الإستغفار طريقك للسعادة والطمأنينة

الاستغفار.. طريقك للسعادة والطمأنينة!!

إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله.

] يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ [ سورة آل عمران الآية 102.

] يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَتَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً [ سورة النساء الآية: 1.


] يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً (70) يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً [ سورة الأحزاب: 70-71.

أما بعد..:

إعلم – رعاك الله - وأنت تبحر في هذه الحياة الدنيا، فإن حياتك لا بد أن تمتزج مع شيء من الابتلاء والاختبار، ولا بد أن تسقط أحيانا وتنجو أحيانا أخرى.

والسعيد الموفق هو ذلك الذي إن وقع في المعاصي والذنوب، حاسب نفسه ثم غير اتجاه سيره إلى الطريق الصحيح، وعاد إلى ربه سبحانه وتعالى، فعن أنس رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال ( كل ابن آدم خطاء وخير الخطائين التوابون ) رواه الترمذي وابن ماجه والحاكم.

نعم كل ابن آدم خطاء، وكل ابن آدم لا بد أن يرتكب المنهيات والمخالفات صغيرة كانت أم كبيرة، ولا بد أن يقع أحيانا في شباك الشيطان والنفس والهوى والدنيا، ولكن السؤال الذي يطرح نفسه: هل أعددنا العدة للدخول إلى هذه المعركة الشرسة؟؟!.

رحم الله من قال:

إني بليت بأربع ما سلطت إلا لعظم بليتي وشقائي

إبليس والدنيا ونفسي والهوى كيف التخلص من يدى أعدائي

إن الله سبحانه وتعالى قد حذرنا من خطوات الشيطان وما يدعوا إليه، فالشيطان قد يضخّم من مسألة الفقر ولو كان الرجل غنياً، ويحرص كل الحرص على أن لا ينفق الواحد منا ريالاً واحداً، بل يبث الرعب والخوف لدى البعض من خلال التفكير في المستقبل، والخشية من تقلب الحال.

إننا إن لم نعرف حقيقة الشيطان وما يدعوا إليه، فلا بد أن يتسلل كاللص إلى قلعة القلب، فإن كانت قلعة القلب غير محصنة، فما من شك أنه سوف يجد مدخلا إلى ذلك بدون مقاومة، ثم يثـقل على القلب والنفس نور الاستقامة، وباب الأنفاق، والإحسان إلى الناس، ومن إعانة المحتاجين والمساكين.

ويزين لنا طريق الفحشاء والمنكر، ويدعوا دون كلل أو ملل إلى الأعمال السيئة والمهلكة، فأعرف عدوك الآن وأحذر منه كل حذر حتى لا يأخذك إلى أبواب الهلاك والضياع.

قال عز وجل ] الشَّيْطَانُ يَعِدُكُمْ الْفَقْرَ وَيَأْمُرُكُمْ بِالْفَحْشَاءِ [ سورة البقرة: 268. وقال الله عز وجل ] يَا أَيُّهَا النَّاسُ كُلُوا مِمَّا فِي الأَرْضِ حَلالاً طَيِّباً وَلا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ (168) إِنَّمَا يَأْمُرُكُمْ بِالسُّوءِ وَالْفَحْشَاءِ وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لا تَعْلَمُونَ [ سورة البقرة: 168-169.

واحذر النفس التي بين جنبيك، فإن هيجتك ودعتك إلى فعل السوء والشر فأسعى إلى مخالفتها، ولو كان هذا الأمر ثقيلا عليك، ففي مخالفتها سوف تكون النجاة والفوز.

وقد حذرنا الله سبحانه وتعالى على لسان امرأة العزيز أن النفس لأمارة بالسوء، فقال الله عز وجل ] وَمَا أُبَرِّئُ نَفْسِي إِنَّ النَّفْسَ لأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ إِلاَّ مَا رَحِمَ رَبِّي إِنَّ رَبِّي غَفُورٌ رَحِيمٌ [ سورة يوسف: 53.

جاء في التفسير الميسر: قالت امرأة العزيز: وما أزكي نفسي ولا أبرئها, إن النفس لكثيرة الأمر لصاحبها بعمل المعاصي طلبا لملذاتها, إلا مَن عصمه الله. إن الله غفور لذنوب مَن تاب مِن عباده, رحيم بهم. اهـ

أما عن الهوى، فهو ما تميل إليه النفس مما لم يبحه الشرع، وقد جاء الشرع لإخراج المكلف من سجن الهوى، حتى يكون عبداً لله سبحانه وتعالى، قال الله عز وجل ] وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنْ الْهَوَى [ سورة عبس: 40.

وعن أبي برزة رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال ( إنما أخشى عليكم شهوات الغي في بطونكم وفروجكم ومضلات الهوى ) رواه أحمد والبزار والطبراني. وعن أنس رضي الله عنه، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ( وأما المهلكات فشح مطاع وهوى متبع وإعجاب المرء بنفسه ) رواه البزار والبيهقي وغيرهما.

وأما عن الحياة الدنيا فإنها دار الزينة والتفاخر والتكاثر، فقد قال الله عز وجل ] اعْلَمُوا أَنَّمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَزِينَةٌ وَتَفَاخُرٌ بَيْنَكُمْ وَتَكَاثُرٌ فِي الأَمْوَالِ وَالأَوْلادِ [ الحديد: 20.

إن في هذا الحطام الزائل سقط من سقط في شباك الغفلة وطول الأمل، ونجا من نجا من تلك الشباك المهلكة، وكثير من الناس قد أحسنوا علاقتهم مع الدنيا، وعقدوا اتفاق معها للمرح واللعب، وأضاعوا علاقتهم مع كتاب ربهم جل جلاله، وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم إلا ما رحم ربك وقليل ما هم.

إن هذه الزخارف والزينة التي نراها في الحياة الدنيا ما هي إلا متاع زائل، وسحابة صيف توشك أن تنقشع قريبا، فلا تغتروا – حفظكم الله – ولا تتعلق قلوبكم بها، فقد قال الله عز وجل ] وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلاَّ مَتَاعُ الْغُرُور [ آل عمران: 185.

بل ذكر الله عز وجل أن الدنيا دار لعب ولهو، وحثنا بالمسارعة لفعل الخيرات، والتنافس لجمع الحسنات، وتحقيق التقوى قولا وعملا، قال الله عز وجل ] وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلاَّ لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَلَلدَّارُ الآخِرَةُ خَيْرٌ لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ أَفَلا تَعْقِلُونَ [ الأنعام:32.

إنـها معركة ضروس بيننا وبين الشيطان والنفس والهوى والدنيا، وربما تكون هذه المعركة طويلة وشاقة، فنسقط مرة وننجو مرة أخرى، ولنحذر كل الحذر أن لا يكون السقوط دائما أو كثيرا.

وكذلك ينبغي علينا أن لا نستعظم ذنوبنا ومعاصينا ولو بلغت عنان السماء، ونرى أنفسنا أننا هالكون وضائعون في ظلمة الشهوات والملذات المحرمة، وأن الغفور الرحيم سوف يطردنا من باب رحمته ومغفرته.

فرحمة الله عز وجل وسعت كل شيء، وهو الذي يغفر الذنوب جميعا، ولو بلغت الذنوب والمعاصي ما بلغت، ثم طرقنا باب رحمته ومغفرته لوجدنا قد فتح الباب علينا، فما أحلم هذا الرب الكريم، الغفور الرحيم، نعصيه ونخالف أمره في الليل والنهار وهو يسترنا ويمهلنا، وينادي في الثلث الأخير من الليل ( من يستغفرني فأغفر له ).

وقد أخرج ابنُ أبي الدنيا رحمه الله - في كتاب الشكر- عن مالك بن دينار رحمه الله قال: قرأتُ في بعض الكتب أنَّ الله يقول ( يا بنَ آدم، خيري ينزل إليك، وشرُّكَ يصعدُ إليَّ، وأتحبَّب إليك بالنِّعم، وتتبغَّض إليَّ بالمعاصي، ولا يزال ملكٌ كريم قد عرج إلي منك بعملٍ قبيح )

بل أعجب ما قرأت من الأحاديث النبوية أن صاحب الشمال لا يسجّل الذنب الذي اقترفته مباشرة، وإنما يُمهلك ويعطيك فرصة لمدة ست ساعات، حتى تستعيد أنفاسك وتعلم في أي الطريق سقطت، فربما بعد ذلك تتوب وترجع إلى ربك، فإن لم تتب وترجع كُـتبت سيئة واحدة.

فقد جاء الحديث الذي حسنه الإمام الألباني في صحيح الجامع عن النبي صلى الله عليه وسلم قال ( إن صاحب الشمال ليرفع القلم ست ساعات عن العبد المسلم المخطئ فإن ندم واستغفر الله منها ألقاها وإلا كتبت واحدة )

فأقبل إلى الغفور الرحيم..

وأبحر إلى شواطئ التائبين..

عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ( لو أخطأتم حتى تبلغ السماء ثم تبتم لتاب الله عليكم ) رواه ابن ماجه بإسناد جيد . وعن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال ( التائب من الذنب كمن لا ذنب له ) رواه ابن ماجه والطبراني.

وعن معاذ بن جبل رضي الله عنه قال: قلت يا رسول الله أوصني قال ( عليك بتقوى الله ما استطعت، واذكر الله عند كل حجر وشجر، وما عملت من سوء فأحدث له توبة، السر بالسر، والعلانية بالعلانية ) رواه الطبراني بإسناد حسن.

إن باب التوبة مفتوح – أيها القارئ الكريم- ولم يغلق حتى الآن، فأكسر حاجز الشهوات المحرمة والغفلة وأتباع الهوى، بالعودة الصادقة إلى رب الأرض والسماوات، وأطرق باب رحمته بالدعاء، واللجوء إليه في كل وقت، واستغفر ربك من جميع الذنوب والخطايا التي ربما ثقلت عليك المسير إلى جنة الرحمن، وأبعدتك عن أبواب الخير والصلاح.

قال الله عز وجل ( وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلاَّ اللَّهُ وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَى مَا فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ ) سورة آل عمران الآية 135.

نعم .. ذكروا وعد الله ووعيده فلجئوا إليه، واستغفروا من ذنوبهم وخطاياهم ولم يصروا عليها وهم يعلمون، وشدوا الرحال للسفر عنها وهجرها بكل قوة وعزيمة، فيا بشراهم في هذه الحياة الدنيا قبل الآخـرة.

أخي .. إن في الدنيا لذة ومتعة لا يتذوق طعمها إلا من سلك طريق الصالحين، وثبت على أركان الإيمان، وأبتعد عن الذنوب والمعاصي، واجتهد في الأعمال الصالحـة، وتنافس لفعل الخيرات وكسب الحسنات ] وَفِي ذَلِكَ فَلْيَتَنَافَسْ الْمُتَنَافِسُونَ [

فانتهز واغتنم هذه الفرصة قبل الرحيل...!!

قال عبدالقادر الجيلاني رحمه الله في الفتح الرباني: يا قوم انتهزوا واغتنموا باب الحياة ما دام مفتوحاً، عن قريب يغلق عنكم، اغتنموا أفعال الخير ما دمتم قادرين عليها، اغتنموا باب التوبة وادخلوا فيه ما دام مفتوحاً لكم، اغتنموا باب الدعاء فهو مفتوح لكم، اغتنموا باب مزاحمة إخوانكم الصالحين فهو مفتوح لكم.اهـ

فحاسب نفسك - أخي في الله - قبل أن تُحاسب، وأرجع إلى ربك قبل الرجعى إليه وأنت من غير زاد، واعلم أنها سويعات توشك أن ترحل عنها وذلك بخروج روحك من جسدك ثم يحال بينك وبين ما تتمنى وتشتهي لتلك الأماني الزائفة، وتقول بعد ذلك ربِ ارجعون

قال الله عز وجل ] حَتَّى إِذَا جَاءَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ رَبِّ ارْجِعُونِ (99) لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحًا فِيمَا تَرَكْتُ كَلا إِنَّهَا كَلِمَةٌ هُوَ قَائِلُهَا وَمِنْ وَرَائِهِمْ بَرْزَخٌ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ [ المؤمنون 99-100.


قال الحافظ ابن كثير - رحمه الله - في تفسيره: يخبر تعالى عن حال المحتضر عند الموت، من الكافرين أو المفرطين في أمر الله تعالى، وقيلهم عند ذلك، وسؤالهم الرجعة إلى الدنيا، ليصلح ما كان أفسده في مدة حياته؛ ولهذا قال: ] رَبِّ ارْجِعُونِ * لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحًا فِيمَا تَرَكْتُ كَلا [. اهـ

فشد الهمة – حفظك الله ورعاك- وارجع إلى ربك قبل أن تأتي ساعة الرحيل، قبل أن يأتي ملك الروح لقبض روحك، واركب سفينة التائبين والنادمين ولا تستوحش طول السفر حتى تصل إلى شواطئ النجاة.

واجعل الصالحين المخلصين رفقائك في هذا الدرب، فإنهم خير معين لك على الإبحار في هذه الحياة الدنيا المتلاطم فيها أمواج من الفتن والشهوات المحرمة.

ولتعلم .. إن الدنيا دار ابتلاء بالمكاره والشهوات، فطوبى لمن ثبت على المكاره وصبر فإن ذلك طريق إلى الجنة، وأبتعد عن الانغماس في الملذات والشهوات المحرمة لأنها طريق إلى النار، ففي صحيح مسلم عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ( حفت الجنة بالمكاره، وحفت النار بالشهوات )

وتذكر أن الله سبحانه وتعالى قد أمر نبيه الكريم – صلى الله عليه وسلم - بالصبر مع أصحابه من فقراء المؤمنين الذين يعبدون ربهم، وأن لا يقلب عيناه لرؤية ما عند الكفار من زينة الحياة الدنيا.

قال الله عز وجل ] وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ وَلا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَلا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطاً [ الكهف: 28.

وأعلم – وفقك الله – أن تلك السيئات والآثام التي ارتكبتها وتلطخت بها في الماضي القريب، إن عدت وأنبت إلى ربك ، وفتحت صفحة جديدة في حياتك، وتركت صغير الذنب وكبيره، وأكثرت من الأعمال الصالحة، فإن الله تبارك وتعالى يبدل تلك السيئات حسنات، إنه مالك الملك، الغفور الرحيم، يبسط يده بالليل ليتوب مسيء النهار، ويبسط يده بالنهار ليتوب مسيء الليل حتى تطلع الشمس من مغربها.

قال الله عز وجل ] إِلاَّ مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلاً صَالِحاً فَأُوْلَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُوراً رَحِيماً (70) وَمَنْ تَابَ وَعَمِلَ صَالِحاً فَإِنَّهُ يَتُوبُ إِلَى اللَّهِ مَتَاباً [ سورة الفرقان 70-71.

فأول الطريق للعيش السعيد والطمأنينة وراحة البال .. (( التوبة النصوح )) ثم تحقيق الإيمان، والإكثار من الأعمال الصالحة، وترك الذنوب والمعاصي والندم على اقترافها في أيام قد خلت.

تعيش بعد ذلك في حياتك بأمان واستقرار، وتحفك عناية الرحمن، وتـتـنزل عليك البركات والرحمات، ويأتيك الرزق من الرزاق من حيث لا تحتسب، وذلك فضل الله يؤتيه من يشاء والله ذو الفضل العظيم.

قال محمد الصادق عرجون في كتاب سنن الله في المجتمع: وقد بين القرآن العظيم أن من سنن الله تعالى التي أجرى نظام المجتمع في ظل سلطانها أنه إذا اعتصم المجتمع أي مجتمع بحبل الإيمان ، واستمسك بالتقوى ، واستقام في منهج حياته على طريق الخير والحق..

تنزلت عليه بركات الله ورحماته وإنعاماته من السماء، وتفتحت له الأرض عن خيراتها وكنوزها، قال الله عز وجل ] وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنْ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ [ الأعراف: 96. اهـ

أيها المسلم وأيتها المسلمة...

إن للاستغفار والتوبة آثاراً وأسراراً جميلة ورائعة، وهو بلسم وسلّم إلى الطمأنينة والسعادة التي يبحث عنها كثير من الناس، وهو الطريق الممتع الذي من سلكه يكون قد حط رجليه على سفينة النجاة.

فإلى كل من يريد غفران الذنوب والزلات، وإلى من يريد السعادة الأبدية، وإلى كـل من يريد الطمأنينة والاستقرار في حياته، وإلى أولئك الذين يريدون الألفة والحب في الحياة الزوجية، وإلى كـل مبتلى ومصاب، وإلى من ضاقت عليهم الدنيـا بما رحبت، وإلى كل شاب وفتاة تعسرت أمورهم أمام بوابة الزواج.

عليكم بكثـرة الاستغفار والتوبـة، الذي قد تهاون فيه كثير من المسلمين والمسلمات وذلك بسبب عدم استشعارهم أهمية وفضل الاستغفار في حياتهم الدنيوية والأخروية.

فمن يريد انشـراح الصدر، وراحة البال، وطمأنينة القلب، والمتاع الحسـن. فعليـه بعتبة الاستغفار، قال الله تعالى ] وَأَنِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ يُمَتِّعْكُمْ مَتَاعًا حَسَنًا إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى [

ففي الآية وعد من الله عز وجل بالمتاع الحسن لمن استغفر وتاب من جميع الذنوب والخطايا، والمراد بقوله ] يُمَتِّعْكُمْ مَتَاعًا حَسَنًا [ كما قال ابن عباس رضي الله عنه: يتفضل عليكم بالرزق والسعة. وقال القرطبي رحمه الله "هذه ثمرة الاستغفار والتوبة أن يـمتعكم بالمنافع من سعة الرزق ورغد العيـش"

وإلى كل من يريد قوة الجسـم، وصحة البدن، ونزول المطر بتتابع، وكثرة الخير والبركة، فعليه بالاستغفـار، قال الله عز وجل عن هود عليه السلام ] وَيَا قَوْمِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ يُرْسِلْ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَاراً وَيَزِدْكُمْ قُوَّةً إِلَى قُوَّتِكُمْ [ سورة هود:52

وإلى كل من يريد غفران الذنوب والزلات، ونزول المطر من الغمام، والذريـة الصالحة، والرزق الواسـع، فعليـه بالاستغفار، قال الله عز وجل عن نوح عليه السلام ] فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّاراً (10) يُرْسِلْ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَاراً (11) وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَلْ لَكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَلْ لَكُمْ أَنْهَاراً (12) [ سورة نوح 10-12.

يقــول القرطبــي رحمــه الله تعالى: " فــي الآيات دليــل على أن الاستغفــار يُستـنــزل بـه الرزق والأمطـــار"

ويقول الحافظ ابن كثير رحمه الله في تفسيره: "أي إذا تبتم إلى الله واستغفرتموه، وأطعتموه كثر الرزق عليكم، وأسقاكم من بركات السماء ، وأخرج لكم من بركات الأرض، وأنبت لكم الزرع، وأدر لكم الضرع، وجعل لكم جنات فيها أنواع الثمار، وخللها بالأنـهار الجارية بينها".

وفي أيسر التفاسير للشيخ أبو بكر الجزائري قال" من هداية هذه الآيات الكريمات : أنه استنبط بعض الصالحين من هذه الآيات أن من كانت له رغبة في مال أو ولد فليكثر من الاستغفار الليل والنهار ولا يمل، يعطه الله تعالى مراده من المال والولد." اهـ.

نعم أخواني وأخواتي .. فالاستغفار مفتح الأبواب، ومغير الأحوال، وجالب الخير، وهو طريق يأخذ بيديك إلى الفلاحالفلاح، وبه تستدفع النقم والعقوبات العامة.

روي عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه أنه قال: كان في الأرض أمانان من عذاب الله وقد رفع أحدهما فدونكم الآخر فتمسكوا به، قال الله عز وجل ] وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ وَمَا كَانَ اللَّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ [ الأنفال الآية 33.

وعن أبن مسعود رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ( من لازم الاستغفار جعل الله له من كل ضيق مخرجاً ومن كل هم فرجاً ورزقه من حيث لا يحتسب ) أخرجه أبو داود: كتاب الصلاة باب في الاستغفار 2/85 وله شواهد.

قال حسن بن أحمد بن حسن همام في شرح هذا الحديث: ففي هذا الحديث يخبر الصادق المصدوق عن ثـمرات يجنيها من أكثر الاستغفار؛ إحداها الرزق من الله الرازق ذي القوة المتين من حيث لا يظن العبد، ولا يرجو ولا يخطر بباله؛ فعلى الراغبين في الرزق، وكثرتـه وبركته المسارعة إلى الاستغفار بالمقال والفعال، ولكن الحذر الحذر من الاقتصار على الاستغفار باللسان دون الفعال فإنه فعل الكاذبـين. اهـ

وربـما البعض يتساءل ويقول كل هذا في الاستغفـار والتوبة، نقول نعم كل هذا في الاستغفار والتوبة وربـما أكثر من ذلك، لأن مـا يصيبنا من مصائب وهـموم ومشاكل وتعسر، فالأغلب أنه بسبب التهاون في الطاعات والواجبات أو بسبب ارتكاب المنهيات والمخالفات الشرعية.

قال الله عز وجل ] وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ [ الشورى:30، وقال جل جلاله ] مَنْ يَعْمَلْ سُوءاً يُجْزَ بِهِ وَلا يَجِدْ لَهُ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلِيّاً وَلا نَصِيراً [ النساء:123.

وقال الله عز وجل ( ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ [ الروم: 41.

وفي الحديث عن عبدالله بن عمر رضي الله عنه قال، قال رسول الله صلى عليه وسلم ( وجعل الذلة والصغار على من خالف أمري ) مسند الإمام أحمد. وقال أحمد شاكر إسناده صحيح.

فيا أخي المسلم ويا أختي المسلمـة.. لنكثـر من الاستغفار فـي الليل والنهـار حتى نفوز بالأجر العظيـم، فيـا بشرى من وجد استغفاراً كثيـراً في صحيفتـه، ويا خسارة من لم يجـد شيئاً من ذلك في يـوم لا ينفع مال ولا بنون إلا مـن أتى الله بقلب سليـم.

عن عبد بن بسر رضي الله عنه قال: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول ( طوبى لمن وجد في صحيفته استغفار كثير ) رواه ابن ماجه بإسناد صحيح والبيهقي. وعن الزبير رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ( من أحب أن تسره صحيفته فليكثر فيها من الاستغفار ) رواه البيهقي بإسناد لا بأس به.

وإليك – أيها المسلم الموفق - كيف كان الأنبياء والمرسلين يستغفرون الله عز وجل، فإذا كان هؤلاء هم صفوة خلق الله عز وجل يلجئون إليه ويستغفرونه دائما، ويلحون عليه بالدعاء وطلب المدد منه وحده لا شريك له.

فكيف بحالي وبحالك وقد تلطخنا بالذنوب والمعاصي، وقصرنا في كثير من العبادات والأوامر، فحري بنا أن نكثر من التوبة والاستغفار ونضاعف من ذلك، لعل وعسى أن يتوب الله عز وجل علينا ويغفر لنا ذنوبنا.

والله المستعان وبه التكلان ..

ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم..

يقول الله سبحانه وتعالى عن استغفار أبينا آدم وزوجه: ] قَالا رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنفُسَنَا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنْ الْخَاسِرِينَ [ الأعراف:23

ويذكر لنا الله عز وجل استغفار نبيه موسى عليه الصلاة والسلام ] قاَلَ رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي فَاغْفِرْ لِي [ القصص:16 ،

ويقول الله عز وجل عن داود عليه الصلاة والسلام ] وَظَنَّ دَاوُودُ أَنَّمَا فَتَنَّاهُ فَاسْتَغْفَرَ رَبَّهُ وَخَرَّ رَاكِعًا وَأَنَابَ [ ص:24، ويقول جل جلاله عن سليمان عليه الصلاة والسلام ] قَالَ رَبِّ اغْفِرْ لِي وَهَبْ لِي مُلْكًا لا يَنْبَغِي لأَحَدٍ مِنْ بَعْدِي إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ [ ص:35

ويقول الله عز وجل عن نوح عليه الصلاة والسلام ] رَبِّ اغْفِرْ لِي وَلِوَالِدَيَّ وَلِمَنْ دَخَلَ بَيْتِي مُؤْمِنًا وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ [ نوح:28.

هؤلاء هم رسل الله عليهم صلوات الله وسلامه، أقرب الخلق إلى الله، وأعلمهم بالله عز وجل، يعلموننا ويرشدوننا كيفية الاستغفار والتوبة، ويطلبون المغفرة من رب العالمين، ولقد كان نبينا محمد صلى الله عليه وسلم سيد المستغفرين مع أن الله سبحانه وتعالى قد غفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر.

فقد كان رسولنا الكريم محمد صلى الله عليه وسلم يستغفر في جميع أحواله، قال عليه الصلاة والسلام ( إنَّهُ لَيُغانُ على قَلْبِي، وإني لأَسْتَغْفِرُ اللَّهَ في اليَوْمِ مِئَة مَرَّةٍ‏ ) صحيح مسلم. وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ( واللّه إنّي لأَسْتَغْفِرُ اللَّهَ وأتُوبُ إلَيهِ فِي اليَوْمِ أكثَرَ مِن سَبْعِينَ مَرَّة ) صحيح البخاري.

وعن ابن عمر - رضي الله عنه - قال: إن كنا لنعد لرسول الله صلى الله عليه وسلم في المجلس الواحد مائة مرة "رب اغفر لي وتب علي إنك أنت التواب الرحيم" رواه أبو داود والترمذي وقال حديث حسن صحيح.

وعن ثوبان - رضي الله عنه – قال ( كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا انصرف من صلاته استغفر ثلاثا ) رواه مسلم. بمعنى بعد أداء صلاة الفرض يستغفر ثلاث مرات عليه الصلاة والسلام: استغفر الله، استغفر الله، استغفر الله.

وكان من دعاء النبي صلى الله عليه وسلم ( اللهم اغفر لي خطيئتي وجهلي، وإسرافي في أمري، وما أنت أعلم به مني، اللهم اغفر لي هزلي وجدي وخطئي وعمدي وكل ذلك عندي، اللهم اغفر لي ما قدمت، وما أخرت وما أسررت وما أعلنت، وما أنت أعلم به مني، أنت المقدم وأنت المؤخر وأنت على كل شيء قدير ) متفق عليه من حديث أبي موسى الأشعري واللفظ لمسلم.

استغفر ربك – أخي الكريم - في الطريق، وفي البيت، وأنت تقود مركبتك، وأنت مع الأصدقاء، وأحرص كل الحرص على أن ترطب لسانك بالإكثار من الاستغفار والتوبة، والهج دائما بذكر الله عز وجل، فهذا هو طريق النجاح والفلاح في الدنيا قبل الآخرة.

عن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ( ما أصبحت غداة قط إلا استغفرت الله فيها مائة مرة ) رواه الطبراني.

وهنا لفتة مهمة في الحديث المذكور، فمع انشغال نبينا وقائدنا وقدوتنا محمد صلى الله عليه وسلم بهم الأمة، من دعوة وتذكير ونصح وجهاد، إلا إنه عليه الصلاة والسلام قد خصص وقت للاستغفار، فحري أن نتمسك بهديه صلى الله عليه وسلم.

أخي الكريم..وأختي الفاضلة..

كم هم الذين في ضيق وينتظرون المخرج؟ وكم هم الذين في هم ينتظرون الفرج ؟ وكم هم الذين في مشاكل ومصائب يبحثون عن العلاج هنا وهناك.

وربـما بحثوا عن العلاج في المحرمات والمنهيات من شرب المسكرات، والانغماس في مراتع الشهوات وإشباع الغرائز ، والتردد على العرافين والكهان، فأين هم من هذا الدواء الناجع الذي ضيعه الكثير منا ؟؟!!

إنه دواء الروح والقلب.

قال الدكتور حسين شرفه في ختام كتابه سنن الله في إحياء الأمم ( ...فالاستغفار والتوبة يتحولان إلى سلوك حضاري تمارسه الأمة، وهو بداية طريق البناء، وهو اللبنة الأولى في صرح الأعمال القلبية التي عليها مدار صلاح الأمم.

وقد رتب الكتاب والسنة آثاراً وثماراً للاستغفار والتوبة هي: التمتيع الحسن إلى أجل مُسمى – إدرار الأمطار وما ينتج عنها من جنات وأنهار – زيادة القوة بالإمداد بالأموال والبنين، هذا ما ضمنه الله تعالى للأمة الملازمة للاستغفار والتوبة، وهو وعد الله تعالى الذي لا يخلف الميعاد. اهـ

ففـر إلى الله سبحانه وتعالى ، وألجئ إليه في الليل والنهار ، وتقرب إليه بعمل الطاعات، والبعد عن المعاصي والذنوب فهي داء، واجتهد في الإكثار من دواء القلوب. قال قتادة رحمة الله ( إن القرآن يدلكم على دائكم ودوائكم، أما داؤكم فالذنوب، وأما دواؤكم فالاستغفار )

وقال علي بن أبي طالب رضي الله عنه ( العجب ممن يهلك ومعه النجاة قيل: وما هي؟ قال: الاستغفار ) وكان رضي الله عنه يقول ( ما ألهم الله - سبحانه وتعالى- عبداً الاستغفار وهو يريد أن يعذبه )

وقال أحد الصالحين الأخيار ( العبد بين ذنب ونعمة لا يصلحهما إلا الحمد والاستغفار ) ويروى عن لقمان عليه السلام أنه قال لابنه ( يا بني إن لله ساعات لا يرد فيها سائلاً فأكثر من الاستغفار )

وقال بكر بن عبد الله المزني -رحمه الله تعالى- ( أنتم تكثرون من الذنوب؛ فاستكثروا من الاستغفار، فإن الرجل إذا وجد في صحفيته بين كل سطرين استغفاراً سره مكان ذلك )

وعن الحسن البصري رحمه الله قال: « أكثروا من الاستغفار في بيوتكم، وعلى موائدكم، وفـــي طرقكـــم، وفـي أسواقكم، وفي مجالسكم، أينما كـنتم؛ فإنكم ما تـدرون متى تنزل الـمغفرة »

وقال أحد الصالحين : أربعة تجلب الرزق: قيام الليل، وكثرة الاستغفار بالأسحار، وتعاهد الصدقة، والذكر أول النهار وآخره .

وقال جعفر بن محمد لسفيان الثوري رحمهم الله تعالى ( إذا كثرت همومك فأكثر من لا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم، وإذا درت عليك النعم فأكثر من الحمد لله رب العالمين، وإذا أبطأ عنك الرزق فأكثر من الاستغفار )

وعن بكر بن عبد الله المزني رحمه الله يقول: « لقيت أخًا لي من إخواني الضعفاء فقلت: يا أخي أوصني. فقال: ما أدري ما أقول؛ غير أنه ينبغي لهذا العبد أن لا يفتر عن الحمد والاستغفار وابن آدم بين نعمــة وذنب ولا تصلح النعمة إلا بالحمـد والشكـر ولا الذنب إلا بالتوبــة والاستغفــــار. قال: فأوسعنـــي علمًا ما شئـــت »

إخواني وأخواتي .. إن القلب لا يسعد ولا يهدى له بال إلا بالتقرب إلى رب السماء، والإنطراح بين يديه بذل وافتقار، والإكثار من الدعاء والذكر، إنها حقيقة لا بد أن ندركها، فلو جمعت ما جمعت من حطام الدنيا، فإنها لذات ومتع زائلة لا محال، وربـما تكون حسرة وندامة يوم القيامة إذا لم تسخرها لطاعة الرحمن.

إن من يريد السعادة الحقيقية والأمن والاستقرار النفسي فعليه بالعودة الصادقة إلى الله عز وجل، ولزوم عتبة العبودية، والإكثار من الاستغفار في الليل والنهار، وتحقيق الإيـمان الصافي الذي لا يشوبه شائبة.

والتنافس مع المتنافسين في الأعمال الصالحة من صلاة وزكاة وصوم وحج ودعاء والإحسان إلى الخلق، وغيرها من أبواب الخير، فبذلك نعيش حياة مطمئنة ومستقرة، تأتي البركات من السماء والأرض، وتتدفق علينا النعم والخيرات من حيث لا نحتسب.

قال الله عز وجل ] مَنْ عَمِلَ صَالِحاً مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ [ سورة النحل 97.

جاء في التفسير الميسر تحت هذه الآيات: مَن عمل عملا صالحًا ذكرًا كان أم أنثى, وهو مؤمن بالله ورسوله, فلنحيينه في الدنيا حياة سعيدة مطمئنة, ولو كان قليل المال, ولنجزينَّهم في الآخرة ثوابـهم بأحسن ما عملوا في الدنيا. اهـ

وقال الله عز وجل في سورة الجن ] وَأَلَّوْ اسْتَقَامُوا عَلَى الطَّرِيقَةِ لأَسْقَيْنَاهُمْ مَاءً غَدَقاً (16) لِنَفْتِنَهُمْ فِيهِ وَمَنْ يُعْرِضْ عَنْ ذِكْرِ رَبِّهِ يَسْلُكْهُ عَذَاباً صَعَداً [ الآية:16-17

جاء في التفسير الميسر تحت هذه الآيات: وأنه لو سار الكفار من الإنس والجن على طريقة الإسلام، ولم يحيدوا عنها لأنزلنا عليهم ماءً كثيرًا، ولوسَّعنا عليهم الرزق في الدنيا؛ لنختبرهم: كيف يشكرون نعم الله عليهم؟ ومن يُعرض عن طاعة ربه واستماع القرآن وتدبره, والعمل به يدخله عذابًا شديدًا شاقًّا. اهـ

قال الحسن البصري -رحمه الله-: لو استقاموا على طاعة الله، وما أمروا به لأكثر الله لهم الأموال حتى يغتنوا بها. ثم يقول الحسن: والله إن كان أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم لكذلك، كانوا سامعين لله مطيعين له، فتحت عليهم كنوز كسرى وقيصر. الدر المنثور (8/305).

نحن في نعم وخيرات كثيرة، وهذا من فضل الله عز وجل علينا وعلى بلادنا، ولا بد أن نقيد هذه النعم بشكر الله سبحانه وتعالى، ونستعين بها على طاعة الرحمن. فالنعم إن لم تقيد بالشكر والثناء على الله عز وجل ربـما تزول ولو بعد حين، وكذلك ارتكاب الذنوب والمعاصي ربـما تكون سبب في زوال النعم وحلول النقم:

إِذَا كُنْتَ فِي نِعْمَةٍ فَارْعَهَا *** َإِنَّ الْمَعَاصِي تُزِيلُ النِّعَمْ

وَدَاوِمْ عَلَيْهَا بِشُكْرِ الإِلَهِ *** فَإِنَّ الإِلَهَ سَرِيعُ النِّقَمْ

أخواني وأخواتي ... إن تغيير النعم والبركة في حياتنا لا يتم إلا إذا غيرنا من حالنا، فعندما نستبدل الطاعة بالمعصية، والحسنة بالسيئة، فإننا في حقيقة الأمر نعجّل على أنفسنا لإزالة النعم والبركة من حياتنا.

قال الله عز وجل ] ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ لَمْ يَكُ مُغَيِّرًا نِعْمَةً أَنْعَمَهَا عَلَى قَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ وَأَنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (53) كَدَأْبِ آلِ فِرْعَوْنَ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ كَذَّبُوا بِآيَاتِ رَبِّهِمْ فَأَهْلَكْنَاهُمْ بِذُنُوبِهِمْ وَأَغْرَقْنَا آلَ فِرْعوْنَ وَكُلٌّ كَانُوا ظَالِمِينَ [ الأنفال: 53-54


قال الحافظ ابن كثير في تفسيره: يخبر تعالى عن تـمام عدله، وقسطه في حكمه، بأنه تعالى لا يغير نعمة أنعمها على أحد إلا بسبب ذنب ارتكبه، كما قال تعالى: ] إِنَّ اللَّهَ لا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ وَإِذَا أَرَادَ اللَّهُ بِقَوْمٍ سُوءًا فَلا مَرَدَّ لَهُ وَمَا لَهُمْ مِنْ دُونِهِ مِنْ وَالٍ [ الرعد:11

وقوله ] كَدَأْبِ آلِ فِرْعَوْنَ [ أي: كصنعه بآل فرعون وأمثالهم حين كذبوا بآياته، أهلكهم بسبب ذنوبهم، وسلبهم تلك النعم التي أسداها إليهم من جنات وعيون، وزروع وكنوز ومقام كريم، ونعمة كانوا فيها فاكهين، وما ظلمهم الله في ذلك، بل كانوا هم الظالمين.اهـ

واحذر كل الحذر من أولئك القوم الذين يستغفرون بألسنتهم، وقلوبهم وأفعالهم مصرة على المعاصي والذنوب، فهذه توبة الكذابين والمستهزئين.

قال الفضيل بن عياض رحمه الله تعالى( استغفار بلا إقلاع توبة الكذابين ) وقال آخر ( استغفارنا ذنب يحتاج إلى استغفار ) يعني: أن من استغفر ولم يترك المعصية، فاستغفاره ذنب يحتاج إلى استغفار.

كالذي يقول استغفر الله وهو مصر على بدعة مهلكة، أو من يقول استغفر الله وهو يشرب المسكرات والدخان، أو كالذي يقول استغفر الله وهو يتعاطى المخدرات والآفات، أو ذاك الذي يقول استغفر الله وهو يتعامل بالربا، أو كالذي يقول استغفر الله وهو يرتكب فاحشة الزنا، أو من يقول استغفر الله وهو يسرق ويغش في تجارته، أو كالذي يقول استغفر الله وهو يتتبع النساء في الأسواق والطرقات.

إن الاستغفار الحقيقي - أخواني وأخواتي - أن نقلع عن الذنوب والمعاصي قولا وعملا، ونسارع إلى الجنان من خلال جمع الحسنات والفضائل، ونصبر على البلاء والشدة، وما يأتينا من مصائب ومتاعب في هذه الحياة الدنيا، لأنها دار ابتلاء واختبار.

وأن نقدم نية صالحة صادقة أمام الاستغفار، فالاستغفار يؤثر على حسب نية المستغفر، وعلى مدى قربة من الله عز وجل، وعلى قوة قلبه وحضوره وقت الاستغفار، قال أحد الوعاظ: تذكر دائما – رعاك الله - أن الاستغفار يؤثر حسب نية المستغفر، تستغفر لطلب مال، لإنجاب ولد، نجاح، توبة، بنية المستغفر يكون الأثر بإذن الله، وكذلك يحتاج الاستغفار لنية صادقة ومخلصة لله، وأن تدرك معناه وأن تفهم المراد فالنية لها أثرها في حياتك كلها.

وأعلم أن الله لا يخلف الميعاد وإذا تخلف الأثر فاعلم أن هناك أمراً تسبب به، وأن الاستغفار كالدعاء إما يأتيك ما طلبت، وإما يأتيك غير طلبك، وإما يصرف عنك سوءاً بسبب استغفارك، أو أن يدخر الله لك ما استغفرت ليوم القيامة فيجازيك جزاء الضعف عنده جل في علاه. اهـ

وهنا لا بد من الإشارة إلى أمر هام، وهو أن لا يتكل المرء فقط على الاستغفار والتوبة دون الأخذ بالأسباب، فالذي يقول أجلس في البيت ويأتيني رزقي بفضل الاستغفار، فهذا ربما يعيش في أحلام اليقظة، لأن السماء لا تمطر ذهباً ولا فضةً، وكذلك يدلل أنه لم يعرف حقيقة الاستغفار وعلاقته بالحركة لطلب الرزق.

فالله عز وجل يقول في كتابة الكريم ] هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمْ الأَرْضَ ذَلُولاً فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُوا مِنْ رِزْقِهِ وَإِلَيْهِ النُّشُورُ [ الملك: 15.

نعم فامشوا في مناكبها لطلب الرزق، واجتهدوا في تحصيله من طرق الحلال، ومع هذه الحركة لطلبه والسعي إليه لا يُنسَ بلسم الاستغفار والتوبة فإنه يعجّـل ذلك ويسهل الطريق، فالبركة كل البركة في السعي والبحث والاجتهاد لطلب الرزق.

وقد حث نبينا محمد صلى الله عليه وسلم السعي في طلب الرزق، وحفظ ماء الوجه من سؤال الناس، فعن الزبير بن العوام رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ( لأن يأخذ أحدكم أحبله فيأتي بحزمة من حطب على ظهره فيبيعها فيكف الله بها وجهه خير له من أن يسأل الناس أعطوه أم منعوا ) رواه البخاري

إن مع حركة والسعي تكون البركة في طلب الرزق، وخاصة إذا مزج ذلك بالاستغفار والتوبة، والتوكل على الله عز وجل ، فهذا مما يسهل ويعجل الرزق الواسع المبارك، لأنه بهذه الطريقة يكون طالب الرزق قد أخذ بالأسباب مع اعتماده على مسبب الأسباب ومغير الأحوال ألا وهو الرب سبحانه وتعالى

فعن النبي صلى الله عليه وسلم قال ( لو أنكم تتوكلون على الله حق توكله، لرزقكم كما يرزق الطير تغدو خماصا وتروح بطانا ) رواه أحمد والترمذي وهو صحيح .

فلو توكلنا على الله عز وجل حق توكله، وسعينا كما تسعى الطيور التي تبكر من الصباح للبحث عن رزقها، وتشق الطرق والأغصان، وتتعرض للمخاطر من أجل تحصيل قوت يومها الذي كتبه الله لها، لسهل الله لنا الرزق في ذلك، وفتح علينا من الخير والبركة في أرزاقنا.

كيف سبيل النجاة من الفتن والمغريات؟؟

أيها الأفاضل: إن المسلم والمسلمة أمام هذه الفتن والمغريات التي تعتريه في هذه الحياة الدنيا، يصبح حائرا ومتخبطا في الطريق الذي يسلكه إن لم يشمر عن ساعديه لمعرفة طريق الحق والصواب، ويبحث عن سبل السلام والنجاة والعافية من الآفات والمهلكات.

فمثلا الإنترنت ذلك السلاح الذي استغله البعض في الخير وطلب العلوم الشرعية والدنيوية, ومنهم الآخر استغله في الشر، فأصبح طريق لجمع السيئات والآثام، وتضييع الوقت، والتقصير في المسئوليات، وتهييج تلك الشهوة النائمة من خلال مشاهدة تلك الصور والأفلام الآثمة، التي سقط فيها من سقط، ونجا من نجا.

فكم ضيعت من شاب بعد ما كان مستقيم؟ وكم أهلكت من فتاة بعد ما كانت صالحة؟ وكم فككت من بيت بعد ما كان يرفرف فيه الحب الرائع؟ وكم مغرور تجرع كأس المنية وهو على تلك الحالة قد غره طول الأمل، والعياذ بالله.

عن جابر بن عبدالله رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ( يبعث كل عبد على ما مات عليه ) أخرجه مسلم. فعلى أي شيء سوف يبعثون أولئك؟ أيبعثون وهم يشاهدون تلك الصور والأفلام الخبيثة، وقد خُتم لهم بعمل سيء..

فلا إله إلا الله.

إنها فتن كقطع الليل المظلم، تجعل ذلك القلب الضعيف في حيرة من أمره، فيصبح المرء مؤمنا ويمسي كافرا، ويمسي مؤمنا ويصبح كافرا، يبيع دينه بعرض من الدنيا. والعياذ بالله.

والعصمة من ذلك كله – أخواني وأخواتي - هو التمسك بالقرآن والسنة، والعمل بهما في جميع شؤون حياتنا، والتفقه في الدين، والمبادرة إلى الأعمال الصالحة، من دعاء وصلاة وقراءة القرآن وذكر الله عز وجل وغيرها من العبادات والفضائل التي وردت في ذلك.

إن أفضل ما يُستعان به على ترك المحرمات والمنهيات، والمنجي من الفتن والموبقات، هو اللجوء إلى الله تبارك وتعالى بالدعاء والذكر، وكثرة الاستغاثة به، وطلب منه المدد والعون للثبات على الاستقامة، قال الله عز وجل ] وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِي إِذَا دَعَانِي فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ [ البقرة: 186.

وعن عبادة بن الصامت رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ( ما على الأرض مسلم يدعو الله بدعوة إلا آتاه الله تعالى إياها أو صرف عنه من السوء مثلها ما لم يدع بإثم أو قطيعة رحم، فقال: رجل من القوم إذا نكثر، قال: الله أكثر ) رواه الترمذي واللفظ له.

ولنردد دائما هذه الأدعية حتى يثبت الله قلوبنا، ولا نسقط في أوحال المعاصي والذنوب والفتن المهلكة: اللهم يا مقلب القلوب ثبت قلوبنا على دينك ، اللهم يا مصرف القلوب والأبصار صرف قلوبنا إلى طاعتك ومرضاتك، ( رَبَّنَا لا تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ ).

وكذلك مما يستعان به على ترك المحرمات والمنهيات، المحافظة على الصلاة بأركانها وشروطها وسننها، فإن لها دور في حفظ النفس من الوقوع في الفحشاء والمنكر.

فكيف أنت مع الصلاة ؟ وهل أنت من المحافظين عليها؟ وهل تحرص كل الحرص على أدائها، قال الله عز وجل ] وَأَقِمْ الصَّلاةَ إِنَّ الصَّلاةَ تَنْهَى عَنْ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ [ العنكبوت: 45.

فالذي يصلي ولا تنهاه صلاته عن الفحشاء والمنكر، ينبغي عليه مراجعة نفسه، وتتبع أين الخطأ في ذلك!!؟ فربما مقصر في بعض الأمور في الصلاة!! وربما يصلي بلا خشوع!! وربما لا يتم الركوع ولا السجود!!

وربما يتمتم بما ورد من المناجاة والأدعية في الصلاة، وقلبه يتقلب في التجارة والملهيات وزخارف الدنيا، وربما يفرفر بجناحية مع الفواحش والمنكرات وهو في الصلاة والعياذ بالله، فأنّا لهذه الصلاة أن تنهى عن الفحشاء والمنكر.

ومما يستعان كذلك به على ترك المحرمات والمنهيات، قراءة القرآن الذي قد هجره الكثير من المسلمين والمسلمات، وتأسف عندما تسمع أن فلان لا يختم القرآن الكريم إلا مرة واحدة في السنة، بل البعض ربما وضع المصحف على خرقة من القماش داخل درج مكتبه، وربما غطاه الغبار من جراء ذلك، فهو لا يتعاهد قراءته ولا فتحه. والعياذ بالله.

إن قراءة القرآن الكريم – أيها الأخوة والأخوات - شفاء لما في الصدور، ورحمة وهدى تفضل الله عز وجل به للمؤمنين والمؤمنات، وتجارة لن تكسد ولن تهلك، بل يجد ربحها في الدنيا قبل الآخرة، ففي الدنيا ما يجده من تيسير أموره، وحلول البركة، وانشراح الصدر، وزيادة الإيمان، وأما في الآخرة فما يجده من رضا ربه تبارك وتعالى، والفوز بجزيل ثوابه، ودخول جنته. فنسأل الله الجنة وما قرب إليها من قول أو عمل..آمين

قال الله عز وجل ] إِنَّ الَّذِينَ يَتْلُونَ كِتَابَ اللَّهِ وَأَقَامُوا الصَّلاةَ وَأَنْفَقُوا مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرّاً وَعَلانِيَةً يَرْجُونَ تِجَارَةً لَنْ تَبُورَ [ فاطر: 29.

وقال عز وجل ] يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَتْكُمْ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَشِفَاءٌ لِمَا فِي الصُّدُورِ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ [ يونس:57. وقال جل جلاله ] وَنُنَزِّلُ مِنْ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ وَلا يَزِيدُ الظَّالِمِينَ إِلاَّ خَسَاراً [ الإسراء:82.

وجاءت السنة النبوية ترغب في قراءة القرآن، وتحرك القلوب الحية للاجتهاد في تعلمه وتعليمه، فعن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ( من قرأ حرفا من كتاب الله فله به حسنة والحسنة بعشر أمثالها لا أقول الم حرف ولكن ألف حرف ولام حرف وميم حرف ) رواه الترمذي وقال حديث حسن صحيح غريب.

وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ( ما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله يتلون كتاب الله ويتدارسونه فيما بينهم إلا نزلت عليهم السكينة وغشيتهم الرحمة وحفتهم الملائكة وذكرهم الله فيمن عنده ) رواه مسلم وأبو داود وغيرهما.

وعن أبي ذر رضي الله عنه قال قلت: يا رسول الله أوصني. قال ( عليك بتقوى الله فإنه رأس الأمر كله ) قلت: يا رسول الله زدني. قال ( عليك بتلاوة القرآن فإنه نور لك في الأرض وذخر لك في السماء ) رواه ابن حبان في صحيحه في حديث طويل.

وكذلك من الأمور التي تعين على ترك المحرمات والمنهيات، كثرة ذكر الله عز وجل، فهو من أفضل القربات، وأسهلها على المسلم والمسلمة، وأفضله ذكر باللسان مع حضور القلب، فمن ذكر الله عز وجل في جميع أحواله، لا يجد الشيطان مدخل إلى قلبه.

وسوف يستشعر كذلك عظمة الله سبحانه وتعالى وأنه معه في كل وقت ومكان، مما سوف يمنعه من السقوط في حفر المحرمات والمنهيات، فكلما هم بعمل معصية ونفسه الأمارة تدعوا إلى ذلك والشيطان يزين يأتي ذكر الله عز وجل ويمنعه من ذلك.

قال الله عز وجل ] وَالذَّاكِرِينَ اللَّهَ كَثِيراً وَالذَّاكِرَاتِ أَعَدَّ اللَّهُ لَهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْراً عَظِيماً [ الأحزاب: 35. وقال عز وجل ] فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ وَاشْكُرُوا لِي وَلا تَكْفُرُونِ [ البقرة: 152. وقال تعالى ] يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا اللَّهَ ذِكْراً كَثِيراً [ الأحزاب:41.

وعن أبي الدرداء رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ( ألا أنبئكم بخير أعمالكم وأزكاها عند مليككم وأرفعها في درجاتكم وخير من إنفاق الذهب والورق وخير لكم من أن تلقوا عدوكم فتضربوا أعناقهم ويضربوا أعناقكم. قالوا بلى، قال: ذكر الله ) قال معاذ بن جبل: ما شيء أنجى من عذاب الله من ذكر الله ) رواه أحمد بإسناد حسن

وكما أن ذكر الله عز وجل يعين على ترك المحرمات والمنهيات، فهو كذلك يعين على الطاعات ويسهلها على المسلم والمسلمة، فعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ( من عجز منكم عن الليل أن يكابده وبخل بالمال أن ينفقه وجبن عن العدو أن يجاهده فليكثر ذكر الله ) رواه الطبراني والبزار واللفظ له.

فأكثر من ذكر الله عز وجل، فهو لا يكلف شيء، وتأمل هذا الموقف وأنت تقود مركبتك، ووقع زحام شديد في الطريق، فربما تتأخر نصف ساعة أو ساعة، فلو كنت من الذاكرين في هذا الوقت، يا ترى كم سوف ترفع رصيدك من الحسنات؟ استشعر هذا ولا تضيع تلك الأجـــور

وعلينا أن نعلم جميعا أن النفس إن لم نشغلها بالحق شغلتنا بالباطل ولا بد، فالذي يعيش في فراغ، وركود في عمل الطاعات، لن تهدى له نفسه حتى تصده عن ذكر الله عز وجل، وتدعوه إلى فعل المحرمات والمنهيات من شرب المسكرات والدخان، والسقوط في وحل الزنا وعمل قوم لوط، وارتكاب جريمة السرقة، وغيرها من الآفات والمهلكات.

فإذن عليك – يا ابن الإسلام - أن تشغل نفسك بما سوف يعود عليها بالنفع والأجر الكبير، وأن تحذر كل الحذر من أبواب الهلاك والضياع.

& & & &

إن أجمل ما يختم به هذا الكتيب المتواضع أن نذكّـر الأخوة والأخوات بآثار ونتائج الاستغفار من خلال هذه القصص التي وقعت لبعض أولئك الذين سلكوا طريق التوبة والاستغفار وأكثروا منه.

كيف أنه تفتحت لهم الأبواب المغلقة، وجاءتهم الخيرات والبركات من حيث لم يحتسبوا، وتغيرت حياتهم من أسوأ إلى أفضل، مما يدلل على فضل الاستغفار والتوبة، وأنه باب مهم في حياة الأفراد والمجتمعات، فعلينا أن نعود ألسنتنا على اللهج بذكر الله عز وجل، والإكثار من الاستغفار في الليل والنهار.

& & & &

روى أبو حنيفة في مسنده عن جابر بن عبد الله –رضي الله عنه- أنه جاء رجل إلى النبي فقال: يا رسول الله: ما رزقت ولداَ قط ولا ولد لي فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ( فأين أنت من كثرة الاستغفار وكثرة الصدقة ترزق بهما ) فكان الرجل يكثر الصدقة والاستغفار.. قال جابر: فولد لهذا الرجل تسعة ذكور. انظر مسند حنيفة، شرح ملا على القارئ.

& & & &

وهذه قصة أخرى: ذهب أحد الإخوان إلى السوق لبيع سلعة كانت معه، كان السوق مزدحماً بالباعة والمشترين، جلس في المكان المعدّ للبيع وعرض سلعته للبيع، وجلس بجوارها.

ومر وقت طويل والناس لا يقبلون على سلعته، يأتي الناس إليه ينظرون إلى السلعة ثم ينصرفون، كان بحاجة شديدة إلى النقود، ولابد له من بيع هذه السلعة حتى تتوفر لديه، طال الوقت ولا أحد يريد الشراء، شعر بالضيق وأخذ يفكر ماذا يفعل؟

وفجأة جاء في فكره حديث سمعه من إمام المسجد يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : "من أكثر الاستغفار جعل الله له من كل هم فرجاً، ومن كل ضيق مخرجاً، ورزقه من حيث لا يحتسب"، أطلق العنان للسانه وقلبه ، وأخذ يلهج بالاستغفار.

يقول: والله ما إن بدأت بالاستغفار حتى أقبل الناس إليَّ هذا يريد شراءها، والآخر يريدها لنفسه هذا يزيد في السعر والآخر يزيد عليه حتى طابت نفسي، وبعت سلعتي والحمد لله، وأخذت النقود ورجعت إلى بيتي وعيناي تفيض من الدمع لأنني فرطت كثيراَ في هذا الكنز الثمين "الاستغفار" فالحمد لله رب العالمين.

& & & &

ومما يروى عن الحسن البصري رحمه الله أن رجلاًَ جاء إليه يشكو الجدوبـة فقال له: استغفر الله، وشكا آخر الفقـر، فقال له: استغفـر الله. وقـال له آخر: ادع الله أن يرزقـني ولداً فقال له: استغفـر الله، وشكا آخر جفاف بستانـه فقال له: استغفـر الله.

فقلنـا له في ذلك، فقال: ما قلت مـن عندي شيئاً، إن الله تعـالى يقول في سورة نـوح ] فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّاراً (10) يُرْسِلْ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَاراً (11) وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَلْ لَكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَلْ لَكُمْ أَنْهَاراً (12) [ سورة نوح 10-12.

& & & &

ومن اللطائف التي تذكر أنه كان رجل عقيماً لا يولد له وقد عجز الأطبـاء عن علاجه وبارت الأدويـة ، فسأل أحد العلماء فقـال: عليكـم بكثرة الاستغفار صباح مسـاء فإن الله قـال عن المستغفريـن ] وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ [ فأكثـر هذا الرجل من الاستغفار وداوم عليه فرزقه الله الذريـة الصالحة.

& & & &

وقالت أحدى الأخوات أنها قد أنهت الدراسة وكانت تبحث عن وظيفة تناسب أنوثتها وبعيدا عن الاختلاط، فتقول جلست استغفر واذكر الله بعد صلاة الفجر ربع ساعة أو ثلث ساعة، ثم تقول: بعد شهرين تقريبا حصلت على وظيفة.

& & & &

وهذا رجل كان عنده قضية سياسية وادخل السجن في دولة عربية، ثم يقول وأنا في السجن جلست استغفر الله ليل نهار، قد كان الحكم شهور كثيرة كثيرة، ثم فقط بعد ثلاثة أشهر وأنا استغفر أفرج عني، وليس فقط هذا، بل طلبني احد الأخيار والأثرياء وأعطاني مبلغ كبير، وكان حالي سيء فليس لدي مال، وقد فرج الله علي همي.

& & & &

وإليكم آخر كلمات في هذه الوريقات المتواضعة، فإني أهمس في أذن كل مسلم ومسلمة أنه لو أُلف ما أُلف من الكتب والمجلدات لشرح الاستغفار وفضله وآثاره الطيبة على حياة الفرد والمجتمع، فإنه لن يوفى حقه في ذلك.

لهذا جاءت هذه الرسالة القصيرة التي خرجت من القلب لتكون فقط بذرة تزرع في قلب المسلم والمسلمة ( وكما يقال ما كان لله بقي ) ثم يأتي من يسقيها ويرعاها حق رعايتها لمن أحيا الله قلبه بالإيمان والنور ولو كان المرء نفسه.

وكذلك من الأمور المهمة في هذا الجانب أن لا تستعجل النتائج في الاستغفار، فربما الأثر يأتي سريعا وتتحسن الأمور، وربما يتأخر قليلا لوجود موانع، وربما يُدفع عنك شر نازل إليك، وربما يخفف عليك بلاء شديد لا تستطيع تحمله، فأنت في خير عميم وأجر كبير إن التزمت بالاستغفار وواظبت عليه.

وانتبه – رعاك الله - من أن يكون الاستغفار لمدة معينة، ولتحقيق مطالب دنيوية وتيسير أمر ما، ثم إن تحقق المراد وفتح الباب نترك الاستغفار ونرجع إلى ما كنا عليه، فهذا خطأ وتقصير في حق الاستغفار والتوبة.

ويدلل كذلك على ضعف التوحيد وعدم معرفة الله عز وجل حق المعرفة، فانتبه ولا تقع في هذا المحظور، وأجعل الاستغفار والتوبة كالماء والطعام والهواء الذي لا تستغني عنه، بل اعلم أن الاستغفار والتوبة وعمل الطاعات يعتبر غذاء الروح، وبها تنتعش حياة القلب والوجدان، وتعيش في طمأنينة وسعادة .

وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.