بعض أخبار الأمير خالد القسري
بعض أخبار الأمير خالد بن عبدالله القسري البجلي
----------(*****)----------
أخبار الأمير خالد بن عبدالله القسري البجلي كثيرة بالكتب والمراجع ، واخترنا من كتاب (أعلام بجيلة وخثعم) القليل كما يلي :
عندما كان خالد القسري أميراً لمكة المكرمة صفح باب الكعبة المشرفة والميزاب والأساطين بثلاثين ألف دينار سيرها إليه الوليد بن عبدالملك الأموي .
تذكر المراجع إن باب الكوفة الذى على سور مدينة بغداد هو من عمل الأمير خالد بن عبدالله القسري البجلي ، وقد نقله أبو جعفر المنصور من الكوفة إلى مدينة بغداد أيام الدولة العباسية .
قيل إن الأمير خالد البجلي كان متعصباً للقبائل اليمانية لأن قبيلته منهم ، وكان بالغالب يستعين في بني قومه من بجيلة في إدارة شؤون الولاية ، ومنهم شقيقه أسد الذي أستعمله والياً على خراسان مرتين ، وجعل على الشرطة بعهده السمط بن مسلم البجلي ، وأبان بن الوليد البجلي ، وإسماعيل بن أوسط البجلي ، وعبد الله بن عمرو البجلي ، وضبيس بن عبد الله البجلي ، وغيرهم .
أتي الأمير خالد البجلي برجل تنبأ بالكوفة فقيل له : ما علامة نبوتك ؟ ، فقال : قد أنزل علي قرآن ، فقيل له : ما هو ؟ ، فقال : إنا أعطيناك الجماهر ، فصل لربك ولا تجاهر ، ولا تطع كل كافر وفاجر ، فأمر خالد بصلبه ، فقال أحد الشعراء متندراً : إنا أعطيناك العمود ، فصل لربك على عود ، وأنا ضامن لك ألا تعود .
خطب الأمير خالد البجلي في بلدة واسط (مقر ولايته) ؛ فقال : يا أيها الناس ، تنافسوا في المكارم ، وسارعوا في المغانم ، واشتروا الحمد بالجود ، ولا تكتسبوا بالمطل ذما ، ولا تعتدوا بمعروف لم تعجلوه ، ومهما يكن لأحد منكم نعمة عند أحد لم يبلغ شكرها ، فالله أحسن له جزاء وأجزل عطاء ، واعلموا أن حوائج الناس إليكم نعم فلا تملوها فتحور نقما ، فإن أفضل المال ما أكسب أجرا وأورث ذكرا ، ولو رأيتم المعروف رأيتموه رجلا حسنا جميلا ، يسر الناظرين ، ويفوق العالمين ، ولو رأيتم البخل رأيتموه رجلا مشوها قبيحا تنفر منه القلوب وتغض دونه الأبصار ، إنه من جاد ساد ، ومن بخل رذل وأكرم الناس من أعطى من لا يرجوه ، ومن عفا عن قدرة ، وأوصل الناس من وصل من قطعه ، ومن لم يطب حرثه لم يزك نبتة ، والفروع عند مغارسها تنمو ، بأصولها تسمو .
كتب الأمير خالد إلى أبان بن الوليد البجلي ، وكان قد ولاه الأمير خالد بلدة المبارك (بلدة بسواد العراق) : أما بعد فإن بالرعية من الحاجة إلى ولاتها مثل الذي بالولاة من الحاجة إلى رعيتها وإنما هم من الوالي بمنزلة جسده من رأسه وهو منهم بمنزلة رأسه من جسده ، فأحسن إلى رعيتك بالرفق بهم ، وإلى نفسك بالإحسان إليها ولا يكونن هم إلى صلاحهم أسرع منك إليه ، ولا عن فسادهم أدفع منك عنه ، ولا يحملك فضل القدرة على شدة السطوة بمن قل ذنبه ، ورجوت مراجعته ولا تطلب منهم إلا مثل الذي تبذل لهم ، واتق الله في العدل عليهم والإحسان إليهم و(إن الله مع الذين اتقوا والذين هم محسنون) ، وأصرم فيما علمت ، واكتب إلينا فيما جهلت يأتك أمرنا في ذلك إن شاء الله ؛ والسلام .
وقيل إن خالداً كان يقول لا يحتجب الوالي إلا لثلاث خصال : إما عيي فهو يكره أن يطلع الناس على عيه ، وإما صاحب سوء فهو يتستر ، وإما بخيل يكره أن يسأل .
قال الأصمعي : كان خالد بن عبد الله يقول على المنبر : إني لأطعم كل يوم ستة وثلاثين ألفا من الأعراب من تمر وسويق . قال الوليد بن نوح مولى لأم حبيبة بنت أبي سفيان : سمعت خالد بن عبد الله القسري على المنبر يقول : إني لأطعم كل يوم ستة وثلاثين ألفا من الأعراب من تمر وسويق .
وقيل كان الأمير خالد بن عبد الله البجلي يكثر الجلوس ثم يدعو بالبدر ويقول : إنما هذه الأموال ودائع لابد من تفريقها ، فقال ذلك مرة وعنده شقيقه أسد بن عبد الله البجلي الذي أتى من خراسان ، فقال له : أيها الأمير ، إن الودائع إنما تجمع لا تفرق ، فقال خالد : ويحك إنها ودائع للمكارم ، وأيدينا وكلاؤها ، فإذا أتانا المملق فأغنيناه ، والظمآن فأرويناه ، فقد أدينا فيها الأمانة .
قال الأصمعي : أن أعرابيا قال لخالد القسري : أصلح الله الأمير لم أصن وجهي عن مسألتك ، فصن وجهك عن ردي ، وضعني من معروفك حيث وضعتك من رجائي ، فأمر له خالد البجلي بما سأل .
وقيل دخل أعرابي على الأمير خالد البجلي ومعه جراب فقال : أصلح الله الأمير ، أيأمر لي بملأ جرابي دقيقا ، فقال خالد املؤوه دراهم ، فخرج على الناس ، فقيل له : ما صنعت في حاجتك ؟ ، فقال : سألت الأمير ما أشتهي فأمر لي بما يشتهي .
قيل خرج الأمير خالد القسري يتصيد يوماً فلقي أعرابي على أتان (أنثى الحمار) له هزيلة ومعه عجوز ، فقال له خالد : ممن الرجل ؟ ، فقال الرجل : من أهل المآثر والحسب ، فقال خالد : فأنت إذا من مضر ، فمن أيها ؟ ، فقال الرجل : من الطاعنين للخيول والمعانقين في النزول ، فقال خالد : فأنت إذا من قيس عيلان ، فمن أيها ؟ ، فقال الرجل : من المانعين عن الجار والطالبين للثأر ، فقال خالد : أنت إذا من بني عامر بن صعصعة ، فمن أيها ؟ ، فقال الرجل : من أهل السيادة والرئاسة ، فقال خالد : أنت إذا من جعفر بن كلاب ، فما أقدمك ؟ ، فقال الرجل : تتابع السنين وقلة رفد الرافدين ، فقال خالد : فمن قصدت ؟ ، فقال الرجل : أميركم هذا الذي رفعته إمرته وحطته أسرته ، فقال خالد : فأنا خالد وأنا معطيك غناك ، فقال الرجل : كلا ، والله لا أقبل لك رفداً بعد أن أسمعتك قذعاً ، ورجع الرجل منصرفا ، فقال خالد : بمثل صبر هذا الشيخ نال آباؤه الشرف والعزة .
قيل أن الأمير خالد بن عبدالله القسري البجلي لما أحكم جسر دجلة واستقام له نهر المبارك ، أنشأ عطايا كثيرة ، وأذن للناس إذنا عاما ، فدخلت عليه أعرابية قسرية (من بنو قسر البجليين) فأنشأت تقول :
إليك يا بن السادة المواجد ** يعمد في الحاجات كل عامد
فالناس بين صادر ووارد ** مثل حجيج البيت نحو خالد
وأنت يا خالد خير والد ** أصبحت عبدالله بالمحامد
مجدك قبل الشمخ الرواكد ** ليس طريف الملك مثل التالد
فقال لها خالد : حاجتك كائنة ما كانت ، فقالت : أصلح الله الأمير ، أناخ علينا الدهر بجرانه ، وعضنا بنابه ، فما ترك لنا صافنا ولا ماهنا ، فكنت المنتجع وإليك المفزع ، فقال لها خالد : هذه حاجة لك دوننا ، فقالت له : والله لئن كان لي نفعها إن لك لأجرها وذخرها مع أن أهل الجود لو لم يجدوا من يقبل العطاء لم يوصفوا بالسخاء ، فقال لها خالد : أحسنت ، فهل لك من زوج ؟ ، فقالت : لا ، وما كنت لأتزوج دعياً وإن كان موسراً غنياً ، وما كنت أشتري عاراً يتقى بمال يفنى ، وإني بجزيل مال الأمير لغنية ، فأمر لها بعشرة آلاف درهم .
قال الأصمعي : لما حَرم خالد البجلي الغناء دخل إليه ذات يوم حنين بن بلوع (شيخ المغنين بالعراق) مشتملا على عوده ، فلما لم يبق في المجلس من يحتشم منه قال : أصلح الله الأمير إني شيخ كبير السن ولي صناعة كنت أعود بها على عيالي وقد حرمتها ، فقال خالد : وما هي ؟ ، فكشف حنين عوده وغنى :
أيها الشامت المعير بالشيب ** أقلن بالشباب افتخارا
قد لبسنا الشباب غضا جديدا ** فوجدنا الشباب ثوبا معارا
فبكى خالد حتى علا نحيبه ورق وارتجع وقال : قد أذنت لك ما لم تجالس معربداً ولا سفيهاً . وكان حنين بعد ذلك إذا دعي يقف على الباب ويقول : أفيكم معربد أفيكم سفيه ؟ ، فإذا قالوا لا دخل .
تفقد الأمير خالد سجنه ، فوجد فيه يزيد بن فلان البجلي ، فقال له خالد في أي شيء حُبست يا يزيد ؟ ، فقال : في تهمة أصلح الله الأمير ، قال خالد : تعود إن أطلقتك ؟ ، فقال : نعم أيها الأمير ؛ وكره أن يصرح بالقصة أو يومي إليها فيفضح معشوقته لكي لا ينالها أهلها بمكروه ، فقال خالد لأولياء الجارية : أحضروا رجال الحي حتى نقطع كفه بحضرتهم ؛ وكان ليزيد أخ فكتب شعراً ووجه به إلى الأمير خالد البجلي :
أخالد قد أوطأت والله غشوة ** وما العاشق المسكين فينا بسارق
أقر بما لم يأته المرء أنه رأى ** القطع خيرا من فضيحة عاشــــق
ولولا الذي قد خفت من قطع كفه ** لألفيت في أمر الهوى غير ناطق
إذا بدت الريات للسبق في العلى ** فأنت ابن عبدالله أول ســــابق
فلما قرأ خالد الأبيات علم صدق قوله ، فأحضر أولياء الجارية وقال لهم : أتزوجوا يزيد فتاتكم ، فقالوا : أما وقد ظهر عليه ما ظهر فلا ، فقال خالد : لئن لم تزوجوه طائعين لتزوجنه كارهين ، فزوجوه ونفذ الأمير خالد المهر من عنده . قال المبرد أيضاً : جلس خالد بن عبد الله القسري ذات يوم للعرض ، فأتي بشاب قد أخذ في دار قوم ، وادعوا عليه السرق ، فسأله عما حكي عنه ، فأقر بالتهمة ، فأمر خالد بقطع يده ، فإذا جارية قد أتته لم ير أحسن منها وجهاً ، فدفعت إلى خالد رقعة فيها الأبيات السابقة ، فسأله خالد عن أبيها ، فأحضره وزوجها من الشاب ، ودفع مهرها من عنده عشرة آلاف .