على عكس ما قدمناه سابقا من المقاييس الموضوعية لسمات الشخصية يأتى تقسيم الشخصية لأنواع كأن نصف شخصا بأنه طويل أو سمين فى مقابل وصفه بأن ظوله 175 سم أو أن وزنه 90 كجم. يجب هنا لفت النظر إلى أن التقسيم التالى لأنواع الشخصية يجب أن يصاحبه إدراك منك أن أغلب الأشخاص ينتمون إلى نوعين من الأنواع بينما ينتمى القليل إلى ثلاث أنواع أو إلى نوع واحد أما الشخصية التى يمكن تصنيفها فى الأنواع الأربعة فهى شخصية متوازنة تماما و بالتالى فهى غير موجودة بالمرة.
كذلك يجب الإشارة إلى أننا سنصف أنواع الشخصية من وجهة نظر تلك التى تنتمى إلى النوع بالكامل إلا أن ذلك قليل جدا كما أسلفنا و إنما فى العادة ما تظهر مقومات نوع آخر من الشخصية لتخفيف درجة الجنوح فى السلوك.
أخيرا، فبالرغم من الوصف الهوائى (الغير موضوعى) إلا أن استخدام نموذج أنواع الشخصية عادة ما يكون سهل الاستخدام فى الحياة اليومية من قبل غير المتخصصين مما يجعله أكثر عملية لأغلب الناس.
يقسم هذا النموذج الشخصيات إلى أربعة أنواع، الشخصية السيادية و الشخصية المؤثرة و الشخصية التقليدية و الشخصية المدققة.
تتسم الشخصية السيادية بالقوة و الظهور كما تتسم بالرغبة فى القيادة و دفع من حولها فى الاتجاه الذى تراه صحيحا. هى شخصية مباشرة و سريعة فى اتخاذ القرار ذلك أن الشخصية السيادية عادة ما تكون صاحبة أهداف واضحة، بالنسبة لها على الأقل، و بالتالى تستطيع رسم طريق واضح للوصول لتلك الأهداف.
تتخذ الشخصية السيادية قراراتها باستقلالية عن الآخرين و لا تنصاع بسهولة للقواعد و النظم الموضوعة لذلك تبدو فى كثير من الأحوال متمردة و رافضة للحال الواقع مما يستتبع عد الخوف من العواقب ذلك أنها ترى أن الأهداف أسمى من القواعد و النظم و لذلك ما نجدها مرتفعة النشاط و الهمة فى كل ما تقوم به من أعمال.
تخشى هذه الشخصية ما تخشاه من أن تستغل لمصلحة الآخرين و لذكل يميل سلوكها إلى عدم الثقة بسهولة فيمن حولها و لا تميل إلى التودد بشكل عام. مما يميزها تبريرها لتصرفاتها بأن المهم هو تحقيق النتائج المطلوبة. قد تبدو هذه الشخصية، لأول وهلة، شخصية غير ودودة أو مهملة للعواقب على الآخرين إلا أن هذه الشخصية ضرورية جدا فى أى فريق عمل للدفع به لتحقيق الأهداف. تصلح هذه الشخصية جدا لقيادة المؤسسات الكبيرة و الدول و الجيوش. حين يصعب على الشخص العادى اتخاذ قرار بإعدام القاتل أو إعلان الحرب و الدفع بالجنود فى مواجهة الموت قد ندرك جميعا أن اتخاذ مثل هذه القرارات فى الظروف المناسبة يكون ضروريا لدفع مساوئ أكبر.
تحب هذه الشخصية السؤال عن الأهداف و النتائج المتوقعة و لكنها تكره الدخول فى التفاصيل و تعتبرها من سبيل إضاعة الوقت و المجهود. كذلك فإن هذه الشخصية تميل إلى الاستماع إلى الحقائق الموضوعية و ليس إلى الآراء و تحب الأداء السريع كما تحب أن يعترف من حولها لها بمكانة متميزة.
حين يكون لك رئيس ذو شخصية سيادية ستكون أكثر ثقة أن الفريق سيحقق أهدافه بسرعة و كفاءة إلا أن الثمن سيكون الدفع المستمر بالفريق فى طريق تحقيق الهدف بغض النظر عن الأساليب كذلك تجنب استشارته فى كيفية تحقيق المهام الموكلة إليك فوجهة نظره دائما أن هذا ليس اختصاصه و إنما اختصاصك انت. كما لو أن أحد مرؤوسيك يتسم بالشخصية السيادية ستطمئن أن المهام التى توكل إليه سيتم تحقيقها بكفاءة و لكنك تحتاج إلى أن تصبر على تمرده المستمر على ما تضعه له من قواعد أو خطط ذلك أنه دائما ما يؤمن أن طريقته هى الأصوب فتجنب إخطاره بكيفية تحقيق الهدف.
الشخصية المؤثرة هى تلك التى تستطيع زرع المشاعر و الأفكار فى عقول من حولها بدون إجبار أو دفع و إنما عن طريق التحبيب و الإقناع و التأثير فى المشاعر. ما يطلق عليه الشخصية صاحبة الكاريزما هو أقرب ما يكون من الشخصية المؤثرة. قد تجد ذلك حين تستمع إلى خطب الزعماء المشهورين بتأثيرهم القوى كجمال عبد الناصر و السادات و اوباما و كلينتون و هتلر و ستالين كما تجده كذلك فى "نجوم" التمثيل و الغناء و الكثير من مشاهير الرياضة الذين يتميزون بأداء عال و مختلف عن الآخرين. ذلك أن الشخصية المؤثرة عادة ما تبدى انفعالية عالية مع من حولها مما يجذبهم إليها و يقربها من قلوبهم.
تتسم الشخصية المؤثرة كذلك بقدرة عالية على الإبداع و التفكير الخلاق مما يجعلها دائما متميزة بتلك الأفكار المختلفة و التى كثيرا ما تقدم حلولا مبتكرة للمواقف المختلفة، كما أنه تتمتع بطاقة و حيوية عاليتين يجعلانها قادرة على إقناع الآخرين بأفكارها و اجتذابهم بقوة لتنفيذ تلك الأفكار. بالتبعية، دائما ما تبدو تلك الشخصية متفائلة فى مواجهة الظروف المختلفة لأنها دائما ما ترى حلولا و أفكارا جديدة و مبتكرة للمرور بالظروف المختلفة.
تحب الشخصية المؤثرة أن تقضى أوقاتا كثيرة فى مجموعات خصوصا عندما تكون هى مركز الاهتمام و حين تجد من يضغى إليها، إلا أنها لا تتصف عادة بالاهتمام بالآخرين على المستوى الشخصى كما أنها تجنح عن التفاصيل ولا تتصف عادة بالتنظيم أو المثابرة. لذلك تجد دائما بجانب الشخصيات المؤثرة الناجحة أشخاص يساعدونها فى الحرص على التفاصيل و اتخاذ الخطوات اللازمة لتحقيق هذا النجاح. مما يسعد الشخصية المؤثرة أن يقوم من حولها بالتشجيع و الإشارة إلى إنجازاتها مهما قلت كما أكثر ما تخافه هو ان تبقى وحيدة أو غير مرغوب فيها.
يحتاج فريق العمل إلى هذه الشخصية لما تحمله دائما من الحلول المبتكرة و ما تبعثه على من حولها من البهجة و التفاؤل كما أنها تكون شديدة الأهمية عند رغبة قائد الفريق فى إقناع من معه بطريقة جديدة فى العمل أو القيام بأعمال لا يرغبون فيها. كثيرا ما تتهم الشخصية المؤثرة بعد العمل أو الانتظام أو الدقة و كل ذلك يتسق مع الشخصية إلا أنه لا غنى للفريق عنها حين يحتاج الأمر إلى التعامل مع المشاكل أو الخروج من المآزق. حين يكون رئيسك فى العمل من النوع المؤثر يجب عليك الاستفادة من الروح الجيدة التى يشيعها فى الفريق كما أنه عليك أن تكون أكثر حرصا فى التفاصيل التى كثيرا ما سيغفل عنها الرئيس، أما إن كان مرؤوسك من هذا النوع فعليك تشجيعه على الإتيان بالأفكار الخلاقة و أن تستخدمه فى التأثير فى الفريق لجذبهم نحو تحقيق الأهداف و لكنك يجب أن تحذر من النتائج أو المعلومات التى يأتى بها ذلك أنها ستحتاج الكثير من التدقيق.
الشخصية التقليدية هى تلك كثيرا ما تتسم بأنها شخصية اجتماعية و مستقرة و لا تسعى للتغيير. أحب وصفها بشخصية "أبويا العمدة". ذلك الشخص الذى يحبه من حوله و يحترمونه كما يلجؤون إليه فى كثير من مشاكلهم صغرت أو كبرت كما أنه يؤتمن على أسرارهم و فض منازعاتهم. تنزع تلك الشخصية إلى الأمان دائما كما أنها تتصف بدرجة عالية من توقع ردود أفعالها و تناسقها. إلا أن ذلك كثيرا ما يؤدى بها للخوف المستمر من التغيير و المحاولة الدائمة لإعادة استخدام الأساليب القديمة و التقليدية فى مواجهة ما يستجد حولها من الأمور.
تتمتع هذه الشخصية بدرجة عالية من الصبر و ضبط النفس مما يعطيها ميزة القدرة على التواصل بشكل شخصى مع من حولها و إعطاءهم الوقت اللازم للإنصات و الاهتمام. لذلك يميل من حولها إليها و يثقون فيها بشكل كبير. مع ذلك فإن الحلم الذى يبدو على هذه الشخصية، و إن كان حقيقيا، إلا أنه محدود بطبيعة الحال، فإن الشخصية التقليدية متسامحة و لكنها ليست غفارة! حين يفيض الكيل بها من أحدهم تجدها مستعدة تماما للقضاء عليه بسرعة و دقة قد يكون من الصعب الهروب منها.
مع ذلك كله، فإنه لا يمكن التغافل عن أهمية الشخصية التقليدية فى المجتمع بشكل عام، ذلك أنها دائما ما تمثل المكابح اللازمة فى بعض الأوقات لمنع المجتمع من التسارع فى الإتجاهات المختلفة تبعا لأهواء الشخصيات السيادية الو الشخصيات المؤثرة. كما لا يخفى عنا أن هذه المكابح هى كذلك المعوقات التى دائما ما تقف فى طريق التغيير و التطوير بشكل عام. بين هذين الطرفين، تشكل درجة ميل المجتمع للتقليدية مقياسا لميل المجتمع للتطور و النمو أو الاستقرار و الموات.
تشكل الشخصية التقليدية فى فريق العمل دور المرساة التى تبقى الاستقرار و الاستمرارية كما أنها يمكن الاعتماد عليها بشكل عام فى أداء المهام المختلفة بهدوء و بدون إعتراض كما أن ميلها للاستقرار الانفعالى يساعدها على العمل تحت الظروف المتغيرة، إلا أنها تفتقر بشدة إلى روح الابتكار و التغييرات الجذرية مما لا يجب أن يدعونا لتخليفها عن فريق العمل المنوط به إدارة التغيير و التطوير، غلى العكس، وجودها فى مثل هذا الفريق مهم جدا للفت الأنظار بشكل مستمر إلى النتائج المختلفة لعمليات التغيير و التطوير على أن لا تطغى هذه الشخصية على هذا الفريق و إلا فشل بالتأكيد فى التغيير و التطوير الجذرى.
حين يكون رئيسك من النوع التقليدى ستجد دائما عنده الراحة من الضغوط المختلفة كما أنه سيكون دائما محل الثقة فى فض الخلافات بين الزملاء و لكن لا تنتظر منه أن يقود الفريق فى طريق الإبداع، كذلك فإن كان مرؤوسك تقليديا فستجده محل ثقة فى العمل و ملتزما بالقواعد كما أنه سيطاوعك عادة عند إصدار الأوامر المباشرة و لكن لا تنتظر منه الإتيان بالحلول المطلوبة للمشاكل المختلفة و ستجده دائما فى حاجة إلى طمأنته من عواقب الخطوات المختلفة و خاصة التى تأتى بالتغيير.
الشخصية المدققة هى تلك التى تتسم بالحرص و المطاوعة و الوعى و الدقة. كما يبدو، فإن كل تلك السمات محببة إلى الجميع. تلك الشخصية دائما ما تسعى إلى أداء المهام المنوطة بها على أكمل وجه و دائما ما تظن أن عملها ليس على الدرجة العالية من الدقة مما يجعلها فى حالة دائمة من نقد الذات، إلا أن ذلك ينعكس كذلك على النقد الدائم لما يقوم به الآخرون على أساس أنه ليس بالدقة و الجودة الكافيتين مما قد ينفر منها من حولها. كذلك فإن الدقة تستهلك كثيرا من الوقت مما يجعلها دائما بطيئة الأداء بالمقارنة بالآخرين. كذلك تبتعد الشخصية المدققة عن الانفعال و تميل إلى المقاييس الموضوعية و المنطقية مما يجعلها أكثر فعالية و كما قد يؤثر على علاقتها الشخصية بمن حولها.
تميل الشخصية المدققة إلى العمل منفردة لتجنب الأخطاء من الآخرين كما تتجنب المؤثرات التى قد تشوش على قدراتها فى التدقيق. من أحسن ما تقوم به الشخصية المدققة هو مراجعة الحسابات المالية و القضاء و الجراحات الدقيقة، و لا أعتقد انا سنختلف على أهمية الشخصية المدققة فى مثل هذه الأعمال، إلا أنه كالمعتاد تأتى كل ميزة بثمن حيث يحتاج من يقومون بهذه الأعمال لتنمية مهارات اجتماعية تجعلهم قليلى الانفعال فى المواقف المختلفة كما أنهم قد يحتاجون، كما فى حالة القضاة مثلا، إلى السعى إلى تضييق دائرة صلاتهم الاجتماعية حتى لا تصبح مؤثرا سلبا على قدرتهم فى اصدار الأحكام بشكل عادل و متوافق تماما مع القوانين.
عندما يكون لك رئيسا مدققا يمكنك أن تتأكد من أنك آمن من الأخطاء، ذلك أن رئيسك دائما ما سيكون مراجعا جيدا لعملك و سيسعى بك لأن تتخلص من كل الأخطاء إلا أن ذلك يستتبع أن تصبر على التدخلات الدائمة فى كل التفاصيل و النقد الدائم للتقصير و نقاط الضعف. أما إن كان مرؤوسك من الشخصيات المدققة فإن ذلك يبعث على الارتياح من الخوف من الأخطاء أو عدم الاتزام بانظم و القوانين، و لكن يجب عليك أن تكون أكثر صبرا على الوصول للنتائج و على النتهاء من المهام الموكلة إليه.