وقفات مع فتاة

الفتاة .. ونبضات القلب

إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله.

أما بعد.. : رسالة مغلفة بغلاف الود والاحترام إلى تلك الأخت الكريمة التي تبحث عن السعادة والطمأنينة، إلى تلك التي ضيعت سبيل النجاة والفلاح، إلى تلك الأخت التي ربما قد نسيت أو غفلت أنها خُلقت لأمر عظيم وجليل، إلى تلك التي ربما تأخر نصيبها من الزواج ثم سلكت طريق الغرام والمعاكسات ولم تصبر على الابتلاء والاختبار.

إن هذه الكلمات والعبرات لهي من أخ مشفق متألم، يريد من تلك الفتاة التي ضيعت الطريق المستقيم أن تذرف الدمعات على وجنتيها حزنًا على حالها المبكي، وندمًا على تلك الأيام والساعات التي قضتها في اللهو واللعب واللذة المحرمة. ولتشحذ همتها وتشد قلبها لكي تسلك درب الأتقياء والأوفياء، وتركب في سفينة النجاة حتى تصل إلى بر الأمان والسلامة، وتتمسك بشريعة الإسلام النابعة من القرآن والسنة وعلى ما كان عليه سلف هذه الأمة.

وتتسابق مع المتسابقات لتصل إلى أبواب الجنان ورضا الرحمن بالإكثار من العبادات والطاعات، والاجتهاد في طريق الدعوة ونشر الخير، وأن تساهم بدعوتها المؤثرة إلى نشر الأخلاق الحسنة والآداب العامة في البيت والمجتمع، وتأخذ بأيدي صديقاتها وأخواتها إلى ساحل السلامة.

فأعيريني قلبك - يا أختاه - لدقائق معدودة حتى نتفق على كلمة سواء بيننا وبينك، ومدي يديك لهذه الرسالة المتواضعة، واجعليها تأخذ وجدانك وروحك إلى دار التقوى والعفاف والفلاح الأبدي.

أيتها الزهرة..أفيقي قبل أن تذبلي ..!!

من هو المعصوم من الخطأ والزلل، من هو الذي ما أساء قط،من له الحسنى فقط، ومن هو الذي ما سقط، وأين هو الذي ما غلط، فكلنا أصحاب ذنوب ومعاصي، وربما تلطخنا في الماضي بوحل الآثام والخطايا.

نعم يا أخية..

لا بد أن تسقطي مرات وتنجي مرات أخرى، وربـما زلت قدمك في أوحال المعاكسات والرذيلة والشهوات المحرمة، وربما تهاونتِ وتكاسلتِ عن العبادات والواجبات، وربما لهثتِ وراء تلك الموضات المحرمة، وربما شعرتِ يوما ما أن ذنوبك وزلاتك قد بلغت عنان السماء.

ثم رأيتِ أنه تخلى وابتعد عنكِ القريب والبعيد، وانحدر حالك وتردى في دروب الهوى، وأتتك المشاكل والمصائب والأحزان ليل نهار ولا تعلمين ما هو السبب، وشعرت بتلك الوحشة والظلمة التي تجدينها حقيقة فيما بينك وبين الله عز وجل، وفيما بينك وبين الناس، وهذه الوحشة والظلمة لا يشعر بها إلا من كان قلبه ينبض بالحس الإيماني..

أيتها الدرة الثمينة:

إن من الأمور المهمة والتي تحتاج إلى وقفة صادقة وجادة أمامها، هي مسألة الوقوع في أدغال المعاصي والذنوب والتقلب فيها ليل نهار، فارتكاب المعاصي والمخالفات الشرعية نذير شر وشؤم، فهي تجلب الآفات والمهلكات، وتغلق أبواب الطمأنينة والراحة أمام كل من سلك دربها.

فكم رأينا وسمعنا عن بعض أولئك الذين ينغمسون في مستنقعات المعاصي والذنوب، ولم يراعوا حرمات الله عز وجل، ثم تحولت وتغيرت حياتهم بعد ذلك إلى ضنك وهموم ومتاعب يواجهونها، وتأتي لهم العقوبات تلو العقوبات والمشكلات تلو المشكلات ولا يدرون ما هو السبب في ذلك.

قال الله عز وجل ( وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكًا ) طه:124. جاء في التفسير الميسر: ومن تولَّى عن ذكري الذي أذكِّره به فإن له في الحياة الأولى معيشة ضيِّقة شاقة وإن ظهر أنه من أهل الفضل واليسار.اهـ

ويقول الله عز وجل ( مَنْ يَعْمَلْ سُوءًا يُجْزَ بِهِ وَلا يَجِدْ لَهُ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلِيًّا وَلا نَصِيرًا ) النساء 123. قال جمع من العلماء حول تفسير هذه الآية : ومن يعمل عملا سيئًا يجز به, ولا يجد له سوى الله تعالى وليًّا يتولى أمره وشأنه, ولا نصيرًا ينصره, ويدفع عنه سوء العذاب.اهـ

وفي آية أخرى يقول جل جلاله ( وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ ) الشورى الآية 30 . جاء في التفسير الميسر: وما أصابكم- أيها الناس- من مصيبة في دينكم ودنياكم فبما كسبتم من الذنوب والآثام، ويعفو لكم ربكم عن كثير من السيئات، فلا يؤاخذكم بـها. اهـ

إن البعض لربما يتغافل ويتجاهل أو يغض الطرف عن هذا الأمر المهم في حياته، فلا يربط ما يحصل له في حياته من أمور صعاب بكونها عقوبة من العزيز الحكيم أو ربما ابتلاء منه سبحانه وتعالى حتى يتدارك المرء نفسه ويعود إلى جادة الصواب.

وإليكِ هذا المثال ليوضح لكِ ذلك، وهو فيما يتعلق بالأمور الدنيوية، فمعاقبة المسيء والمقصر تكون وتحصل على من قصر وأساء في عمله أو دراسته وتهاون ولم يجتهد في تطبيق القوانين والأنظمة المعمول بها.

فتخيلي – رعاكِ الله – تلك الطالبة التي لم تذاكر ولم تحل واجباتها وربما لم تحضر إلى المدرسة أو الجامعة، فيا ترى هل سوف تنجح وتكون من المتفوقات الناجحات؟؟ بل هل سوف يُـترك لها المجال لإكمال تعليمها والبقاء في كرسي الدراسة، أو أنه ربما يتم استدعاء ولي أمرها لحل مشكلتها ومحاسبتها على ذلك.

وهذا ما يحصل فيما يتعلق بالمعصية..

فعندما نتلطخ بالمعاصي والذنوب، ولا نراعي حق الله عز وجل وحق رسوله الكريم صلى الله عليه وسلم، ولا نتمسك بالأخلاق والآداب الرفيعة، ففي حقيقة الأمر أننا نعجَّل على أنفسنا عقوبة وبلاء من الله عز وجل..

فما يصيبنا من تغير الأحوال وتعسر الأمور وتتابع بعض المشكلات وظلمة النفوس ووحشتها هو في حقيقة الحال بسبب ما جنته أيدينا من تقصير وتهاون في عمل الطاعات والواجبات الشرعية.

وقد تأتي هذه المصائب والبلايا والآفات حتى تعطينا تنبيه وإشارة للعودة إلى درب الجنان وطريق الفلاح، وتبين أن ذلك الممر الخاطئ ليس هو ممر للوصول إلى الطمأنينة والسكينة والراحة، فهي كأنها رسائل ربانية لنا للتنبه والنهوض من رقدة الغفلة وإصلاح الخطأ.

قال الله سبحانه وتعالى ( أَوَلَمَّا أَصَابَتْكُمْ مُصِيبَةٌ قَدْ أَصَبْتُمْ مِثْلَيْهَا قُلْتُمْ أَنَّى هَذَا قُلْ هُوَ مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ) آل عمران الآية 165.

جاء في التفسير الميسر: أولما أصابتكم -أيها المؤمنون- مصيبة, وهي ما أُصيب منكم يوم "أُحد" قد أصبتم مثليها من المشركين في يوم "بدْر", قلتم متعجبين: كيف يكون هذا ونحن مسلمون ورسول الله صلى الله عليه وسلم فينا وهؤلاء مشركون؟

قل لهم -أيها النبي- : هذا الذي أصابكم هو من عند أنفسكم بسبب مخالفتكم أمْرَ رسولكم وإقبالكم على جمع الغنائم. إن الله يفعل ما يشاء ويحكم ما يريد, لا معقِّب ‌‌‌‌‌‌لحكمه. أهـ

وقال الله عز وجل ( ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ ) الروم: 41.

جاء في بعض التفاسير: ظهر الفساد في البر والبحر, كالجدب وقلة الأمطار وكثرة الأمراض والأوبئة; وذلك بسبب المعاصي التي يقترفها البشر; ليصيبهم بعقوبة بعض أعمالهم التي عملوها في الدنيا; كي يتوبوا إلى الله -سبحانه- ويرجعوا عن المعاصي, فتصلح أحوالهم, وتستقيم أمورهم. اهـ

قال الإمام ابن القيم رحمه الله في كتابه الداء والدواء" ومن عقوبات الذنوب والمعاصي أنها تزيل النعم وتحل النقم، فما زالت عن العبد نعمة إلا بذنب، ولا حلت به نقمة إلا بذنب، ولا رفع بلاء إلا بتوبة، كما قال علي بن أبي طالب رضي الله عنه (ما نزل بلاء إلا بذنب ولا رفع إلا بتوبة ) قال الله عز وجل ( ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ لَمْ يَكُ مُغَيِّرًا نِعْمَةً أَنْعَمَهَا عَلَى قَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنفُسِهِمْ وَأَنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ ) الأنفال: 53.

فأخبر الله تعالى أنه لا يغير نعمته التي أنعم بها على أحد حتى يكون هو الذي يغير ما بنفسه، فيغير طاعة الله بمعصيته، وشكره بكفره، وأسباب رضاه بأسباب سخطه، فإذا غـيَّـرَ غُـيَّـرَ عليه، جزاء وفاقًا، وما ربك بظلام للعبيد.

فإن غير المعصية بالطاعة غير الله عليه العقوبة بالعافية، والذل بالعز، قال الله تعالى ( إِنَّ اللَّهَ لا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنفُسِهِمْ وَإِذَا أَرَادَ اللَّهُ بِقَوْمٍ سُوءًا فَلا مَرَدَّ لَهُ وَمَا لَهُمْ مِنْ دُونِهِ مِنْ وَالٍ ) الرعد: 11." اهـ

ولقد أحسن القائل:

إذا كنت في نعمة فارعها فإن المعاصي تزيل النعم

وحطها بطاعة رب العباد فرب العباد سريع النقم

فلا تغركِ زهرة الحياة الدنيا يا بنت الإسلام، وحذاري من التقلب في الفواحش والمحرمات، والتعلق بملذات الدنيا الفانية، وإياكِ من المشي في غابة نهايتها الردى والهلاك، فإنه - والله - لا لذة ولا سعادة في معصية الله عز وجل، ومخالفة أمره وأمر رسوله الكريم صلى الله عليه وسلم.

وإليك شيئًا من أخبار أولئك الفتيات، اللاتي غرهن طول وفسحة الأمل، وضيعن درب الأنس والسرور الحقيقي، وسلكن طريق الضياع والتشتت، الذي ما من شك أن له عواقب وخيمة، ونهاية مؤلمة وحزينة.

وربما كان ممر مغطى ومغلف باللذة والمتعة المؤقتة، كسراب بقيعة يحسبه الظمآن ماءًا حتى إذا جاءه لم يجده شيئا، ثم بعد ذلك ينكشف الغطاء وتسقط الحجب وتتضح الرؤيا، فتحل بعد ذلك الآلام والحسرات وتسقط الدمعات، ولكن بعد ماذا يا ترى...؟؟

قالـت وهي تذرف دموع النـدم :

كانـت البداية مكالمة هاتفية عفويـة، تطورت إلى قصـة حب وهمية، فقد أوهمـني أنه يحبني وسيتقدم لخطبتـي. طلـب رؤيتي..رفضـت..هددني بالهجـر بقطع العلاقة لقد ضعفـت، ثم أرسلـت له صورتي مع رسالـة وردية معطرة فتوالت الرسائـل.

طلـب مني أن أخرج معه رفضـت بشدة هددني بالصور .. بالرسائـل المعطرة .. بصـوتي في الهاتف، وقد كان يسجلـه وأنا لا أعلم، خرجـت معه على أن أعود في أسـرع وقت ممكن، لقد عدت ولكن ؟

عـدت وأنا أحمل العار قلت لـه :

الزواج ،، الفضيحـة.

قـال لي بكل احتقـار وسخرية :

إنـي لا أتـــزوج فــــاجـــرة..

أختي الفاضلة :أرأيـت كيف تكون نـهاية هذه العلاقات المحرمـة، فتنبهي جيـدًا، واحذري كل الحذر مـن أن تتورطي بشيء من هذه العلاقـات التي ربما تأخذك إلى بحار الندم والحسرة.

وإيـاك إياك من أن تغويك إحـدى رفيقات السوء وتـجرك معها إلى شـيء من هذه العلاقات الدنيئـة، وتـزينها لك وتوهمك بأنـه لن يحصل لك كما حصل لغيـرك من الفضيحة أو غيـر ذلك.

إيـاك إياك أن تصدقي شيئـا من ذلك، فإن هذا كلـه من مكائد الشيطـان وإلا فإن نـهاية العلاقات المحرمة دائمـًا كهذه النهاية المذكورة أو أشد منهـا، واحـذري أيضا من أن تصدقـي أحدًا من هؤلاء الذين يتلاعبـون بأعراض الناس، وأن تعطيهم تلك الثقة العمياء بحجة الحب والزواج والعيش السعيد.

فإن أكثرهم لا يبالي بالكذب ودس السم في الكلمات، فهمه الوحيد إرضاء شهواته الآثمة، ومهما تظاهر الواحد منهـم بصدقه وإخلاصـه، ولكن الأكثر منهم هدفه واحد وهو معروف ولا يخفى على العاقـل اللبيب، فكم سمعنا وسمع غيـرنا عن أعمالهم السيئة مع بعض الفتيـات الساذجات.

ولكـن المصيبة كل المصيبة أن بعض الفتيات - هدانا الله وإياهـن - لا يتعظن أبدًا بـما يسمعن ويقرأن من الفضائـح التي تحصل لغيـرهن، ولا يصدقن مـا يقال لهن إلا إذا وقعت الـواحدة هي نفسها فريسة لمثـل هؤلاء، وتورطـت معهم بـمصيبة أو فضيحة.

فحينئـذ تصحو من غفلتها ورقدتها، وتنـدم على عملها هذا أشد الندم، وتتمـنى الخلاص من هذه الـورطة والفضيحة ولكن بعد فـوات الأوان، فقد سقط الفأس على الرأس.

فلماذا كل ذلـك .؟؟

كـان الأولى بـمن تورطت في مثل هذه العلاقـة المحرمة لو كانت عاقلـة أن تبتعد عن هذا الطريـق من أولـه وبسرعة، ولا داعـي للعناد والمغامرة والتجربة في مثل هذه الأمور الخطيرة .

وإليك قصة أخرى تبين آثار من سلكت طريق الغفلة والهوى، وأنه من مشى فيه بحثا عن الأنس والسرور جاءه عكس ما يريد، فما عند الله عز وجل لا ينال إلا بطاعته والعمل بكتابه وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم.

إنها شبكة الإنترنت..

تلك الشبكة التي أساء البعض استخدامها، فمنهم من جعلها سلّم وطريق لجمع الحسنات والأجور، ومنهم من جعلها سلم وطريق لجمع الآثام والسيئات، من خلال رمي الشباك السامة لاصطياد الفتيات في عمر الزهور، فسقط منهن من سقط ونجا منهن من نجا.

نُـشـرت هذه القصة في جريدة الشرق الأوسط لعبد الله با جبيـر في "صفحة الـرأي" وأردت من الجميع عامة والأخوات خاصة الاطلاع عليها وأخذ الحيطة والحذر قبل البحث عن العـلاج، فالوقاية خير من العلاج كما يقال.

تقـول: أنا فتاة في الثالثة والعشريـن، أمر بحالة نفسية سيئة للغاية، سببهـا تصرفاتي الطائشة غيـر المحسوبة، إنني أعترف بالخطأ الذي وقعت فيه، لقد تماديت حتى غرقت في بحار الندم والحسرة.

لقد توفي والدي منذ فترة، فترك فراغا نفسيا وعاطفيا كبيـرا، فلجـأت للإنترنت أشغـل نفسي في محاولة للهرب مـن الحزن والاكتئاب الذي خلفه رحيل والدي عنا، تعرفت على شبان وشابات عن طريـق..

((( الإنترنـــت )))

فكنـت أتحدث معهم لساعات طويلـة، وما لبثت أن تعرفت على شاب يقيـم في مدينة قريبة من مدينتـي، وتشعبـت نقاشاتنا وحواراتنا ثـم طلب رقم هاتفي فرفضت، وبعد إلحاح منـه أعطيته رقم جوالي وأصبح كثير الاتصـال.

بعـد ذلك طلب أن يلتقي بي، فرفضـت أيضا وبعد إلحاح قابلته في مكان عام، وتعددت لقاءاتنا بعد ذلك، وفي هذه الأثنـاء تعرفت على شاب آخـر، كـان لطيفا وملما بالمواقع وخبايـا الإنترنت، فكنت أتعلم منه ما أجهلـه، تعددت مكالماتنا ونقاشاتنـا وطلب رقم هاتفي.

وبعـد تردد أعطيته إياه ثـم طلب لقائي فخرجت للقائه وهكذا وأنا أتخبـط فما الذي أفعله بنفسـي؟! ثـم تعرفت على شاب ثالـث، كان ألطفهم وشعرت معـه بالحب، في حين أن الاثنين السابقين كنت أشعر بـهما كأخوتي أسمع أخبارهمـا.

أشاركهمـا لحل مشاكلهما، وهكذا استمرت علاقتي بـهؤلاء الثلاثة إلى أن اكتشفت أخـتي الأمر نصحتني أن أتركهم، فوعدتـها بذلك لأسكتهـا، تقـدم لخطبتي شاب ممتاز، فرحت لأني وجدت فيـه طوق نجاة لأنـهي علاقاتي على النت.

وفعلا تـمت الخطوبة وطلبـت منهم أن يتركوني وشأني، وأنـهيت علاقتي معهم جميعا لأني لم أجد الراحة، اثنـان منهم وافقا، أما الثالث وهو الأول فلم تعجبـه فكرة تركي له فقام كعادة المتمرسين بالكمبيوتر بـمراقبة بريدي الإلكترونـي.

ورأى رسـائلي للشخصين ورسائلهما لي فطبعهـا وأرسلها على عنوان منـزلي، وعندما رأيتها صعقت، وكدت أمـوت من الهم والضيق، وسـارعت بإحراقها خشية أن تقـع في يد خطيبـي الذي يحبني وأحبـه، ولكني أشعر بالخوف والقلـق أن ينفضح أمري، فيتركني خطيبي الـذي أحبه وأشعر بذنب كبيـر نحوه بسبب أفعالي السيئة.

أعيـش في رعب حقيقي كلما رن جرس المنـزل أو الجوال أو الرسائل الخاصة بـي أو مفاتحـة أسرتي لأي موضوع، أظن أنـهم عرفوا بعلاقتي الطائشة، إنني متعبة جدًا.

أشعر بأني غيـر جديرة بعملي، أشعر أني لسـت أهلا لهذه المهنة الشريفـة، ولست أهلا لثقة أهلـي... إنـني نادمة، نادمة، نادمـة.. أرجـوك انشر رسالتي لتكون عبرة لكـل الفتيات اللواتي يعبثن وراء الكمبيوتـر بحثا عن التسلية والمتعة فيقعن في كمين مهلك ومصير محزن.

انتهت قصة الفتاة التي تقصها بنفسها، هـذه هي المتعة واللذة التي يبحث عنها بعض الفتيات، إنها متعة وراحـة في بداية الطريق ولكن تعقبها بعد ذلك هموم ومشاكل وضيـق العيش.

فوا أسفاه على تلك الفتاة التي تجعل نفسها ألعوبة ودمية أمام بعض الشبان، يلعبون معها بمعول الحب وفارس الأحلام، ثم بعد ما يملون ويفرغون منها يرمونها على قارعة الطريق لتلملم جراحها وأحزانها بنفسها..

عجبًا .. لتلك الفتاة التي ربما تعلم أن ذلك الشاب لديه عشيقات كثير ثم تؤمل نفسها بالأماني وأنه سوف يكون زوجا مخلصًا صادقًا معها، وعجبا لتلك الفتاة التي تعلم أن غرف المحادثة ( الشات والماسنجر ) طريق خطير وبه أشواك وأفاعي ثم ترمي نفسها فيه لمحادثة الأجانب بحجة التسلية والمتعة وقضاء الوقت.

وعجبًا لتلك التي قد تعرفت على شاب متزوج، وتعلم أنه متزوج ولديه أسرة ثم تريد منه أن يطلق زوجته الأولى ويتزوج منها بحجة العاطفة والحب والأنس المتبادل، ثم لو قيل لها أترضين أن يكون زوج المستقبل لديه عشيقه ثم يطلقك ويتركك ويتزوج منها.؟؟!! لأقامت الدنيا ولم تقعد!!

إنه شقاء وتخبط في حياة بعض الفتيات..

طريق مظلم ومحفوف بالمهلكات والآفات..

أختي المسلمة .. يا ترى ماذا أنتِ فاعله بعد كل هذا الضيق والشقاء الكالح؟ وكيف تعالجين هذا الحال البائس الذي تسقط فيه الدمعات وتلين فيه القلوب؟ وكيف يا ترى تصلين وتحطين رحالك على نور السعادة والطمأنينة التي يبحث عنها الكثير من الفتيات ؟؟ ألم توحشكِ تلك الذنوب والمعاصي التي اقترفتِها؟؟

ألم يفزع قلبك من ظلمة الطريق..؟؟

ألم يحن أن تنفضي غبار العلاقات المشبوهة..؟؟

ألم يزعجك ويؤرقك بعدك عن.. ؟؟

عـــن مــــــن...؟؟

عن ربك الذي رباك وخلقك، الذي له مقاليد السموات والأرض، بذكره تطمئن القلوب وتنشرح الصدور، وباللجوء والاعتصام به سبحانه تتيسر الأمور وتتغير الأحوال، وبالتوكل والاعتماد عليه تأتي الخيرات والبركات.

أختاه ..أختاه..

ألقي نظرة وانظري إلى نعم الله وعطاياه، وما تفضل به عليك من الخير وأولاك إياه، قال الله عز وجل ( أَلَمْ تَرَوْا أَنَّ اللَّهَ سَخَّرَ لَكُمْ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ وَأَسْبَغَ عَلَيْكُمْ نِعَمَهُ ظَاهِرَةً وَبَاطِنَةً ) لقمان: 20، أو تستطيعين عدها وإحصاءها ؟! أو بيان كثرتها وأعدادها ؟! يقول الله عز وجل ( وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لا تُحْصُوهَا )

وعن عبد الله بن محصن الخطمي رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ( من أصبح منكم آمنا في سربه، معافى في جسده، عنده قوت يومه فكأنما حيزت له الدنيا بحذافيرها ) رواه الترمذي.

ألا تستشعرين نعم الله الكثيرة، وأفضاله الوفيرة، التي أعطاك إياها، ومنحك فضلها، ووهبك بركاتها، فإلى متى أنتِ بعيدة عنه..؟؟ إلى متى أنتِ بعيدة عن ربك الذي أوجدك من العدم..؟؟ والذي وهبك السمع والبصر والعافية!!

فإن مرضتِ فهو يشفيك!! وإن عطشتِ أسقاك من الماء العذب!! وإن جعتِ أطعمك من فضله ورزقه!! وإن مرت بك المصائب والهموم جعل لك فرجًا ومخرجًا من حيث لا تحتسبين !! وإن تخلى عنك القريب والبعيد فإن بابه مفتوح لكِ!!

تعصينه بالليل والنهار وهو يمهلك ويصبر عليك ولم يأخذك على حين غرة ، يتفضل عليك من جوده وكرمه ومع ذلك لا تشكرينه ولا تثنين عليه، ومنَّ عليك بأفضل نعمة على الإطلاق وهي نعمة الإيمان والإسلام والانتساب إلى هذا الدين العظيم..

أتقابلين كل هذا بعد ذلك بالعصيان والطغيان..

وارتكاب المحرمات والمنهيات..

وترك الطاعات والحسنات ..

أختي الفاضلة .. يا من سقطتِ في أوحال المعاصي والذنوب .. يا من أوحشها البعد عن الله عز وجل .. يا من ضيعت صلاتها وحجابها، يا من رمت ثوب الحياء والحشمة، يا من انجرفت مع النامصات والمتنمصات وبدأت تعبث بحواجبها، يا من سُدت أمامها أبواب المخلوقين ..

ألم يأن لكِ أن تعودي إلى الرحمن، وأن تنضمي إلى شواطئ التائبين، وتتخذي القرار الشجاع بالرجوع والإنابة إلى الله عز وجل، وأن تعزمي على ترك المعاصي والذنوب، فربما قضيتِ سنوات طويلة مع النفس والشيطان والهوى والدنيا، فيا ترى هل وجدت حقا تلك الراحة الحقيقية التي كنتِ تبحثين عنها منذ سنوات مضت..؟

درب السعادة يناديك ..فلا تضيعيه:

أخيتي .. ليست المشكلة بالوقوع في الآثام والخطيئات، وإنما المشكلة كل المشكلة أن تستمري على الأخطاء ولا تقلعي عنها، فكل ابن آدم خطاء وخير الخطائين التوابون.

فعن أنس رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال ( كل ابن آدم خطاء وخير الخطائين التوابون ) رواه الترمذي وابن ماجه والحاكم.

فالله الله في التوبة النصوح، وعودي إلى الرحمن، واسلكي درب الجنان والفردوس، وأقلعي فورًا عن صغير الذنب وكبيره، عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ( لو أخطأتم حتى تبلغ السماء ثم تبتم لتاب الله عليكم ) رواه ابن ماجه بإسناد جيد .

وعن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال ( التائب من الذنب كمن لا ذنب له ) رواه ابن ماجه والطبراني.

وعن معاذ بن جبل رضي الله عنه قال: قلت يا رسول الله أوصني قال ( عليك بتقوى الله ما استطعت، واذكر الله عند كل حجر وشجر، وما عملت من سوء فأحدث له توبة، السر بالسر، والعلانية بالعلانية ) رواه الطبراني بإسناد حسن.

إنه طريق التوبة والإنابة .. طريق يأخذ بيديك إلى بستان السعادة والاستقرار النفسي والروحي، فأقبلي على هذا الباب – يا أخية – قبل أن يغلق عليك وذلك برحيلك من هذه الدنيا الزائلة، وإليك هذه القصة المعبرة، وهي لفتاة انضمت إلى شواطئ التائبين.

تقول هذه الأخت:

أنـا كنت أحب الغناء بل كنت أعشقـه، وتعبت جدًا من سماعهـا، كانت ستجرني لطريق الضـياع والهلاك، كنـت أحس بضيق ولا أنام الليل مـن القلق النفسي، فسبب توبتي قرأت قصـة واقعية عن مصير فتيات دمرن أنفسهـن مع الشباب وخسرن الدنيا والآخرة.


وذلـك بسبب سماع الأغاني، فهي تؤدي إلى العشق والهيام، فخفـت من تلك القصـص، وأول مـا فعلته كسرت تلك الأشرطة ورميتها ، وكانـت أشرطة جديدة ، وكـل ما أكسر شريط أقول: من تـرك شيئا لله عوضه الله خيرا منـه وأبكي.


وكـل الأغاني في جهازي مسحتهـا، وكنت في الدردشة سنة كاملة، كنت أحس أن الفتـاة لعبة وضحية مع الشبـاب، كرهـت نفسي ولم أجد الراحة في حياتي، لقد كانت حياة لعب وتسليـة.


فقـررت التوبة والعودة إلى الله خالقي، والحمد لله أن تلك الفترة لم يتمكن مـني أحد، لأنني كنت أخاف من الشبـاب، ومن كلامهم ومن القصص الـتي أسمعها في الشات من الفتيـات.


كنـت أبكي من قلبي على تلـك الفتاه وهي تذبـل، والسبب شاب ليس له مشاعـر ولا ضمير، همه هتك عـرض الفتيات، نسميه نحن العشق والحب، وفـي النهاية سراب وكذب ولن يتـزوج أي شاب فتاة كانـت تذهب معه وتكلمه، فمجتمعنا لا يعترف بذلك إطلاقا.

فاحذري حبيبتي من ذلك واستعيني بالله سبحانه وتعالى، واتـركي مداخل الشيطان من غنـاء ودردشة وتبرج، فالشرف والعفة أهم من كل شيء، وإذا انكسـرت الفتاة صعب تصليحها، سيبقـى هناك خدش ولـن يصلح مهما طال الزمـان.اهـ

أيتها اللؤلؤة المصونة..

ألم يحن انضمامك إلى شواطئ التائبات..

أقبلي وأسرعي إلى مركب التوبة والإنابة، وأرجعي إلى العزيز الغفار، وتذكري أن تلك المعاصي والذنوب التي سقطتِ فيها سابقا، إن تبتِ منها وحققت الإيمان الصافي، وعملت بكتاب ربك وسنة نبيك صلى الله عليه وسلم، فإن الله عز وجل يبدلها لكِ لتكون أرصدة من الحسنات، فما احلم هذا الرب، وما ألطفه بنا..

قال الله عز وجل ( وَالَّذِينَ لا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ وَلا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلاَّ بِالْحَقِّ وَلا يَزْنُونَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَامًا (68) يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَانًا (69) إِلاَّ مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلًا صَالِحًا فَأُوْلَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا (70) وَمَنْ تَابَ وَعَمِلَ صَالِحًا فَإِنَّهُ يَتُوبُ إِلَى اللَّهِ مَتَابًا ) الفرقان: 68-71.

بل كوني – أيتها الفاضلة - موقنة بأنه كلما أقبلتِ إلى سبل الطاعات والأعمال الصالحة، وسعيتِ سعيًا حثيثًا لامتثال بأوامر الله عز وجل واجتناب نواهيه، كلما زادك الله عز وجل من الرزق الواسع والطيبات النافعة، وانسكب عليك دواء الراحة النفسية والأنس القلبي.

قال الله عز وجل ( وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنْ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ وَلَكِنْ كَذَّبُوا فَأَخَذْنَاهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ ) الأعراف: 96.

جاء في التفسير الميسر: ولو أنَّ أهل القرى صدَّقوا رسلهم واتبعوهم واجتنبوا ما نهاهم الله عنه, لفتح الله لهم أبواب الخير من كلِّ وجه, ولكنهم كذَّبوا, فعاقبهم الله بالعذاب المهلك بسبب كفرهم ومعاصيهم.اهـ

وقال جل جلاله ( وَأَلَّوْ اسْتَقَامُوا عَلَى الطَّرِيقَةِ لأَسْقَيْنَاهُمْ مَاءً غَدَقًا ) الجن: 16، جاء في بعض التفاسير: وأنه لو سار الكفار من الإنس والجن على طريقة الإسلام، ولم يحيدوا عنها لأنزلنا عليهم ماءًا كثيرًا، ولوسَّعنا عليهم الرزق في الدنيا.اهـ

يا ابنة حواء..

إن الفوز بسعادة الدنيا والآخرة يكمن في لزوم تقوى الله عز وجل، والسير بثبات في طريق الإيمان والعمل الصالح، قال الله تعالى ( مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ ) النحل الآية 97.

نعم - أيتها الكريمة –

من سلكت طريق الإيمان والعمل الصالح فإنها سوف تعيش في استقرار وطمأنينة وسكينة، وتتيسر أمورها وأحوالها، ويأتيها الفرج والمخرج من حيث لا تحتسب، وتتنزل عليها البركات والخيرات الواسعة في حياتها،.

بل لن تخونها وتخذلها تلك الأعمال والحسنات التي ثابرت عليها واجتهدت فيها أيما اجتهاد، فعندما تحين ساعة الصفر والرحيل من هذه الدنيا، فإنها توفق لحسن الخاتمة بإذن الله تعالى، إكراما على ما قدمته من الأعمال الصالحة.

يموت المرء على ما شاب عليه

ويبعث على ما مات عليه

إنها كانت فتاة تحافظ على الصلوات والطاعات، وتتسابق إلى فعل الخيرات، وتتفطر قدماها من القيام والركوع في ظلمة الليل، وتتنافس من المتنافسات في تلاوة القرآن آناء الليل، وتتصدق بشيء من حليها ومالها على الفقراء والمساكين، وكانت تأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر، ففي كل بستان تجدين لها وجود ورائحة عطرة.

بالله أختي المسلمة .. هل يجعل الله الذين اجترحوا السيئات مثل الذين آمنوا وعملوا الصالحات سواء محياهم ومماتهم؟؟ بل هل يعقل أن يكون الذين يقيمون الصلاة ويحافظون عليها مثل الذين لا يقيمون الصلاة ولا يحافظون عليها وليست في جدولهم اليومي؟؟ وهل تكون اللاتي تحجبن وتسترن مثل اللاتي لم يتحجبن ولم يتسترن...

كلا يا بنت الإسلام ..

ولتتأملي هذه القصص الرائعة والمؤثرة، وهي قصص تميز لفتيات ونساء رائعات مخلصات، ثم بعد مرورك عليها حددي في أي الطريق تريدين أن تكوني فيه، أطريق الخير والصلاح أم طريق الشر والضياع؟

هيا أسرعي – أيتها الأمل - في اتخاذ قرار مصيرك من الآن، فالعمر قصير والموت قريب والزاد قليل والذنب كبير، واليوم أو غدًا ربما ترحلين من هذه البسيطة ثم تكونين تحت أطباق الثرى.

القصة الأولى قصة تميز رائعة لامرأة صالحة، وأتت ثمارها اليانعة بعد انتهاء أجلها، وتبين حسن الخاتمة بإذن الله تعالى.. عمَّـة أحد طلاب العلم دائمًا تصلـي، ولا تُرى إلا على مُصلاها، ولما ماتت رأتـها قريبةٌ لها على صورةٍ حسنـة، فسألتها عن حالهـا:

فقالت : أنا في الفردوس الأعلى

قالت قريبتها: بماذا ؟

قالت : عليك بكثرة السجود.

ومما يذكر في هذا الباب من قصص منامية مؤثرة لفتيات صالحات تقيات مخلصات أن يزيد بن نعامة أنه قال: هلكت جارية في طاعون جارف..فلقيها أبوها بعد موتها في المنام. فقال لها: يا بنية! أخبريني عن الآخرة.

قالت : يا أبه قدمنا على أمر عظيم نعلم ولا نعمل وتعملون ولا تعلمون .. والله لتسبيحة أو تسبيحتان أو ركعة أو ركعتان في صحيفة عملي، أحب إلي من الدنيا وما فيهــا.

فلا إلـه إلا الله...

أيـن الذاكرات والساجدات ؟؟ أين المتصدقات والمنفقات في سبيل الله؟؟ أيـن المتحجبات والمحتشمات؟؟ أين هن من هؤلاء الصالحات الطائعات العابدات؟؟ إنـها نصائح قدمنها وهن تحت أطباق الثرى، فهل يا ترى سوف تطبقين هذه النصائح الرائعة، وتكثرين من تلك الأعمال الخيَّـرة؟؟

تقول ماجدة القرشيـة رحمها الله تعالى ( لم ينل المطيعون ما نالوا من حلول الجنـان، ورضا الرحمن إلا بتعب الأبـدان لله، والقيام لله بحقه في المنشط والمكـره ) وكانت مؤمنة بنت بهلول رحمها الله تقول ( ما النعيم إلا في الأنس بالله والموافقة لتدبيره )

وكانـت آمنة بنت المورع رحمها الله تعالى من الخائفـات التقيات، وكانت إذا ذكرت النار قالـت ( أدخلـوا النار، وأكلوا من النار، وشربـوا من النار، وعاشوا في النار، ثـم تبكي ) ثم ماذا؟؟؟

ثم تبكي رحمها الله تعالى..

أما عبدة بنت أبي شوال رحمها الله تعالى فقد كانت تخدم رابعة العدويـة وتقول: كنت أسمعها تقول إذا وثبت من مرقدهـا: يا نفس، كم تناميـن ؟؟ يوشك أن تنامي نومـة لا تقوميـن بعدها إلا لصرخـة يوم النشور.

وقال الحسين بن عبد الرحمن حدثني بعض أصحابنا أن امرأة حبيب أبي محمد انتبهت ليلة وهو نائم وكان وقت السحر، فقالت له: قم يا رجل فقد ذهب الليل وجاء النهار وبين يديك طريق بعيد وزاد قليل وقوافل الصالحين قد سارت قدامنا ونحن قد بقينا.

وهؤلاء بنيات صغار يا ترى ماذا كان يطلبن من والدهن، قال خزيمة أبو محمد أن بنات صغيرات كن يقُلن لأبيهن ( يا أبه لا تطعمنا إلا الحلال، فإن الصبر على الجوع أيسر من الصبر على النار )

وعن بكر بن عبد الله المزني قال: كانت امرأة متعبدة إذا أمست قالت ( يا نفس الليلة ليلتك لا ليلة لك غيرها فاجتهدي، فإذا أصبحت قالت يا نفس اليوم يومك لا يوم لك غيره فاجتهدي )

فطوبى لتلك الخطى المباركة التي سعت إلى الخير..

وطوبى ثم طوبى لهن على جمع الحسنات والفضائل..

وعلى سكب الدمعات والعبرات في أوقات السحر..

إنه الشوق والحنين

نعم أختي إنه الشوق والحنين إلى الجنان..

والتنافس لرضا الملك الديان..

وطلب منه العفو والغفران..

فأين أنتِ من التسابق والتنافس في هذا الطريق المستقيم، نبحث عنك هنا وهناك فلا نجدك معهن، أرضيت بالثرى من الثرياء، أتستبدلين الذي هو أدنى بالذي هو خير، أتضيعين وقتك في القيل والقال وكثرة الكلام.

إن لم تحرك تلك القصص المؤثرة وجدانك وقلبك الحنون، فإذن هيا نرحل إلى قصة تميز أخرى رائعة، إنه الشوق الحنين يا فتاة الإسلام، عندما يتمكن الإيمان وحب الله عز وجل لدى الفتاة، تتفجر ينابيع حب الخير، ويزداد التنافس للوصول إلى الجنان، والعمل لهذا الدين المتين.

أسمعت بقصة ميساء..

إن لم تكوني سمعتيها من قبل..

فأعيريني قلبك ووجدانك هنا..

ميسـاء طالبة في السنـة الرابعة في كلية البنـات، عرفت الله فكانـت تؤدي الفرائض ولا تفوتـها صلاة الجمعة في المسجـد، وكرست حياتـها لله..وأبوها من الأغنياء وهبهـا مبلغ كبير لتتصرف بـه كيفما تشاء.

هل يا ترى كانت تركض وراء الموضـة؟ وهل كانت تصرفه في التجمل والتزين والتعطر للخروج أمام الشباب ؟؟ وهل كانت تضيعه في اللهو واللعب؟ وهل كانت تصرفه في شراء الأشرطة والأفلام المحرمة.

كلا..وألف كلا..!!

بـل كانت تتصدق منه على الفقـراء والمحتاجين! وتفعل الخير هنا وهناك، وقبل وفاتها كتبت وصيتها تقول: لا تقيموا لي مأتـم، ولا عزاء بعد ثلاث، ولا نـواح ولا صراخ لوفاتي، وليلحدني أبي ولا يكشـف وجهي سواه، وثلث مالي للفقراء والمساكيـن، واكتشفوا أنها تصدقت بذهبهـا وحليها لصديقاتـها الفقيـرات!!

كيـف ماتــت؟؟

فـي ليلة عقد قرانـها وقبل وصول المـأذون بقليل، توضأت لتصلـي ركعتين لله شكـرا، فخرجت من دورة الميـاه بوضوئها فماتت!! بـدلا من الفستان الأبيض ارتـدت كفنا أبيضا، وبـدلا أن تزف إلى زوجها زفت إلى باريهـا.

أقسمـت المغسلة وهي تغسلها:

بأن ميساء كانت مبتسمة..

وكأنـها تقول لها: إني على وضوء وطهارة!!

فـلا إله إلا الله..

تـحولت صديقاتـها المهنئات المحجبات إلى معزيـات وداعيات لها بالغفران والرحمة عنـد رأسها وهي تغسـل، ثم شيعـوها الرجال ومشوا على أقدامهم إلى المقبرة، ولحدهـا أبوها كما أوصت، وفـك الأربطة ووضـع الخد على التراب وأضـجعها على شقها الأيمن.

مـاذا تركـت ميساء؟؟

بعـض الكتب لتفسير القرآن الكريم، وكتب إسلامية دعوية، فلم تترك مـجلات تعرض الأزياء والموديلات، ولا روايـات عاطفية حول العشق والغرام، ولا أشرطة أغاني وموسيقى. فرحمك الله يا ميساء ..

رحلتِ من هذه الحياة وتركت أثرًا وحزناُ في القلوب، إنها فتاة في العشرينات من عمرها، ولكن يا ترى ماذا قدمت؟ وماذا فعلت في هذه الحياة الدنيا الفانية؟ إنها فتاة ليست كالفتيات، لقد سطرت قصة تميز رائعة بخوفها من الملك الديان، والعمل لجنة عرضها السماوات والأرض.

أيتها اللؤلؤة..

إن لم يكن لديك قصة تميز ..

فبادري لكتابة قصة تميز رائعة تُـذكر من بعدك..

عقبات وضغوطات في طريق الاستقامة :

وأنتي تبحرين في هذه الحياة الدنيا الفانية، فلا بد أن تجدي بعض العقبات والصعوبات التي سوف تواجهينها في طريقك، فعليك أن تصبري وتثبتي على بلسم الإيمان والتقوى، وتكثري من اللجوء إلى الله عز وجل، وتطلبي منه المدد والعون والثبات على دينه القويم، وأن تحذري كل الحذر من صديقات السوء، فالصاحب ساحب.

فهذه ربما صديقة من صديقاتك كانت في أيام الغفلة ترسل لك الأفلام والصور المحرمة وأشرطة أغاني والموسيقى، وكانت تشجعك لتجربة موضة جديدة تحتوي على مخالفات شرعية، وأن حواجبك الآن بدون حفها والعبث بها ستظهرك بمظهر غير لائق وجميل، وربما كانت ترمي على يديك تلك الوريقات التي بها أرقام للاتصال على شبان والتعرف عليهم، ظنا أن بوجود الشبان الغافلين تحلوا مجالس السمر.

ثم عندما ترى في دينك صلابة وقوة، تبدأ تزين وتلمع لك طريق الماضي على طبق من ذهب، وأنك كنتِ معها خير معين في تحقيق الرغبات والشهوات والمتع الدنيوية، وأنك الآن قد تغيرتِ وأصبحتِ فتاة أخرى لم تعهدها من قبل، ليس لديك مشاعر ولا أحاسيس ولا ذوق بل ربما تشير إليك بالبنان وتتهمك بالتشدد والتعنت والتزمت.

وهذا الطريق الذي ينبغي على كل فتاة مسلمة صالحة أن تحذر منه وهو طريق الشر والردى، وأن تدرك أنه لا بد من المرور على جسر محفوف بالمخاطر والعقبات، وأنها سوف تأتيها من الأسفل من كانت معها في عالم الغفلة والمتعة المحرمة لكي تجذبها وتجرها لتسقط في حفر الهموم والشقاء والضيق.

أيتها الشمعة المنيرة..

اعلمي – رعاكِ الله – أن الموفقة الناجحة من وفقها الله عز وجل للثبات على الاستقامة والدين، ولم تتغير أو تتأثر ببنات اللعب والمغازلات، لأنها تحمل في قلبها إيمانا راسخًا، ونفسًا لا تتزحزح ولا تميل عند هبوب الريح، ويقينًا ثابتًا شامخًا بوعد الله عز وجل ودخول جنته التي أعدها للصالحين والصالحات.

وتذكري إن العقبات والمؤثرات الحزينة ليست محصورة فقط من جانب أولئك الرفيقات اللاتي يعشن في عالم الغفلة، وإنما هناك عقبات ومشكلات ومؤثرات صعبة سوف تواجه الفتاة ما دامت روحها في جسدها بالطعن والاستهزاء والسخرية، وربما يقع لها هذا الاعتداء من أقرب المقربين إليها.

قال الله عز وجل ( إِنَّ الَّذِينَ أَجْرَمُوا كَانُوا مِنْ الَّذِينَ آمَنُوا يَضْحَكُونَ (29) وَإِذَا مَرُّوا بِهِمْ يَتَغَامَزُونَ (30) وَإِذَا انقَلَبُوا إِلَى أَهْلِهِمْ انقَلَبُوا فَكِهِينَ ) المطففين: 29-31.

وربما تجدين أيضا ما يعكر وينغص طريقك الإيماني والإصلاحي وأنتِ تعيشين بين الناس، فعليك أن تثبتي ولا تتزحزحي عن طريق الهداية، ولا تعيري لهم الاهتمام والالتفات، وإنما تستمري في قيادة السفينة مع الصالحات والعابدات والمخلصات حتى تصلي إلى بر الأمان والنجاح والفلاح الأبدي.

ولتتأملي - أخية -هذه الدعوة من الله عز وجل لنبيه الكريم صلى الله عليه وسلم بالثبات والصبر على الطاعة مع أصحابه الكرام، وأن نتشبه بهم ونكون مثلهم ونحن نسير في سلك العبادة والدعوة.

قال الله عز وجل ( وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ وَلا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَلا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطًا ) الكهف:28.

جاء في التفسير الميسر: واصبر نفسك -أيها النبي- مع أصحابك مِن فقراء المؤمنين الذين يعبدون ربهم وحده، ويدعونه في الصباح والمساء، يريدون بذلك وجهه، واجلس معهم وخالطهم، ولا تصرف نظرك عنهم إلى غيرهم من الكفار لإرادة التمتع بزينة الحياة الدنيا، ولا تُطِعْ من جعلنا قلبه غافلا عن ذكرنا، وآثَرَ هواه على طاعة مولاه، وصار أمره في جميع أعماله ضياعًا وهلاكًا. اهـ

فلا تستوحشي من قلة السالكين وأنتِ تسيرين في بحر الحياة، وإنما اثبتي وتمسكي بدينك وأخلاقك وعفتك ولو كنتِ بمفردك، فأنتِ على الحق المبين، قال أحد العارفين ( اسلك طريق الهدى ولا يضرك قلة السالكين, وإياك وطرق الشهوات ولا تغتر بكثرة الغاوين )

حياتك لا بد أن تمتزج مع شيءٍ من الابتلاء:

من أشد الابتلاءات على النفس، أن تبتلى الفتاة التقية الصالحة في دينها وأخلاقها، فتأتيها العقبات تلو العقبات، والمطبات تلو المطبات، وربما تكون رحلتها في هذه الحياة شاقة بعض الشيء، فلا معين معها ولا مؤنس إلا الله عز وجل، فعليها أن تدرك كل الإدراك أنها في اختبار وامتحان شاق.

ولتعلمي - رعاكِ الله – أن الجنة حفت بالمكاره وأن أبوابها ليست مفتَّحة للجميع، والوصول إليها يحتاج إلى مجاهدة للنفس، وتوطين النفس على الصبر والتحمل، وتقديم الغالي والنفيس من أجلها.

فامتزاج سيرك الإيماني مع الابتلاء والاختبار لا بد منه ما دام قلبك ينبض بالحياة، وغشيان سفرك شيئًا من المكدرات والهموم شيءٌ أكيد لا بد وقوعه، وربما تفتـتـنين وتختبرين في بداية الأمر، وذلك حتى يتضح حال الفتاة الصادقة من الفتاة الكاذبة.

يقول الله عز وجل( أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لا يُفْتَنُونَ (2) وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ ) العنكبوت: 2-3.

جاء في التفسير الميسر تحت هذه الآيات: أظَنَّ الناس إذ قالوا: آمنا, أن الله يتركهم بلا ابتلاء ولا اختبار؟ ولقد فتنَّا الذين من قبلهم من الأمم واختبرناهم, ممن أرسلنا إليهم رسلنا, فليعلمنَّ الله علمًا ظاهرًا للخلق صدق الصادقين في إيمانهم، وكذب الكاذبين؛ ليميز كلَّ فريق من الآخر. اهـ

يا ابنة حواء:

أما تريدين أن يعظم جزائك، وتقال عثراتك، وتكفر سيئاتك، وترفع درجاتك، وتزكى أعمالك؟! فالبلاء وإن صغر كان مكفرا لخطايانا ومزيلا لما اقترفت يدانا من الذنوب والمعاصي.

عن أنس رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال ( إن عظم الجزاء مع عظم البلاء، وإن الله تعالى إذا أحب قوما ابتلاهم فمن رضي فله الرضا ومن سخط فله السخط ) رواه ابن ماجه والترمذي.

وعن أبي سعيد وأبي هريرة رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم قال (ما يصيب المؤمن من نصب ولا وصب ولا هم ولا حزن ولا أذى ولا غم حتى الشوكة يشاكها إلا كفر الله بها من خطاياه ) رواه البخاري

ويقول الله سبحانه وتعالى في كتابة الكريم ( وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنْ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنْ الأَمْوَالِ وَالأَنفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرْ الصَّابِرِينَ (155) الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ (156) البقرة: 155-156 "

إذن لا بد من الابتلاء وأنتِ تبحرين في هذه الحياة، فلن يطيب العيش دائما، نعم لا بد من التمحيص والاختبار، ولا بد أن تأتيك حالات ألم وشدة، فيا ترى ماذا هو موقفك اتجاه ذلك يا فتاة الإسلام؟

إن من المؤسف أن ترى بعض الفتيات بسبب تأخر زواجها أن الحزن والهم قد أصبح ملازمها دوما، بل ربما جعلت طريق الشهوات والملذات المحرمة دربًا ومسلكًا لها، بالتعرف على الشبان والعشاق من خلال الانترنت أو الأماكن العامة بحجة الوصول لفارس الأحلام.

والأخرى لربـما بسبب تأخر إنجابها، ونفسها قد تاقت إلى طفل يلعب بين أحضانها، فإذا بالشيطان قد سول لها وأملى لها، بأن أبواب العرافين والسحرة هي التي ستزيل كربها، وأن دور المشعوذين والكهنة هي التي ستنفس همها وضيقها، فإن حُذِّرت مما يوجب مقتها وهلاكها، آثرت التمسك بما تتوهم أنه عند الناس عما هو بلا شك عند رب الجنة والناس.

وثالثة لم يكتب لها المواصلة في طريق المعرفة والعلم، إذ قد تشرع في السير فتصدها عوائق كالجبال الراسيات، أو أنها بعد المدرسة قد لا توفق لغرف العلم من المنابع الأم من جامعات أو كليات أو معاهد، فتبقى بذلك حبيسة الكرب والغم، والعلم موجود حيث وجد الورق والقلم، ويتضاعف ويرتفع إن وجد الجد والعزم.

وهذه رابعة... وتلك خامسة...

ثم تلك سادسة... إلى ما لا يعلم آخره إلا الله.

يا فتاة الإسلام.. ربـما كان ما يحصل لك من عدم تحقق بعض الأمنيات والرغبات، وتأخر زواجك، أو تأخر إنجابك للذرية، أو عدم توفقك في الدراسة لهو خير لك.

فأين أنتِ من قول الله سبحانه وتعالى في كتابة الكريم ( .. وَعَسى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ ) البقرة 216.

من يستطيع أن يهمس في أذنيك ويقول بأن هذا خير لكِ أو أن هذا شر لكِ؟! إن الأمور بيد الله سبحانه وتعالى، وما بين غمضة عين وانتباهها يغير الله من حال إلى حال، فهو مقلب الأمور ومغير الأحوال، وربما تريدين أن تتحقق أمور في حياتك، ولكن بعد مرور أيام أو شهور أو سنوات تكتشفي أن ذلك كان شر لك وقد صرفه ربك عنك.

ولا بد من التنبه إلى مسألة مهمة جدا وهو كيف نفرق بين العقوبة والابتلاء، فالواحد ربما تأتيه الآلام والمصائب والمشاكل والضائقات ولا يعلم ما سبب ذلك، فهذه المسألة مهمة قد أشرت إليها مختصرا في كتيب باسم ( طريق الاختيار والاستقرار في الحياة الزوجية )

قبل الختام .. يا ابنة التوحيد !!

لا بد أن تجلسي مع نفسك جلسة مصارحة ومحاسبة، وتخرجي ورقة وقلم وتحسبي كم مضى من عمرك؟؟ ويا ترى كم سوف تعيشين؟ دقيقة أو ساعة أو يوم أو شهر أو سنة...ثم بعد ذلك أين ستكونين ؟؟

وتخيلي أن هذا اليوم أو هذه الليلة هي آخر ليلة في عمرك، وبعد قليل سوف تكونين تحت التراب، وتبيتين تلك الليلة الظلماء بمفردك، فلا صديقة ولا خليلة، ولا عشيق ولا حبيب، ولا أب ولا أم ولا أخت، وإنما تستقبلك تلك الهوام والديدان لتتغذى على جسدك الضعيف. فرحماك ربي رحماك..

وأنشدي..

يا من بدنياه اشتغل وغره طول الأمل *** الموت يأتي بغتة والقبر صندوق العمل

فيا ترى هل أنتِ راضية عن حركاتك وسكناتك وأقوالك؟؟ وهل تشعرين أن أعمالك وأفعالك التي قامت بها جوارحك سوف تتحول إلى شخص يؤنسك وينور عليك حفرة القبر؟؟ نعم.. عملك سوف يتحول إلى شخص يؤنسك ويبشرك بالخير إن كنت من أهل الصلاح والتقوى.

فقد جاء في حديث طويل عن عذاب القبر ونعيمة وخروج الروح أن النبي صلى الله عليه وسلم قال فيما يتعلق بالمؤمن وما يحصل له في القبر : ( ... ويأتيه رجل حسن الوجه حسن الثياب طيب الريح فيقول أبشر بالذي يسرك هذا يومك الذي كنت توعد، فيقول من أنت فوجهك الوجه الحسن يجيء بالخير فيقول أنا عملك الصالح فيقول رب أقم الساعة رب أقم الساعة حتى أرجع إلى أهلي ومالي )

أما إذا كنتِ - والعياذ بالله – من أولئك الفتيات اللاتي غرتهن متع الحياة الدنيا وزخارفها، فلا صلاة ولا صوم ولا دعاء ولا ذكر الله عز وجل، ولا الالتزام باللباس الإسلامي من حجاب وغيره، وإنما تبرج وسفور وتشبه بأولئك اللاهيات الغافلات.

فاحسبي لهذا الموقف الشديد ألف حساب، وأعدي العدة من الآن ليوم الحساب، فقد جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم فيما يتعلق بالكافر أو الفاجر وما يحصل له في ظلمة القبر أنه قال:

( ويأتيه رجل قبيح الوجه قبيح الثياب منتن الريح فيقول أبشر بالذي يسوؤك هذا يومك الذي كنت توعد فيقول من أنت فوجهك الوجه القبيح يجيء بالشر فيقول أنا عملك الخبيث فيقول رب لا تقم الساعة ) رواه الإمام احمد بإسناد رواته محتج بهم في الصحيح.

موعظة مؤثرة وهي ختام هذه الرسالة:

قال الإمام أبي الفرج بن الجوزي رحمه الله تعالى في كتاب من بستان الواعظين ورياض السامعين بتصرف مني:

يا أخيتي اشتغلتِ باللذات، وأفنيت عمرك بالترهات، وعصيت إله الأرض والسموات، ونسيتِ بيوت الوحشة والحسرات، فيا له من بيت ما أظلمه، ومن صندوق ما أغمه، منزل الوحشة، وبيت الغمة والوحدة.

فانتبهي من نومة الغفلة، واعملي ليوم النقلة، واستعدي لظلمة القبر مادمت في فسحة ومهلة، ولا تقطعي أيامك بالمحال، وجنبي عمرك سوء الفعال، فإن الموت نازل بك، والقبر أمامك. وأنشدي:

لا تغرنك الحياة الدنيا وقدم واحذر القبر إن للقبر شانا

إن فيه لما يحاذر ذو اللب إذا كلن ذا تقى ومعانا

إنني موقن بما في كتابي عاجلا تكسوني الأكفانا

فإذا ما وضعت في ظلمة اللحد وبدلت من مكان مكانا

وإذا لم يدركني ربي بعفو ألقى في القبر ذلة وهوانا

يا فتاة العفاف..

إذا أردتِ أن تدري كيف حالك من بعد رحيلك، فاخرجي إلى القبور وانظري وحشتها وسكون ظاهرها، ومثلي قبرك بين القبور، ثم انظري ماذا تحتاجين إليه في قبرك فأكثري منه لطول مدتك فيه.

فالله الله جدي في العمل فإن القبر أمامك، والموت يطلبك ويفرق ما جمعتِ، ويخرب ما قد بنيتِ، بقطع الأنفاس، وينقلك إلى ضيق اللحود، فمن قدَّم إلى القبر عملًا صالحًا وجده روضة من رياض الجنان، ومن لم يكن له عملًا وجده حفرة من حفر النيران، فاستعدي وشمري له يا فتاة الإيمان.

حكي عن الحجاج بن الأسود أنه قال: رأيت في المنام كأني دخلت في المقابر فإذا أهلها نيام في قبورهم وقد تشققت الأرض عنهم، فمنهم النائم على التراب، ومنهم النائم على السندس، ومنهم النائم على الإستبرق، و منهم النائم على الحرير، ومنهم النائم على الديباج، ومنهم النائم على الياسمين والريحان، ومنهم النائم كالمتبسم في نومه، ومنهم حائل اللون، ومنهم قد أشرق نوره.

ومنهم قد اشتد كربه، ومنهم قد اغتم في ضيق القبر ووحشته، فبكيت في منامي مما رأيت ثم قلت: يا رب لو شئت لسويت بينهم في الكرامة!! فناداني مناد بينهم: يا حجاج هذا الذي تراه من تفاضل الأحوال إنما هي منازل الأعمال، ولكل امرئ منهم ما قدم. فاستيقظ فزعا مرعوبا.اهـ

وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.

كتبه نبيل السناني