دراسة نقدية: «شمس الما»..عمق شاعري يتمدد في تجربة الزجال احميدة بلبالي

  توطئة:

لقد بدأ الزجل المغربي الحديث يرتقي أسلوبيا في اللفظ وفي التعبير، وصار له خطابه المتميز..والزجال احميدة بلبالي، كاتب مجدد بحساسيته الحداثية المعاصرة..يندفع نحو تأسيس »لكلام» المنطلق من الحس إلى المجاز، ومن الذات إلى كل الكون..وهذا ما جعله يسعى بطموح إلى »قصيده» لديه، يرجو لها أن تتموقع في مصاف القصيدة العربية والمعولمة..والدراسة هنا ارتأت أن تركز على هذه التجربة المتميزة، التي تجتهد لتترسخ.

(1) المنظور الإرهاصي «للنص العام»:

– انطلاقا من النص العام في المجموعة الزجلية، يلاحظ أن العنوان الكبير هو ما انعكس على «قصيده» ضمنه، بنفس العنوان، وقد يكون العكس..وهذه حجة لاتخاذ هذه »لقصيده» قطبا ل»قصايد»مجاورة لها، في المجموعة..ولهذا لا بد من مقارنة بين العتبتين، كما يلي

(1-1) الرؤية بين عتبتي العنوان الكبير والفرعي:

-إن»شمس الما» كعنوان، له ارتداد تداولي نحو»ماء الشمس»..فالماء ذكر والشمس أنثى ولا مراء أن يكون العكس..خاصة أن الشمس هي التي تنغطس في أحضان الماء نزولا وصعودا في توالج الغواية، والماء ضام لها…ثم يكون بالضرورة تلاقح من أحدهما إلى الآخر..فقد تكون النطفة»ضوء» مشعا، وقد تكون يرقة بلل مخصبة..ولذا فالتبادلية هنا تنبني، في تركيبة الإبداع ل»لقصيده»، على علاقة ثنائية بين الشاعرية الجمالية والكتابة المخصبة لها، بين صعود ونزول…وكما هو معروف فإن كل شعر بلا «ماء»، فلا طعم ولا ذوق له…فبينهماعشق وحب وتزاوج…وهكذا رفعت»لقصيده» في التجربة الإبداعية، إلى مستوى القطبية توحدا مع العنوان الكبير، وكذا تمثيلا للجوار النصي..مما يدل على أهمية هذا العنوان ذي المنظور العام، والمنظور الخاص أيضا..

(1-2) اقتراحات:

– من هنا يلزم اقتراح منهج بحثي، متكامل في عناصره المنهجية الحداثية، ليرصد تفكيك وتحليل وتأويل جوهر ومحتوى النص العام، من خلال توازنات مقارباتية، كالتالي:
أ)المنهجية الأنتروبولوجية للأدب، بأدواتها الحفرية في اللفظ الزجلي وتراث المعنى.
ب)النص السيميولوجي بدلاليته عبر عتبة العنوان، عند رولان بارت وجيرار جنيت..فهذه المدرسة تعتبر هذه العتبة علامة لسانية توضع على رأس النص لتحدده وتغري بقراءته.
ج)منهجية التحليل النفسي لمخزون النص، في لاشعور اللغة التراثية والإيحاء المحكي…
د)»دائرة التأويل» للمحتوى النصي في الهيرمنيوطيقا.
ه) القارئ باعتباره نصا في نظرية التلقي..والناقد هو أيضا نص خاص. -ويعتبر إيكو أمبرطو النص هنا إستراتيجية، ينظمها الكاتب والقارئ على حد سواء، لأنه نتاج، مصيره التأويل الذي هو جزء من الآلية التوليدية..حيث الفضاءات البيضاء والفجوات التي يجب ملؤها من طرف القارئ..فكلاهما يدخل في»لعبة التغييب والإظهار» ..من هنا يأتي القارئ بنص، قد يكون مغايرا للنص المقروء
-وبناء على هذه المنهجيات سيتبلور النص الزجلي لدى كاتبه، كالآتي:

2 – المنظور التفكيكي
لـ «قصيده» شمس الما:

-لقد انبنت»لقصيده» في سياق أسلوبها على أربعة تناصات نوعية، وهي إيحاءات لصنع معاني حكائية، تفاعلا مع طبع الإنسان واندهاشه، تثير فيه معتقدات وخيالات وأفكار وثقافة إبداع…وذلك وفق العناصر التالية:
أ- حكاية وجود طبيعي، يتحرك فيه الحدث ويتكرر في دائرية كونية، بغاية تخصيب رحم السماء، فيعود الماء والشمس ثانية إلى دورتيهما، تأثيثا للكون.
ب-متن الحجي المنمذج:(هاينة والغول وخطيبها)..وهكذا تم التناسب بين هاينة المعشوقة (الشمس)، والغول الوحشي(البحر)، والسارد(العاشق)، مخلصها من الغول.
ج- خرافة طفولية المنزع، ترتجي من الشمس تبديل»سنة» الصغر بسن أجمل وأقوى، رغبة في الإشراق الجمالي…
د-المتن الأسطوري لآلهة سومر وبابل في ملحمة(جالجامش)*5، وتتمثل فيها ضمنيا القوة اللاهوتية المتصارعة رمزيا، في المتخيل البشري…ومن ذلك:
*إينانا وهي إلهة الأنوثة والخصوبة..وتسمى أيضا ب»عشطار»..ومثلت بكوكب الزهرة.
*أوتو وهو إله الشمس، وأخ إينانا..والأسطورة بهذا قد جمعت كل كائناتها، في صراع محتدم، بين تموز إله الذكورة وقد أحب إينانا، وإنكيدو إله الزراعة والخير، وهو من تفضله إينانا..والتحول هنا جاء توسيعا لصراع أبدي بين الرغبات، في متن»لقصيده» المتضارب..وكأن الزجال تحول إلى الأسلوب الأسطوري محكما»عالم الغيب» في»وجود»ه المتفاعل..وهو عنصر ماورائي، يحضر في عالم الإبداع كصوفية كتابية/قرائية، للتأويل…
-فهذه الأدوات السردية والشاعرية، في دراماتورجية المتن النصي ضمن»لقصيده» القطبية، أغنت الأسلوبية ووسعت جوهرها…فبلغت ذروة تليين الإشكال كما يرجو الزجال العاشق من كتابته…حيث سلك المتن سرده للتلطيف الشاعري ورونقة التصوير، في خط يقود المتلقي لتخيل وضعية قوى متسابقة للفوز الأزلي، سواء منها الطبيعي أو التراثي أو الأسطوري…فهذا الزخم الوظيفي لأدوات التعبير والتصوير، خلق عالما من المجازات هي الغاية الأدبية للكتابة الإبداعية هنا…وقبل ذلك، نستمع إلى حكي هذه»لقصيده» القطبية، لإيصال الرؤية العامة:
-»كان حتى كان، فحديث لكتابة ودواير الزمان..واحد الشميسة غزالة الشموس..نازلة طالعة…هاهي ف لبحر تغطس، هاهي تخلي للخلق فرصة النوم ولفياق…ف هبوطها يتلقى ليها لبحر فاتح فمه ويسرطها، وقتما تغرب عنده..أما الزجال المسكين فهو حائر ف أمرها يواجه لبحر وهو مغبون على شمسه، وخايف عليها ضيع منه..حيت قهراته الغبينه ملي تتخليه محبوبته حزين عليها، وهو متعلق بها..وهكذا قرر ينقذها من فم لبحر اللي ما تيشبعش..كل واحد باغي يملكها باش تكون ليه وحده..نصب حيلة ذكية لبحر وعول ينقذها من هاد الغول..قبطها بآلة التصوير ودار صورتها ف كادر مشدود بخيط، وعلقها ف الحيط..وهكذا نجحت الخطة قبل ما يسرطها لبحر وتغرق بلا رجوع..تش تش تش… لكن القضية وما فيها هي»سر» عرفه الحوت للي حمات فيه البيضة، وبغى يحكي ما كاين فلبحور الغابرة…وهنا جات الأسطورة حاملة معنى آخر، باش تحول لحكاية لواحد الواقع مقنع..هو الصراع الدايم بين الآلهة فالغيب من أجل إقرار حكم القوة…ها هو أوتو إله الشمس بغا يزوج ختو إينانا ل تموز إله الرعي، وهي رفضت وما تغوات بيه، عينها ف أنكيدو إله الزرع والغلة…باش تزها لحياة بالما ويعم الضو بنور لحب..وهكذا ما ارتاح لعاشق حتى فاز ب معشوقته، الساكنة ف»قصيدته»…وبقات لحكاية سر تيدور ف الزمان ، يعاودها ويكررها الموج..وفكل مرة حنا ما تنسمعو من لبحر غير(تش تش تش)، لا غير..ومشات حجايتي مع الموج الموج…وبقينا من الشهود حنا بزوج»…

3 – المنظور التحليلي لأسلوبية النص العام:

-النص هنا إذن هو تركيبة إبداع أسلوبية، نسجت حزمة من الانزياحات، من أجل إنتاج معنى جوهري…إنها بصمة كتابية للزجال تعممت في نصوص الجوار، كنهج لإشراك القارئ في عملية تحرير النص من أي نمطية تجمد التلقي المستسهل، وذلك كالآتي :

(3-1) الإنزياحات:
-ومن أقسامها انزياح اللفظ، وانزياح التعبير، وانزياح التموضعات..ولها أدوار أساسية على مستوى الانتقالات الغجائية السينوغرافية للنص…وقد جعل منها الزجال احميدة بالبالي نموذجا ل»لقصيده»الزجلية الحديثة والمتطورة في أسلوبيتها…فبصمها بمسحة جمالية دلالية على مستوى الرنة الإيقاعية ومهارة التصوير وإثراء المضمون.. فهذه المسحة الفنية والدلالية، ستدرج في جميع نصوص هذه الأضمومة بجميع تركيباتها، لإغناء المعانى…وتتنمذج في النص القطبي»شمس الما»، كما يلي:
أ-اللفظ..[- لبحر ملي جاع/سرط الشمس/أنا(شفته)*/يلحس (شفته)/- وسمعت/(تش*..تش ..تش)- واخا شفت/ب العين اللي/ياكلها(السراب*)/- توصل ف الوقت الموعود/حيت شاده /ف العاهد/اللي اعطاته ل (الفروج*)/- (دخلتها فالصورة/درت ليها (كادر*)/- هي تضحك ليك حتى بان ليها (درص لفجر*)…]..وهكذا يأتي الإيقاع غير متوقع، بتوازنات، على صيغة رنة صوتية إيحائية…
ب-التعبير..[ ب الشعى اللي يشيط/ لونت لغياب/قبل تغيب/وكبيت الباقي ف الكاس/شربت منه ما كفاني/حتى ثقال الراس/ودرتها ب البحر/غزيت فيه/خليت فمه محلول/غول ب جوعه مسكون/و خليت الفروج منوي/ بغى يعرف مني/حديث الموج/ مع الشمس مللي تغيب/…]..فهناك خصوصيات تشكيلية لصيغ التعبير الملونة بالمعنى..ولو رسمت على لوحة لأتت غنية في/وبتجريدها…آنذاك ستقرأ بإيحاءاتها في نص آخر للقارئ…
ج)المضمون..[-أ) تقديم الانشغال-ب)التزام الشمس بتوقيتها-ج)واقتناص الشمس)- د)ذكرى طفولة)-ه)الغيرة على الشمس، ومنافسة بين البحر والعاشق)-و)معاناة في العشق والإبداع- ز)وبعد ذلك ولوج عالم الأسطورة- ح)عودة حكاية النص أخيرا، إلى طبيعتها بمسحة التأمل.]..وهكذا تظهر هنا من خلال»لقصيده» تحولات فجائية لتموضعات ، تفسح المجال لمنعطفات لها تأثير، على السرد الحكائي والشاعري ككل..

(3-2) صناعة المعنى:

-هذا المعنى ف»لقصيده» له علاقة عضوية بمحيطها، من خلال كليات تيماتية خاصة، و رمزية ذائبة في الكل بتعبيرات إيحائية، عن الوطن ك(مكان) أو المرأة ك(محبوبة) أو الأمازيغية ك(لغة) أو قصيده ك(شعر)…والمعنى المشار إليه هنا ، لا يعني حزمتي الشكل والموضوع أو الأسلوب والمحتوى، بل أن كلاهما ذائبان في بعضهما..فأتت «لقيصده» الزجلية بوتقة ثقافية إلى حد أن الشكل هو نفسه المضمون، دون أي تباين*7..وذلك عبر صيغ موسعة، مشكلة لوغوسا ناهضا ، يتكون تكلما وتفكيرا وحكيا…ف»لقصيدة» إذن عند بالبالي، هي تناسج ثقافي، يتبلور فيه النص العام..إذ هناك تلميحات خاصة لا تنفصل، وتوجب التأويل بين العناصر الأربعة أعلاه..إنها أقوى العناصر المطروحة، من خلال مفاهيم تستخلص من عناوين فهرسية لنصوص تحتويها الأضمومة الزجلية كعتبات من جهة، وكاستدلالات نصية متضمنة من جهة أخرى..ولهذا احتكمنا إلى ما أشير إليه بفقرة المنهج وفروعه، حيث سنعثر على استدلالات تحليلية وتأويلية متراكبة لصنع معنى تتناسج فيه هذه العناصر، عبر جمالية تركز على الثلاث انزياحات في تركيبة المضمون… فاللفظي للتناغم الإيقاعي والإدهاش، ثم التعبيري لتشغيل ملكات اللغة الشعرية بتواصل مع التراث والتجديد فيه، ثم التموضعات الانتقالية لإثراء المتخيل وتنويعه، في إطار أنتروبولوجي لكثير من الألفاظ والتعابير التراثية…وكلها تحقق الانسجام الكلي في هذه الأسلوبية، حيث تتطور لذة النص فيما يلي:

4 – الاستدلالات:

-إنها علاقة تدامج»لقصيده»القطبية (شمس الما)، في محيط يدور في فلكها بترتيب خمس نصوص قبلا وخمس بعدا، وبمضامين تتجوهر في المضمون العام المشترك للمجموعة الزجلية برمتها..وذلك كالتالي:

(4-1) النصوص الماقبل-»لقصيده» القطبية وهي:

-ريوس المعنى- ب السلامه عليك آعقلي- محطة لحماق- حروف الأبدية- رماد الطين- إزوران..فهي دلالية تأويلية أكثر..وهي الشطر الأول من العتبات البنائية للنص العام.
-استثناء فإن»لقصيده» المعنونة ب»ريوس المعنى»، والتي استهل بها الزجال المجموعة قيد الدرس، لا تسجل لها علاقة بسياق»لقصايد»المجاورة..إنما استهلت المجموعة الزجلية كتقديم لها، اعترافا بسعة أفق الزجل، وقدرته على النظم الجميل والحكمة البليغة ..وهكذا مثلت مجسما لهذا المشروع، فتم ضمن ذلك اختيار رباعيات عامة، بها تجارب وعبر، على غرار ما صدر عن عبد الرحمان المجذوب، من مأثورات…وقد أتت هذه المحاولة بمقاس أسلوب الزجال الخاص، كنموذج أسلوبي وتجديدي في القول، سيسري على كل النصوص المصاحبة…فهي تحية معبرة للتراث الزجلي..ومن ذلك ما يؤكد على تيمات ورؤى دلالية، تحتويها المجموعة، كمقطع «راس الكدية» مثلا، ص.16، فيقول: [الفكره ك دور ما وقفت/الزمان تبدل بزاف/ لفهاما عنده موري ساكت/والراس كديه عل لكتاف.]..وأيضا»راس لغرايب»ص. 16:[تابع لقصيده وهي عاطياه ب الظهر/يحزر وهي زايده ف لفشر/ملي طاحت ف هواه وعول يسهر/كان عليها حق الشهر.]..وهكذا تبدأ النصوص التالية في إطار الرؤيا المتجددة ل»قصايد» المجموعة، كما يلي:
أ)نص»بسلامة عليك آعقلي»(ص.19):هي توجيهات محفزة للعقل طلبا لاستقلاليته، وفك الارتباط بالسياق القديم، والتصالح مع الذات الطموحة، تلمسا ل»قصيده»زجلية متحررة.. يقول النص في بدايته:[ارحل فين بغيتي/غير ابغي ترحل/قطع سلاسل الغير/غير كون راجل/…إلى أن يقول على ص.21:[ب سلامه عليك آعقلي/ها انا حررتك /من شوفتي لي وسط الناس/غير دير الطايله وارحل/سوارت الممنوع خوذها/وها البيبان ايلا قدرتي تحلها/ وادخل/انسى حكامي عليك/ونسيني ف حكامك/سير عكسي يمكن توصل/فين نسيتي توصل…].
ب)نص»محطة لحماق»(ص.29): هي عبارة توحي وباللامعقول…غير أنهااختيرت كمحطة لانطلاق جنوني إلى الذائقة..ويراد ل»لقصيده» هنا أن تضم دفعة واحدة كل الرغبة والشوق، ذاتيا و كونيا..فيبحث الكاتب صحبتها، بتساؤلات وجودية، عن محطة انطلاقهما منذ السطر الأول:[في نتلاقاك؟/ ف محطة القطار قالت/وزادت نجيها/كيف هوايا دواني)…(سولت حالي/كيف الشمس تطيح من سماها/والسحابة تسخى ب ماها/وتنساني؟ …]..وعلى ص.32:[أنا للي سافرت/نقلب على منبت لحلام/ف فكر الإنسان/لبلاد الحكمة /فين نلقى منبع السؤال/قبل خلوقه/…/ومشيت نفتش/على بداية سطر الحياة/وفين يتسالا /فهاد الكون/…].
ج)نص»حروف الأبدية»(ص.35)- هو نص ثوري غاضب..يدفع بالخطاب إلى الانتقاء في المكتوب والشفاهي لأجل مضامين متقدمة في رهاناتها..والحرف هنا بمعنى حرف القرايا وحرف»الزين»، أي المعرفة والجمال، برِؤيا تجاوز الجمود الأبدي..فنقرأ، دون حصر، على ص.36:[ها العلم/ها حروز فقيه/أوهنا طاح المعنى/وكيف نقلبو عليه؟]..
د)نص»رماد الطين»(ص.43)-هي عبارة دالة من كلمتين مختلفتين،»الرماد» وهو من مخلفات الحرق…و»الطين» بمعنى التراب كناية عن لبلاد(الوطن)…وهنا يبدو أن الطين إما حارق أو محروق، فكانت الشكوى إلى»لقصيده»/الملاذ، كموطن متجدد..يقول الزجال منذ البداية:[حكيني/ صقليني/ابريني/امحيني من طيني/ياك الطين فاني/وانا طامع ثاني/ف سر يحييني/لونيني ب لحمر/و طلقيني نجذب/نحضر/نبرد غدايد حالي/ب لخضر رشميني …/.]..ويضيف على ص.46:[نسافر معاك/نسافر منك/نسافر ليك/ونسافر فيك…].
ه)»نص «إزوران»(ص.53)-هو نضال، من أجل»قصيده»تسري في»عروق» الذات الإبداعية..إنه استلهام للأصل والجذور، لتكون سندا داعما للماهية الهوياتية…ولقد تم مخاطبة التلقي في الأحجية التراثية الشهيرة»هاينة»، الضاربة في عمق الزمان التراثي المغربي، حيث الروابط الحميمية المتجذرة تاريخيا، وذلك لفك العزلة المزمنة، نحو «قصيده» الذات المرغوبة…فنقرأ دون حصر، على ص.55:[نهيم أنا وياها/بعيد على عيون الحضاية/ف صفة جوج طيور/حولتنا الحجاية/ملي خالفنا قانون لقبيلة/وتلف ملقانا/على طراف الأرز/داع غنانا/ الناس تتمتع بيه/وحنا/شوق لفراق بكانا…].
-استنتاج الشطر أول: إنها رؤيا تسكن ذائقة الزجال بالبالي لامتلاك إطار شاعري حداثي، فكانت أولا مرحلة تصفية الحساب مع عدة طابوهات تقليدية بلاغية وتراثية، بحثا عن»قصيده» معشوقة تختمر فيها أحلام إبداع وهوية ذات، كما تدل على ذلك عتبات النصوص..وهكذا يتم انتقال المبنى النصي المهيكل إلى محور الذات، وهو»لقصيده»

(4-2) النصوص الما بعد»لقصيده»القطبية، وهي:

-عاهدي عليك- سر الشعى- الساعة سؤال- يد الشوق- سال لحجر إيلا يهدر..فهي عناوين دلالية سيميوطيقية أكثر..وهي الشطر الثاني المكمل للعتبات السابقة:
أ)نص»عهدي عليك»(ص.73)
-هو أول عنوان مجازي بعد النص القطبي أي»لقصيدة»، ويتعهد بالالتزام والوفاء للتصورات الماقبل، ومنها ترسيخ التحرر وتجاوز الماضي، وتطهير التراث..فالعنوان له صياغة التأكيد، بلغة العامة..نقرأ على 74:[وبقيت أنا/عند العاهد/ما قطعت إياس/كان الحب/ك الماس/قبل ما يقدام/ويولي خردة/ف جوطية لكلام/حاثل/حايل/غامل ف الراس…]
ب)نص»سر الشعى»(ص.83)
-»السر» هو جوهر خفي..أما»الشعى» فإشراق..والنص يعد بنقلة لعقلنة الموروث وسقله جماليا، استشرافا لكل جميل فالإنسان..يقول:[أيا صاحبي/هز الشوف وعليه/تلقى سري/ سرى بكري/ يلون ضحكة الشمس/…/احدر الشوف/وحقق تشوف/الحب فكل مكان/ ف الحاضر ف الماجي/ف اللي كان/ف الخطوة الأولى/اللي ترسم/طريق ل الإنسان…]
ج)نص»الساعة سؤال»(ص.89)
-ل»الساعة» مفاهيم منها:(الوقت- الظرف- الفناء)..و»السؤال» هنا استقصاء لكل عمق.. فتركيبة العنوان هي حمولة بمنظور وجودي تحرج فيه»لقصيده»كل تخلف وفراغ، تحفيزا للتطلعات..فنقرأ:[شحال يخصنا/من تفتاش/وقتاش ندركو/ما فات علينا/التاريخ هرب ب عوام/وحنا نرقعو الحال/ب الدقايق/بحره طوفان/…/نقتلو ف الوقت/نلبسوه كفن/…]…
د)نص»يد الشوق»(ص.99)
-هي رمزية، بمفهوم»اليد» كعضو جسدي، بدلالة(العون أو القوة)..أما»الشوق» فهو «رغبة»…والزجال يمد يده إلى»لقصيده» طالبا ودها، عونا على الكتابة بصدق البوح.. فنقرأ على ص.99:[مديت يدي/نقطف من طرف اللسان معنى/خايف نسكت/يفوتني كلامي/قلت نهضر/خفت نهرب لمعاني/وبديت نسخن الطرح/نبرد اغدايد الهضره/نطفي اجمار اهوالي/نصقلها ياكما/تشعل فتيل/تضوي الطريق/تعلي شاني/توصلني لاحلام/ معششة ف راس الوقت/…]..
ه) نص»سال لحجر إيلا يهضر»:
-هي»قصيده»دلالية، ختمت هذا الكتاب ملخصة هدف اشتغالاته..فالنص يحث على الإقلاع ،تطويرا للكتابة الواعدة حداثيا..فنقرأ عن التنبئ بتمدد لاحق، على ص.117، حيث يستنطق الزجال نصه:[سال حلامي/ليلها كيف طوال/آش عندها من غير/صفحات كتاب/ وكتابي ساله/على المعنى للي حال/آش عنده من غير/شدة قلم بين اصباع/شكون غيري يقرا له/هم الحال/…(ونقرأ في بوح مسترسل، على ص.118):[هو بطل من لمداد /معني ب اوراقه/وانا بطل من لوهام/محرف احلامه/راكب لهبال/نجيب كلام دايزه لكلام/ ينشرني كلام/فايته لكلام/شكون فينا لبره/شكون اجوى/شكون المرسال/الجوى نافض عنوانه/لبريه خاويه من لكلام/سبقها ما قلت فيها/…]
استنتاج الشطر الثاني:
في هذه المرحلة الثانية جعل الزجال رؤياه إبداعا حالما، تحقيقا ل»قصيده»استشرافية.. ويتمثل ذلك في الالتزام الناضج بالإطار الزجلي المهيكل سابقا، ثم الوفاء له كنص رؤيوي ،انتقالا من قضايا الذات إلى رهاناتها، والمأمول تحقيقها في الإنتاج اللاحقة…

5 – رهان التجربة الزجلية:

-والمقصود هو تمركز مجموعة»شمس الما»في التجربة، لتأثيث العمل الإبداعي وصناعة المعنى فيه، من المنطلق إلى الإنجاز اللاحق…فالرهان هنا كمشروع، يمثل للزجال موقعا استراتيجيا، في تجربته…فكيف ذلك؟
-طبعا كل عمل إبداعي تكون له وظيفة معينة، فيعتبر»مركزا» في نسيج التجربة الإبداعية ككل..وهذا العمل بإبداعه الوارد فيه، سواء كان أسلوبا أو مضمونا أو تنوع تيمات، فهو يرصص أركان أساسية لتجربيته، لدى كل من الكاتب والنص والقارئ..فهو اشتغال يتأسس على جمالية بنائية لإبداعه..من هنا يعتبر كتاب»شمس الما» زجلا ثريا وغامرا.. هكذا إذن تكتشف الدراسة أن الزجال كان متأهبا إلى مخايطة المجموعة الراهنة، سواء مع ما قبلها افتراضا، ومع المجموعة التابعة لها تأكيدا، والتي تحمل عنوان(بريه فكم الريح) لتمديد التجربة إلى مراحل أخرى طموحة..فمن لم شمل»لقصيده» وتحقق هيكلتها مرحليا، إلى انتقال واسع نحو تحررها، ثم التغزل بها كمعشوقة يريد لها الكاتب أن تكون رافلة دافئة، في عزها وعز الكلمة الزاهية…ولذا وجدت نماذج يمكن العثور عليها بوفرة، في كتاب»برية ف كم الريح»، على غرار ما يلي:
– فبعنوان»حتى لبحر زهواني»، تقول لقصيده الأولى مثلا، على ص.3:[باب لقصيده: /برية لهوى/ل العالية/الغاليه/الساكنة جوج بحور/وموسده صحرا…]..فهل هي القصيدة، أم الوطن، أو امرأة، أم الأمازيغية؟
-وبعنوان»الحب معطى وشهاده»، تقول لقصيده الأخيرة مثلا، على ص.99:[شحال قد الوردة تساين/نحلة مهدوده/شحال ممكن/تبقى النسمه محبوسه/والشوفه من عين الضو محرومه/كان لابد نخوي الطريق/نكمد القلب/ونبصم بعشره/ضد إحساسي/نتحرق ونقاسي/ نكتم حر انفاسي/ونسرح فجرحي/ليك الطريق…]..أليست هذه تكملة واعتراف بما تحقق، وتعويل) على استمرارية مثابرة؟
6-استخلاص عام:
-وهكذا صار الزجل طلقا وواسعا، تحضر فيه الواقعية اللغوية لدى الكاتب، والتراث الذاتي والإنساني، عبر إشارات عامة، كأمثال وحكم وعادات وحكايات…وهي أدوات بنائية لكبح جماح اللفظية لسنيا عن تشتتها وتيهانها، والتي لا يراد لها أن تحيى إلا شاعريا..ثم تدليل المعاني لإضفاء سلاسة عليها، فتنشط التعابير والتصورات، تطويرا للأسلوب الزجلي التقليدي نحو المتغير الحداثي..إنه انتقال من ذات»القصيد»بناء إلى قصيد»الذات» معنى.