دلَالَةُ اللَّفْظِ عَلَـى مَا وَافَقَهْ
يَدْعُوْنَهَـا دلَالَةَ المُطـَابَقَـهْ
وَجُـزْئِـهِ تَضَـمُّنًـا وَمَا لَـزِمْ
فَهْـوَ التِـزَامٌ إِنْ بِعَقْلٍ التُـزِمْ
⁕⁕⁕
ثم لما كان علم الميزان مبنيا على أربعة أركان تصورات ومبادئها وتصديقات ومبادئها،
وكانت مبادئُ التصورات الكلياتِ الخمسَ
المنقسمةَ إلى الذاتي والعرضي
القسمين من الكلي
القسمِ من المفرد
القسمِ من اللفظ
القسمِ من الدال
وكان المراد دلالة اللفظ الوضعية لعدم اعتبارهم غيرَها بدأ بها فقال:
أنواعُ الدّلالةِ الوضعيّة
دلَالَةُ اللَّفْظِ عَلَـى مَا وَافَقَهْ
يَدْعُوْنَهَـا دلَالَةَ المُطـَابَقَـهْ
((أنواع الدلالة)) اللفظية ((الوضعية))
وصفها بالوضعية لاستناد جميعها إلى الوضع، والدلالة بتثليث الدال مصدر دل وهي على المفهوم من كلام الشيخ في الشفاء تطلق على معنيين بالاشتراك:
أحدهما: كون أمر بحيث يفهم منه أمر آخر فهم أو لم يفهم،
والثاني: فهم أمر من أمر،
كذا حققه العلامة ابن عرفة.
والدال ينقسم إلى لفظ وغيره،
والثاني ثلاثة أقسام دال بالعقل كدلالة تغير العالم على حدوثه، وبالعادة كالمطر على النبات، والحمرة على الخجل والصفرة على الوجل، وبالوضع كالإشارة على معنى نعم مثلا.
واللفظ ينقسم أيضا إلى هذه الثلاثة دال بالعقل كدلالة اللفظ على لافظه، وبالعادة وإن شئت قلت بالطبع، كأُح على وجع الصدر، وبالوضع كالأسد على الحيوان المفترس، فالمجموع ستة.
وأهل المنطق إنما يبحثون عن الأخير، فأشار المصنف إلى تقسيم دلالته،
فقال:((دلالة اللفظ)) الوضعية بتوسط الوضع ((على ما)) أي: المعنى الذي ((وافقه)) أي: وافق ذلك اللفظ بأن وضع له وضعا حقيقيا أو مجازيا، كالإنسان للحيوان الناطق والأسد للرجل الشجاع.
((يدعونها)) أي: يسمونها ((دلالة المطابقة)) لمطابقته أي: موافقته له، من قولهم طابق النعل النعل إذا توافقا، فالإنسان يدل على الحيوان الناطق بالمطابقة، وكذا الأسد على الرجل الشجاع.
النظم
وَجُـزْئِـهِ تَضَـمُّنًـا وَمَا لَـزِمْ
فَهْـوَ التِـزَامٌ إِنْ بِعَقْلٍ التُـزِمْ
((و)) دلالة اللفظ على ((جزئه)) أي: جزء ما وافقه يدعونها ((تضمنا)) أي: دلالة تضمّن؛ لتضمن المعنى لجزئه كما إذا شككت في شبح هل هو حيوان أو لا، فقيل لك هو إنسان ففهمت أنه حيوان لأنه مقصودك ولم تلتفت إلى كونه ناطقا.
((و)) أما دلالة اللفظ على ((ما)) أي: اللازم الذي ((لزم)) معناه ((فهو التزام)) أي: دلالة التزام لالتزام المعنى أي: استلزمه له.
ودلالة العام على بعض أفراده كعبيدي دلالة تضمن؛ لأن زيدا العبد مثلا جزء من جملة العبيد من حيث هي جملة.
فحصل الجواب عن استشكال القرافي بأنه لا يدل بشيء من الدلالات الثلاث على فرد من أفراده، لأن بعض أفراده
لم يوضع له اللفظ حتى يكون مطابقة
وليس جزءا حتى يكون تضمنا
ولا خارجا حتى تكون التزاما، إذ لو خرج بعضها لخرج سائرها للمساواة فلا يبقى للعام مدلول وهو باطل،
وقد أطنبنا في الشرح في هذا المقام ببدائع التحقيقات وغرائب الأفهام.
((إن بعقل التزم)) هو أي: اللازم، أي: يشترط في اللازم كونه لازما ذهنيا، وهو ما يلزم من تصور ملزومه تصوره، ويسمى لازما بينا بالمعنى الأخص كالزوجية للأربعة.
وتخصيص اللازم الذهني باللازم البين بالمعنى الأخص اصطلاح لبعض المنطقيين، وبعضهم يطلق اللازم الذهني على أعم من هذا أعني ما ليس لازما في الخارج فقط.
والحاصل أن لهم في تقسيم اللازم طريقين:
الأول أن اللازم ينقسم إلى لازم في الذهن والخارج معا كالشجاعة للأسد، وإلى لازم في الذهن فقط كالبصر للعمى، وإلى لازم في الخارج كالسواد للغراب.
الطريق الثاني أن اللازم ينقسم إلى بين وغير بين،
والبين ما يلزم فيه من تصور المتلازمين تصور اللزوم بينهما بأن لا يحتاج إلى دليل،
وغير البين ما لا يلزم فيه ذلك بأن يحتاج إلى دليل.
والبين ينقسم إلى:
ذهني: وهو ما يلزم فيه من تصور الملزوم تصور اللازم كالشجاعة للأسد،
وغير ذهني: وهو ما لا يلزم فيه ذلك كمغايرة الإنسان للفرس فإنه لا يلزم من تصور الإنسان تصور غيره فضلا عن كونه مغايرا له.
والمعتبر في دلالة الالتزام اللزوم الذهني البين بالمعنى الأخص كما أشار إليه المصنف، سواء كان لازما في الذهن فقط كالبصر المفهوم ذهنا من العمى فإن العمى على القول بأنه عدم البصر عما من شأنه أن يكون بصيرا يدل على البصر التزاما مع أن بينهما معاندة في الخارج، أو كان لازما في الذهن والخارج معا كالشجاعة للأسد.
ويفهم من كلام المصنف أن المطابقة لا تستلزم التضمن لجواز بساطة المسمى كالجوهر ولا الالتزام لجواز أن لا يكون له لازم ذهني، خلافا للفخر في الثاني.
والتضمن والالتزام يستلزمان المطابقة ضرورة.
ودلالة المطابقة وضعية بلا خلاف، ويقال لها لفظية ونقلية؛ لأنها بمحض اللفظ.
ودلالة الالتزام عقلية بلا خلاف؛ لتوقفها على مقدمة عقلية وهو أنه كلما فهم المعنى فهم لازمه.
وأما دلالة التضمن فقيل عقلية؛ لأن الفهم فيها متوقف على أمر زائد على الوضع وهي الجزئية إذ ينتقل من المعنى إلى جزئه، وقيل لفظية.
هذه إحدى طريقتين في النقل عن المناطقة،
والطريقة الثانية تحكي ثلاثة أقوال في دلالة التضمن والالتزام، قيل وضعيتان، وقيل عقليتان، ثالثها دلالة التضمن وضعية ودلالة الالتزام عقلية.
وأوجه هذه الأقوال وإعراب كلام المصنف هنا مع تنبيهات شتى وأبحاث شريفة سمحنا بها في الشرح.