وَوَاجِـبٌ شَرْعًا عَلَى المُكَـلَّـفِ
*
مَعْــرِفَـةُ الله العَـلِـيِّ ...
(وواجب شرعا) وجوب شرع فحذف المضاف وأقيم المضاف إليه مقامه فانتصب انتصابه فهو منصوب على أنه مفعول مطلق أى: وجوبا مستفادا من الشرع أى: الشارع يعني أنه يجب وجوبا شرعيا خلافا للمعتزلة القائلين إن معرفة الله تعالى واجبة بالعقل.
(على المكلف) من الثقلين الإنس والجن.
والتكليف إلزام ما فيه كلفة، وقيل طلب ما فيه كلفة، فلا تكليف بالمندوب والمكروه على الأول الصحيح بخلاف الثاني، ولا تكليف بالمباح اتفاقا.
والمكلف البالغ العاقل الذي بلغته الدعوة.
(معرفة الله العلي) بالمنزلة، والمعرفة والعلم بمعنى واحد على الصحيح وهو الإدراك الجازم المطابق للواقع لموجِب، فشمل الضروري والنظري.
وخرج بقيد الجازم الظن، وبالمطابق الاعتقاد الفاسد كاعتقاد الفلسفي قدم العالم.
وبقوله لموجِب بكسر الجيم أى: مقتض من دليل أو حس أو وجدان الاعتقاد الصحيح كاعتقاد سنية صلاة العيدين، والذي يكفي في المعرفة الدليل الجملي اتفاقا وهو المعجوز عن تفصيله وحل الشبه عنه كأن يعرف وجوده تعالى بكونه خالقا للعالم وأما التفصيلي وهو المقدور فيه على ما ذكر فلا يجب عينا بل وجوبا كفائيا لصون الدين بدفع الخصوم.
وأما التقليد وهو الأخذ بقول الغير من غير حجة أى: الاعتقاد الجازم المتمسك فيه بمجرد قول الغير فقد اختلف فيه، فقيل إنه يكفي في عقائد الإيمان وهو الصحيح، فإيمان المقلد صحيح وعليه فهل يجب النظر فيكون مع صحة إيمانه عاصيا بترك النظر الموصل للمعرفة وهو الصحيح كما يفهم من قولنا معرفة الله أو لا بل هو شرط كمال.
وقيل لايكفي فالمقلد كافر.
وقيل يكفي إن قلد القرآن والسنة القطعية وفيه نظر.
وذهب بعضهم إلى تحريم النظر لأنه مظنة الوقوع في الشبه والضلال وليس بشيء.
واعلم أن المعرفة هي أول واجب على المكلف؛ إذ جميع الواجبات متوقفة عليها.
* فَـاعْــرِفِ *
وقوله (فاعرف) أى: اعرف أنها واجبة بالشرع لا بالعقل خلافا للمعتزلة.
ولما كانت معرفة الله تعالى عبارة عن معرفة ما يجب في حقه تعالى وما يستحيل وما يجوز لا معرفة حقيقة الذات العلية لعدم إمكان ذلك ولعدم تكليفنا بذلك فسّر المعرفة بما هو المراد، فقال:
أَيْ يَعْرِفُ الوَاجِبَ وَالمُحَـالَا
*
مَــعْ جَــائِــزٍ فِي حَقِّــهِ تَـعَــالَى
وَمِثْــلُ ذَا فِي حَــقِّ رُسْــلِ اللهِ
*
عَـلَــيْـهِـمِ تَـحِـــيَّــةُ الإِلَــــهِ
(أى: يعرف) هو وإن كان مرفوعا لتجرده من ناصب وجازم إلا أن المعنى على تقدير أن المصدرية نحو: تسمع بالمعيدي خير من أن تراه، أى: معرفة الله تعالى هي معرفتك.
(الواجب) أى: الثابت الذي لا يقبل الانتفاء في حقه تعالى.
(والمحالا) كذلك أى: المستحيل والألف للإطلاق.
(مع) معرفة (جائز في حقه) أى: في الأمر الحق الذي ينسب إليه (تعالى) فافهم، وقد حذفه من الأولين لدلالة الثالث عليه كما أشرنا له.
(و) واجب شرعا على المكلف (مثل ذا) أى: معرفة مثل هذا المذكور من الواجب والمستحيل والجائز أى: في مطلق ما ذكر بقطع النظر عن الحقائق والأدلة (في حق رسل الله) بسكون السين للوزن (عليهم) بكسر الميم (تحية الإله) تعالى.