توفيق ومان من النص التقليدي إلى الأفق الحداثي في التجربة الزجلية الجزائرية. نص سولت نفسي نموذجا

توفيق ومان من النص التقليدي إلى الأفق الحداثي في التجربة الزجلية الجزائرية. نص سولت نفسي نموذجا.

بقلم : احميدة بلبالي ( المغرب)

 

    من خلال هذا النص يطل علينا الشاعر توفيق ومان بوجه آخر، هو  المسلّح المتمكن من القصيدة التقليدية بكل مكوناتها وايقاعاتها ينحت أيضا في الكتابة الزجلية الحديثة وينتصر للحساسية التي ترنو للأفق الحداثي الذي يتقاسمه ثلة من المغامرين في ربوع الجغرافيا المغاربية من ليبيا مرورا بتونس والجزائر وانتهاء بالتجربة المغربية . إنها حسنات اللقاءات الثقافية التي تمنحنا فرص التفاعل الإيجابي الموسوم بالأخذ والعطاء بالتأثر والتأثير ، هكذا نبني جسور تواصل وتقارب تؤدي لا محالة للانتماء للشعر والشعر فقط.

النص "سولت نفسي" أثار في رغبة مغامرة لسبر بعض أغواره، بعض تفاصيله هي رؤية شاعر لشاعر ومناولة عاشقة أقدمها مساهمة متواضعة تحية تقدير لما يقدمه الشاعر توفيق ومان من خدمة للزجل والزجالين على مستواه المغاربي.

 

1)  على مستوى الاختيار اللغوي لم ينتصر للمحلية بل ااختار لغة ثالثة تتموقع بين الدارجات المغاربية واللغة المعربة  فيها تطويع لتدريج المعرب وتفصيح المدرج ( سولت نفسي/ الدهشة/الخَشَبة/ القيثارة/ غبار الكون/ طلقت حواسي/ عبَّد الطريق/ تمسرحني/ لحني...)

الاختيار اللغوي طبعا ليس مسألة وعاء أو لباس للقصيدة أو نسق من الإشارات والرموز تشكل أداة من أدوات المعرفة  بل اختيار فكري وانتماء للمجال الذي يأتينا منه المصطلح بظلاله . وهي هنا تنتمي للمجال العالم ،المجال الثقافي الواعي المجال الكوني حتى(مسرح/ موسيقى/ كوسمولوجيا الكون ...) وتؤسس لمشترك لغوي تشتغل فيه أقلام زجلية مهمة في كل المنطقة المغاربية ّ.

 

2)  الاشتغال الفني:

-       الحيرة وهي قلق يعطي للجملة الشعرية وللدلالة مستوى تأويلي ويشرك المتلقي في بناء المعني أو تقاسم هواجس الذات المبدعة المتفردة . ( شمس والا قمر/ سولت نفسي على نفسي/ الصباح اللي ما بغى يفيق/...).

والتفرد طبعا من سمات الحداثة في الكتابة . لم يعد الشاعر الحداثي يعيد الصوت الجماعي والرؤية الجماعية بل يجعل من الذات المنطلق ، الذات في تفاعلها مع الذوات الأخرى بمعنى غوص في الأنا وفتح باب للداخل قصد البحث عن ما ترسب من الأنا الجماعية في الأنا الفردية وإعادة صياغة رؤاه كجواب عن الآن بكل تعقيداته كما الواقع وطموحات الناس .

-       الجملة المبنية على المفارقة :

( خرجو الدموع من عين ناشفة / تسمع السكات/ قصيدة عريانة/ ساس السما..) المفارقة أو الفجوة بين كلمات من مجالات متنافرة او من تضاد يجعل المشاهد أمام تركيب كميائي جديد للجملة مما يصنع دهشة ومعنى /دلالة جديد. معنى غير جاهز يبني بفعل القراءة ووفق حمولات القارء الفكرية والجمالية. 

-       المنولوج أو الحوار الداخلي  ،الذي شكل هيكل القصيدة .

"قطرت حروفي من شهد لكلام"

الرغبة في كتابة بطعم العسل كتابة تشي بالفرح والأمل لكن " الصباح ما بغى يفيق.الهزيمة التي تسكن جيلا كانت له أحلام التحرر والتقدم اجتماعيا واقتصاديا وفنيا .

-       "قطرت حروفي من عروقي"

رغبة في الكتابة الصادقة كتابة بالدم بالمعنى المجازي طبعا كتابة نابعة من الذات وهمومها " لكن خرجت تنهيدة / مكسرة وبليدة" الصراع بين الذات والواقع في سفر تلفه الحيرة والمصير الغامض والمعقد (" شمس والا قمر/ درب معقد/ اسوار بعيدة).

-       "سولت لحروف على الكلمة الخاوية" سؤال الكتابة والكلام المعبر على قرارة النفس عن تفجير المكنون ورفض الكلام غير المجدي عبر جلد الذات  (شتمت خيالي/ ما سمعت لحني/ ما قرات حروفي...)

-       "سولت نفسي" بدل حروفي التحول الذي نستشف منه أن الحروف هي النفس أيضا بالنسبة للذات الشاعرة وهي اشارة لاندماج الشاعر والذات وهي ميزة المبدعين حيث لا يمكن أن يتصوروا انفصالهم عن الكتابة من أجلها وبها يتحقق وجودهم.

("تمسرح عيوبي/ على الخشبة / تقرا همومي/....)

-       "سولت نفسي على غبار الكون" . سؤال وجودي وبؤرة القصيدة . كل الاسئلة السابقة كانت تهيئا إبداعيا لهذا القلق الوجودي للذات الشاعرة.

" سولت نفسي على غبار الكون

طلقت حواسي

بعد ما لحنت حروف الشمس 

و نقشت كلام الهمس

حفرت ساس السما

و صبيت عرصتو ف حضاني 

و العجاج من الشوق نفاني 

و بعد ما عَبَّدْ طريقو نساني"

-       "سولت نفسي على نفسي "

" على قصيدة عريانة

اوراقها ذبلانة

تسمع السكات"

هم الكتابة والرغبة في تعريةٍ تتجاوز الغطاء رمز الحشمة والذوق العامي للتحرر من الصوت الجماعي. تعرية تكشف الوجه الحقيقي غير المزيف ، بدون غطاء وهو توجه نحو الفردانية والتفرد التي تسم الإبداع الحداثي.

-       سولت على نفسي بزاف

ولمراية مني صارت تخاف"

المرآة تعكس صورتنا ولا تعكس نفسيتنا إلا في انفعالات الجسد وتقاسيم المحيا . المرآة تثير فينا نرسسيتنا وتغرقنا في وهم الماء . عادة ما تخيفنا المرايا بينما الشاعر هنا قلب الوضع حين صيرها تخاف منه وهو اشتغال يخرق المألوف.

 

القصيدة : سولت نفسي

 

قطرت حروفي من شهد الكلام

خرجو الدموع من عين ناشفة

سولت نفسي

على الريق 

و الدهشة

وعلى الصباح اللي ما بغى يفيق

قطرت حروفي من عروقي

خرجت تنهيدة

مكسرة و بليدة

و موشمة على القلب طريق السفر

شمس والا قمر

و دربك معقد و أسوار بعيدة

سولت نفسي 

وسولت لحروف ع الكلمة الخاوية 

تتلاوح ف الهاوية

شتمت خيالي 

قطعت شوفتي مني

ما قرات حروفي

ما سمعت لحني

ما عجنت تنهيدتي 

سولت نفسي

سولت نفسي ع الهاربة من تحت شفار

ما ثاقت ف الما ، ما جرْبت النار 

تمسرحني عيوبي

ع الخشبة تقراني همومي

و يحفظني العود و الرباب

والناي يغازل القيثارة بلا سباب

سولت نفسي

سولت نفسي على غبار الكون

طلقت حواسي

بعد ما لحنت حروف الشمس 

و نقشت كلام الهمس

حفرت ساس السما

و صبيت عرصتو ف حضاني 

و العجاج من الشوق نفاني 

و بعد ما عَبَّدْ طريقو نساني 

سولت نفسي 

سولت نفسي عن نفسي 

عن قصيدة عريانة 

ووراقها ذبلانة 

تسمع للسكات

تشري ف الهم و البكيات

فرضاتو صلاة 

و كأسها سْكَّرْ من السكرات

سولت نفسي

سولت نفسي على مراية ريقي

على شهوتي و شهيقي

سولت على نفسي بزاف

و المراية مني صارت تخاف

ايه شوف يا الزمان، كي صرت تعاف 

سولت نفسي

............................