كلمة (ياريت) وعلاقتها مع الثورة السورية

كلمة (ياريت) وقصتها مع الثورة السورية

بعد مضي عامين على انطلاق ثورتهم، وقف السوريون ليلقوا نظرة سريعة على الأيام الأولى منها وكيف سارت الأمور حينها. فهم وما أن كانت ثورتا تونس ومصر قد انتهتا وبدأت ثورتا اليمن وليبيا، حتى قرروا عدم التخلف عن قطار الربيع العربي. اتفقوا حينها أن يشكلوا وفداً ليذهب إلى (بشار الأسد) ويطلب منه منحهم (الحرية) إسوة باخوانهم العرب، وكذلك أن يعتذر عما فعله ابن خالته بأطفال درعا ويعاقبه على ذلك. وقد قدروا أنه لن يرفض هذا الحق الانساني باعتبار الرجل (دكتور) ويقدر الحقوق الانسانية، أما وفي حال ورفض، فسوف يستمرون بالتظاهر السلمي حتى يخجل على نفسه أو يهرب مثل (بن علي) أو يتنحى مثل (مبارك).

وفعلاً وصل الوفد إلى القصر الجمهوري واجتمع بالرجل الذي استمع إليهم واطلع على مطالبهم وخاصة بالحصول على (الحرية)، فكان جوابه (ياريت، ماكان بينعز). وأضاف: أولاً لايمكنني معاقبة ابن خالتي لأن خالتي (ستزعل) مني وقد لاتكلمني بعد ذلك أبداً. أما بالنسبة (للحرية) فلا يمكن لديكتاتور أن يمنحها لشعبه وإلا سجلت عليه نقطة سوداء في تاريخ الأنظمة الديكتاتورية، وهذا عار لاترضوه لي ولالعائلتي التي تهمها سمعتها. على كل حال فأنا عندي شركاء في الحكم والقرار ليس لي وحدي، اذهبوا إلى اخوتي (الإيرانيين) في (طهران) واعرضوا عليهم مطالبكم ثم عودوا إلي.

لم يضيع الوفد أي وقت، بل وصل في اليوم التالي إلى (طهران) واجتمع بمسؤول الملف السوري وكرر عليه مطلب (الحرية)، فكان جوابه أيضاً (ياريت، ماكان بينعز). وأضاف: أنتم لاشك تعرفون أننا نعمل حالياً على إكمال (المشروع الصفوي) الذي يبدأ بانجاز (الهلال الشيعي) الممتد من إيران إلى لبنان. وهناك خطة توسعية له في المستقبل ليصل إلى شمال إفريقيا من مصر إلى المغرب، فنعيد بذلك أمجاد (الامبرطورية الفارسية). وعادة ماتكون (الحرية) حجر عثرة في طريق مشاريع الامبرطوريات، ولذلك أرجو أن تتفهموا موقفنا ولاتحرجونا. ولكن بما أننا لسنا داعمي (بشار) الوحيدين، فلماذا لاتتحدثون مع (الروس)، أكبر مزوديه بالسلاح؟

قرر الوفد الأخذ بالنصيحة الايرانية وتوجه إلى (موسكو) وقابل (لافروف) وعرض عليه نفس مطلب (الحرية) متمنياً عليه أن يستعمل نفوذه على النظام السوري ليحقق له ذلك. استمع الرجل للوفد حتى النهاية، ثم قال له (ياريت، ماكان بينعز). أولاً نحن في روسيا لانفرض رأينا على أصدقائنا، بل نؤمن بالحوار من دون شروط مسبقة. ثانياً إذا حصلتم على حريتكم، فليس لدينا شك بأننا سنُطرد من سورية ونخسر بذلك قواعدنا العسكرية البرية المتعددة وكذلك قاعدتنا البحرية في (طرطوس)، وعلى علمكم لم يبق لدينا غيرها على البحر المتوسط. وأخيراً فسوف نخسركم كزبون رئيسي لأسلحتنا (الخردة) التي لم تعد تشتريها سوى الأنظمة الديكتاتورية في العالم. أرجو أن لاتلمونا على عدم مساعدتنا لكم، ولكن (الصين) أيضاً تزود نظامكم بالسلاح ولها تأثير كبير عليه، فلماذا لاتتحدثون معها فلعلها تساعدكم؟

طار الوفد في اليوم التالي إلى (بكين) واجتمع مع وزير الخارجية الذي أيضاً استمع إليهم كسابقيه، فكان جوابه مطابقاً (ياريت، ماكان بينعز). وأضاف: أنتم تعرفون أن لدينا حساسية خاصة ضد كلمة (حرية) فهي تذكرنا بانتفاضة (تينامين سكوير) ضد حكومتنا. كما وأن صادراتنا من الأسلحة الرخيصة كباقي بضائعنا لنظام (الأسد) ومشاريعنا الاقتصادية هناك ستكون في خطر فيما إذا حصلتم على حريتكم. ومع أننا لن نقدم لكم سوى الاعتذار، إلا أننا نستغرب أنكم أتيتم إلى بلدنا لتطلبون وساطتنا عند حاكمكم، في حين أن (انكلترا وفرنسا) هما أكثر المتعاطفين مع ثورتكم وأكثر المتغنين بالحرية، فاذا ماحركت واحدة منهما اسطولها، سيتجاوب (بشار) مع مطالبكم دون إبطاء.

فكر الوفد بكلام الصينيين فوجده منطقياً ويقع في قلب الحقيقة. وبعد اجتماعه بوزيري خارجيتي البلدين وإصغائهما له حتى النهاية، أتاه نفس الجواب وإن كان بتبرير مختلف عن سابقيه (ياريت، ماكان بينعز). وكان التبرير: أي أساطيل تريدوننا أن نحرك وأنتم تعلمون أننا لانستطيع تحريك حتى زوارق الصيد على سواحلنا من دون إذن وموافقة (البيت الأبيض)؟ يمكننا دعمكم بالقرارات والادانات واللجان والمبعوثين كما تريدون، أما أكثر من ذلك، فعليكم بطلبه من أقوى دولة في العالم اليوم.

سارع الوفد إلى (واشنطن) وجلس مع وزيرة الخارجية التي أبدت تعاطفاً عميقاً واهتماماً شديداً بالمطالب المشروعة للشعب السوري، إلا أن جوابها كان أيضاً (ياريت، ماكان بينعز). وأضافت: لايغركم أننا القطب الأقوى في العالم اليوم، ولكن حين يتعلق الوضع بمنطقتكم، فأنتم تعرفون أننا لسنا أصحاب القرار هناك، بل جارتكم (إسرائيل)، فنرجو عدم إحراجنا وتوريطنا معها، فنحن بغنى أن نقذف بتهمة (معاداة السامية). وبناء على ذلك فنحن نستغرب أنكم درتم العالم شرقاً وغرباً بحثاً عمن يساعدكم بالتأثير على (بشار الأسد)، في حين أن الطرف الوحيد القادر على ذلك لايبعد عن عاصمتكم سوى بضع عشرات من الأميال.

حك أعضاء الوفد رؤوسهم، فكيف يجتمعون بالاسرائيليين وهم رسمياً في حالة حرب معهم. فاقترح أحدهم أن يتم ترتيب ذلك بواسطة (السكايب) وهذا ماجرى. استمع الوفد الحكومي الاسرائيلي لمطالب الوفد السوري وتعاطف معه، ولكن إجابته أتت مطابقة للاجابات السابقة (ياريت، ماكان بينعز). ثم أضافوا: أنتم تعرفون أن (بشار)، ومن قبله أبيه، كانا معنا مثل السمنة على العسل، أعطانا الأب (الجولان) وصفى لنا المقاومة الفلسطينية وحمى حدودنا، وتابع الابن تلك المهمة بكل أمانة وحرفية، فلم نسمع صوت رصاصة واحدة على مدى أربعين عاماً. وهما لم يتمكنا من ذلك إلا لأنهما صادرا (الحرية) منكم، فكيف تريدوننا أن نساعدكم على استعادتها؟ هل تضمنون لنا أن من سيأتي بعد بشار (سيدللنا) كما فعل هو وأبيه؟ على كل حال لن نقطع عليكم الأمل، بل سنعطيكم نصيحة مجانية، علماً بأن لاشئ عندنا مجاني. نصيحتنا أن تذهبوا وتتحدثوا مع (الإيرانيين)، فهم يبدو الأكثر دعماً لرئيسكم من أي جهة ثانية، وبالتالي الأكثر قدرة على التأثير عليه.

بعد أن أنهى الوفد مكالمة (السكايب) هذه، نظر أعضائه حينها إلى بعضهم البعض ثم وجدوا أنفسهم ينشدون تلقائياً وفي وقت واحد (يالله مالنا غيرك يالله). كان هذا قبل عامين، واليوم مازال السوريون يرددون نفس النشيد، وأضافوا إليه (الله محيي الجيش الحر).

***

بقلم: طريف يوسف آغا

كاتب وشاعر عربي سوري مغترب

عضو رابطة كتاب الثورة السورية

جمعة (عامان من الكفاح ونصر ثورتنا لاح) 3 جمادي الأول 1434، 15 آذار، مارس 2013

هيوستن / تكساس

http://sites.google.com/site/tarifspoetry