فَالوَاجِـبُ العَـقْـلِيُّ مَا لَمْ يَقْـبَلِ
الانْـتِــفَــا فِي ذَاتِــهِ فَابْـتَـهِـلِ
وَالمـُسْتَـحِيـلُ كُلُّ مَـا لَمْ يَقْـبَـلِ
فِي ذَاتِـهِ الـثُّـبُـوتَ ضِـدُّ الأَوَّلِ
ثم شرع في تعريف الواجب والمستحيل والجائز التي يجب معرفتها في حق من ذكر، ومنه يعرف تعريف الوجوب والاستحالة والجواز وقد قدمته أيضا، فقال:
(فالواجب) أى: الثابت (العقلي) من ذات أو صفة أو نسبة (ما) أى: الأمر الثابت الذي (لم يقبل الانتفا) بالقصر للضرورة أى: لا يقبل الزوال (في ذاته) أى: بالنظر لذاته لا لشيء آخر فخرج ما تعلق علم الله بوجوده (فابتهلِ) بكسر اللام أى: تضرع واطلب من الله معرفة ما ينفعك.
وهذا التعريف أخصر وأوضح وأحسن من قولنا ما لا يتصور في العقل عدمه وإن اشتهر، وهو قسمان: ضروري وهو ما لا يتوقف على نظر واستدلال كالتحيز للجرم أى: أخذه قدر ذاته من الفراغ، ونظري وهو توقف على ما ذكر كالقدم لله تعالى، فكل منهما لا يقبل الانتفاء لذاته.
(والمستحيل) السين والتاء زائدتان للتأكيد (كل ما) أى: أمر من ذات أو صفة أو نسبة منتف (لم يقبل) بكسر اللام (في ذاته) أى: بالنظر لذاته (الثبوت) فهو (ضد الأول) أى: الواجب لما علمت أن الواجب هو الثابت الذي لا يقبل الانتفاء والمستحيل هو المنتفي الذي لا يقبل الثبوت، وخرج ما تعلق علم الله تعالى بعدم وجوده.
وهذا التعريف أخصر وأوضح وأصح من قولنا ما لا يتصور في العقل وجوده، وهو قسمان أيضا: ضروري كخلو الجرم عن الحركة والسكون معا، ونظري كالشريك لله تعالى.
وَكُـلُّ أَمْـرٍ قَـابِــلٍ لِلانْـتِــفَـــا
*
وَلِلـثُّـبُـوتِ جَائِــزٌ بِلَا خَفَــا
(وكل أمر قابل) في حد ذاته أخذا مما تقدم (للانتفا وللثبوت) فهو (جائز بلا خفا)، وهو أيضا قسمان: ضروري كخصوص الحركة أو السكون للجرم، ونظري كإثابة العاصي، وتعذيب المطيع، ومنه الشبع عند الأكل، والإحراق عند مماسة النار من كل حكم عادي فإنه جائز عقلي.
والحاصل كما قرره شيخنا: أن مثل الإحراق عند مماسة النار إن نظرت إليه من حيث ذاته بقطع النظر عن التكرر فهو حكم عقلي لأنه من الجائز النظري لأن العقل إذا تأمل في وحدانية الله تعالى وأنه الفاعل المختار المنفرد بالإيجاد والإعدام علم أن الأفعال كلها لله تعالى وحده ولا تأثير لما سواه خلافا لمن غلط وجعلها من الأحكام الواجبة العقلية التي لا يمكن انفكاكها فأسند التأثير لنحو النار إما بالطبع أو بقوة أودعت فيها، وإن نظرت إليه من حيث تكرره على الحس سمي حكما عاديا.
وقد علمت أن الحركة والسكون للجرم يصح أن يمثل بهما لأقسام الحكم العقلي الثلاثة فالواجب ثبوت أحدهما لا بعينه للجرم، والمستحيل نفيهما معا عنه، والجائز ثبوت أحدهما له بالخصوص.
فإن قلت التعريف للماهية وكل للأفراد فكيف يصح أخذك لفظ كل في تعريف المستحيل والجائز.
قلت لفظ كل هنا زائدة ارتكبها للضرورة أو أن ما ذكر ضابط لا تعريف إلا أنه يشير للتعريف فتسميته تعريفا مجاز، وإنما عبرت بالثبوت والانتفاء دون الوجود والعدم لتشمل التعاريف الأحوال على القول بها ككونه تعالى عالما فإنها لا تتصف بالوجود ولا بالعدم وهذا من جملة الأحسنية التي أشرنا لها فتدبر.