مكافحة الارهاب من خلال بناء الاوطان


دلاور علاء الدين

08-10-2014

ن الاضطرابات التي شهدتها منطقة الشرق الأوسط خلال الأشهر الماضية لم تأت من العدم، فطالما رزحت المنطقة تحت ثقل الأيديولوجيات الفاشلة وعانت من الميل إلى ترسيخ أنظمة سياسية من خلال قمع المجتمع المدني بشكل واسع. كما إن الفشل في معالجة المشاكل الاجتماعية والاقتصادية نحا بشعوب تلك المنطقة نحو التطرف وأصبح التشدد هو المعيار. اليوم، ومع بروز ما بات يعرف بتنظيم "الدولة الإسلامية،" هناك خطر يهدد الخارطة الاقليمية التي مضى على رسمها قرن من الزمن. في الواقع، بدأ نظام جديد بالظهور في العالم العربي ألا وهو المتشددين الذين اتخذوا زمام المبادرة في عدّة فرص واستغلوا الاعتراضات الشعبية وملأوا الفراغ الذي نتج اما بسسب تشتت القوى المعارضة او غيابها كلياً. هؤلاء المتشددون هم اليوم في القيادة، والانجذاب إلى الإسلام المتطرف هو ما سرع من وصولهم إلى الساحة العالمية.

مع ذلك، وعلى الرغم من النمو المقلق للتطرف، لم تظهر حكومات المنطقة أي التزام جدّي بالحكم الرشيد أو الديمقراطية أو حقوق الانسان. وتجدر الإشارة إلى أن تاريخ بلدان الشرق الأوسط في فترة ما بعد الاستعمار كان حافلاً ببروز الشيوعية والقومية العربية التي سادت في أولى مراحلها محاولات انقلاب دامية وأنظمة ملكية فاسدة، بالاضافة الى أنظمة قمعية تحكم بطرق وحشية. أن عملية الاصطفاف مع القوى العظمى سمح للحكام الاستبداديين بضمان استمراريتهم، لكن هذا الامر أنتج مجتمعات ضعيفة ومجزأة. قمع الحكام شعوبهم باسم القومية العربية وتحرير فلسطين ومناهضة الامبريالية، وتجاهلوا مسؤولياتهم في بناء الاوطان والامم.

من ناحية أخرى، فشل المجتمع الدولي بدوره في معالجة المشاكل التي تعاني منها المنطقة. ان اعتماد الولايات المتحدة وأوروبا للسياسة الواقعية "ريال بوليتيك" لم يساعد كثيراً على تعزيز مبادئ الديمقراطية في تلك الدول. وكما أن تلك الدول غضت النظر عن انتهاكات حقوق الانسان التي ارتكبها شركاؤها في المنطقة، وذلك لدواع اقتصادية ومخاوف أمنية.

على خط مواز، تحوّلت المؤشرات الإيجابية الأولى للربيع العربي إلى كابوس في المنطقة. لقد أدّت الجهود الساعية لتغيير الأنظمة الاستبدادية إلى العنف والتطرف في دول مثل العراق وسوريا وليبيا واليمن ومصر. هذه الدول الضعيفة تحوّلت إلى أرض خصبة للمتشددين والإرهاب، واذا تركت وحدها فان مستقبلها سيكون سوداوياً. لكن وعلى الرغم من أن الطريق نحو المستقبل طويل وقد يكون دامياً، من الضروري أن يضع أصحاب الشأن المحليون والاقليميون والدوليون خطة طويلة الأمد لاجتثاث هذه المشاكل التي تعانيها الأنظمة العربية.

للمرة الأولى ومنذ عقود هناك توافق واسع على أن الإرهاب بات يشكل تهديداً كبيراً للعالم، وقد حاز الائتلاف الذي تقوده الولايات المتحدة حالياً دعماً صريحاً أو ضمنياً من معظم الجهات المعنية. لذا فقد حان الوقت لنضع خطة لنظام جديد في الشرق الأوسط يكون بديلاً للدول الفاشلة التي لم تستطع احتواء الارهاب ويتيح لبلدان المنطقة المجال للازدهار وللأقليات بممارسة حقها في تقرير المصير. ومن الضروري في هذا الإطار أن تشكل حقوق الانسان والحوكمة الصالحة نقطة الارتكاز للمضي قدماً.

مما لا شك فيه هو أن منطقة الشرق الأوسط لن تتمكن من الوصول للاستقرار والسلام والديمقراطية لوحدها. والحق يقال، إن العراق يحاول شق طريقه في هذا الاتجاه وقد شكل حكومة وحدة وطنية جديدة وهو يحارب تنظيم "الدولة الاسلامية" في جميع أنحائه. كما أطلق الرئاسة العراقية مشروع "مصالحة" تشارك فيها جميع الأحزاب. أمام الولايات المتحدة فرصة لتغيير سياساتها التي تقوم على تأمين مصالحها، وإظهار اهتمام أكبر بمستقبل المنطقة. ويمكن لواشنطن أن تضطلع بدور قيادي من خلال جمع أصحاب الشأن لمعالجة طموحات إيران النووية والنزاع العربي الاسرائيلي وعملية السلام الكردية -التركية والتوتر الشيعي - السني.

وعلى الرغم من أن المنطقة بحاجة لدعم الولايات المتحدة الأميركية، لا يمكن للقادة المحليين التخلي عن مسؤولياتهم تجاه ما يجري حالياً. فإذا لم يستثمروا جدياً في بناء الدولة والمجتمع المدني والمؤسسات الديمقراطية وفي تطوير حقل التعليم، فإن المنطقة ستواصل الانحدار نحو المزيد من الفوضى والإرهاب.