الكوكبات الحديثة

الكوكبات الثمانية و الأربعون التي كنت أتحدث عنها للقارئ فيما مضى , هي تلك التي عرفها العرب من المجسطي . و لكن الفلك الحديث , بعد اكتشاف المرقب و ما ترتب على ذلك من آفاق جديدة في الرصد , أصبح بحاجة إلى معرفة كل نجم في السماء و تحديده ضمن كوكبة معينة.

كانت هناك مواضع في السماء - مرّ ذكر بعضها – قال عنها العرب بأن فيها نجوماً خفية كثيرة . و لم يرسموا لها صورة , و جاء الفلك الحديث فرسم لها صورة و جعلها كوكبة جديدة و أعطاها اسماً كالعظاءة و الوشق و الزرافة . وكانت هناك كوكبات كبيرة تبدو مترهلة إذا قيست بالصورة التي رسمت لها, فجعلوا من هذه الأطراف المترهلة كوكبات جديدة , مثل الهلبة و السلوقيين و الحمامة . و كانت أمامهم أيضاً كوكبة السفينة الضخمة الغاصّة بالنجوم , فقسموها إلى أربع كوكبات جديدة هي : الكوثل وبيت الإبرة و الشراع و القاعدة.

و قد ازداد عدد الكوكبات إذن عن هذه الطريقة زيادة لا بأس بها , و لكن الحضارة كانت في العصر الحديث قد زحفت إلى نصف الكرة الجنوبي فأصبح الإنسان يرى النجوم التي تحف بالقطب الفلكي الجنوبي , و عرف كوكبات لم يكن يراها بطلميوس و لا الصوفي و لا البيروني . و قد أطلق الفلكيون أسماء جديدة على هذه الكوكبات بحسب ما تصوّروه من شكلها . فازداد بذلك عدد الكوكبات في الفلك الحديث و أصبح مجموعها حوالي 88 كوكبة بدلاً من ال 48 .

الصليب الجنوبي

و قد حاولت أن أرسم على كلّ كوكبة جديدة الشكل الذي يوحي به اسمها الذي أطلق عليها . قد أكون موفقاً في بعض منها و لكن منمها ما يبعث على الضحك لبعدها عن التوفيق. على أيّة حال , فالقصد من العملية كلّها هو أن يلصق الاسم في ذهن القارئ مقروناً بالشكل و هناك عدد من الكوكبات الحديثة لم أستطع أن أرسم لها شكلاً فاكتفيت برسم حدود الكوكبة  و نجومها . فإذا أوتي القارئ موهبة الرسم و بعض الأناة فإنه يستطيع أن يكمل ما عجزت عنه و أن يحسّن ما أسأت تقديمه .و قد رسمت الكوكبات الحديثة كلّها بالحدود المتعارف عليها الآن في الفلك الحديث . و تجنّبت إدخالها في خرائط السماء لأني خشيت أن يعكر حشو هذه الخرائط سهولة الاستيعاب . غير أن الكوكبات التي لا تظهر في هذه الخرائط أبداً – أي تلك التي تقع ضمن الدائرة القطبية الجنوبية  - فقد رسمت لها خارطة مستقلّة و ليس هناك قيمة عملية لهذه الخارطة ما دام يعيش القارئ  في المناطق المعتدلة التي تقع فيها البلاد العربية , و سيجد لها قيمة إذا تجاوز خط الاستواء جنوباً . و ما رسمتها إلا ليأخذ فكرة عن السماء جنوبي الخفيّ .