Stock Market Borsa_ar

سوق الأوراق المالية " البورصة " .... مفاهيم عام

بقلم :

محمد عماد ابراهيم أبو شعبان

محاضر بجامعة الأزهر-غزة

صدرت المقالة في جريدة القدس ، بتاريخ 24-5- 1995 م

البورصة هي إحدى المؤسسات الهامة التي تعمل في الحقل الاقتصادي باعتبارها المكان الذي يضم عدد من المتعاملين بالبيع والشراء ، للتعامل بصفة دورية في الأوراق المالية أو السلع الصناعية أو الحاصلات الزراعية ، وذلك وفقا للوائح وقواعد معينة يلتزم بها كافة المتعاملين ، أي أن البورصة سوقا منظمة تخضع لإشراف محكم على التعامل فيها . إلا أنها تختلف عن الأسواق العادية التي نشاهدها في حياتنا اليومية في مجموعة من الصفات من أهمها :

1- كبر حجم المعاملات في البورصة بما يفوق ما يحدث في السوق العادية إذ تتعدى الصفقات التي تبرم في البورصات ملايين الدولارات في الكثير من الأحيان .

2- التعامل في البورصة غالبا ما يتم الإعلان عنه محليا ودوليا ، وتؤثر حركة التعامل على الأسعار الدولية بشكل مباشر على السلع والأوراق المعروضة محليا . بينما يتوقف تأثير التعامل في السوق العادية على العرض والطلب والأسعار المحلية .

3- إن الصفقات التي تتم بالسوق العادية يجب أن تشمل سلعا بين يدي المشتري والبائع ، بينما في البورصة قد يتم على مواصفات محددة لسلعة قد تكون لم تنتج بعد مثل بورصة المنتجات الزراعية .

4- في البورصة يتم الاعتماد على السماسرة كوسطاء لعقد الصفقات على عكس ما يحدث في السوق العادية إذ تتم عمليات البيع والشراء كنتاج للمساومة الشخصية .

5- في البورصة يتم عقد الصفقات بسرعة غير متناهية على عكس السوق العادية ، حيث يمكن عقد الآلاف من الصفقات باستخدام الفاكس أو التلفون أو البريد الالكتروني .

ويتميز التعامل في البورصة بمجموعة من السمات الأساسية وفقا لطبيعة السلع التي يتم التعامل فيها ووفقا لأسلوب وطريقة التعامل ، فبالنسبة لطبيعة السلع التي يتم التعامل فيها يشترط فيها الآتي :

- عدم القابلية للتلف وإمكانية تخزينها لفترة معينة .

- أن تكون السلع خاضعة لمواصفات قياسية موحدة من حيث الرتبة أو الوزن أو درجة النظافة بحيث تكون مجرد ذكر هذه المواصفات أساسا للتعامل بين البائعين والمشتريين .

- توفر العرض الكثيف والطلب الكثيف ، إذ انه حتى يتقرر مستوى الأسعار على المستوى المحلي أو الدولي ، فانه يجب أن يتوفر للبورصة حجم أعمال يبرر قيامها ولا يتأتى ذلك إلا بأمرين أولهما : توافر كميات السلع في مواعيد أو مواسم معينة ثانيا : أن يتم التوافر بالقدر الذي يمكن من إبرام صفقات اقتصادية تتواءم مع تكلفة وإمكانيات قيام البورصة .

إما من حيث أسلوب التعامل فتنبني البورصة على مجموعة من المبادئ الأساسية وهي :

1- العلانية . يقتضي الأمر ألا تتم أية معاملات في البورصة على استخفاء بل لابد من إعلان المعاملات من حيث الصنف والكمية والسعر . لهذا يتم التعامل في البورصة - المقصورة - وهي مكان مكشوف مرئي من الجميع ، ينادي فيه البائعون والمشترون على عرضهم أو طلبهم بصوت جهوري مسموع . ولا يسمح بدخول المقصورة إلا للسماسرة ومندوبيهم ، وعن طريقهم تتم المعاملات بين البائعين والمشتريين .

كذلك فان المعاملات التي تتم في البورصة تعلن على لوحة كبيرة مخصصة لذلك ، وموضوعة في مكان بحيث يراها الجميع ، فضلا عن أن أسعار الافتتاح والإغلاق تنشر بالصحف والإذاعة والتلفزيون ، فتصير معروفة في جميع أنحاء البلاد وخارجها خلال وقت قصير .

2- حرية التعامل . ذلك انه لا يحدث أي قدر من الضغط في البورصة على أي من المتعاملين ، بل يمارسون معاملاتهم في حرية تامة ولا يحكمهم إلا القانون واللوائح . وعندما يقوم السمسار بالمناداة على ما يعرضه للبيع ، يتقدم سماسرة المشترين عارضين عليه الأسعار ، فيقبلها أو يساوم فيها إلى أن يتفق مع احدهم على أحسن سعر لصالح عميله البائع .

3- الالتزام بالمثل الأخلاقية . فالتعامل في البورصة يقوم على الثقة بين السماسرة وعملائهم من ناحية ، وبين السماسرة وبعضهم من ناحية أخرى . وكثيرا ما يصدر العميل إلى سمساره أمرا شفويا أو هاتفيا بالبيع أو الشراء ، فيقوم السمسار بتنفيذ تعليمات عميله بناءا على الأوامر الشفوية . كما أن الارتباط بين السماسرة بعضهم وبعض فيما يتعلق بالصفقات يتم في أول الأمر مشافهة ، ومتى تم الإيجاب والقبول شفهيا كان ذلك بمثابة عقد ملزم للطرفين . هذا بالإضافة إلى أن السمسار يراعي مصالح عميله ويعمل على تحقيقها بأمانة وصدق ، وهو مستودع أسرار ذلك العميل ، فلا يجوز أن يذيعها أو يحقق لنفسه فائدة من ورائها .

أنواع البورصات

تنقسم البورصات من حيث أنواع السلع التي يتم التعامل فيها إلى نوعين أساسيين . أولهما : بورصات البضائع وثانيهما : بورصات الأوراق المالية .

أ- بورصات البضائع : هي تلك البورصات التي تتعامل في الحاصلات الزراعية أو المواد الخام أو المنتجات المصنعة . مثل بورصات الأقطان والقمح والقصدير والذهب ....الخ وليس بالضرورة أن تنتشر هذه البورصات حيث مراكز إنتاج هذه السلع . بل إنها يمكن أن تكون في مراكز التوزيع الدولية . فنجد مثلا أن اكبر معدل للتعامل في التوابل يتم في سوق أمستردام بهولندا بالرغم أن هولندا ليست دولة منتجة لهذا النوع من البضائع .

وتنقسم بورصات البضائع إلى نوعين أساسيين أولهما : بورصات البضائع الحاضرة ، وثانيهما : العقود .

1- بورصات البضائع الحاضرة . وهي التي يتم التعامل فيها على بضائع موجودة بالفعل ، وتتم عمليات البيع والشراء بهذه البورصات بعد القيام بمعاينة السلع المعروضة على الطبيعة أو بمقتضى عينات يقدمها البائع .

2- بورصات العقود . ويتم التعامل في هذه البورصات عن طريق إبرام عقود بين المشترين والبائعين على أساس أن يتم التسليم في وقت محدد في المستقبل وذلك دون حاجة إلى وجود البضائع وقت إتمام عملية التعاقد ، ولا تتم العمليات هنا على أسس مجهولة بل أنها تتم فعلا على بضائع حقيقية قابلة للتسليم على أسس واضحة يتم الاتفاق عليها بين المشتري والبائع منها درجة الجودة أو الرتبة ...الخ . وقد نشأ هذا النوع من البورصات نتيجة اختلاف مواسم الإنتاج عن مواسم الاستهلاك أو التصنيع ، لذا يسعى المصنع إلى التحفظ على كمية معينة من المواد الخام التي سيتم إنتاجها حتى يضمن الاستمرار في العملية الإنتاجية ، وهكذا تتم كافة التعاقدات قبل نضج المحصول أو وجوده أصلا وهذا هو السبب الرئيسي في نشأة بورصة العقود . ويدخل المضاربون في هذا المجال بهدف تحقيق أرباح بين فروق الأسعار المتعاقد عليها والأسعار الفعلية عند ظهور المحصول ، وتبنى توقعات المضاربون عادة على إحصائيات متعلقة بالمساحات المنزرعة ومعدلات الإنتاج والآفات الزراعية والظروف المناخية المتوقعة .

ب- بورصة الأوراق المالية . هي سوق منظمة للاتجار في الأوراق المالية من الأسهم والسندات والصكوك المالية القابلة للتداول وذلك وفقا لقوانين ولوائح ونظم . وتتولى إدارة بورصة الأوراق المالية هيئة تشرف على تطبيق هذه التشريعات . ويعتبر نشاط سوق الأوراق المالية مرآة تعكس الحالة المالية والاقتصادية للبلاد ، بالإضافة إلى توجيه الاستثمارات إلى المشروعات المستثمرة وتشجيع صغار ومتوسطي المدخرين على الاستثمار في المشروعات الجديدة . كما يعمل هذا النوع من البورصات على توفير السيولة للأموال المدخرة عن طريق تنظيم بيع وشراء الأوراق المالية . وتتكون السوق المالية من عدد من المتعاملين الذين يمثلون قطاع الوساطة المالية في المجتمع ، وفي مقدمة ذلك الجهاز المصرفي في المجتمع والذي يتمثل في البنوك التجارية والبنك المركزي وبنوك الاستثمار والبنوك المتخصصة هذا فضلا عن شركات التأمين وشركات توظيف الأموال .

وينظم المعاملات الدولية لسوق المال مؤسسات ضمان الاستثمار واتفاقات تسوية المنازعات الخاصة بالاستثمار والمؤسسات المنبثقة عنها مثل المركز الدولي لتسوية المنازعات الخاصة بالاستثمارات . وتهدف بورصة الأوراق المالية إلى ضمان تخفيض الأرباح الناتجة من تحويل الاستثمارات من حقل إلى آخر وبإيجاد توازن بين البدائل الاستثمارية وحماية المستثمرين عند الانتقال من مجال استثماري معين إلى مجال آخر . كما أن وجود سوق قوية لرأس المال يساعد في تحويل الأموال من المدخرين إلى المستثمرين وزيادة الوعي الاستثماري بما يوفره ذلك من سيولة ومرونة وثقة في التعامل في هذه المدخرات والتي تكون غالبا في صورة أسهم .فالسهم المسجل في بورصة الأوراق المالية يكفل لصاحبه حصوله على أمواله عند الحاجة لها . كما تعتبر البورصة أيضا مركزا هاما لمعلومات الاستثمار وحركة الأموال وأسعار الفائدة داخل المجتمع . وبعبارة أخرى فان دور بورصة الأوراق المالية في المجتمع هو التوفيق بين عمليات القطاعات التي يتوفر لديها فائض مالي وعمليات القطاعات التي لديها عجز مالي .

ج- بورصات الأوراق النقدية ( العملات) : وهي تلك البورصات التي تتعامل بالأوراق النقدية ذات القبول العالمي مثل الدولار الأمريكي والجنيه الإسترليني والين الياباني والمارك الألماني ....الخ . وتقوم هذه البورصات بتحديد أسعار ومعاملات تحويل إحدى العملات بالنسبة لعملة أخرى . ويكون التحديد باستخدام نوعين من الأسعار أولهما أسعار الكامبيو العاجل وثانيهما أسعار الكامبيو الآجل . ويتم سداد المديونية الخرجية بناءا على هذه الأسعار .

وظائف البورصات

تقوم البورصات بمجموعة من الوظائف في المجتمع تؤدي في مجموعها إلى تسهيل انسياب التبادل التجاري والمواءمة بين العرض والطلب للسلع والأوراق المالية ومن أهم هذه الوظائف ما يلي :

1- تحقيق السرعة في التعامل : البورصة هي سوق دائمة ومفتوحة للتعامل في كل يوم من أيام العمل ، يتوفر فيها عدد كاف من البائعين والمشتريين ، ويتم التعامل بينهم على أساس أن البضاعة حاضرة أو على المكشوف ( مستقبلية ) . وينتج عن ذلك سرعة في التعامل في السلع . وهذا أمر يبدو أكثر وضوحا في الأوراق المالية حيث يتيسر تحويلها إلى نقد سائل في أي وقت وبأسرع ما يكون ، مما يغري الدائنين على قبولها وفاء لحقوقهم ويجعلها سريعة التداول .

2- انسجام مستويات الأسعار في العالم . إن تسجيل الأسعار الرسمية للسلع المتعامل فيها ونشر هذه الأسعار أول بأول على اللوحات المعدة لذلك فور إتمام الصفقات الأمر الذي يساعد في التعرف على مقدار ما يطرأ على الأسعار من تعديلات منذ بداية العمل اليومي في البورصة إلى وقت انتهائه . كما أن تسجيل الأسعار وإذاعتها يؤدي إلى أن تقترب مستويات الأسعار في كافة أنحاء العالم بسبب سرعة انتشار أخبار البورصات واستخدام الوسائل الحديثة في الاتصالات العالمية .

3- تأمين مخاطر التقلبات في الأسعار . تعد البورصة أداه للتأمين التجاري فهي تخدم المنتج ، بان تتيح له وسيلة التحوط ضد تقلبات الأسعار عن طريق عمليات التغطية كأن يبيع المزارع محصوله قبل نضجه طالما حصل على سعر مجزي الآن .

4- المضاربة . تعد البورصة أداة المضاربة . ذلك لأنه في بورصات العقود لا يتم تسليم واستلام للبضائع المتعامل عليها ولكن تعقد الصفقات بموجب عقود فحسب ، فقد لا تكون عند البائع نية التسليم ولا عند المشتري نية الاستلام ولكن يكتفي الاثنان بدفع فروق الثمن احدهما للآخر متى حدث ذلك في الثمن نتيجة تغير في الموعد المقرر لتسليم البضاعة .

5- تحديد السعر العادل . تعد البورصة مرآة تنعكس عليها الحالة الاقتصادية العامة في البلاد . فهي باعتبارها المكان الذي يتقابل فيه العرض مع الطلب ، وتتوفر فيه المنافسة الحرة بين البائعين والمشترين ، فالبورصة تمثل سوقا مثالية مستمرة تكفل تحديد السعر العادل للسلع المتعامل فيها . لذلك فان البورصة تعد مقياسا للحالة الاقتصادية حيث توضح بصفة مستمرة مستويات الأسعار واتجاهاتها . ولا شك أن إعلان اتجاهات الأسعار لسلعة من السلع يؤثر في أسعار السلع الأخرى ذات الارتباط بالسلعة التي تتعامل فيها البورصة . فارتفاع أسعار القمح في بورصة ما ، يؤثر في أسعار الدقيق ، وهذا يؤثر في أسعار الخبز ، فضلا عما يترتب على ذلك من تأثير في مستويات أجور العمال الزراعيين والعاملين في المخابز ..... وهكذا تتداعى التأثيرات فتشمل العديد من السلع فيتأثر النشاط الاقتصادي باتجاهات أسعار البورصة .

وكذلك فان المعاملات في البورصة تتأثر من ناحية بعوامل العرض كوفرة المحصول أو قلته وقوة الإنتاج الصناعي وضعفه كما تتأثر بعوامل الطلب من ناحية أخرى كنشاط الأعمال والقوة الشرائية ومقدار النقود المتداولة ، فضلا عن أنها تتأثر بالسلام العالمي والمحلي ، لهذا فان البورصة تعبر عن الاتجاه الاقتصادي العام وما يحتمل أن يكون عليه حاله في المستقبل .

مقومات وجود سوق للأوراق المالية ( بورصة) :

- توفر امن وأمان وما يودي إليه ذلك من استقرار سياسي واستقرار اقتصادي .

- وجود وعيا ادخاريا بين المواطنين .

- وجود نظم ضريبية تقوي الطبقة المتوسطة بما يمكنها من الاستثمار إذ يساعد تقليل اعتماد الحكومة على التمويل بالعجز على تخفيض استيلاء الحكومة على الغالبية العظمى من المدخرات المحلية .

- وجود جهاز إعلامي يوضح أهمية وجود البورصات في الدول النامية .

- وجود نزعة قومية عند المواطنين يضمن دفعهم إلى استثمار مدخراتهم محليا .

- وجود قوانين للشركات المساهمة والشركات المختلطة بما يضمن الحماية الكاملة للمساهمين والمستثمرين الأجانب والمحليين .

- وجود تشريعات لحماية القطاع الخاص وتوجيه إلى الاستثمار في المشروعات الإنتاجية .

- وجود قوانين تلزم الشركات المساهمة بأنواعها بتسجيل أسهمها في البورصة وإلزامها بتكوين احتياطيات بنسب معينة من إرباحها .

- وجود قوانين تيسر نقل ملكية الأوراق المالية من مستثمر إلى آخر دون عقبات إدارية أو قانونية .

- إعطاء أولوية عليا لتحسين مشروعات البنية التحتية وخاصة المواصلات والاتصالات والكهرباء وكذلك تطوير قطاع التشييد إذ تمثل الطاقة المحدودة في قطاع التشييد اكبر عنق زجاجة أمام الاستثمار الخاص

- مطالبة البنوك التجارية بالاهتمام بالاستثمار المباشر وتدعيم محافظ أوراقها المالية عن طريق شراء وبيع أسهم الشركات المساهمة المقيدة في البورصة .

- تشجيع المدخرات التي تتمثل في أوراق مالية طويلة الأجل أكثر من تشجيع المدخرات في أوراق قصيرة الأجل .

- إلزام البنوك التجارية برفع نسبة التسليف على الأوراق المالية المدرجة في جداول البورصة .

- سن القوانين التي تكفل تمويل الاستثمار الذي يتخذ شكل مشروعات مشتركة من الاستثمارات الأجنبية والوطنية على أن يأتي في الواقع بموارد أجنبية وان تضمن بان لا تكون الأرباح التي تدفع للمستثمرين الأجانب ليس مصدرها المدخرات المحلية .

إن سوق الأوراق المالية التي تدعمه المؤسسات المالية يؤدي خدمة هامة للدولة ، وهي تشجيع تدفقات رأس المال الأجنبي إلى داخل البلاد والاشتراك مع الوطنيين في الاستثمار المحلي على أساس المشاركة مع نقل التكنولوجيا المتقدمة .