.أحميدة بلبالي 

بعيون الشاعر شاهر خضرا

خواطر في قصائد من الزجل المغربي

من ديوان شمس الما

للشاعر احميدة بلبالي

 

     من الدواوين الشعرية التي حملتها معي ديوان (شمس الما) أي (شمس الماء) للشاعر احميدة بلبالي وهو شاعر مغربي ممن اختاروا الكتابة باللغة الدارجة المغربية العربية عندما التقيته مع مجموعة من أروع شعراء الحركة الشعرية العامية الحديثة لما يطلقون عليه في المغرب (الزجل) وسواء اتفقت معهم أو خالفتهم في التسمية فذلك من شأن كل شعب أن يختار مسمياته ، لأني أذهب مذهبا خاصا في أن الشعر الحديث الذي يكتب باللغة الدارجة هو كأي شعر في العالم لا يمكن أن يكون أقل من أن يسمى بغير الشعر وإن قال القائلون إن الزجل هو شعر ولأني لا أحبذ تسمية الشعر بفرع منه أي الزجل وقد ناقشت هذه المسألة مع عديد من شعراء الزجل الحداثيين في بلاد المغرب الحبيب ومنهم من وافقني ومنهم من تمسك بكلمة الزجل كنوع من الفارق في أداة الكتابة وهي اللغة الدارجة كتفريق عن لغة الفصحى ولن أتوقف عند المسألة كثيرا لأني لا أهتم بالوعاء لمجرد أنه وعاء ، أهتم بما فيه من إبداع اختاره عن وعي وقصدية مبدعون مثقفون كبار .. ومنهم هذا الشاعر الإنسان الصديق احميدة بلبالي ، الذي سمعته يلقي الشعر ويدير الأمسيات وترك لدي انطباعا أنني عرفت نفسي فيه وفي رؤاه الشعرية كما عرفتها من قبل في تجارب هامة في الشعر المغربي الحديث إن من الحركة (الزجلية) وإن من الحركة الشعرية (شعر العربية الفصحى) .

ديوانه (شمس الماء) الممتدة قصائده على 130 صفحة من القطع المتوسط وقد كتبت كلها على طريقة شعر التفعيلة لو جاز أن نسمي الحداثة الزجلية كذلك والقصائد متفاوتة في النوع والطول والمواضيع بالتأكيد ، أقر بأنني قرأت ما حملته معي من دواوين زجلية من المغرب وبعضها مرهق لي في القراءة بسبب كثرة استخدام الكلمات المحلية ولا قاموس لدي أراجع فيه ما أشكل عليّ في المعنى والفهم (ولهذا بعض الدواوين تنتظر مني أن ألتقي بشعرائها لأفهمها إن تيسر لي ذلك) ولا أقول إن الشاعر احميدة لا يستخدم تلك المفردات ولكن التفاعل الثقافي بيني وبين شعراء المغرب ذلل تلك الصعوبات ((القليلة في بعض الدواوين)) وجعلني قريبا من المفردات التي يصعب على شاميّ لم يعاشر أهل تلك اللغة من فهم كثير من مفرداتها ولعلها نعمة منّ الله علي بها أن أقرأ تلك القصائد في المغرب وغيرها من بلاد العرب بأقل صعوبة ، ولي رأي في لغة الشعر أرددها دائما أن الشعراء يرفعون مستوى اللغة من لغة عادية إلى لغة شعرية ولا أعني ذلك تفصيح العامية كما يفعل بعض الشعراء بل هي لغة الشعر التي يرتقي بها الشاعر إلى لغة كونية في الصورة والأخيلة والمعاني أيضا فبقليل من الجهد طالما أنها عربية أصلا يمكن أن تصل لمن يبحث عن الشعر في لغة إنسانية أولا . .

***

يبتدأ ديوان (شمس الماء) بعنوان "ريوس المعنى" أي رؤوس المعنى وهي عبارة عن قصائد قصيرة تحمل كل منها عنوانا خاصا للقصائد الومضات ولا أميل تسميتها هنا ومضات على قصرها لأنها قصائد ...

تأتي القصيدة القصيرة بعضها لوحة كقصائد الهايكو ولا تلتزم نهجها إنما هي من حيث الرؤية تتشكل كلوحة إطارها العنوان الذي ترتسم تحته الصور متراصفة لتعطي المتلقي صورة واحدة لتلك اللوحة – القصيدة – والتي نراها رؤية أخرى غير التي عهدناها في مدلولات الكلام ، أي رؤية الشاعر (رؤيااا) الشعر وهنا نغتني كقراء بالإضافة التي قدمها الشاعر في أن يعيد خلق المألوف ويركبه خلقا آخر في أنه أدخلنا في تنّور خياله الذي ينضج كلاما ، نشاركه الرؤيا في حلمه المحكي عن الأشياء ضمن الأفكار الشعرية وجمال الإخراج :

((رأس الدرب:

عين حاضيه

ورد ذابل

بَوْله طافيه

وراس مقدَّم شاعل .))

----

والشاعر في قصيدة (راس الجمل / راس الجمّال)

((اللي في راس المغزل

فِ راس الصوفه

واللي فِ راس المنجل

فِ راس السبوله)) 

ينحو منحى الفكرة في أن يقدم الصور بفكر من خيال حيث يرى الأشياء ويحكي لنا ما رآه على غير ما يظهر لنا فكأنه يقول : أرى مالا ترون .

----

أما لعبة الزمن أو اللعب بالزمن عادة كثير من الشعراء يتفننون في رسمها بصور شتى من اللامعقول (السريالي) إلى ما تدركه العقول إدراكا ممكنا في التخيل وغير محقق في الواقع :

((حقق الجلسه على سهره وربع

وعطاها للنشاط

ملّي ضربتُه الفيقه كان صباح قلّ ربع

وراس الوقت عاطي منُّه الشياط))

-----

أما اللعبة الذكية التي ختم بها الشاعر قصائده القصيرة "رؤوس المعنى" هي في قصيدة تشبه ما يسمى قصيدة البياض ، وهي هكذا كما أرادها الشاعر :

راس بنادم أي رأس بني آدم أو ابن آدم

((......

......

......

......!؟ ))

لعلّ الشاعر بوضعه إشارتي التعجب والاستفهام يريد تقييد القارئ بما أراده هو لنلتزم المسافة التي حددها بيننا كقراء وبينه كشاعر كاتب للقصيدة ، ولست أبالغ حين أقول إن الشاعر جعلني في حالة خضّة شعرية محفّزة على أن أقبل التحدي وأكتب قصيدتي على بياض قصيدته ، وكل شعر نقرؤه لا يحرك فينا حافزَ أن نذهب في العملية الإبداعية مذاهبنا يكون شعرا راكدا ، ولعمري إن احميدة بلبالي يدرك ما فعل وما يحفزنا على فعله . . إذ يختار السطور البيضاء ويجعل النقط كلاما علينا نحن أن نقرأه كما نشاء ، كما يمكن لكل منا أن يتخيل رأس بني آدم وبالتأكيد ستُكتب آلاف القصائد على عدد القراء وبما أني واحد من القراء يعطيني الشاعر الحق في كتابة قصيدة تحت عنوانه وأكون شاركته في كتابة ديوانه لا بالقراءة فحسب بل بالكتابة أيضا .

------

 قصيدة "بالسلامة عليك يا عقلي" حالة ، حالة من الضجر الكوني وحالة من النفور الاجتماعي ، حالة شاعر ، حالة شعر ، والشعر [جوهر الإنسان] غير مشوب ، هذا الجوهر –الشعر-المشاعر- في الإنسان دائما في حالة اغتراب عما آل إليه واقع العالم ، والمجتمع عقول تتنافر وتتآلف ، والشاعر في حالة الصفاء مع الجوهر يتوق إلى الانفصال عن العقل ، العقل الذي يغطي على المشاعر بالتشاؤم وإكثار النظر في الواقع من موقع جزئي ، يتوق إلى وضع مسافة يتحرر منه ليحيا النقاء كما لو أنه يبغي العودة ليكون جزءا من الطبيعة فيخاطب عقله بهذا قائلا :

((اقرا ما قالت الشتا للتراب

ما قال الريح للبحر

اقرا حديث الزهر

مع فراق النحل))

ب السلامة عليك يا عقلي وقد حررتك من سجن ذاتي المقيدة إلى سجن كبير ..

(( انسى حكامي عليك

ونسِّيني فِ حكامك

سير عكسي يمكن توصل))

الوصول شرطه أن تنسى مسؤوليتك تجاهي وعليك أيضا أن تدعني منفلتا من عقالك المحدود ، فلا تكن عثرة في طريق خيالي ، خيالي الذي يرى فوق ما يرى الناس .... وهكذا (( اطلقني نمشي كيف بغى هوايا)) أمشي على هواي دون أن تحكمني ، دعني أعش الجنون ، جنونك وأنت تهيم بلا مهيمن ((وانسى تعقّلني ايلا مسّني منّك هبال))

ويمضي التحذير في رسالته للعقل حتى نصدق أنه منفصل عنه وأصبح له عليه سلطة الحرية ، فأعاده ليكون وفقا لهواه ورؤاه :

((كيف نفكّر نكون

وكيف نكون نفكّر

نكون مراية روحي

تكون روحي مرايتي))

ولعلنا بالقراءة الهادئة نكشف القصيدة ساعة ولادتها والتي تعكس حالة الشاعر الواقع تحت الخروج والتردد وبين الانفكاك والتوحد ، بين جعل المادة تتعقل وبين جعل العقل انعكاسا لها لتصبح الرؤية فلسفية جدلية بين المادة والروح وفي إشارة لما سمّاه أحد الفلاسفة بمصطلح واحد (المدرحية) جمعا لكلمتي المادة والروح كشيء واحد لا ثنائية فيهما :

((ف هذا الكون نكون واحد))   

 وتتابع الأفكار الخيالية الشعرية في القصيدة والشاعر يعيدنا أيضا إلى فلسفة النشوء حال وجود الروح والهيولى إذ يخاطب العقل - العقل الذاتي ولعله أيضا العقل الكلي ((شكون يعرف قيمتك)) من يعرف قيمتك كملكة من ملكات الروح دون "وجودي" المحسوس في عالم الجسد :

((شكون يعرف قيمتك

علِّي شاني

يعلا شانك))

وهكذا بانسيابية تستمر القصيدة في نقل الحالة الشعرية والتي تحيل الخيال إلى عالم أقرب إلى مواجهة المرآة ومخاطبة الذات فيها ، وبالتالي لا يستهين بالعقل بل يظل يخاطبه كتوأم أو أعمق من التوأمة فهو يريد للعقل عقله سواء كان العقل الفردي أو العقل المجتمعي الذي يستحيل قطع الأواصر معه يريده:

((لا تتبع الساهل

اركب الوعار))

ويفترض في هذا الموت والولادة كما يقال (لا ولادة إلا بالموت) فيحلق عاليا في الزمن ملامسا الأساطير من طائر الفينيق أو العنقاء:

((نحيا من رمادي

دخان نطير))

وصولا إلى أسطورة إيكار التي تقول أنه صنع أجنحة مستخدما الشمع ولما طار واقترب من الشمس أذابت الشمس بشدة حرها الشمع المثبت للجناحين فسقط في البحر .. ولا يفصّل الشاعر احميدة بل يلمّح للأسطورتين تلميحا وهنا جمال يظهر جمال الخطف :

((نحيا من رمادي

دخان نطير

نحط في عين الشمس

نذوب نتحرق

نحيا ثاني ونجيك))

وعلى خيل الكلام يمضي فارسه محاربا كل ما يعقله عن التحرر ولو كان ذلك هو العقل ولعله العقل الجامد أو العقل الخاضع للارتباطات بالآخر ، الآخر الذي كثيرا ما يكون ثقيلا على النفس ، نفس الشاعر التواقة إلى الوحدة والحرية ، ولأن الشاعر لا يكتب درسا ممنهجا بل قصيدة نرى ذلك العلو والهبوط في المد والجذب في مخاطبة العقل كأن يقصيه ثم يعود فيدنيه طالبا منه أن يبقى مقيدا في الناس ، مع توصية أن لايكون ذلك العقل المنقاد لما يراه الناس فيرتقي بالعقل من صفة المنطق إلى مصاف الخيال خيال الشعر فيختم القصيدة:

((قلت ننساك

نسيت وتفكّرتك

آش ينسّيني فيك؟

و ب السلامة عليك يا عقلي))

----------

أما قصيدة "رماد وطين" بغض النظر عن المعنى الذي يعنيه الشاعر وصلتني في محاورة المطلق الذي هو الأصل أصل الأشياء ، والكون صورة عنه كما في المعتقدات الغيبية ،، محاورة الصعود حد الندّية والمساواة مع المطلق وكأنه يطلب أن يعيد المطلق النظر في الخلق ، خلق الإنسان الحائر أمام غوامض كونية في الأصل والبدء وفي ترك الإنسان حائرا فيما يرى عاجزا عن الإدراك ، وهو من طين فيبتغي الشاعر لهذا الطين أن يرتقي بسر روح جديدة

((امحيني من طيني

وانا طامع ثاني

ف سر يحييني))

تتخلص تلك الروح الجديدة من الغيبيات التي تبقي الإنسان ممزقا بين الأفكار التي تفترض الحقائق وقد تكون باطلا لا أكثر ، وتتوق نزوعا إلى التوحد في المطلق لتنكشف الحجب ويصبح الإنسان كما تقول الصوفية (أنا أنت)

وباقتراحات شعرية على المطلق للوصول إلى ارتقاء المخلوق من عاجز الإدراك إلى مساو للمطلق :

((نسافر معاك

نسافر منك

نسافر ليك

نسافر فيك

السفر معاك وناسه

رفقه

حميه ضد المحنه

جوله ف منازل الخاطر

قرايه

اكتشاف لذاتي بــــ الذات))

وفي السفر هذا حالة صوفية كــ ((هيام الطير وكر العشق)) ثم يقلب الشاعر فارس الكلمات تحت بطن الحصان ليجعل هيامه هيام "نرسيس" في صورته

((غطسه ف الما

محنة نرسيس

خارجه ف النرجس

حكمه ف تراب))

وكأنها رحلة إلى طائر السي مورغ في كتاب " منطق الطير" للصوفي الجليل فريد الدين العطار ، ولعل الشاعر حرص أن يصرح معناه بأن سفره ورحلته رحلة أعماقه ليست تلك الرحلة الغيبية فحسب بل أيضا هي رحلة في أعماق الوطن :

((ف ريوس جبالك

ف هيام الويدان

ل تعناق بحورك

ف ما درعه))

وماء درعه معروف بأنه نهر من أنهار المغرب الدفاقة .

ثم يعود الشاعر إلى ساحته :

((لا تكبليني بالغيب

يامس وغدّا

بلا معنى

ايلا محيتني اليوم

انا من هنا

جيت

ول هنا غادي))

تبتغي النفس أو الروح (أو حتى العقل) أن لا تبقى مقيدة بالعجز عن إدراك الغيب عن إدراك الماضي حيث البدء وعن إدراك الغامض الذي تؤول إليه في المستقبل.

ولكي يتخلص من هذا القلق الوجودي فلا تعود الحقيقة مطلبا إذ يجعلها جلية :

((نحفر ف اليوم

عل الحقيقه

نشعل فناري

ف نهاري))

أما إن بقيت الذات تحت قدر النشأة الاولى من رحم العماء ستكون الحقيقة كما التنين بسبع رؤوس والباطل بسبع أرواح ، ويبدو أن الشاعر أدرك أنه في حلم ليس إلا وأن ما مضى بنا إليه لم يكن إلا رؤيا فحين نصحو سنرى كل شيء على حاله !.

كلمة أخيرة:

إذا كان ثمة قائل يقول لا: هذه ليست ميزة لشعر الشاعر احميدة بلبالي فالشعر المغربي بشقيه العامي والفصيح زاخر بهذه الرؤى وله إبحارات في تلك الأعماق الكونية والصوفية والعقلية ، فأقول كما قال النقاد العرب الأقدمون (الشعر من أنت في شعره) إذ لكل شاعر - حقيقي - أصيلة تجربته- أسلوبه ولغته ورؤاه وقدرته على إدارة العلاقة في اللغة بين أفكاره الشعرية وخيالاته وصوره ومعانيه .

كما أعتقد جازما أن هذه المسألة في الكتابة من أصعب ما يواجه الشاعر إذا كان يكتب باللغة الدارجة لحداثة التجربة الشعرية الحديثة في المغرب كما في سواه من لغات دارجة عامية في بلاد العالم العربي ، من هذه النظرة سجلت إعجابي في العديد من التجارب الهامة في الشعر الحديث باللغة العامية في المغرب والتي من بين ما أعجبت به تجربة شاعرنا احميدة بلبالي في ديوانه هذا (شمس الماء)

وهو في ديوانه في قصيدته " يد الشوق" التي لروعتها جعلني أحول مقتطفاتها للعربية الفصحى كمزيد من المتعة وهو يمد يده :

((يمد يده ليحضن رأس الوقت ، أو يمد يده ليقطف من طرف اللسان معنى ، أو يمد يده ليمسح وجه الماء من غشاوة الأيام ، أو يمد يده ليشعل في رأس النظر ضوءا للستر)) .

دمشق

29-6-2012

شاهر خضرة

شاعر و كاتب من سوريا   

وكتب أيضا حول قصيدة شمس الما ما يلي:

 

أحميدة بلبالي والشعر لعبة وجودية من أمتع الخيال

 

مقطع من قصيدة شمس الماء

للشاعر الكبير أحميدة بلبالي - المغرب

سر يا فلكي

ما همّك طلوع

الشمس ف سفرها

ما همّها رجوع

لبحر ملّي جاع

سرط الشمس

أنا شفْتُه

يلحس شفْتَه

وسمعت

اتش اتش اتش .............

***********

سِـرْ يا فلكي

لا يهمّك الإبحار

الشمس في سفرها

لا يهمها الرجوع

والبحر إذا ما جاع

ابتلع الشمس

أنا رأيته

يلحس شفتيه

وسمعتُ (صوت انطفاء الشمس فيه)

طشششش طششش طش .........

 

********

هذه القصيدة من روائع الشعر الحديث في الشعر العامي المغربي للشاعر أحميدة بلبالي من ديوانه شمس الما (الماء) متوحدا فيها مع آيات الكون قالبا العادي المألوف إلى غير عادي وهو يجعل من خياله سكّة محراث يقلّب فيها أرضا بورا غير مطروقة وهو يتصور جوع البحر لتلك الجمرة الكونية الذهبية الانصهار والبحر يبتلعها عن شوق أو عن عطش بحريّ ولا يكتفي الشاعر باعتماد الصورة وتقريبها لعين القارئ بصريا بل لحاسة السمع أيضا والشمس المشتعلة كما جمرة أو كرة ملتهبة وقد تلقفها الماء فيسمع لانطفائها صوت طشششششششش وهي تنطفئ كما عهدنا الجمر آن سقوطه في الماء.

هل نستشف من القصيدة أكثر من الخيال والصور الجميلة ؟ بالتأكيد الشاعر يفلت جنون خياله بين منتقم من الشمس ومتعاطف معها وبين مدين للبحر ومؤكد على أن ديدن الآيتين الكونيتين هذا الشأن اليومي ويحلف يمينا أن رأى رأي العين (العين التي يأكلها السراب) أن البحر غول / فاغر فاه كل عشيّة ينتظر وصول الشمس في موعدها ومن خوفه على ناموس الكون أن يختلّ كأن تخلف الشمس ميعادها فلا يشهد هذا العرس الكوني التراجيدي بين الشمس والبحر .

يقول :

خفت عليها

في نهارٍ ما

أن تخلف ميعادها

لذا شدّدت الحراسة عليها

فاقتنيت لها مصيدةً

..............

وأقسم أن يضعها في البحر

ليختطفها إن أبت

ويتابع الشاعر في مخياله الشعري الذي أعطى لنفسه الحق فيه أن يجعل من قدرة الشاعر بخياله قدرة إله أسطوري موكل بكائنات الكون وهو ينقلنا إلى تلك اللقطة وقد افترض أن الشمس يوما كأنها تهرّبت من عادتها اليومية :

 

أوقفت الشمس في الشفق

قبل أن تسقط في فم البحر (المحيط العظيم)

أنشأتها صورة

وهنا تتوهج الشاعرية فينسى الشاعر ذاته الواقعية ليعود طفلا يلعب بِـكرة يطيّرها في الهواء

وهو يقول :

عملت لها ما يقهرها ويعيدها عن غيّها من الانفلات

بأن ربطها في خيط وربط الخيط بمسمار وعلّقها في الجدار ليستمتع بها كلعبة من ألعاب الطفولة وقبل أن تستسلم وتسقط في الماء البحري وتنطفئ بصوتِ حديدةٍ محمرّة من وهج النار توضع في طشت من الماء وينخطف قلب الشاعر الطفل وهو يسمع طشششششششش طشششش .

 

والقصيدة كلها من رؤى الطفولة والخيال العابث وأنا آليت على نفسي أن أراعي قارئ الفيس بوك بأن لا أطيل عليه فأقدّم له ملمحا من ملامح قصيدة طويلة يصل بنا الشاعر إلى ما عنى بين مقطع وآخر وصولا إلى معناه الخاتم وهو يختم:

 

وفي كل عشيّة

بعد الغياب

الشمس تحكي

والبحر يبكي

إلى أن يسدل الستارة على القصيدة قائلا :

نحن لا نسمع من حكاية الشمس والبحر سوى صوت سقوطها في الماء

طششششششششش طشششششششش!!!!...

-------------

الدار البيضاء

شاهر خضرة

22-1-2012