5- الشعور بالذنب وتأنيب الضمير

Post date: Nov 9, 2016 10:09:50 AM

دردشة حول السعادة 5

(الشعور بالذنب وتأنيب الضمير)

يعتبر الشعور بالذنب ومن ثم تأنيب الضميرعموما من مسببات التعاسة لأنه تقييد لحرية النفس. يتساءل كثير من الناس عن ماهية الضمير وهل هو مرتبط بالفطرة أم بالموروث. أظن أن ضمير الشخص هو ضمير القبيلة أو المجتمع الذي يعيش فيه، فما هو عيب في المجتمع هو عيب عند الشخص الذي يعيش في هذا المجتمع. فمثلا في مجتمعنا العربي الذي يتكلم أفراده نفس اللغة ويدينون بديانة واحدة ولهم تأريخ مشترك ولهم نفس الموروثات الثقافية والاجتماعية فان ضمائر أفراده ستكون متشابهة. وان كنا لا ننكر أن الضمير قد يكون له ارتباط بالفطرة والبراءة الأصلية.

والشعور بالاثم يسبب ضيقا في الصدر وعدم راحة عند فعل شئ مشين بالنسبة للشخص نفسه وليس مشينا على الاطلاق، ويتعايش أغلب الناس مع هذا الشعور رغم ما يسببه من كدر وتعاسة للحياة. ويصحو الضمير في الغالب اذا قارب الجرم أو الذنب على الانكشاف، أما في حال اطمئنان الشخص على أن أمره لن ينكشف فانه سيتعايش مع الذنب وقد يكرره دون أن يوخزه ضميره.

للضمير ارتباط وثيق بالدين خاصة في المجتمعات المتدينة كالمجتمعات الاسلامية ويمكن ملاحظة هذا الارتباط بسهولة. فكل ما هو حرام أو مكروه في الدين قد يشكل ارتباطا قويا مع الضمير وفي حالة ارتكابه سيشعر الشخص بتأنيب الضمير وسيسبب له ضيقا شديد يتناسب طرديا مع حجم وقيمة الفعل المرتكب. ولذلك فان توسيع دائرة المحرمات سيفضي بلا شك الى تعاسة كبيرة كالتي تعيشها المجتمعات العربية مثلا، ويمكنكم تخيل حجم الضيق والتعاسة الذي يتسبب به الفقهاء من توسيع المحرمات وما يؤدي اليها، فقاعدة فقهية مثل قاعدة سد الذرائع قد تؤدي الى كارثة إنسانية واجتماعية اذا ما طبقت حرفيا دون مراعاة للواقع، وحتى نكون منصفين فانه يحدث تفهما عند الفقهاء للواقع ولا تطبق هذه القاعدة الا في حالات محددة، ولكن تطبيق القاعدة يتسع اذا ما كان المشرع متشددا.

وفي المقابل فان إعطاء النفس حرية أكبر فستكون النتيجة حتما سعادة أكبر. فالشباب الذين يستمعون الاغاني وعندهم شك في تحريمها سيصحو ضميرهم في كل مرة، فلا هم يستمتعون ولا هم يقتنعون بترك السماع لأن حياتهم بدون موسيقى ستكون جافة ومملة، والمتسبب في هذه الحالة هو المشرع أو فقيه الدين. وهنا نود أن ندعو الفقهاء إلى الحرص والتريث في مسألة التحريم والنظر الى الواقع والمصلحة، وهذه ليست دعوة الى ترك التدين ولكن إلى النظر إلى مصلحة المجتمع وإلى العلاقة الجدلية الدائمة بين الشريعة والواقع والتي لا يمكن انكارها والتغاضي عنها.

وللإتيكيت وأعراف القبيلة دور سلبي في مسألة السعادة، فكثرة التقاليد العرفية تمثل قيودا على حرية الانسان، وعند تجاوز الشخص لهذه الأعراف سيصحو الضمير يذكره بأن ما فعله كان عيبا وحينها ستكون التعاسة نتيجة منطقية. إننا هنا لا نعيب تأنيب الضمير الذي يكون في الغالب مؤشرا جيدا وايجابيا على تحمل المسئولية والالتزام والنظام ولكن ما نعيبه هو التوسع في مسببات الشعور بالذنب، ونقصد التوسع في الحرام الديني والعيب الاجتماعي.

أما بالنسبة للعلاقة بين الضمير وبين السلطة وقوانين الدولة فان العلاقة موجودة وقوية في المجتمعات المتقدمة والملتزمة أخلاقيا وهشة وضعيفة في المجتمعات الجاهلة والمتأخرة حضاريا وتكاد تكون منعدمة أحيانا، فارتكاب مخالفة مرورية لن يكون سببا لتأنيب الضمير عند شخص تقليدي في مجتمع عربي ولكنه قد يسبب ضيقا شديدا لدى شخص في مجتمع تقدمي.

وحاسة الإثم مرتبطة بالتعليم في الصغر، وضمير الشخص على الأرجح نتاج للتربية المبكرة أكثر من أي سبب اخر. وكلمتي (عيب) و(حرام) هما أكثر ما يشكل معتقدات الشخص المسببة لحاسة الإثم، فعلى سبيل المثال ما تراه النساء عيبا في العلاقة الزوجية هو نتيجة طبيعية للتربية المبكرة المتشددة التي تنظر الى الأعضاء الجنسية بنظرة اشمئزاز، وهذا الأمر واضح عند بنات الارياف أو ممن تلقين تربية دينية او قبلية متشددة. حتى لا يساء الفهم فانا لا أدعو الى الانحلال الأخلاقي أو التبرج ولكن الى تخفيف دائرة العيب الاجتماعي الذي يمنع البنات من أمور الحياة الطبيعية التي لسنا بحاجة الى منعها أو تحريمها. وأتساءل دائما ما الذي يمنع نساء الجزيرة العربية من ارتداء جلباب بألوان زاهية بدل اللون الاسود. قد يكون خجل البنات في بداية الحياة الزوجية مبررا ومستحسنا أحيانا ولكنه من المستغرب جدا استمرار هذا الخجل لسنوات عديدة تقضي على التفاهم الزوجي والحياة السعيدة.

أن الشعور الدائم بالاثم ينعكس سلبا على حياة الشخص ويشعره باحتقار الذات والشعور بالدونية ويجره إلى الحسد وتكون التعاسة في الغالب نتيجة طبيعية. اعط نفسك قدرا من الحرية، وانظر إلى تعاليم القبيلة واكسر ما شئت منها ما لم تؤذ أحدا، خفف القيود على نفسك وعلى أولادك، لا تكثر من وصف الأفعال التي يمكن تبريرها بالعيب أوالحرام، كن منطقيا مع أولادك ولا توزع لهم أحكام العيب العبثية، اعط نفسك وأسرتك ثقة وحرية لتحصل في المقابل على حياة سعيدة. أظن أنه لا سبب أكثر من حاسة الاثم وتأنيب الضمير في ارهاق الشخص وتعاسته.

وختاما فان الشعور بالذنب وتأنيب الضمير قد يكون مؤشرا جيدا للالتزام الأخلاقي وهذا شئ مستحسن ولكنه من غير المقبول توسيع دائرة الذنوب والعيوب لتشمل الأفعال الطبيعية لأن ذلك سيؤدي إلى الخجل والخوف والضيق والتي لا تقود الى التعاسة فحسب ولكن الى فشل الحياة برمتها.

د. حسن مريدي