من جهات أخر ولذلك صارت أعسر الشكوك في هذا الباب تحليلاً، وقد أكثر الفضلاء من المحدثين بعد القدماء الخوض فيها وفي نفيها".

حتى تسامح البيروني نحو الذين يقولون بدوران الأرض لم ينج من تعليق بعض العلماء تعليقاً لاذعاً. وينقل لنا نلينو عن القسم غير المطبوع من كتاب "جامع المبادئ والغايات" لأبي علي الحسن المراكشي من علماء القرن السابع الهجري، عند وصف الاسطرلاب المعروف بالزورقي، هذا النص "قال أبو الريحان البيروني: إن مستنبط هذا الاسطرلاب هو أبو سعيد السجزي، وهو مبني على أن الأرض متحركة والفلك بما فيه إلا السبعة السيارة ثابت. قال البيروني وهذه شبهة صعبة الحل. وعجيب منه كيف يستصعب شيئاً هو في غاية ظهور الفساد وهذا أمر قد بيّن فساده أبو علي بن سينا في كتاب الشفاء وبيّن فساده الرازي في كتاب ملخص وفي كثير من كتبه وغيره".

يبدو أن الزمن لم يكن قد حان بعد لكي ينطق عالم بهذه الحقيقة، وكان على العالم أن ينتظر خمسة قرون أخرى ليسمع كوبرنيكس ينطق بها.

خلاصة ما سبق:

أخذ العرب الفلك عن الهنود والفرس واليونان بشكل مهلهل، فنقحوه وعدلوه ووضعوا كل مسألة فيه موضع البحث والتدقيق الشديدين، وكتبوا في ذلك الرسائل والكتب العديدة وبينوا الأساس الحسابي لكل خطوة من الخطوات، وأصبح علم الفلك المتداول هو غير ذلك الذي تسلموه بادئ الأمر.

والواقع أنهم لو لم يحافظوا على ذلك الكابوس المسمى المجسطي بما يتضمنه من دوران الفلك حول الأرض لاعتبر الفلك علماً مستقلاً صادراً عن العرب قائماً بالطبع على الأسس التي أخذوها عمن سبقهم.

وكانت أوربا في أواخر العصور الوسطى وأوائل العصور الحديثة تأخذ من هذا العلم العربي وتدرس الكتب التي وضعها هؤلاء العباقرة العرب. وعن طريقهم عرفوا بطليموس والمجسطي. حتى أن كلمة المجسطي هي الاسم الذي وضعه العرب لكتاب بطليموس. ونسخ الكتاب اليوناني الأصلية لا تحمل هذا الاسم.

وعندما اكتشف المرقب في أوائل القرن السابع عشر الميلادي، ظهرت آفاق جديدة لعلم الفلك. كان العرب آنذاك تحت الحكم العثماني، ووقفت مظاهر التقدم في جميع النواحي الفكرية ولم نعد نسمع عن علماء بارزين ولا عن المراصد أو الاسطرلابات. انتقلت الحضارة كلها إلى أوروبا وأصبح القانون المسعودي للبيروني Conon Masudicus المرجع الأساسي لكل شؤون الفلك، وصور الكواكب الثمانية والأربعين للصوفي هو الأطلسي الأساسي للسماء، هذا بالإضافة إلى الكتابات الفلكية الأخرى للبتاني وابن الهيثم ونصر الدين الطوسي وغيرهم. وعندما أخذ هيفيليوس يرصد القمر ووجد أمامه فوهات عديدة وكان عليه أن يختار لها أسماء، لم ينس أن يضع أسماء لبعض هؤلاء العلماء. أما النجوم الثابتة، فقد أخذوها عن الصوفي ولهذا ظلت معظمها تحتفظ بالأسماء التي وضعها لها هذا العالم كلها سنرى فيما يلي من هذا المقال.

القمر:

لم يكن هيفيليوس وحده هو الذي وضع أسماء تضاريس القمر، بل كان أول من فعل ذلك، سنة 1647، وتلاه جريمالدي وريكيولي وغيرهما. كان المرقب قد اكتشف حديثاً- 1610- وكان قليل الانتشار باهظ الثمن قليل الاتقان. ومن استطاع أن يحصل على مرقب ويرصد القمر يستطيع أيضاً أن يرسم خارطة له ويضع الأسماء التي يشاء لها. وعلى هذه الطريق اختار ريكيولي وجريمالدي فوهتين كبيرتين وسمياهما باسميهما.

وقد سميت البقاع الدكناء في القمر بحاراً، وأطلقت على الجبال أسماء جبال معروفة على الأرض، أما الفوهات القمرية فأطلق عليها أسماء رجال، من المفروض أنهم من العلماء الفلكيين، إلا أننا نجد كثيراً جداً من هذه الأسماء ما لا نكاد نعرف عنه شيئاً.

ومن مراجعة بعض الخرائط القمرية، وجدت أن هناك عشر فوهات مسماة بأسماء فلكيين عرب منهم المأمون، على اعتبار تشجيعه للفلك. قد تكون هناك فوهات أكثر ولكن يجب أن نعرف أن هذه الأسماء هي في شكلها اللاتيني الذي عرفه الراصدون الذين سموا الفوهات، وليس غريباً أن تكون هناك أسماء أخرى غابت عني فلم أستطع ربطها باسم عالم عربي حين قرأتها في شكلها اللاتيني. ومن الغريب  جداً ألا نجد للبيروني فوهة بينما نجد فوهة لكاتب عربي لا علاقة له بالفلك ولم يكتب فيه هو أبو الفداء.

وتعليقاً على الشكلين الأول والثاني المرافقين نقول أنهما خارطة للقمر قسمت إلى شكلين لكي تتسع لهما الصفحة وإذا كان في الإمكان قطعهما والصاقهما سيكونان خارطة كاملة للقمر. ولكن الشمال في أسفل الخارطة (أو الخارطتين) وذلك لأن الصورة في المرقب الفلكي تظهر غالباً معكوسة ولذلك ترسم الخرائط الفلكية معكوسة. وتبدو فيها الفوهات التالية:

1-أبو الفدا Abulfeda

2-البتاني، وهو أبو عبد الله البتاني Albategnius

3-الفرغاني Alfraganus

4-الحسن بن الهيثم Alhazan

5-المأمون: Almamon

6-الصوفي Azophi

7-جابر، ولست أدري هل المقصود جابر بن الأفلح أو جابر بن حيان Geber

8-نصر الدين، والمقصود هو نصر الدين الطرسي Nasireddin

9-ثابت، وأظن المقصود ثابت بن قرة وليس ثابت بن سنان thebit

10-اولغ بك Ulug Beigh

النجوم الثوابت وأسماؤها:

أما النجوم الثوابت فالأسماء العربية لا تزال طاغية عليها في العصر الحديث بشكل يسترعي انتباه كل من حاول أن يلقي نظرة على أطلس من أطالس السماء الحديثة. ولا يتسع المجال هنا لايراد المجموعات السماوية كلها والتحدث عن أسماء النجوم فيها. ولكن من الواجب علينا أن نسرد للقارئ بعض النماذج منها، لإعطائه فكرة تقريبية. وأرى أن أتناول الدب الأكبر لأنها مجموعة مألوقة للكثيرين، ومن السهل أن أدل عليها من لا يعرفها، ثم الدب الأصغر لقربه منها ولسهولة الاهتداء إليه، وإحدى مجموعات الشتاء لأني أقدّر أن هذا المقال سينشر في هذا الفصل إذا قدّر الله له النشر.

وقبل ذلك، نقول إن النجوم كانت في أيام العرب تحمل بالإضافة إلى الأسماء حروفاً عربية. فلم تكن كل النجوم تحمل أسماء لا سيما تلك الخافتة منها. فكان يرمز إليها بالحروف أ، ب، جـ، د، هـ.. الخ. وإذا كانت النجوم عديدة ولم تكف الحروف وضع حرفان –يا، يب، يج.. الخ.

لكن في بداية القرن السابع عشر الميلادي وضع حنا باير حروفاً يونانية للدلالة على النجوم واستعمل النظام العربي نفسه، سوى أنه استبدل الحروف وما زاد على عدد الحروف اليونانية أصبح يعطى أرقاماً. أما أسماء النجوم نفسها فقد ظل كما هو سوى ما كان قد تغير في أثناء فترة الانتقال، وما استطاع البعض أن يغيره بعد ذلك. ولهذا لا يستغرب القارئ إذا وجدنا نقول عن أحد النجوم ألفا الدب الأكبر أو بيتا أو جاما الدب الأكبر، فهذه هي الاصطلاحات التي يطلقها الفلك الحديث على النجوم وهي بالحروف اليونانية.

مجموعة الدب الأكبر:

قبل أن تحاول النظر إلى السماء يجب أن تعرف أن القبة السماوية كلها تبدو لنا أنها تدور حولنا دورة كاملة في مدة تقارب 24 ساعة، وأن مركز دورانها هو القطب الشمالي. والدب الأكبر من المجموعات القريبة من القطب الشمالي. انظر إلى الشمال، فإذا لم تجدها كان معنى ذلك أنها في دورتها مع القبة الفلكية في تلك الساعة عند الأفق ويصعب عليها رؤيتها ارجع وانظر إليها بعد ست ساعات، أي بعد أن تكون قد دارت ربع دورة، فستجدها ماثلة أمام عينيك. وقد اخترت هذه المجموعة في الواقع لأنها أكثر مجموعة معروفة بين الناس ومن السهل الاستدلال عليها.

ويبدو في المجموعة سبعة نجوم لامعة جداً. أربعة منها على شكل شبه منحرف أو كما يقول الصوفي مربع مستطيل وثلاثة ممتدة إلى ناحية بالتواء، هي الذنب.

يقول الصوفي "والعرب تسمي الأربعة النيرة التي على المربع المستطيل والثلاثة التي على ذنبه بنات نعش الكبرى وبني نعش وآل نعش، منها الأربعة النيرة التي على المربع المستطيل "نعش" والثلاثة التي على الذنب "بنات". ويسمى أيضاً الأربعة التي على النعش "سرير بنات نعش" ويسمى الذي وسطه العناق والذي يلي النعش وهو الذي على أصل ذنبه الجون.

وفوق العناق كوكب صغيرة ملاصق له يسميه العرب السها، وفي بعض اللغات من العرب الستا، والصيدق ونعيش، ولم يذكره بطليموس وهو الذي يمتحن الناس به أبصارهم، فيقولون أريه السها ويريني القمر. وتسمى الستة التي على الأقدام الثلاثة.. قفزات.. الخ..".

وإذا نظرنا الآن إلى خارطة لمجموعة الدب الأكبر منقولة من أحد الأطالس الحديثة نرى أن النجوم كلها –كما قلنا- تحمل أسماء بالحروف الأبجدية اليونانية ولكن بالإضافة إلى ذلك هناك أسماء خاصة للنجوم اللامعة.

ألفا الدب الأكبر –وهو (يو) التي على الظهر عند الصوفي، وأترجمه الدبة Dubhe .

بيتا الدب الأكبر – وهو (يز) الذي على المراق Merak

جاما الدب الأكبر –وهو (يط) الذي على الفخذ اليسرى المؤخرة phecda

دلتا الدب الأكبر –وهو (يج) الذي على مغرز الذنب Megrez

ابسلون الدب الأكبر –هو (كه) وهو الجون، واسمها الأجنبي Alioth وأظن أنها تحريف الألية، وهذا ما يراه باير حين نقل الاسم عن سكالينجر.

زيتا الدب الأكبر –وهي (كو) العناق، وهي الآن في الأجنبية Mizar وقد قام بوضع هذا الاسم لها سكالينجرو هو يقصد المئزر باللغة العربية الذي يلف به الخصر.

أيتا الدب الأكبر – وهو (كز) عند الصوفي واسمه القائد Alkaid

كابا الدب الأكبر –بالأجنبية Talita والمقصود القفزة الثالثة

لامدا الدب الأكبر Tania Borealis والمقصود القفزة الثانية الشمالية.

ميو الدب الأكبر Tania Australis أي القفزة الثانية الجنوبية

نيو الدب الأكبر Alula Borealis أي القفزة الأولى الشمالية

زاي الدب الأكبر Alula Australis أي القفزة الأولى الجنوبية.

8-الدب الأكبر –وهو السها، ولا يرسمه الصوفي في الصورة. اسمه الأجنبي Alcor  

وقد يكون من الخوار، على رأي الأستاذ روبرت وست من الكلية السورية البروتستانتية في بيروت في مقال نشره سنة 1895.

مجموعة الدب الأصغر:

من السهل الاستدلال عليها إذا عرفنا موضع الدب الأكبر. ارسم خطاً وهمياً من نجم المراق إلى نجم الدبة، ومدّه على استقامته خمسة أضعاف المسافة بين النجمين. ستجد أنك قد وصلت إلى النجم القطبي.

والنجم القطبي هو ذنب الدب الأصغر. وتبدو فيه سبعة نجوم لامعة نوعاً ما، شكلها شكل الدب الأكبر تماماً، إلا أنها مصطفة بشكل مقلوب، فرأس الدب الأصغر في اتجاه ذنب الدب الأكبر، وذنبه في اتجاه رأسه.

يقول الصوفي "وإنما شبهت السبعة بصورة الدب لشبهها بالسبعة التي من صورة الدب الأكبر، ثلاثة منها على ذنبه أيضاً وأربعة على بدنه وله رأس وقوائم وخلقته شبيهة بخلقة الدب.

فأما الأصغر (أي الدب الأصغر) فإن العرب تسمي السبعة على الجملة بنات نعش الصغرى، منها الأربعة التي على المربع نعش والثلاثة التي على الذنب بنات. وتسمي النيرين من المربع الفرقدين، والنيّر الذي على طرف الذنب الجدي، وهو الذي يتوخى به القبلة" ونجد أن النجوم اللامعة في هذه المجموعة هي:

ألفا الدب الأصغر – هو (أ) عند الصوفي، وهو النجم القطبي الآن، وتسمية العرب الجدي، واسمه الشائع في الفلك الحديث polaris وله اسم آخر في الكتب الفلكية الحديثة لا يستعمل في الواقع وهو Alruccabah بمعنى الركبة، وهو اسم وجد في جداول الفرنسين الموضوعة سنة 1521، وأورده باير. بيتا الدب الأصغر- وهو (و) وهو انور الفرقدين Kocab جاما الدب الأصغر –(ز) وهو أخفى الفرقدين phercad.

مجموعة الصياد وهي كوكبة الجبار:

اخترت هذه المجموعة لأنها تسيطر على رقعة السماء في فصل الشتاء بشكل يسترعي الانتباه، وأظن من السهل أن يهتدي إليها القارئ لكثرة النجوم المتلألئة فيها وشدة تألقها.

وإذا ألقيت نظرة على الخارطة رأيت الشكل الذي تصطف فيه نجوم هذه المجموعة. لقد رأى اليونان في هذا الشكل صورة صياد وكأنه يطارد الثور (وهي المجموعة الواقعة إلى الغرب منه مباشرة) يتبعه كلبان (وهما مجموعتان خلفه أي إلى الشرق، والأصغر من الكلبين إلى الشمال والأكبر إلى الجنوب) وقد قبع تحت قدميه الأرنب المسكين.

أما العرب فقد رأوا فيه كما يقول الصوفي "صورة رجل قائم.. أشبه شيء بصورة الإنسان، له رأس ومنكبان ورجلان، وسمي الجبار لأنه على كرسيين وبيده عصا وعلى وسطه سيف.." ولكن هذه الصورة هي نفسها الصورة اليونانية التي عرفها الفلكيون العرب، أما العرب في الجزيرة فقد أطلقوا عليها اسم الجوزاء.

وبعد أن يعيّن الصوفي موضع النجوم في هذه الكوكبة، يقول "والعرب تسمي الأول من كواكبه وهي الثلاثة الصغار المتقاربة التي تشبه نقط الثاء على موضع الرأس بالهقعة، وهقعة الجوزاء أيضاً والأثافي أيضاً تشبيهاً به، وهو المنزل الخامس من منازل القمر. ويسمي النيّر العظيم منكب الجوزاء ويد الجوزاء أيضاً.. ويسمى الكوكب الثالث الذي على المنكب الأيسر الناجذ ويسمى المرزم أيضاً. ويسمى الثلاثة النيّرة المصطفة التي على وسطه منطقة الجوزاء ونطاق الجوزاء والنظام والنظم أيضاً، ويروي أيضاً نظم الجوزاء وفقار الجوزاء.

وتسمى الثلاثة المنحدرة المتقاربة المصطفة سيف الجبار، ويسمى النير العظيم الذي على قدمه اليسرى رجل الجوزاء وراعي الجوزاء أيضاً..

ويسمى التسعة المقوسة التي على الكم تاج الجوزاء وذوائب الجوزاء" انتهى كلام الصوفي.

أما النجوم اللامعة في هذه المجموعة فهي ما يلي:

الفا الصياد –يد الجوزاء اليمنى عند الصوفي، واسمها الحالي Betelgeuse وهو تحريف عن أبط الجوزاء.

بيتا الصياد –وهو رجل الجوزاء اليسرى Rigel

جاما الصياد –الناجذ أو المرزم، اسمها الحالي Bellatrix

دلتا الصياد –وهو الغربي من الثلاثة التي في المنطقة Mintaka

أبسلون الصياد وهو أوسط الثلاثة في المنطقة Almilam, Alnitham

زيتا الصياد وهو الشرقي من الثلاثة في المنطقة Alnitak

كابا الصياد –وهو بالقرب من السيف على الرجل اليمنى Saiph

لامدا الصياد –هي اللطخة السحابية من ثلاثة نجوم متقاربة في الرأس، يسميها العرب الهقعة، وقد سماها الصوفي أيضاً البحاتي، ولكن الفيروزبادي أطلق عليها خطأ اسم الميسان، وهذا في الحقيقة اسم لنجم آخر في مجموعة التوأمين المجاورة، فدرج الاسم على الهقعة في الفلك الحديث، وأصبح اسمها الآن Meissa.

خاتمة:

اكتفي بهذه المجموعات الثلاثة لإعطاء القارئ صورة تقريبية عن الأسماء العربية التي طبعها الفلكيون العرب على السماء. إن بحث مجموعات السماء كلها، ولو على هذا القدر من الإيجاز، لا مجال له في مقال كهذا. غير أني أرجو أن أكون قد أوضحت الفكرة التي قصدت إليها، والله ولي القصد.

الدكتور عبد الرحيم بدر

طبيب وعالم من علماء العرب (الكويت)

المصادر العربية للبحث

1-علم الفلك كرلونلينو

2-صور الكواكب الثمانية والأربعين – عبد الرحمن الصوفي – طبع دائرة المعارف العثمانية.

3-تحقيق ما للهند- أبو الريحان البيروني – طبع دائرة المعارف العثمانية – حيدر أباد- الدكن- الهند.

4-القانون المسعودي- أبو الريحان البيروني- طبع دائرة المعارف العثمانية.

5-الرسائل المتفرقة في الهيئة للمتقدمين ومعاصري البيروني الرسالة الحادية عشرة، الأبعاد والأجرام لكو شيار الجيلي – طبع دائرة المعارف العثمانية.

6-كتاب الأنواء في مواسم العرب- لأبي محمد عبد الله بن قتيبة الدينوري- طبع دائرة المعارف العثمانية.

المصادر الأفرنجية

1-Star Names – R.H.Allen

2-Celestial Objects for Common Telescopes- T.W.Webb

3-Introducing Astronomy- J.B Sidgwick

4-the Amateur Astronomer – patrick Moore

5-Astronomy for Olevel – Patrick Moore.

مقالة للدكتور عبد الرحيم بدر في مجلة مجمع اللغة العربية الأردني

رابط المقالة : استشارة واسْتنارة للدكتور عبد الرحيم بدر

استشارة واسْتنارة

       للدكتور عبدالرحيم بدر

 

توطئة

في سنة 1981 أصدرت لي وزارة الثقافة والإِعلام العراقية كتاب "دليل السماء والنجوم". وهو – على حدّ علمي- أول كتاب في اللغة العربية يبحث في الفلك العملي، أي في شؤون المراقبة والرصد. وكان لزاماً عليّ أن أذكر أسماء النجوم والكوكبات، كما يجب أن تكتب، وكما ذكرها الفلكيون العرب في كتب التراث. وعلى الرغم من دراساتي الطويلة في هذا الموضوع، إلّا أنني كنت أخشى الوقوع في الخطأ، مهما كان الخطأ بسيطاً. ولهذا لجأت إلى الدكتور بول كونيتش، وطلبت منه مراجعة المخطوطة قبل الطباعة. ففعل مشكوراً. والدكتور كونيتش هو أستاذ الدراسات السامية في جامعة ميونيخ، وعضو أكاديمية العلوم البافارية، وقد تخصّص في الكتابة عن الفلك العربي وأسماء النجوم وعلاقة ذلك بالفلك الإغريقي.

وبتصحيح الدكتور كونيتش للكتاب، يصبح ليس كتاب دليل لرصد السماء وحسب، وإنما كتاباً في التراث العربي أيضاً. ففيه قد ذكرت معظم أسماء النجوم كما عرفها الفلكيون العرب، وأمام كلّ نجم اسمه بالأجنبية كما هو معروف في الفلك الحديث.

وفي هذه الآونة، أضع كتاباً في الفلك العملي أيضاً، سمّيته "رصد السماء" وقد أشرفت على الانتهاء منه. غير أنني في أثناء العمل فيه صادفت كثيراً من القضايا التي اعترضتني، سواء في التراث أو في أصول الترجمة ووضع المصطلحات. وقد تصرّفت في كلّ قضية بالشكل الذي رأيته مناسباً.

وحيث إنني أحرص الحرص كلّه على إبراز التراث في مجاله الواسع في هذا العالم، وحيث إنني أؤمن باللغة العربية كلغة التدريس الوحيدة في جميع العلوم وفي جميع الجامعات في العالم العربي، وحيث إن الكتاب موضوع الحديث هو أول كتاب شامل في الفلك العملي في اللغة العربية، لهذا كلّه، أحببت أن أعرض بعض القضايا التي واجهتني فيه على علماء اللغة العربية وعلماء التراث، أستشيرهم واستنير بآرائهم، فيكبحون جماحي إن شططت، ويسكنون عنّي سكوت الرضى إذا أحسنت.

مميزات علم الفلك

تتميّز العلوم التجريبية والفكرية عن الآداب والفنون بأن تاريخها مترابط متماسك، يتكوّن من حلقات كلّ حلقة تعتمد على سابقتها. وكلّ حلقة لها أهميّتها ولها دورها الفعّال، بحيث لو تأخرت حلقة عن الظهور في موعدها فإن العلم نفسه يتأخر في مسيرته، منتظراً ظهورها لكي يواصل اندفاعه. هذا الترابط المتسلسل قد نجد شيئاً منه في الآداب والفنون، لكنه لا يصل إلى الدرجة التي هو عليها في العلوم.

ويتميّز الفلك عن غيره من العلوم الأخرى بأن تاريخه يظهر لك من بين السطور في أثناء دراسته. وإذا فعلت فإنك سترى أن أسماء الكوكبات إغريقية وأن أسماء النجوم عربية، وستجد أسماء العلماء من مختلف الأمم منتشرة هنا وهناك. فهناك أقمار غاليلو وقوانين كبلر وخط كاسيني ومرقب نويتن ودليل مسييه ونطاق فان ألن... وإذا فاتك اسم عالم في هذه الدراسة فإنك ستجد اسمه في الغالب على فوّهة من فوّهات القمر.

إن دراسة الفلك بطبيعتها أو طبيعة الفلك نفسه تندمج مع ما فيه من تراث.

ولا أكتم عن القارئ سرّاً حين أقول له إنني في البداية كنت – ولا أزال – هاوي فلك. ولمّا كان يتعذّر وجود المراجع القيمة في اللغة العربية، فقد رحت ألجأ إلى اللغة الإنجليزية. وكانت أسماء النجوم العربية تتلاعب أمام عيني بالأحرف اللاتينية آناء الليل وأطراف النهار، سواء عند القراءة في الكتب والمجلات الإنجليزية أو عند الرصد ومراجعة الأطالس. وكان لزاماً عليّ أن أفتش على كتب التراث وأبحث عن أصول هذه الأسماء.

وهذه القصة لم تحدث معي وحدي. بل إنها حدثت مع الأستاذ أمين فهد معلوف، وهو يذكر ذلك في مقدمة كتابه "المعجم الفلكي" مبيّناً أنها هي التي دفعته لوضع المعجم. وكذلك قد حدثت مع الأستاذ منصور حنّا جرداق، ويذكرها في مقدمة كتابه "القاموس الفلكي" مبيّناً أنها هي التي دفعته لوضع القاموس.

ومن الجدير بالذكر أن المعجم والقاموس المذكورين قد وضعا في النصف الأول من هذا القرن العشرين.

غير أن هناك أمراً يدعو إلى الاستغراب فعلاً.

الظاهرة الغريبة

كان النصف الثاني من القرن العشرين بداية تحوّل كبير في العالم العربي، لا من الناحية السياسية واستقلال الدول وحسب، بل من الناحية الحضارية والثقافية أيضاً. فقد ازدهرت الثقافة وازداد عدد الجامعات في طفرة واسعة وكثر الذين يتقنون اللغات الغربية ويحصلون على شهادات عالية في العلوم والفنون المختلفة.

لكن يبدو أن أحداً من هذه الملايين المثقفة لم يقرأ شيئاً عن الفلك ولم يستشفّ من خلال قراءاته أن للعرب يداً فيه، وبصمة على كلّ صفحة من صفحاته.

وكأنّ الفلك في وسط هذه الأمواج الزاخرة من الثقافة لا وجود له.

يبدو أن انشغال العالم العربي بالأحداث السياسية قد صرف العلماء عن متابعة البحث والدراسة في هذا الموضوع، من ناحية، لكني أرى أن السبب الرئيسي في هذا الإهمال هو التدريس في الجامعات باللغات الأجنبية. فقد استشرى هذا الداء الخبيث في كلّ الجامعات العربية – باستثناء جامعة دمشق- بحيث خفّف من انتماء العلماء والمثقفين إلى العروبة، التي أصبحت مجرّد شعار سياسي لا أثر له في النفوس.

ويجب أن أذكر في هذا الصدد الأستاذ قدري حافظ طوقان، فقد كان يشتغل في هذا الحقل، لكن كتابه "التراث العربي في الفلك والرياضيات" نشرت الطبعة الأولى منه في النصف الأول من هذا القرن.

وفي هذا الصدد أيضاً يجب أن أذكر الأستاذ عبدالحميد سماحة، فقط كانت بحوثه وأرصاده في مرصد حلوان ذات قيمة كبيرة، ومحاولة وضعه بعض الأسماء العربية لنجوم في كوكبات جنوبية تنسجم مع مفاهيم العرب عن تلك الكوكبات، جهد يجب أن يقدّره له الباحثون في التراث. لكن معظم بحوثه كانت أيضاً في النصف الأول من هذا القرن.

الفلك في العالم العربي في النصف الثاني من القرن العشرين:

على القارئ أن يأخذ معلوماتي في هذه الفقرة بحذر. ففي هذه الفترة نشبت خلافات بين معظم الدول العربية أدت إلى انقطاع أخبار النشاط الثقافي بين بلد وآخر، وكانت الكتب والمجلات تصل متقطعة، وإذا وصل منها شيء فهو أقلّ من أن يفي بالحاجة.

وبناء على ذلك فإن حديثي هو من معلوماتي الشخصيّة التي أحملها الآن.

لم يكن هناك رصد عمليّ على ما أعرف. وحين أتيحت لي الفرصة أن أزور مرصد حلوان لم أجد فيه برنامجاً للعمل. (كان ذلك سنة 1963). ولم أعرف إذا كان هناك في العالم العربي من يزاول الرصد ولو على نطاق شخصيّ ضيّق، إلّا فلكياً واحداً اسمه ميخائيل عبدالأحد من البصرة، كان يرصد الشمس ونشر عن ذلك في مجلة "السماء والمرقب" الأمريكية. ولم أستطع الاتصال به.

وقد قمت بنحت مرقبي سنة 1962 وأقمت مرصداً في مدينة أريحا. كان المرصد صغيراً، ولكني كنت أتعاون مع الجمعية الفلكية الألمانية، فأرصد بعض الظواهر الفلكية – لكن على أساس الفلك الغربي. فقد كنت أجهل التراث العربي في الفلك.

ويجب أن أذكر هنا أن كليّة بيرزيت (التي أصبحت فيما بعد جامعة بيرزيت) قد ساهمت في هذا الخط. فقد قام طلبة الفيزياء بنحت مرقب مثل مرقبي، بتوجيه من الأستاذ جابي برامكي، وكنا نتعاون معاً في رصد بعض الظواهر الفلكية.

وقد سمعت عن إقامة مرصد كبير في سيناء – مصر. ولا أعلم في الحقيقة ما تمّ في أمره.

وإذا كانت معلوماتي هذه قريبة من الحقيقة، كان معنى ذلك أن العالم العربي خال من الفلك العمليّ.

ولا يزال كذلك حتى الآن.

وفي هذه الحالة لن يكون هناك إلحاح على التراث العربي في الفلك لإِدخال الأسماء والمصطلحات.

أمّا بشأن البحث في التراث الفلكي فقد كان مقتصراً على ما تصدره مجامع اللغة العربية من تحقيقات على فترات متباعدة. وعليّ أن أذكر هنا سلسلة "العلوم البحرية عند العرب" التي أصدرها مجمع اللغة العربية في دمشق في السبعينات. وقد تبيّن من هذه السلسلة أن البحارة العرب في المحيط الهندي قد استغلّوا مطالع النجوم ومغاربها في وضع نظام خاصّ بهم سمّوه (الاخنان) كان على أرقى المستويات التقنيّة.

المعاجم الفلكيّة في النصف الثاني من القرن العشرين

لم تظهر معاجم فلكيّة في كتب مستقلّة، وإنّما ظهرت المعاجم التالية في مجلة "اللسان العربي" التي تصدر في الرباط عن مكتب تنسيق التعريب.

1-   معجم الفلك - في العدد الخامس عشر من المجلة.

2-   مصطلحات الفلك في التعليم العالي – في العدد الخامس عشر أيضاً. وكلاهما لا يستحقّان أن يسمّيا بهذا الاسم. فهما مجرد وضع أحرف عربية أمام الأحرف الأجنبية للاسم دون أي تعريف مفيد.

3-   مصطلحات الفلك – فرنسي، إنجليزي، عربي للأستاذ محمد بني زيّان، نشر في العددين 15 و 16 من مجلة اللسان العربي.

ويبدو التعب والعناية في إعداد هذا المعجم. لكن يبدو أن الأستاذ زيّان غير ضليع في علم الفلك، ولم يطّلع على الكتب المنشورة في التراث العربي. ولهذا نجد فيه أخطاء كثيرة، منها ما يتعلّق بالفلك نفسه كعلم له مصطلحاته ومنها ما يتعلّق بأخطاء في أسماء النجوم والكواكب. وإذا أصلحت هذه الأخطاء فيه فسيكون معجماً قيّماً ذا فائدة كبيرة.

نرى من هذا كلّه، أن التراث العربي المنشور في العالم العربي هو أقلّ من أن يعطينا فكرة شاملة عمّا قدمه الفلكيون العرب من ناحية وعن المصطلحات والأسماء التي كانوا يستعملون. غير أن الذي أعطى الدفعة الكبرى لفهمنا عنه وإعطائنا فكرة شاملة قريبة من الحقيقة، هو ما قامت بنشره وتحقيقه هيئات غير عربية.

التراث العربي الذي نشره غير العرب في النصف الثاني من القرن العشرين

 في هذا الشأن، كان الباع الطويل لمجلس دائرة المعارف العثمانية بحيدر أباد – الدكن- الهند. فقد قامت في الخمسينات بنشر تحقيقات من عيون التراث، ليس في الفلك وحسب، بل في العلوم الأخرى أيضاً كالطب والرياضيات والهندسة، وفي الآداب ودواوين الشعر... إنها في الواقع قد نشرت مكتبة غنيّة بشتّى أنواع التراث العربي.

وكان مما نشرته في الفلك القانون المسعودي للبيروني، وهو موسوعة كاملة عن علم الهيئة (الفلك) تعطينا فكرة كاملة شاملة عن هذا العلم عند العرب من نواح كثيرة كنظرتهم إلى الأمور وطرق معالجتها والأساليب المبتكرة لحلّ المسائل التي تصادفهم. هذا بالطبع بالإضافة إلى مدى المعلومات الفلكيّة التي توصّلوا إليها.

كان ممّا نشرته دائرة المعارف الإسلامية أيضاً، كتاب "صور الكواكب الثمانية والأربعين" للصوفي. ومن هذا الكتاب ومن القانون المسعودي عرفنا الكوكبات السماوية وما فيها من نجوم، كلّ نجم في السماء حددوا طوله وعرضه (ما يسمونه في الفلك الصعود المستقيم والميل)، وبهذا أصبح كلّ نجم معروفاً لا مجال للخطأ فيه بينه وبين نجم آخر. لقد دخلنا الآن في الفلك العملي والقياسات والرصد الدقيق وقد وجدنا علماً له قواعده وأصوله ونستطيع أن نقارن بين أرصاده وأرصاد الفلك الحديث.

والواقع أن هذين الكتابين يجب أن يظلّا المرجع الأساسي لكلّ من يريد أن يكتب في الفلك الحديث متوخياً أن يجاري الفلك العربي في الأسماء والمصطلحات.

هناك كتب أخرى في الفلك العربي نشرتها دائرة المعارف العثمانية في الهند، لابن قرّة وابن الهيثم والمنصور بن عراق وكوشيار الجيلي وغيرهم، أعطتنا فكرة جيّدة عن البحوث العربية في الفلك. لكن الكتابين المذكورين سابقاً هما الأساس في تحديد المصطلحات وأسماء النجوم.

وقد نشر باللغات الأجنبية الكتب التالية:

1-Star Names: Their Lore and meaning – Richard  أسماء النجوم، ومعانيها ورواياتها. وضعه ريتشارد هنكلي ألن Hinckly Allen ونشر للمرة الأولى سنة 1899، وأعيدت طبعته سنة 1963.

والكتاب يبحث في أسماء النجوم عامّة وكان لزاماً عليه أن يتطرّق إلى أصول العربية منها. وفي لهجة الكتاب شيء من التحامل، وفيه الكثير من الأخطاء، معظمها يرجع إلى أن المؤلف كان يجهل اللغة العربية.

2- Arabische Sternnamaen In Europa- Paul Kunitzch أسماء النجوم العربية في أوروبا. للدكتور بول كونيتش. ظهر 1959.

3- Unter Suchungen Zur Sternnomen Klatur Der Araber بحث في تسمية النجوم عند العرب. للدكتور بول كونيتش أيضاً. ظهر سنة 1961.

بهذه الكتب الثلاثة يصبح أمام الباحث ذخيرة مستفيضة عن النجوم، وبالكتب التي سبق ذكرها يصبح لديه ذخيرة عن المصطلحات والتعابير.

القضايا المطروحة

مهما أتقن المرء معرفة المصطلحات والأسماء التي استعملها الفلكيون العرب، فإنه عند التطبيق وفي أثناء الكتابة ستمرّ عليه مشاكل لم يكن يتوقّعها. وستبرز هذه المشاكل إذا كان يضع أمام عينيه الأهداف التالية:

1-               أن يعرف دائماً أنه يكتب في الفلك الحديث على أسسه المعروفة الآن، وأن كتابه ما هو إلّا إحدى الخطى التي سيعتمد عليها القارئ للانطلاق في دراسته وبحوثه. وأنه ينتظر من قارئه بعد ذلك أن يتصل مع الجمعيات والمعاهد الفلكية العالمية ليتعاون معها، ولهذا يجب أن يكون على علم بالمصطلحات والأسماء التي تعارف عليها كلّ الفلكيين في العالم.

2-               أن يكون المصطلح دائماً من كلمة واحدة، خاصّة ذلك الذي يتردّد كثيراً.

3-               إذا كان المصطلح الموجود في التراث العربي يدعو إلى الالتباس في ذهن القارئ، عليه أن يحاول تغييره إلى مصطلح عربي آخر غير ذلك الموجود في التراث.

وبناء على ذلك أطرح القضايا التالية:

أولاً – الكوكبة:

الكوكبة هي بضعة (أو عدة) نجوم متقاربة في السماء تعطي شكلاً معيّناً. عرف الأقدمون هذه الأشكال وأطلقوا عليها أسماء تتناسب معها، مثل الدب والعقرب والأسد وما إلى ذلك.. سجّل بطلميوس هذه الأشكال في (المجسطي) ورسم عليها صورة تدلّ على ما هو مفهوم من ذلك الشكل. وكان عنده 48 صورة أو شكلاً.. وقد أخذ العرب هذا التقسيم نفسه، وسمّوا كلّ صورة (كوكبة)، فكان لديهم 48 كوكبة.

ولمّا جاء الفلك الحديث سار على التقسيم نفسه أيضاً، إلّا أنه أجرى بعض التعديلات، فقسّم الكوكبات الكبيرة، ووضع النجوم الخافتة التي كانت بين الكوكبات السابقة في أشكال أي كوكبات جديدة، وكانت الحضارة قد وصلت إلى المناطق الجنوبية فرتّب الكوكبات التي أخذت تظهر له في السماء الجنوبية في كوكبات جديدة أخرى، وأصبح لدينا في الفلك الآن 88 كوكبة، بحدود دقيقة معروفة فيما بينها. وأصبحت الكوكبة في الفلك الحديث تسمّى                  (Constellation).

وعلى الرغم من جمال كلمة (كوكبة) وصدق دلالتها على المعنى المقصود منها إلّا أن استعمالها يثير لبساً من نواح كثيرة.

فالكوكب الثابت هو ما يعرف الآن بالنجم.

والكوكب السيّار (أو كلمة كوكب في الفلك الحديث) هو الجرم الذي يدور حول الشمس، كالأرض وعطارد والزهرة والمريخ.

والنظام الكوكبي هو ذلك النظام الذي يكون فيه نجم في المركز تدور حوله كواكب سيارة.

والسديم الكوكبي هو السديم الحلقي الذي يكون فيه الغاز على شكل دائرة، في مركزها نجم.

والكويكبات هي تلك الأجرام الصلبة من الصخور التي تدور في مدار حول الشمس يقع بين مداري المشترى والمريخ.

نرى من هذا أن هناك أجراماً كثيرة تقع تحت اسم كوكبة أو كوكب ومشتقاتها. وهذا ما قد يسبّب تشويشاً للقارئ لا سيّما إذا كان في بداية دراسته.

ونجد أن بعض الكتب الجادّة في علم الفلك تحاول أن تستعمل تعابير أخرى للدلالة على كلمة (Constellation).

فالأستاذ وجيه السمّان في كتاب (قصة المادة السيبرنية والكون) لألبير دوكروك، يترجمهما (الصورة النجمية).

والدكتور محمد رضا مدور في كتابه (علم الفلك) يترجمها (كوكبة نجومية).

وفي كتاب (بدائع السماء) الذي قمت بترجمته لجيرالد هوكنز، ترجمتها (مجموعة).

وكذلك في كتابي (دليل السماء والنجوم) ترجمتها (مجموعة).

أمّا في الكتاب الذي هو موضع الاستشارة، فإني أترجمها (كوكبة) كما قالتها العرب، وأحاول أن أفرّق بينها وبين الكوكب السيّار في صيغة الجمع. فأجمع الكوكب السيّار على كواكب، بينما أجمع الكوكبة على كوكبات. ولكني أجد أن الصوفي يجمعها على (كواكب) فهي واردة في اسم كتابه (صور الكواكب الثمانية والأربعين). وبهذا تفشل محاولتي في التشبّث بهذه الكلمة.

إن الالتباسات التي تترتب على استعمال كلمة (كوكبة) تستدعي البحث عن كلمة غيرها تدلّ على المقصود منها وتكون ترجمة لكلمة                   (Consterllation).

وقد رأيت أن الدكتور فايز فوق العادة في كتابه (ارتحال إلى أعماق الكون) يستعمل كلمة (برج) للدلالة على (الكوكبة).

إن كلمة (برج) تطلق على تلك الكوكبات التي تقع على مدار البروج، وعددها اثنا عشر برجاً، وقد أعطاها المنجمون هذا الاسم تمييزاً لها عن الكوكبات الأخرى لأن الكواكب السيّارة والشمس والقمر تمرّ فيها. ولمّا كان الحساب في التنجيم يقوم على مواقع هذه الأجرام في هذه الكوكبات، لهذا رأى المنجمون أن يعطوها هذا الاسم المميّز. وقد كان الفلكيون العرب يؤمنون بالتنجيم، فأبقوا كلمة برج لتدلّ على الكوكبة التي تقع على هذا المدار. فنجد بين الكوكبات الثمانية والأربعين التي عرفوها ستاً وثلاثين كوكبة واثني عشر برجاً. والبرج في الإنجليزية هو (Sing of the Zodiac) ولا أجد من المناسب استعمال كلمة (برج) للدلالة على (Consterllation).

إن كثرة استعمال هذا التعبير في الفلك – حديثاً أو كتابة- يوجب أن يكون من كلمة واحدة فقط. ولا أرى أمامنا غير أربعة اصطلاحات: كوكبة، مجموعة، صور، برج.

 فالموضوع إذن جدير بأن يطرح أمام العلماء في اللغة والمجامع العلمية، لمدّ يد العون.

ثانياً- أسماء الكوكبات

الكوكبات عند بطلميوس والفلكيين العرب هي ثمانية وأربعون. والواقع أن العرب أخذوها عن بطلميوس وترجموا أسماءها، وبقيت أسماء الأعلام إغريقية. وفيما يلي أسماؤها كما هي في الفلك الحديث، وكما عرفها العرب.

 

هذه الكوكبات السبع والأربعون (بعد استثناء كوكبة السفينة) لا تزال موجودة في الفلك الحديث، تحتفظ بأسمائها الأجنبية الموجودة في العمود الأول. ومن الواجب أن تبقى لها الأسماء التي وضعها الفلكيون العرب، وهي الموجودة في العمود الثاني. غير أني سمحت لنفسي عند الكتابة عنها أن أقوم بتجاوز بسيط أعتبر أن فيه بعض الفائدة. فهناك بعض الكوكبات يقول عنها الفلكيون العرب أن اسمها ( كذا) وهي (كذا). إنهم بالطبع يفضّلون الاسم الأول، ولكني لأسباب سأذكرها فضّلت الاسم الثاني. وقد حدث ذلك في الأمثلة التالية:

‌أ-   الكوكبة رقم (9) في اللائحة، سمّاها العرب (الطائر) أو (الدجاجة). فضّلت استعمال الدجاجة، لأن اسم الطائر قد يحدث لبساً مع الكوكبة رقم (16) العقاب أو النسر الطائر.

‌ب-                       الكوكبة رقم (32)، فضّلت استعمال (الدلو) على (ساكب الماء) لأنها كلمة واحدة، وأكثر شيوعاً.

‌ج-   الكوكبة رقم (33) فضّلت استعمال (الحوت) على (السمكتين)، لأنها أكثر شيوعاً.

‌د-   الكوكبة رقم (35) فضّلت استعمال (الجوزاء) على (الجبار) مخافة الالتباس مع برشاوس الجبار و(كلب الجبار).

هذه هي الحدود التي سمحت لنفسي أن أتصرف بها.

وفي هذا المجال أودّ أن ألفت الانتباه إلى خطأين شائعين جداً في معظم الكتب الفلكية التي صدرت في العقود الأربعة الأخيرة، يتعلّقان بأسماء الكوكبات:

أ‌-               إن أقرب نجم إلينا هو (ألفا قنطورس) (Alpha Centauri) وهذا تكثر الإشارة إليه في كثير من الكتب الفلكية التي تصدر، عند ذكر أبعاد النجوم أو أقدارها. والغالبية من الكتاب يسمّونه (ألفا الصنتوري) أو (ألفا السنتوري). وإني أعترف أني في أول كتابين صدرا لي كنت أستعمل هذه الصيغة، إذ لم أكن أعرف الاسم العربي للكوكبة التي فيها هذا النجم (قنطورس).

ب‌-          أول نجم قاس الفلكيون بعده كان (61 الدجاجة) (61 Cygni). وقد قام بهذا العمل الفلكي الألماني بيسيل سنة 1838. وترجمة الاسم الأجنبي (Cygnus) هي في الحقيقة (البجعة). ولهذا نجد في كلّ الكتب التي تذكر هذه الحادثة (61 البجعة). وهذا غير صحيح ما دام هناك اسم عربي .

القبّة الفلكية في الفلك الحديث مقسّمة إلى ثمان وثمانين كوكبة. سبع وأربعون منها عن الفلك القديم، وهي التي لها أسماء عربية. أما الكوكبات الباقية وعددها واحد وأربعون، فأستعمل أسماءها المترجمة، منها ما ترجمته بنفسي ومنها ما وجدت غيري قد ترجمه. ومعظم هذه الكوكبات في المناطق الجنوبية والكثير منها في الدائرة القطبية الجنوبية بحيث لا نراها من بلادنا العربية. وترجمتها لا علاقة لها بالتراث الفلكي العربي.

ثالثاً- أسماء النجوم

أ)- تسمية النجوم بالأرقام والحروف.

منذ أن وضع بطليموس صور الكوكبات ورسم النجوم على كل صورة، أعطى النجوم في كلّ كوكبة أرقاماً متسلسلة تبتدئ من واحد وتنتهي بعدد نجوم تلك الكوكبة. وإذا كانت هناك نجوم خارج الصورة أعطاها أرقاماً متسلسلة أيضاً.

وقد أخذ العرب هذه الطريقة عن بطلميوس فرسموا الصور نفسها ووضعوا الأرقام بالحروف بحسب الطريقة المتّبعة في تلك الأيام.

وعلى ذلك فإذا قال فلكيّ في العصور الوسطى عن النجم السادس والسابع من كوكبة الدب الأصغر، فإن المستمع إليه ينظر في الصورة فيرى أنه يتكلم عن الفرقدين. وهكذا. فكلّ نجم معروف برقم معيّن في كوكبته.

واستمرت هذه التسمية حتى سنة 1603 ميلادية. آنذاك أصدر الفلكي الألماني (باير) أطلسه الشهير. فترك طريقة الأرقام، ورمز لكل نجم في الكوكبة بحرف من الأبجدية اليونانية. وكان عادة يطلق الحرف الأول (الفا) على أشد النجوم لمعاناً في الكوكبة، والحرف الثاني (بيتا) على النجم الذي يليه في اللمعان، وهكذا. إلّا أن ذلك ليس شرطاً.

ومنذ ذلك الحين أخذ الفلكيون جميعاً، وفي جميع أنحاء العالم، يسمون النجوم بالحروف اليونانية وقد أصبحت هذه التسمية عالمية، ولم يعد لنا خيار إلّا في اتباعها. فإذا قال فلكيّ الآن (بيتا الدب الأصغر) و(جاما الدب الأصغر) فإن أي فلكي آخر يعرف أنه يعني الفرقدين.

وفي الحالة التي تكون فيها النجوم في الكوكبة أكثر من الحروف الأبجدية اليونانية فهم يستعملون أرقاماً.

وقد وجدت في كتاب (قصة المادة السيبرنية والكون) الذي ترجمه الأستاذ وجيه السمّان عن الفرنسية، أن الأستاذ وجيه يحاول أن يترجم هذه الحروف إلى العربية. فترجم (الفا) إلى (ألف) و(أبسلون) إلى (هـ) و(دلتا) إلى (د). وأنا لا أوافقه على ذلك. فالحرف اليوناني، مقروناً باسم الكوكبة، أصبح اسماً عالمياً للنجم. ولا مجال لترجمته.

 

ب) أسماء النجوم الأعلام

إن تسمية النجوم بالحروف اليونانية والأرقام تشمل كلّ نجم تراه العين في السماء. غير أن الشعوب منذ القدم كانت تتعرّف على النجوم المتلألئة في السماء وتطلق عليها أسماء خاصة. فالعرب في الجاهلية، قبل أن يعرفوا علم الفلك، كانوا يعرفون نجوماً كثيرة وضعوا لها أسماء جميلة. من هذه الأسماء – الدبران، والفرقدان، والنسر الواقع، والنسر الطائر، والشعرى اليمانية، والشعرى الشامية، والسماك الرامح، والسماك الأعزل... إلخ. هذه الأسماء بقيت لاصقة بنجومها، حين تطوّر الفلك عند العرب، فأصبح للنجم اسمان: اسم بالرقم الذي وضعه بطلميوس، والاسم الخاص الذي عرف عنه في الجاهلية.

وليس ذلك وحسب. بل إن الفلكيين العرب حين كانوا يكتبون عن النجوم، كانوا يذكرون رقم النجم ويصفون موضعه في الصورة قائلين إنه، مثلاً، على الصدر أو على المرفق أو على الجناح، وهكذا.

وقد أخذ الأوروبيون الفلك عن العرب مباشرة دون أن يكونوا على علم ببطلميوس. وحين ترجموا عن النجوم ذكروا الصفات التي وصفها بها العرب على أنها أسماء. فالذي على الجناح مثلاً، سمّوه (الجناح) والذي على المرفق سمّوه المرفق، وهكذا. وقد حدث الكثير من التحوير والتغيير والخطأ في النسخ على مدى الأجيال العديدة التي تم عنها نقل هذا العلم. وظهر عند الأوروبيين علماء في اللغة العربية وفي الفلك أيضاً، رأوا أن يغيّروا بعض الأسماء العربية إلى أسماء عربية وضعوها هم. ونتيجة ذلك كلّه وصلت إلينا في قالبها النهائي أسماء للنجوم في الفلك الحديث.

إن هناك أسماء عربية صرفة وضعها الفلكيون الغربيون ولم يكن يعرفها الفلكيون العرب، مثل (اللسعة) الذي وضعوه للنجم (أوبسلون العقرب)  (Upsilon Scorpii) (Lesuth) وهذا الاسم ليس بموضع استشارة، لأن النجم لم يكن له اسم عند العرب وليس أمامنا.

لكن الفلكيين قاموا أيضاً بوضع أسماء عربية لنجوم كانت لها أسماء عربية، وقد درج الاسم الجديد الذي وضعه الفلكيون الأوروبيون في الفلك الحديث. فإذا نظرنا في الأطالس والكتب إلى بعض هذه النجوم نجد أنها تحمل اسماً عربيّاً، لكنه غير الاسم الذي عرفه عنه الفلكيون العرب. من أمثلة ذلك:

1.   (ألفا التنّين) (Alpha Draco) فقد سمّاه العرب (الذيخ) وهو ذكر الضباع ولكن الفكليين الأوروبين سمّوه (Thuban) (الثعبان)، وأنت تجده باسمه هذا في كل الأطالس والكتب.

2.   ذنب الدبّ الأكبر مكوّن من ثلاثة نجوم في خط ملتو. النجم الأوسط من هذه الثلاثة سمّته العرب (العناق)، وهو الآن (زيتا الدب الأكبر). ولكن العالم جوزيف سكاليجر الذي كان ضليعاً في اللغة العربية، وضع له اسماً جديداً هو (المئزر) (Mizar). وهي قطعة القماش التي يلفّ بها الإنسان وسطه. واسم هذا النجم الآن في كلّ الأطالس الفلكية والكتب، هو (Mizar).

3.   وبالمثل، فالنجم الثالث من الذنب الذي هو من جهة جسم الدب، (ابسلون الدب الأكبر) سمّته العرب (الجون). ولكن سكاليجر نفسه سمّاه (Alioth) ويفسّره (ألن) على أنه الألية، أي الدهن في مؤخرة الخروف.

ونحن إذا تصفّحنا الأطالس والكتب الفلكية الآن، ومرّ حديث عن هذه النجوم، نجد أن الأسماء العربية أمامنا هي تلك التي وضعها العلماء الأوروبيون وليست تلك التي عرفها الفلكيون العرب.

وقد استعملت شخصيّاً فيما كتبت الأسماء الجديدة التي وضعها العلماء الأوروبيون، وقصدي من ذلك هو تبسيط الأمور في عيني طالب الفلك العربي. فمن السهل عليه أن يعرف (Mizar) بأنها (المِئزر) و(Alioth) بأنها (الألية) و(Thuban) بأنها (الثعبان). وسيكون صعباً عليه أن يعرف أن هذه هي (العناق) و(الجون) و(الذيخ).

مهما يكن من أمر، فإن القضية توجب الاستشارة والاستنارة.

تلخيص

عندما يحاول الفلكي العربي أن يكتب في الفلك الحديث، يرى نفسه مضطرّاً إلى الرجوع إلى التراث الفلكي لكثرة ما يجد في مصادره الأجنبية من أسماء ومصطلحات عربية. الأبحاث التي قام بها العرب في التراث الفلكي العربي في القرن العشرين قليلة جداً لا تكفي لكي يتخذ الكاتب مراجعه منها. معظم الأبحاث في هذا الصدد ومعظم نشر كتب التراث الفلكي العربي قام به غير عرب.

إذا عرف الكاتب هذه الحقائق كلّها أو كثيراً منها، وعزم على الكتابة في الفلك محاولاً إدخال كلّ ما عرف في التراث الفلكي العربي من أسماء ومصطلحات، فإنه سيجد أن بعضها صعب التطبيق وقد يخلق التباساً، أو أن هناك أسماء عربية أخرى وضعها الفلكيون الأوروبيون. فهل يستعمل هذه الأسماء المستحدثة أو تلك التي عرفها العرب؟

كما أن النجوم عند العرب كانت تعرف بالأرقام. لكنها أصبحت في الفلك الحديث تعرف بالأحرف اليونانية على مستوى عالميّ.

إن شرح هذه القضايا وارد في المقال، وموقف الكاتب واضح في كلّ قضيّة. لكن مخالفة التراث الفلكي العربي في بعض المواقف يحتاج إلى استشارة العلماء والاستنارة بآرائهم.