باحث كردي يقترح خارطة طريق لبناء الدولة وترسيخ سيادة القانون في كردستان العراق
باسل الخطیب
الزمان
19-06-2018
دعا باحث وأكاديمي كردي، إلى إحداث تغييرات “جذرية” لتحقيق نظام “حكم رشيد” في إقليم كردستان، وضمان تماسكه بوجه الأزمات “المصيرية”، مقترحاً خارطة طريق لإعلاء سيادة القانون وترسيخ النظام المؤسسي الكردستاني وترصينه. جاء ذلك في كتاب جديد أصدره البروفيسور دلاور عبد العزيز علاء الدين، رئيس مؤسسة الشرق الأوسط للبحوث (ميري)، ووزير التعليم العالي والبحث العلمي الكردستاني الأسبق، باللغة الكردية، بعنوان ” بنــاء الدولة- خارطة طريق لتعزيز سيادة القانون والمأسسة في إقليـم كوردستان”. وقال علاء الدين، الذي سبق أن تولى مسؤولية البحث التطوير في جامعة نوتنغهام البريطانية، إن الكتاب الذي صدر عن مؤسسة (ميري)، يسلط الضوء على سبل “إصلاح الآليات والهياكل المتبعة في إقليم كردستان لإرساء سيادة القانون وتهيئة الأرضية المناسبة والضرورية لتحقيق الحكم الرشيد”، مشيراً إلى أن نظام الحكم في الإقليم ما يزال “مستمراً في النمو على نمط متأثر بالأوضاع السياسية والأمنية والاقتصادية المحيطة”. وأضاف أن ثقافة الحكم في الإقليم “مقلدة وتتضمن عدة نماذج، منها عراقية قديمة أو خارجية متعددة المصادر والأوجه”، عاداً أن نظام الحكم في الإقليم أصبح نتيجة ذلك “نموذجاً محلياً خاصاً في خضم قوى إقليمية كبيرة من جهة، وأنظمة ضعيفة أو فاشلة من جهة أخرى، فضلاً عن القوى المتطرفة، ما يتطلب التوصل إلى قالب محلي يضع في الاعتبار الديناميات المحلية المؤثرة بالتاريخ والثقافة والدين والموقع الجغرافي”. ورأى علاء الدين، أن ضعف الحكم في الإقليم في ظل هذا المحيط الصعب بات “مصدراً للأزمات والتهديدات لمستقبله ومصيره”، لافتاً إلى أن هذه المحاولة البحثية سعت إلى “تحديد الثغرات الجسيمة في نظام حكم الإقليـم من منظور نقدي، ووضع خارطة طريق للأعوام العشرة المقبلة من شأنها معالجة تلك الثغرات، وتحديد كيفية إصلاح الآليات والهياكل المتبعة لإرساء سيادة القانون وتهيئة الأرضية المناسبة والضرورية لتحقيق الحكم الرشيد، استناداً إلى دراسة نماذج متبعة في دول أخرى وإجراء أكثر من 200 مقابلة شخصية مع خبراء ومختصين من صناع السياسة والقرار والأكاديميين، وإجراء العديد من الطاولات المستديرة المصغرة والكبيرة على مستوى مدن الإقليم ومناطقه”.
ودعا رئيس مؤسسة (ميري)، إلى ضرورة تبني الإقليم “دستور مؤقت من شأنه رسم الإطار والنهج العام للتنمية والتطوير لحين معالجة مسألة المناطق المتنازع عليها، ونقل السلطة ومرجعية القرار السياسي إلى داخل مؤسسات الحكم، والاعتماد على الأسس الشرعية في قرارات الحكم للحد من ظاهرة التدخل بشؤون مؤسسات الحكم ومفاصله”، وأن يتم “تعزيز النُظُم التشريعية والتنفيذية والقضائية لتكون مصادر للسلطة والقرار وليس أداة لها، وتجديد القوانين القديمة المعمول بها وسد ثغراتها، واستحداث اللامرکزية المؤسساتية بهدف تغيير نهج الحكومة القائم على المركزية، وتفعيل دور الحكومات المحلية عن طريق تثبیت السلطات الإدارية والمالية وجعلها مستقلة، مع استحداث آليات كفيلة بتیسير عملية صنع القرار وتعزيز الشفافية والتقليل من البيروقراطية، وتقوية مؤسسات الدولة من خلال ترشيق حجمها وخفض التضخم الحاصل جراء عدد موظفيها، وتعزيز نظم متابعة الأداء وآليات التقييم في المؤسسات واستحداث نظام محلي فعال لضمان جودة الخدمات”.
كما اقترح المؤلف إحداث “تغييرات جذرية بغية تعزيز الهيكل الإداري وعملية صنع القرار وآليات المتابعة ضماناً لترسيخ وتماسك نظام الحكم بوجه الأزمات المصيرية”، منوهاً إلى أن الأزمات السابقة أثبتت أن مواطني الإقليم وقيادته السياسية (السلطة الحاكمة والمعارضة) “ليس أمامهم خيار غير الخوض في غمار عمليتي بناء مؤسسات الدولة وبناء الوطن، معتمدين النية والإرادة والإصرار لتحقيقهما وجعلهما نواة الازدهار والرفاهية لمواطني الإقليم، وإلا لن يتمكن النظام الحالي تحقيق مطالب المواطنين”. وتابع علاء الدين، أن البرلمان يشكل “مركزاً للسلطة القانونية والسياسية والمعنوية التي تحفز وتدفع بمؤسسات الدولة إلى الأمام، كونه المنبر الطبيعي الذي من خلاله تناقش القيادات العليا للأحزاب السياسية الرؤى والاستراتيجيات طويلة المدى بهدف تحديد مسار الدولة واتجاهاتها وإيجاد حلول للنزاعات والأزمات الداخلية”، مطالباً باعتماد “حزمة من الآليات وتشريع قوانين جديدة لنقل السلطة ومرجعية القرار إلى داخل البرلمان، منها انضمام رؤساء الأحزاب المتنافسة في الانتخابات إلى المجلس عن طريق الترشيح، وأن يكون رئيس الحكومة ونائبه من البرلمانين المنتخبين من قبل المواطن وأن يبقوا كذلك حتى بعد تكليفهم بتشكيل الحكومة، وأن يعرض رئيس الحكومة والوزراء الرؤى والاستراتيجيات والخطط على البرلمان، مع ضرورة مثولهم أمامهم دورياً، فضلاً عن إضفاء الصفة المؤسسية على العلاقة بين الوزراء واللجان البرلمانية”.
ودعا المؤلف أيضاً، إلى “تشكيل مجلس شيوخ من قادة الأحزاب السياسية ومسؤولين رفيعي المستوى من الذين تبوؤا مناصب رفيعة في الحكومة للاستفادة من خبراتهم وضمان عدم ضياعها مع عدم حرمانهم من الامتيازات القيادية”، مبيناً أن المجلس سيسهم في “تحفيز الأجيال المتقدمة بالتنحي عن السلطة بصورة تتسم بالاحترام وتضمن لهم في الوقت نفسه البقاء ضمن النظام السياسي”.
واستطرد أن الحاجة ماسة إلى “إعادة تعريف هيكلية ودور وأداء البرلمان مثلها في ذلك مثل أي مؤسسة أخرى في الإقليم”، مقدماً حزمة مقترحات بهدف “تعديل قانون الانتخابات والاستفادة من الخبرات البرلمانية المتراكمة وإصلاح العمل البرلماني وتفعيل رئاسة المجلس والكتل واللجان والمستشارين، فضلاً عن أهمية تأسيس المجلس العام القانوني وهيئة التشريع ومعهد الدراسات القانونية على مستوى مجلس الوزراء لإضفاء الصفة المؤسسية على عملية دراسة وتشريع القوانين وتشخيص الثغرات القانونية ومعالجتها”.
ولم يغفل المؤلف السلطة القضائية في الإقليم، كونها من “أهم ركائز سيادة القانون وعمليتي بناء الوطن والدولة”، مؤكداً أن قيادة وآليات الإدارة في السلطة القضائية “ضعيفة وهزيلة جداً، الأمر الذي جعل من المحاكم أداة تستخدم لتحقيق مصالح شخصية، ما يتطلب اعتماد نظام معاصر لتقويم أداء القضاة والادعاء العام لضمان جودة أداء الواجبات الملقاة على عاتقهم”.
وبشأن تعزيز نظام الجودة والمتابعة في الإقليم، دعا علاء الدين، المؤسسات الرسمية والاستراتيجية داخل نظام الحكم الحالي في إقليم كردستان، لأن “تقوم بدور فعال في متابعة مؤسسات الدولة”، مشيراً إلى أن الجهات المعنية بالمتابعة تضم كلا من “ديوان الرقابة المالية، رئاسة الادعاء العام، هيئة النزاهة، اللجان البرلمانية ومجالس المحافظات والأقضية، في حين تضم الجهات الرقابية بنحو غير مباشر، منظمات المجتمع المدني، الصحافة والإعلام والنقابات”.
واقترح المؤلف كذلك، إعادة صياغة هيكلة الحكومة وتفعيلها، مؤكداً أن الهيكل الإداري لمؤسسات الإقليم بات بمثابة “دابة ضخمة هزيلة تدار بطريقة مركزية بحتة، ما يتطلب مراجعة جذرية شاملة”، داعياً إلى “تفكيك ودمج الوزارات بحسب التخصصات المتقاربة، وإعادة تعريف دور الوزير وأصحاب الدرجات الخاصة ومهامهم، وأن يقتصر دور الكابينة الوزارية والوزارات على صياغة ورسم الرؤى والاستراتيجيات والخطط الشاملة وإصدار التعليمات الوظيفية وضمان جودة الأداء الوظيفي، على أن تسليم قيادة وإدارة المؤسسات على مستوى المحافظات للحكومات المحلية مع الأخذ بالاعتبار فصل السلطات وليس نقلها”.
وبشأن المحافظات، رأى علاء الدين، أن تتم إعادة “تعريف هيكلة المحافظات، وأن تتكون من عدة دوائر عامة صغيرة تنسق فيما بين الوزارات والحكومات المحلية على مستوى الأقضية دون أن تكون مسؤولة عنها من الناحية الإدارية”، معتبراً أن الأقضية ينبغي أن تكون “الحجر الأساس للحكومة المحلية، والوحدات الإدارية الحقيقية لكن بهيكلية وتشكيلة جديدة، بحيث يكون القائمقام رئيساً للوحدة الإدارية والمسؤول الأول للسلطة التنفيذية من خلال دوائر ها الخاصة شبه مستقلة”.
وأوضح أن فوائد النموذج اللامرکزي المقترح کثيرة، منها “تقليل الروتين واستحداث عملية النافذة الواحدة، استعادة الهيبة والوقار لمنصب القائمقام ومديري النواحي والأقضية والحكومة إجمالا، واستعادة أواصر الثقة بين الحكومة والمواطن، معالجة مشكلة التضخم الفوقي وإعادة توزيع الموظفين في الوزارات، إعادة إعمار الأقضية والنواحي والقرى والأرياف من خلال تحسين جودة المستوى المعيشي، تقليل الفساد من خلال نقل السلطة والمسؤوليات وكذلك تفعيل نظام المتابعة والرقابة”.
وأقترح المؤلف أيضاً “إلغاء منصب رئيس الإقليم وديوان الرئاسة، مع إضفاء الصفة المؤسسية على رئاسة ديوان مجلس الوزراء، وجعلها أمانة عامة بهيكلية جديدة، مع استحداث دائرة للتنسيق والمتابعة تلحق بها لمتابعة المشاريع وسير العـمليات وأداء الوزارات وتقويم نوعيتها من موقع السلطة”، كما يقترح “إلغاء مجلس أمن إقليم كردستان ودمج تشكيلاته بالوزارات المعنية”.
يذكر أن مؤسسة الشرق الأوسط للبحوث، منظمةٌ أكاديمية مستقلةٌ غير هادفة للربح، تركز جهودها على القضايا السياسية المتعلقة بالشعب والأرض ونظام الحكم في الشرق الأوسط بعامة، وكردستان والعراق بخاصة، يقع مقرها في مدينة أربيل عاصمة إقليم كردستان، وتهدف المؤسسة إلى تعزيز وتطوير حقوق الإنسان، الديمقراطية، الحكم الرشيد، سيادة القانون والرخاء الاجتماعي والاقتصادي.