بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله العالم بالكليات والجزئيات، الهادي العقول إلى حل صعاب المعقول بطرق اكتساب التصورات والتصديقات، والصلاة والسلام على سيدنا محمّد الجامع لأجناس الكمالات والفضائل، المختار من أفضل الأنواع وأشرف أصناف الأرومات والقبائل، وعلى آله وأصحابه ذوي العقول الزكية وصائبي الأنظار، وعلى التابعين ومن تبعهم بإحسان من ذوي الأنوار وبدائع الأسرار.
أما بعد، فإني قد كنت شرحت فيما مضى كتاب السلم شرحا بديع الإتقان، مشتملا على فوائد التحقيقات ونكات التدقيقات وبدائع العرفان، ذللت فيه صعاب المشكلات على طرف الثمام، واستخرجت فيه مستودعات أسرار وطرائف أفهام، وظفرت منه بدقائق أنظار ومخبآت أستار، واهتديت فيه على غرائب نكات وعرائس أبكار.
ثم رأيت أن الهمم الآن قد قصرت والعقول في هذا الزمان قد تبلدت وتكدرت، فصرفت الهمة ثانيا نحو الاختصار والاقتصار على التحقيقات ونبذ الأغيار، مازجا للشرح بالمشروح امتزاج الماء بالراح والجسد بالروح، وما توفيقي إلا بالله عليه توكلت وإليه أنيب.