من هنا وهناك

أنشودة المجذوب

كما رواها المعلم برمهنسا يوغانندا

في سالف الأزمان عاش ناسكٌ على باب الله، لم يتخذ الوعظ والإرشاد سبيلاً ولم يتحدث عن شيء سوى عن الحب الإلهي الذي كان هاجسه الأوحد.

وحيثما ذهب كان ينادي بذلك الحب الرباني المضطرم في أعماقه. كان يتكلم فقط عند الحاجة للكلام، ولم تتجاوز كلماته الإثنتين أو الثلاث، ومع ذلك تبعه الآلاف كي يسمعونه ينشد بشوق ما عليه من مزيد:

يا ربي أنتَ غايتي .. وحبي لكَ رايتي

تهواكَ روحي والفؤاد .. يا منتهى سعادتي

في إحدت المرات، بينما كان سائراً وسط القرى يردد أنشودته البسيطة ترك الرجال والنساء أعمالهم وتبعوه، لكن تخلف الواحد تلو الآخر عن المسير حتى لم يعد يبصرهم.

ثم أتى إلى حقل فسيح حيث أبصر رجلاً يحصد الغلال، فحياه قائلاً "يا حصّاد، يا حصّاد..." فأجابه الحصاد "دعني وشأني يا رجل لا تتكلم معي، فأنا مشغول كما تراني. إذهب عني أيها المجذوب."

لكنه قال له: " لا أطلب منكَ التحدث إليّ، كل ما أطلبه هو أن تجبر بخاطري وتشاركي الغناء، فهلا أسعدتني بترديدك معي إسم محبوبي الإلهي، ومن بعدها سأغادر؟!"

راح الحصاد يغني معه "يا ربي أنت غايتي.. وحبي لك رايتي..." فانتشى وسقط المنجل من يده وسار خلف المجذوب وهو يغني بفرح وحماس.. وحتى الطيور أحسّت بالغبطة وراحت تتصايح وتصدح بأنشودة الحب لله.

وإذ واصلا السير حضرت زوجة الحصّاد وراحت تلوم زوجها قائلة: "خير إن شاء الله! ماذا دهاك حتى تتبع هذا المجنون؟" لكنه أجابها: "قولي ما شئتِ عني ولكن انشدي معي ولو لمرة واحدة، فشرعتْ في الغناء وراح الثلاثة يغنون معاً بهمة وابتهاج.

وأثناء الغناء مرّ بهم بعض أهالي القرية وراحوا يتندرون بهذا المشهد ويقولون "كثرت المجانين هذه الأيام!" فقال لهم الناسك "تريثوا يا جماعة في حكمكم علينا حتى تتذوقوا ما نحسّ به، وبالله عليكم شاركونا الإنشاد ومن بعدها أطلقوا الأحكام."

شاركهم هؤلاء الأشخاص الإنشاد فأصابتهم عدوى الحب الإلهي وراحوا يرددون من الأعماق وبمنتهى الأشواق الأنشودة المباركة.

وانتشر خبرهم في المنطقة فتبعهم مائة .. ومئتان .. وثلاثمائة.. وخمسمائة.. محاولين صدهم وإبعادهم، لكن قلوب الجميع راحت تردد بفرح غامر وشوق متعاظم:

يا ربي أنتَ غايتي .. وحبي لكَ رايتي

تهواكَ روحي والفؤاد .. يا منتهى سعادتي

بارك الله بكم وفرّح قلوبكم والسلام عليكم

ترجمة بتصرف: محمود عباس مسعود

حديث الفلاسفة السبعة عن الإنسان

قال الفيلسوف الأول:

الإنسان هو ذروة التاريخ وغاية الشعر والرباط الحي والطليق الذي يربط الطبيعة بالله.

وقال الفيلسوف الثاني:

دعنا لا نقلل من شأن الإنسان أو نحط من كرامته، إذ بالرغم من انحداره من أسمى المدركات إلى أسفل الدَركات، لكنه ما زال يحمل في روحه آثاراً من ذلك المجد الأولي والروعة الفائقة – فهو وإن كان يشبه أعمدة محطمة لمعبد قديم، لكن روعة المعبد تبدو حتى في آثاره المتبقية.

وقال الفيلسوف الثالث:

ما أفقر الإنسان وما أغناه!

وما أتعسه وما أبهاه!

ما أشد تعقيده وما أروع بساطته!

وقال الفيلسوف الرابع:

الإنسان كتلة من الفوضى والتناقض والأضداد على اختلافها. فمع أنه مستودع الحقائق وحارس الحكمة الأزلية لكن الشكوك تغلفه والحيرة تحجب رؤيته.. وإلى ذلك فهو دائم التوجس من المجهول. إنه فـَخار وعار الكون في آن واحد.

وقال الفيلسوف الخامس:

رغبات الإنسان لا تقف عند حد ويعجز عن تحقيقها أي ثراء مهما كان عريضاً.. ولن يستقر حاله أو يهدأ باله ما لم يدرك غايته التي هي التناغم مع خالقه والتنعم بالقرب منه في كل لحظة من لحظات عمره.

وقال الفيلسوف السادس:

الإنسان إنسانٌ ليس بأمانيه بل بعمله الدؤوب على تحقيق أنبلها.. وليس برغباته الكثيرة بل بفرز صالحها عن طالحها وتحقيق الطيب منها والمفيد لنفسه ولمجتمعه.

وقال الفيلسوف السابع:

الإنسان فقاعة عائمة على سطح النهر الكوني الدائم الجريان في أرض الله.. بعض الفقاعات أشد لمعاناً من سواها، لكنها كلها ستنفجر في النهاية وتذوب في النهر المتجه أبداً نحو البحر الكوني الذي لا ساحل له.

والسلام عليكم

ترجمة بتصرف: محمود عباس مسعود

هديتي لكم للعام الجديد

هل يعتمل في داخلك طموح تأمل في تحقيقه؟

ولو أتيح لك اليوم أن تبدأ الحياة من جديد فماذا عساك تفعل؟

الحياة تمنحك هذا الخيار، وعجينة الزمن الخزفية اللدنة بين يديك لتشكّلها كما يحلو لك.

الإنجازات التي تبدو صعبة التحقيق غالباً ما يكون تحقيقها أقرب للمنطق والواقع. وما ظننت أن ليس بمقدورك عمله .. إبدأ بعمله الآن! اطرح جانباً قيود العادات التي فرضْتها على نفسك، وأصخ السمع لهمس الباطن.

الحياة تحمل مفاجآت سارة للذين يحفرون عميقاً في بئر الذات.

ما من هدف يمكن تحقيقه في يوم واحد.. وكلمة السر هي أن تبدأ الآن وليس غداً.

إبدأ على بركة الله! فهذه اللحظة السحرية هي المفتاح لكهف الفرص المليء بالكنوز.

افتح خزان إبداعك الذي تغذيه دائماً وأبداً منابع لانهائية لا ينضب معينها ولا يتضاءل مددها.

القدرة تعني المسؤولية، والموهبة الكامنة هي نبتة مثمرة وضعتها الحياة أمانة بين يديك كي تتعهدها بالرعاية. فلا تدعها تذبل وتذوى في تربة التسويف القاحلة.

الحياة تطلب منك أن تجني بأمانة ثمار ما غرسَته يداها في حقلك. وكل ما تحتاج إليه من أدوات هو بين يديك. فميّز رعاك الله تلك الأدوات بعين البصيرة المتيقظة.

لا تعمل بجهد متوتر تشوبه الرغبة في التحصيل، بل اعمل بهدوء وارتياح وفرح..

ولا ترغب في الهدف أكثر من رغبتك في العمل على تحقيقه.

وبفكر متحفز ويدين تحركهما المحبة، انسج أنماط النجاح بخيوط الحاضر الذهبية.

أما إن أخفقتَ في مجهودك، فلا تشعر بالخيبة ولا تدع الإحباط يتسلل إليك..

بل بقلب غني بالفهم

ويدٍ رشيقة بالمرونة

وعين صافية بالرؤية الجلية

إبدأ من جديد واستبشر خيراً.

في قلب البذرة تكمن الزهرة، ولكن هل تعرف البذرة بدايتها أو نهايتها؟

لكنها إذ تستجمع ما يمكنها من دفء ورطوبة

يتمدد قلب كيانها ليتفتح عن زهرة ناضرة

تبسم للشمس وتحييّها ببهجة الحياة وفرح الإنجاز.

وها هي الحياة تناديك.. تتودد إليك.. وتنخيك للعمل..

فهلا سمعت نداءها واستجبت لتشجيعها؟!

وهلا أدرتَ وجهك للضياء

أضاء الله وجهك بنوره

وحقق أحلامك في العام الجديد.

وكل عام وأنتم بخير!

East-West Magazine

ترجمة: محمود عباس مسعود

تُرى من القائل؟

تذكو الصبابة ُ في قلبي فأكتمها

وإن نأيتُ فبالذكرى أناجيها

القلبُ يخفقُ والأشواقُ تمليها

عثرت على هذه الأبيات في أحد دفاتري

ولا أذكر قائلها.. وقد بحثت على النت لأعرف القائل

كي أنسبها إليه لكنني لم أجدها حتى على النت.

وقد شدّت انتباهي لما فيها من حب صادق

وشوق أكيد.. ووفاء بيّن.

لا بد أن شعوراً عميقاً ألهب قلب شاعرنا

فأنار وميضُه حنايا وجدانه

وسرى تياره لطيفاً متلجلجا

في مسالك روحه الحساسة

فهزها وأطربها وأشجاها

ثم كثّف ذاته وانسكب سيالاً نقياً رائقاً من عاطفة راقية

واستحال ألفاظاً رقيقة كنسمات المروج

وهتافاً أثيرياً رخيماً يحرّك مكامن الشعور.

هنا نبصر ألواناً ساحرة من خواطر شديدة التركيز

ونلمح مشاعل متوهجة في كيانه الواله المنتشي

ولا يفوتنا أن نتذوق معه بعض أسىً لاذع

ومع ذلك يبدو أنه يستعذب ذلك الشجى

الذي احتفى به وصاغه من فلذة إحساسه

وها نحن نتحدث عن تجربة شاعرنا المجهول

الذي استوقفتنا أبياته لأنه وضع فيها

من قلبه عصارة

وترك في كلماتها من ذاته أثراً.

دامت القلوب عامرة بالمحبة.. نابضة بالوفاء

والسلام عليكم

محمود عباس مسعود

حوار بين إبن وأبيه...

سأل الإبن أباه: كأنني أرى في عينيك ابتسامة يا بابا.. فما سرّها؟

أجاب: لأنني أشعر براحة عميقة.

قال: أفصح! ماذا يحدث بالضبط؟

أجاب: تتسرب إلى قلبي طمأنينة فتنعكس ابتسامة في العينين قبل الوجه .

قال: وهل هذا كل شيء؟

أجاب: تتيقظ ذكريات.

قال: وما نوع تلك الذكريات؟

أجاب: عذبة تبعث في الخلايا النشاط.

قال: وكيف يحدث ذلك؟

أجاب: الفكر يا ابني قوة كالكهرباء والحالات النفسية تعود إلى الفكر وطريقة التفكير.

قال: ماذا تقصد بقولك "قوة كالكهرباء"؟

أجاب: الكهرباء نافعة وضارة.. من يحسن التصرف بها تكون في خدمته وإلا فقد تصعقه.

قال: وما هو وجه المقارنة؟

أجاب: الفكر أيضاً إن وجّهته في مسارات صحيحة يجعلك سعيداً وإلا فيجلب عليك الويلات.

قال: وكيف يمكنني توجيهه وهو كالحصان الجامح؟

أجاب: هذا ليس مستحيلاً، إذ إن اكتسبت خبرة بطبائع الخيول، عندئذ ستحسن سياستها حتى ولو كانت جامحة رامحة.

قال: يقولون أن الصديق من أقرب المقربين إلى الشخص، فهل هذا صحيح؟

أجاب: بكل تأكيد.

قال: إذاً الفكر صديق لأنه في منتهى القرب من الإنسان.

أجاب: نعم و لا.

قال: وكيف ذلك؟

أجاب: الفكر السليم صديق حميم والفكر السقيم عدو مقيم.

قال: وكيف ذلك؟

أجاب: الفكر السليم يجذب السلام والسلامة والفكر السقيم يطلق سهاماً فتّاكه فترتد على صاحبه مضاعفة – ضاعف الله حسناتك - ولذا قيل الجزاء من نوع العمل.

قال: وكيف يمكن تفادي ذلك؟

أجاب: ما دمت تتمنى الخير للغير وتطلب من الله لهم العون والهداية ستتحول أفكارك إلى مشاعل تنير حجرات النفس وتطرد أكداس الظلام.

قال: وماذا يحدث إذ ذاك؟

أجاب: ستشعر عندئذ براحة عميقة.. وستبتسم عيناك!

دامت البسمة في عيونكم وعلى على وجوهكم يا أصدقاء

والسلام عليكم

محمود عباس مسعود

ضيف مُرحّب به

هذا الضيف اللطيف

لا تراه العين بل يشعر به القلب

كفرح أو فرَج ٍ يبدد الحيرة

ويواسي القلوب الكسيرة

ويمنح الفهم للتعامل بصوابية مع المواقف الحرجة.

والشعور بذلك الضيف مقترن بفتح الباب له ودعوته بالدخول..

والدعوة يجب أن تكون صادقة وصادرة عن تلهف للإستقبال

فيها من الشوق ما يماثل الرغبة القوية

التي أحس بها "القصّاد" أو المنشد الجبلي عندما أطلقها بحرارة:

(شرّفني زيارة وغيّر العادة.. قلبي من جوّا فاتح لك بابه)

الفرح الحقيقي ليس من صنع العقل أو الخيال

إنه عنصر أثيري شفاف له مصدر

وذلك المصدر ذاتي التجدد لا يقرب النقصان ساحته

ولا يوجد من لم يتذوق ولو جرعة صغيرة منه

ومدى الإحساس به يتوقف على قوة التقبل وطاقة الإستيعاب.

فهو بحر لا قدرة لكل المخلوقات على استهلاكه

لأن مصدره لا يخضع للتناهي بل متصل بالمطلق اللامتناهي

وقد شبّهوا به السخاء والأسخياء.

وهنا تحضرني حكاية ذلك الرجل الفقير الذي تبع بعض الشعراء

وهم في طريقهم إلى الخليفة في مصر، وكان قد استدعاهم ليخلع عليهم.. وكانت مع الفقير جرّة، فما أن دخلوا دار الخلافة ومثلوا أمام الخليفة حتى راح يوزع عليهم الهبات السنية. ثم نظر إلى المعدم بأسماله الرثة وسأله:

وأنت ما الذي أتى بك إلينا وما هي حاجتك لنا؟

فأجابه:

لما رأيت القومَ شدوا رحالهم

إلى بحرك الطامي أتيت بجرّتي

فقال الخليفة: إملأوا له الجرة ذهباً وفضة.

ذلك الخليفة لم يكن بحراً مقارنة ببحر الجود الكوني بل نقطة منه.

وإن كان بيتاً من الشعر استحث أريحيته وحرّك سخاءه إلى هذا الحد وهو بشر فلا بد أن أي التماس صادق لمنبع الجود وبحر الكرم الإلهي سيلقى قبولاً وتحقيقاً.. وسيتكرر العطاء حتى الرضاء..

{وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضَى }

{وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا}

فرّح الله قلوبكم والسلام عليكم

محمود عباس مسعود

العنكبوت الصامت الصابر

--------------------------

طلب مني صديقي الأستاذ الألمعي فهمي المشايخي مقدم برنامج (قيادة الذات) كي أترجم بعض قصائد للشاعر الأمريكي الكبير والت ويتمان. ونزولاً عند رغبته العزيزة فقد اخترت هذه القصيدة وأود أن أهدي الترجمة له ولجميع محبي الأدب الرفيع والإيحاءات السامية.

على الصخرة الشاطئية ذات النتوء الصغير البارز

حيث وقف العنكبوت وحيداً بمفرده

وضعتُ علامة لأميّز مكانه

وكان الغرض من تلك العلامة

معرفة الطريقة التي سيستكتشف بواسطتها

محيطه الشاسع وسط الفراغ الفضائي الرحيب.

فأطلق من ذاته سلكاً رفيعاً ، تبعه بسلك آخر، ثم بآخر

وظل يحل بَكرة خيوطه بسرعة مذهلة

دون أن يتطرق إليه الإعياء.

وأنتِ يا نفسي، يا من تقفين محاطة بخضم لا متناهي

من فضاء سحيق لا حد لأبعاده ولا انتهاء

وتستغرقين دون انقطاع في التفكير والإستبصار

أراكِ تنطلقين في مغامرات..

تطلقين الأفكار والطاقات..

تبحثين عن العوالم والأفلاك ..

علكِ ترتبطي بها برباط وثيق

حتى يتسنى لكِ بناء الجسر الذي له تحتاجين

وتستقر سفينتك بمرساة التثبيت

إلى أن يتمكن خيطك الرفيع الذي تطلقينه بعيداً عنك

من الإمساك بشيء ما

في مكان ما

يا نفسي!

Walt Whitman

ترجمة: محمود عباس مسعود

الكوكبة

هي مجموعة من نجوم ذات تشكيلات بديعة

تُعرف فلكياً بأسماء مختلفة مثل رأس الغول

والنسر الطائر والنسر الواقع ومنكب الجوزاء

والكف الخضيب والشعرى اليمانية

وفم الحوت والرجل الجبار.. وغيرها.

والكوكبة تشد إليها الأنظار

ربما لبعدها عن الأرض..

ربما لما يكتنفها من أسرار وغموض..

ربما لصمتها الأبدي..

أولوميضها الغريب..

وربما...

لأنها تجعل المرء يرفع بصره عن الأرض

ليرنو إلى ما هو أعلى وأحلى!

والكوكبة كلمة جميلة تستوحي عذوبتها

من تلك الظاهرة الفلكية

ذات الحضور المشع والجمال المؤتلق.

وهكذا أنتم يا أصدقائي

كوكبة من نجوم زاهرة

في سماء حياتي

فتحية لكم أينما كنتم

ومودة من الأعماق إلى الآفاق

في الحركة بركة.. و تهلكة

لقد أضفت كلمة (تهلكة) إلى المثل الشعبي المعروف، إذ بدا لي أن ليست كل الحركات مباركة، وبعضها يأتي بنتائج ليست غير مباركة وحسب بل ذات أثر مهلك على أكثر من صعيد.

الحركة في الإنسان لا تتولد من تلقاء ذاتها، باستثناء بعض حركات ربما أثناء النوم أو السير أثناء النوم بتوجيه من اللاشعور. ما عدا ذلك فهي مدفوعة بنية وإرادة لتحقيق هدف محدد.

هذه الحركة هي حيادية بحد ذاتها لأنها مجرد أداة غير واعية تعمل استجابة لأوامر الجهاز الحركي عند الإنسان، والذي بدوره يتلقى الأوامر من الفكر وينفذها.

عندما تُستخدم الحركة في مساعدة الآخرين

ورفع الأعباء عن كاهلهم

وتوظيف الأدوات الحسية في تحسين الأوضاع

على المستويين المادي والمعنوي

واستجلاب كل ما من شأنه أن يبعث الراحة في النفوس

والطمأنينة في القلوب

ويوفر ضرورات العيش، وليس بالضرورة كمالياته

فهي بركة من الله والملائكة والأنبياء

أما إن استُخدمت الحركة في الإيلام

والأذى و تصديع الأفئدة

واستغلال طاقات الآخر الفكرية أو المادية

دون إذن منه أو رضاه

فالنتيجة لن تكون مباركة

ويمكننا عندئذ القول

"في الحركة تهلكة"

طوبى لمن وظّف حركاته في سبيل الخير ورضى خالقه:

فَاسْتَجَابَ لَهُمْ رَبُّهُمْ أَنِّي لاَ أُضِيعُ عَمَلَ عَامِلٍ مِّنكُم مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى}(آل عمران)

وفي الحديث الشريف:

«يَتْبَعُ الْمَيِّتَ ثَلاَثَةٌ فَيَرْجِعُ اثْنَانِ، وَيَبْقَى مَعَهُ وَاحِد.ٌ يَتْبَعُهُ أَهْلُهُ وَمَالُهُ وَعَمَلُهُ، فَيَرْجِعُ أَهْلُهُ وَمَالُهُ وَيَبْقَى عَمَلُهُ»

ويفيدنا الإمام علي كرّم الله وجهه من مخزون علمه حكمة إذ يقول:

(شتان بين عملين: عمل تذهب لذته وتبقى تبعته، وعمل تذهب مؤونته ويبقى أجره)

تقبل الله منكم ومنا صالح الأعمال أصدقائي

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

محمود عباس مسعود

البار ودار البوار

قال: هناك مسألة تؤرقني وأريد لها تعليلاً.

أجاب: وما هي؟

قال: أرى سائرين على دروب خاطئة "يريّشون" وينتشون، وطيبين لا يصيبون من النجاح نصيبا.

أجاب: كثيراً ما يضل الناس في حكمهم على الأبرار والأشرار، إذ يحكمون بمقتضى الظاهر لأنهم لا يستطيعون الولوج إلى دواخل البشر ليعرفوا ماهية كل إنسان ويحيطوا علماً بنوايا قلبه وأفعاله السرية. أما الله فهو فاحص النوايا وكاشف الخبايا، فله وحده الحكم وتمييز الطيب من الخبيث، ولذا لا يُستبعد أن من يظنه البشر شريراً قد يكون هو البار، والبار في نظرهم قد يكون هو الشرير.

قال: وهل هناك من طريقة للتمييز الصائب في هذه المسائل؟

أجاب: في حكمنا على السعادة والشقاء، إن لم نتصرف بالصواب نظن أن السعيد هو من تمتع بالغنى واليسار وأحرز الجاه ونال إكرام الناس وتنعم بملاهي الحياة وملذاتها، دون أن نعلم ما قد يقاسيه داخلياً من تبكيت للضمير عما ارتكبه من معاصٍ واقترفه من منكر وعن ظلم للآخرين وما شاكله، فتعتريه تعاسة باطنية وتعتوره أمراض مستعصية تجعل حياته مريرة وعينه غير قريرة نتيجة لأهوائه الماجنة وأنانيته الطاحنة. وقد تفاجئه بلايا هادمة ودواهٍ قاصمة لا يحسد عليها.

قال: وأين تكمن سعادة البار؟

أجاب: أولاً، إن نفس البار لا تتهافت على الخيرات الأرضية، ويكفيه سعادة شعوره بالرضى وبمعاملته المنصفة للناس وراحة ضميره وفرحه الروحي النابع من داخله والمتجدد دوماً، لا سيما عندما يتفكر بأن الله يثيبه في الآخرة ويمتعه بالأنوار الأبدية عوضاً عما فاته في دار البوار.

قال: ولماذا يعاني الأبرار أو بعضهم ويلاقون عنتاً في الدنيا؟

أجاب: إن الله يفتقد أحباءه أحياناً بضروب من الألم والمعاناة ليس عقاباً لهم بل ليمحصهم في نار التجارب تمحيص الذهب. والبلايا التي تلمّ بهم تقوّيهم وتظهر استحقاقهم الأدبي وتجعل محبتهم لربهم وللناس صافية نقية وراسخة.

كثّر الله من أمثال الأبرار والأخيار في الدنيا

والسلام عليكم أصدقائي

الدر النظيم بتصرف

محمود عباس مسعود

عدم تضحية المُثل في سبيل إرضاء الغير

------------------------------------

قال: سمعت أن التوافق مع الآخرين أمر مستحسن، فهل هناك استثناءات؟

أجاب: التوافق مع الآخرين لا يعني موافقتهم على كل شيء، ولا تضحية مُثلك من أجلهم، لأن هذا الأسلوب من التوافق غير مستحب ولا يتفق مع الصواب

قال: وهل تحبذ المواجهة بدل الموافقة؟

أجاب: لا ضرورة لذلك، إذ بإمكانك أن تتوافق معهم دون الحاجة إلى التعكير والتكدير. فالمصلحون والعظماء لم يتوافقوا مع كثيرين من الناس من حولهم، ومع ذلك احتفظوا بمَثلهم الأعلى لأنهم أدركوا أن ما كانوا يقومون به كان عين الصواب

قال: وما رأيك بتطويع المُثل أحياناً في سبيل "تمشاية الحال"؟

أجاب: يجب عدم المساومة على مبدأ، وعدم اللجوء إلى نوايا مبيتة لتحقيق غرض، لأنها لا تليق بالمبدئيين. وإن استطعت أن تعيش بكيفية ترضي الله ولا تلحق الأذى بالغير فلا خوف عليك

قال: وما معنى التوافق مع الآخرين على أية حال؟

أجاب: هو أن تكون أولاً وقبل كل شيء متوافقاً مع الله ثم مع ضميرك ومن بعدها مع الناس

قال: وماذا لو لم يرضِ نهجي هذا الآخرين؟

أجاب: يكفي أنك ستكون مرتاحاً في داخلك وستشعر بطمأنينة ذاتية تغنيك عن رضى الآخرين ما دام ذلك الرضى لا يتسق ولا يتفق مع ما تؤمن به في قرارتك

قال: وهل تنصحني بالطلب من الآخرين كي يغيروا أسلوب حياتهم المغلوط؟

أجاب: لا حاجة لأن "تخبط" الناس على رؤوسهم بمطارق الوعظ لجعلهم يقتنعون بوجهة نظرك الصحيحة. فإن لم يرغبوا في انتهاج أسلوبك دعهم وشأنهم وادعُ لهم بالبركة، وإن ضايقوك بملاحظاتهم الجارحة وتعليقاتهم الممضة فلا بأس أن تبتعد عنهم مؤقتاً على الأقل، إنما كن على استعداد دوماً لأن تقاسمهم فهمك وخبرتك، وإن توفرتَ على رحيق من المعرفة فاعرضه على المتعطشين له كي يشربوه هنيئاً مريئاً من فضله تعالى وأجرك على الله

والسلام عليكم

ترجمة بتصرف: محمود عباس مسعود

أراكَ تعاتب الأيام

---------------

كأني بك يا صديقي

ترنو إلى واحة تقر بها عينك

وإلى راحة يرعى في خمائلها قلبك المضنى.

أراك تجيل الطرْفَ في الأفق الصامت البعيد

محاولاً النفاذ من غياهب الوجوم والهموم

إلى سماء صافية

أكثر ملاءمة لروحك الشفافة

وأقدرَ على احتواء أشواق نفسك المستهامة.

وبعين الخيال أراك تعاتب الأيام

وتسائلها عن كوكب السعد الذي طال انتظار بزوغه

وكأنني أسمع حنيناً ملهوفاً يعتمل في أعماقك

تصلني أصداء أجراسه عبر أثير الروح.

ألمح سفينة أشواقك راسية على الشط البعيد

تحوم حولها نوارس الذكريات

وترمقها لواحظ الكواكب بانعطاف ودي.

أحس برغبتك يا صديقي لخلوة تصبو إليها

علك تخترق أكداس الغيوم

وتنفذ إلى عالم باسم

يزخر بالمعاني الرقيقة والأماني العِذاب.

حققت الحياة أمانيك

وبددت قفار الوحشة من نفسك المرهفة

وأغنتها بأجمل الإختبارات

وأعذب الرؤى

وعليك السلام يا صديقي!

محمود عباس مسعود

فلسفة الشراء وقصة الثعلب والغراب

-------------------------------

استعلم قائلاً: هل من فلسفة للشراء يمكن أن أعتمدها في حياتي ؟

أجاب: بعض الناس مدمنو شراء بحيث أنهم يبتاعون ما لا حاجة لهم به، وبذلك يبعزقون أموالهم على كماليات لا ضرورة لها.

قال: وبمَ تنصح؟

أجاب: التزام الحيطة ومراعاة الحكمة أثناء التسوق. وإن كان لديك بعض المال ادخره ولا تلق بالاً للإعلانات التجارية التي تحاول دوماً إغراءك لشراء ما لا يلزمك من أجل التخلي عن مكتسباتك لقاء مبتكرات جديدة أو استثمارات "مضمونة الربح". فكلما حاول أحدهم استمالتك بلسان معسول وعروض مغرية تذكر قصة الثعلب والغراب.

قال: هلاّ أعدتها على مسمعي؟

أجاب: ذات مرة كان غراب يحمل في فمه قطعة جبن فسال ريق الثعلب عليها وأرادها لنفسه، وكونه متمرساً في المكر والمخادعة قال للثعلب "يا ليتك تنشدني لحناً يا سيد غراب لأنني سمعت بأن صوتك رخيم ومضرب المثل في العذوبة." فانتشى الغراب من الإطراء وفتح فاه ليغنّي، لكنه ما أن فعل ذلك حتى أفلتت قطعة الجبن من فمه وسقطت على الأرض، فالتقطها أو الحصين على عجل وهنأ نفسه على غنيمة باردة. لذلك احذر من يحاول التأثير عليك نفسياً لأنه بذلك يريد شيئاً منك. ولا تسمح لأحد أن يستغلك من خلال مداهنتك أو التزلف إليك ليجعلك ترغب بشيء غير ضروري لنجاحك ولسعادتك الحقيقية.

قال: وهل من طريقة للإكتفاء الذاتي؟

أجاب: بسّط حياتك بحيث لا تعتمد على ممتلكات كثيرة. فتغذية الرغبات تلقائياً وعلى نحو متواصل تطرد القناعة من النفس وتخلق التعاسة والبؤس. فإن عقّدت حياتك بأشياء كثيرة لن تتمكن من الإستمتاع بأي منها. ولكن إن دققت في حياتك ستجد طرقاً عديدة يمكنك بواسطتها اختزال الكماليات دون أن تشعر بالحرمان.

قال: وما رأيك في الشراء بالتقسيط؟

أجاب: إجمع أولاً لما تحتاجه واشتر ما تحتاجه نقداً دون الحاجة إلى أقساط وفوائد مرتفعة ووجع رأس. طبعاً هناك فائدة من التعامل مع الذين يريدون أن يبيعوا سلعهم ليكسبوا لقمة عيشهم، ولكن لا تسمح لنفسك بأن تعيش خارج حدود طاقتك، لإنك إن فعلت ستخسر كل شيء لا سمح الله عندما تواجهك أزمة خطيرة أو تواجه انعطافة حادة في الطريق وسيكون "طعم المغراية" في الإنتظار.

قال: وما هو تعريفك للتوفير؟

أجاب: التوفير فن ويلزمه تضحية. ولكن إن اقتصدت في الشراء وعشت ببساطة ستتمكن من توفير بعض الدخل على أساس منتظم، وتذكر المثل الشعبي "قطرة على قطرة تصير غدير" بعونه القدير.

أغناكم الله من واسع فضله أصدقائي

والسلام عليكم

ترجمة بتصرف: محمود عباس مسعود

الإستبطان الذاتي والنجاح

----------------------

قال: هل صحيح أن توجيه الإنسان أسئلة لنفسه هو نوع من عملية الإستبطان الذاتي؟

أجاب: وهو كذلك.

قال: إن أردتُ تطبيق مثل هذا الإستبطان فبماذا تنصحني بأن أسأل نفسي؟

أجاب: إسأل نفسك عن الغاية من حياتك. فأنت أكثر المخلوقات تطوراً وقد أودع الله في داخلك نفساً شريفة هي جوهرك.

قال: وما الذي سيتغير إن أدركت هذه الحقيقة؟

أجاب: ستحرز نجاحاً لا حد له، وستتذوق فرحاً طوباوياً وستتحقق كل رغباتك النبيلة وستتغلب على كل مصاعبك ولن يقوى العالم على اصطيادك بأحابيله أو تضليلك بأوهامه.

قال: لكن الحياة تعج بالمشاكل وتمور بالأحداث الأليمة.

أجاب: أجل، الحياة البشرية هي مواجهة مفتوحة ودائمة مع المشاكل، وكل واحد لديه مشاكله الخاصة. هناك مليارات البشر وأيضاً مليارات المشاكل التي يتعين التعامل معها على أساس يومي. البعض يعاني من مشاكل في القلب والبعض يشكو من الزكام والبعض متخم بالمال وآخرون بينهم وبين الفلس جفاء مستحكم، وغيرهم لا يتعبون أنفسهم بالتفكير ولذلك فهم أقل دراية بالمشاكل، إذ ما دامت بطونهم ملآنة فالدنيا بالنسبة لهم بألف خير. لكن من هم السعداء فعلاً في الحياة ومن هم الناجحون؟

قال: بداية ما هو معيار النجاح؟

أجاب: السعادة هي معيار النجاح بغض النظر عن المنصب الوظيفي أو الوضع الإجتماعي. المفهوم السائد عن النجاح هو امتلاك الثروة والأصدقاء والمقتنيات الجميلة والفاخرة، وهذا ما يدعوه البعض الحياة المنعّمة. لكن الإنجازات المادية لا تعني بالضرورة النجاح الحقيقي.

قال: وما هو السبب؟

أجاب: لأن الأشياء والظروف خاضعة للتغيير. فاليوم قد يكون عند الشخص أشياء وغداً تطير من يده. لذلك لا تظن أن من يصبح مليونيراً يضمن لنفسه النجاح. فقد يجدّ ويجتهد، ويكد ويكدح لقطف ثمار النجاح في مجال عمله، لكنه يُفاجأ بأن حياته يعوزها التوازن ولا يمتلك حرية التمتع بالأشياء التي يرغب القيام بها، بل قد تتألب عليه الهموم ويصاب بالتوتر والإنفعال بحيث تنهار صحته ويقع فريسة الإكتئاب. وهكذا يتبخر النجاح الموهوم ويشعر بأنه أضاع حياته وتبددت كل أحلامه.

قال: وهل الصحة تعني النجاح؟

أجاب: قد يمتلك الشخص جسماً قوياً (مثل الحصان) ولكن دون أن يكفي من المال ليقيم أوده، فيشعر بالحسرة والمرارة لعدم امتلاك ضرورات العيش وأساسياته. أو قد يمتلك الصحة والمال ولكن دون إحساس بالرضى. فإطعام الجسم وإشباع الغرور لا يرضي النفس اللطيفة. وقد يمتلك كل شيء ومع ذلك يشعر بفقر ذاتي مدقع.

قال: والخلاصة؟

أجاب: ما لم يمتلك الإنسان السعادة في قلبه فلا يمكن اعتباره من الناجحين.

قال: هل من مزيد؟

أجاب: في هذا الكفاية اليوم.. زادك الله علماً وأسعدك في الدارين.

والسلام عليكم

ترجمة بتصرف: محمود عباس مسعود

أحزان الآخرين

أيجوز أن أرى دموع الآخرين

دون أن أشعر بالحزن أيضاً؟

وهل يمكن أن أحس بما يعانونه من أسى

دون أن أحاول تخفيفه؟

هل لي القدرة على رؤية دمعة منهمرة

دون أن مشاركة صاحبها الشعور؟

أبمقدور الأب سماع بكاء ابنه

دون أن يتعاطف معه؟

أتستطيع الأم سماع أنين طفلها

والإحساس بما يراوده من خوف

دون أن تتأثر؟

لا.. لا.. هذا غير مستطاع!

أبداً.. أبدا.. هذا مستحيل!

فلا تفكروا أن الله بغافل

عن تنهيدة واحدة نتنهدها

ولا تظنوا أننا تذرف دمعة واحدة

دون أن يراها خالقنا.

فالله يمنحنا الفرح

لعله بذلك يقضى على شقائنا

ويلازمنا برحمته وحنانه

حتى يتلاشى بؤسنا

وتتبدد أحزاننا

Blake

ترجمة بتصرف: محمود عباس مسعود