قوالب عالمية

الموسيقى الشرقية في القوالب العالمية

منذ أربعينات القرن العشرين تم تقديم الموسيقى العربية بموضوع شرقي فى قوالب عالمية كلاسيكية

انتشر هذا النوع من الموسيقى فى مصر أكثر في الخمسينات والستينات مثل كونشرتو القانون لجمال عبد الرحيم أو موسيقى الأذان لرفعت جرانه، كذلك أعمال عزيز الشوان وأبو بكر خيرت. تمكن هؤلاء الفنانون من وضع موسيقات شرقية بأسلوب جديد على الموسيقى الشرقية أقرب إلى أساليب الموسيقى الكلاسيكية العالمية بفضل دراساتهم المتعمقة للموسيقى الكلاسيكية الغربية، وتنوعت نماذجها بين السوناتا والكونشرتو والقصيد السيمفوني والسيمفونية

هذه الموسيقى كانت محل جدل كبير بين الموسيقيين بالنظر إلى محتواها والهدف منها، فقد أعلن أنصارها أنهم بصدد تطوير الموسيقى العربية والأخذ بأشكالها إلى القوالب العالمية وأنهم يحافظون على التراث المحلي باستخدام موسيقى محلية كتيمات أساسية فى أعمالهم، أو تأليف موسيقى جديدة تستلهم روح الشرق من موضوعاتها أو مقاماتها أو ألحانها، وأنهم فقط يخضعونها لقواعد الهارموني والتوزيع الأوركسترالي العالمي وبهذا يخطون بالموسيقى العربية نحو العالمية

أما معارضوها، وهم فى الغالب من الملحنين الماهرين الذين اكتسبت ألحانهم شعبية كبيرة بفضل بساطتها وخفتها، فقد كانت حجتهم أن الجمهور لن يفهم هذه الموسيقى المعقدة وأنهم يصنعون الموسيقى من أجل الشعب الذي ينتمون إليه وليس من أجل شعوب أخرى

الواقع أن هناك عاملا هاما وراء هذا الاختلاف، فقد جرى تعليم الموسيقيين فى مصر، وهى موطن هذه الحركة، من خلال قناتين مختلفتين، إحداهما شرقية والأخرى غربية، ولم يكن هناك أدنى اتصال بين المدرستين. الأولى يقودها معهد الموسيقى العربية العريق بالقاهرة المنشأ منذ العشرينات، والذي شهدت قاعاته ملحنين كبار مثل القصبجي وعبد الوهاب والسنباطي، والثانية يقودها المعهد العالي للموسيقى أو الكونسرفاتوار الذي أنشيء عام 1959 بقيادة أبو بكر خيرت. وكان عدم التقاء منتسبيهما نتيجة منطقية لانعدام التواصل أثناء الدراسة أو بعدها، د.أسامة عفيفى. فى باقي الأقطار العربية المهتمة بالتعليم الموسيقي سار الأمر على نفس النحو مما ساعد على تكريس الانفصام بين الاتجاهين

ورغم أنه قد تم فيما بعد تطعيم كل من المدرستين ببعض المناهج التعليمية من الأخرى، وإنشاء معاهد جديدة اهتمت بنوعي الموسيقى لم تسفر هذه التطورات عن حركة موسيقية أفضل بسبب سيطرة وسائل الإنتاج على أنواع الموسيقى المقدمة من ناحية، ومن ناحية أخرى عدم كفاية التعليم الموسيقي الأساسي فى المدارس، وبالتالي قلة الثقافة الموسيقية لدى الجمهور وضعف قدرته على التذوق الفني

لم يستمر هذا النوع من الموسيقى لأبعد من الستينات كثيرا، لكنه شهد محاولات متأخرة قدمها موسيقيون من أقطار مختلفة منها مصر ولبنان والعراق

وهناك سبب آخر جوهري لعدم تألق هذا النوع من الموسيقى رغم وجاهة منطقه والمجهود العظيم الذي بذل فيه، وهو أن القوالب العالمية التي أراد المؤلفون استخدامها لتقديم الموسيقى الشرقية كان العالم قد تجاوزها بكثير مع بداية القرن العشرين إلى أنواع أخرى من الموسيقى الأكثر حداثة، وتوقف إنتاجها تقريبا فيما عدا داخل الأوساط الأكاديمية، أما خارجها فقد تم تسويق أنماط جديدة متحررة من قيود العصرين الكلاسيكي (1750 - 1850) والرومانسي (1850-1907) وبالتالي لم يعد الجمهور العالمي يستمع كثيرا لتلك الأنماط، ولذلك فإن استهداف الوصول للعالمية عبر قنوات قليلة الجمهور أصبح محل شك من الناحية العملية حيث لا تتوفر لها أرضية مناسبة للانتشار

والواقع أنه بعد موجات من التحديث اجتاحت أوربا وأمريكا مع دخول القرن العشرين شملت التعبيرية والنفسية والتأثيرية والتجريدية وغيرها باستخدام الأوركسترا الكلاسيكي التقليدي على نحو يكسر القواعد الميلودية القديمة، تم استحداث أنواع من الموسيقى استغنت تقريبا عن أداء الأوركسترا واستبدلته بفرق موسيقية أقل كثيرا عددا وعدة، وتراوح أسلوبها بين الموسيقى الحالمة والموسيقى الصاخبة. ولم تقدم قوالب موسيقية محددة وإنما اعتمد تصنيفها على عناصر مختلفة مثل الإيقاع أو الجو النفسي أو الجذور أو نوع الآلات أو أسلوب الأداء مثل الجاز والروك والكانتري، وحديثا التكنو والهاوس والدانس والميتال والسيكوديلك والإلكترونيكا، وغيرها عشرات

الموسيقى الكلاسيكية الحديثة

غير أن فناني الجيل الأحدث من المؤلفين الموسيقيين في مصر كانوا أكثر تحررا في الاتجاه للموسيقى العالمية، فقد اهتموا بتطبيق الأسلوب العالمي دون التقيد بالقوالب العتيقة. وقدم مؤلفون مثل إلياس رحباني وعمر خيرت وأسامة عفيفي أنماطا جديدة من الموسيقى العربية المصطبغة بالأسلوب الأوركسترالي العالمي بالمزج بين روح الشرق وتقنية الغرب، فاكتسبت الموسيقى الجديدة جمهورا جديدا لا ينتمي ذوقه إلى فترة زمنية بعينها أو إلى النماذج التقليدية للموسيقى الكلاسيكية الغربية

اهتمت الموسيقى الجديدة بالتعبير أكثر على حساب القوالب، وتغيرت بالتالي طريقة تسمية الموسيقات من اسم القالب والمقام والآلة إلى عنوان الموسيقى أو الموضوع. من أمثلة الموسيقات الجديدة مقطوعات مثل سندريللا، كليوباترا، شهرزاد، الربيع العربي، واللقاء الأول لأسامة عفيفي، بينما اتجه عمر خيرت إلى تسمية مقطوعاته باسماء الأعمال الدرامية التي وضعت لها مثل اللقاء الثاني، قضية عم احمد، ليلة القبض على فاطمة، وعسل اسود. وعمل إلياس رحباني بنفس الطريقة فظهرت موسيقاه باسماء الأفلام التي صنعت من أجلها مثلما في موسيقى حبيبتي وموسيقى دمي ودموعي وابتسامتي

ولم تنشأ الحركة الجديدة من فراغ، فقد وضع بذرتها الأولى محمد عبد الوهاب عندما قدم موسيقى جديدة بأسلوب أوركسترالي عالمي اعتمد فيه على موزعين عالميين محترفين مثلما فعل مع مقطوعاته الخيام، حياتي، والنيل، بتوزيع الموسيقار الفرنسي فرانك بورسيل. وقام بذلك بتطوير موسيقاه إلى الشكل العالمي منافسا نفسه أولا وكذلك المؤلفين المعاصرين له والذين نشطوا في تأليف موسيقاهم على القوالب الكلاسيكية

وعلى هذا يمكن تسمية النوع الجديد من الموسيقى العربية بالموسيقى الكلاسيكية الحديثة، وتتميز بعدة سمات:

  1. استخدام الهارموني والتوزيع الأوركسترالي

  2. عدم التقيد بالأوركسترا التقليدي (المسرحي)، بل تبدي مرونة كبيرة في اختيار الآلات وإضافة آلات جديدة على الأوركسترا مثل الجيتار والساكسفون

  3. توظيف أكثر للإيقاع وآلاته المختلفة

  4. الاهتمام بالبعد التعبيري

قوالب الموسيقى الكلاسيكية

السيمفونية Symphony

موسيقى أوركسترالية ظهرت في العصر الكلاسيكي على يد هايدن وموتسارت وتطورت في العصر الرومانسي على يد بيتهوفن في أوائل القرن التاسع عشر. واستمرت في الازدهار حتي إداورد جريج النرويجي ورحمانينوف الروسي في القرن العشرين، وهي أكبر وأرقى المؤلفات الموسيقية

من أشهر الأعمال السيمفونية سيمفونيات بيتهوفن التسع وسيمفونيات موتسارت التي جاوزت الأربعين

وتعتمد السيمفونية أساسا على الأوركسترا كما يظهر من اسمها المشتق من اللغة اللاتينية بمعنى الأداء الجماعي للآلات الموسيقية

تتألف السيمفونية من 4 حركات تبدأ بحركة سريعة تليها حركة بطيئة ثم حركة خفيفة تليها حركة قوية في الختام، ويمتد زمنها من 30 إلى 60 دقيقة مقسمة على حركاتها الأربع لكنها في كل الأحوال تحتفظ بالشكل الأساسي

الكونشرتو Concerto

يكتب الكونشرتو لآلة واحدة رئيسية ويسمى باسمها مثل كونشرتو البيانو أو كونشرتو الفلوت، وقد يكتب لآلتين مثل كونشرتو البيانو والكمان أو كونشرتو الفلوت والشللو. وفي الحاتين يكون الأداء بمرافقة الأوركسترا. يتألف الكونشرتو من 3 أجزاء ويهتم بإبراز قدرات ومهارات عازف الآلة الرئيسية خاصة في العزف المنفرد

القصيد السيمفوني Symphonic Poem

موسيقى أوركسترالية تعبيرية، وقد تروي، بالموسيقى، قصة أو تستدعي قصيدة أو حدثا للتعبير عنه. وتتكون من عدة حركات حرة لا تتقيد بشكل معين مثل السيمفونية أو الكونشرتو من أجل تكريس العمل للتعبير عن موضوعه بلا قيود شكلية أو قالب صارم. وبالتالي ينتمي القصيد السيمفوني إلى التعبير الدرامي أكثر منه إلى التأليف التجريدي أو الزخرفي، ويعتبر القصيد السيمفوني تطورا هاما في الحركة الموسيقية لاهتمامه بالمحتوى المعنوي للموسيقى. ويرجع ابتكاره إلى المؤلف المجري فرانز ليست

السوناتا Sonata

السوناتا قالب عريق يرجع ظهوره إلى القرن السادس عشر، وتكتب لآلة أو آلتين وتتألف من 3 حركات الأولى سريعة والثانية بطيئة غنائية والثالثة سريعة ختامية

وتهتم السوناتا بقيم التأليف الموسيقي ولا تسمح باستعراض الأداء أو التحرر من قيود البناء الموسيقي، واحتفظ القالب بهذه القيم على مر الزمن رغم التغيرات التي طرأت عليه بعكس القوالب الأخرى التي تعرضت لكثير من التجريد والتجريب، ولذلك تكون عنصرا هاما في المناهج التعليمية

الافتتاحية Overture

الافتتاحية الموسيقية في الأصل هي مقدمة آلية للأوبرا الكلاسيكية. ومع بداية العصر الرومانسي استخدم موسيقيون كبار مثل بيتهوفن ومندلسون قالب الافتتاحية لأعمال موسيقية مستقلة استخدمت في تقديم برامج موسيقية غير الأوبرا. وتعتبر افتتاحية مندلسون "حلم ليلة صيف" التي قدمت عام 1826 هي أول افتتاحية مستقلة

ظهرت لاحقا افتتاحيات شهيرة مثل الافتتاحية المأساوبة" لبرامز، و"1812" و" روميو وجولييت" لتشايكوفسكي

استمر إنتاج الافتتاحية في القرن العشرين ومع ظهور السينما استخدمت الافتتاحيات لتقديم أشهر كلاسيكيات الأفلام السينمائية مثل حلم ليلة صيف، ذهب مع الريح، يوليوس قيصر، سبارتاكوس، قصة الحي الغربي، محاكمات نورمبرج، لورنس العرب، ثورة على السفينة بونتي، كليوباترا، سيدتي الجميلة، دكتور زيفاجو، أوديسا الفضاء، أوليفر، ابنة رايان

لم تقدم الموسيقى العربية الكثير من الافتتاحيات نظرا لقلة الأعمال الموسيقية البحتة مقارنة بالأعمال الغنائية بوجه عام، ولندرة استخدام هذا القالب حيث كان المؤلفون أميل إلى قوالب أخرى مثل الكونشرتو والقصيد السيمفوني

أشهر الافتتاحيات الموسيقية

بيتهوفن: ليونورا، أطلال أثينا

برليوز: الملك لير، الكرنفال الروماني

بيزيه: كارمن

مندلسون: حلم ليلة صيف

موتسارت: زواج فيجارو، الناي السحري

شوبرت: الافتتاحية الإيطالية

تشايكوفسكي: 1812، هاملت، روميو وجولييت، كسارة البندق

فيردي: قوة القدر

فاجنر: فاوست، بولونيا، الهولندي الطائر

المتتالية Suite

المتتالية عمل موسيقي أوركسترالي مؤلف من مقطوعات متتابعة، تشترك عادة في المقام الموسيقي، ولذلك تعرف أيضا باسم "المتتابعة". وقد تكون المتتالية عملا مستقلا أو تضم أجزاء من عمل موسيقي مسرحي أو روائي كالأوبرا والأوبريت والباليه