قد بدأ الاهتمام بالأحباس منذ عهد الرشيد العلوي ثم توسع في عهد اسماعيل الذي حفظ الكثير منها من اوقاف المسلمين من الضياع والغصب. وذلك بالعناية بها والمساهمة القيمة في تكثيرها. وامر نظار الأوقاف في كل جهة من الجهات بإحصاء الأوقاف وتسجيلها في دفاتر خاصة تكون كوثائق قانونية وتاريخية بين أيدي الأجيال القادمة تعينها على التعرف على ممتلكات الأوقاف ومقاصد الواقفين. وكان ذلك ما يعرف بالحوالات الاسماعيلية التي ما زال بعضها موجودا حتى الآن.
السلاطين الدين تعاقبوا على الحكم بالمغرب لما أدركوا قدسية الأوقاف وحرمتها الدينية ،وتيقنوا أنها خير ضمانة تابثة تحفظ مصير الملة الإسلامية مما تهددها من أخطار اجتهدوا في حمايتها من كل اعتداء أو تصرف مخالف للأهداف التي حبست من أجلها.
ومما يدل على العناية بالوقف عبر التاريخ المغربي ما نعرفه من توالي بناء المنشآت الوقفية ، ففي عهد الإدارسة تم بناء جامع القرويين بفاس الدي لا يخفى على أحد ما لهدا المسجد من الريادة والخصوصية والدلالة، اضافة الى جامع الأندلسيين بفاس كدلك ومسجد باب دكالة بمراكش.
أما عهد الدولة المرابطية فقد شهد بناء مجموعة من المدارس التي كانت ملاذا لطلاب العلم من جميع الجهات على نفقة الأحباس.
وفي صدد الإهتمام بالعلم وطلابه نجد أن أول خزانة وقفت بالمغرب كانت في عهد الموحدين، اضافة الى المساجد والمدارس التي كان لها الأثر البارز في تنمية الثقافة ونشرها في هدا العهد.
أما المرينيون فقد اهتموا بتنظيم الوقف وتعيين مشرفين مباشرين له معتمدين في ذلك على مجموعة من التقنينات المستمدة من فتاوى الفقهاء حيث أحدثوا نظارات للوقف بمختلف الحواضر وجعلوا لكل حبس ناظرا ، كما ضبطوا رباع الوقف عن طريق نظام الحوالات الحبسية، كما سعوا الى إنشاء الكراسي العلمية لتدريس العلوم الدينية والشرعية ووقفوا عليها عقارات ومنقولات، فتوافرت أحباسها وتزايدت. كما اجتهدوا في جانب المكتبات فشيدوا الجديدة منها ووسعوا القديمة في مدن مغربية عدة كتازة ومكناس وسلا ومراكش وسبتة ، كما اعتنوا ببناء المساجد والمستشفيات وعهدوا بإدارتها لأشهر الأطباء للاعتناء بالمرضى.
ولعل ما يمكن ملاحظته في هذا العهد هو اتحاد المدارس والخزانات العلمية مما هيأ الوسائل الكافية لنشر العلوم والمعارف على أوسع نطاق في عهد الدولة الوطاسية التي اهتمت كذلك بالكراسي العلمية لأنها كانت بمثابة ولاية حكومية لا تقل عن منصب القضاء والفتيا والوزارة، كما تم تسخير مداخيل الأحباس الكثيرة في هذه الحقبة للإنفاق على المرضى والمنقطعين. الا ان سوء تدبير الأموال الموقوفة خلال هده الفترة جعلها تتراجع وكان هذا من المشاكل التي وقع على كاهل السعديين أمر علاجها، ذلك أن التنظيم السعدي للأوقاف جاء امتدادا لما عرف في العصر المريني، حيث تبلورت مساهمتهم في تشييد المساجد أو ترميمها، واحياء بعض المدارس وتأسيس أخرى، وإنشاء المكتبات وتزويد القديمة منها بالمؤلفات ، إضافة الى انشاء عدد من السقايات بجوار الجوامع، الا أن الملاحظ خلال هذه الحقبة هو غياب أنواع من الوقف خاصة الأوقاف الإجتماعية.
وتبقى أهم مرحلة في تاريخ نظام الوقف بالمغرب عامة هي مرحلة الدولة العلوية، حيث ظهرت معطيات جديدة جعلت الدولة تحتضن الوقف لأن سلاطين المغرب كانوا محافظين تمام المحافظة على مبدأ أن الأحباس لاتباع ولا ترهن ولا يضيع منها قليل ولا كثير، ايمانا منهم بأن الملة إذا لم تكن لها أوقاف تابثة، مصونة، تنفق عليها وتصرف على القائمين بحفظها ونشر تعاليمها فإنها تصبح معرضة لكثير من الأخطار ، مما كان له الأثر الإيجابي في نفوس المغاربة الذين أقبلوا على التحبيس.
ومن المواقف التي سجلها التاريخ لملوك الدولة العلوية ايلائهم العناية الفائقة لشؤون الوقف، حيث أسبغوه كريم رعايتهم، حيث ساندوه وحافظوا على مؤسساته التعليمية من مساجد، ومدارس وزوايا، وكتاتيب قرآنية، وأسسوا خزانات علمية شحنوها بالألاف من أنفس الكتب العلمية تسهيلا وتيسيرا على طلبة العلوم، كما قاموا بإحصاء جميع الممتلكات الوقفية وتسجيلها في دفاتر رسمية، وذلك مخافة الضياع والنسيان نتيجة كثرة الأوقاف بالمملكة.
لكن ابتلاء المملكة بنظام الحماية الفرنسية جعل هذه الأخيرة لم تدخر جهدا لاستنزاف الممتلكات الحبسية، لكن الحكومة الشريفة انداك نجحت في جعل مؤسسة الوقف خارج نطاق معاهدة الحماية.
وخلال مرحلة ما بعد الإستقلال بقي تنظيم الوقف يرتكز على مجموعة من الظهائر الشريفة التي يصطلح على تسميتها بالظوابط الحبسية، رغم تطور مؤسسة النظارة على الوقف التي انتقلت من "بنيقة الأحباس" الى وزارة للأوقاف مهيكلة طبق معايير الإدارة الحديثة .
ومع تنامي المجتمع المغربي، ظهرت الحاجة الى إعطاء الموال الموقوفة وحمايتها حماية قانونية أكبر لتنميتها واسثتمارها، وذلك لتحقيق الهداف المنشودة منها وهو ما تجسد فعلا بصدور مدونة للأوقاف، جمعت بين دفتيها شتات النصوص القانونية المتعلقة بالوقف، والقواعد الفقهية الخاصة به المتناثرة في كتب الفقه الإسلامي وذلك في انسجام تام، يراعي خصوصية الوقف، ويساهم لا محالة في توفير الحماية الفعالة له.
الأحباس ونزع الملكية
أولا : العقارات الحبسية المستثناة من نزع الملكية للمنفعة العامة.
نص الفصل الرابع من قانون نزع الملكية على أنه: "لا يجوز نزع ملكية المباني ذات الصبغة الدينية المعدة لإقامة مختلف الشعائر الدينية، وكذا المقابر، والعقارات التابعة للملك العام، والمنشآت العسكرية".
فمن خلال هذا الفصل يظهر لنا أن العقارات الحبسية التي استثناها المشرع المغربي من نزع الملكية صراحة هي: المباني ذات الصبغة الدينية المعدة لإقامة الشعائر، وكذا المقابر.
1 ـ المباني ذات الصبغة الدينية المعدة لإقامة الشعائر:
رغم أن الفصل المذكور يتحدث عن المباني المعدة لإقامة الشعائر بشكل عام، أي مجردة عن إضافتها إلى الدين الإسلامي، مما يجعل المعنى ينصرف أيضا إلى أماكن ممارسة شعائر الديانات الأخرى غير الإسلام، ككنائس النصارى وبيع اليهود، بل هناك من قال بأن الاستثناء من نزع الملكية يلزم تطبيقه أيضا على ملحقات الكنائس ومعابد اليهود( )، إلا أنه مادام حديثنا هنا عن العقارات الحبسية، فسنقصر البحث على الأماكن المعدة لإقامة شعائر الدين الإسلامي.
وفي هذا الصدد يمكننا الرجوع إلى الفصل السادس من ظهير 06 محرم 1405هـ، 02 أكتوبر 1984 المتعلق بالأماكن المخصصة لإقامة شعائر الدين الإسلامي فيها، والذي ورد فيه: "تعتبر وقفا على عامة المسلمين ولا يمكن أن تكون محل ملكية خاصة جميع الأبنية التي تقام فيها شعائر الدين الإسلامي سواء منها ما هو موجود الآن أو ما سيشيد في المستقبل من مساجد وزوايا وأضرحة ومضافاتها".
فمن خلال هذا الفصل، يتضح أن المباني ذات الصبغة الدينية المعدة لإقامة شعائر الدين الإسلامي هي المساجد والزوايا والأضرحة ومضافاتها. لكن نعتقد أن هذه المباني هي على سبيل المثال وليس الحصر. لأن القول بغير ذلك يعني استبعاد مباني أخرى تقام فيها شعائر الدين الإسلامي، كدور القرآن، والكتاتيب القرآنية التي تكون مستقلة عن المساجد، فلا تدخل ضمن مضافاتها.
ومما يعضد هذا الاتجاه أن ظهير 1951 المتعلق بنزع الملكية للمنفعة العامة، قبل تعديله بظهير 06 ماي 1982، لم يكن يستثني من المباني المعدة لإقامة الشعائر إلا المساجد والأضرحة فقط. فلما صدر ظهير 06 ماي 1982، استعمل صيغة "المباني ذات الصبغة الدينية المعدة لإقامة مختلف الشعائر الدينية"، وهي صيغة عامة ينبغي أن تحمل على عمومها. وهكذا يكون المقصود منها كل المباني "التي تتوفر على مظاهر خارجية أو داخلية أو كلاهما معا تثبت إعدادها لإقامة الشعائر.. مع ضرورة التأكيد على أن الأمر يتعلق بالمباني لا بالأراضي".( )
ولاشك أن كل هذه المباني هي عقارات وقفية بصريح منطوق الفصل السادس من ظهير الأماكن المخصصة لإقامة شعائر الدين الإسلامي فيها السالف الذكر. وقد استثناها المشرع من نزع الملكية لما لها من قدسية عند المسلمين.
2 ـ المقابــر:
بالإضافة إلى المباني المعدة لإقامة الشعائر، استثنى المشرع المقابر من نزع الملكية. والمقابر الإسلامية لم تستثن لكونها تدخل في حيز الملك العمومي، لأن الفصل الثاني من ظهير 19 أكتوبر 1921 المتعلق بالملك العمومي البلدي نص على أنه تدخل في حيز الملك العمومي البلدي المقابر، باستثناء المقابر الإسلامية والإسرائيلية. وإنما استثنيت المقابر الإسلامية من نزع الملكية لكونها عقارات حبسية لها حرمة خاصة في نفوس المسلمين.
وقد اعتبرت المقابر الإسلامية عقارات حبسية حتى في ظل الحماية، بموجب قرار المقيم العام المؤرخ في 12/09/1915. وهذا الاعتبار إنما هو تكريس لما نص عليه الفقهاء. فقد ورد في كتاب فقه السنة: "اتفق العلماء على أن الموضع الذي يدفن المسلم فيه وقف عليه ما بقي شيء منه من لحم أو عظم"( ). وفي المختصر الفقهي لابن عرفة محمد بن محمد التونسي (ت803هـ) نقرأ قوله: "قبر غير السقط حبس على الدفن بمجرد وضع الميت فيه، بقي أو فني". وفي مختصر الشيخ خليل: "والقبر حبس على صاحبه". كما نقل الرهوني نص ابن الحاج في المدخل وفيه: "اتفق العلماء رحمة الله عليهم أن الموضع الذي دفن فيه المسلم وقف عليه".( )
وقد أضاف الفقهاء إلى كون المقابر عقارات حبسية أنه لا يجوز نبشها أو المشي عليها أو الجلوس فوقها، أو الاعتداء عليها بأي نوع من أنواع الاعتداء التي تخل بحرمة الأموات الموجودين فيها.
غير أن هناك من يرى أنه إذا كان احترام الموتى هو أساس المنع من تطبيق نزع الملكية، فإن هذا الأساس لا يعود صالحا إذا مرت أكثر من أربعين سنة كحد أدنى على الانتهاء من الدفن في مقبرة معينة.
لكننا نرى أن العبرة ليست فقط بمرور وقت معين (أربعين سنة أو أكثر أو أقل(على انتهاء الدفن بالمقبرة، للقول بزوال أساس المنع من تطبيق نزع الملكية على هذه المقبرة، بل العبرة ببقاء أو عدم بقاء آثار الموتى بها، اعتبارا لكون حرمة الموتى تستمر بوجود ولو بعض آثارهم. وهنا يمكن الاستعانة بالخبراء إن اقتضى الحال، أو دعت الضرورة القصوى لنزع ملكية المقبرة دون غيرها.
إلا أنه في الواقع العملي نجد أن المقابر أصبحت ملاذ العديد من الجماعات المحلية لتنفيذ مشاريعها، سواء كانت هذه المشاريع في حكم الضروريات كتوسيع طريق مجاور للمقبرة، أو في حكم الكماليات كإقامة حديقة عمومية، أو حتى بناء مركب رياضي!!.
ويبقى السؤال المطروح هو: هل العقارات الحبسية غير المقابر والمباني المعدة لإقامة الشعائر تبقى خاضعة لنزع الملكية، ولو كانت هذه العقارات مرصودة للإنفاق على المباني المخصصة لإقامة الشعائر، أم أن هذه العقارات تندرج ضمن العقارات التابعة للملك العام، والتي هي في منأى عن أن يطالها نزع الملكية؟
ثانيا : المال الحبسي والمال العام في قانون نزع الملكية.
إن المال الحبسي هو مجموعة الأملاك التي يعبر عنها باسم "الوقف". والوقف عرفه الفقهاء بعدة تعريفات نختار منها تعريفين نعتبرهما جامعين.
فالتعريف الأول هو لأحد الفقهاء القدامى وهو الفقيه الحنبلي ابن قدامة، والذي عرف الوقف بأنه: تحبيس الأصل، وتسبيل الثمرة.( )
أما التعريف الثاني فهو لأحد الفقهاء المحدثين، وهو منذر قحف، والذي عرف الوقف بأنه: حبس مؤبد أو مؤقت لمال، للانتفاع المتكرر به أو بثمرته في وجه من وجوه البر العامة أو الخاصة( ).
ومن خلال التعريفين السالفين يتضح أن أهم خاصية للمال الحبسي هو أنه يزيل ملكية الواقف للمال الموقوف، فيخرج من ذمته المالية دون أن يصير إلى ذمة الجهات الموقوف عليها، والتي لا تملك إلا الانتفاع بثمرة المال الموقوف. مما يعني أن المال الحبسي ليس مالا خاصا.
وقد أكد هذا المعنى الفصل 73 من ظهير 19 رجب 1333هـ/02 يونيو 1915م المتعلق بالتشريع المطبق على العقارات المحفظة، إذ نص على أن: الحبس أموال أوقفها المحبس المسلم، ويكون التمتع بها لفائدة أنواع المستفيدين الذين يعينهم المحبس.
كما أن الفصل السادس من ظهير 02 أكتوبر 1984 المشار إليه آنفا، أخرج من دائرة الأملاك الخاصة المباني الحبسية المذكورة في هذا الفصل، واعتبرها وقفا على عامة المسلمين.
فهل يعني خروج ما حبس من الملكية الخاصة للمحبس دخوله في الملك العام؟
إن الجواب عن هذا السؤال لن يكون إلا بالنفي، خصوصا وأن الظهير المتعلق بالملك العام البلدي، اعتبر الأحباس في فصله الثاني المشار إليه آنفا "غيرا" بالنسبة للملك العام.( )
كما أنه بالرجوع إلى ديباجة ظهير 07 شعبان 1332هـ/ فاتح يوليوز 1914م المتعلق بالأملاك العمومية، وكذا الفصل الأول منه، نستخلص أن الأملاك العمومية هي "الأملاك التي لا يسوغ لأحد أن ينفرد بتملكها.. لأنها على الشياع بين الجميع".
وهذا لا ينطبق على العقارات الحبسية، لأنها وإن كانت مما لا ينفرد أحد بتملكه، إلا أنها ليست على الشياع بين الجميع، وإنما هي مرصودة لخدمة الأغراض التي حبست من أجلها.
أما كون وزارة الأوقاف هي المكلفة بالأملاك الحبسية، فإنه لا يعني أن هذه الأملاك هي أملاك عمومية. لأنه، وإن كانت وزارة الأوقاف مرفقا عاما من مرافق الدولة، إلا أن علاقتها بالمال الحبسي هي علاقة إشراف فقط، تتخذ شكل إدارة للأحباس العامة، ورقابة للأحباس الخاصة. وهذا ما نص عليه الفصل 74 من ظهير 19 رجب السالف الذكر، والذي جاء فيه: "توجد أحباس عمومية تديرها وزارة الأوقاف، وأحباس الزوايا وأحباس خاصة تباشر عليها هذه الوزارة المذكورة حق الرقابة".
إن مهمة وزارة الأوقاف تجاه هذه الأوقاف تنحصر، حسب ما نصت عليه المادة الأولى من ظهير 23 جمادى الأولى 1414هـ/08 نونبر 1993م في شأن اختصاصات وتنظيم وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية، في "أداء رسالة الأوقاف والمحافظة على كيانها، والعمل على ازدهار ممتلكاتها وتحسين أحوالها، للصرف منها على وجوه الخير والبر التي أوقفت من أجلها، وفي مقدمتها خدمة مصالح الدين.
وقد نص على ذلك ظهير 16 شعبان 1331هـ/ 21 يوليوز 1913م المتعلق بنظام تحسين حالة الأحباس العمومية في بابه الخامس، والذي جاء فيه: "…كما يؤخذ منه أيضا (أي من مدخول الحبس) ما تقام به شعائر الدين، وتعليم العلم، وإعانة العلماء، والأعمال الخيرية، والمصلحة العمومية العائد نفعها على المسلمين".
وليس هناك أدنى شك في أن الأحباس العامة على الخصوص، كانت وما تزال تضطلع بأدوار مهمة، وتؤدي وظائف مختلفة. ولا يمكن لأحد أن يجادل في كون الوقف بالمغرب غدا ضمن مكونات الثروة الوطنية يشكل جزءا مهما يستفيد منه المجتمع بأكمله، ويسد حاجات أساسية غفلت عنها الدولة، أو عجزت عن سدها.
نظارات الأوقاف ودائرة نفوذها الترابي.
ترتبط النظارة بشخص الناظر إذ يعتبر العمل المسند إلى الناظر بمقتضى رسم التحبيس أو بمقتضى تعيين من له الحق في ذلك هو الغرض الأساسي من تنصيب هذا الناظر، وهو رعاية العين المحبسة بصيانتها ورد الاعتداء عليها وتنفيذ ما نص عليه لفظ المحبس بصرف غلتها فيما حسبت عليه، ثم المحافظة على مافضل بعد ذلك مع التزام الأمانة والعفة وبذل الجهد في الرعاية كما هو شأن الحريص على ماله.
وتعدد النظار بتعدد الأوقاف وبتعدد المحبسين. إذ لاشيء يمنع المحبس من أن يعين نفسه ناظرا على ما حبسه أو يعين غيره أو يسند الأمر إلى أشخاص مجتمعين أو متعاقبين. فإن لم يفعل ذلك قام الحاكم - سلطانا أو ملكا أو قاضيا- بتعيين ناظر للقيام بشؤون الوقف.
وقد استمرت نظارة الوقف قائمة في المملكة المغربية منذ دخول الإسلام، وكان النظار متعددين بعضهم يختص بوقف معين عام أو خاص وبعضهم يختص بالإشراف على أحباس مسجد أو زاوية معينـــــة.
ولم يبدأ جمع هذه المهمات في أيد قليلة إلا في عهد السلطان سيدي محمد بن عبد الله الذي تابع أعمال أبيه وجده في العناية بالأوقاف ولم شتاتها وذلك بجمع أوقاف الجهة الواحدة في يد ناظر واحـــــد.
واستمر الحال على هذه الوتيرة طيلة عهد الحماية الفرنسية التي كان النظار خلالها يخضعون في الإشراف عليهم تولية وعزلا ومحاسبتهم وإبراء ذمتهم إلى" بنيقة الأحباس" التابعة مباشرة لسلطان المغـــرب.
ولما أعلن الاستقلال وأصبحت إدارة الأحباس وزارة ضمن الحكومة المغربية، ازداد تقلص عدد النظار وتم تركيزهم في المدن الكبرى ذات الأملاك الحبسية المتعددة مع الاحتفاظ بنظار معينين لبعض الزوايا أو لبعض الأملاك المحبسة على التعقيب.
ولم يكن اللجوء إلى إحداث نظارة جديدة إلا عقب إحداث أقاليم أو عمالات بمختلف أنحاء المملكة. وكان تقريب الإدارة من المواطنين يقتضي إحداث نظارات جديدة خصوصا وأن اختصاص الناظر كان يشمل الشؤون الإسلامية أي الإشراف على المساجد وضبط شؤون القيمين الدينيين إلخ.....
إلا أنه بصدور ظهير 2003 المنظم للهيكلة الجديدة لوزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية وإحداث المندوبيات الإقليمية والجهوية، وقصر عمل النظار على رعاية شؤون الأوقاف تسييرا وضبطا وتنمية إلخ... أصبح من الضروري تقليص عدد النظارات وحصرها في المناطق التي تتوفر على رصيد عقاري حبسي يبرر وجودها، وهكذا أصبح عدد النظارات أربعا وعشرين نظارة مع إمكانية إحداث نظارة جديدة كلما اقتضت الضرورة ذلك.
نظارات الأوقاف ودوائر نفوذها الترابي
يرأس كل نظارة بطبيعة الحال ناظر للأوقاف ما زالت سلطاته تعتبر استمرارا لما كان عليه سلفه في العصور السابقة. إذ مازال المسؤول الأول داخل منطقة نفوذه الترابي على جميع الأملاك الحبسية العامة وأحباس الزاوية مع مراقبة الأحباس المعقبة، ومازالت جميع التصرفات التي تجري بالنسبة لهذه الأملاك إنما تجري بتوقيعه ويمكن إجمال اختصاصاته فيما يلي:
أولا: ضبط الأملاك الحبسية بإحصائها موقعا ومجاورة ومساحة مع بيان المقيم فيها بالكراء أو المغارسة والقيمة المؤداة مقابل هذه الإقامة.
ثانيا: مراقبة سلامة الأملاك الحبسية من اعتداءات الغير، واتخاذ الإجراءات الإدارية والقانونية لمواجهة الاعتداء في حالة حدوثـــــه.
ثالثا: الترافع أمام المحاكم لاستخلاص حقوق الأملاك الحبسية من المقيمين فيها ومواجهة دعاوي الغير في حالة إقامتها وإعداد الحجج والوثائق المثبتة للحق.
رابعا: تنمية الأملاك الحبسية بالعمل على الرفع من مداخيلها واستغلال الفائض منها في شراء عقارات جديــدة إن أمكــــن ذلك.
خامسا: صيانة الأملاك الحبسية بالسهر على مراقبتها وإصلاح ما تهدم منها ووضع برامج سنوية خصوصا لإصلاح وبناء المساجد والمؤسسات الوقفية التربوية والاجتماعية.
سادسا: القيام بكل ما من شأنه المحافظة على مؤسسة الوقف واحترام لفظ المحبس باعتبار ما لذلك من قيمة دينية واجتماعية تجسد مدى تشبث المغاربة بالدين الإسلامي في صورته التضامنية على الخصوص.ويجب أن يكون واضحا أن مهمة الإشراف المسندة إلى الناظر والسلطات التي يتمتع بها تجعله مسؤولا مسؤولية كاملة عن نتائج أعماله التي تتم مراقبتها من خلال ما يعرف بحساب الصندوق والذي بمقتضاه يتم تقديم جرد كامل لجميع مداخيل النظارة ومصاريفها مع ضرورة وجود تطابق بينهما وتحديد الفارق الإيجابي في حالة وجوده فإن أظهرت المحاسبة نقصا وجب على الناظر تغطيته من ماله الخاص مهما كان السبب المنشئ لهذا النقص.