بسم الله الرحمن الرحيم
مقـدّمـة
الـحَمْـدُ لله الَّـذِيْ قَدْ أَخْـرَجَا
نَتَـائِجَ الْفِـكْرِ لِأَرْبَـابِ الْحِـجَـا
وَحَطَّ عَنْـهُمْ مِنْ سَمَـاءِ الْعَـقْلِ
كُلَّ حِـجَابٍ مِنْ سَحَـابِ الـجَهْلِ
حَتَّى بَدَتْ لَهُمْ شُمُوْسُ المَعْرِفَهْ
رَأَوْا مُـخَـدَّرَاتِــهَـا مُـنْـكَـشِــفَـهْ
نَـحْمَـدُهُ جَـلَّ عَـلَى الـإِنْـعَـامِ
بِـنِـعْـمَـةِ الـإِيْـمَـانِ وَالـإِسْـلـَامِ
مَنْ خَصَّنَا بِخَيْرِ مَنْ قَدْ أَرْسَـلَا
وَخَيْـرِ مَنْ حَازَ المَقَـامَاتِ العُلَا
مُـحَـمَّـدٍ سَيِّـدِ كُـلِّ مُـقْـتَـفَـى
الـعَـرَبِـيّ الـهَـاشِـمِـيّ المُـصْطَـفَى
صَـلَّى عَـلَيْـهِ الله مَـا دَامَ الحِجَـا
يَـخُوْضُ مِنْ بَـحْرِ المَعَانِيْ لُـجَـجَا
وَآلِـهِ وَصَـحْـبِـهِ ذَوِي الـهُـدَى
مَنْ شُبِّـهُوْا بِأَنْـجُـمٍ فِـي الاهْتِـدَا
وَبَـعْـدُ فَـالـمَنْـطِـقُ لِـلْـجَـنَـانِ
نِـسْـبَـتُــهُ كَـالـنَّــحْـوِ لِـلِّـسَــــانِ
فَيَعْصِمُ الأَفْكَارَ عَنْ غَيِّ الخَطَا
وَعَنْ دَقِيْقِ الفَهْمِ يَكْشِفُ الغِطَا
فَـهَـاكَ مِـنْ أُصُــوْلِـهِ قَـوَاعِـدَا
تَـجـْمَــعُ مِـنْ فُــنُــوْنِــهِ فَــوَائِــدَا
سَـمَّـيْـتُـهُ بِالـسُّـلَّـمِ الـمُـنَـوْرَقِ
يُـرْقَـى بِـهِ سَـمَاءُ عِـلْـمِ المَـنْـطِـقِ
وَاللهَ أَرْجُوْ أَنْ يَكُوْنَ خَالِصَـا
لِوَجْهِـهِ الكَـرِيْـمِ لَيْـسَ قَالِصَـا
وَأَنْ يَكُـوْنَ نَـافِـعًـا لِلْمُـبْـتَـدِي
بِـهِ إِلَـى الـمُـطَـوَّلَاتِ يَـهْـتَــدِي
⁕⁕⁕
بسم الله الرحمن الرحيم
النظم
الـحَمْـدُ لله الَّـذِيْ قَدْ أَخْـرَجَا
((بسم الله الرحمن الرحيم)) أبتدأ أو ابتدائي أو أؤلف أو تأليفي،
وابتدأ بالبسملة تأسيًا بالقرآن العزيز وامتثالا لمقتضى قوله صلى الله عليه وسلم فيما أخرجه الأئمة:«كل أمر ذي بال لا يبدأ فيه ببسم الله الرحمن الرحيم فهو أجذم» أي: مقطوع البركة، وفي رواية «بحمد الله»، رواه أبو داوود وغيره وحسنه ابن الصلاح وغيره.
((الحمد لله)) أي: الثناء بجميل الصفات لله؛ إذ الحمد هو الثناء بالجميل غير الحادث المطبوع.
وابتدأ ثانيا بالحمد لما مر، وجمع بين الابتدائين؛ عملا بالروايتين السابقتين وإشارة إلى أنه لا تعارض بينهما؛ إذ الابتداء حقيقي وهو ما لم يسبقه شيء، وإضافي وهو ما كان بالإضافة إلى ما بعده وإن كان مسبوقا.
وقدم البسملة لأنها أولى بالتقديم؛ لأن حديثها أقوى كما قيل، وعملا بالكتاب والإجماع.
وآثر التصدير في الحمد بالجملة الاسمية تأسيًا بالآية القرآنية ولدلالتها على الثبوت دون الفعلية.
وما يرد من أنها لا تدل على تولي المتكلم الحمد بنفسه، أجيب عنه بأنها إنشائية على الصحيح فتدل عليه.
((الذي قد أخرجا)) أي: أظهر.
النظم
....................................
نَتَـائِجَ الْفِـكْرِ لِأَرْبَـابِ الْحِـجَـا
وَحَطَّ عَنْـهُمْ مِنْ سَمَـاءِ الْعَـقْلِ
كُلَّ حِـجَابٍ مِنْ سَحَـابِ الـجَهْلِ
((نتائج)) جمع نتيجة وهي ما يحصل عقب النظر من العلم بالمنظور فيه،
وهي عند المناطقة تصديق يلزم من تسليم تصديقين لذاتهما،
وعند المتكلمين ما يحصل العلم به عقب العلم بوجه الدليل.
وإسناد الإخراج إلى الله تعالى إشارة إلى مذهب أهل الحق من أنه لا تأثير للعبد في شيء من العلوم وغيرها، وسيأتي الخلاف في الربط بين الدليل والنتيجة إن شاء الله تعالى مبسوطا.
((الفكر)) يطلق على المفكر فيه مجازًا وعلى حركة النفس في المعقولات لغة وعلى النظر الاصطلاحي اصطلاحا.
فيعرَّف على الأخير بأنه ترتيب أمور معلومة للتوصل إلى مجهول.
((لأرباب)) أي: أصحاب.
((الحجا)) بالقصر أي: العقل، وأل فيه للكمال.
وفي تصديره الكتاب بالنتائج والفكر والعقل المشعر ذلك بأن مقصوده علم المعقولات براعة الاستهلال، وهي أن يذكر المتكلم في أول كلامه ما يشعر بمقصوده.
والعقل نور روحاني به تدرك النفس العلوم الضرورية والنظرية، وهذا أسلم الأقوال، وفي هذا البيت أبحاث نفيسة وشحنا بها الشرح.
((وحطَّ)) أي: أزال ووضع ((عنهم)) أي: أرباب الحجا ((من سماء العقل)) بدل من مجموع الجار والمجرور أعني عنهم أي: عن عقلهم الذي كالسماء، فـ«من» بمعنى «عن»، و«أل» في العقل عوض من الضمير، والإضافة في سماء العقل من إضافة المشبه به إلى المشبه، ((كل حجاب)) مفعول حطَّ ((من سحاب الجهل)) أي: الجهل الذي كالسحاب، ومن بيانية.
وشبه العقل بالسماء لكونه محلا لطلوع شمس المعارف المعنوية كما أن السماء محل لظهور شمس الإشراق الحسية، والجهل بالسحاب لكونه يحجب العقل عن الإدراكات المعنوية كما أن السحاب يحجب الناظر عن إدراك الشمس الحسية وكل من السحاب والجهل وجودي.
النظم
حَتَّى بَدَتْ لَهُمْ شُمُوْسُ المَعْرِفَهْ
رَأَوْا مُـخَـدَّرَاتِــهَـا مُـنْـكَـشِــفَـهْ
نَـحْمَـدُهُ جَـلَّ عَـلَى الـإِنْـعَـامِ
بِـنِـعْـمَـةِ الـإِيْـمَـانِ وَالـإِسْـلـَامِ
((حتى)) للانتهاء أي: إلى أن ((بدت)) أي: ظهرت ((لهم شموس المعرفة)) أي: المعرفة التي كالشموس، والجمع للتعظيم.
((رأوا مخدراتها)) أي: مخدرات شموس المعرفة؛ إذ القاعدة أن الضمير يعود إلى المضاف ما لم يكن لفظَ «كل» فيعود لما أضيف إليه، والمراد بالمخدرات هنا المسائل الصعبة، شبهت بالعرائس المستترة تحت الخدر، ((منكشفة)) أي: متضحة.
((نحمده)) ثانيا بعد حمده أولاً تأسيًا بحديث: «إن الحمد لله نحمده»، ولأن الأول بالجملة الاسمية والثاني بالفعلية فقصد الجمع بين الأمرين ليشرب بكل من الكأسين، ((جلَّ)) أي: عظم، حال أو صفة للضمير في نحمده على مذهب الكسائي؛ لأنه يجوز عنده وصف الضمير بالجملة إذا كان ضمير غيبة، والوصف للمدح أو الذم، ولا يصح كونها اعتراضية؛ لأنها يحل المفرد محلها والاعتراضية لا يحل المفرد محلها.
((على الإنعام ⁕ بنعمة الإيمان)) أي: تصديق النبي صلى الله عليه وسلم في جميع ما عُلِمَ مجيئه به ضرورة أي: قبول النفس لذلك والإذعان له على ما هو تفسير التصديق في المنطق على التحقيق مع الإقرار باللسان على قول.
((والإسلام)) أي: الخضوع والانقياد بقبول الأحكام أي: بأعمال الجوارح.
وذكرهما المصنف معًا اعتبارًا بمفهومهما لتغايرهما؛ لأنه في مقام الإطناب وهو مقام الحمد والإكثار من عد النعم، وهاهنا كلام نفيس وشحنا به الشرح.
النظم
مَنْ خَصَّنَا بِخَيْرِ مَنْ قَدْ أَرْسَـلَا
وَخَيْـرِ مَنْ حَازَ المَقَـامَاتِ العُلَا
مُـحَـمَّـدٍ سَيِّـدِ كُـلِّ مُـقْـتَـفَـى
الـعَـرَبِـيّ الـهَـاشِـمِـيّ المُـصْطَـفَى
((من خصنا)) أي: ميزنا معاشرَ المسلمين ((بـ))ـمزايا ((خير)) أي: أفضل ((من قد أرسلا)) أو التقدير خصنا بشفاعته أو متابعته بالفعل.
وإنما احتجنا إلى ذلك لئلا يرد الاعتراض بأن رسالة النبي صلى الله عليه وسلم ليست مقصورة علينا بل هو مرسل للخلق كافة، والرسل كما قال بعض المحققين نواب عنه.
((وخير من حاز)) جمع وضم ((المقامات العُلا)) جمع عُلْيَا خلاف السفلى مثل كُبَر وكُبْرى.
((محمّد)) يصح فيه أوجه الإعراب الثلاثة لكن الرسم لا يساعد النصب، والمناسب للتعظيم رفعه، ((سيد كل مقتفى)) أي: متبع.
((العربي الهاشمي المصطفى)) أي: المختار، وهذه نعوت جئ بها للمدح لشدة حبه صلى الله عليه وسلم، ومن أحب شيئا أكثر من ذكره، ولا يخفى حسن تقديم العربي على الهاشمي والهاشمي على المصطفى؛ لأنه من تقديم العام على الخاص كحيوان ناطق، وهاهنا أبحاث شريفة سمحنا بها في الشرح.
النظم
صَـلَّى عَـلَيْـهِ الله مَـا دَامَ الحِجَـا
يَـخُوْضُ مِنْ بَـحْرِ المَعَانِيْ لُـجَـجَا
وَآلِـهِ وَصَـحْـبِـهِ ذَوِي الـهُـدَى
مَنْ شُبِّـهُوْا بِأَنْـجُـمٍ فِـي الاهْتِـدَا
((صلى عليه الله)) من الصلاة المأمور بها في خبر «أمرنا الله أن نصلي عليك فكيف نصلي عليك، فقال: قولوا اللهم صل على محمّد» إلى آخره.
والحق أن معناها واحد وهو العطف لكن العطف بالنسبة إلى الله تعالى بمعنى الرحمة أي: التفضل، وإلى الملائكة بمعنى الاستغفار، وإلى الآدميين والجن بمعنى التضرع والدعاء.
((ما دام الحجا * يخوض من بحر المعاني)) أي: المعاني التي كالبحر ((لججا)) جمع لُـجَّةٍ، وهي الماء العظيم المضطرب فغير المضطرب لا يسمى لُـجَّةً.
شبه المسائل الصعبة باللجج واستعار لفظ اللجج لها استعارة أصلية تصريحية، وفي الإتيان بـ«مِنْ» إشارة إلى أنه لا يحتوي على جميع المعاني إلا الله تعالى.
((وآله وصحبه)) اسم جمع لصاحب لا جمع له؛ لأن فَعْلاً لا يكون جمعا لفَاعِل، وعطف الآل والصحب على الضمير في «عليه» من غير إعادة حرف الجر لأنه جائز على الصحيح عند المحققين.
((ذوي)) أي: أصحاب ((الهدى)) هو والهداية بمعنى الدلالة على طريق يوصل إلى المطلوب سواء حصل المطلوب أو لم يحصل، هذا هو المشهور عندنا.
((من شبهوا بأنجم)) جمع نجم، وهو الكوكب غير الشمس والقمر ((في الاهتداء)) بهم، والمشبِه هو الله أولاً والنبي صلى الله عليه وسلم ثانيًا؛ فقد روي في الأحاديث القدسية «أن النبي صلى الله عليه وسلم سأل الرب عما يختلف فيه أصحابه، فقال: يا محمّد أصحابك عندي كالنجوم في السماء بعضها أضوأ من بعض فمن أخذ بشيء مما اختلفوا فيه فهو على هَدْيٍ عندي» بفتح الهاء وسكون الدال، وقال صلى الله عليه وسلم: «أصحابي كالنجوم بأيهم اقتديتم اهتديتم»، وهذا التشبيه للتقريب على العقول بما ألفوه وإلا فالاهتداء بالآل والصحب أشرف من الاهتداء بالنجوم؛ لأن الاهتداء بهم ينجي من الهلاك الأخروي والخلود في النار بل ومن الدنيوي بخلاف الاهتداء بالنجوم.
النظم
وَبَـعْـدُ فَـالـمَنْـطِـقُ لِـلْـجَـنَـانِ
نِـسْـبَـتُــهُ كَـالـنَّــحْـوِ لِـلِّـسَــــانِ
((وبعد)) يؤتى بها للانتقال من أسلوب إلى آخر،
والتقدير مهما يكن من شيء فأقول بعد البسملة وما بعدها المنطق إلى آخره، وإنما قدرنا ذلك لأن هذا الظرف من متعلقات الجزاء على الصحيح، وههنا كلام نفيس انظره في الشرح.
((فالمنطق)) سمي به هذا العلم لأن المنطق يطلق على الإدراكات الكلية، وعلى القوة العاقلة التي هي محل صدور الإدراكات، وعلى التلفظ الذي يبرز ذلك، وهذا العلم به تُصَيَّب الإدراكاتُ الكلية وتتقوى القوة العاقلة وتكمل وبه تكون القدرة على إبراز تلك العلوم بالنسبة ((للجنان)) بفتح الجيم أي: القلب.
قال حجة الإسلام: القلب لطيفة ربانية هي المخاطبة وهي التي تثاب وتعاقب، ولها تعلق بالقلب اللُّحْمَانيِّ الصَّنَوْبَرِيِّ الشكلِ تعلُّقَ العرض بالجوهر وسمي رُوحا ونفْسا.
وقال: النفس جوهرة حية علامة دراكة فعالة.
ويصح أن يراد بالجنان الذهن، وهو قوة للنفس مُعِدَّةٌ لاكتساب الآراء، فيكون من باب تسمية الشيء باسم ما تعلق به.
((نسبته كـ))ـنسبة ((النحو للسان)) فكما أن نسبة النحو للسان كونه يعصمه عن الخطأ كذلك نسبة المنطق للجنان كونه يعصمه عن ذلك، لكن النحو يعصم اللسان عن الخطأ في قوله، والمنطق يعصم الجنان عن الخطأ في فكره.
النظم
فَيَعْصِمُ الأَفْكَارَ عَنْ غَيِّ الخَطَا
وَعَنْ دَقِيْقِ الفَهْمِ يَكْشِفُ الغِطَا
فَـهَـاكَ مِـنْ أُصُــوْلِـهِ قَـوَاعِـدَا
تَـجـْمَــعُ مِـنْ فُــنُــوْنِــهِ فَــوَائِــدَا
((فـ))ـهو علم ((يعصم)) أي: يحفظ ((الأفكار)) جمع فكر وتقدم تعريفه.
((عن غي الخطأ)) أي: عن أن يقع فيها خطأ بتوفيق الله تعالى، والغي بالفتح الضلال والخيبة وإضافته كإضافة شجر أراك.
وفي هذا التعريف إشارة إلى الغاية، فخرج بقوله «يعصم الأفكار» غير المنطق فإن كل علم غيره إنما يعصم غيرها، كالنحو العاصم عن الخطأ اللساني.
وموضوعه المعلومات التصورية والتصديقية،
وقد بيَّنا بقية المبادئ العشرة في الشرح.
((وعن دقيق الفهم)) أي: المفهوم الدقيق ((يكشف الغطا)) بكسر الغين أي: الستر، شبه دقيق الفهم بالشيء المحتجب تحت الستر بدليل ذكر الغطاء.
((فهاك)) اسم فعل بمعنى خذ على ما ذكره ابن مالك في التسهيل، ولم يذكر الزبيدي والجوهري فيها إلا التنبيه، وزاد الجوهري الزجر فهي عندهما حرف فقط قاله الشيخ المكودي.
((من أصوله)) أي: أصول هي المنطق فالإضافة بيانية، أو الإضافة على معنى «من» التبعيضية وفيه تكلُّف إن جعلت «من» الداخلة على أصول تبعيضية أما إن جعلت بيانية فلا.
((قواعدا)) جمع قاعدة وهي والأصل والضابط والقانون ألفاظ مترادفة، وهي قضية كلية يتعرف منها أحكام جزئيات موضوعها، ((تجمع)) تلك القواعد ((من فنونه)) أي: أنواعه، والمراد فروعه، ((فوائدا)) جمع فائدة وهي والغاية مختلفان بالاعتبار فقط كالغرض والعلة؛ فالمصلحة الحاصلة من الشيء من حيث إنها في طرف الفعل تسمى غاية، ومن حيث إنها ثمرته ونتيجته تسمى فائدة، ومن حيث إنها مطلوبة للفاعل بالفعل تسمى غرضا، ومن حيث إنها باعثة للفاعل على الإقدام على الفعل وصدور الفعل لأجلها تسمى علة غائية،
والأولان أعم من الأخيرين؛ لانفراد الأولين بما هو في طرف الفعل وليس مطلوبا ولا باعثا كوجود كنز في حفر بئر.
ويصح كون التاء في «تجمع» للمخاطب أي: تجمع أنت بسبب تلك القواعد فوائد.
النظم
سَـمَّـيْـتُـهُ بِالـسُّـلَّـمِ الـمُـنَـوْرَقِ
يُـرْقَـى بِـهِ سَـمَاءُ عِـلْـمِ المَـنْـطِـقِ
((سميته)) أي: التأليف المفهوم من السياق ((بالسلم)) أدخل الباء على المفعول الثاني؛ لأنه يجوز أن يقال سميت ابني محمّدا وسميته بمحمّد ((المنورق))، الجاري على ألسنة الناس تقديم الراء على الواو وتأخير النون عنهما ويستدلون بقوله:
فهـذا علـيـه رونق الخـط وحده
*
وهذا علـيه رونق الخـط والمـلك
قال بعض مشايخ مشايخنا: والمروي في هذا النظم والبيت المستشهد به المنورق بتقديم النون على الواو وتأخير الراء عنهما وإن كان هو والجاري على الألسنة بمعنى واحد أي: المزين المزخرف.
ومع كون المذكور هو الرواية يزيد حسنا بكونه غريبا والغريب الحسن عذب لغرابته والجاري على الألسنة مبذول كما عرف في فن البيان.
((يرقى به)) أي: بهذا التأليف ((سماء علم المنطق)) من إضافة المشبه به إلى المشبه أي: علم المنطق الذي كالسماء.
فإن قيل هذا التأليف من علم المنطق فكيف جعله سلما له،
قلنا السلم اسم للألفاظ لا للعلم فلا يلزم السؤال، سلمنا أنه اسم للمعاني فالمراد أن المذكور في هذا التأليف سلم لغيره من المسائل الصعبة.
النظم
وَاللهَ أَرْجُوْ أَنْ يَكُوْنَ خَالِصَـا
لِوَجْهِـهِ الكَـرِيْـمِ لَيْـسَ قَالِصَـا
وَأَنْ يَكُـوْنَ نَـافِـعًـا لِلْمُـبْـتَـدِي
بِـهِ إِلَـى الـمُـطَـوَّلَاتِ يَـهْـتَــدِي
((واللهَ)) منصوب على التعظيم، أي: لا غيره ((أرجو)) أي: آمل أملا يتعلق بمطموع فيه مع الأخذ في أسبابه، وقد يطلق على الخوف ومنه وارجو اليوم الآخر.
((أن يكون)) هذا التأليف ((خالصا)) من المكدرات كحب الظهور والشهرة والمحمدة. ((لوجهه)) أي: ذاته ((الكريم ليس قالصا)) القالص في الأصل يطلق على إحدى شفتي البعير الناقصة عن أختها ثم تجوز فيه فأطلق على الناقص مجازا مرسلا من باب إطلاق اسم المقيد على المطلق.
ثم يحتمل أن يكون مراده بعدم النقص الكمال الحسي بأن لا يعوقه عن إكماله عائق، وأن يكون مراده أن لا يكون مطروحا في زوايا الإهمال والخمول لا ينتفع به لأن هذا أيضا نقص، فيكون قوله: ((وأن يكون نافعا للمبتدي ⁕ به إلى المطولات يهتدي)) بيانا وإيضاحا له.
وقد ذكر لنا شيخنا عن شيخه أن المؤلِّف كان مجاب الدعوة وأنه دعى لمن يقرأ هذا التأليف بالنفع وقد أجاب الله دعاءه فكل من قرأه بنية خالصة لله تعالى انتفع كما هو مشاهد.