مقطوعات موسيقية

موسيقى المقطوعات

المقطوعات شكل من أشكال الموسيقى البحتة، أول من ابتكره محمد عبد الوهاب، وتميز عن الأشكال الموسيقية السابقة له بالتحرر من القوالب الموسيقية القديمة ذات الأصل التركي مثل البشرف والسماعي، وبفضلها تطور التأليف الموسيقي الشرقي من التنغيم إلى التعبير، فأصبحت الموسيقى تتمحور حول فكرة أو معنى يدل عليه عنوان المقطوعة مما يستميل المستمع إلى تأمل الأفكار والمعاني بدلا من الموسيقى المجردة. وتغيرت بذلك طريقة تسمية أعمال الموسيقى البحتة من التسمية بالمقام إلى التسمية بالعنوان. وألّف عبد الوهاب نحو خمسين قطعة موسيقية على مدى أربعة عقود استخدم فيها طرق وأساليب مختلفة وعرفت بأسمائها

شاعت المقطوعات الموسيقية لعقود طويلة عبر الإذاعة حيث تم تأليف المئات من المقطوعات لكبار الموسيقيين كانت تذاع كفواصل بين البرامج، كما شكلت نماذج جذابة للدارسين والهواة لممارسة الموسيقى إلى جانب النماذج الأكاديمية التقليدية

ساهمت عناصر جديدة في تكوين المقطوعة جعلها تتميز عن الموسيقى القديمة، واجتذبت الموسيقيين الجدد للسير على النهج الجديد بفضل قواعد جديدة تجتمع تحت عنوان واحد هو التحرر ، فأصبحت القاعدة أنه لا توجد قاعدة، وأهم ما ابتعد عنه فن المقطوعة كان التقسيم إلى أجزاء ذات صفات خاصة يتقيد بها جميع المؤلفين. وأدى ذلك إلى فك أسر الموسيقى من قوالبها التي جمدت مع الزمن، ومع تحول الفن من التطريب إلى التعبير بمقدم سيد درويش فى مطلع القرن العشرين أصبح للتعبير الأولوية المطلقة عند الموسيقيين والجمهور على السواء، ولذلك كان المناخ العام مواتيا لظهور واستمرار المقطوعة الحرة المعتمدة على التعبير

وسبق هذه الحركة الموسيقية فى الثلاثينات تغييرات أيضا فى قوالب الغناء حيث انتهى عصر الدور والموشح وبدأ عصر المونولوج والديالوج والأغنية الحديثة، وهى قوالب أيضا تميزت بالميل إلى التحرر من النماذج الثابتة وأعطت مساحات أوسع للفنان للتعبير

مضى كثير من الموسيقيين فى تأليف المقطوعات، ومنهم من اكتفى بها دون التلحين مثل محمد حسن الشجاعي وعلي فراج وعبد الحليم علي وفؤاد الظاهري وأحمد فؤاد حسن وعطية شرارة، وهناك مئات إن لم يكن آلاف غيرهم اتبعوا هذا الاتجاه

وبينما لم يكن هذا النوع من الموسيقى معروفا قبل عبد الوهاب، وظل هو رائده ومحركه الأول حتى الثمانينات أي لحوالي نصف قرن، ورغم أن كثيرين قدموه لاحقا لكن الملاحظ أن أيا منهم لم يكن ملحنا، فقد ترك الملحنون هذه الساحة تماما للموسيقيين المحترفين الذين لا باع لهم فى التلحين كذلك، أي أنه كان هناك شبه اتفاق بين الجميع على أن التلحين شيء وتأليف الموسيقى شيء آخر. لم يشذ عن هذه القاعدة من الملحنين غير محمد القصبجي ورياض السنباطي والأطرش لكن أعمالهم فى هذا الميدان تظل قليلة، بينما تعدت مقطوعات عبد الوهاب الخمسين مقطوعة. ولم يدخل هذا المجال ملحنون بارزون مثل زكريا أحمد والموجي والطويل وبليغ وفوزي، وتنطبق نفس الملاحظة على الأجيال الأقدم التى استخدمت القوالب القديمة

وهناك ملاحظة أخرى "عكسية"، إذ أن بعض الموسيقيين قد حاولوا خوض تجربة التلحين، لكن تلك التجارب لم يكتب لها النجاح وتوقف أصحابها عن التلحين بعد تجربة أو اثنتين

خصائص المقطوعة

1- القـــالب: عدم التقيد بنماذج محددة مع تحرر المادة الموسيقية شكلا ومحتوى

2- الزمـــن: تتميز بقصر زمنها في حدود دقائق معدودة

3- توظيف التعبير: تتنوع إمكانيات التعبير في المقطوعات بين تركيب الأوركسترا واستخدام آلات وإيقاعات جديدة وتراكيب ميلودية مبتكرة تغنى عن الغناء، وولّد هذا الاتجاه حاجة أكبر إلى التوزيع الموسيقي

4- التسـمية: تجتمع هنا اثنتان من الخصائص السابقة هما التحرر من القوالب وتوظيف التعبير لينتجا عنصرا جديدا هو كيفية تسمية القطع الموسيقية، فتغير أساس التسمية من الأسلوب القديم، الذى كان يعتمد على 3 عناصر هى اسم القالب واسم المقام واسم المؤلف، كما فى الموسيقى الغربية الكلاسيكية، إلى الفكرة التعبيرية كأساس للتسمية، وكمثال ألّف عبد الوهاب على النمط القديم قطعة سميت سماعى هزام لعبد الوهاب، أى موسيقى فى قالب السماعي من مقام هزام لعبد الوهاب بينما أول قطعة له على النمط الجديد أسماها "فكرة"

وهذا الاتجاه كان قد ظهر فعلا فى الموسيقى الكلاسيكية الغربية، وأطلقت على بعض القطع أسماء تعبيرية مثل سيمفونية القدر أو البطولة لبيتهوفن، أو الرقصة المجرية لفرانز ليست، لكن النمط الغربي الكلاسيكي لم يتوقف، بينما أطلق عبد الوهاب هذا الأسلوب فى التسمية ليكون الأسلوب الوحيد وأعطى لكل مقطوعة عنوانا حاول التعبير عنه بالموسيقى، ثم توقف بعدها تقريبا التأليف على القوالب القديمة

لكن تغير أسلوب التسمية لم يكن مجرد تغيير شكلى، فقد فتح هذا الاتجاه الباب على مصراعيه للتحرر والتعبير معا، فالمؤلف لا يتقيد بقالب ولا بمقام، وفى نفس الوقت لديه آلاف المعاني التي يريد التعبير عنها ، واستهوى هذا الأسلوب الموسيقيين المحدثين وأصبح الأسلوب العصري

5- الأداء والآلات: استخدام آلات جديدة وابتكار استخدامات جديدة للآلات التقليدية، واستخدام أكثر للأوركسترا بدلا من التخت التقليدي

6- المقامات: استعمال متميز للمقامات الشرقية بإدخال جمل جديدة بعيدة عن الجمل التقليدية

7- الإيقاعات: إدخال تراكيب إيقاعية جديدة

8- التوزيع الموسيقى: استخدام التوزيع الموسيقى وتوظيف أساليب التوزيع العالمي في الهارموني والكاونتر بوينت كلما أمكن

9- المحليــة: إدخال عناصر من الموسيقى الشعبية إلى الموسيقى البحتة، أدت حركة التحرر هذه إلى إمكانية استخدام الموسيقى الشعبية بحيث يمكن إظهار الهوية المحلية من خلال الموسيقى البحتة، وهو ما لم يكن متاحا باستعمال القوالب التقليدية التى تميل أكثر إلى التجريد والزخرفة وإظهار مهارات العازف

10- استخدام جديد للصوت البشرى: أدخل عبد الوهاب مقاطع صوتية بشرية قصيرة بكلمات مغناة وسط القطعة الموسيقية، مثلما في "حبيبى الاسمر" و"عزيزة" و"زينة" و"موكب النور"