الاختيار والاستقرار في الحياة الزوجية

نسخة للقراءة. تأليف نبيل السناني

الاختيار والاستـقرار في الحياة الزوجية

إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله.

أما بعد.. :

فهذا الكتيب يحمل عنوان ( الاختيار والاستقرار في الحياة الزوجية ) وبالرغم من صغر حجمه إلا أنه يحمل فوائد جمَّه، حرصت كل الحرص على أن أعرضها بصورة مبسطة ومختصرة، وأن تكون بتعابير سهله يتمكن المسلمين والمسلمات من فهمها وخاصة الشباب والفتيات المقبلين على عالم الحياة الزوجية.

وقـد تركت لقلمي العنانَ حتى يكتب بعض النقاط الهامة التي أرى أن المجتمع المسلم في حاجة إلى التذكير بـها، وفي المقابل هناك نقاط وجوانب أخرى كثيرة لم أتطرق إليها في هذا الكتيب المتواضع. حيث أن الحديث عن الزواج والأسرة يحتاج إلى وقفات مفصلة، وهذه مَهمَّةٌ قام بها بعض العلماء والدعاة – وفقهم الله تعالى - فألفوا الكتب وكتبوا الرسائل وألقوا المحاضرات التربوية ... وبإستفاضة.

إن هذه الكلمات بشكل خاص موجهة لمن هو مقبل على الزواج أو لمن ذاق طعم الحياة الزوجية ورزقه الله بالأبناء، وقبل الحديث عن الأسس التي تبنى عليها الحياة الزوجية السعيدة، لا بد أن نشير إلى أهمية اختيار شريك الحياة، فإن وفق الشاب أو الفتاة للاختيار الصحيح فما بعده سوف يكون صحيحا وناجحا بإذن الله تبارك وتعالى.

1) شريكـة حيـاتـك.. ووقـفـة أخويـة:

أيها الشاب .. إن تفكيرك للدخول إلى عالم الحياة الزوجية يبين أنك على وشك أن تسلك طريق الأنبياء والمرسلين، فاجتهد في هذا الـمسير الذي ساروا عليه، واثبت كما ثبتوا فيه، وخاصة طريق نبيك محمد صلى الله عليه وسلم، فعليك بإتباعه واقتفاء أثره، تفلح بإذن الله تعالى في الدنيا قبل الآخرة، واحذر كل الحذر من العزوف عن الزواج وأنت قادر عليه، قال الله تعالى ( وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلًا مِنْ قَبْلِكَ وَجَعَلْنَا لَهُمْ أَزْوَاجًا وَذُرِّيَّةً ) الرعد:38.

وعن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ( يا معشر الشباب من استطاع منكم الباءة فليتزوج فإنه أغض للبصر وأحصن للفرج ومن لم يستطع فعليه بالصوم فإنه له وجاء ) رواه البخاري ومسلم

فاحرص كل الحرص – رعاك الله – على تحصين فرجك، وعلى أن يكون مقياس الاختيار هو الخُلق والدين، فقد جاءت وصايا نبيك الكريم - عليه الصلاة والسلام - تحثك على أن يكون اختيارك لرفيقة دربك ( امرأة صالحة ) تعينك على الخير، وتحذرك من طريق الشر، وتأخذ بيديك إلى الجنان، وتربي أبناءك على الصلاح والتقوى.

فعن أبي هريرة رضي الله عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ( تنكح المرأة لأربع لمالها ولحسبها ولجمالها ولدينها فاظفر بذات الدين تربت يداك ) رواه البخاري ومسلم وأبو داود والنسائي وابن ماجه.

جاء في الترغيب والترهيب للمنذري - رحمه الله - : تربت يداك كلمة معناها الحث والتحريض، وقيل هي هنا دعاء عليه بالفقر، وقيل بكثرة المال، واللفظ مشترك بينهما قابل لكل منهما والآخر هنا أظهر، ومعناه اظفر بذات الدين ولا تلتفت إلى المال أكثر الله مالك. اهـ

وعن ثوبان رضي الله عنه قال: لما نزلت (وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ) التوبة 34 . قال: كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في بعض أسفاره، فقال بعض أصحابه: أنزلت في الذهب والفضة لو علمنا أي المال خير فنتخذه. فقال عليه الصلاة والسلام ( أفضله لسان ذاكر وقلب شاكر وزوجة مؤمنة تعينه على إيمانه ) رواه الترمذي واللفظ له.

نعم .. زوجة مؤمنة تعينه على إيمانه وتقواه، وتأمره بالمعروف وتنهاه عن المنكر، وتحفظه إذا غاب عنها، وتذكره بـمراقبة الله عز وجل إن غير اتجاه سيره وسقط في الزلات والمخالفات، ومما يذكر في هذا المقام الطيب أن إحدى الصالحات أوصت زوجها وقالت له: يا هذا، اتق الله في رزقنا، فإنا نصبر على الجوع ولا نصبر على النار.

قال سعادة الشيخ زاهر العبري: لكي تصبح الأسرة دار استقرار، ينعم فيها الصغير، ويسعد فيها الزوجان، وتعد للحياة أبناء صالحين تحيا بهم الأمة حياة طيبة كريـمة، كان لا بد من إقامتها على ما يربط بين القلوب ويـؤلف بين الأرواح، ومن هنا شرع الإسلام حق الاختيار لكـل من الرجل والمرأة مما يؤكد الحرص على الكرامة الإنسانيـة.

فعلـى الرجل أن يختار المرأة التي يريدها شريكة لحياتـه، اختيارا سليمًا وذلك وفق ما رسمه الإسلام من المعاني الهادية إلى أكرم النتائج وأسمى الأهداف، انطلاقا من اعتبار المرأة أهـم أركان الأسرة، فهي التي تنجب الأطفال، ويتغذون من لبنها بالعواطف والأحاسيس التي تشكل أخلاقهم، بجانب ما يحققه حسن الاختيار من الحفاظ على روابط الألـفة والمودة بين الزوجين، واحترام كل منهما للآخر، ورعاية حقوقه. اهـ (1)

وأعلم أيها الشاب أن بإقدامك على الزواج, والتقدم خطوة للدخول إليه، فإن المعونة سوف تأتي من الله عز وجل على قدر قربك منه، فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ( ثلاثة حق على الله عونـهم: المجاهد في سبيل الله، والمكاتب الذي يريد الأداء، والناكح الذي يريد العفـاف ) رواه الترمذي واللفظ له وقال حديث حـسن صحيح وابن حبان له في صحيحه.

قـال أبو بكر الصديق رضي الله عنه ( أطيعوا الله فيما أمركم به من النكاح ينجز لكم مـا وعدكم من الغنى ) وعن ابن مسعود رضي الله عنه قال: ( التمسوا الغنى في النكـاح )

فحسَّن علاقتك مع ربك – أيها الشاب – وتذكر دائما أن إقبالك على الزواج مع زاد الصبر والتقوى والعفة، تتحقق الأمنيات، وتتيسر الأمور، وتتفتح الأبواب، قال الله عز وجل ( وَلْيَسْتَعْفِفْ الَّذِينَ لا يَجِدُونَ نِكَاحًا حَتَّى يُغْنِيَهُمْ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ ) سورة النور: 33. جاء في التفسير الميسر تحت هذه الآيات: والذين لا يستطيعون الزواج لفقرهم أو غيره فليطلبوا العفة عمَّا حَرَّمَ الله حتى يغنيهم الله من فضله. اهـ.

إن تلك الآية المباركة لتسلي قلوب أولئك الشباب الذين ليس عندهم المقدرة على تحمل مصاريف وتكاليف الزواج، وربما يرون أن أصحابهم وإخوانهم قد انضموا إلى تلك البيوت السعيدة، وهم ما زالوا في موطن العزاب، ينتظرون الفرج من الله سبحانه وتعالى.

إنهم شباب ليس كالشباب، كتبوا قصة تميز في البعد عن الحرام، والثبات على الحق، مع كثرة ما يرونه ويسمعونه من الفتن والمغريات وأتباع الشهوات المحرمة، قد قيدوا تلك الشهوة الهائجة التي تدغدغ عواطفهم ومشاعرهم بالصبر والمجاهدة، ومنعوا أنفسهم من السقوط في أوحال الملذات والمتع المحرمة.

إنهم شباب لبوا النداء عندما أمرهم ربهم بالاستعفاف، وتشبثوا بالاستقامة والإكثار من الأعمال الصالحة، وثبتوا على ما هم عليه من العفة والصلاح، ولم ينجروا نحو تلك الدعوات التي يلقيها أصحاب الشهوات للتحرر من قيود العفة والقيم الإسلامية، ولم يغتروا بكثرة الهالكين والساقطين، وإنما ثابروا واجتهدوا وصبروا على مشاق هذا الطريق المحفوف بالمخاطر والصعاب.

ولكن ... إلى متى؟؟!!

إلى أن يغنيهم الله سبحانه وتعالى من فضله، ويفتح عليهم باب مخرج وفرج، ويرزق كل واحد منهم امرأة صالحة تكون معينة له على تجنب تلك الآفات والعثرات التي في الطريق، ولسان حال كل واحد منهم: يدي في يدكِ رفيقتي لمجابهة الصعاب، وتحديات المستقبل، ولنبني أسرة نموذجية في التمسك بالمبادئ والأخلاق الإسلامية.

ومع اهتمام الشاب بلباس التقوى، وابتعاده عن المحرمات والمنهيات، وتوكله على رب الأرض والسماوات، فإنه في حقيقة الأمر يسهل على نفسه الدخول إلى بستان الحياة الزوجية، ويفتح على مجمل حياته المستقبلية باب من أفضل الأبواب للعيش السعيد مع زوجته وأبنائه، وإن صعبت حياته أحيانا وظهر في طريقه بعض الصعاب والمحن فلن يستمر ذلك طويلا، والفرج آتي ولو بعد حين من الله تبارك وتعالى على نفسه وأهل بيته.

قال الله عز وجل ( وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا (2) وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْرًا ) سورة الطلاق: 2-3.

إن إقدام الشاب على الزواج من امرأة صالحة مخلصة لهو الفوز الحقيقي، وهو المؤدي إلى سكن النفس، وضبط الاستقامة، وإصلاح السلوك، بل يكون قد حقق شطر الدين كما ورد ذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم، فعن أنس رضي الله عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ( من رزقه الله امرأة صالحة فقد أعانه على شطر دينه فليتق الله في الشطر الباقي ) رواه الطبراني في الأوسط والحاكم.

وإليك – أيها الشاب الموفق- هذه النصائح القيمة والرائعة، والتي هي أبيات من الشعر الجميل، توضح صفات الزوجة الصالحة، وكيفية الوصول إليها، فرحم الله قائلها وجزاه الله خير الجزاء:

يا مَنْ عَزَمْتَ عَلَى الزَّوَاجِ وَلَسْتَ تَدْرِي مَا هِيَه **وَتَعِيشَ حُرًّا مُسْتَقِرًّا فِي حَيَاةٍ رَاضِيَه

فَاخْتَارَهَا لِدِيْنِهَا وَذَاتَ أَخْلَاقِ عَالِيَه ** ورُوحُهَا جَمِيلةٌ وَذَات نَفْسٍ سَامِيَه

قَصيرةٌ لِسَانُها لِلسِّرِّ لَيْسَتْ فَاشِيَه **قَوِيَّةٌ عَزْمُهَا فِي الدّين لَيْسَتْ وَاهِيَه

صَبُورةٌ لِحَالِهَا عَنِ الْحَرَامِ لَاهِيَه ** غَيُوْرَةٌ لِزَوْجِهَا وَلِلأمور دَارِيَه

قَليلةٌٌ خُروجُها وَلَا تَكُونُ شَاكِيَه **قَصِيرَةٌ طَرْفُهَا عَنِ التَّطَلُّعِ عَامِيَه

رَقِيقةٌ كَلَامُهَا للمشكلات ناسِيَه **طَيّبٌ سَمتُها وَفِى الحديثِ دَاْهِيَه

تَقِيَّةٌ لِربِّهَا فِى الليل دَايْمًا بَاكِيَه **مُعينةٌ لَزَوْجِهَا حَتىَّ يَكُونَ دَاعِيَه

حَنُونةٌ أمُها لها نَصَائحٌ غالِيَه **قَليلةٌ طَلَبَاتُهَا وَلَا تَكونُ قَاسِيَه

حَفيظةٌ لبعدك وَهي لَكَ مُوَالِيَه **بَريرةٌ لِأَمرك وَإن حَزنت فَمُوَاسِيَه

وَلودةٌ وَدودةٌ في الحكم لَيْسَتْ قَاضِيَه **كَريمةٌ عَؤُدَةٌ تَكُون أُمًّا وَافِيَه

فَحُجْرَةٌ صَغِيرَةٌ تَكُونُ عِيشَةً هَانِيَه **وَمِهْنَةٌ بَسِيطَةٌ تَكْفِي الحيَاةَ الحَالِيَه

وَلُقْمَةٌ هَنِيئةٌ تكون للجوع كافِيَه **وَشَرْبَةٌ مَريئةٌ تَأْخُذُهَا بَيدٍ صَافِيَه

وَزَوْجَةٌ مطيعةٌ للأمر لَيْسَتْ عَاصِيَه **وَابْنَةٌ بَريئةٌ للجنة صَارتْ جَارِيَه

وَنَظْرَةٌ قَرِيرَةٌ مِنْ زَوْجَةٍ حَانِيَه ** وَبَسْمَةٌ لَطِيفَةٌ تُعِيدُ لَكَ الْعَافِيَه

فَهَذِي خَيْرُ مَتَاعِهَا وَهِيَ لَعَمْرِي فَانِيَه **ذَاك لمنْ أَرَادَ أَنْ يَحْيَى حَيَاةً ثَانِيَه

2) شريـك حياتـكِ .. ونصائـح ذهبيـة:

كذلك جاءت الوصايا النبوية القيمة في حق الفتاة المسلمة، فقد وصى نبينا الكريم صلى الله عليه وسلم الفتيات أن يتم قبول الخاطب على أساس الدين والخُلق، وأن لا يُقدّم الأمور الأخرى من منصب أو مال أو وسامة وجمال على هذا الأساسين المهمين في الحياة الزوجية.

فكل شيء يتلاشى ويزول مع مرور قطار العمر، فالمال ربما ينقص ويزول بعد برهة من العمر ويصبح المرء فقيرًا، والوسامة والجمال تزولان مع كبر السن ويصبح الوجه شاحبًا، وربما أصيب بمرض جلدي قبل ذلك مما حول ذلك الوجه ليصبح ذابل النضارة، والمنصب سوف يتركه عما قريب ويرحل عنه ويأخذه غيره ممن كانوا ينافسونه عليه، ولا يبقى - أيها الكرام - إلا الدين والخُلق.

فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ( إذا أتاكم من ترضون خلقه ودينه فزوجوه إلا تفعلوا تكن فتنة في الأرض وفساد عريض ) حسنه الألباني في صحيح ابن ماجه.

إن المتأمل للحديث السابق يرى أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يذكر فقط الدين دون الخُلق، وإنـما جمع الدين مع الخُلق، بل قدم الخُلق على الدين، وذلك لأهمية الأخلاق الحسنة في سفينة الحياة الزوجية.

فالتي تقبل بشاب عنده دين وليس عنده خُلق، فلا تلوم إلا نفسها إن توالت عليها المصائب والهموم والنكبات في حياتها، والسبب أنها لم تتقيد بهذه الوصية النبوية الرائعة في مسألة الاختيار. وكذلك التي ترضى بشاب عنده خُلق فقط ولا يحمل في حياته أي تمسك بالديانة والاستقامة، وغير محافظ على الطاعات والواجبات، فلا تلوم إلا نفسها إن توالت عليها المنغصات والمصائب والهموم والنكبات في حياتها.

ومن الأمور المهمة في هذا الباب أن لا يكون زواج المرأة إلا بموافقة ولي أمرها، فلا زواج إلا بولي سواء كان أبوها أو أخوها أو عمها مع شاهدي عدل، وكذلك القاضي الشرعي أو المسئول الأعلى له أن يزوجها إن رأى مصلحة للمرأة في ذلك، فقد قال صلى الله عليه وسلم ( لا نكاح إلا بولي وشاهدي عدل ) صحيح الجامع، وقال صلى الله عليه وسلم ( لا نكاح إلا بولي والسلطان ولي من لا ولي له ) صحيح الجامع.

إن على كل فتاة أن تتقي الله عز وجل في مسألة الاختيار، لأنها ربـما تُـبتلى قليلا بتأخر حظها ونصيبها في الزواج، فعليها أن تصبر وتحتسب الأجر في ذلك، وتنتظر الفرج من الله عز وجل، وتكـثر من طرق أبواب السماء بالدعاء، وتلجأ إلى الله عز وجل في كل وقت لعلها تصيب ساعة إجابة.

وإن أقبل يوما ما خاطبٌ وطرق باب المنزل وهو ليس على جادة الصواب فعليها أن ترفضه بكل قناعة ورضا, وتُـردد في أعماق نفسها تلك الوصايا النبوية التي تتعلق بالحياة الزوجية وكيفية اختيار شريك الحياة، فالسعادة كل السعادة تكمن في طاعة الله ورسوله صلى الله عليه وسلم، قال الله عز وجل ( وَمَنْ يُطِعْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا ) الأحزاب: 71.

ولتعلم كل فتاة ولتثِق أن الله تعالى لن يضيّعها لتركها شيئًا لأجله سبحانه ، وأنّ مِن حِفظ الله للعبد أن يكافئه على ما عمله خالصاً لأجله. ولا تنسِ - أيتها الأخت الكريمة - أنّ الله شكور ومِن شُكره أن يثيب العبد على عمله بأكثر مِما يستحقه، فلا تخشِ الفقر ولا تخشِ مصيبةً ما دمتِ تركت ذلك لوجه الله .

3) غـلاء الـمهـور وأضـراره..

إن المهر من حق المرأة على الزوج، ولا يجوز لأقرب الناس إليها أن يأخذ منه شيئًا إلا برضاها وموافقتها على ذلك، قال الله عز وجل ( وَآتُوا النِّسَاءَ صَدُقَاتِهِنَّ نِحْلَةً فَإِنْ طِبْنَ لَكُمْ عَنْ شَيْءٍ مِنْهُ نَفْسًا فَكُلُوهُ هَنِيئًا مَرِيئًا ) النساء: 4.

قال سيد سابق في فقه السنة المجلد:2 صفحة:204 ما نصه: وآتوا النساء مهورهن عطاء مفروضًا لا يقابله عوض. فإن أعطين شيئًا من المهر بعدما ملكن من غير إكراه ولا حياء ولا خديعة – فخذوه سائغًا، لا غصة فيه، ولا إثم معه.اهـ

أما عنه تحديد المهر فلم تجعل الشريعة الإسلامية حدًا معينًا، حيث أن الناس يتفاوتون في الغنى والفقر، وكذلك تربطهم عادات وتقاليد متباينة، يتشبث بها البعض بشرط أن لا تكون مخالفة للشريعة السمحة، لذا جُعل تحديد المهر موكول بحسب الزمان والمكان، وحسب العرف الذي تعارفوا عليه، دون مبالغة وإسراف ومجاوزة الحد في ذلك.

إن في هذا الزمن الذي طغت فيه الماديات والمصالح، وكثر فيه حب الظهور والتفاخر في مختلف مجالات الحياة، نجد أن بعض الفتيات المقبلات على الزواج تتنافس في جلب الموضات من ملابس وكماليات وغيرها من الأمور بأسعار باهظة الثمن ربما تُـكلَّف المئات أو الآلاف من الريالات، مما أدى إلى أن المهور ترتفع تدريجيًا وبشكل مخيف وتنذر بخطر على المجتمع والفرد إن لم نتدارك الأمر على مستوى الأسرة أو المؤسسات الإصلاحية أو الإعلام الموجه، من خلال توعية الفتيات والأهل بأهمية تقليل المهور وتخفيفها على الشباب المقبلين على الزواج، وربما كان هذا السبب في جعل الكثير من الشباب يعزفون عن الزواج ويتثاقلونه بحجة عدم استطاعة تسديد فاتورة الزواج من مهر وغيره من مصاريف الزواج.

قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: لا تغلوا صدق النساء فإنها لو كانت مكرمة في الدنيا أو تقوى في الآخرة كان أولاكم بها رسول الله " رواه الخمسة وصححه الترمذي.

وقال عبد الله بن جار الله في كتاب الزواج وفوائده وآثاره النافعة: الحذر كل الحذر من التغالي في المهور لأنه من الطمع المذموم وقد يمنع المتقدم إلى خطوبة ابنتك أو أختك وبهذا تكون قد جنيت عليها وحرمتها من متعة الزواج الذي هو حق وأمل كل فتاة.

وكل زواج يتم بمهر بسيط وعدم كلفة في إقامة الفرح فإن الله سبحانه وتعالى يوفق بين الزوجين ويكون زواجهما مباركًا، وكل زواج يبذر فيه سواء كان مهرًا أو إقامة فرح كبير يعج بالبذخ وبالمطربات وآلات اللهو المنهي عنها شرعًا لا يبارك الله فيه ويكون مآله للفشل، وما أكثر ما حصل من هذا النوع جنب الله الجميع طرق الزلل.

وفي النسائي: أن أبا طلحة خطب أم سليم ( الرميصاء بنت ملحان ) ، فقالت: والله يا أبا طلحة، ما مثلك يرد ولكنك رجل كافر، وأنا امرأة مسلمة، ولا يحل لي أن أتزوجك، فإن تسلم، فذاك مهري، وما أسألك غيره، فأسلم فكان ذلك مهرها، قال ثابت: فما سمعنا بامرأة قط كانت أكرم مهرًا من أم سليم، فدخل بها، فولدت له. أخرجه النسائي 6/114 في النكاح: باب التزويج على الإسلام، وإسناده صحيح. اهـ

إن من يتأمل هذه القصة التي سطرتها الرميصاء بنت ملحان رضي الله عنها وما تحمله من جلائل الأعمال، ليتعجب من صنيعها والفعل الذي قامت به، فقد كتبت قصة تميز تكتب بماء الذهب، فأين فتيات الإسلام من هذه المرأة الجليلة التي جعلت همها الإٍسلام والدعوة إليه ولو كان الأمر يتعلق بها شخصيًا.

إنها لم تكتفِ بالرفض فقط، وإنما استغلت هذا الموقف العاطفي لصالح الدعوة وهداية الناس للطريق المستقيم، وذكرت سبب الرفض أنه كافر وهي مسلمة، بل العجيب أنها أثنت على أبي طلحة وهو كافر، انظروا العدل في الإٍسلام ولو مع من يخالفنا في المعتقد، قالت له ( ما مثلك يرد ) بمعنى مثلك لا يرد لما تحمله من خصال جميلة وأخلاق رائعة ولكن أنت كافر وأنا مسلمة فلا يجوز أن أتزوج بغير مسلم.

عملا بقول الله عز وجل ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِذَا جَاءَكُمُ الْمُؤْمِنَاتُ مُهَاجِرَاتٍ فَامْتَحِنُوهُنَّ اللَّهُ أَعْلَمُ بِإِيمَانِهِنَّ فَإِنْ عَلِمْتُمُوهُنَّ مُؤْمِنَاتٍ فَلا تَرْجِعُوهُنَّ إِلَى الْكُفَّارِ لا هُنَّ حِلٌّ لَهُمْ وَلا هُمْ يَحِلُّونَ لَهُنَّ ) الممتحنة: 10، ولقوله عز وجل ( وَلا تَنْكِحُوا الْمُشْرِكَاتِ حَتَّى يُؤْمِنَّ وَلأَمَةٌ مُؤْمِنَةٌ خَيْرٌ مِنْ مُشْرِكَةٍ وَلَوْ أَعْجَبَتْكُمْ وَلا تُنْكِحُوا الْمُشْرِكِينَ حَتَّى يُؤْمِنُوا ) البقرة: 221.

والأعجب ما في القصة أن أم سليم طلبت أن يكون مهرها دخول أبي طلحة في الإسلام، وقد علم الله سبحانه وتعالى صدقها في ذلك، فوفق أبا طلحة للهداية وأعلن إسلامه وتزوج من هذه المرأة المتميزة، وكل أعمال الخير التي قام بها أبو طلحة بعد إسلامه تكون في ميزان حسنات هذه المرأة الفاضلة التي دعت إلى الهدى بالأسلوب الحسن والكلام الطيب.

جاء في حديث عن حذيفة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال ( من سن خيرا فاستن به كان له أجره ومثل أجور من تبعه غير منقص من أجورهم شيئا ) رواه أحمد والحاكم وقال صحيح الإسناد. وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال صلى الله عليه وسلم ( من دعا إلى هدى كان له من الأجر مثل أجور من تبعه لا ينقص ذلك من أجورهم شيئا ) رواه مسلم وغيره.

ولا يعني من هذه القصة الرائعة مطالبة الفتيات أن يتنازلن عن مهورهن، ولكن المقصد من ذكرها هو كتابة قصة تميز قبل الزواج أو بعد الزواج، وذلك بتخفيف المهر على الشاب المتقدم مثلا، وأن يكون في حدود المعقول، وتخفيف المهر في الحقيقة يدلل على شعور الفتاة وحبها ومراعاتها لمن تقدم لها وخاصة إن كان الشاب متعسر مادياً، وما من شك أن هذا سوف يزيد محبة الشاب وتعلقه بهذه الفتاة التي راعت ظروفه من أجل بناء حياة سعيدة ومطمئنة مع بعضهما البعض.

إخواني .. أخواتي ..

إن كانت تلك الكلمات السابقة موجهة بشكل خاص لأولياء الأمور والفتيات والداعيه إلى تقليل المهور، فكذلك لا بد من كلمة أوجهها للشباب المتقدم، فالبعض منهم ربما يريد أن يحصل على الفتاة بكل بساطة ويسر، وهنا نقول أن اللؤلؤة يُبحَث عنها في أعماق البحار مع تكبد مشقة الحصول عليها، وجهد كبير وتحمل كثير في الوصول إليها.

فهل تُرى تريد أن تحصل على هذه اللؤلؤة بكل سهولة ويسر، دون عناء أو مشقة؟؟ بالطبع لا.. لا بد من تقديم الغالي والنفيس حتى تفوز بهذه المرأة الصالحة وتكون من نصيبك أنت دون سواك، لتأخذها إلى مكان آمن ومستقر، وتحفظها من عبث العابثين، وهذا يحثك - أخي الحبيب – على أن تثابر وتجتهد في البحث عن عمل يناسب مؤهلك الدراسي - إن كنت لا تعمل - وتجتهد في طلب الرزق حتى تجمع المال وتستطيع الفوز بهذه الفتاة الصالحة وتكون من نصيبك.

4) الإسراف فـي الأفـراح:

إن ما يحصل في بعض حفلات الأفراح من إسراف وتبذير لا بد أن يعاد النظر فيه وأن نحاسب أنفسنا، ونحاول قدر المستطاع أن يكون الإنفاق معتدلاً ومناسباً لأحوالنا، قال الله عز وجل ( وَلاَ تُبَذِّرْ تَبْذِيرًا (26) إِنَّ الْمُبَذِّرِينَ كَانُواْ إِخْوَانَ الشَّيَاطِينِ وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِرَبِّهِ كَفُورًا ) الإسراء: 26-27.

وقد أخبر عز وجل أن من صفات المؤمنين التوسط والاعتدال في الإنفاق فقال تعالى ( وَالَّذِينَ إِذَا أَنْفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا وَكَانَ بَيْنَ ذَلِكَ قَوَامًا ) الفرقان: 67.

إن الإسراف والتبذير داء فتاك يهدد الأمم والمجتمعات، ويبدد الأموال والثروات، وهو سبب للعقوبات والبليات العاجلة والآجلة. ويؤدي بصاحبه إلى الكبر وطلب العلو في الأرض.

قال صلى الله عليه وسلم: (كلوا واشربوا وتصدقوا من غير سرف ولا مخيلة ) أخرجه الحاكم في المستدرك برقم ( 7188 ) وصححه من حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده مرفوعاً به. فالحديث يدل على أن الإسراف قد يستلزم المخيلة وهي الكبر .

(هنا حذف فقرة من سطرين من بداية: وكذلك الإسراف والتبذير..إلى وأفناها سوء التدبير)

وقد نهانا الله سبحانه وتعالى عن الإسراف وإضاعة المال ففي حديث المغيرة قال: سمعنا رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ( إن الله كره لكم ثلاثاً قيل وقال وإضاعة المال وكثرة السؤال) أخرجه البخاري في كتاب الزكاة برقم 1477 .

5) من حكم الزواج وفوائده: -

قبل البدء والتجول حول الحياة الزوجية وما تواجهها من صعاب وشدائد، فلا بد أن نعلم ما هي الحكمة من الزواج، وما الفوائد المترتبة في الدخول إلى عالم الحياة الزوجية.

قال أبو بكر الجزائري في كتاب منهاج المسلم .. من حكم الزواج: الإبقاء على النوع الإنساني بالتناسل الناتج عن النكاح، وحاجة كل من الزوجين إلى صاحبه لتحصين فرجه بقضاء شهوة الجماع، وتعاون كل من الزوجين على تربية النسل والمحافظة على حياته، وتنظيم العلاقة بين الرجل والمرأة على أساس من تبادل الحقوق والتعاون المثمر في دائرة المودة والمحبة والاحترام والتقدير.اهـ

بل عند الإقبال على الزواج، وارتباط الشاب بفتاة عن طريق عقد شرعي، سوف يُدفع عن الفرد والمجتمع الكثير من الشرور والجرائم والأحداث المؤلمة التي أصبح العالم يئن منها وخاصة في بلاد الإباحية والتحرر.

وسوف يقلل من الوقوع في فاحشة الزنا، وتنضبط الشهوة لدى الشباب والفتيات، مما يعين الشباب على غض البصر وحفظ الأعراض، فتقل جرائم الاغتصاب التي يندى منها الجبين كما هو حال الغرب الآن.

وتشير الإحصائيات إلى أن جرائم انتهاك الأعراض من قبل العزاب تفوق بنسبة أكبر من المتزوجين الذين أنشئوا أسرة وبيت، وهذا ربما نابع من ضبط هيجان الشهوة، وكذلك استشعار المتزوج أن وراءه مسؤولية من زوجة وأولاد فإن لم يحافظ عليهم سوف يضيعون في معترك هذه الحياة، أما غير المتزوج فإنه لا يراعي هذا الجانب لمحدودية المسؤولية التي على عاتقه.

قال الدكتور فهد التميمي في مجلة البلاغ العدد رقم 862: ومعلوم أنه كلما كثر الزواج في المجتمع الإسلامي وبكر فيه، فذلك من أكبر العوامل على طرد الزنا وتقليله في المجتمع الإسلامي. وذلك لما في الزنا من الخطر على الفرد والجماعة من كونه سببًا في تفتيت الأسرة، وتشريد الأولاد، وكثرة اللقطاء، وانتشار الأمراض الجنسية المتعددة.اهـ

6) أيها الزوج وأيتها الـزوجـة .. الزواج حب ومودة:

هل تتزوج لكي يقال أنك متزوج أم لكي تثبت قوتك على امرأة ضعيفـة أم لكي تفرغ شهوة عابرة دون أن تتأمل حقيقة الـزواج، قال الباحث جمال فيصل ( الزواج عفـاف للنفس، وغض للبصر وحفظ الفـرج، وحصول للذرية الطيبة، وتحـقيق للمودة والرحمة بين الزوجيـن ) اهـ.

فالزواج شركة رأس مالها الحب والمودة، وغرسها الإخلاص، وعطاؤها الإيثار والفداء والتضحية، وتربتها الرضا والقناعة، وشمسها الوضوح والصراحة، وسماؤها السكينة والطمأنينة، وبابها القبول وحسن الاختيار، وطعامها السلوى، وشرابها الماء السلسبيل، وكسبها سعادة الدارين، وحقيقة ثمرتها رضا الله تعالى ، وجائزتها وربحها جنات عرضها السموات والأرض .

قال الله تبارك وتعالى في كتابه الكريم ( هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَجَعَلَ مِنْهَا زَوْجَهَا لِيَسْكُنَ إِلَيْهَا... ) الأعراف: 189. جاء في التفسير الميسر: هو الذي خلقكم - أيها الناس - من نفس واحدة, وهي آدم عليه السلام وخلق منها زوجها وهي حواء، ليأنس بها ويطمئن. اهــ

وقال الله تعالى ( وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ ) الروم :21 .

جاء في التفسير الميسر تحت هذه الآية: ومن آياته الدالة على عظمته وكمال قدرته أن خلق لأجلكم من جنسكم - أيها الرجال - أزواجًا; لتطمئن نفوسكم إليها وتسكن. وجعل بين المرأة وزوجها محبة وشفقة, إن في خلق الله ذلك لآيات دالة على قدرة الله ووحدانيته لقوم يتفكرون, ويتدبرون. اهــ

هذا هو الزواج النافع والطيب الذي يؤسس على الإخلاص والتعاون والتناصح بين الزوجين، ويبنى على الحب والرأفة والاحترام، وعلى أن يكمل كل واحد منهما الآخر، ويعيشا في معزل عن العنف والشدة والبغضاء، بعيدًا كل البعد عن الخيانة الزوجيـة التي هي سلّم إلى تفكك قلبين محبين اجتمعا يوما ما على أساس متين وبناء متكامل.

لقـد أهتم رسولنا الكريم - محمد صلى الله عليه وسلم - بـهذا الجانب في الحياة الزوجية، ووصى الرجال بأن تكون معاملتهم لنسائهم معاملة لطيـفة ولينة، ونابعة من المودة والرحمة والشفقة بـهذا الجنس اللطيف الضعيف .

فعن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال ( من كان يؤمن بالله واليوم الآخر، فإذا شهد أمرًا فليتكلم بخير أو ليسكت، واستوصوا بالنساء، فإن المرأة خلقت من ضلع، وإن أعوج شيء في الضلع أعلاه، إن ذهبت تقيمه كسرته، وإن تركته لم يزل أعوج، استوصوا بالنساء خيرًا ) صحيح مسلم 3602. وقد فُسر الكسر بأنه الطـلاق.

وقال صلى الله عليه وسلم ( ألا واستوصوا بالنساء خيرًا، فإنما هن عوان عندكم ليس تملكون منهن شيئًا غير ذلك، إلا أن يأتين بفاحشة مبينة فإن فعلن فاهجروهن في المضاجع واضربوهن ضربًا غير مبرح، فإن أطعنكم فلا تبغوا عليهن سبيلًا. ألا إن لكم على نسائكم حقا. ولنسائكم عليكم حقًا. فأما حقكم على نسائكم فلا يوطئن فرشكم من تكرهون ولا يأذن في بيوتكم لمن تكرهون. ألا وحقهن عليكم أن تحسنوا إليهن في كسوتهن وطعامهن ) سنن الترمذي 1159. قال أبو عيسى: هذا حديث حسن صحيح.

وعندما نتأمل قوله عليه الصلاة والسلام ( فإنما هن عوان عندكم ) والعاني هو الأسير، يعني هن كالأسيرات، فتأمل – حفظك الله - دقة الوصف لنبينا الكريم عليه الصلاة والسلام ، وهو يصف المرأة المتزوجة كأنها أسيرة عند زوجها.

وإنها في حاجة إلى من يعيلها ويعينها ويقف معها وقفة جادة وصادقة، ويكمل عليها قوامته الرجولية التي أمره الله عز وجل، بعيدا عن الأنانية والكره والتهميش، وبعيدا كل البعد عن الإذلال والتعنيف والانتصار للنفس الذي ربما يؤجج القلوب، وينذر بخطر وخيم على الساحة الزوجية المستقرة.

قال عبد الرحمن عبد الخالق في كتاب الزواج في ظل الإسلام : جاء الإسلام بـما يكفل سعادة الزوجين وإحسان معاشرة كل منهما للآخر، واستمتاعه به على أكمل وجه وأحسن صورة. فقد جاءت الآيات الكثيرة التي تأمر الرجال بإحسان معاشرة النساء، وإمساك المرأة التي يرى الرجل فيها ما يكرهه رجاء أن يبارك الله له فيها كقوله سبحانه وتعالى ( وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ فَإِنْ كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْرًا كَثِيرًا ) النساء:19.

وعن عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ( خيركم خيركم لأهله وأنا خيركم لأهلي ) رواه ابن حبان في صحيحه. إن أفضلكم عند الله منزلة من كان أفضلكم وأحسنكم عند أهله، فأهله يحبونه ويحترمونه لمعاملته الحسنة والله يحبه من أجل ذلك، إن الذي ليس فيه خير لأهله ليس فيه خير لنفسه أو للناس خارج الأسرة.

وفي حديث آخر عن النبي صلى الله عليه وسلم حيث قال ( لا يفرك مؤمن مؤمنة، إن كره منها خلقًا رضي منها آخر ) رواه أحمد ومسلم، والفرك هو الكراهية. وقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم خير مثال على حسن المعاشرة وطيب الخلق. اهـ

جاء في كتاب كيف تختار شريك حياتك: للوصول إلى درجة الراحة النفسية والجسدية التي تأتي عن طريق المودة والرحمة والألفة بين الزوجين. ودون هذه الراحة تستحيل الحياة وتتحول إلى جحيم لا يطاق.

يقـول الله عز وجل ( هُنَّ لِبَاسٌ لَكُمْ وَأَنْتُمْ لِبَاسٌ لَهُنَّ ) سورة البقرة الآية 187، فإن راحة المجتمع وتطوره في راحة أفراده من الرجال والنساء، وأي خلل يصيب الأفراد في شؤونـهم الخاصة والعامة يصيب المجتمع بأسـره.اهـ

فأين نحن من قراءة القرآن الكريم والعمل بـما جاء فيه؟؟ وأين نحن من الإطلاع على سيرة المصطفى صلى الله عليه وسلم والعمـل بما جاء فيها من الأقوال والأفعال والأعمال؟؟

إن التقصير الحقيقي في الحياة الزوجية ينبع في الأساس من الجهل، وضعف التوحيد، وقلة الخشية من الله عز وجل، وسوء التربية من قبل الوالدين، وكذلك تقصير بعض المؤسسات التعليمية والإرشادية في هذا الجانب، وعدم تخصيص مواد في الآداب العامة، وقلة البرامج التوعوية والأنشطة التي تعنى بالجانب الأخلاقي، وكيفية تأسيس جيل ينشأ على الأخلاق الحسنة، واحترام سلوكيات الناس، وفن الحوار والخطاب، وإعطاء الآخرين حقوقهم وعدم هضمها.

جاء في ختام كتاب حقوق الأسرة في الإسلام: فإن الاقتراح الذي أراه أن يكون في نظام الأسرة من ضمن المقررات الدراسية في مراحل التعليم على اختلاف مستوياتها وأنواعها.

وأن يوجه الإعلام لكل ما يخدم الأسرة ويحفظ تماسكها، ويضمن كريم الأخلاق لها، وأن يجتهد المسلمون في تطبيق الإسلام في واقع حياتهم، انطلاقًا من الأسرة باعتبارها قاعدة الإصلاح والتوجيه، ليثبتوا للعالمين أجمعين عظمة الإسلام وصلاحيته لكل زمان ومكان إلى قيام الساعة. اهـ)1(

وقال صالح بن محمد آل طالب في خطبة بعنوان عوائق في طريق الزواج بتاريخ 02/06/1426هـ : إن الواجب على الوالدين وأهل التربية والتعليم والقائمين على المناهج وأرباب الأقلام والإعلام أن يبذلوا جهودًا مخلصة للتوعية والتثقيف للبنين والبنات.

وما الفائدة من الدراسة سنين طويلة إذا كانت لا تُعلِّم مبادئ الحياة؟! إن الجميع بحاجة ماسّة إلى التربية قبل الزواج على كيفية الالتزام بحدود الله في النكاح، والتعبّد لله بالعشرة بالمعروف والخلق الحسن، والتعاون على البرّ والتقوى، والبُعد عن الأنانية.

وكذا إدراك مفهوم القِوَامة الشرعي والإقرار به، وأنه حفظ وصيانة وضبط وتربية وحسن إدارة ومسؤولية يُسأل عنها يوم القيامة، ففي الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم قال (( كلكم راعٍ وكلكم مسؤول عن رعيته، فالرجل راعٍ ومسؤول عن رعيته، والمرأة راعية في بيت زوجها ومسؤولة عن رعيتها )) اهـ.

يقول الشيخ أبو الأعلى المودودي في كتاب الحجاب: قد أفرد الإنسان عن الحيوان وذكر من خاصته أن له من وراء الزوجية مقصدًا أسمى وأجل، وهو أنه يجب ألا تكون بين الزوجين علاقة شهور فحسب، بل تكون بينهما علاقة حب ومودة وأنس وعلاقة تألف بـها القلوب وتتصل الأرواح، ويكون أحدهما موضع سر للآخر، وشريكه في البؤس والرخاء، , ويكون بينهما من الملازمة والاتصال الأبدي ما يكون بين الجسد والثوب.اهـ

نعم يجب أن لا تكون بين الزوجين علاقة شهور فحسب، وإنـما علاقة طويلة تحفها السعادة والاستقرار والاحترام المتبادل، ومن أهم الأمور لاستمرار الحياة الزوجية السعيدة أن لا ننسى مفتاح القلوب ألا وهي ((الهدية)).

فالهدية لها الأثر الجميل في الحياة الزوجية، فهي تحرك القلوب والوجدان، وتغير المواقف، وتلين الأنفس، فيا ترى الزوج كم هدية يهدي لزوجته في السنة، وكم هدية تهدي الزوجة زوجها في السنة؟

عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ( تهادوا تحابوا ) رواه البخاري في الأدب المفرد، وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال صلى الله عليه وسلم ( تهادوا فإن الهدية تذهب وحر الصدر) رواه الترمذي.

إن الهدية منهج نبوي لفتح القلوب المقفلة، ولتحسين العلاقات بين المتخاصمين، ولزيادة المحبة والألفة لدى المحبين، ولدفع الحسد والبغضاء من الصدور، إنها والله لكلمات بسيطة من نبينا صلى الله عليه وسلم ولكن تحمل في طياتها معاني كبيرة ورائعة، فهلاّ حرصت عليها في حياتك.

7)وقفة مع مشكلات ومطبات في الحياة الزوجية :

أيها المسلم الموفق.. إن من جرب الحياة الزوجية فلا بد أن يجد في بداية الأمر بعض المطبات أو العوائق أو المشكلات التي سوف يصطدم بـها وهو يبحر في هذه الحياة الجديدة مع رفيقة دربه وقرة عينة، لأنه في حقيقة الأمر يتعامل مع جنس جديد لم يعتد عليه من قبل.

وربما تبدأ تلك المطبات والمشكلات تكبر شيئا فشيئا دون أن يأخذ الزوجين القرار المناسب للجلوس على طاولة المفاوضات من أجل الوصول إلى الحلول المناسبة، أو البحث عن علاجات ناجعة، وإنما تترك المشاكل حتى تنموا وتتضخم يوما بعد يوم فيتفاقم الأمر بينهما ويصعب إيجاد المخرج ، ومن ثم يتم التفكير في الانفصال أو اللجوء إلى المحاكم بعد ما تأججت نفوسهم بالبغضاء والشحناء والشقاق.

وإليكم هذه القصة المؤثرة حيث يقول فيها الراوي: أذكر قصة لجارتنا ( من دولة عربية ) حدثت منذ زمن عندما كنت صغيرًا، كان زوجها شديد الغضب بشكل لا يمكن تصوره لدرجة أنني لا أذكر يوم أبتسم أنه في وجهي وإذا أبتسم مره فهي مجاملة فقط وزوجته المسكينة الطيبة كانت الضحية طبعًا.

كان الزوج دائمًا يعتدي عليها بالضرب ويصرخ عليها ووصل به الأمر يوما من الأيام أن قام بطردها إلى خارج البيت.إلى أين ستذهب هذه الضعيفة في غربتها ؟ حيث أنهم يعيشون في منطقتنا ولكنهم من دولة عربية أخرى ولا تعرف هذه المرأة أحد فيها.

جلست أمام بيتها تبكي إلى أن تدخل الجيران وأصلحوا بينها وبين زوجها.هي لم تخطئ بشيء ولكن عصبية الزوج الزائدة جعلته لا يحتمل أي شيء منها، واستمرت المراسلات بين أمي وهذه المرأة عدة شهور ومن ثم انقطعت نهائيًا ولا نعلم عنها أي شيء حيث أننا انتقلنا من ذلك البيت في تلك المنطقة، هذه قصة عايشتها بنفسي. اهـ

انتهت القصة وقد رأينا كيف أن حالة الغضب، والكبر، وعدم ضبط النفس، وموت المودة والرحمة من القلب، وتهميش الطرف الآخر، تجعل البيوت تتحول إلى شقاء وهموم وتفكك، وربما يكون الواحد لديه مشاكل في العمل فيخرج جم غضبه على زوجتـه المسكـينة أو على أولاده المساكين الذين ليس لهم علاقة بمشكلات عمله.

إن كان الزواج سوف يتحول إلى شقاء وهموم ومتاعب وتقصير في الحقوق الزوجية، فأي رجل أو امرأة يحبذون الانضمام إلى تلك الحياة الزوجية التي تحمل في طياتها ظلام دامس، ورؤيا غير واضحة المنال؟! وهي أقرب إلى غابة مخيفة يأكل فيها القوي الضعيف.

لقد كثر الشقاق والخلاف في كثير من بيوت المسلمين، ومعدلات الطلاق في ازدياد، وإن لم نتدارك الأمر سوف يؤدي ذلك إلى مآسي اجتماعية وتتفكك أسر مستقرة، وإلى زيادة الشحناء والبغضاء، وتنامى ذلك في ربوع المجتمعات المطمئنة وانتقال العدوى إليها، ويعيش الأبناء حياة اليتم مع وجود أقرب المقربين إليهم.

بل وربما بعض الأبناء بسبب سوء تربية والديهم لهم وعدم الاهتمام برعايتهم، اتجهوا إلى طريق الشهوات المحرمة أو سقطوا في أوحال الضياع والدمار من شرب المسكرات والمخدرات أو سلكوا بوابة الإجرام والفساد من خلال التعرض للآمنين من الناس أو التعرض لأموالهم بالسلب والنهب، وغيرها من الآفات والمهلكات التي تنذر بضياع الفرد والمجتمع.

وصدق أحمد شوقي حين قال:

ليس اليتيم من انتهى أبواه من هم الحياة وخلفاه ذليلًا

إن اليتيم هو الـذي تلقى له أما تخلت أو أبا مشغولًا

إن ضياع بعض الأبناء والبنات ربما يكون كذلك بسبب انفصال والديهم، وترسّخ تلك الصور المشينة من مشاكل وعنف وتراشق بالكلمات البذيئة التي حصلت بين الأب والأم مما غير نفوسهم وجعلهم يستنكرون حالهم البائس، وكذلك هربا من الواقع المرير الذي يعيشون فيه، وتخوفا من تكرار ذلك المسلسل المحزن في حياتهم المستقبلية عندما يتزوجون، وأن لا يجدوا ذلك القلب الذي يحتويهم ويعطيهم جرعة من المحبة والشفقة، ويأخذ بأيديهم إلى ساحل النجاة وبر الأمان.

فلا يوجد مثل دفء الأسرة واستقرارها، ولو تم البحث عن إيجاد دار رعاية أو مأوى لاحتواء الابن والبنت والترعرع فيها، فلن يجدوا إلا محضن الأسرة بين يدي الأب لتوصيل شحنات من المودة والرحمة، وصدر الأم لتروية عواطفهم الجياشة بالحنين والحب والشوق.

قالت الدكتورة فاطمة عمر نصيف في كتاب الأسرة المسلمة في زمن العولمة : إن الإنسان البشري (ذكرًا كان أو أنثى) مفتقر إلى تلك النعمة ( الأسرة ) في كل مراحل حياته.

فالطفل مثلًا احتياجه للأسرة أشد، وحاجته إلى أمه وأبيه حاجة أساسية فإن حُرم منها نشأ ( غالبًا ) مبتور العاطفة، محرومًا من السلام النفسي، غير سوي في سلوكه وتعامله. ولا تستطيع أي مؤسسة - كدور الحضانة أو الكفالة أو الملاجئ - أن تقوم مقام المنزل ( الأسرة ) مهما توفرت أسباب الرعاية والعناية والإيواء اللازمة له. اهـ

ولتعلم -أيها الزوج - أن الشيطان يبعث سراياه وجيوشه لبث الفتنة والشقاق بينك وبين زوجتك، وأنه أفضل منزلة عنده هو ذاك الذي يفرق بين الزوج وزوجته، ثم يتخلى الأب عن أولاده وبناته الذين ترعرعوا في تلك الأسرة التي كانت يوما ما تحفها المحبة والاستقرار والعاطفة ، فحصول هذا الفراق بينك وبين أسرتك وتشتتها وضياعها أحب شيء إلى إبليس - أبعده الله -

عن جابر رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال ( إن إبليس يضع عرشه على الماء ثم يبعث سراياه فأدناهم منه منزلة أعظمهم فتنة، يجيء أحدهم فيقول: فعلت كذا وكذا، فيقول: ما صنعت شيئا، ثم يجيء أحدهم فيقول: ما تركته حتى فرقت بينه وبين امرأته فيدنيه منه ويقول نعم أنت فيلتزمه ) رواه مسلم وغيره.

لذا لا يخفى على أحد أن أغلب حالات الطلاق تقع في ساعات الغضب والشدة، فإن الغضب جمرة في قلب أبن آدم، ويأتي الشيطان في هذا الموقف العصيب ليزيد في إشعال النار حتى يبدأ كلا من الزوجين بترديد على ألسنتهم ومسامعهم كلمات الطلاق والفراق والبعد عن بعضهما البعض.

لهذا جاءت الوصايا النبوية تحذر من الغضب، وتدعوا إلى كظم الغيظ، وأن نتواصى بالحق والصبر، وأن يلبس كل واحد منا لباس الحلم والتسامح والعفو عن الناس، فعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رجلا قال للنبي صلى الله عليه وسلم: ( أوصني، قال: لا تغضب، فردد مرارا، قال: لا تغضب ) رواه البخاري .

وعن أبي هريرة رضي الله عنه، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال ( ليس الشديد بالصرعة إنما الشديد الذي يملك نفسه عند الغضب ) رواه البخاري ومسلم وغيرهما . وعن ابن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ( ما من جرعة أعظم عند الله من جرعة غيظ كظمها عبد ابتغاء وجه الله ) رواه ابن ماجه .

احذر من الانفعالات ومواطن الغضب – أيها الموفق – في الحياة الزوجية، وعود نفسك على ضبط النفس، وعلى تجرع المرارة التي تعتريك في بعض المواقف الصعبة، وتعلم فن احتواء الطرف الآخر، ولا يكون ذلك إلا بالتدرب والتعلم والتحلم والتصبر شيئا فشيئا حتى تكون هذه الأخلاق الحسنة منهاجاً لنا في حياتنا.

فعندما يعتريك غضب وشدة فاخرج من المجلس الذي أنت فيه أو توضأ وضوئك للصلاة أو تعوذ من الشيطان الرجيم الذي يصبوا إلى أن يعكر حياتك الزوجية ويحقق أبغض الحلال بينك وبين رفيقة الدرب، فاجتهد – رعاك الله - في تطبيق هذه الوصايا النبوية الرائعة لأنها تطفئ تلك الجمرة الملتهبة عند انتفاخ أوداجك، وتتحول حياتك الزوجية بعد ذلك إلى حياة مستقرة يتخللها الحب والسعادة والوئام وغض الطرف عن بعض الجوانب السلبية.

وينبغي على الزوجين أن يحرصوا كل الحرص على الصحبة الصالحة، فالصاحب ساحب إلى الخير أو إلى الشر، وهذه حقيقة لا بد أن ننتبه لها جميعا، فكم بيت قد انقطعت عنه أواصر المحبة التي كانت يوما ما موثّقة فيه، وتفرق قلبين كانا يعيشان في سعادة وطمأنينة وتسامح، وكل ذلك بسبب مصاحبة الأشرار، وعمل المقارنات فيما يتعلق بحياتهم الزوجية وبين حياة أولئك الذين ربما تتخللها شيئا من الرفاهية والترف الهالك.

فإن عمل المقارنات بين المتزوجين لبيوت الآخرين، وأن زوجاتهم كذا وكذا، وأبنائهم كذا وكذا، لهو باب من أبواب الشر، وطريق لدق ناقوس الهلاك، وعلى الزوجة كذلك أن تحذر من هذا الباب الخطير، ولا يوجد – أيها الزوج وأيتها الزوجة - مثل القناعة والرضا بما رزقنا الله تبارك وتعالى.

ورحم الله من قال:

إذا ما كنت ذا قلب قنوعٍ فأنتَ وماِلكُ الدنيا سواء

القناعة بالزوج أو الزوجة، والقناعة بالبيت، والقناعة بالأولاد، والقناعة بالمال، وغيرها من الأمور الحسنة والأخلاق الطيبة التي نحتاج أن نتخلق بها في هذه الحياة الزائلة، وحسبنا في ذلك نبينا محمد صلى الله عليه وسلم، فقد كان أفضل البشر وأحسنهم خلقا، وكان عيشه كفافا وقانع بما رزقه الله تبارك وتعالى، فعن فضالة بن عبيد رضي الله عنه أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول ( طوبى لمن هدي للإسلام وكان عيشه كفافا وقنع ) رواه الترمذي.

8) نصائح وإرشادات للمتزوجين والمتزوجات:

إن معرفة كل واحد واجباته ومسؤولياته تجاه الآخر، له دور في صلاح البيوت واستقرارها، وهذا لا يكون إلا بتعظيم هذه الحياة المقدسة، وإدراك إنها تندرج منها مسؤولية كبيرة، وأن الرجل محاسب عنها يوم القيامة، وسوف يسأل عن كل صغيرة وكبيرة، فقد قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (..والرجُلُ في أهلهِ راعٍ وهو مسؤولٌ عن رعيَّتهِ، والمرأةُ في بيتِ زوجِها راعيةٌ وهيَ مسؤولةٌ عن رعيَّتِها..) صحيح البخاري 2509.

نعم فهي مسؤولية على عاتقك أيها الزوج، وكذلك شريكة حياتك تتحمل جزء من المسؤولية.. فهلا حرصنا كل الحرص على الإخلاص في هذه المسؤولية الشاقة، وتأدية ما علينا من الأمانة والواجبات في الحياة الزوجية من إصلاح وتربية وإرشاد وتوجيه بين الزوج وزوجه وبين الزوج وأبنائه وبين الزوجة وأبنائها حتى تثمر تلك التربية الصالحة والمدروسة وينشأ من خلالها جيل صالح متربي على الأخلاق الفاضلة وعلى معالي الأمور بعيدا عن سفاسفها.

إن المتطلع للحياة الزوجية يرى أن الزواج كشركة من الشركات، إن صلح مسؤول الشركة ونائبه فإن الشركة سوف تنجح وتعلو، وإن فسدا فإن الشركة ربما تضطرب وتخسر وتضيع، فالمسؤول هو الزوج والنائبة هي الزوجة، وعلى كل واحد منهما حقوق وواجبات ينبغي أن يعلما ما هي.

قال إحسان الحلواني في خطبة الجمعة باسم المشاكل الزوجية ما نصه: فالله فرض للمرأة من الحقوق مثل ما فرض للرجل من الحقوق فقال تعالى ( وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ ) فللمرأة من الحقوق مثل الذي عليها من الواجبات.

( وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ ) والدرجة هي المسؤولية والقوامة، باعتبار أن الحياة الزوجية شركة لا بد لها من مسؤول واحد فقط، إذ لو كان فيها مسؤولان اثنان فإن الشركة تتخبط وتفشل، ولم نسمع في العالم كله أن هناك شركة لها مديران لهما نفس الصلاحيات والمسؤوليات، ولم نسمع في العالم كله أن هناك دولة مستقرة يديرها ملكين أو رئيسين، فوجود أكثر من مسؤول في مكان واحد يؤدي إلى تضارب في التوجيهات والأعمال.

والحياة الزوجية شبيهة بالشركة أو الدولة، فالمسؤول الأول فيها هو الزوج، ونائب الرئيس هي الزوجة، وبقية أعضاء الشركة هم الأبناء وأفراد الأسرة، فإذا انطبع هذا الشعور في ذهن الزوج إنه المسؤول الأول لكنه ليس مستبدًا وليست الكلمة الأولى والأخيرة دائمًا له، إنما يستشير ويطلب الرأي ويطلب النصح ويتقبله، فهذا رب شركة زوجية صالحة.

وأما إن ظن أن المسؤولية استبداد وعدم أخذ بالرأي وتسلط وعدم إقامة وزن لأحد ( مَا أُرِيكُمْ إِلاَّ مَا أَرَى وَمَا أَهْدِيكُمْ إِلاَّ سَبِيلَ الرَّشَادِ ) غافر:29. فإن فعل ذلك فإن رئاسته فاشلة وسيأتي يوم من الأيام يدير فيه هذه الأسرة لوحده ليس فيها غيره.اهـ

ولا يستقيم نجاح هذه الشركة الزوجية إلا إذا بُنيت على أساس متين، نابع من التناصح والتواصي فيما بينهما، والتعاون على البر والتقوى، وخاصة على عاتق الزوج مسؤولية شاقة وصعبة، وتحتاج إلى صبر وثبات،فإن رأى تقصير من زوجته أو أبنائه في الطاعة أو ارتكاب بعض المنهيات والمخالفات، عليه أن يبادر في تقديم النصيحة والتوجيه على طبق من الحب واللين والرفق، قال الله عز وجل ( وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا لا نَسْأَلُكَ رِزْقًا نَحْنُ نَرْزُقُكَ وَالْعَاقِبَةُ لِلتَّقْوَى ) طه:132.

إن دعوة الله عز وجل نبيه الكريم في هذه الآية إلى أمر أهله بالصلاة، وتصبير النفس على أدائها، وإقامتها على أفضل وجه، ليدلل على أهمية إقامة الصلاة والمحافظة عليها في الحياة الأسرية، وإنها ربما تكون سبب في استقرار البيوت وطمأنينتها.

وبما إن الآية الكريمة قد جاءت تأمر الرجل بتقديم النصح لأهله من أجل إقامة الصلاة والمحافظة عليها، فإن السنة النبوية كذلك قد جاءت تبين أهمية الصلاة لدى الأولاد، وأن يؤمروا بأدائها والمحافظة عليها، وترسيخ ذلك منذ نعومة أظافرهم، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ( مروا أولادكم بالصلاة وهم أبناء سبع سنين واضربوهم عليها وهم أبناء عشر وفرقوا بينهم في المضاجع ) رواه أبو داود.

إن هذا التوجيه الرباني والنبوي يؤكد على أهمية إقامة الصلاة في الحياة الأسرية، وعلى استقرار البيوت والدور، وإنه يعتبر حصنا منيعاً من وقوع المشاكل والعنف والأحداث المؤلمة التي قد تحصل، وما نراه من ازدياد حالات الطلاق والخلاف لربما يكون بسبب تهاون أحد الطرفين في هذا الجانب المهم، وربما البعض منهم يقول أننا نصلي دائما ومحافظين على الصلاة.

نعم.. ربما الواحد يصلي ولكن عندما يؤديها فهل هو يتم ركوعها وسجودها وخشوعها وسننها كما أمره الله سبحانه وتعالى ورسوله الكريم صلى الله عليه وسلم. فالله عز وجل يقول ( وَأَقِمْ الصَّلاةَ إِنَّ الصَّلاةَ تَنْهَى عَنْ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ ) العنكبوت: 45. إن هذه الآية الكريمة تبين أهمية الصلاة على الفرد والمجتمع والشعوب، وتدعم تلك الدعائم الأساسية لبناء حياة سعيدة بين الزوجين من خلال إقامة هذه الشعيرة والمحافظة عليها.

وذلك لأن إقامة الصلاة أولا هي عبادة نتعبد بها إلى الله عز وجل، وثانيا لأنها من آثارها الطيبة أنها تنهى عن الفحشاء والمنكر، وثالثا إن الانتظام في المحافظة عليها والتسابق إليها يعلم تقديم الأولويات في الحياة من الأهم فالمهم، ورابعا في حق الرجال أن المصلي مع الجماعة تكسبه أصحاب ومعارف يتناصحون ويتشاورون فيما بينهم ويتعاونون على الخير.

هذا ما كان في حق شعيرة الصلاة وأثرها على الحياة الزوجية، و هناك باب أخر وفي غاية الأهمية ولا بد من الإشارة إليه، فقد تهاون فيه من تهاون واجتهد فيه من اجتهد، فمن تمسك به لن يضيعه الله عز وجل، بل سوف يحقق أمانيه ويسهل أموره وتدفع عنه الشرور والمصائب، إنه باب الدعاء واللجوء إلى الله عز وجل.

هذا الباب الذي قد قصر فيه الكثير منا، فربما لا تجد إلا القليل القلة من يرفع يديه إلى السماء، ويطلب من الله تبارك وتعالى أن يصلح أبناءه وزوجته، وأن يعينه على أداء الأمانة وتحمل المسؤولية، وقبل هذا كله أن يمنَّ عليه بزوجة صالحة، فالدعاء هو العبادة، وهو طريق الأنبياء والمرسلين الذين سلكوه وتشبثوا به حتى في مسألة الزواج وصلاح ذريتهم.

ولنتأمل دعاء موسى عليه الصلاة والسلام عندما رأى ابنتي الرجل الصالح، وما يحملن من صلاح وأدب وعفة وبعد عن مظان الريبة، فعندما سألهما موسى عليه الصلاة والسلام عن حالهن، قالتا ( لا نَسْقِي حَتَّى يُصْدِرَ الرِّعَاءُ وَأَبُونَا شَيْخٌ كَبِيرٌ ) القصص:23. وذلك لأنهن كانتا تسقيان المواشي وليس لهن المقدرة على مزاحمة الرجال والاختلاط بهم بسبب عجزهن وضعفهن، وكذلك لعفتهن وديانتهن، وبعدا عن الريبة والشك، وخوفا من الوقوع في الفتنة والمحظور.

وقولهن ( وَأَبُونَا شَيْخٌ كَبِيرٌ ) يبين أن خروجهن إلى العمل لحاجة وضرورة ملحة وهو عجز أبوهن عن سقي ماشيته، وكذلك يدل فعلهن على عدم اختلاطهن بالرجال في السقي، وإنما انتظرتا حتى ينتهي الرعاء من السقي ثم يبدأن في سقي المواشي، ثم بعد ما قضى موسى عليه الصلاة والسلام حاجتهن، ولى إلى ظل الشجرة واستظل بها، ودعا بدعاء قصير فيه الأدب مع ربه تبارك وتعالى، وأظهر الضعف والمسكنة ( رَبِّ إِنِّي لِمَا أَنزَلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ ) سورة القصص:24.

فهذا يدلل على أهمية الدعاء قبل الدخول إلى العش الزوجي، فنحن لا نعلم ما ينفعنا وما يضرنا عندما نكون مقبلين على الزواج، ولا نعلم صفات وأخلاق واستقامة الطرف الآخر، ولكن الله سبحانه وتعالى يعلم ولا تخفى عليه خافية.

أما بعد الدخول إلى البيت السعيد فلنتأمل ونتدبر هذه الآيات الكريمات، التي تظهر دعوات الأنبياء الكرام، وكيف أنهم طلبوا من الله عز وجل أن يرزقهم الذرية الصالحة وأن يحسن ويصلح حالهم مع زوجاتهم ويثبتهم على الإيمان والتقوى.

قال الله عز وجل ] وَٱلَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوٰجِنَا وَذُرّيَّـٰتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَٱجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا [ الفرقان: 74.

وحكى الله عز وجل عن إبراهيم الخليل عليه السلام أنه قال ( رَبّ هَبْ لِي مِنَ ٱلصَّـٰلِحِينِ ) الصافات:100 ، وقال تبارك وتعالى ( رَبِّ اجْعَلْنِي مُقِيمَ الصَّلاةِ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي رَبَّنَا وَتَقَبَّلْ دُعَاءِ ) إبراهيم:40.

وقال سبحانه وتعالى عن إسماعيل عليه السلام ( رَبَّنَا وَاجْعَلْنَا مُسْلِمَيْنِ لَكَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِنَا أُمَّةً مُسْلِمَةً لَكَ وَأَرِنَا مَنَاسِكَنَا وَتُبْ عَلَيْنَا إِنَّكَ أَنْتَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ ) البقرة:128 .

وقال سبحانه وتعالى عن زكريا عليه السلام ( هُنَالِكَ دَعَا زَكَرِيَّا رَبَّهُ قَالَ رَبِّ هَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ ذُرِّيَّةً طَيِّبَةً إِنَّكَ سَمِيعُ الدُّعَاءِ ) آل عمران:38. وقال كذلك عن زكريا عليه السلام ( وَزَكَرِيَّا إِذْ نَادَى رَبَّهُ رَبِّ لا تَذَرْنِي فَرْدًا وَأَنْتَ خَيْرُ الْوَارِثِينَ (89) فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَوَهَبْنَا لَهُ يَحْيَى وَأَصْلَحْنَا لَهُ زَوْجَهُ إِنَّهُمْ كَانُوا يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَيَدْعُونَنَا رَغَبًا وَرَهَبًا وَكَانُوا لَنَا خَاشِعِينَ ) الأنبياء: 89-90.

وتأمل قوله تبارك وتعالى في نـهاية هذه الآية الكريـمة ( إِنَّهُمْ كَانُوا يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَيَدْعُونَنَا رَغَبًا وَرَهَبًا وَكَانُوا لَنَا خَاشِعِينَ ) يبين أن استجابة الله عز وجل لدعائهم بسبب أنـهم كانوا يبادرون ويتنافسون إلى عمل كل خير، ويدعون الله راغبين فيما عنده، وخائفين من عقوبته، وكانوا له خاضعين متواضـعين.

بعد ما علمت فضل وأهمية الدعاء، وأنه طريق الأنبياء والمرسلين في طلب قضاء حوائجهم وإصلاح ذريتهم، فحري بنا أن نواظب عليه ونقتدي بهم في ذلك، ولا نمل ولا نكسل ولا نستعجل إجابة الدعاء، فربما الاستجابة تتأخر لبعض الموانع التي تخفى علينا.

عن أبي هريرة رضي الله عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ( لا يزال يستجاب للعبد ما لم يدع بإثم أو قطيعة رحم ما لم يستعجل، قيل: يا رسول الله ما الاستعجال؟ قال: يقول قد دعوت وقد دعوت فلم أر يستجب لي فيستحسر عند ذلك ويدع الدعاء ) رواه مسلم والترمذي. معنى يستحسر: أي يمل ويعيى فيترك الدعاء.

إن الإسلام يعلمنا سُبل النجاة من الفتن والهلاك في الحياة الزوجية ، ويرشدنا إلى كيفية التعامل مع الزوجات والأبناء، وكذلك إلى فضل الدعاء وأنه طريق الأنبياء والصالحين، وفي آيات أخرى يحذرنا الله تبارك وتعالى أشد الحذر من التربية السيئة ومن تضييع الأهل، وأنه ربما يكون ذلك الإهمال والتقصير وعدم التناصح والتواصي بالخير طريق يأخذنا إلى النار والعياذ بالله.

قال الله عز وجل ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلائِكَةٌ غِلاظٌ شِدَادٌ لا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ ) التحريم:6.

قال عبد الله القصير عن هذه الآيات في خطبة بعنوان الفتن في الأموال والأزواج والأولاد : ووقايتهم من النار إنما تكون بأمرهم بالصلاة، وتربيتهم على أنواع الطاعات، وتأديبهم إذا لم يجد فيهم النصح والإرشاد على ما قد يرتكبونه من المخالفات، والأخذ على أيديهم، وأطرهم على الحق أطرًا؛ لصيانتهم من اقتحام المحرمات. اهـ

إن من أشد الأمور وأصعبها – أيها الأفاضل - في الحياة الأسرية أن يضيع الرجل من يعول، فلا ينفق على زوجته وأبنائه، ولا يهتم بتربية أبنائه التربية الجادة، ولا يجتهد في تنشئتهم التنشئة الصالحة تحت ظل كتاب الله تبارك وتعالى وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم.

ولقد حذر النبي صلى الله عليه وسلم أولئك الذين يضيعون زوجاتهم وأبنائهم فلا ينفقون عليهم، ولا يسعون في الحفاظ عليهم من الموبقات والمهلكات، ولا يقدمون لهم النصيحة الطيبة، ولا يحذرونهم من الأشرار وأهل الفساد حتى لا يقعوا فريسة سهلة في أنيابهم المهلكة، والمحبطة للآمال والمضيعة للمستقبل المشرق الذي ينتظرهم.

عن عبدالله بن عمرو بن العاص رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ( كفى بالمرء إثـما أن يضيع من يقوت ) رواه أبو داود والنسائي والحاكم. وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ( إن الله سائل كل راع عما استرعاه حفظ أم ضيع حتى يسأل الرجل عن أهل بيته ) رواه ابن حبان في صحيحه.

إن الإسلام قد اعتنى عناية فائقة بالإعالة والإنفاق، ولا بد من احتساب الأجر في ذلك، وأن يدرك كل معيل أسرة أنه يتعامل مع ميزان الحسنات والأجور، فإن كانت اللقمة التي يضعها الرجل في فم زوجته يؤجر عليها، وكذلك الإنفاق على أسرته بطيب نفس، فأين المتنافسون من أولياء الأمور لكسب هذه الأجور التي قد تهاون فيها الكثير منهم؟

ففي الحديث الذي روى البخاري ومسلم من حديث أبي مسعود البدري ، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال ( إذا أنفق الرجل على أهله نفقة يحتسبها فهي له صدقة). وعن النبي صلى الله عليه وسلم قال (... وإنك مهما أنفقت من نفقة فإنها صدقة، حتى اللقمة التي ترفعها إلى في امرأتك.. ) صحيح البخاري. وعن العرباض بن سارية رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ( إن الرجل إذا سقى امرأته من الماء أجر ) الترغيب والترهيب للمنذري.

وكذلك عمل المعروف والإحسان إلى البنات والأخوات له فضل كبير، فعلى كل أب أن يحرص على تربية بناته تربيه صالحة، ويهتم بشؤونهن، ويصبر على المشقة التي تعتريه في ذلك، ويعطيهن جرعة من المحبة والاحترام والتقدير، ويرعاهن حق الرعاية، ويقوم بهذا مع أخواته وخاصة اللاتي فقدن آباءهن وتجرَّعن مرارة اليتم.

فعن أنس رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال ( من عال جاريتين حتى تبلغا جاء يوم القيامة أنا وهو وضم أصابعه ) رواه مسلم.

وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ( من عال ابنتين أو ثلاثا أو أختين أو ثلاثا حتى يبن أو يموت عنهن كنت أنا وهو في الجنة كهاتين وأشار بأصبعيه السبابة والتي تليها ) أخرجه ابن حبان في صحيحه.

وعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ( من كان له ثلاث بنات أو ثلاث أخوات أو بنتان أو أختان فأحسن صحبتهن واتقى الله فيهن فله الجنة ) رواه الترمذي واللفظ له.

وعن المطلب بن عبد الله المخزومي رضي الله عنه قال: دخلت على أم سلمة زوج النبي صلى الله عليه وسلم فقالت: يا بني ألا أحدثك بما سمعت من رسول الله صلى الله عليه وسلم : قلت: بلى يا أمه. قالت سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول ( من أنفق على ابنتين أو أختين أو ذواتي قرابة يحتسب النفقة عليهما حتى يغنيهما من فضل الله أو يكفيهما كانتا له سترا من النار ) رواه أحمد والطبراني

فاحتسب الأجر – رعاك الله – وأنت تنفق على أسرتك وعلى أخوانك وأخواتك، فإن هذا العمل الخيّر الذي تستبطئ فيه وربما تجد فيه تعب وعناء يأخذ بيديك إلى رضا الرحمن والدخول إلى الجنان إن صبرت واحتسبت الأجر في ذلك.

إن من أصعب الأمور وأشدها على القلوب أن تجد تلك الفتاة التي قد سقطت منها الدمعات وتقول: إن أبي لا ينفق علينا ولا نراه إلا قليل في بيتنا، أو تجد ربما أخت قد عاشت يتيمة ولم تتذوق طعم ولذة النطق بكلمة ( أبي ) تقول إن أخي لا ينفق علينا ولا يحترمنا ولا يقدرنا، وكل هذه الأفعال نابعة من ضعف الإيمان، وتضييع المسؤولية، وقسوة القلب، وحب النفس، وعدم إيثار الغير.

فأين الرجال من تلك الوصايا النبوية التي وردت في فضل التربية والإحسان إلى الأهل والمقربين؟ أين هم من هذه الحسنات والفضائل التي وردت في ذلك؟ وأين هم من العمل بهدي سيد المرسلين محمد صلى الله عليه وسلم والتشبث به والعض عليه بالنواجذ.

إن المتأمل لتلك الأحاديث النبوية كأنها تبشَّـر وتؤنس وتطيب خاطر أولئك الرجال الذين لم يُـرزقوا إلا بإناث، بأن تربية البنات على الاستقامة والصلاح، والحفاظ عليهن من الموبقات والشرور، وإبعادهن عن قطاّع الطرق من أصحاب الشهوات واللهو، لهُوَ سلّم إلى مرضاة الله عز وجل، وطريق للدخول إلى جنة الرحمن، فهلا شكرتم هذه النعمة التي أنتم عليها، وفرحتهم بأن رزقكم الله عز وجل بإناث، فهناك من الرجال من لم يرزق إلا بأولاد فقط، والبعض منهم ربما لم يُـرزق له مولود واحد منذ سنوات طويلة.

أيها الموفق .. إن تخليت عن زوجتك وأبنائك، فبالله من سيكون سند ومعين لهم؟ ومن سوف يعيلهم وينفق عليهم؟ ومن أين سيتجرعون المحبة والحنان والرأفة؟ ومن سوف يأخذهم لزيارة الأهل والأقرباء والنزهة والتجول في أيام العيد والمناسبات؟

وإن تخليت عن والدتك وإخوانك وأخواتك وأنت الأكبر بين الأخوة والأخوات، فبالله من سوف يعيلهم وينفق عليهم ويهتم بشؤونهم؟ ومن سوف يأخذهم لشراء الحاجات والأغراض ومتطلبات الحياة التي يحتاجونها في أيام العيد والأفراح والمدارس وغير ذلك.

إنـها مسؤولية على عاتق أولئك الآباء والأخوة، فإن ضُـيعت هذه الأمانة، فإنـها سوف تكون حسرة وندامة عليك يا من حمل تلك المسؤولية على عاتقه، وربـما تُنزع البركة من حياتك، وتتعسر أمورك حيثما اتجهت ووليت.

وفي المقابل لتعلم – بارك الله فيك - أن ما تفعله من خير وإحسان ربما يعود عليك بالأجر الكبير، وخاصة إن ورّثت ولدًا أو بنتًا يتصدقون عنك ويدعون ويستغفرون لك في ظلمة الليل، واجتهدت في تعليمهم وتنبيههم وإرشادهم قبل ذلك إلى التمسك بالدين، والعمل بكتاب الله سبحانه وتعالى وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم، والمحافظة على الأخلاق الحسنة والآداب الرفيعة.

فإن هذا سوف يرجع إليك بعد رحيلك من هذه الدنيا من خلال إرسال الأبناء برقيات أجر وثواب من الاستغفار والدعاء إلى والدهم المتوفى، عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ( إن الرجل لترفع درجته في الجنة فيقول أنى هذا فيقال باستغفار ولدك لك ) رواه البزار والطبراني.

قال المناوي رحمه الله في فيض القدير: ( إن الرجل ) يعني الإنسان المؤمن ولو أنثى ( لترفع درجته في الجنة فيقول أنى هذا ) أي من أين لي هذا ولم أعمل عملا يقتضيه ( فيقال ) أي تقول له الملائكة أو العلماء هذا ( باستغفار ولدك لك ) من بعدك.

دل به على أن الاستغفار يحط الذنوب ويرفع الدرجات وعلى أنه يرفع درجة أصل المستغفر إلى ما لم يبلغها بعمله فما بالك بالعامل المستغفر ولو لم يكن في النكاح فضل إلا هذا لكفى وكان الظاهر أن يقال لاستغفار ليطابق اللام في لي لكن سد عنه أن التقدير كيف حصل لي هذا فقيل حصل لك باستغفار ولدك وقيل إن الابن إذا كان أرفع درجة من أبيه في الجنة سأل أن يرفع أبوه إليه فيرفع وكذلك الأب إذا كان أرفع وذلك قوله سبحانه وتعالى ( لا تدرون أيهم أقرب نفعا ) النساء:11. اهـ.

أيها الغالي.. أقبل على زوجتك وأبنائك الذي طالما هجرتهم وابتعدت عنهم، وسوف تجدهم يُـقبلون عليك ويمدون أيديهم إليك، وتقدم إليهم خطوة سيتقدمون إليك خطوات، وأحسن إليهم في المعاملة سوف تجدهم يحسنون إليك، وأسكب عليهم جرعة من المحبة سوف يسكبون عليك جرعات من المحبة، فبادر إلى الإصلاح وبناء الأساس من جديد ( وَالصُّلْحُ خَيْرٌ )

اليوم اليوم .. انظر إلى حياتك وكيف هي مع أهلك، فإن كنت مقصر في حقهم من المبيت أو المحبة أو النفقة أو ظلمت أو أسأت إلى زوجتك فأعد صياغة حياتك المستقبلية من جديد، واجتهد في محاسبة نفسك حتى تستقيم على طاعة الله عز وجل، وعلى فعل الخير، والإحسان إلى الأهل.

نعم حاسب نفسك قبل أن تحاسب، وتذكر تلك الليلة التي عشتها مع شريكة حياتك وقرة عينك، إنها كانت أول ليلة في يوم زفافك، وكانت تحفها السعادة والمتعة والحب، ارجع إلى الوراء قليلا لتعيش تلك الأيام والليالي الجميلة، ولتكون حياتك من اليوم هي أيام زفاف وفرحة مع صاحبتك التي قد ضيعت وهجرت صحبتها.

وتذكر دائما أنها لم تقبل برجل آخر إلا أنت، لتكون رفيق عمرها في هذه الحياة الدنيا، وربما تقدم لها من تقدم في السنوات الماضية من الخطاب، ولكن كانت ترفضهم وتردهم، وعندما أقبلت أنت إليها كانت ترسم الأماني الجميلة للعيش السعيد والحياة الهنيئة معك.

قد جعلت فارس أحلامها هو أنت، ثم لما ركبت معك على سفينة الحياة الزوجية، إذ تظهر لها تلك المفاجأة بأن الربان ليس له دراية على قيادة السفينة، وأنه قد حصل على شهادة الامتياز في القيادة بكذب وزور، فتلاشت تلك الأحلام الوردية التي قد رسمتها في حياتها، وأصبحت تبكي بكاءً مراً على ما وصل إليه حالها من الظلم والمهانة والتقصير.

إن على كل زوج أن يتقِ الله عز وجل في حق زوجته، ويحسن إليها بالكلام الطيب والأسلوب الرائع والتعامل الجيد الممتزج بالحب والمودة والرحمة، وأن يعلم أن عاقبة الظلم وخيمة، وربما تعجل العقوبة في الدنيا قبل الآخرة، فالبر لا يبلى والذنب لا ينسى، افعل ما شئت فكما تدين تدان.

فمن يعامل زوجتـه بشدة وقسوة وإهانة كرامتها الإنسانية، فإن الله تعالى ربما يسلط عليه من يعاملـه بشدة وقسوة وينزل من كرامته في الحضيض، سواء كان ذلك من أولاده أو من المقربين أو من المسؤولين والموظفين في العمل، والجزاء من جنس العمل، فالحذر الحذر أيها الزوج من ذلك.

وأجعل بينك وبين الظلم حاجز ومانع حصين، ولا يكون لك هذا إلا بالتعلم، والتفقه في الدين، ومعرفة ما لك وما عليك من الحقوق الزوجية، وأن تتذكر دائما أن الظلم ظلمات يوم القيامة، فعن جابر رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ( اتقوا الظلم فإن الظلم ظلمات يوم القيامة..) رواه مسلم.

ولا ننسى في المقابل أن هناك من سطروا أخلاقيات وأفعال ومواقف جميلة مع زوجاتهم، فلله درهم على ذلك، حتى جعل إحدى المتزوجات تكتب هذه الكلمات الرائعات المؤثرات، وهي تمدح زوجها الوفي لمواقفه المشرفة والجميلة والتي تدل على حبه وتقديره لها، فأين نحن من هذه الأخلاقيات والسلوكيات التي فقدها كثير منا.

تقول هذه الزوجة الكريمة: زوجي لما عناني كاف، ولما أسقمني شاف، عرقه كالمسك، ولا يمل طولَ العهد، إذا غضبتُ لطفَ، وإذا مرضتُ عطفَ. أنيسي حين أفرد، وصفوحٌ حين أحقد، إذا دخلَ الدار دخلَ بسَّامًا، وإن خرج خرجَ ضحَّاكًا، ما غضبَ عليَّ مرة ولا حقد، يأكل ما وجد، ويدرك ما قصد، ويفي ما وعدَ، ولا يأسى على ما فقدَ، أديب أريب حسيب نسيب، كسوب خجول، لا كسولٌ ولا ملول، إذا طلبتُ منه أعطاني، وإن سكتُ عنه ابتداني. وإذا رأى مني خيرًا ذكرَ ذلك ونشر، أو رأى تقصيرًا سترَ ذلك وغفرَ . اهـ

إن المرأة المتزوجة عليها أن تجتهد في طاعة زوجها وخدمته والإحسان إليه، وأن تصبر على ما يعتريها من شدة أو مشقة في الحياة الزوجة، فعن عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ( إذا صلت المرأة خمسها وصامت شهرها وحفظت فرجها وأطاعت زوجها قيل لها ادخلي الجنة من أي أبواب الجنة شئت ) رواه أحمد والطبراني.

وروى الحصين بن محصن رضي الله عنه أن عمة له أتت النبي صلى الله عليه وسلم في حاجة ففرغت من حاجتها فقال لها النبي صلى الله عليه وسلم ( أذات زوج أنت ؟ ) قالت : نعم ، قال ( كيف أنت له ؟ ) قالت : ما آلوه إلا ما عجزت عنه ، قال ( فانظري أين أنت منه ، فإنما هو جنتك ونارك ) صحيح الجامع 1509.

وعلى كل زوجه أن تحرص كل الحرص على أن لا تكون طاعتها لرفيق دربها في معصية الله عز وجل ومخالفة أمر نبيه صلى الله عليه وسلم، فإن أمرها بترك الصلاة أو حف الحواجب أو التبرج والسفور، فعليها أن تعلن حالة الطوارئ وترفض ذلك، فعن علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ( لا طاعة لمخلوق في معصية الله عز وجل ) أخرجه الإمام أحمد.

ولتحذر كل زوجة فاضلة من ترديد في مسامعها أبغض الحلال من غير بأس، فالحذر كل الحذر من طلب الطلاق إن كان الزوج لم يقصر في شيء، وقائم بواجباته تجاه أسرته وزوجته، فعن ثوبان رضي الله عنه قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم ( أيما امرأة سألت زوجها طلاقها من غير ما بأس فحرام عليها رائحة الجنة ) رواه أبو داود والترمذي وحسنه وابن ماجه وابن حبان في صحيحه.

فمن كانت قد أحزنت زوجها بدون مبرر وهجرته، فعليها محاسبة نفسها، وإصلاح ما بقي من حياتها معه، فالإنسان لا يعلم متى يتجرع كأس المنية، فسكرة الموت مهولة، والموت يأتي بغتة والقبر صندوق العمل، قال الله عز وجل ( وَجَاءَتْ سَكْرَةُ الْمَوْتِ بِالْحَقِّ ذَلِكَ مَا كُنْتَ مِنْهُ تَحِيدُ ) سورة ق: 19.

أيتها الموفقة .. إن مقياس قربك من الله عز وجل بقدر رضا زوجك عنك، وأن يكون هذا الرضا نابع من طاعة المرأة لزوجها في المعروف والخير، فقد روى الترمذي عن أم سلمة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ( أيما امرأة ماتت وزوجها عنها راضٍ، دخلت الجنة )

افتحي قلب زوجك، وقيسي نبض محبته لكِ، فإن كان مستوى دقات النبض ضعيفة، فعليك بمراجعة نفسك ومحاسبتها، والسعي لمعرفة ما هي الأدوية التي تجعل مستوى نبض المحبة يزيد، وأول هذه الأدوية لزيادة المحبة والقرب هو احترامه وتقديره، وإشعاره بالقوامة التي أعطاها الله له، وأنه رجل قوي البنية والشخصية.

قال الله عز وجل ( الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ.. ) النساء: 34. جاء في بعض كتب التفسير تحت هذه الآيات: الرجال قوَّامون على توجيه النساء ورعايتهن, بما خصهم الله به من خصائص القِوامَة, وبما أعطوهن من المهور والنفقات.اهـ

فأعيدي لزوجك الثقة بالنفس، وقبل الثقة بالنفس ، عليك أن تقوي ثقته بالله عز وجل، وكذلك استشارته في بعض الأمور الخاصة بك، وإشعاره بأن مشورته تهمك كثيرًا، ولا تنسي مفتاح القلوب وضع شيء من الطيبِ، فالطيبِ ذو الرائحة الزكية له دور في زيادة المحبة والألفة والقرب منه.

كذلك التقليل من القيل والقال، وكثرة الحديث مع الزوج عندما يعود من عمله، فربما يكون متعب ومنهك وهو عائد من يوم طويل في العمل، فأشق عليه أن يُناقش ويفتح له ملفات حوارية في هذا الوقت، فهذا نذير خطر على الحياة الزوجية، فعلى كل زوجة أن تنتبه لذلك، وتحرص كل الحرص على أن تقتفِ وتتبع الأوقات المناسبة للحوار والنقاش الطيب.

فالله الله في رفيق العمر إن كان هناك خلاف وشقاق بينك وبينه، ضعي يديك على يديه لتستأنف الحياة من جديد، وتكون حياة يرفرف فيها الحب الرائع، وبلسم من الاحترام والتقدير، وأمامكم تقوى الله عز وجل وإتباع سنة نبيكم صلى الله عليه وسلم قولا وعملا.

ولتطوى تلك الصفحات المؤلمة من الهجر والفراق والخصومات، وتفتح صفحة جديدة مع حياة كريمة، وينظر إلى مستقبل مشرق في بيت قد حن إلى الاستقرار والأمان والراحة، ويغلق ذلك الملف الأسود الذي تلطخ بأحداث جسام وأمور صعاب، إنه طريق قد سُكبت فيه المدامع والأحزان، فليستبدل بطريق المودة والرحمة ( وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً )

إن كنتِ تستغنين عن أشواقِنا = فأنا إلى أشواقِنا مُحتاجُ

يا مَن يَصيرُ النُّطقُ حين لقائها = صمتًا ويصنـعُ رعشتي الإحراجُ

ورحم الله قائل هذه الأبيات:

كَتَب الوفـاءُ رواية الحُـبِّ الذي عِـشـنا وضَيّع حُسنها الإخـراجُ

فـإلى متى يجفــو السحابُ ربوعَنا ويَصُدُّ عــنا مـــاؤها الثجاجُ

والي متى تعدو خيولُ جراحِنا ويثورُ مِنْ أرضِ الأنـين عَجَاجُ

يا من أحـس بأنّ ليلي حالكٌ وبأنَّ حُـزني بعــدها وهَّـاجُ

وأحس أن لسـانَ أنسي صامتٌ ولسانُ حُزني بَعــدها لجـاجُ

أرضي وأرضك تحـرمان من الندى والمـاءُ في غُـدرانها رَجـراجُ

إن كنتِ تستغنين عن أشواقِنا فأنا إلى أشواقِنا مُحتاجُ

يا مَن يَصيرُ النُّطقُ حين لقائها صمتًا ويصنـعُ رعشتي الإحراجُ

يا مَـن يتـوقُ إلى سمــوِّ غرامِها قلبي ويصعـبُ نحوَها المعــراجُ

إن كـان بُعْدُ المـرءِ عن إيمـانهِ داءًا ، فإنِّ القُـربَ منــه عِــلاجُ

أو هـزَّ ليلُ الحُـزنِ فينا سيـفَه فلنا مِن الأمـلِ الجمـيلِ سِراجُ

خـوضي بِنا لُجَجَ الحـياةِ ، فإنما تسطو على المتقاعِسِ الأمـواجُ

ولتعلمي - رعاكِ الله – إن حب الأزواج لزوجاتهم يختلف من شخص إلى شخص، فهناك أزواج تكون طريقتهم للتعبير عن حبهم لزوجاتهم من خلال كلمات يدغدغون بها قلوبهن، ولكن في نفس الوقت هم مقصرون في جوانب أخرى، وهناك أزواج لا يظهرون تلك الكلمات من الحب والشوق والحنين، وإنما يترجمون هذا الحب عمليًا من خلال الاحترام والتقدير وإعطاء الزوجة ما تريد من نفقة وغيره، وأخذها إلى تلك الأماكن التي تريد أن تذهب إليها، ومساعدتها في شؤون بيتها، والاهتمام بتربية أبناءها.

فانتبهي لهذه النقاط المهمة في حياتك الزوجية، لأن نفوس الأزواج مختلفة وليست متشابهة ومتقاربة، فالتعبير عن المشاعر العاطفية تختلف طريقته من شخص إلى شخص.

ولا تغتري – أيتها الزوجة الفاضلة - بتلك المسلسلات والأفلام التي تدعو إلى تمرد المرأة على زوجها، وعلى عدم احترامه وتقديره، وإقامة علاقات مشبوهة ومحرمة مع الأجانب، وذلك بسبب إهماله وتقصيره في جانب من الجوانب العاطفية معك، فإن كان قد قصّر في جانب من الجوانب معك، فهناك ما من شك جوانب جميلة ورائعة في حياتك معه.

9) لا تتغافلوا عن الأمور الإيجابية في حياتكم الزوجية:

إن المتتبع للحياة الزوجية يجد أن هناك أمور إيجابية عند كل طرف، فيجب أن تؤخذ بعين الاعتبار وبشيء من الاهتمام ، وذلك لأن كل شخص يملك جوانب إيجابية في شخصيته، فينبغي أن لا يتم تجاهلها وتهميشها وتنقيص من شأنها، وخاصة في عالم الحياة الزوجية، وهذه قضية مهمة جدًا لاستقرار البيوت وعدم سقوط أساسها المتين.

وإليك - رعاك الله - هذه القصة التي حصلت في زمن أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه، والتي تبين غض الطرف عن بعض الأخطاء أو الأمور التي لا يحبذها الزوج في الحياة الزوجية، وكذلك غض الزوجة عن بعض الأمور التي لا تحبذها من زوجها، والنظر إلى الجوانب الإيجابية التي تُـحبذ ويُـطمئن لها، وهذا في الأصل نابع من العدل والإنصاف الذي نحن في حاجة ماسة إليه في حياتنا اليومية.

فقد روي أن رجلا جاء إلى عمر رضي الله عنه ليشكو إليه خلق زوجته، فوقف ببابه ينتظره، فسمع امرأته تستطيل عليه بلسانها، وهو ساكت لا يرد عليها، فانصرف قائلا: إذا كان هذا حال أمير المؤمنين فكيف حالي ! فخرج عمر فرآه موليا فناداه: ما حاجتك ؟ فقال: يا أمير المؤمنين، جئت أشكو إليك خلق زوجتي واستطالتها علي، فسمعت زوجتك كذلك، فرجعت وقلت: إذا كان هذا حال أمير المؤمنين مع زوجته فكيف حالي !

فقال له عمر : يا أخي إني احتملتها لحقوق لها علي ؛ إنها طباخة لطعامي ، خبازة لخبزي ، غسالة لثيابي ، مرضعة لولدي ، وليس ذلك بواجب عليها ، ويسكن قلبي بها عن الحرام ، فأنا أحتملها لذلك فقال الرجل : يا أمير المؤمنين وكذلك زوجتي . قال : فاحتملها يا أخي فإنما هي مدة يسيرة .اهـ

هكذا تبنى الحياة الزوجية - أيها الزوج وأيتها الزوجة - فلا بد أن تكون هناك موجات من الصعاب والمواقف المحرجة في معترك الحياة الزوجيـة، فلنعالجها – رعاكم الله – بالحكمة والموعظة الحسنة، وبعيدا عن الغضب، وكذلك أن نغض الطرف عن بعض الأخطاء التي تقع من الطرف الآخر، وأن يجلس القلبين مع بعضهما البعض في ساعة صفاء لحل تلك المشكلات العالقة. وقد قال الإمام أحمد رحمه الله: " تسعة أعشار حُسن الخُلق في التغافُل "

احرص – أخي في الله - على تحقيق تقوى الله عز وجل في جميع شؤون حياتك، وأحسن إلى زوجتك تكسب ودها وحبها، وتذكر دائما أن الحياة الزوجية تحتاج إلى صبر ومجاهدة وبذل التضحيات، والتنازل عن شيء من حظوظ النفس، فبهذه الأفعال والأخلاق الرائعة تدوم العشرة الزوجية، وترفرف في حياتكم السعادة والهناء والاستقرار.

وكذلك أنتِ – أخيتي في الله - عليك بتقوى الله تعالى في جميع أمورك، وأن تثبتي على الطريق الذي عاهدت نفسك أن تسلكيه مع زوجك، وأن لا تستعجلي قطف الثـمرة من أول شهر، فمن أصعب الأمور وأشدها أن تقيّم الزوجة زوجها من أول شهر في الحياة الزوجية، وهذا خطأ يحتاج إلى مراجعة وتصحيح تلك المفاهيم.

فالعاقِلة هي مَن تتخول زوجها بمواعِظ ولا يكون أسلوبها مُباشِرًا ، لأنّ الرجُل يزعجه التوجيهَ مِن زوجته . وإنما تلمّح مرّة وتثني عليه مرّة ثمّ تعرِض عليه ما تريد كي تستقيمَ حياتها بتوفيق الله عز وجل.

أيها الأفاضل..إن الدخول إلى عالم البيت السعيد، ينبغي على كل من الزوجين أن لا يستعجلا فيه بالنتائج، ورؤية المحصلة بعد الزواج مباشرة، وإنـما يحتاج إلى صبر وتريث في ذلك، ومعرفة الطرف الآخر من خلال العشرة الدائمة، ودراسة شخصية من جميع جوانبه، والتوصل من خلال الملاحظة إلى ما يحب وما يكره، وكذلك غض الطرف عن بعض الهفوات والزلات التي تقع من كلا الطرفين.

10) الحذر من مضيعي البيوت والقلوب : -

فهناك البعض من الذين ليس عندهم دين ولا أخلاق من الأقارب أو من الجيران أو من الأصدقاء أو ربما من زملاء العمل, يحاولون الوقيعة بين الرجل وزوجته بغرض إفساد العلاقة بينهما, وتشتيت الأسرة وتضييعها، وجعلها تسقط في بحار الألم والفرقة بعد الاستقرار والسكن الذي كان موجود بينهما.

وقد جاء التحذير من النبي صلى الله عليه وسلم لمن فرق بين الزوج والزوجة وسعى إلى ذلك بأفعاله الدنيئة، وذلك من خلال عمل علاقة عاطفية مع الزوجة لإسقاطها في بئر الطلاق ثم إخراجها بحبل الخيانة والعار من أجل الزواج بها أو من خلال الحديث والافتراء من قبل الصديقة أو القريبة أو الجارة وطلب منها ترك زوجها والتخلي عنه لأنه فقير أو من عائلة كذا أو ليس عنده منصب وما شابه ذلك.

فعن أبو هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ( ليس منا من خبب امرأة على زوجها...) حديث رقم : 5437 في صحيح الجامع .

قال ابن القيم رحمه الله حول من خبب امرأة على زوجها: وهذا من أكبر الكبائر فإنه إذا كان الشارع نهى أن يخطب على خطبة أخيه، فكيف بمن يفسد امرأته ويسعى في التفريق بينه وبينها حتى يتصل بها، وفي ذلك من الإثم ما لعله لا يقصر عن إثم الفاحشة إن لم يزد عليها، ولا يسقط حق الغير بالتوبة من الفاحشة، فإن التوبة وإن أسقطت حق الله فحق العبد باق، فإن ظلم الزوج بإفساد حليلته والجناية على فراشه أعظم من ظلم أخذ ماله. اهـ

أخواني وأخواتي .. إنّ مما يعكر مسير الحياة الزوجية هو التدخلات الخارجية، فربما يكون هناك خلاف بسيط أو موقف حصل بين الزوج وزوجته، فتجد من يأتي من أهل الزوج أو الزوجة أو شخص مقرب من صديق أو زميل في العمل إلى الزوج أو الزوجة ثم يُـضخم ذلك الخلاف أو الموقف حتى يكبر وينموا شيئا فشيئا حتى يؤدي ذلك إلى الفرقة والخصومة بين الزوجين.

وإليكم هذه القصة المؤثرة التي تبين خطر التدخلات الخارجية على مركب الحياة الزوجية، وإنه ربما بكلمات عابرة لا يحسب لها حساب من الآخرين تغير تفكير الزوج أو الزوجة، وتجعل الواحد منهما يتغير بين ليلة وضحاها، ولا يقتنع بالذي هو عليه من الخير والنعمة والسعادة.

قال عثمان بن عطاء: كان أبو مسلم الخولاني إذا دخل منزله سلم، وإذا بلغ وسط الدار كبر وكبرت امرأته، فإذا بلغ البيت كبر وكبرت امرأته. فيدخل فينزع رداءه وحذاءه وتأتيه امرأته بطعام فيأكل.فجاء ذات ليلة فكبر فلم تجبه، ثم أتى البيت فكبر وسلم فلم تجبه، وإذا البيت فيه سراج، وإذا هي جالسة بيدها عود تنكت به في الأرض.

فقال لها: مالك؟ فقالت: الناس كلهم بخير، وأنت أبو مسلم!!- تعني فقير- فلو أنك أتيت معاوية، فيأمر لنا بخادم، ويعطيك شيئًا نعيش به.. فقال أبو مسلم!: اللهم من أفسد علي أهلي فأعمِ بصره.قال: وكانت أتتها امرأة فقالت: أنت امرأة أبي مسلم، فلو كلمت زوجك يكلم معاوية ليخدمكم ويعطيكم!!

قال: فبينا هذه المرأة في بيتها والسراج يزهر، إذ أنكرت بصرها. فقالت: سراجكم طفئ؟ قالوا : لا قالت: إنا لله، ذهب بصري، فأقبلت كما هي إلى أبي مسلم، فرق لحالها، ودعا الله طويلًا فرد إليها بصرها، ورجعت امرأته إلى حالها.

فعلى الزوجين أن يجعلا لحياتهما الزوجية خصوصية وسياج لا يقترب منه أحد, وإن حصل خلاف بينهما حاولا حل ذلك داخل غرفتهما الخاصة، دون تدخل قريب أو بعيد في ذلك إلا في حالة أن الشقاق والخصام أصبح من الصعوبة إيجاد حل له، وأغلقت الأبواب في إيجاد مخرج له، فيطلب من أهل الرأي والحكمة التدخل لحل المشكلة والخلاف بالأسلوب الحسن مع الإذعان إلى من عنده الحق والصواب.

11) عند اشتداد الأمور تـتبين معادن الزوج والزوجة: -

في الرخاء والسلم تكون القلوب متصافية ومتحابة بين الزوجين، وكلا الطرفين يعبر عن وده وشوقه للطرف الآخر ويخدمه بكل حب وإخلاص، ويقدم الغالي والنفيس من أجله، ولكن عندما تأتي الملمات والشدائد، فهل يا ترى القلوب والمشاعر والأحاسيس تبقى كما هي أو تتغير؟؟!

إن هذا الجانب في الحياة الزوجية من أهم الجوانب على الإطلاق، والتي يظهر فيها معادن كل من المتزوجين والمتزوجات، فهناك من الرجال من لا يحفظ عشرة العمر التي عاشها مع زوجته إلا مادام راغبًا فيها ومتعلقًا بها فإذا كبرت أو مرضت تغير قلبه وأعرض عنها وربما وصل إلى الطلاق، قد نسي ما كان بينهما من الحب والمودة والرحمة.

وكذلك يحصل هذا مع بعض المتزوجات، فهي ربما تكون معه في السراء وساعة الصفاء على خيرٍ ، من تعاون وحب وإخلاص، وتتلفظ دائما بكلمات الود والحنين والشوق، وعندما يُبتلى زوجها بفقر أو ذهاب منصب أو بمرض، إذ تتغير تلك المحبة إلى عداوة وشقاق، ثم تبدأ بطلب الطلاق والفراق بسبب أنها ملت من هذه الحياة التعيسة في نظرها، ونست تلك الأيام التي عاشتها مع زوجها في بداية الأمر بحلوها ومرها.

إنها لحظات مبكية للعيون الصادقة ومقطعة للقلوب المخلصة، وتدل على أن ذلك الحب أسس على شفا جرف هار، ولم يؤسس على تقوى من الله سبحانه وتعالى، وكأن حياتهما الزوجية كانت سحابة صيف انقشعت فظهرت ما تخبئ تلك النفوس الضعيفة من نفاق وضعف في الإخلاص وحب مزيف ومركب، أين هؤلاء من قول الله عز وجل ( وَلا تَنْسَوُا الْفَضْلَ بَيْنَكُمْ إِنَّ اللهَ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ ) البقرة: 237.

وأين هم من هذه القصة الرائعة والمؤثرة، وهي قصة تميز سطرها أفضل البشر، قصة قدوتنا وحبيبنا ونور أبصارنا محمد صلى الله عليه وسلم مع زوجته خديجة رضي الله عنها، وما معنى الحب عند المصطفى صلى الله عليه وسلم، وكيف حفظ عليه الصلاة والسلام هذا الود والفضل الذين كان بينهما حتى بعد رحيل خديجة رضي الله عنها..!!

لقد أحب النبي صلى الله عليه وسلم خديجة رضي الله عنها، فماذا قدم لهذه المحبـة؟؟ وكيف أسس عليه الصلاة والسلام هذا الحب؟ خديجة بنت خويلد رضي الله عنها الحب الأول للنبي صلى الله عليه وسلم من النساء، خديجة التي عاشت معه في حياته بحلوها ومرها، خديجة التي ناصرته وأيدته وآزرته وثبتت معه في دعوته دون كلل أو ملل.

حتى نزل جبريل عليه السلام يبشرها ببيت في الجنة من قصب لا صخب فيه ولا نصب، فعن أبو هريرة رضي الله عنه قال: أتى جبريل النبي صلى الله عليه وسلم فقال ( يا رسول الله ، هذه خديجة قد أتت، معها إناء فيه إدام أو طعام أو شراب، فإذا هي أتتك فاقرأ عليها السلام من ربها ومني، وبشرها ببيت في الجنة من قصب لا صخب فيه ولا نصب ) صحيح البخاري

فأين نساء الأمة ليتأسن بهذه المرأة العظيـمة؟؟ وأين أولئك الزوجات اللاتي ضيعن الحقوق الزوجية ليقتدن بهذه المرأة المتميزة التي سطرت أروع القصص في التميز، لقد أحبت خديجة النبي صلى الله عليه وسلم لما رأت ما عنده من الأخلاق الرفيعة والحسنة ومن الصدق في الأقوال وأداء الأمانة، فانظرن يا فتيات الإسلام مقياس الصحابيات في الاختيار.

تزوج النبي صلى الله عليه سلم خديجة رضي الله عنها، وعاشا في سعادة وحب وتعاون واحترام، كانت خديجة رضي الله عنها المرأة الصالحة المخلصة التي وقفت مع زوجها في الشدة والرخاء، وظل هذا الحــب حتى بعد موت خديجة رضي الله عنها.

نعم حتى بعد موت خديجة..

لقد فارقت الحياة رضي الله عنها ولم تضعف وتنقص محبة رسول الله صلى الله عليه وسلم لها، الآن ربما البعض إذا احد فارقت زوجته الحياة بعد فترة بسيطة ينساها وينسى عشرة العمر التي كانت بينهما. أما النبي صلى الله عليه وسلم (( فلا )) ولنتأمل هذا الحوار المؤثر الذي دار بين رسول الله صلى الله عليه وسلم وبين عائشة رضي الله عنها.

فعن عائشة رضي الله عنها قالت: ما غرت على نساء النبي صلى الله عليه وسلم إلا على خديجة، وإني لم أدركها. قالت: وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا ذبح الشاة فيقول ( أرسلوا بها إلى أصدقاء خديجة" قالت، فأغضبته يوما فقلت: خديجة؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : إني قد رزقت حبها )

وفي قصة رائعة أخرى عن عائشة رضي الله عنها قالت: كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا ذكر خديجة أثنى عليها بأحسن الثناء، فغرت يوما .فقلت: ما أكثر ما تذكرها حمراء الشدقين قد أبدلك الله خيرا منها. قال ( ما أبدلني الله خيرا منها، وقد آمنت بي إذ كفر بي الناس، وصدقتني إذ كذبني، وواستني بمالها إذ حرمني الناس، ورزقني الله ولدها إذ حرمني أولاد النساء أيضا ) رواه ابن كثير في البداية والنهاية وقال إسناده لا بأس به.

فأين دعاة الحـب والعشق؟؟ وأين الذي خانوا الحياة الزوجية ونسوا تلك الأيام الجميلة التي كانت بينهم؟ يقول النبي صلى الله عليه وسلم: رزقت حبها. ويقول أيضا: ما أبدلني الله خيرا منها، وقد آمنت بي إذ كفر بي الناس، وصدقتني إذ كذبني، وواستني بمالها إذ حرمني الناس، ورزقني الله ولدها إذ حرمني أولاد النساء أيضا، هذا هو الحب الرائع الذي ظل مستمرًا حتى بعد موت الحبيب.

وهذا هو الحُب الوفيّ الذي لا يتغيّر مع تغيّر الظروف ، فخديجة – رضي الله عنها – أحبت النبي عليه الصلاة والسلام في كل أحواله في سِلمه مع قومه وفي حربهم له وفي غِناه وفقره ، بل إنها عاشت مع في الشِعب ثلاث سنين وأكلت مِن أوراق الشجر رغم أنها مِن أشراف مكة ومِن أهل التجارة ، وظلّ عليه الصلاة والسلام وفيًّا لها – رضي الله عنها – فبقي يذكرها حتى مات ولم ينسَها ولم تحتلّ امرأةٌ في قلبه مِن الحُب ما احتلته خديجة – رضي الله عنها - .

فهكذا هُم الأوفياء لا تتغير مشاعرهم مع تغيّر الزمان .

إننا في حاجة إلى حب يؤسس على منهج صحيح، وعلى كتاب الله عز وجل، وعلى حب ( اذهب فانظر إليها فإنه أحرى أن يؤدم بينكما ) كما جاء ذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم عندما نصح المغيرة بن شعبة رضي الله عنه بأن يذهب لينظر إلى من يريد خطبتها، فلا هو تخفي في الطرقات والسكك، ولا بالجلوس الطويل مع بعضهما البعض بدون محرم.

جاء في مقال بعنوان أهذا هو الحب ( أهذا هو الحـب.. زرعه الغرب وأثمر حنظلًا بل هو أمر، ثم غرسوه في بلاد المسلمين، وسنبل الشر شرًا، وجناه الجيل بعد الجيل.فمتى نقتلعه من جذوره؟؟ نجحوا في إفهام الكثير منا على أنـه البراءة والعطاء وسر النجاح!!

صوروه في الكم الهائل من الأغاني والمسلسلات والقصص والأفلام والأشعار والروايـات.ولأن أسلحة الإيـمان لدينا ضعيفة لا تقاوم جيوش الباطل لديهم ولحب الهزيمة في نفوسنا وضعف العزيمـة تمكن الداء وعز الــدواء ) اهـ.)1(

وإليكم قصة أخرى مؤثرة وجميلة وهي لزوجة نبي من الأنبياء الكرام، قد كتبت قصة تميز بهذا الصنيع الذي قامت به، وبينت مدى صدقها وحبها لزوجها ولم تتخلى عنه في أحلك الظروف، فلتتخيل كل زوجة لو حصل معها هذا الموقف المؤلم، يا ترى ما هي صانعة؟ وماذا سوف يكون موقفها؟ وهل سوف تكتب قصة تميز في ذلك أو سوف تتخلى بكل بساطة عن زوجها؟..

إنـها امرأة أيوب - عليه الصلاة السـلام -

قال علماء التفسير والتاريخ كما ذكره الحافظ بان كثير في قصص الأنبياء: كان أيوب رجلًا كثير المال، من سائر صنوفه وأنواعه من الأنعام والمواشي والأراضي المتسعة بأرض الثنية من أرض حوران. وحكى ابن عساكر: أنها كلها كانت له، وكان له أولاد وأهلون كثير.فسلب منه ذلك جميعه، وابتلي في جسده بأنواع من البلاء، ولم يبق منه عضو سليم سوى قلبه ولسانه. يذكر الله عز وجل بهما وهو في ذلك كله صابر محتسب ذاكر لله عز وجل في ليله ونهاره وصباحه ومسائه.

وطال مرضه حتى عافه الجليس وأوحش منه الأنيس، وأخرج من بلده، وألقي على مزبلة خارجها، وانقطع عنه الناس، ولم يبق أحد يحنو عليه سوى زوجته، كانت ترعى له حقه وتعرف قديم إحسانه إليها وشفقته عليها، فكانت تتردد إليه فتصلح من شأنه وتعينه على قضاء حاجته وتقوم بمصلحته.

وضعف حالها، وقلَّ مالها حتى كانت تخدم الناس بالأجر لتطعمه، وتقوم بأوده رضي الله عنها وأرضاها، وهي صابرة معه على ما حل بهما من فراق المال والولد وما يختص بها من المصيبة بالزوج، وضيق ذات اليد وخدمة الناس بعد السعادة والنعمة والخدمة والحرمة، فإنا لله وإنا إليه راجعون!.اهـ

تأمل هذا العمل المتميز الذي قامت به هذه الزوجة الرائعة، فلم يبقَ أحد معه - عليه الصلاة والسلام - والكل تركه وتخلى عنه، مع كل ذلك صبرت وثابرت واجتهدت لتخدم زوجها وتقف معه، ولم تنسَ تلك الأيام الجميلة التي كانت بينه وبينها في زمن العافية والقوة والرخاء.

فبالله أين الزوجات اللاتي تركن أزواجهن بكل سهولة ويسر عندما تأخر المنصب أو ضاع المال أو اشتكى مرض بسببه أصبح لا يستطيع قضاء حوائجه بنفسه؟ فأين هن من هذا التميز الذي سطرته هذه المرأة المخلصة المحبة لزوجها؟

وحتى لا يهضم حق المخلصات المتقيات الرائعات، فنبشر - الأخوة والأخوات - أن هناك من الزوجات من كتبن حقا قصة تميز في ذلك، فهناك من تخلى عنها زوجها بعد عشرة العمر التي قضياها مع بعضهما البعض في حب وود وسلام واحترام، وإذ ينقلب حال الزوج بعد تلك السنوات طويلة، ويلهث قلبه إلى امرأة من الشارع، لا تحمل دين ولا أخلاق، ويترك زوجته المسكينة تسكب الدمعات وتتجرع مرارة الحدث المؤلم .

وبعد مرور أشهر أو سنوات عندما يكتشف أن تلك المرأة التي اختارته من الشارع، لم تختاره إلا من أجل تلك الريالات المعدودات، يعود إدراكه وحسه إليه، ثم يرجع إلى زوجته وهو منكس الرأس، ومدامعه على وجنتيه اعترافا لما جنته يديه وأفعاله الشؤم، وتقابله زوجته بالرجوع إليه بكل قوة وحنين وحب..لماذا؟؟

لأنها تحمل في قلبها الحب الرائع الذي بنته معه منذ سنوات طويلة، وليس الأمر إلى هذا الحد فقط، بل ربما تقوم ببيع ممتلكاتها وأغراضها الخاصة من ذهب وغيره حتى تقوم بسداد ديونه التي كثرت بسبب وقوعه في ذلك الحب الزائف مع تلك المرأة الساقطة التي كان همها جمع المال وتضييع الأسر والبيوت.

فيا له من تميز رائع نجده مع هؤلاء النساء المحافظات التقيات؟ ففي أحلك الظروف وأصعبها تظهر تلك المواقف والقصص المتميزة التي سطرنها، يحملن في قلوبهن ذلك القلب الكبير من الحب والرأفة والإخلاص والعفو عن أزواجهن إن سقطوا في بعض الأخطاء ثم رجعوا إليهن وأدركوا أنهم كانوا مخطئين ومذنبين عندما سلكوا ذلك الطريق المظلم والموحش..

وهذه قصة تميز أخرى مؤثرة ذكرها عصام أبو أبرار في كتاب قصص مؤثرة جدا للفتيات إذ يقول: امرأة أعرفها كانت صابرة على زوجها.. كان يقسو عليها أشد القسوة.. ولكنها لم تخرج عن طاعته.. ما تبرمت على قدر ربها.. صبرت واحتسبت.. وكانت تنظر لأولادها وكأن في نظراتها احتسابهم على الله جل علاه.. وفوق ذلك ابتلاها الله بمرض شديد في بطنها..

تتألم من شدة الألم تارة وتتألم من شدة ظلم زوجها لها تارات.. وهكذا.. حتى أتتها سكرات الموت.. فعندما أتتها السكرات وفي ذلك الوقت قرأت إحدى بناتها عليها آيات من كتاب الله الحكيم.. فإذا بها توصي الأولاد بأبيهم..

يا الله .. أساء لها فأحسنت إليه.. ظلمها فصبرت ودعت له.. توصي الأولاد بأبيهم خيرًا.. ثم تأمرهم بأن يخرجوا من عندها ثم توجه بصرها إلى السماء وهي على فراشها.. وما هي إلا لحظات وإذ بالعرق البارد يتصبب على جبينها وتسلم الروح لبارئها رحمها الله..

ولقد عايشتُ هذه القصة بنفسي..ماتت وهي توصي بالذي أساء لها.. فهداه الله بعد موتها.. وما زال يذكرها ويدعو لها..ماتت والعرق ينحدر على جبينها فظفرت بدعوة نبيها.. ماتت بداء بطنها لينطبق عليها حديث رسولها الذي رواه مسلم وأحمد ( من مات بالبطن فهو شهيد ) وقوله عليه الصلاة والسلام كما عند النسائي وأحمد وصححه الألباني ( من يقتله بطنه فلن يعذب في قبره ) ..هنيئا لها بخاتمتها.. هنيئا لها بصبرها واحتسابها.. هنيئا لها بعفوها الذي أوصلها إلى ذلك بإذن الله جل وعلا..اهـ

12) الابتلاء في الحيـاة الزوجية ومن ذلك تأخر الإنجـاب : -

إن مسير الزوجين مع بعضهما البعض في هذه الحياة، لا بد أن يتخلل طريقهما ما يعكر حياتهما وينغص معيشتهما، لأن هذه الدنيا دار ابتلاء واختبار وليست دار بقاء وخلود وسعادة أبدية، فيبتلي الله عز وجل عباده حتى يرى صبرهم وتحملهم، وما هم صانعون أمام هذه الشدائد والمصاعب.

فالبعض ربما يُـبتلى بالفقر، والبعض منهم يُـبتلى بالمرض، والآخر بعقوق الأبناء، ومنهم يُـبتلى بفقدان قريب عزيز، وغيرها من الابتلاءات والمصائب التي كتبها الله عز وجل على الإنسان في هذه الحياة الدنيا الفانية، قال الله عز وجل ] وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنْ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنْ الأَمْوَالِ وَالأَنفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرْ الصَّابِرِينَ [ البقرة: 155.

ومن ضمن تلك الابتلاءات التي تصيب البعض في هذه الحياة، تأخر الإنجاب لدى بعض النساء، وربما يكون السبب من الزوج أو من الزوجة، وهذا جزء من الابتلاء الذي يبتلي الله به عباده، وعلينا أن نتيقن جميعا أن الرزق من الله عز وجل، فهو سبحانه وتعالى يعطي ذلك ولدا، والآخر بنتا، ويجعل الآخر عقيما، وهذه حكمة منه سبحانه وتعالى، فهو مدبر الأمور ومغير الأحوال، قال الله عز وجل ( لِلَّهِ مُلْكُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ يَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ إِنَاثًا وَيَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ الذُّكُورَ (49) أَوْ يُزَوِّجُهُمْ ذُكْرَانًا وَإِنَاثًا وَيَجْعَلُ مَنْ يَشَاءُ عَقِيمًا إِنَّهُ عَلِيمٌ قَدِيرٌ ) الزخرف:49-50.

إن مثل هذا الابتلاء قد يكون شاقا على النفس، فعلى الزوجين الصبر والتحمل في ذلك، وعدم التسخط والتذمر على ما قدره الله عز وجل لهما، وقبل أن يطرقوا أبواب المستشفيات عليهما أن يطرقوا باب الذي بيده كن فيكون ، ويرفعون أيديهما إلى السماء ليُطلب منه سبحانه وتعالى المدد والعون، وأن يرزقهما الذرية الصالحة، فهو الرازق والمعطي والمتفضل والخالق والوهاب.

قال الله عز وجل ( وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِي إِذَا دَعَانِي فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ ) البقرة:186.

وعن ابن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ( إن الدعاء ينفع مما نزل ومما لم ينزل فعليكم عباد الله بالدعاء ) رواه الترمذي والحاكم.

فاحرصا على طرق أبواب السماء بالدعاء، واجتهدا أيما اجتهاد في ذلك، وخاصة الأوقات التي حري أن تستجاب فيها الدعوات: في السجود، وعند نزول المطر، وبين الأذان والإقامة، وفي الثلث الأخير من الليل، وعند الإفطار، وآخر ساعة من يوم الجمعة، وغيرها من الأوقات الفاضلة التي وردت فيها النصوص الشرعية تحث فيها على الدعاء..

وكذلك لا ينسى التصدق على الفقراء والمحتاجين، فإن لها تأثيرا عجيبا في العلاج، وفي دفع الشرور والمصائب، وفي جلب الخيرات والبركات في الحياة الدنيا، عن الحسن رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ( داووا مرضاكم بالصدقة ) رواه أبو داود.

وتأمل كلام ابن القيم رحمه الله وهو يتحدث عن أثر الصدقة في دفع البلاء والشرور في كتابه الوابل الصيب، إذ يقول: وهذا أيضا من الكلام الذي برهانه وجوده، ودليله وقوعه، فإن للصدقة تأثيرًا عجيبًا في دفع أنواع البلاء، ولو كانت من فاجر أو ظالم، بل من كافـر، فإن الله يدفع بها عنه أنواعًا من البلاء، وهذا أمر معلوم عند الناس خاصتهم وعامتهم، وأهل الأرض كلهم مقرون به لأنهم قد جربوه اهـ

مع كل هذا فإنه لا يمنع من مراجعة المستشفيات والعيادات الخاصة من أجل الكشف بالضوابط الشرعية ومعرفة أين يكمن الداء والخلل، وتتبع العلاج في ذلك وأخذ التوجيه والإرشاد والنصائح من قبل الأطباء الحاذقين في ذلك، فهذا من باب الأخذ بالأسباب الذي أمرنا به رسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم، فعن أبو الدرداء رضي الله عنه قال: قال صلى الله عليه وسلم ( إن الله أنزل الداء والدواء وجعل لكل داء دواء فتداووا ولا تداووا بحرام ) رواه أبو داود.

13) الـخاتـمـة: -

في ختام هذه الصفحات أنصح أخواني وأخواتي بتحقيق الإيمان والمبادرة إلى فعل الخيرات، فمن حقق الإيمان واجتهد في الأعمال الصالحة، فإنه يفتح على نفسه ولأهله باباً للدخول إلى الحياة المطمئنة والسعيدة، والتي قد فقدها كثير من الناس في هذا الزمن.

قال الله عز وجل ] مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ [ النحل: 97.

وأن نحذر كل الحذر من المعاصي والذنوب، فهي ربما تكون سلَّم وطريق للوقوع في الخلاف والنزاع بين قلبين متحابين، فما تفرق اثنان بعد الود والحب الذي كان بينهما إلا بسبب ذنب أحدثه أحدهما.

فعن عبدالله بن عمر رضي الله عنهما قال: قال صلى الله عليه وسلم ( والذي نفسي بيده ما تواد اثنان فيفرق بينهما إلا بذنب يحدثه أحدهما ) الترغيب والترهيب للمنذري، وقال الألباني إسناده حسن.

وقال الدكتور بدر عبد الحميد هميسه في كتاب الخلافات الزوجية ( الأسباب والحلول) : احرصا على بناء بيتكما على أساس التّقوى فإنها أزهى وأربى، فإن من أحاط بيته بالمحرّمات أذِن بحلول الشّقاء؛ لأن الذّنوب تعسِّر الأمورَ، وتوحِش القلبَ بين الزّوجين، وكلّما كان الزّواج أقربَ إلى الصّواب كانَ أحرى بالتّوفيق.

ولأن المعصية تجلب الهم والغم، وتولد الشقاء والتعاسة، وتجلب سوادًا في الوجه وقسوةً في القلب، وتتبدل السعادة إلى شقاء والحب إلى كره إلى غير ذلك , وتجعل المرء مغيّيبًا في سجون شهواته ونزواته , ولن ينال العفو والمعافاة إلا بالإنابة إلى ربه , والرجوع إلى مولاه.

وقال أبو علي الدقاق رحمه الله : ظهرت علة بالملك يعقوب بن الليث أعيت الأطباء ، فقالوا له : في ولايتك رجل صالح يسمى سهل بن عبد الله لو دعا لك لعل الله يستجيب له ، فاستحضره ، فقال : ادع الله ، فقال : كيف يستجاب دعائي فيك.وفي حبسك مظلومون ، فأطلق كل من حبسه ، فقال سهل : اللهم كما أريته ذل المعصية ، فأره عز الطاعة وفرج عنه فعوفي.

قال جعفر بن محمد ( من أخرجه الله من ذل المعصية إلى عز التقوى أغناه الله بلا مال وأعزه بلا عشيرة وآنسه بلا أنيس ومن خاف الله أخاف منه كل شيء ومن لم يخف الله أخافه من كل شيء )

والمعصية شؤم على صاحبها, بل وعلى أهله أيضا لأنها ذل في هذه الدنيا، قال بعض السلف: إني لأعصى الله فأرى ذلك في خلق امرأتي ودابتي. اهـ

إذن على كل فرد أن يحاسب نفسه ولاسيّما المتزوجين والمتزوجات، فكل واحد إن رأى تعكرًا أو تعسرًا في حياته، ومشاكل ومطبات وهموم بدأت تدق طبول الحرب في بيته، فعليه مراجعة أفعاله وأقواله وعرضها على الكتاب والسنة، فربما كان هناك تقصير وتهاون في أمر الله عز وجل وأمر نبيه الكريم صلى الله عليه وسلم، أو انتهاك لحرمات الله عز وجل بفعل الفواحش والمنكرات أو ربما تعدي على حقوق الآخرين وظلمهم وأكل أموالهم بالباطل.

وكما أنّ للمعصيةِ شؤم فإنّ للطاعةِ بِرّ قال الكرماني – رحمه الله - : " مَن عمّر ظاهره بإتباع السُنِّة وباطنه بدوام المراقبة، وكفَّ نفسه عن الشهوات، واعتادَ أكلَ الحلال ، لم تخطئ له فراسةٌ أبدًا " .

ومما يجدر الإشارة إليه أنه كيف نميز أن هذا ابتلاء أو عقوبة من الله عز وجل؟! نميز ذلك – أيها الأفاضل - من خلال أن نعلم أن أهل الطاعة يُـبتلون حتى ترتفع درجاتهم ومنزلتهم، لهذا كان الأنبياء والصالحين أشد ابتلاءًا في هذا المقام.

عن مصعب بن سعد عن أبيه رضي الله عنه قال: قلت: يا رسول الله أي الناس أشد بلاء؟ قال ( الأنبياء ثم الأمثل فالأمثل يبتلى الرجل على حسب دينه فإن كان دينه صلبا اشتد بلاؤه وإن كان في دينه رقة ابتلاه الله على حسب دينه فما يبرح البلاء بالعبد حتى يمشي على الأرض وما عليه خطيئة ) رواه الترمذي وقال حديث حسن صحيح.

أما الذين يعصون الله عز وجل وينتهكون محارمه فالأصل أن ما يصيبهم من مصائب وهموم بسبب ما كسبت أيديهم وما يعفوا عنه سبحانه كثير، وذلك حتى يعودوا إلى جادة الصواب، ويرفعون أيديهم إلى الله عز وجل، ويطلبون منه أن يعجل لهم الفرج والمخرج، ويرفع عنهم البأساء والضراء، قال الله عز وجل ( وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا إِلَى أُمَمٍ مِنْ قَبْلِكَ فَأَخَذْنَاهُمْ بِالْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ لَعَلَّهُمْ يَتَضَرَّعُونَ ) الأنعام:42.

ولنتأمل تلك الكلمة الرائعة التي ذكرها الإمام الحسن البصري رحمه الله تعالى حول هذا الباب إذ قال: إن كان ما يصيبنا عقوبة وسخط فعلينا بالتوبة والاستغفار وإن كان ما يصيبنا ابتلاء واختبار فعلينا بالصبر والدعاء.

هذه توجيهات وتنبيهات قصيرة في هذه الصفحات المتواضعة، وكما يقال ما خرج من القلب يصل إلى القلب بإذن الله تعالى، فنسأل الله الإخلاص في القول والعمل، ونسأله سبحانه وتعالى أن يوفق الجميع لما فيه الخير، وأن يحبب إلينا الإيمان ويزينه في قلوبنا ويكره إلينا الكفر والفسوق والعصيان..

وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين


الـمـراجــــع

1) القرآن الكريم.

2)التفسير الميسر. عائض القرني

3) صحيح البخاري. الإمام البخاري

3) سنن النسائي. أحمد بن شعيب أبوعبد الرحمن النسائي

4) الترغيب والترهيب. عبدالعظيم بن عبدالقوي المنذري

5) حقوق الأسرة في الإسلام. الشيخ زاهر العبري.

6) فقه السنة. سيد سابق

7) الزواج وفوائده وآثاره النافعة. عبد الله بن جار الله

8) منهاج المسلم. أبو بكر الجزائري

9) مجلة البلاغ العدد رقم 862 .فهد التميمي

10) الزواج في ظل الإسلام. عبد الرحمن عبد الخالق

11) كيف تختار شريك حياتك. تأليف دار الحضارة للنشر والتوزيع

12) مقال أهذا هو الحب. موقع طريق الإسلام

13) قصص الأنبياء. الحافظ ابن كثير.

14) الوابل الصيب. ابن القيم الجوزية

15) الخلافات الزوجية(الأسباب والحلول) بدر عبدالحميد هميسه

16) عوائق في طريق الزواج. صالح بن محمد آل طالب

17) الحجاب . أبو الأعلى المودودي

18) الأسرة المسلمة في زمن العولمة. فاطمة عمر نصيف

19) المشاكل الزوجية. إحسان الحلواني

20) الفتن في الأموال والأزواج والأولاد. عبدالله القصير

« الفهـرس »


الموضوع الصفحة

1) شريكة حياتك.. ووقفة أخوية ..............................................( )

2) شريك حياتكِ .. ونصائح ذهبية ...........................................( )

3) غلاء المهور وأضراره .. ...................................................( )

4) الإسراف في الأفراح ......................................................( )

5) من حكم الزواج وفوائده ...................................................( )

6) أيها الزوج وأيتها الزوجة ..الزواج حب ومودة ................................( )

7) وقفة مع مشكلات ومطبات في الحياة الزوجية .................................( )

8) نصائح وإرشادات للمتزوجين والمتزوجات ...................................( )

9) لا تتغافلوا عن الأمور الإيجابية في حياتكم الزوجية .............................( )

10) الحذر من مضيعي البيوت والقلوب ........................................( )

11) عند اشتداد الأمور تتبين معادن الزوج والزوجة .............................( )

12) الابتلاء في الحياة الزوجية ومن ذلك تأخر الإنجاب..........................( )

13) الـخاتـمـة ..............................................................( )


(1) حقوق الأسرة في الإسلام. تأليف سعادة الشيخ زاهر العبري وكيل وزارة العدل حالياً

)1( حقوق الإسره في الإسلام. الشيخ زاهر العبري وكيل وزارة العدل حالياً.

)1( مقال باسم أهذا هو الحب. موقع طريق الإسلام