قرار ترمب والاحتمالات التي تواجهها كوردستان سوريا


دلاور علاء الدين

25-12-2018

بقرار وبعض تغريدات مفاجئة، لم يرجّ دونالد ترمب مستنقع سوريا والمنطقة فحسب، بل هز كل مؤسسات الحكم في بلاده ووضع نفسه في مواجهة ضغوط داخلية وخارجية. ربما يبني الناس والسياسيون الكورد في سوريا الآمال على تلك الضغوط، لكن لا، فاحتمال تغيير القرار صعب. ترمب أكثر عناداً من أن يعرض نفسه لمهانة التراجع. بل أنه قطع الطريق على مسؤولي البنتاغون للاحتيال بحيل جديدة لإبطاء انسحاب القوات. لذا فإن الأمل الوحيد المتاح لكورد سوريا هو أن يحاولوا هم وأصدقاؤهم التوصل إلى بديل وسط.

يتمتع دونالد ترمب، كرئيس، بصلاحية إهمال كل الضغوط، وهو، بعيداً عن العاطفة والقيم الأخلاقية، يهتم أكثر بهل أن تركيا مستعدة لشراء صواريخ باتريوت الأمريكية بثلاثة مليارات دولار، بدلاً من شراء صواريخ S400 أرض- جو الروسية. كما يعرف أن ناخبيه (لإعادة انتخابه) يهتمون بخفض النفقات الخارجية وإعادة جيشهم إلى الديار، وليس بحرب داعش وحماية حليف لا دولة له في بلد أجنبي.

لهذا، ظهر الرئيس ترمب، في اتصال هاتفي، كتاجر سيء. حيث كان الرئيس أردوغان قد رفع سقف مطالبه إلى درجة لم يكن هو يتصور أن يوافق عليها ترمب بدون تردد، وكان ينتظر أن يتفقا عند منتصف الطريق وأن ترمب سيطلب منه التريث والتأجيل أو اتفاقاً من نوع آخر. لكن ترمب صدم أردوغان أيضاً بموافقته على جميع مطالبه، بخلاف مشورة مستشاريه. حتى أن الخوف انتاب أردوغان ونصح ترمب بأنه لا ينبغي أن يكون الانسحاب مفاجئاً. يبدو أن تركيا ليست مستعدة بعد للهجوم على كوردستان سوريا، ولا شك أن هذا سيدفع تركيا إلى الإسراع في اتخاذ استعدادات عسكرية، لكن ذلك لا يعني أنها ستشن الهجوم بهذه السرعة. في نفس الوقت، قد لا تكون سياسة تركيا ترمي إلى مطاردة قوات حزب الاتحاد الديمقراطي إلى عمق بعيد، بل ربما تكتفي باحتلال شريط حدودي بعمق 20 إلى 30 كيلومتراً، وتقوم بمساعدة (الجيش السوري الحر) بتشكيل إدارة شبيهة بتلك التي في عفرين وإعادة اللاجئين في تركيا إلى سوريا. ثم تلعب دور مقرر رئيس في المحادثات مع إيران وروسيا بشأن الخريطة المستقبلية لسوريا. سيكون هذا، إلى جانب تسديد ضربة كبرى لحزب الاتحاد الديمقراطي، وحصره بين مطرقة تركيا في الشمال وسندان داعش والنظام السوري في الجنوب، أن يسلبه أغلب أرضه وثروات منطقته.

لا شك أن إيران وروسيا ونظام الأسد، سيفيدون من نتائج هذا الإجراء، لأن الثلاثة بدأوا منذ فترة حملة لطرد أمريكا من سوريا، لكنهم لم يكونوا يتوقعون أن تؤدي تركيا المهمة بهذه السهولة وتقدمها هدية لهم، وإلا فإن أياً من الأطراف الثلاثة لم يكن معادياً للقوى الكوردية، وكل منهم أكثر جدية وحزماً في محاربة داعش من تركيا، لأنهم يعرفون أن خمسة عشر ألف مقاتل من داعش الذين خسروا الأرض في الجانب السوري، يستطيعون استعادة مناطق كالرقة بسرعة. هذا الأمر يترك الباب مفتوحاً لتتجه قوات سوريا الديمقراطية إلى الدول الثلاث وتبدأ معها مفاوضات مصيرية، ولا شك أن لهذا ثمنه وسيجبر قوات سوريا الديمقراطية على ربط مصيرها، حتى مستقبل غير معلوم، بنظام الأسد.

هنا، تجدر الإشارة إلى دور الأوروبيين. هؤلاء أقرب جيران للمنطقة، وهم المستهدفون من هجرة اللاجئين كما أنهم أهداف للإرهابيين. لهذا يخشون أن يؤدي توتر الأوضاع ثم ظهور داعش من جديد، إلى توجه أعداد كبيرة من اللاجئين إلى أوروبا. كما يخافون أن يحصل آلاف من مقاتلي داعش الأوروبيين، المحصورين في المنطقة أو الأسرى عند حزب الاتحاد الديمقراطي، على الفرصة للنفاذ والعودة إلى أوروبا. فقد أعلنت بريطانيا وفرنسا صراحة عن قلقهما من قرار ترمب، لكنهما ليسا بصدد إصدار قرار إرسال قواتهما إلى سوريا قريباً لتحل محل القوات الأمريكية. فقد دفع الأوروبيون إلى الآن ضريبة السياسات الأمريكية، بدون أن يكون لهم دور قيادي في سياسات المنطقة. إذ أن مؤسسات الاتحاد الأوروبي صيغت بطريقة لا تمكنها من انتهاج سياسة تدخل أو استخدام القوة، لهذا على الأعضاء المهمين في الاتحاد الأوروبي أن يقوموا بهذه المهمة، وبهذا يمكن أن يمنعوا حرباً شرسة بين حليف ستراتيجي كتركيا (العضو في ناتو) وحليف تاكتيكي محلي (في الحرب على داعش)، وهذا لا يعني أن تركيا ستسمع لهم، لكن بإمكانهم أن يمارسوا الضغط الناعم عليها.

ولكن ماذا قد يفعل كورد سوريا في هذا الخضم؟ من السابق لأوانه أن تكون لهم ردود فعل سلبية تجاه أمريكا، أو أن يتهموها بالخيانة، لأن عملية اتخاذ القرار في أمريكا معقدة والدنيا لم تنته بعد. أي أنهم وبينما يستعدون لمواجهة الأيام السود، عليهم العمل على فتح أبواب أخرى والبحث عن بدائل.

ليس خافياً أن كورد سوريا نجحوا في ما سبق في حفظ التوازن في علاقاتهم مع الشرق والغرب. فخلال حرب داعش، كانت لهم علاقات جيدة مع أمريكا وأوروبا والسعودية وإيران وروسيا ونظام الأسد في وقت واحد، بدون أن يخسروا الثقة المتبادلة مع أي من هؤلاء. النتيجة الحالية كانت متوقعة بالنسبة للكورد في كل حين، وفي نفس الوقت لم يقطع أي من القوى العالمية علاقاته مع قوات سوريا الديمقراطية، والآن، يبدو أن محادثات مباشرة بين قوات سوريا الديمقراطية وتركيا ليست بالأمر السهل، بل ضرب من المحال عند تركيا. لكن بعد الانسحاب الأمريكي، قد تكون إيران وروسيا مستعدتين لمساندة كورد سوريا شرط أن يتفقوا مع نظام الأسد. فاليوم هو يوم التفكير العميق وزيادة عدد الأصدقاء وتقليص عدد الخصوم، وهكذا فإن قيادات كوردستان سوريا بحاجة أكثر من أي وقت إلى الحكمة وإلى فن تحشيد الأنصار.