ديوان الصيعر و مملكة كندة التاريخية

( ديوان العراقة وعبق التاريخ )

حــجر بـن عــــدي

هو حجر بن عدي الكندي أحد الصحابة الذين وفدوا على النبي صلى الله عليه وسلم في آخر حياته. كان من أصحاب الخليفة علي بن أبي طالب وشهد معه صفين. قتل في عهد الخليفة معاوية بن أبي سفيان بعد أن رمى زياداً بن أبيه والي العراق بالحصى في المسجد.

حياته

اختلف في حجر بن عدي هل كان صحابيًا أم تابعيًا, حيث ذكره البخاري, وابن أبي حاتم عن أبيه, وخليفة بن خياط, وابن حبان في التابعين, وكذا ذكره ابن سعد في الطبقة الأولى من أهل الكوفة.

أما ابن سعد ومصعب الزبيري فيما رواه الحاكم عنه فقد ذكروا أنه وفد على النبي صلى الله عليه وسلم هو وأخوه هانئ بن عدي. فأسلم حجر في مقتبل شبابه حينما قدم إلى المدينة مع اخيه هاني بن عدي إلى الرسول محمد (عليه الصلاة و السلام). وكان حجر أحد المعدودين الذي شاركوا في دفن أبي ذر الغفاري بالربذة حينما أبعده الخليفة الثالث عثمان بن عفان إليها، وذلك بسبب انتقادات وجهها أبو ذر الغفاري إليه حول سياسته وطريقة حكمه في النصف الثاني من خلافته. وكان حجر أحد قادة الفتوحات الإسلامية في بلاد الشام حيث فتح عدرا التي قتل فيها فيما بعد وشارك في القادسية. وكان له ابن عم اسمه حجر أيضا و اسمه حجر بن يزيد وكان من جنود معاوية في صفين.

كان حجر من انصار علي بن ابي طالب حيث أسرع إلى مبايعته حينما تولى الخلافة وبقي ملازما له لا يتركه. وحارب معه في معركة صفين وكان من قيادات الجيش حيث كان قائد مذحج و الأشعريّين. وكان من قيادات جيش أمير المؤمنين علي في صفين أيضا، فكان قائدا على كندة و حضرموت و قضاعة و مهرة. وأوّل فارسين برزا والتقيا بصفّين في السابع من شهر صفر سنة 37 هـ هما حجر بن يزيد من معسكر معاوية بن أبى سفيان الذي طلب ابن عمّه حجر بن عدي الكندي للقتال. فتبارزا وكاد حجر بن عدي يقتل ابن عمه لولا تدخل خزيمة بن ثابت الأسدي من معسكر معاوية الذي ضرب حجر ضربة كسر بها رمحه. وحارب مع علي بن أبي طالب في النهروان فكان قائدا لميمنه الجيش.

وكان معاوية قد ارسل الضحاك بن قيس بثلاثة آلاف مقاتل ليشن الغارات على المناطق الواقعة في طاعة علي سنة 39 هـ. فارسل علي حجر بن عدي قائدا لجيش قوامه أربعة آلاف مقاتل تمكن من الاصدام بجيش الضحاك وانتصر عليهم فرجع الضحاك إلى الشام.

قال ابن سعد: كان حجر جاهليا، إسلاميا. شهد القادسية. وهو الذي افتتح مرج عذراء، وكان عطاؤه في ألفين وخمسمائة. ولما قدم زياد واليا، دعا به، فقال : تعلم أني أعرفك، وقد كنت أنا وأنت على ما علمت من حب علي، وإنه قد جاء غير ذلك، فأنشدك الله أن يقطر لي من دمك قطرة، فأستفرغه كله، أملك عليك لسانك، وليسعك منزلك، وهذا سريري فهو مجلسك، وحوائجك مقضية لدي، فاكفني نفسك، فإني أعرف عجلتك، فأنشدك الله يا أبا عبد الرحمن في نفسك، وإياك وهذه السفلة يستزلوك عن رأيك، فإنك لو هنت علي، أو استخففت بحقك، لم أخصك بهذا. فقال: قد فهمت. وانصرف.

فأتته الشيعة، فقالوا: ما قال لك ؟ فأخبرهم . قالوا: ما نصح. فأقام وفيه بعض الاعتراض، والشيعة تختلف إليه، ويقولون: إنك شيخنا وأحق من أنكر، وإذا أتى المسجد، مشوا معه، فأرسل إليه خليفة زياد على الكوفة عمرو بن حريث) وزياد بالبصرة): ما هذه الجماعة ؟ فقال للرسول: تنكرون ما أنتم فيه ؟ إليك وراءك أوسع لك. فكتب عمرو إلى زياد: إن كانت له حاجة بالكوفة، فعجل. فبادر، ونفذ إلى حجر عدي بن حاتم، وجرير بن عبد الله ، وخالد بن عرفطة ، ليعذروا إليه، وأن يكف لسانه، فلم يجبهم، وجعل يقول: يا غلام ! اعلف البكر.

فقال عدي: أمجنون أنت ؟ أكلمك بما أكلمك، وأنت تقول هذا ! ؟ وقال لأصحابه: ما كنت أظن بلغ به الضعف إلى كل ما أرى، ونهضوا، فأخبروا زيادا فأخبروه ببعض، وخزنوا بعضا، وحسنوا أمره ، وسألوا زيادا الرفق به ، فقال : لست إذا لأبي سفيان ، فأرسل إليه الشرط والبخارية ، فقاتلهم بمن معه ، ثم انفضوا عنه ، وأتي به إلى زياد وبأصحابه ، فقال : ويلك مالك ؟ قال: إني على بيعتي لمعاوية . فجمع زياد سبعين، فقال : اكتبوا شهادتكم على حجر وأصحابه، ثم أوفدهم على معاوية، وبعث بحجر وأصحابه إليه.

فبلغ عائشة الخبر، فبعثت عبد الرحمن بن الحارث بن هشام إلى معاوية تسأله أن يخلي سبيلهم، فقال معاوية: لا أحب أن أراهم، هاتوا كتاب زياد، فقرئ عليه، وجاء الشهود. فقال معاوية: اقتلوهم عند عذراء، فقال حجر: ما هذه القرية ؟ قالوا: عذراء قال: أما والله إني لأول مسلم نبح كلابها في سبيل الله، ثم أحضروا مصفودين ودفع كل رجل منهم إلى رجل ، فقتله.

فقال حجر : يا قوم، دعوني أصلي ركعتين، فتركوه فتوضأ، وصلى ركعتين، فطول، فقيل له: طولت، أجزعت ؟ فقال : ما صليت صلاة أخف منها، ولئن جزعت لقد رأيت سيفا مشهورا، وكفنا منشورا، وقبرا محفورا. وكانت عشائرهم قد جاءوهم بالأكفان، وحفروا لهم القبور. ويقال: بل معاوية الذي فعل ذلك. وقال حجر: اللهم إنا نستعديك على أمتنا، فإن أهل العراق شهدوا علينا، وإن أهل الشام قتلونا. فقيل له: مد عنقك. فقال: إن ذاك لدم ما كنت لأعين عليه.

وقيل: بعث معاوية هدبة بن فياض، فقتلهم، وكان أعور، فنظر إليه رجل منهم من خثعم، فقال: إن صدقت الطير، قتل نصفنا، ونجا نصفنا، فلما قتل سبعة، بعث معاوية برسول بإطلاقهم، فإذا قد قتل سبعة، ونجا ستة، وكانوا ثلاثة عشر.

وقدم ابن هشام برسالة عائشة، وقد قتلوا، فقال: يا أمير المؤمنين أين عزب عنك حلم أبي سفيان ؟ قال: غيبة مثلك عني، يعني أنه ندم.

وقالت هند الأنصارية وكانت شيعية إذ بعث بحجر إلى معاوية:

ترفع أيها القمر المنير ترفع ... هل ترى حجرا يسير

يسير إلى معاوية بن حرب ... ليقتله كما زعم الخبير

تجبرت الجبابر بعد حجر ... فطاب لها الخورنق والسدير

وأصبحت البلاد له محولا ... كأن لم يحيها يوما مطير

ألا يا حجر حجر بني عدي ... تلقتك السلامة والسرور

أخاف عليك ما أردى عديا ... وشيخا في دمشق له زئير

فإن تهلك فكل عميد قوم ... إلى هلك من الدنيا يصير

قال ابن عون : عن محمد ، قال : لما أتي بحجر، قال: ادفنوني في ثيابي، فإني أبعث مخاصما. وروى ابن عون: عن نافع، قال: كان ابن عمر في السوق، فنعي إليه حجر، فأطلق حبوته، وقام، وقد غلب عليه النحيب. وروى هشام بن حسان: عن محمد، قال: لما أتي معاوية بحجر، قال: السلام عليك يا أمير المؤمنين ! قال: أو أمير المؤمنين أنا ؟ اضربوا عنقه، فصلى ركعتين، وقال لأهله: لا تطلقوا عني حديدا، ولا تغسلوا عني دما، فإني ملاق معاوية على الجادة. وقيل: إن رسول معاوية عرض عليهم البراءة من رجل والتوبة. فأبى ذلك عشرة، وتبرأ عشرة، فلما انتهى القتل إلى حجر، جعل يرعد. وكان قتلهم في سنة إحدى وخمسين ومشهدهم ظاهر بعذراء يزوره الشيعة. وخلف حجر ولدين : عبيد الله، وعبد الرحمن. قتلهما مصعب بن الزبير الأمير، وكانا يتشيعان.

وروى أحمد عن عفان، عن ابن علية عن أيوب عن عبد الله بن أبي مليكة - أو غيره - قال: لما قدم معاوية المدينة دخل على عائشة فقالت: أقتلت حجرًا؟ فقال: يا أم المؤمنين إني وجدت قتل رجل في صلاح الناس خير من استحيائه في فسادهم.

وقال حماد بن سلمة عن علي بن زيد، عن سعيد بن المسيب عن مروان. قال: دخلت مع معاوية على أم المؤمنين عائشة فقالت: يا معاوية قتلت حجرًا وأصحابه وفعلت الذي فعلت، أما خشيت أن أخبأ لك رجلا يقتلك؟ فقال: لا، إني في بيت الأمان، سمعت رسول الله يقول: الإيمان ضد الفتك لا يفتك مؤمن. يا أم المؤمنين, كيف أنا فيما سوى ذلك من حاجاتك وأمرك؟ قالت: صالح, قال: فدعيني وحجرًا حتى نلتقي عند ربنا عز وجل, وفي رواية أنها حجبته, وقالت: لا يدخل عليّ أبدًا، فلم يزل يتلطف حتى دخل فلامته في قتله حجرًا، فلم يزل يعتذر حتى عذرته, وفي رواية: أنها كانت تتوعده, وتقول: لولا يغلبنا سفهاؤنا لكان لي ولمعاوية في قتله حجرًا شأن، فلما اعتذر إليها عذرته.