Search this site
Embedded Files
شريعتك
  • الصفحة الرئيسية
  • القرآن الكريم
  • التلمود
    • أسفار التوراة
      • سفر التكوين
      • سفر الخروج
      • سفر اللاويين
      • سفر العدد
      • سفر التثنية
    • فقه الزروع "تعاليم الزراعة"
    • فقه موعيد"تعاليم الأعياد والمناسبات والمواسم"
    • فقه ناشيم "تعاليم النساء والأسرة"
    • فقه نزيقين "تعاليم الأضرار"
    • فقه قداشیم"تعاليم المقدسات والعبادات"
    • فقه طهاروت "تعاليم الطهارة"
  • أصول الفقه
  • العلوم الفقهية
    • فقه الإمامة والرياسة
    • علم فقه الجهاد في سبيل الله
    • فقه القتال في سبيل الله
    • علم فقه الفرائض "المواريث"
    • علم فقه النكاح والفرقة "الأسرة"
    • علم فقه الأطعمة والأشربة والذكاة والصيد
    • علم فقه العبادات
      • الطهارة
      • الصلاة
      • الجنائز
      • الزكاة
      • الصيام
      • الحج والعمرة
    • علم فقه المعاملات
    • علم فقه الحدود
    • علم فقه القصاص
    • علم فقه القضاء
    • علم فقه التعزير والردة والأيمان والنذور
    • علم فقه الدعوة إلى الله
    • فقه الآداب الإتيكيت العربي الإسلامي
  • تطبيقات
    • القارئ للاستماع إلى القرآن
    • تفسير القرآن
    • مكتبة تراث
    • الباحث القرآني
    • الباحث الحديثي
    • مواقيت الصلاة
    • مقرئ المتون
    • المقرئ لحفظ القرآن
    • موضوعات القرآن الكريم
    • المكتبة الشاملة
    • الأستاذ/ طارق العقيلي
    • الكتاب المقدس
    • الكتاب المقدس الدراسي
    • التفسير التطبيقى للكتاب المقدس
    • القرآن الكريم آيات
    • محطة الإذاعية أ/طارق العقيلي
  • التحميلات
شريعتك
  • الصفحة الرئيسية
  • القرآن الكريم
  • التلمود
    • أسفار التوراة
      • سفر التكوين
      • سفر الخروج
      • سفر اللاويين
      • سفر العدد
      • سفر التثنية
    • فقه الزروع "تعاليم الزراعة"
    • فقه موعيد"تعاليم الأعياد والمناسبات والمواسم"
    • فقه ناشيم "تعاليم النساء والأسرة"
    • فقه نزيقين "تعاليم الأضرار"
    • فقه قداشیم"تعاليم المقدسات والعبادات"
    • فقه طهاروت "تعاليم الطهارة"
  • أصول الفقه
  • العلوم الفقهية
    • فقه الإمامة والرياسة
    • علم فقه الجهاد في سبيل الله
    • فقه القتال في سبيل الله
    • علم فقه الفرائض "المواريث"
    • علم فقه النكاح والفرقة "الأسرة"
    • علم فقه الأطعمة والأشربة والذكاة والصيد
    • علم فقه العبادات
      • الطهارة
      • الصلاة
      • الجنائز
      • الزكاة
      • الصيام
      • الحج والعمرة
    • علم فقه المعاملات
    • علم فقه الحدود
    • علم فقه القصاص
    • علم فقه القضاء
    • علم فقه التعزير والردة والأيمان والنذور
    • علم فقه الدعوة إلى الله
    • فقه الآداب الإتيكيت العربي الإسلامي
  • تطبيقات
    • القارئ للاستماع إلى القرآن
    • تفسير القرآن
    • مكتبة تراث
    • الباحث القرآني
    • الباحث الحديثي
    • مواقيت الصلاة
    • مقرئ المتون
    • المقرئ لحفظ القرآن
    • موضوعات القرآن الكريم
    • المكتبة الشاملة
    • الأستاذ/ طارق العقيلي
    • الكتاب المقدس
    • الكتاب المقدس الدراسي
    • التفسير التطبيقى للكتاب المقدس
    • القرآن الكريم آيات
    • محطة الإذاعية أ/طارق العقيلي
  • التحميلات
  • More
    • الصفحة الرئيسية
    • القرآن الكريم
    • التلمود
      • أسفار التوراة
        • سفر التكوين
        • سفر الخروج
        • سفر اللاويين
        • سفر العدد
        • سفر التثنية
      • فقه الزروع "تعاليم الزراعة"
      • فقه موعيد"تعاليم الأعياد والمناسبات والمواسم"
      • فقه ناشيم "تعاليم النساء والأسرة"
      • فقه نزيقين "تعاليم الأضرار"
      • فقه قداشیم"تعاليم المقدسات والعبادات"
      • فقه طهاروت "تعاليم الطهارة"
    • أصول الفقه
    • العلوم الفقهية
      • فقه الإمامة والرياسة
      • علم فقه الجهاد في سبيل الله
      • فقه القتال في سبيل الله
      • علم فقه الفرائض "المواريث"
      • علم فقه النكاح والفرقة "الأسرة"
      • علم فقه الأطعمة والأشربة والذكاة والصيد
      • علم فقه العبادات
        • الطهارة
        • الصلاة
        • الجنائز
        • الزكاة
        • الصيام
        • الحج والعمرة
      • علم فقه المعاملات
      • علم فقه الحدود
      • علم فقه القصاص
      • علم فقه القضاء
      • علم فقه التعزير والردة والأيمان والنذور
      • علم فقه الدعوة إلى الله
      • فقه الآداب الإتيكيت العربي الإسلامي
    • تطبيقات
      • القارئ للاستماع إلى القرآن
      • تفسير القرآن
      • مكتبة تراث
      • الباحث القرآني
      • الباحث الحديثي
      • مواقيت الصلاة
      • مقرئ المتون
      • المقرئ لحفظ القرآن
      • موضوعات القرآن الكريم
      • المكتبة الشاملة
      • الأستاذ/ طارق العقيلي
      • الكتاب المقدس
      • الكتاب المقدس الدراسي
      • التفسير التطبيقى للكتاب المقدس
      • القرآن الكريم آيات
      • محطة الإذاعية أ/طارق العقيلي
    • التحميلات

الصيام
علم فقه العبادات

الصيام

• الباب الأول: تعريف الصيام وأركانه وحكمه وفضائله وأقسامه وشروطه وآدابه.

• الباب الثاني: شهر رمضان فضائله، خصائصه، حكم صومه، طرق إثبات دخوله وخروجه.

• الباب الثالث: من يُباح لهم الفطر.

• الباب الرابع: مفسدات الصيام وما يكره للصائم وما يباح له.

• الباب الخامس: ما يُستحبُّ صومه وما يكره وما يحرم.

• الباب السادس: أحكام عامة في القضاء.

• الباب السابع: قيام رمضان (التراويح).

• الباب الثامن: أحكام الاعتكاف.

الباب الأول: تعريف الصيام وأركانه وحكمه وفضائله وأقسامه وشروطه وآدابه

• الفصل الأول: تعريف الصيام وأركانه.

• الفصل الثاني: الحكمة من تشريع الصيام.

• الفصل الثالث: فضائل الصيام.

• الفصل الرابع: أقسام الصيام.

• الفصل الخامس: شروط وجوب الصوم، والنية في الصوم.

• الفصل السادس: آداب الصيام.


الفصل الأول: تعريف الصيام وأركانه

• تمهيد.

• المبحث الأول: الركن الأول: الإمساك عن المفطِّرات.

• المبحث الثاني: الركن الثاني: استيعاب زمن الإمساك.

تمهيد

تعريف الصيام لغةً واصطلاحاً

أصل الصيام في اللغة: الإمساك.

وأما الصيام اصطلاحاً فهو: التعبُّدُ لله سبحانه وتعالى، بالإمساك عن الأكل والشرب وسائر المفطِّرات، من طلوع الفجر إلى غروب الشمس.

وتنقسم أركان الصيام إلى ركنين:

- الإمساك عن المفطِّرات.

- استيعاب زمن الإمساك.

المبحث الأول: الركن الأول: الإمساك عن المفطِّرات

يجب على الصائم أن يمتنع عن كل ما يبطل صومه من سائر المفطِّرات، كالأكل والشرب والجماع.

الأدلة:

أولاً: من الكتاب:

قوله تعالى: فَالآنَ بَاشِرُوهُنَّ وَابْتَغُواْ مَا كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ وَكُلُواْ وَاشْرَبُواْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ [البقرة:]

فقوله سبحانه: ثُمَّ أَتِمُّواْ الصِّيَامَ أي: إذا طلع الفجر فأمسكوا عن المفطرات إِلَى الَّليْلِ وهو غروب الشمس.

ثانياً: من السنة:

عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((إن بلالاً يؤذِّن بليلٍ فكلوا واشربوا حتى ينادي ابن أم مكتوم))، وكان رجلاً أعمى لا ينادي حتى يُقال له: أصبحت أصبحت. أخرجه البخاري ومسلم.

وجه الدلالة:

أنَّ السماح بالأكل والشرب وسائر المفطِّرات للصائم، له غايةٌ ينتهي إليها وذلك بأذان الفجر- الذي هو علامة على دخول وقت الفجر الثاني- فمتى دخل هذا الوقت، وجب على الصائم أن يمتنع عن الأكل والشرب وعن جميع المفطِّرات.

ثالثاً: الإجماع:

لا خلاف بين أهل العلم في أن حقيقة الصيام لا تتحقق إلا بالإمساك عن الطعام والشراب والجماع، وممن نقل الإجماع على ذلك ابن حزم، وابن عبد البر، وابن تيمية.

المطلب الأول: بداية زمن الإمساك

يبدأ زمن الإمساك عن المفطِّرات من دخول الفجر الثاني، وذهب إلى هذا عامة أهل العلم.

الأدلة:

أولاً: من الكتاب:

قوله تعالى: فَالآنَ بَاشِرُوهُنَّ وَابْتَغُواْ مَا كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ وَكُلُواْ وَاشْرَبُواْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ [البقرة:]

وقد فسَّر النبي صلى الله عليه وسلم قوله تعالى: حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الأَسْوَد بقوله: ((إنما ذلك سواد الليل وبياض النهار)). أخرجه البخاري ومسلم.

وعن سهل بن سعدٍ رضي الله عنه قال: ((أنزلت وَكُلُواْ وَاشْرَبُواْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الأَسْوَدِ ولم ينزل مِنَ الْفَجْرِ، فكان رجالٌ إذا أرادوا الصوم ربط أحدهم في رجليه الخيط الأبيض والخيط الأسود، ولا يزال يأكل حتى يتبين له رؤيتهما، فأنزل الله بعدُ مِنَ الْفَجْرِ فعلموا أنه إنما يعني الليل والنهار)). أخرجه البخاري ومسلم.

والمراد هنا بالخيط الأبيض هو: المعترض في الأفق، لا الذي هو كذَنَب السرحان - الذي يكون عمودياً في السماء - فإنه الفجر الكاذب، الذي لا يُحلُّ شيئاً، ولا يُحرِّمه.

والمراد بالخيط الأسود: سواد الليل.

والتبيُّن: أن يمتاز أحدهما عن الآخر، وذلك لا يكون إلا عند دخول وقت الفجر.

ثانياً: من السنة:

- عن عائشة رضي الله عنها أن بلالاً كان يؤذِّن بليل، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((كلوا واشربوا حتى يؤذِّن ابن أم مكتوم؛ فإنه لا يؤذن حتى يطلع الفجر)). أخرجه البخاري ومسلم.

- عن جابرٍ رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((الفجر فجران: فأما الفجر الذي يكون كذنب السرحان فلا يحل الصلاة ولا يحرم الطعام، وأما الفجر الذي يذهب مستطيلا في الأفق فإنه يحل الصلاة ويحرم الطعام)).

المطلب الثاني: نهاية زمن الإمساك

الفرع الأول: متى ينتهي زمن الإمساك

ينتهي وقت الإمساك بغروب الشمس.

الأدلة:

أولاً: من الكتاب:

قوله تعالى: ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ [البقرة:]

ففي هذا التصريح بأن للصوم غاية هي الليل، فعند إقبال الليل من المشرق، وإدبار النهار من المغرب يفطر الصائم، ويحلُّ له الأكل، والشرب وغيرهما.

ثانياً: من السنة:

عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((إذا أقبل الليل من هاهنا وأدبر النهار من هاهنا، وغربت الشمس، فقد أفطر الصائم)). أخرجه البخاري ومسلم.

ثالثاً: الإجماع:

أجمع أهل العلم على أن وقت صيام اليوم ينتهي بغروب شمسه، وممن نقل الإجماع على ذلك ابن حزم، وابن عبدالبر، والنووي.

الفرع الثاني: إذا أفطر الصائم ثم أقلعت الطائرة به، فرأى الشمس لم تغرب

من أفطر بالبلد ثم أقلعت الطائرة به، أو أفطر في الطائرة قبل ارتفاعها، وذلك بعد انتهاء النهار، ثم رأى الشمس بعد ارتفاع الطائرة في الجو، فإنه يستمر مفطرا، وبه أفتى عبدالرزاق عفيفي، وابن باز، وابن عثيمين.

الأدلة:

أولاً: من الكتاب:

قوله تعالى: ... ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ [البقرة:]

أي: إلى غروب الشمس.

ثانياً: من السنة:

عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((إذا أقبل الليل من هاهنا وأدبر النهار من هاهنا، وغربت الشمس، فقد أفطر الصائم)). أخرجه البخاري ومسلم.

وجه الدلالة:

أنَّ الشارع الحكيم قد علَّق الإمساك بتبين دخول وقت الفجر الثاني، وعلق الإفطار بغروب الشمس، فمتى رأى الصائم من مكانه الذي هو فيه أن الشمس قد غربت أفطر، وإلا فلا.

الفرع الثالث: هل العبرة للصائم برؤية الشمس وهو في الطائرة أم بدخول وقت الإفطار في البلد القريب منها أو المحاذي لها

من سافر بالطائرة وهو صائمٌ، ثم اطَّلع بواسطة الساعة أو غيرهاوالتلفزيون على أن وقت إفطار البلد الذي سافر منه أو البلد القريبة منه في سفره، قد دخل، لكنه يرى الشمس بسبب ارتفاع الطائرة، فليس له أن يفطر إلا بعد غروبها.

وبه أفتى عبد الرزاق عفيفي، وابن باز، وابن عثيمين،.

الأدلة:

أولاً: من الكتاب:

قوله تعالى: ... ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ [البقرة:].

أي: إلى غروب الشمس.

ثانياً: من السنة:

عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((إذا أقبل الليل من ها هنا وأدبر النهار من ها هنا، وغربت الشمس، فقد أفطر الصائم)). أخرجه البخاري ومسلم.

وجه الدلالة:

أن الشارع الحكيم قد علَّق الإمساك بتبين دخول وقت الفجر الثاني، وعلق الإفطار بغروب الشمس، فمتى رأى الصائم من مكانه الذي هو فيه أن الشمس قد غربت أفطر، وإلا فلا.

الفرع الرابع: وقت الفطر في البلاد التي يطول فيها النهار

يجب على الصائم الإمساك من حين طلوع الفجر حتى تغرب الشمس في أي مكان كان من الأرض، سواء طال النهار أم قصر، أم تساويا، ما دام هو في أرض فيها ليل ونهار يتعاقبان خلال أربع وعشرين ساعة.

لكن لو شقَّ الصوم في الأيام الطويلة مشقة غير محتملة ويخشى منها الضرر أو حدوث مرض، فإنه يجوز الفطر حينئذ، ويقضي في أيام أُخر يتمكن فيها من القضاء.

وبهذا أفتى ابن باز، وابن عثيمين، وغيرهما، وهو قرار المجمع الفقهي الإسلامي.

الأدلة:

أولاً: من الكتاب:

قوله تعالى: فَالآنَ بَاشِرُوهُنَّ وَابْتَغُواْ مَا كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ وَكُلُواْ وَاشْرَبُواْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْل [البقرة:]

ثانياً: من السنة:

- عن عائشة رضي الله عنها أن بلالاً كان يؤذِّن بليلٍ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((كلوا واشربوا حتى يؤذن ابن أم مكتوم؛ فإنه لا يؤذن حتى يطلع الفجر)). أخرجه البخاري ومسلم.

- عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((إذا أقبل الليل من هاهنا وأدبر النهار من هاهنا، وغربت الشمس، فقد أفطر الصائم)). أخرجه البخاري ومسلم.

ففي هذه الآية الكريمة والحديثين الشريفين دليلٌ ظاهرٌ على وجوب الإمساك على الصائم من حين طلوع الفجر الثاني حتى غروب الشمس، فهو حكمٌ عام، سواء طال النهار أم قصر، أم تساويا، ما دام أنه في أرضٍ فيها ليلٌ ونهارٌ يتعاقبان خلال أربع وعشرين ساعة.

الفرع الخامس: كيفية تحديد بداية الإمساك ونهايته في البلاد التي لا يتعاقب فيها الليل والنهار خلال أربع وعشرين ساعة

من كان في بلدٍ لا يتعاقب فيه الليل والنهار في أربع وعشرين ساعة كبلد يكون نهارها مثلاً: يومين، أو أسبوعاً، أو شهراً، أو أكثر من ذلك، فإنه يقدر للنهار قدره، ولليل قدره اعتماداً على أقرب بلدٍ منها بحيث يكون مجموع كلٍّ من الليل والنهار ساعة.

وبهذا أفتى ابن باز، وابن عثيمين، وغيرهما، وهو ما قرره المجمع الفقهي الإسلامي.

الدليل:

القياس:

قياساً على التقدير الوارد في حديث النواس بن سمعان رضي الله عنه، حيث قال: ((ذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم الدجال ذات غداة ..... إلى أن قال: قلنا يا رسول الله وما لبثه في الأرض؟

قال: أربعون يوماً، يوم كسنة ويوم كشهر ويوم كجمعة وسائر أيامه كأيامكم.

قلنا: يا رسول الله فذلك اليوم الذي كسنة أتكفينا فيه صلاة يوم؟ قال: لا، اقدروا له قدره)). أخرجه مسلم.

وجه الدلالة:

أنه لم يعتبر اليوم الذي كسنة يوماً واحداً تكفي فيه خمس صلوات، بل أوجب خمس صلواتٍ في كل أربعٍ وعشرين ساعة، وأمرهم أن يوزعوها على أوقاتها اعتباراً بالأبعاد الزمنية التي بين أوقاتها في اليوم العادي. وكذلك الحال مع الصيام - على ما سبق بيانه - إذ لا فارق في ذلك بين الصوم والصلاة.

وأما كون هذا التقدير مبنياً على أقرب بلدٍ منهم، يكون فيه ليلٌ ونهارٌ يتعاقبان في أربعٍ وعشرين ساعة؛ فلأن إلحاق البلد في جغرافيته بما هو أقرب إليه أولى من إلحاقه بالبعيد؛ لأنه أقرب شبهاً به من غيره.

الفصل الثاني: الحكمة من تشريع الصيام

لما كانت مصالح الصوم مشهودةً بالعقول السليمة، والفطر المستقيمة، شرعه الله سبحانه وتعالى لعباده؛ رحمةً بهم؛ وإحسانا إليهم؛ وحميةً لهم وجُنَّةً.

فالصيام له حِكَمٌ عظيمةٌ، وفوائدُ جليلةٌ، ومنها:

- أن الصوم وسيلةٌ لتحقيق تقوى الله عز وجل:

فالصائم الذي امتنع عن الحلال في غير نهار رمضان، بإمكانه كذلك أن يمتنع عن الحرام.

قال تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ [البقرة:]

- إشعار الصائم بنعمة الله تعالى عليه:

فإنَّ إلف النعم يُفقد الإنسانَ الإحساسَ بقيمتها، فإذا ذاق ألم فقدها حال الصوم، ذكر نعمة الله عليه بوجودها وتيسيرها له حال الفطر، فشكر نعمة ربه وقام بحقه.

- تربية النفس على الإرادة، وقوة التحمل:

فالصوم يهذب النفس، ويضبطها، حيث يحبس النفس عن الشهوات ويفطمها عن المألوفات، فعن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((يا معشر الشباب، من استطاع منكم الباءة فليتزوج؛ فإنه أغض للبصر، وأحصن للفرج، ومن لم يستطع فعليه بالصوم، فإنه له وجاء)). أخرجه البخاري ومسلم.

- في الصوم قهرٌ للشيطان:

فإن وسيلته إلى الإضلال والإغواء: الشهوات، وإنما تقوى الشهوات بالأكل والشرب. والصوم يضيِّق مجاري الدم، فتضيق مجاري الشيطان، فيُقهر بذلك، فعن صفية رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((إن الشيطان يجري من ابن آدم مجرى الدم)). أخرجه البخاري ومسلم.

- الصوم موجبٌ للرحمة والعطف على المساكين:

فإن الصائم إذا ذاق ألم الجوع في بعض الأوقات، تذكَّرَ مَنْ هذا حالُهُ في جميع الأوقات، فتُسرِعُ إليه الرقة، والرحمة، والإحسان إلى المحتاجين.

- الصوم يطهِّر البدن من الأخلاط الرديئة ويكسبه صحةً وقوةً:

كما شهد بذلك الأطباء المختصون، فعالجوا مرضاهم بالصيام.

وهذه الفوائد وغيرها هي بعض ما يدركه عقل الإنسان المحدود من هذه العبادة العظيمة، وذلك حين تُؤدَّى على وجهها المشروع.

الفصل الثالث: فضائل الصيام

للصيام فضائلُ كثيرةٌ شهدت بها نصوص الوحيين، ومنها:

- أن الصوم لا مثل له:

فعن أبي أمامة الباهلي رضي الله عنه قال: قلت: ((يا رسول الله مرني بأمر ينفعني الله به، قال: عليك بالصيام فإنه لا مثل له)).

- أن الله تبارك وتعالى أضافه إليه:

فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((قال الله عز وجل: كل عمل ابن آدم له إلا الصوم، فإنه لي وأنا أجزي به .. )). أخرجه البخاري ومسلم.

فجعل الله سبحانه الصوم له، والمعنى أن الصيام يختصه الله سبحانه وتعالى من بين سائر الأعمال؛ لأنه أعظم العبادات إطلاقاً؛ فإنه سر بين الإنسان وربه؛ فالإنسان لا يُعلم هل هو صائمٌ أم مفطرٌ؛ إذ نيته باطنة؛ فلذلك كان أعظم إخلاصاً؛ فاختصه الله سبحانه من بين سائر الأعمال تعظيماً لقدره.

- تجتمع في الصوم أنواع الصبر الثلاثة:

وهي الصبر على طاعة الله، وعن معصية الله، وعلى أقداره سبحانه وتعالى.

فهو صبرٌ على طاعة الله؛ لأن الإنسان يصبر على هذه الطاعة ويفعلها.

وعن معصية الله سبحانه؛ لأنه يتجنب ما يحرم على الصائم.

وعلى أقدار الله تعالى؛ لأن الصائم يصيبه ألمٌ بالعطش والجوع والكسل وضعف النفس؛ فلهذا كان الصوم من أعلى أنواع الصبر؛ لأنه جامعٌ بين الأنواع الثلاثة، وقد قال الله تعالى: إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ [الزمر:].

- الصيام يشفع لصاحبه يوم القيامة:

فعن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((الصيام والقرآن يشفعان للعبد، يقول الصيام: أي رب إني منعته الطعام والشهوات بالنهار فشفِّعني فيه، ويقول القرآن: منعته النوم بالليل فشفِّعني فيه، فيشفعان)).

أي يشفعهما الله فيه ويدخله الجنة.

- الصوم من الأعمال التي وعد الله تعالى فاعلها بالمغفرة والأجر العظيم:

قال تعالى: إِنَّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ وَالْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَالْقَانِتِينَ وَالْقَانِتَاتِ وَالصَّادِقِينَ وَالصَّادِقَاتِ وَالصَّابِرِينَ وَالصَّابِرَاتِ وَالْخَاشِعِينَ وَالْخَاشِعَاتِ وَالْمُتَصَدِّقِينَ وَالْمُتَصَدِّقَاتِ وَالصَّائِمِينَ وَالصَّائِمَاتِ وَالْحَافِظِينَ فُرُوجَهُمْ وَالْحَافِظَاتِ وَالذَّاكِرِينَ اللَّهَ كَثِيرًا وَالذَّاكِرَاتِ أَعَدَّ اللَّهُ لَهُم مَّغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا [الأحزاب:]

- الصيام كفارةٌ للذنوب والخطايا:

ففي قصة عمر مع حذيفة رضي الله عنهما في الفتن التي أخبر بها الرسول صلى الله عليه وسلم: ((فتنة الرجل في أهله وماله وولده وجاره، تكفِّرها: الصلاة والصوم والصدقة والأمر والنهي)). رواه البخاري، وفي لفظ: ((والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر)). رواه البخاري ومسلم.

- الصوم جُنةٌ وحِصنٌ من النار:

- عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((الصيام جُنة)).

وقد ذكر بعض العلماء أن الصوم إنما كان جُنةً من النار؛ لأنه إمساكٌ عن الشهوات والنار محفوفةٌ بالشهوات، فالحاصل أنه إذا كف نفسه عن الشهوات في الدنيا كان ذلك ساتراً له من النار في الآخرة.

- وعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ((من صام يوماً في سبيل الله، بعَّد الله وجهه عن النار سبعين خريفاً)). أخرجه البخاري ومسلم.

وقوله: ((سبعين خريفاً)): أي سبعين سنة.

ورجح بعض أهل العلم أن المقصود بالصوم في سبيل الله: الصوم في الجهاد، ومنهم النووي، وابن دقيق العيد، وابن عثيمين.

- الصوم سببٌ لدخول الجنة:

عن سهل بن سعد رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إن في الجنة بابا يقال له: الريان، يدخل منه الصائمون يوم القيامة، لا يدخل منه أحدٌ غيرهم، يقال: أين الصائمون؟ فيقومون لا يدخل منه أحدٌ غيرهم، فإذا دخل آخرهم أغلق، فلم يدخل منه أحد)). أخرجه البخاري ومسلم.

وفي رواية للبخاري: ((في الجنة ثمانية أبواب، فيها باب يسمى الريان، لا يدخله إلا الصائمون)).

- للصائم فرحتان:

عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (( .. لِلصَّائِمِ فَرْحَتَانِ يَفْرَحُهُمَا، إِذَا أَفْطَرَ فَرِحَ، وَإِذَا لَقِيَ رَبَّهُ فَرِحَ بِصَوْمِهِ)). أخرجه البخاري ومسلم.

قيل معناه: فرح بزوال جوعه وعطشه حيث أبيح له الفطر، وهذا الفرح طبيعي وهو السابق للفهم. وقيل أن فرحه بفطره من حيث أنه تمام صومه وخاتمة عبادته وتخفيف من ربه ومعونة على مستقبل صومه.

وقوله: وإذا لقي ربه فرح بصومه، أي بجزائه وثوابه وقيل الفرح الذي عند لقاء ربه إما لسروره بربه أو بثواب ربه، على الاحتمالين.

- خلوف فم الصائم أطيب عند الله تعالى من ريح المسك:

عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (( .. والَّذي نَفْسُ محمد بيده لخلوفُ فم الصَّائم أطيب عند الله من ريح المسك .. )). أخرجه البخاري ومسلم.

قال بعض أهل العلم في شرح ذلك: لأنها من آثار الصيام فكانت طيبة عند الله سبحانه ومحبوبة له, وهذا دليل على عظيم شأن الصيام عند الله.

- الصوم يزيل الأحقاد والضغائن:

عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:

((صوم شهر الصبر وثلاثة أيام من كل شهر يذهبن وَحَرَ الصدر)).

ووَحَرَ الصدر: أي غشه أو حقده أو غيظه أو نفاقه بحيث لا يبقى فيه رين أو العداوة أو أشد الغضب.

- جعل الله تعالى الصيام من الكفارات لعظم أجره:

وذلك مثل: كفارة فدية الأذى، قال تعالى: فَفِدْيَةٌ مِن صِيَامٍ أَوْ صَدَقَةٍ .. [البقرة:]

وكفارة القتل الخطأ، قال تعالى: فَمَن لَّمْ يَجِدْ فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ .. [النساء:]

وكفارة اليمين، قال تعالى: فَمَن لَّمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ .. [المائدة:]

... إلى غير ذلك من الكفارات.

الفصل الرابع: أقسام الصيام

تمهيد:

ينقسم الصوم باعتبار كونه مأموراً به، أو منهياً عنه شرعاً، إلى قسمين:

صوم مأمور به شرعاً.

صوم منهي عنه شرعاً.

المبحث الأول: الصوم المأمور به شرعاً

وهو قسمان:

صوم واجب.

صوم مستحب.

المطلب الأول: الصوم الواجب

وهو على نوعين:

واجب بأصل الشرع - أي بغير سبب من المكلَّف-: وهو صوم شهر رمضان.

واجب بسبب من المكلَّف: وهو صوم النذر، والكفارات، والقضاء.

المطلب الثاني: الصوم المستحب (صوم التطوع)

وهو قسمان:

صوم التطوع المطلق: وهو ما جاء في النصوص غير مقيد بزمن معين.

صوم التطوع المقيَّد: وهو ما جاء في النصوص مقيداً بزمن معين، كصوم الست من شوال، ويومي الاثنين والخميس، ويوم عرفة، ويومي تاسوعاء وعاشوراء.

المبحث الثاني: الصوم المنهي عنه شرعاً

وهو قسمان:

صوم محرم: وذلك مثل صوم يومي العيدين، وصوم يوم الشك.

صوم مكروه: وذلك مثل صوم الوصال، وصوم يوم عرفة للحاج.

تمهيد

يجب الصوم أداءً على من جمع ستة أوصاف، وهي:

- الإسلام.

- البلوغ.

- العقل.

- القدرة.

- الإقامة.

- عدم الحيض والنفاس.

المطلب الأول: الإسلام

تمهيد

يشترط لوجوب الصوم: الإسلام، وقد حكى الإجماع على ذلك ابن حزم.

والإسلام ضده الكفر؛ فالكافر لا يُلزَم بالصوم ولا يصح منه.

الأدلة:

- قوله تعالى: وَمَا مَنَعَهُمْ أَنْ تُقْبَلَ مِنْهُمْ نَفَقَاتُهُمْ إِلا أَنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللَّهِ وَبِرَسُولِهِ [التوبة:]

وجه الدلالة: أنه إذا كانت النفقات لا تقبل منهم لكفرهم مع أن نفعها متعدٍّ، فالعبادات الخاصة أولى ألَّا تقبل منهم، والصوم من العبادات الخاصة، فلا يُقبَل من كافر.

- قوله تعالى: وَقَدِمْنَا إِلَى مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاءً مَنْثُورًا [الفرقان:]

أي قصدنا في ذلك إلى ما كان يعمله المجرمون من عمل برٍّ عند أنفسهم، فَجَعَلْنَاهُ هَبَاءً مَنْثُوراً أي لا يُنتفَعُ به؛ حيث أبطلناه بالكفر.

الفرع الأول: إسلام الكافر الأصلي (غير المرتد)

المسألة الأولى: إذا أسلم الكافر الأصلي، فهل عليه قضاء ما فاته من الصيام الواجب زمن كفره؟

إذا أسلم الكافر الأصلي (أي غير المرتد)، فلا يلزمه قضاء ما فاته من الصيام الواجب زمن كفره، وقد حكى الإجماع على ذلك ابن تيمية.

الأدلة:

أولا: من الكتاب:

قوله تعالى: قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ يَنْتَهُوا يُغْفَرْ لَهُمْ مَا قَدْ سَلَفَ [الأنفال:]

ثانيا: من السنة:

- عن عمرو بن العاص رضي الله عنه قال: ((فلما جعل الله الإسلام في قلبي أتيت النبي صلى الله عليه وسلم، فقلت: ابسط يمينك فلأبايعك. فبسط يمينه. قال عمرو: فقبضت يدي. قال: ما لك يا عمرو؟ قلت: أردت أن أشترط.

قال: تشترط بماذا؟ قلت: أن يُغفر لي. قال: أما علمت أن الإسلام يهدم ما كان قبله؟)). أخرجه مسلم.

- وقد تواتر عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان لا يأمر من أسلم بقضاء ما فاته من الواجبات.

المسألة الثانية: إذا أسلم الكافر أثناء شهر رمضان، فهل يلزمه قضاء الأيام الماضية من رمضان؟

إذا أسلم الكافر أثناء شهر رمضان فلا يلزمه قضاء الأيام الماضية من رمضان، وهذا باتفاق المذاهب الفقهية الأربعة: الحنفية، والمالكية والأصح عند الشافعية، ومذهب الحنابلة،.

الدليل:

قوله تعالى: قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ يَنْتَهُوا يُغْفَرْ لَهُمْ مَا قَدْ سَلَفَ [الأنفال:]

المسألة الثالثة: إذا أسلم الكافر أثناء شهر رمضان، فعليه أن يصوم ما بقي من الشهر

إذا أسلم الكافر في أثناء شهر رمضان، فعليه أن يصوم ما بقي من الشهر، بغير خلاف.

وذلك لأنه صار من أهل الوجوب، فيلزمه الصوم

المسألة الرابعة: إذا أسلم الكافر أثناء يوم من رمضان، فإنه يلزمه إمساك بقية اليوم

إذا أسلم الكافر أثناء يوم من رمضان، فإنه يلزمه إمساك بقية اليوم، ولا يجب عليه قضاؤه،، وهو مذهب الحنفية، واختاره ابن عثيمين.

الأدلة:

أولاً: من الكتاب:

عموم قوله تعالى: فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ [البقرة:]

وجه الدلالة: أن الكافر بإسلامه صار من أهل الشهادة للشهر، فوجب عليه الإمساك.

ثانياً: من السنة:

عن سلمة بن الأكوع رضي الله عنه قال: ((أمر النبي صلى الله عليه وسلم رجلاً من أسلم أنْ أذِّن في الناس أنَّ من كان أكل فليصم بقية يومه، ومن لم يكن أكل فليصم؛ فإن اليوم يوم عاشوراء)). أخرجه البخاري ومسلم.

وجه الدلالة:

أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر الصحابة رضي الله عنهم بالإمساك نهاراً، ولم يأمرهم بالقضاء، وذلك لما أوجب الله عز وجل صوم يوم عاشوراء في أول الأمر.

الفرع الثاني: إسلام الكافر المرتد

المسألة الأولى: إذا أسلم المرتد فليس عليه قضاء ما تركه من الصوم زمن ردته

إذا أسلم المرتد فليس عليه قضاء ما تركه من الصوم زمن ردته، وهو قول الجمهور من الحنفية، والمالكية، والحنابلة.

الأدلة:

أولاً: من الكتاب:

قوله تعالى: قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ يَنْتَهُوا يُغْفَرْ لَهُمْ مَا قَدْ سَلَفَ [الأنفال:]

فإن الآية تتناول كل كافر سواء كان أصليًّا أم مرتدًّا.

ثانياً: من السنة:

- عن عمرو بن العاص رضي الله عنه قال: ((فلما جعل الله الإسلام في قلبي أتيت النبي صلى الله عليه وسلم، فقلت: ابسط يمينك فلأبايعك. فبسط يمينه. قال عمرو: فقبضت يدي. قال: ما لك يا عمرو؟ قلت: أردت أن أشترط.

قال: تشترط بماذا؟ قلت: أن يُغفر لي، قال: أما علمت أن الإسلام يهدم ما كان قبله؟)). أخرجه مسلم.

ثالثاً: فعل الصحابة رضي الله عنهم:

فالصحابة رضي الله عنهم لم يأمروا من أسلم من المرتدين في زمن أبي بكر الصديق رضي الله عنه، بقضاء ما تركوا من الصوم، وهم أعلم الناس بشريعة الله بعد نبيهم عليه الصلاة والسلام.

المسألة الثانية: إذا أسلم المرتد، وعليه صوم قبل ردته، فهل يلزمه قضاؤه

إذا أسلم المرتد، وعليه صوم قبل ردته، فقد اختلف أهل العلم هل يلزمه قضاؤه أم لا؟ على قولين:

القول الأول: يجب عليه القضاء، وهو قول الجمهور من الحنفية، والشافعية، والحنابلة.

الدليل:

قوله تعالى: وَمَنْ يَرْتَدِدْ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَيَمُتْ وَهُوَ كَافِرٌ فَأُولَئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ ... [البقرة:]

وجه الدلالة:

أنه جعل الموت على الكفر شرطاً في حبوط العمل

القول الثاني: لا يجب عليه القضاء، وهو قول المالكية.

الدليل:

حديث عمرو بن العاص رضي الله عنه، وفيه أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال: ((الإسلام يهدم ما كان قبله)). أخرجه مسلم.

وجه الدلالة:

أن الإسلام يهدم ما كان قبله، وهو بتوبته قد أسقط ما قبل الردة، فلا يطالبُ بقضائه.

المسألة الثالثة: حكم من ارتد أثناء صومه

من ارتد في أثناء الصوم، بطل صومه، وعليه القضاء إذا أسلم.

الدليل:

الإجماع:

حكى الإجماع على ذلك ابن قدامة، والنووي.

المطلب الثاني: البلوغ

الفرع الأول: اشتراط البلوغ

يشترط لوجوب الصوم: البلوغ.

الأدلة:

أولاً: من السنة:

عن عليٍّ رضي الله عنه أن النبيَّ صلَّى الله عليه وسلم قال: ((رفع القلم عن ثلاثة: عن النائم حتى يستيقظ، وعن الصبي حتى يبلغ، وعن المجنون حتى يعقل)).

ثانياً: الإجماع:

حكى الإجماع على ذلك ابن حزم، والنووي.

الفرع الثاني: أمرُ الصبي بالصوم

إذا كان الصبي يطيق الصيام دون وقوع ضرر عليه، فعلى وليه أن يأمره بالصوم ليتمرَّن ويتعوَّد عليه.

وهو قول جمهور الفقهاء من الحنفية، والشافعية والحنابلة، وهو قولٌ عند المالكية، وبه قال طائفةٌ من السلف.

الدليل:

عن الرُّبيِّع بنت معوذ رضي الله عنها قالت: ((أرسل النبي صلى الله عليه وسلم غداة عاشوراء إلى قرى الأنصار: من أصبح مفطراً فليتم بقية يومه، ومن أصبح صائماً فليصم، قالت: فكنا نصومه بعد، ونصوِّم صبياننا، ونجعل لهم اللعبة من العهن)). أخرجه البخاري.

وفي لفظ: (( ... ونصنع لهم اللعبة من العهن، فنذهب به معنا، فإذا سألونا الطعام أعطيناهم اللعبة تلهيهم حتى يتموا صومهم)). أخرجه مسلم.

الفرع الثالث: حكم قضاء ما سبق إذا بلغ الصبي أثناء شهر رمضان

إذا بلغ الصبي أثناء شهر رمضان، فإنه يصوم بقية الشهر ولا يلزمه قضاء ما سبق، سواء كان قد صامه أم أفطره، وهو قول أكثر العلماء؛ وذلك لأنه زمنٌ مضى في حال صباه فلم يلزمه قضاء الصوم فيه كما لو بلغ بعد انسلاخ رمضان.

الفرع الرابع: حكم القضاء والإمساك إذا بلغ الصبي أثناء نهار رمضان وهو مفطر

إذا بلغ الصبي أثناء نهار رمضان وهو مفطر، فإنه يمسك بقية يومه، ولا قضاء عليه، وهو مذهب الحنفية، والشافعية، وهي ورواية عن أحمد، اختارها ابن تيمية.

فيلزمه الإمساك؛ وذلك لأنه صار من أهل الوجوب حين بلوغه؛ فيمسك تشبهاً بالصائمين وقضاءً لحق الوقت.

ولا يلزمه قضاؤه؛ لانعدام أهلية العبادة في أول النهار؛ حيث لم يكن من أهل الوجوب.

كما أن الصوم لا يتجزأ، فإذا لم يجب البعض لم يجب الباقي، فما دام أنه في أول النهار ليس أهلاً للوجوب فليس أهلاً للوجوب في آخره، فلا يجب القضاء.

المطلب الثالث: العقل

تمهيد

يشترط لوجوب الصوم: العقل، وقد حكى الإجماع على ذلك ابن حزم.

الدليل:

عن علي رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((رفع القلم عن ثلاثة: عن النائم حتى يستيقظ، وعن الصبي حتى يكبر، وعن المجنون حتى يعقل)).

الفرع الأول: زوال العقل بالجنون

المسألة الأولى: حكم الصوم على المجنون

لا يجب الصوم على المجنون، ولا يصح منه.

الأدلة:

أولا: من السنة:

عن علي رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((رفع القلم عن ثلاثة: عن النائم حتى يستيقظ، وعن الصبي حتى يكبر، وعن المجنون حتى يعقل)).

ثانيا: الإجماع:

حكى الإجماع على ذلك النووي، وابن تيمية.

المسألة الثانية: من كان جنونه مُطْبِقاً

إذا كان الجنون مُطْبِقاً، وذلك بأن يستمر إلى أن يستغرق كل شهر رمضان، فإن الصوم يسقط عنه؛ ولا قضاء عليه وهذا مذهب جمهور أهل العلم: الحنفية، والشافعية، والحنابلة، واختاره ابن حزم، وابن عبد البر.

وذلك لأن صاحب الجنون المطبق ليس أهلاً للوجوب؛ وذلك لفقدان شرط من شروطه وهو العقل؛ فلذا يرتفع عنه التكليف؛ ولا يُطالَب بالقضاء.

المسألة الثالثة: حكم صوم المجنون إذا أفاق في نهار رمضان

إن أفاق المجنون أثناء نهار رمضان، فعليه أن يمسك بقية اليوم، ولا قضاء عليه، وهو قول الحنفية، ورواية عن أحمد، واختارها ابن تيمية.

فيلزمه الإمساك؛ لأنه صار من أهل الوجوب حين إفاقته؛ فيمسك تشبُّهاً بالصائمين وقضاءً لحق الوقت.

ولا يلزمه قضاؤه؛ لانعدام أهلية العبادة في أول النهار؛ حيث لم يكن من أهل الوجوب.

كما أن الصوم لا يتجزأ، فإذا لم يجب البعض لم يجب الباقي، فما دام أنه في أول النهار ليس أهلاً للوجوب فليس أهلاً للوجوب في آخره، فلا يجب عليه القضاء.

المسألة الرابعة: حكم قضاء ما سبق من أيام رمضان زمن الجنون

إن أفاق المجنون فليس عليه قضاء ما سبق من أيام رمضان، وهذا مذهب جمهور أهل العلم من الحنفية، والشافعية، والحنابلة.

وذلك لانعدام أهلية الوجوب، حيث لم يكن مُخاطَباً بوجوب الصوم عليه حال جنونه.

المسألة الخامسة: حكم قضاء من كان صائماً فأصابه الجنون

من كان صائماً فأصابه الجنون، فلا قضاء عليه، وهو قول الحنفية، والحنابلة، وهو اختيار ابن حزم.

وذلك لأنه قد أدى ما عليه وهو صحيح مكلف، ثم رفع عنه التكليف بالجنون فلا يطالب بقضاء ما لم يكن مكلفاً به.

المسألة السادسة: صوم من كان يُجنُّ أحياناً ويُفيق أحياناً

من كان يُجَنُّ أحياناً ويُفيق أحياناً، فعليه أن يصوم في حال إفاقته، ولا يلزمه حال جنونه

وذلك لأن الحكم يدور مع علته وجوداً وعدماً، ففي الأوقات التي يكون فيها عاقلاً يجب عليه الصوم، وفي الأوقات التي يكون فيها مجنوناً لا صوم عليه.

الفرع الثاني: العَتَه

أولا: تعريف العته

- العَتَه لغةً: نقصان العقل من غير جنون أو دهش.

- العته اصطلاحاً: آفة ناشئة عن الذات توجب خللاً في العقل، فيصير صاحبه مختلط العقل، فيشبه بعض كلامه كلام العقلاء، وبعضه كلام المجانين.

ثانيا: حكم صوم المعتوه:

المعتوه الذي أصيب بعقله على وجهٍ لم يبلغ حد الجنون، لا صوم عليه، وليس عليه قضاء، وقد حكى ابن عبد البر الإجماع على ذلك.

الدليل:

عن علي رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((رفع القلم عن ثلاثة: عن النائم حتى يستيقظ، وعن الصبي حتى يشب، وعن المعتوه أو قال المجنون حتى يعقل)).

الفرع الثالث: الخرف

أولا: تعريف الخرف:

الخرف لغةً واصطلاحاً: فساد العقل من الكبر

ثانيا: حكم صوم المخرف:

ليس على المخرِّف صومٌ ولا قضاء، وهو اختيار ابن باز، وابن عثيمين.

الدليل:

عن علي رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((رفع القلم عن ثلاثة: عن النائم حتى يستيقظ، وعن الصبي حتى يشب، وعن المعتوه أو قال المجنون حتى يعقل)).

وجه الدلالة:

أن المخرِّف لما اختل وزال شعوره، صار من جنس المجانين، والمعتوهين، ولا تمييز لديه بسبب الهرم؛ ولذا فلا شيء عليه.

الفرع الرابع: زوال العقل بالإغماء

المسألة الأولى: حكم من نوى الصوم ثم أصيب بإغماء في رمضان

من نوى الصوم ثم أصيب بإغماء في رمضان، فلا يخلو من حالين:

الحال الأولى:

أن يستوعب الإغماءُ جميع النهار، أي يغمى عليه قبل الفجر ولا يفيق إلا بعد غروب الشمس،

فهذا لا يصح صومه، وعليه قضاء هذا اليوم، وهو قول جمهور أهل العلم من المالكية، والشافعية، والحنابلة.

الدليل على وجوب القضاء عليه:

عموم قول الله تعالى: وَمَنْ كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ [البقرة:].

الحال الثانية:

أن يفيق جزءاً من النهار، ولو للحظة، فصيامه صحيح، ولا قضاء عليه، وهو مذهب الشافعية، والحنابلة.

وذلك لأن الصوم إمساك عن المفطرات مع النية، وما دام أنه قد أفاق جزءاً من النهار، فقد وجد منه النية والإمساك عن المفطرات؛ ولذا فصومه صحيح.

المسألة الثانية: حكم من زال عقله وفقد وعيه بسبب التخدير بالبنج

من زال عقله وفقد وعيه بسبب التخدير بالبنج، فحكمه حكم الإغماء على ما سبق بيانه.

(انظر: زوال العقل بالإغماء).

الفرع الخامس: النوم

النائم الذي نوى الصيام صومه صحيح، ولا قضاء عليه، ولو نام جميع النهار. وستأتي المسألة في الباب الرابع آخر المطلب الخامس من الفصل الأول.

الفرع السادس: فقد الذاكرة

من أصيب بفقدان الذاكرة، فلا يجب عليه الصوم.

الدليل:

قياساً على الصبي الذي لا يميز، لحديث علي رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((رفع القلم عن ثلاثة: عن النائم حتى يستيقظ، وعن الصبي حتى يكبر، وعن المجنون حتى يعقل)).

المطلب الرابع: الإقامة

يشترط لوجوب الصوم: الإقامة، وقد حكى الإجماع على ذلك ابن حزم

المطلب الخامس: الطهارة من الحيض والنفاس

تمهيد

يشترط لوجوب الصوم على المرأة طهارتها من دم الحيض والنفاس.

الدليل:

الإجماع:

فقد أجمع العلماء على ذلك، وممن نقل الإجماع ابن حزم، والنووي، والشوكاني.

الفرع الأول: حكم صوم الحائض والنفساء

يحرم الصوم، فرضه ونفله، على الحائض والنفساء، ولا يصح صومهما، وعليهما القضاء.

الدليل:

الإجماع:

أجمع العلماء على ذلك، وممن نقل الإجماع ابن رشد، والنووي، وابن تيمية.

الفرع الثاني: حكم إمساك بقية اليوم إذا طهرت الحائض أو النفساء أثناء نهار رمضان

إذا طهرت الحائض أو النفساء أثناء نهار رمضان، فهل يلزمهما الإمساك، اختلف أهل العلم على قولين:

القول الأول: لا يلزمهما إمساك بقية اليوم، وهو قول المالكية، والشافعية، ورواية عن أحمد، وهو اختيار ابن عثيمين.

وذلك لأنه لا دليل على وجوب الإمساك.

ولأنه لا فائدة من هذا الإمساك، وذلك لوجوب القضاء عليهما.

كما أن حرمة الزمن قد زالت بفطرهما الواجب أول النهار.

القول الثاني: يلزمهما الإمساك، وهو قول الحنفية، والحنابلة، وهو اختيار ابن باز.

وذلك لأن الحائض والنفساء صارا من أهل الوجوب حين طهارتهما؛ فيمسكان تشبُّهاً بالصائمين وقضاءً لحق الوقت.

الفرع الثالث: حكم صوم الحائض أو النفساء إذا طهرتا قبل الفجر

إذا طهرت الحائض أو النفساء قبل الفجر، وجب عليهما الصوم، وإن لم يغتسلا إلا بعد الفجر، وهذا قول عامة أهل العلم.

الدليل:

قياساً على الجنب، فالجنب له أن يصوم وإن تأخر اغتساله إلى دخول الفجر، فكذلك الحائض والنفساء.

فعن سليمان بن يسار ((أنه سأل أم سلمة رضي الله عنها عن الرجل يصبح جنباً أيصوم؟ قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصبح جنباً من غير احتلام ثم يصوم)). أخرجه مسلم.

الفرع الرابع: حكم تناول المرأة حبوب منع الحيض من أجل أن تصوم الشهر كاملاً دون انقطاع

إذا ثبت أن لحبوب منع الحمل أو الحيض أضراراً على المرأة، فإن عليها اجتناب تناولها سواء كان ذلك في رمضان من أجل أن تصوم الشهر كاملاً مع الناس، أو في غيره من الأوقات، وبهذا أفتت اللجنة الدائمة، وقطاع الإفتاء بالكويت، وأفتى به ابن باز، وابن عثيمين.

المطلب السادس: القدرة على الصوم

تمهيد

يشترط لوجوب الصوم: القدرة والاستطاعة عليه.

الأدلة:

أولاً: من الكتاب:

- قوله تعالى: لاَ يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلاَّ وُسْعَهَا [البقرة:].

- قوله تعالى: وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ [الحج:].

ثانياً: الإجماع:

حكى الإجماع على ذلك ابن حزم، وابن تيمية.

الفرع الأول: أقسام العجز عن الصوم وحكم كل نوع

ضد القدرة: العجز، والعجز عن الصيام ينقسم إلى قسمين:

- عجز طارئ. - عجز دائم.

- العجز الطارئ أو العارض: وهو الذي يرجى زواله، كالعجز عن الصوم لمرض يُرجَى برؤه، فهذا لا يلزمه الصوم أداء، ولكن عليه القضاء، بعد زوال عجزه.

الدليل:

قول الله تعالى: وَمَن كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ [البقرة:]

- العجز المستمر أو الدائم: وهو الذي لا يرجى زواله، مثل الكبير الذي لا يستطيع الصوم، والمريض الذي لا يرجى برؤه، فهذا عليه أن يطعم عن كل يوم مسكينا.

الأدلة:

أولا: من الكتاب:

قوله تعالى: وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ [البقرة:]

قال ابن عباس رضي الله عنهما: ((هو الشيخ الكبير والمرأة الكبيرة لا يستطيعان أن يصوما فليطعما مكان كل يوم مسكيناً)). أخرجه البخاري.

ثانيا: الإجماع:

- الإجماع على جواز الفطر للشيخ الكبير:

حكى ذلك ابن المنذر، وابن حزم.

- الإجماع على جواز الفطر للمريض الذي لا يرجى برؤه:

وقد حكى ذلك ابن قدامة.

الفرع الثاني: صوم أصحاب المهن الشاقة

أصحاب المهن الشاقة داخلون في عموم المكلفين، وليسوا في معنى المرضى والمسافرين، فيجب عليهم تبييت نية صوم رمضان، وأن يصبحوا صائمين، لكن من كان يعمل بأحد المهن الشاقة وكان يضره ترك عمله، وخشي على نفسه التلف أثناء النهار، أو لحوق مشقة عظيمة فإنه يُفطر على قدر حاجته بما يدفع المشقة فقط، ثم يمسك بقية يومه إلى الغروب ويفطر مع الناس، وعليه القضاء.

الدليل:

عموم قوله تعالى: وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ [الحج:]

الفرع الثالث: حكم قضاء العاجز إذا زال مرضه أثناء النهار

إذا زال مرض العاجز أثناء النهار، فعليه القضاء، واختلف أهل العلم في إمساكه بقية اليوم على قولين:

القول الأول: لا يلزمه إمساك بقية اليوم، وهو قول المالكية، والشافعية، ورواية عند الحنابلة، وهو اختيار ابن عثيمين.

وذلك لأنه لا دليل على وجوب الإمساك.

ولأنه لا فائدة من هذا الإمساك، وذلك لوجوب القضاء عليه.

كما أن حرمة الزمن قد زالت بفطره أول النهار.

القول الثاني: يلزمه الإمساك، وهو قول الحنفية، والحنابلة، ووجه عند الشافعية، وهو قول طائفة من السلف.

وذلك لأن المريض صار من أهل الوجوب حين زوال مرضه؛ فيمسك تشبُّهاً بالصائمين وقضاءً لحق الوقت.

المبحث الثاني: النية في الصوم

• المطلب الأول: حكم النية في الصوم.

• المطلب الثاني: وقت النية في الصوم.

• المطلب الثالث: الجزم في نية الصوم.

• المطلب الرابع: استمرار النية.

المطلب الأول: حكم النية في الصوم

النية شرط في صحة الصوم كسائر العبادات، وذهب إلى ذلك أكثر أهل العلم. وقد حكى الإجماع على ذلك ابن قدامة.

الدليل:

عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((إنما الأعمال بالنيات، وإنما لكل امرئ ما نوى)) أخرجه البخاري ومسلم.

المطلب الثاني: وقت النية في الصوم

الفرع الأول: وقت النية في صوم الفرض

المسألة الأولى: حكم تبييت النية

يجب تبييت النية من الليل قبل طلوع الفجر، وهو قول جمهور أهل العلم: المالكية، والشافعية، والحنابلة.

الأدلة:

- عن حفصة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((من لم يبيت الصيام قبل الفجر فلا صيام له)).

- وفي رواية عن حفصة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((من لم يبيت الصيام من الليل فلا صيام له)).

المسألة الثانية: حكم تجديد النية في كل يوم من رمضان

هل يشترط تجديد النية في كل يوم من رمضان، اختلف أهل العلم في ذلك على قولين:

القول الأول: يشترط تجديد النية لكل يوم من رمضان، وهو قول الجمهور: الحنفية، والشافعية، والحنابلة،، وهو قول ابن المنذر، واختيار ابن حزم، وابن باز.

الأدلة:

أولاً: من السنة:

عموم حديث حفصة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((من لم يبيت الصيام قبل الفجر فلا صيام له)).

وفي رواية عن حفصة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((من لم يبيت الصيام من الليل فلا صيام له)).

ثانياً: القياس:

وذلك أن شهر رمضان كصلوات اليوم والليلة ولا بد لكل صلاة من نية فكذلك لا بد لكل يوم في صومه من نية.

القول الثاني: أَنَّ ما يشترط فيه التتابع تكفي النية في أوله، فإذا انقطع التتابع لعذر يبيحه، ثم عاد إلى الصوم فإنَّ عليه أن يجدد النية، وهو مذهب المالكية، وقول زفر من الحنفية، واختاره ابن عثيمين.

وذلك لأن الصوم المتتابع كالعبادة الواحدة من حيث ارتباط بعضها ببعض وعدم جواز التفريق، ولذا تكفي النية الواحدة.

كما أنَّ النية إذا لم تقع في كل ليلة حقيقة، فهي واقعة حكماً؛ لأن الأصل عدم قطع النية.

الفرع الثاني: وقت النية في صوم النفل

المسألة الأولى: حكم تبييت النية من الليل في صيام التطوع

لا يشترط في صيام التطوع تبييت النية من الليل عند جمهور أهل العلم من الحنفية والشافعية والحنابلة.

ويجوز أن ينوي أثناء النهار، سواء قبل الزوال أو بعده، إذا لم يتناول شيئاً من المفطرات بعد الفجر، وهذا مذهب الحنابلة، وقولٌ عند الشافعية، وقول طائفة من السلف واختاره ابن تيمية، وابن عثيمين.

الأدلة:

- عموم حديث عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها، حيث قالت: ((دخل عليَّ النبي صلى الله عليه وسلم ذات يوم فقال: هل عندكم شيء؟ فقلنا: لا. قال: فإني إذاً صائم)). أخرجه مسلم.

- ما جاء عن الصحابة رضي الله تعالى عنهم، ومنهم أبو الدرداء، فعن أم الدرداء قالت: ((كان أبو الدرداء يقول: عندكم طعام؟ فإن قلنا: لا، قال: فإني صائمٌ يومي هذا)). وفعله أبو طلحة، وأبو هريرة، وابن عباس، وحذيفة رضي الله تعالى عنهم.

المسألة الثانية: من أنشأ نية الصوم أثناء النهار فهل يكتب له ثواب صيام يوم كامل؟

من أنشأ نية الصوم أثناء النهار، فإنه يكتب له ثواب ما صامه من حين نوى الصيام، وهذا مذهب الحنابلة، وهو اختيار ابن تيمية، وابن باز، وابن عثيمين.

الدليل:

عموم حديث عمر بن الخطاب رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((إنما الأعمال بالنيات، وإنما لكل امرئ ما نوى)) أخرجه البخاري ومسلم.

وجه الدلالة:

أن الإمساك كان في أول النهار بغير نية، وإنما لكل امرئ ما نوى، فكيف يثاب على إمساك لم يقصده ولم ينوه؟ وإنما يثاب فيما ابتغى به وجه الله تعالى.

المطلب الثالث: الجزم في نية الصوم

الفرع الأول: حكم صوم المتردد في نية الصوم الواجب

من تردد في نية الصوم الواجب، هل يصوم غدا أو لا يصوم، واستمر هذا التردد إلى الغد، ثم صامه، فصومه غير صحيح، وعليه قضاء هذا اليوم، وهذا قول جمهور أهل العلم من المالكية، والشافعية، والحنابلة، وهو قول بعض الحنفية، واختاره ابن عثيمين.

ومثل ذلك ما لو قال: إن شاء الله متردداً، لا يدري هل يصوم أو لا يصوم.

وذلك لأن هذا مخالف لشرط من شروط صحة الصوم وهو النية، التي هي عقد القلب على فعل الشيء، والتردد ينافي ذلك، ومتى اختل هذا الشرط فسد الصوم، ووجب القضاء.

الفرع الثاني: حكم من علق الصوم، فقال مثلاً: إن كان غداً رمضان فهو فرضي، أو سأصوم الفرض

إذا نوى الإنسان أنه إن كان غداً رمضان فهو فرضي، أو سأصوم الفرض، فتبين أنه رمضان فصومه صحيح، وهو رواية عن أحمد، وإليه ذهب ابن تيمية، وابن عثيمين.

وذلك لأن هذا الرجل علق الصوم؛ لأنه لا يعلم أن غداً من رمضان، فتردده مبني على التردد في ثبوت الشهر، لا على التردد في النية، وهل يصوم أو لا يصوم، فهو هاهنا قد علق الصوم على ثبوت الشهر، فلو لم يثبت الشهر لم يصم.

المطلب الرابع: استمرار النية

الفرع الأول: حكم صوم من نوى في يوم من رمضان قطْعَ صومه

من نوى في يوم من رمضان قطْعَ صومه، فإن صومه ينقطع، ولا يصح منه، وعليه القضاء وإمساك بقية اليوم إن كان ممن لا يباح لهم الفطر، فإن كان ممن يباح لهم الفطر كالمريض والمسافر، فعليه القضاء فقط، وهو قول المالكية، والحنابلة، واختيار ابن عثيمين.

الدليل:

عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أن النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم قال: ((إنما الأعمال بالنيات، وإنما لكل امرئ ما نوى)). أخرجه البخاري ومسلم.

فهذا الرجل لما نوى قطعه انقطع.

الفرع الثاني: حكم صوم من تردد في قطع نية الصوم

من تردد في قطع نية الصوم، فإن صومه لا يبطل ما دام لم يجزم بقطعها، وهو مذهب الحنفية، والشافعية، وهو قول في مذهب الحنابلة، اختاره ابن عثيمين.

وذلك لأن الأصل بقاء النية حتى يعزم على قطعها وإزالتها.

المطلب الأول: تعجيل الفطر

تمهيد

يسن للصائم تعجيل الفطر إذا تحقق من غروب الشمس.

الأدلة:

- عن سهل بن سعد رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((لا يزال الناس بخير ما عجلوا الفطر)). أخرجه البخاري ومسلم.

- وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((لا يزال الدين ظاهراً ما عجل الناس الفطر؛ لأن اليهود والنصارى يؤخرون)).

- وقد نقل الاتفاق على استحباب تعجيل الفطر: ابن دقيق العيد.

الفرع الأول: حكم الفطر بغلبة الظن

يجوز الفطر بغلبة الظن، وهو قول جمهور أهل العلم.

الدليل:

عن أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنهما قالت: ((أفطرنا على عهد النبي صلى الله عليه وسلم يوم غيم ثم طلعت الشمس)). أخرجه البخاري.

وجه الدلالة:

أنَّ الصحابة أفطروا بناءً على اجتهادٍ منهم حيث غلب على ظنهم أن الشمس قد غربت وكانوا في يوم غيمٍ مع أنها في نفس الأمر لم تغرب ولم يُنكر عليهم ما فعلوه من العمل بالظن الغالب.

وغلبة الظن إنما تكون عند وجود علامات ودلائل تدل على غروب الشمس بحيث يغلب على ظن الصائم دخول وقت الإفطار.

الفرع الثاني: حكم قضاء الصائم الذي أفطر في صومٍ واجبٍ، ظانًّا أن الشمس قد غربت

إذا أفطر الصائم في صومٍ واجب، ظاناً أن الشمس قد غربت، ثم تبين له أنها لم تغرب، فإن عامة أهل العلم على أنه يلزمه الإمساك. واختلفوا في قضائه على قولين:

القول الأول: يلزمه القضاء، وهو قول أكثر أهل العلم.

الدليل:

عموم قوله تعالى: ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى الَّليْلِ [البقرة:]

وجه الدلالة:

أن الصائم مأمورٌ بإتمام صومه إلى الليل، والصائم في هذه المسألة قد أكل في النهار.

القول الثاني: لا قضاء عليه، وهو قول طائفة من السلف، واختاره ابن تيمية، وابن القيم.

الأدلة:

أولاً: من الكتاب:

عموم قوله تعالى: رَبَّنَا لاَ تُؤَاخِذْنَا إِن نَّسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا [البقرة:]

وجه الدلالة:

أن هذا من الخطأ الذي قد عفا الله عنه؛ ولا قضاء على من أفطر مخطئاً.

ثانياً: من السنة:

عن أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنهما قالت: ((أفطرنا على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم في يوم غيم ثم طلعت الشمس)). أخرجه البخاري.

وجه الدلالة: أنه لم يُنقَل أن الصحابة أُمِرُوا بالقضاء، ولو كان واجباً لنُقِل.

الفرع الثالث: حكم الفطر مع الشك في غروب الشمس

لا يجوز الفطر مع الشك في غروب الشمس، فمن أكل شاكًّا في غروب الشمس ولم يتبين له بعد ذلك هل غربت أم لا، أو تبين أنها لم تغرب، فإنه يأثم، ويجب عليه القضاء في الحالتين، وهذا باتفاق المذاهب الأربعة.

الأدلة:

أولاً: من الكتاب:

قوله تعالى: ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ [البقرة:]

وجه الدلالة:

أنه لا بد أن يتم الصائم صومه إلى الليل، أي: إلى غروب الشمس.

ثانياً: من السنة:

عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((إذا أقبل الليل من هاهنا وأدبر النهار من هاهنا، وغربت الشمس، فقد أفطر الصائم)). أخرجه البخاري ومسلم.

فلا بد أن تغرب الشمس، والأصل بقاء النهار حتى يُتيَقَّن، أو يغلب على الظن غروب الشمس، فمن أكل وهو شاكٌّ فقد تجاوز حده، وفعل ما لم يُؤذَن له فيه.

المطلب الثاني: ما يفطر عليه الصائم

الفرع الأول: ما يستحب أن يفطر عليه الصائم

يستحب الإفطار على رطب، فإن لم يوجد فتمر، فإن لم يوجد فماء، وهو قول عامة أهل العلم.

الدليل:

عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: ((كان النبي صلى الله عليه وسلم يفطر قبل أن يصلي على رطبات، فإن لم تكن رطبات فتميرات، فإن لم تكن تميرات، حسا حسوات من ماء)).

الفرع الثاني: من لم يجد رطباً ولا تمراً ولا ماء

من لم يجد رطباً ولا تمراً ولا ماء، فليفطر على ما تيسر من مأكول أو مشروب.

الفرع الثالث: من لم يجد شيئا يفطر عليه من مأكول أو مشروب

من لم يجد شيئا يفطر عليه من مأكول أو مشروب، فإنه ينوي الفطر بقلبه

ولا يمص إصبعه، أو يجمع ريقه ويبلعه كما يفعل البعض.

المطلب الثالث: ما يقال عند الإفطار

عن ابن عمر أنه قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أفطر قال: ((ذهب الظمأ وابتلت العروق وثبت الأجر إن شاء الله)).

المطلب الأول: تعريف السحور لغة واصطلاحاً

أولاً: تعريف السحور لغةً:

السَّحُور بالفتح: طعامُ السَّحَرِ وشرابُه، وبالضم: أكل هذا الطعام. فهو بالفتح اسم ما يُتَسَحَّر به، وبالضم المصدر والفعل نفسه.

ثانياً: تعريف السحور اصطلاحاً:

السَّحور هو: كلُّ طعام أو شراب يتغذَّى به آخر الليل من أراد الصيام.

المطلب الثاني: حكم السحور

السحور سنةٌ في حق من يريد الصيام.

الأدلة:

أولاً من السنة: ثبت ذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم بالسنة القولية والفعلية.

- عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: ((تسحروا فإن في السَّحور بركة)). أخرجه البخاري ومسلم.

- وعن أنس رضي الله عنه أن زيد بن بن ثابت رضي الله عنه حدثه: ((أنهم تسحروا مع النبي صلى الله عليه وسلم، ثم قاموا إلى الصلاة ... )). أخرجه البخاري ومسلم.

ثانياً: الإجماع:

وممن نقل الإجماع على ذلك ابن المنذر، وابن قدامة، والنووي.

المطلب الثالث: فضائل السحور

السحور بركة

الدليل:

عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: ((تسحروا فإن في السَّحور بركة)). أخرجه البخاري ومسلم.

والبركة في السحور تحصل بجهات متعددة، منها: اتباع السنة، ومخالفة أهل الكتاب، والتقوي به على العبادة، والزيادة في النشاط، ومدافعة سوء الخلق الذي يثيره الجوع، والتسبب بالصدقة على من يسأل إذ ذاك أو يجتمع معه على الأكل، والتسبب للذكر والدعاء وقت مظنة الإجابة، وتدارك نية الصوم لمن أغفلها قبل أن ينام.

المطلب الرابع: الحكمة من السحور

من حكم السحور ومقاصده:

- أنه معونة على العبادة، فإنه يعين الإنسان على الصيام.

- وفيه مخالفة أهل الكتاب فإنهم لا يتسحرون.

الدليل:

عن عمرو بن العاص رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((فصل ما بين صيامنا وصيام أهل الكتاب، أكلة السَّحَر)) أخرجه مسلم.

معناه: الفارقُ والمميزُ بين صيامنا وصيامهم: السحور؛ فإنهم لا يتسحرون، ونحن يستحب لنا السحور. وأَكلة السَّحَر هي: السحور.

المطلب الخامس: وقت السحور واستحباب تأخيره

الفرع الأول: وقت السحور

وقت السحور يكون في آخر الليل.

الفرع الثاني: تأخير السحور

المسألة الأولى: حكم تأخير السحور

يستحب تأخير السحور إلى قرب طلوع الفجر، ما لم يخش طلوعه، فإن خشي طلوعه فليبادر إلى التسحر. وقد اتفق الفقهاء على أن تأخير السحور من السنة.

الدليل:

عن أنس رضي الله عنه أن زيد بن ثابت رضي الله عنه حدَّثه ((أنهم تسحروا مع النبي صلى الله عليه وسلم ثم قاموا إلى الصلاة، قلت - أي أنس -: كم بينهما؟ قال: قدر خمسين آية)). أخرجه البخاري ومسلم.

ففي الحديث: بيان هدي النبي صلى الله عليه وسلم في تأخير السحور إلى قبيل الفجر.

المسألة الثانية: حكم قضاء من تسحر معتقداً أنه ليل، فتبين له دخول وقت الفجر

من تسحر معتقداً أنه ليل، فتبين له أن الفجر قد دخل وقته، فقد اختلف أهل العلم هل عليه القضاء أم لا؟ على قولين:

القول الأول: صومه صحيح، ولا قضاء عليه، وهو قول طائفة من السلف: واختاره ابن تيمية، وابن عثيمين.

الأدلة:

أولاً: من الكتاب:

قول الله سبحانه وتعالى: فَالآنَ بَاشِرُوهُنَّ وَابْتَغُوا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ [البقرة:]

وجه الدلالة:

أنَّ الأصل بقاء الليل حتى يتبين دخول الفجر, وضد التبين: الشك والظن، ومن القواعد الفقهية المقررة أن اليقين لا يزول بالشك، فما دمنا لم نتبين الفجر، فلنا أن نأكل ونشرب.

- قوله تعالى: رَبَّنَا لاَ تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِيْنَا أَوْ أَخْطَأْنَا [البقرة:]

وجه الدلالة:

أن من أكل أو شرب جاهلاً بدخول وقت الفجر فهو مخطئ، والخطأ معفوٌّ عنه.

ثانياً: من السنة:

حديث أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنهما حيث قالت: ((أفطرنا على عهد النبي صلى الله عليه وسلم يوم غيم ثم طلعت الشمس)). أخرجه البخاري. ولم ينقل أنهم أمروا بالقضاء، وإذا كان هذا في آخر النهار فأوله من باب أولى؛ لأن أوله مأذون له بالأكل والشرب فيه حتى يتبين له الفجر.

القول الثاني: عليه القضاء، وهذا مذهب جمهور أهل العلم من الحنفية والمالكية والشافعية والحنابلة.

الدليل:

قول الله سبحانه وتعالى: فَالآنَ بَاشِرُوهُنَّ وَابْتَغُوا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ [البقرة:]

وتبيُّنُ طلوع الفجر قد حصل في هذه الحالة، فلزمه القضاء.

المسألة الثالثة: حكم تناول السحور أثناء الأذان

- إن كان المؤذن ثقة لا يؤذِّن حتى يطلع الفجر، وجب الإمساك بمجرد سماع أذانه.

- وإن كان المؤذن يؤذِّن قبل طلوع الفجر لم يجب الإمساك وجاز الأكل والشرب حتى يتبين الفجر، كما لو عرف أن المؤذن يتعمد تقديم الأذان قبل الوقت، أو كأن يكون في برية ويمكنه مشاهدة الفجر، فإنه لا يلزمه الإمساك إذا لم يطلع الفجر، ولو سمع الأذان.

- وإن كان لا يعلم حال المؤذن، هل أذَّن قبل الفجر أو بعد الفجر، فإنه يمسك أيضاً فإن الأصل أن المؤذن لا يؤذِّن إلا إذا دخل الوقت، وهذا أضبط في الفتوى وعليه عمل الناس.

الأدلة:

أولاً: من الكتاب:

قوله تعالى: فَالآنَ بَاشِرُوهُنَّ وَابْتَغُواْ مَا كَتَبَ اللهُ لَكُمْ وَكُلُواْ وَاشْرَبُواْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ ثُمَّ أَتِمُّواْ الصِّيَامَ إِلَى الَّيْلِ وَلاَ تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ تِلْكَ حُدُودُ اللهِ فَلاَ تَقْرَبُوهَا كَذالِكَ يُبَيِّنُ اللهُ آيَاتِهِ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ [البقرة:]

وجه الدلالة:

أن الله سبحانه وتعالى قد علَّق الحكم بتبين طلوع الفجر، أي تيقن دخول وقته.

ثانياً: من السنة:

عن عائشة رضي الله عنها عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: ((إن بلالاً يؤذن بليل، فكلوا واشربوا حتى يؤذن ابن أم مكتوم)). أخرجه البخاري ومسلم.

فعلق صلى الله عليه وسلم أذان ابن أم مكتوم رضي الله عنه بدخول وقت الفجر الثاني، فالعبرةُ بذلك، والحكم يدور مع علته وجوداً وعدماً، فمتى دخل وقت الفجر وجب الإمساك، وإن لم يُؤذَّن للصلاة، ومتى لم يدخل وقت الفجر لم يجب الإمساك وإن أُذِّن للصلاة.

أدلة الإمساك عملاً بالأحوط كما في بعض الحالات السابقة:

- عن النعمان بن بشير رضي الله عنه قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: ((الحلال بيِّن والحرام بيِّن وبينهما أمور مشتبهة فمن ترك ما شُبِّه عليه من الإثم كان لما استبان أترك ومن اجترأ على ما يشك فيه من الإثم أوشك أن يواقع ما استبان ... )) أخرجه البخاري ومسلم.

- عن الحسن بن علي رضي الله عنهما قال: حفظت من رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((دع ما يَريبك إلى ما لا يَريبك))

المسألة الرابعة: من طلع عليه الفجر وفي فمه طعام

اتفق أصحاب المذاهب الفقهية الأربعة على أن من طلع عليه الفجر وفي فمه طعام أن يلفظه ويتم صومه، فإن ابتلعه بعد علمه بالفجر بطل صومه؛ وذلك لأنه ابتلع طعاماً باختياره مع أنه يمكنه لفظه فأفطر بذلك.

واستثنى بعض أهل العلم من سمع الأذان وفي يده إناء، أن يتناول منه، واستشهدوا بحديث أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((إذا سمع أحدكم النداء والإناء على يده، فلا يضعه حتى يقضي حاجته منه)).

المطلب السادس: ما يحصل به السحور

الفرع الأول: ما يحصل به السحور

يحصل السحور بكل مطعوم أو مشروب ولو كان قليلاً.

الدليل:

عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((السحور أكله بركة، فلا تدعوه ولو أن يجرع أحدكم جرعة من ماء .. )).

الفرع الثاني: ما يسن التسحر به

يسن التسحر بالتمر.

الدليل:

عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((نِعْمَ سحور المؤمن التمر)).

المبحث الثالث: اجتناب الصائم للمحرمات

إن ثمرة الصيام الأساسية هي أن يكون حافزاً للصائم على تقوى الله تعالى بفعل أوامره واجتناب نواهيه، كما قال سبحانه: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ [البقرة:] أي: من أجل أن تتقوا الله عز وجل وتجتنبوا محارمه.

ولا يريد الله سبحانه من عباده أن يضيق عليهم بترك الأكل والشرب والجماع ولكن يريد أن يمتثلوا أمره.

فعن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((من لم يدع قول الزور والعمل به والجهل فليس لله حاجة أن يدع طعامه وشرابه)). أخرجه البخاري.

فالصيام مدرسة عظيمة، فيها يكتسب الصائمون فضائل جليلة، ويتخلَّصون من خصال ذميمة، يتعودون على ترك المحرمات، ويقلعون عن مقارفة السيئات.

وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((وإذا كان يوم صوم أحدكم فلا يرفث، ولا يصخب فإن سابه أحد، أو قاتله فليقل إني امرؤ صائم)). أخرجه البخاري ومسلم.

وفي رواية أخرى عن أبي هريرة رضي الله عنه أيضا أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((إذا أصبح أحدكم يوما صائما فلا يرفث ولا يجهل فإن امرؤ شاتمه أو قاتله فليقل إني صائم إني صائم)). أخرجه البخاري ومسلم.

فيجب على الصائم خاصة، الحذر من المعاصي واجتنابها، فهي تجرح الصوم، وتُنقِصُ الأجر، وذلك مثل الغيبة، والنميمة، والكذب، والغش، والسخرية من الآخرين، وسماع الأغاني، والمعازف، والنظر إلى المحرمات، وغير ذلك من أنواع المعاصي والمنكرات.

المبحث الرابع: اشتغال الصائم بالطاعات

دلت الأدلة الشرعية على أن الحسنات تُضاعَف أضعافاً كثيرةً في الزمان الفاضل، كرمضان وغيره.

فحريٌّ بالصائم الذي امتنع عن المباحات من المفطرات، وابتعد عن جميع المحرمات، أن يكون ديدنه الاشتغال بالطاعات، على كثرة أنواعها، وتنوع أصنافها، كقراءة القرآن الكريم، وكثرة الذكر، والدعاء، والإحسان إلى الآخرين، والتعاون على البر والتقوى، ومن ذلك تفطير الصائمين.

فعن زيد بن خالد الجهني رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((من فطَّر صائماً كان له مثل أجره غير أنه لا ينقص من أجر الصائم شيئاً)).

فينبغي للإنسان أن يحرص على تفطير الصائمين بقدر المستطاع، لاسيما إذا كان الصائم فقيراً محتاجاً، أو عاجزاً.

المبحث الخامس: ما يقوله الصائم إن سابَّه أحد أو شاتمه أو قاتله

ينبغي للصائم إن سابه أحد أو شاتمه أو قاتله أن يقول جهراً: إني صائم.

الدليل:

عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((وإذا كان يوم صوم أحدكم فلا يرفث، ولا يصخب فإن سابه أحد، أو قاتله فليقل: إني امرؤ صائم)). أخرجه البخاري ومسلم.

وفي رواية أخرى عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((إذا أصبح أحدكم يوماً صائماً فلا يرفث ولا يجهل، فإن امرؤ شاتمه أو قاتله فليقل: إني صائم، إني صائم)). أخرجه البخاري ومسلم.

المبحث السادس: ما يفعله الصائم إذا دعي إلى طعام

ينبغي للصائم إذا دعي إلى طعام أن يقول: إني صائم، سواء كان صوم فرض أو نفل.

فإن كان يشق على صاحب الطعام صومُه، استُحِبَّ له الفطر وإلا فلا، هذا إذا كان صوم تطوع، فإن كان صوماً واجباً حرُمَ الفطر.

الأدلة:

- عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((إذا دعي أحدكم إلى طعام وهو صائم فليقل: إني صائم)). أخرجه مسلم.

- عن أنس رضي الله عنه قال: ((دخل النبي صلى الله عليه وسلم على أم سليم فأتته بتمر وسمن، قال: أعيدوا سمنكم في سقائه وتمركم في وعائه فإني صائم. ثم قام إلى ناحية من البيت فصلى غير المكتوبة فدعا لأم سليم وأهل بيتها)). أخرجه البخاري ومسلم.

وذهب بعض أهل العلم إلى أنه إن سمح له ولم يطالبه بالحضور سقط عنه الحضور، وإن لم يسمح وطالبه بالحضور لزمه الحضور ولا يلزمه الأكل.

ومن أهل العلم من فرَّق بين الفرض والنفل في مسألة الحضور، فإن كان صومه فرضا فليس عليه أن يحضر؛ لأن الداعي سيعذره، وإن كان نفلا فيُنظر إن كان الداعي ممن له حق عليه لقرابة أو صداقة ويخشى إن اعتذر أن يكون في قلبه شيء، فالأفضل أن يحضر ولا يعتذر.

- ومن حضر وهو صائم، ولم يفطر، فليدعُ لصاحب الطعام.

الدليل:

عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إذا دعي أحدكم فليجب، فإن كان صائما فليصل، وإن كان مفطرا فليطعم)). أخرجه مسلم.

وفي رواية عن ابن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((فإن كان مفطرا فليطعم، وإن كان صائما فليدعُ)).

الباب الثاني: شهر رمضان فضائله، خصائصه، حكم صومه، طرق إثبات دخوله وخروجه

• الفصل الأول: فضائل شهر رمضان.

• الفصل الثاني: خصائص شهر رمضان وليلة القدر.

• الفصل الثالث: حكم صوم شهر رمضان، وحكم تاركه.

• الفصل الرابع: إثبات دخول شهر رمضان وخروجه.

الفصل الأول: فضائل شهر رمضان

- تُكفَّر به الخطايا:

الدليل:

عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((الصلوات الخمس، والجمعة إلى الجمعة، ورمضان إلى رمضان، مكفرات ما بينهن إذا اجتنب الكبائر)). أخرجه مسلم.

- تُغفَر فيه الذنوب:

الأدلة:

- عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((من صام رمضان إيماناً واحتساباً، غُفِرَ له ما تقدَّم من ذنبه)). أخرجه البخاري ومسلم.

- عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (( .. ورغم أنف رجلٍ دخل عليه رمضان، ثم انسلخ قبل أن يُغفرَ له .. )).

- صيام رمضان من أسباب دخول الجنة:

الدليل:

عن جابر رضي الله عنه ((أن رجلا سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: يا رسول الله؛ أرأيت إذا صليت المكتوبات، وصمت رمضان، وأحللت الحلال، وحرمت الحرام، ولم أزد على ذلك شيئا، أأدخل الجنة؟ فقال النبي صلى الله عليه وسلم: نعم)). أخرجه مسلم.

المبحث الأول: خصائص شهر رمضان

. فيه أُنزل القرآن:

الدليل:

قوله تعالى: شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِيَ أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِّلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِّنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ [البقرة:]

وكان هذا في ليلة القدر من رمضان، قال تعالى: إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ [القدر:]

وقال سبحانه: إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُّبَارَكَةٍ [الدخان:]

. فيه أُنزلت الكتب الإلهية الأخرى:

الدليل:

عن واثلة بن الأسقع رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((أنزلت صحف إبراهيم أول ليلةٍ من شهر رمضان، وأنزلت التوراة لستٍّ مضت من رمضان، وأنزل الإنجيل لثلاث عشرة مضت من رمضان، وأنزل الزبور لثمان عشرة خلت من رمضان، وأنزل القرآن لأربعٍ وعشرين خلت من رمضان)).

. فيه تفتح أبواب الجنة، وتغلق أبواب النار، وتصفد الشياطين:

الدليل:

عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((إذا جاء رمضان فتحت أبواب الجنة، وغلقت أبواب النار، وصفدت الشياطين)). أخرجه البخاري ومسلم.

. العمرة فيه تعدل حجة:

الدليل:

عن ابن عباس رضي الله عنهما، قال: ((قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لامرأةٍ من الأنصار: ما منعك أن تحجي معنا؟ قالت: لم يكن لنا إلا ناضحان، فحج أبو ولدها وابنها على ناضح وترك لنا ناضحاً ننضح عليه. قال: فإذا جاء رمضان فاعتمري فإن عمرة فيه تعدل حجة)). أخرجه البخاري ومسلم.

وفي روايةٍ عن ابن عباس رضي الله عنهما، قال: ((لما رجع النبي صلى الله عليه وسلم من حجته قال لأم سنان الأنصارية: ما منعك من الحج؟ قالت: أبو فلان - تعني زوجها - كان له ناضحان حج على أحدهما والآخر يسقي أرضاً لنا. قال: فإن عمرة في رمضان تقضي حجة معي)). أخرجه البخاري ومسلم.

- وهذا الفضل ليس مختصًّا بهذه المرأة وحدها، بل هو عامٌّ لجميع المسلمين،.

- وكان السلف رحمهم الله يسمون العمرة في رمضان: الحج الأصغر؛ لأن المعتمر في رمضان إن عاد إلى بلده فقد أتى بسفرٍ كاملٍ للعمرة ذهاباً وإياباً في شهر رمضان، فاجتمع له حرمة شهر رمضان وحرمة العمرة، وصار ما في ذلك من شرف الزمان والمكان، يناسب أن يُعدَلَ بما في الحج من شرف الزمان - وهو أشهر الحج - وشرف المكان.

- كما أن هذه العمرة لا تغني عن حجة الإسلام الواجبة، بإجماع أهل العلم، فلا يلزم من معادلة الشيء للشيء أن يكون مجزئاً عنه، فهو يعادله في الثواب لا في الإجزاء عنه.

المبحث الثاني: ليلة القدر

أ- تعريف ليلة القدر، وإثبات وجودها

· تعريف ليلة القدر

ليلة القدر مركبة من كلمتين:

الأولى: ليلة وهي لغة: ما بين غروب الشمس إلى طلوع الفجر، ويقابلها النهار. ولا يخرج المعنى الاصطلاحي لها عن المعنى اللغوي.

والثانية: القدر، ومعناه لغة: الشرف والوقار، ومن معانيه أيضاً: الحكم والقضاء والتضييق.

واختلف العلماء في المراد به على عدة أقوال منها:

- التعظيم والتشريف، ومنه قوله تعالى: وَمَا قَدَرُواْ اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ [الأنعام:]

والمعنى: أنها ليلة ذات قدر وشرف؛ لنزول القرآن فيها، وغير ذلك، أو أن الذي يحييها يصير ذا قدر وشرف.

- التضييق ومنه قوله تعالى: وَمَن قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ [الطلاق:].

ومعنى التضييق فيها: إخفاؤها عن العلم بتعيينها، أو لأن الأرض تضيق فيها عن الملائكة.

- القدْر بمعنى القدَر - بفتح الدال - بمعنى الحكم والفصل والقضاء، قال العلماء: سميت ليلة القدر بذلك لما تكتب فيها الملائكة من الأرزاق والآجال وغير ذلك مما سيقع في هذه السنة بأمرٍ من الله سبحانه لهم بذلك، ويدل عليه قول الله تعالى: إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُّبَارَكَةٍ إِنَّا كُنَّا مُنذِرِينَ فِيهَا يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ أَمْرًا مِّنْ عِندِنَا إِنَّا كُنَّا مُرْسِلِينَ [الدخان: -].

· هل ليلة القدر موجودة أم رفعت؟

ليلة القدر موجودةٌ لم ترفع، بل هي باقية إلى يوم القيامة، وهذا مذهب عامة أهل العلم.

الأدلة:

الأحاديث الكثيرة التي تحث المسلم على طلبها والاجتهاد في إدراكها، ومنها:

- عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((ومن قام ليلة القدر إيمانا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه)). أخرجه البخاري ومسلم.

- عن عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((تحروا ليلة القدر في الوتر من العشر الأواخر من رمضان)). أخرجه البخاري ومسلم.

ب- فضل ليلة القدر وقيامها

· فضل ليلة القدر

- أنزل فيها القرآن:

قال تعالى: إِنَّا أَنزلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ [القدر:].

- يقدر الله فيها كل ما هو كائنٌ في السنة:

قال تعالى: فِيهَا يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ أَمْرًا مِنْ عِنْدِنَا إِنَّا كُنَّا مُرْسِلِينَ [الدخان:،].

وهو تقديرٌ ثانٍ، إذ إن الله قدر كل شيء قبل أن يخلق الخلائق بخمسين ألف سنة.

ففي تلك الليلة يقدر الله مقادير الخلائق على مدار العام، ويكتب فيها الأحياء والأموات والناجون والهالكون، والسعداء والأشقياء، والعزيز والذليل، وكل ما أراده الله سبحانه وتعالى في السنة المقبلة، يُكتَبُ في ليلة القدر هذه.

- أنها ليلة مباركة:

قال تعالى إِنَّا أَنزلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُبَارَكَةٍ [الدخان:].

- العبادة فيها تفضل العبادة في ألف شهر:

قال تعالى: لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ [القدر:].

فالعبادة فيها أفضل عند الله من عبادة ألف شهر ليس فيها ليلة القدر.

وألف شهر أي: ثلاث وثمانين سنة وثلاثة أشهر تقريباً.

- ينزل فيها جبريل والملائكة بالخير والبركة:

قال تعالى: تَنزلُ الْمَلائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيهَا بِإِذْنِ رَبِّهِمْ مِنْ كُلِّ أَمْرٍ [القدر:].

فتنزل الملائكة فيها إلى الأرض بالخير والبركة والرحمة والمغفرة.

- ليلة القدر سلامٌ:

قال تعالى: سَلامٌ هِيَ حَتَّى مَطْلَعِ الْفَجْرِ [القدر:]

فهي ليلةٌ خاليةٌ من الشر والأذى، وتكثر فيها الطاعة وأعمال الخير والبر، وتكثر فيها السلامة من العذاب، فهي سلامٌ كلها.

· فضل قيامها

عن أبي هريرة رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((ومن قام ليلة القدر إيماناً واحتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه)). أخرجه البخاري ومسلم.

ج- ما يشرع في ليلة القدر

· القيام:

يشرع في هذه الليلة الشريفة قيام ليلها بالصلاة.

الدليل:

عن أبي هريرة رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((ومن قام ليلة القدر إيماناً واحتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه)). أخرجه البخاري ومسلم

· الاعتكاف:

يشرع في ليلة القدر الاعتكاف، فقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعتكف في العشر الأواخر التماساً لليلة القدر.

الدليل:

عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((من كان اعتكف معي، فليعتكف العشر الأواخر، وقد أريت هذه الليلة ثم أنسيتها، وقد رأيتني أسجد في ماء وطين من صبيحتها فالتمسوها في العشر الأواخر والتمسوها في كل وتر)). أخرجه البخاري ومسلم

· الدعاء:

يشرع الدعاء فيها والتقرب به إلى الله تبارك وتعالى.

الدليل:

عن عائشة رضي الله عنها قالت: ((قلت: يا رسول الله أرأيت إن علمت أي ليلة ليلة القدر، ما أقول فيها؟ قال: قولي: اللهم إنك عفو كريم تحب العفو فاعف عني)).

· العمل الصالح:

قال الله تعالى: لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ [القدر:]

قال كثير من المفسرين: أي العمل فيها خير من العمل في ألف شهر ليس فيها ليلة القدر، ففي تلك الليلة يقسم الخير الكثير الذي لا يوجد مثله في ألف شهر.

د- وقت ليلة القدر وعلامتها

وقت ليلة القدر

ثبتت الأحاديث أنها في العشر الأواخر من رمضان، وهي في الأوتار أقرب من الأشفاع، وهو ما ذهب إليه جمهور الفقهاء من المالكية، والشافعية، والحنابلة، واختاره ابن تيمية والصنعاني، وابن باز، وابن عثيمين.

الأدلة:

- عن عائشة رضي الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((تحروا ليلة القدر في الوتر من العشر الأواخر من رمضان)). أخرجه البخاري ومسلم

- عن ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((التمسوها في العشر الأواخر من رمضان، ليلة القدر في تاسعة تبقى، في سابعة تبقى، في خامسة تبقى)). أخرجه البخاري.

- عن ابن عمر رضي الله عنهما، ((أنَّ رجالاً من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم أروا ليلة القدر في المنام في السبع الأواخر، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أرى رؤياكم قد تواطأت في السبع الأواخر، فمن كان متحريها فليتحرها في السبع الأواخر)). أخرجه البخاري ومسلم.

- عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: ((رأى رجل أن ليلة القدر ليلة سبع وعشرين، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: أرى رؤياكم في العشر الأواخر، فاطلبوها في الوتر منها)). أخرجه البخاري ومسلم

هل ليلة القدر تتنقل أم هي ثابتة؟

لا تختص ليلة القدر بليلة معينة في جميع الأعوام، بل تتنقل في ليالي العشر الأواخر من رمضان، وهو قول أبي حنيفة، ومالك، وأحمد، واختاره ابن عبدالبر، والنووي وابن حجر، وابن باز، وابن عثيمين. فتكون في عامٍ ليلة سبع وعشرين مثلاً، وفي عامٍ آخر ليلة خمس وعشرين تبعاً لمشيئة الله تعالى وحكمته.

الدليل:

- عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((كنت أجاور هذه العشر، ثم قد بدا لي أن أجاور هذه العشر الأواخر، فمن كان اعتكف معي فليثبت في معتكفه، وقد أريت هذه الليلة، ثم أنسيتها، فابتغوها في العشر الأواخر، وابتغوها في كل وتر، وقد رأيتني أسجد في ماء وطين. فاستهلت السماء في تلك الليلة فأمطرت، فوكف المسجد في مصلى النبي صلى الله عليه وسلم ليلة إحدى وعشرين، فبصرت عيني رسول الله صلى الله عليه وسلم ونظرت إليه انصرف من الصبح ووجهه ممتلئ طيناً وماءً)). أخرجه البخاري ومسلم.

- عن عبد الله بن أنيس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((أريت ليلة القدر ثم أنسيتها، وأُراني صبحَها أسجد في ماء وطين، قال: فمطرنا ليلة ثلاث وعشرين، فصلى بنا رسول الله، فانصرف، وإنّ أثر الماء والطين على جبهته وأنفه)). أخرجه البخاري ومسلم.

سبب إخفاء ليلة القدر عن العباد

- أخفى سبحانه علمها على العباد رحمة بهم؛ ليكثر عملهم في طلبها في تلك الليالي الفاضلة بالصلاة والذكر والدعاء؛ فيزدادوا قربة من الله وثواباً.

- أخفاها اختباراً لهم أيضاً ليتبين بذلك من كان جادًّا في طلبها حريصاً عليها ممن كان كسلان متهاوناً، فإن من حرص على شيء جدَّ في طلبه، وهان عليه التعب في سبيل الوصول إليه والظفر به.

علامة ليلة القدر

أن الشمس تطلع في صبيحتها ليس لها شعاع، صافية ليست كعادتها في بقية الأيام.

الدليل:

عن أبي بن كعب رضي الله عنه أنه قال: (( ... أخبرنا رسولُ الله صلى الله عليه وسلم أنها تطلع يومئذ لا شعاع لها)). أخرجه مسلم

وفي لفظ آخر لمسلم عن أبي بن كعب رضي الله عنه: ((وأمارتها أن تطلع الشمس في صبيحة يومها بيضاء لا شعاع لها)). أخرجه مسلم.

الفصل الثالث: حكم صوم شهر رمضان، وحكم تاركه

• المبحث الأول: حكم صوم شهر رمضان.

• المبحث الثاني: حكم ترك صوم شهر رمضان.

المبحث الأول: حكم صوم شهر رمضان

يجب صوم شهر رمضان وهو فريضة، وركنٌ من أركان الإسلام.

الأدلة:

أولاً: من الكتاب:

- قوله تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ [البقرة:]

- قوله تعالى: شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِيَ أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِّلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِّنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ فَمَن شَهِدَ مِنكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ [البقرة:]

ثانياً: من السنة:

عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((بني الإسلام على خمس: شهادة أن لا إله إلا الله، وأن محمداً رسول الله، وإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، وصوم رمضان، وحج البيت)). أخرجه البخاري ومسلم.

ثالثاً: الإجماع:

أجمع أهل العلم على فرضية صوم شهر رمضان، وأنه من مباني الإسلام المعلومة من الدين بالضرورة، وممن نقل الإجماع على فرضيته: ابن قدامة، والنووي، وابن تيمية.

المطلب الأول: حكم من ترك صوم شهر رمضان جاحداً لفرضيته

من ترك صوم شهر رمضان جاحداً لفرضيته فهو كافرٌ بإجماع أهل العلم إلا أن يكون قريب العهد بالإسلام، أو نشأ بباديةٍ بعيدة من المسلمين، بحيث يعقل أن يخفى عليه وجوبها.

المطلب الثاني: حكم من ترك صوم شهر رمضان متعمداً كسلاً وتهاوناً

من ترك صوم شهر رمضان متعمداً كسلاً وتهاوناً ولو يوماً واحداً منه، بحيث إنه لم ينو صومه من الأصل، فقد أتى كبيرةً من كبائر الذنوب، وتجب عليه التوبة، وإلى هذا ذهب عامة أهل العلم، واختلفوا هل عليه القضاء أم لا؟ على قولين:

القول الأول: عليه القضاء، وقد حكى ابن عبد البر الإجماع على ذلك، وبه أفتى ابن باز.

القول الثاني: لا يلزمه القضاء، وهو مذهب الظاهرية، واختاره ابن تيمية، وابن عثيمين.

الأدلة:

أولاً: من الكتاب:

عموم قول الله تعالى: وَمَن يَتَعَدَّ حُدُودَ اللهِ فَأُوْلئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ [البقرة:]

وجه الدلالة:

أنَّ ترْكَ صوم رمضان من تعدي حدود الله عز وجل، وتعدي حدود الله تعالى ظلم، والظالم لا يُقبل منه.

ثانياً: من السنة:

عموم حديث عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم قال: ((من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد)). أخرجه البخاري ومسلم

فالقاعدة أن كل عبادة مؤقتة بوقت معين لا تقبل من صاحبها، إذا أخرت عن ذلك الوقت المعين بلا عذر، وعليه فمن ترك صوم رمضان لا يقبل منه لو صامه قضاء.

ثالثاً: القياس:

فكما لو أنه قدم هذه العبادة على وقتها - أي فعلها قبل دخول الوقت - لم تقبل منه، فكذلك إذا فعلها بعده لم تقبل منه إلا أن يكون معذوراً.

الفصل الرابع: إثبات دخول شهر رمضان وخروجه

• المبحث الأول: طرق إثبات دخول شهر رمضان.

• المبحث الثاني: طرق إثبات خروج شهر رمضان.

المبحث الأول: طرق إثبات دخول شهر رمضان

• المطلب الأول: رؤية الهلال.

• المطلب الثاني: إكمال شعبان ثلاثين يوماً.

• المطلب الثالث: الحساب الفلكي.

المطلب الأول: رؤية الهلال

الفرع الأول: طلب رؤية الهلال

يشرع ترائي الهلال في اليوم التاسع والعشرين ليلة الثلاثين، ومن أهل العلم من يعبر باستحباب ذلك ومنهم من يعبر بأنه فرض كفاية.

الأدلة:

- عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((صوموا لرؤيته وأفطروا لرؤيته، فإن غبي عليكم فأكملوا عدة شعبان ثلاثين)). أخرجه البخاري ومسلم

- عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((أحصوا هلال شعبان لرمضان)).

- عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت: ((كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يتحفظ من شعبان ما لا يتحفظ من غيره، ثم يصوم لرؤية رمضان، فإن غم عليه عد ثلاثين يوماً ثم صام)).

- وقد حرص أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم في حياته وبعد وفاته على رؤية هلال رمضان فكانوا يتراءونه:

- فعن ابن عمر رضي الله عنهما قال: ((تراءى الناس الهلال، فأخبرت رسول الله صلى الله عليه وسلم أني رأيته، فصامه، وأمر الناس بصيامه)).

- وعن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: ((كنا مع عمر بين مكة والمدينة، فتراءينا الهلال، وكنت رجلاً حديد البصر، فرأيته وليس أحدٌ يزعم أنه رآه غيري - قال - فجعلت أقول لعمر أما تراه؟ فجعل لا يراه - قال - يقول عمر: سأراه وأنا مستلقٍ على فراشي)). أخرجه مسلم.

الفرع الثاني: العدد المعتبر في الرؤية

يكفي في ثبوت دخول رمضان شهادة عدلٍ واحد، وهو مذهب الشافعية، والحنابلة، وطائفةٍ من السلف، وهو اختيار ابن باز، وابن عثيمين.

الأدلة:

أولاً: من السنة:

عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: ((تراءى الناس الهلال، فأخبرت رسول الله صلى الله عليه وسلم أني رأيته، فصامه، وأمر الناس بصيامه)).

ثانياً: القياس

قياساً على الأذان، فالناس يفطرون بأذان الواحد، ويمسكون بأذان الواحد، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: ((إن بلالاً يؤذن بليل، فكلوا واشربوا حتى يؤذن ابن أم مكتوم)). أخرجه البخاري ومسلم.

الفرع الثالث: اشتراط قوة البصر مع العدالة

يُشترَطُ في الرائي مع عدالته، قوةُ بصره.

الأدلة:

- عموم قوله تعالى حكايةً عن إحدى ابنتي صاحب مدين: قَالَتْ إِحْدَاهُمَا يَا أَبَتِ اسْتَأْجِرْهُ إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الأَمِينُ [القصص:]

- عموم قوله تعالى: قَالَ عِفْريتٌ مِّنَ الْجِنِّ أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَن تَقُومَ مِن مَّقَامِكَ وَإِنِّي عَلَيْهِ لَقَوِيٌّ أَمِينٌ [النمل:]

وجه الدلالة من الآيتين:

أن القوة والأمانة شرطان أساسيان في العمل، ومن ذلك الشهادة، إذ لابد فيها من الأمانة التي تقتضيها العدالة، ولابد فيها من القوة التي يحصل بها إدراك المشهود به.

الفرع الرابع: من رأى هلال رمضان وحده ولم يشهد برؤيته، أو شهد ولم تقبل شهادته

المسألة الأولى: حكم من رأى الهلال وحده

من رأى هلال رمضان وحده، ولم يشهد برؤيته، أو شهد ولم تقبل شهادته، فقد اختلف فيه أهل العلم هل يصوم وحده أم لا؟ على قولين:

القول الأول: يصوم مع الناس، إذا صاموا، ولا يبني على رؤيته، وهذا قولٌ لبعض السلف، ورواية عن أحمد، واختيار ابن تيمية، وابن باز.

الدليل:

عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((الصوم يوم تصومون، والفطر يوم تفطرون، والأضحى يوم تضحون)).

وجه الدلالة:

أن المعتبر في الصيام أو الإفطار هو الذي يثبت عند الناس، والشاهد الواحد إذا رأى الهلال ولم يحكم القاضي بشهادته، لا يكون هذا صوماً له، كما لم يكن للناس.

القول الثاني: يصوم بناءً على رؤيته، وهو قول أكثر أهل العلم واتفقت عليه المذاهب الفقهية: الحنفية، والمالكية، والشافعية، والحنابلة، والظاهرية، وهو اختيار ابن عثيمين.

الأدلة:

أولا: من الكتاب:

عموم قوله تعالى: فَمَن شَهِدَ مِنكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ ..... [البقرة:].

ثانيا: من السنة:

عموم حديث أبى هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((إذا رأيتم الهلال فصوموا .. )). أخرجه مسلم.

وجه الدلالة:

أنه قد أمر بالصيام عند رؤية الهلال، ومن رآه لوحده داخلٌ في عموم الأمر بذلك.

المسألة الثانية: من رأى هلال رمضان وحده وهو في مكان ناءٍ ليس فيه أحد

من رأى هلال رمضان وحده وهو في مكانٍ ناءٍ ليس فيه أحد، فإنه يصوم، ويبني على رؤيته، ولا يرد عليه الخلاف السابق، ونص عليه ابن تيمية، وابن باز، وابن عثيمين.

الأدلة:

أولاً: من الكتاب:

عموم قوله تعالى: فَمَن شَهِدَ مِنكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ ..... [البقرة:]

ثانياً: من السنة:

عموم حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((إذا رأيتم الهلال فصوموا .. )). أخرجه مسلم

فمن رآه لوحده داخلٌ في عموم الأمر بذلك.

الفرع الخامس: اتفاق المطالع واختلافها

إذا رأى أهل بلدٍ الهلال، فقد اختلف أهل العلم هل يلزم الناس بالصوم بناءً على رؤية هذا البلد، أم أن لكل بلدٍ رؤية مستقلة؟ على أقوال، منها:

القول الأول: يجب الصوم على الجميع مطلقاً، وهو قول الجمهور من الحنفية، والمالكية، والحنابلة، وهو اختيار ابن تيمية، وابن باز، والألباني، وصدر على وَفقه قرار المجمع الفقهي.

الأدلة:

أولاً: من الكتاب:

عموم قوله تعالى: فَمَن شَهِدَ مِنكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ ..... [البقرة:]

وجه الدلالة:

أن الخطاب يشمل جميع الأمة، فإذا ثبت دخول الشهر في بلد، وجب على الجميع صومه.

ثانياً: من السنة:

عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((صوموا لرؤيته)). أخرجه البخاري ومسلم.

وجه الدلالة:

أن الحديث قد أوجب الصوم بمطلق الرؤية لجميع المسلمين، دون تحديد ذلك بمكانٍ معين.

القول الثاني: لا يجب الصوم على الجميع مع اختلاف المطالع، وإنما يجب على من رآه أو كان في حكمهم بأن توافقت مطالع الهلال، وهذا قول الشافعية، وهو قول طائفةٍ من السلف، واختاره الصنعاني، وابن عثيمين.

الأدلة:

أولاً: من الكتاب:

عموم قوله تعالى: فَمَن شَهِدَ مِنكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ ..... [البقرة:]

وجه الدلالة:

أن الذين لا يوافقون في المطالع من شاهده، لا يُقال إنهم شاهدوه حقيقة ولا حكماً، والله تعالى أوجب الصوم على من شاهده.

ثانياً: من السنة:

- عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((صوموا لرؤيته وأفطروا لرؤيته)). أخرجه البخاري ومسلم.

وجه الدلالة:

أن النبي صلى الله عليه وسلم علَّل الأمر في الصوم بالرؤية، ومن يخالف من رآه في المطالع، لا يقال إنه رآه لا حقيقةً ولا حكماً.

- عن كريب ((أن أم الفضل بنت الحارث بعثته إلى معاوية بالشام، قال: فقدمت الشام فقضيت حاجتها، واستهل علي رمضان وأنا بالشام، فرأيت الهلال ليلة الجمعة، ثم قدمت المدينة في آخر الشهر، فسألني عبد الله بن عباس رضي الله عنهما، ثم ذكر الهلال، فقال: متى رأيتم الهلال؟ فقلت: رأيناه ليلة الجمعة. فقال: أنت رأيته؟ فقلت: نعم، ورآه الناس وصاموا وصام معاوية. فقال: لكنا رأيناه ليلة السبت فلا نزال نصوم حتى نكمل ثلاثين أو نراه. فقلت: أولا تكتفي - شك يحيى بن يحيى، أحد رواة الحديث، في نكتفي أو تكتفي - برؤية معاوية وصيامه؟ فقال: لا، هكذا أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم)). أخرجه مسلم.

ثالثاً: القياس:

فهناك اختلافٌ في التوقيت اليومي بين المسلمين بالنص والإجماع، فإذا طلع الفجر في المشرق، فلا يلزم أهل المغرب أن يمسكوا، ولو غابت الشمس في المشرق، فليس لأهل المغرب الفطر.

فكما أن المسلمين مختلفون في الإفطار والإمساك اليومي، فلا بد أن يختلفوا كذلك في الإمساك والإفطار الشهري.

الفرع السادس: الرؤية عبر الوسائل الحديثة

المسألة الأولى: حكم الاعتماد على الأقمار الصناعية في رؤية الهلال

لا يجوز الاعتماد على الأقمار الصناعية في رؤية الهلال؛ وذلك لأن الأقمار الصناعية تكون مرتفعةً عن الأرض التي هي محل ترائي الهلال.

المسألة الثانية: حكم استعمال المراصد الفلكية لرؤية الهلال

يجوز استعمال المراصد الفلكية لرؤية الهلال كالدربيل وهو المنظار المقرِّب، ولكنه ليس بواجب، فلو رأى الهلال عبرها من يُوثَقُ به فإنه يُعمل بهذه الرؤية، وهو اختيار ابن باز، وابن عثيمين، وبه صدر قرار هيئة كبار العلماء، وهو قرار مجمع الفقه الإسلامي.

الدليل:

عموم ما جاء عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (( .. فإذا رأيتموه فصوموا، وإذا رأيتموه فأفطروا)). أخرجه مسلم

وجه الدلالة:

أن هذه الرؤية تحصل باستعمال المراصد الفلكية.

الفرع السابع: من اشتبهت عليه الأشهر

المسألة الأولى: ما يلزم الأسير ونحوه من الاجتهاد والحالات المترتبة على اجتهاده

من عمي عليه خبر الهلال والشهور، كالسجين والأسير بدار الحرب وغيرهما، فإنه يجتهد ويتحرى الهلال، ويصوم شهراً، وهذا قول عامة الفقهاء، فهو مذهب الحنفية، والمالكية. والشافعية، والحنابلة، وقد حكى الماوردي إجماع السلف على ذلك.

- فإن صام مجتهداً بما غلب على ظنه، فله أربع حالات:

- أن يتبين له أن صومه وافق شهر رمضان، فصومه صحيح، ولا إعادة عليه؛ قياساً على من اجتهد في القبلة، وصلى وبان له صواب الاجتهاد، فإنه يجزئه، فكذلك الحال في الصوم إذا أدى هذه العبادة باجتهاد، فوجب إذا بان له صواب اجتهاده، أن يجزيه.

- أن يستمر الإشكال عليه، فلا يعلم هل وافق الشهر أو تقدمه أو تأخره، فيجزئه ولا إعادة عليه؛ وذلك لأن الظاهر من الاجتهاد صحة الأداء، ما لم يتيقن الخطأ، وقد أدى ما عليه.

- أن يتيبن له أن صومه كان قبل رمضان، فعليه الإعادة، وهو قول أكثر الفقهاء؛ وذلك لأنه تعين له يقين الخطأ، فوجب أن يلزمه القضاء، كما لو بان له أداء الصلاة قبل الوقت، فإنه تلزمه الإعادة.

- أن يتبين له أنه صام بعد نهاية شهر رمضان، فهذا يجزئه، ولا إعادة عليه إلا فيما لا يصح صيامه كالعيدين، فإن عليه أن يعيد الأيام التي لا يصح صيامها، وهو قول عامة الفقهاء؛ وذلك لأن القضاء قد استقر في ذمته بفوات الشهر، ثم وافق صومه زمان القضاء.

المسألة الثانية: حكم صوم الأسير ونحوه من غير اجتهاد

إن صام الأسير ونحوه من غير اجتهاد، فلا يصح صومه، وعليه الإعادة، حتى وإن تبين له أن صومه وافق رمضان، وهو قول الشافعية؛ وذلك لأنه شرع في العبادة شاكًّا من غير مستند شرعي، فتعدى حدود الله تعالى، وفعل ما لم يُؤذَن له فيه.

المطلب الثاني: إكمال شعبان ثلاثين يوماً

الفرع الأول: إذا لم تثبت الرؤية في التاسع والعشرين

إذا لم تثبت رؤية هلال رمضان في التاسع والعشرين من شعبان، فإننا نكمل شعبان ثلاثين يوماً، سواء كانت السماء مصحية أو مغيمة، وهو قول عامة أهل العلم.

الدليل:

عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((صوموا لرؤيته، وأفطروا لرؤيته، فإن غبي عليكم، فأكملوا عدة شعبان ثلاثين)). أخرجه البخاري ومسلم

الفرع الثاني: حكم صوم يوم الثلاثين من شعبان احتياطاً لرمضان

لا يجوز لأحدٍ صوم يوم الثلاثين من شعبان، احتياطاً لرمضان، إلا إن وافق صوماً كان يصومه، وهو مذهب المالكية، والشافعية، ورواية عن أحمد، وهو قول الجصاص، وابن حزم، وابن عبد البر، وابن باز، وابن عثيمين،.

الأدلة:

أولاً: من الكتاب:

عموم قوله تعالى: فَمَن شَهِدَ مِنكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ ..... [البقرة:]

وهذا لم يشهد الشهر وصامه، فهو متعدٍّ لحدود الله عز وجل.

ثانياً: من السنة:

- عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((لا تقدموا رمضان بصوم يوم ولا يومين، إلا رجل كان يصوم صوماً فليصمه)). أخرجه البخاري ومسلم.

- عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((الشهر تسعٌ وعشرون ليلة، فلا تصوموا حتى تروه، فإن غم عليكم فأكملوا العدة ثلاثين)). أخرجه البخاري ومسلم.

وجه الدلالة:

أن هذا أمر، والأصل في الأمر الوجوب، فإذا وجب إكمال شعبان ثلاثين يوماً، حرم صوم يوم الشك.

- عن عمار رضي الله عنه أنه قال: ((من صام يوم الشك فقد عصى أبا القاسم صلى الله عليه وسلم)). أخرجه البخاري معلقاً.

المطلب الثالث: الحساب الفلكي

لا يجوز العمل بالحساب الفلكي، ولا الاعتماد عليه في إثبات دخول رمضان.

الأدلة:

أولاً: من السنة:

- عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((صوموا لرؤيته، وأفطروا لرؤيته، فإن غبي عليكم، فأكملوا عدة شعبان ثلاثين)). أخرجه البخاري ومسلم

- عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ذكر رمضان فقال: ((لا تصوموا حتى تروا الهلال، ولا تفطروا حتى تروه، فإن غم عليكم فاقدروا له)). أخرجه البخاري ومسلم

أوجه الدلالة:

- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم جعل الحكم بالهلال معلَّقاً على الرؤية وحدها؛ فهي الأمر الطبيعي الظاهر الذي يستطيعه عامة الناس، فلا يحصل لبس على أحد في أمر دينه، كما جاء عن ابن عمر رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((إنا أمة أمية لا نكتب، ولا نحسب، الشهر هكذا وهكذا)) يعني مرة تسعة وعشرين ومرة ثلاثين، أخرجه البخاري ومسلم.

- أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر المسلمين إذا كان هناك غيم ليلة الثلاثين أن يكملوا العدة، ولم يأمر بالرجوع إلى علماء الفلك، وقد جرى العمل في عهد النبي صلى الله عليه وسلم وعهد الصحابة رضي الله عنهم على ذلك، ولم يرجعوا إلى علماء النجوم في التوقيت، ولو كان قولهم هو الأصل وحده، أو أصلاً آخر مع الرؤية في إثبات الشهر لبين ذلك، فلما لم يُنقَل ذلك، بل نُقِلَ ما يخالفه، دل على أنه لا اعتبار شرعاً لما سوى الرؤية، أو إكمال العدة ثلاثين في إثبات الشهر، وأن هذا شرع مستمر إلى يوم القيامة.

- الرؤية في الحديث متعدية إلى مفعول واحد، فكانت بصرية لا علمية.

- كما أن الصحابة فهموا أنها رؤية بالعين، وهم أعلم باللغة ومقاصد الشريعة من غيرهم.

ثانياً: الإجماع:

أجمع أهل العلم على ذلك، وممن نقل الإجماع الجصاص، وابن رشد، والقرطبي وابن تيمية.

المبحث الثاني: طرق إثبات خروج شهر رمضان

• المطلب الأول: رؤية هلال شوال.

• المطلب الثاني: إكمال رمضان ثلاثين يوماً.

المطلب الأول: رؤية هلال شوال

الفرع الأول: العدد المعتبر في الرؤية

لا بد من إخبار شاهدين عدلين برؤية هلال شوال، وهو قول أكثر العلماء.

الأدلة:

- عن عبد الرحمن بن زيد بن الخطاب ((أنه خطب الناس في اليوم الذي يشك فيه فقال: ألا إني جالست أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وساءلتهم وإنهم حدثوني أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: صوموا لرؤيته وأفطروا لرؤيته وانسكوا لها، فإن غم عليكم فأكملوا ثلاثين، فإن شهد شاهدان فصوموا وأفطروا)).

المراد بقوله: ((وأفطروا)): أي خروج شهر الصوم، ودخول شوال.

ومفهوم الحديث: عدم قبول شهادة الواحد على رؤية هلال شوال.

- ما رواه رجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((اختلف الناس في آخر يوم من رمضان، فقدم أعرابيان فشهدا عند النبي صلى الله عليه وسلم بالله لأهل الهلال أمس عشية، فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم الناس أن يفطروا، وأن يغدوا إلى مصلاهم)).

الفرع الثاني: حكم من رأى هلال شوال وحده

من رأى هلال شوال لوحده فإنه لا يفطر حتى يفطر الناس، وهو مذهب الجمهور من الحنفية، والمالكية والحنابلة،، وهو اختيار ابن تيمية، وابن باز، وابن عثيمين.

الدليل:

عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (( .. والفطر يوم تفطرون، والأضحى يوم تضحون)).

فإذا لم يفطر الناس وجب أن لا يفطر.

المطلب الثاني: إكمال رمضان ثلاثين يوماً

إذا لم يَرَ هلال شوال شاهدان عدلان، وجب إكمال شهر رمضان ثلاثين يوماً، وقد حكى ابن تيمية اتفاق الأئمة على ذلك.

الدليل:

عن عبد الله بن عمر، رضي الله عنهما ((أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ذكر رمضان فقال: لا تصوموا حتى تروا الهلال، ولا تفطروا حتى تروه، فإن غم عليكم فاقدروا له)). أخرجه البخاري ومسلم.

والمراد بقوله: ((فاقدروا له)) أي: أكملوا العدة، كما فُسِّر في روايةٍ أخرى.

وهذا النص يعم شعبان ويعم رمضان.

الباب الثالث: من يُباح لهم الفطر

• الفصل الأول: المريض.

• الفصل الثاني: المسافر.

• الفصل الثالث: الكبير والعجوز.

• الفصل الرابع: الحامل والمرضع.

• الفصل الخامس: أسباب أخرى مبيحة للفطر.

الفصل الأول: المريض

• المبحث الأول: تعريف المرض.

• المبحث الثاني: حكم فطر المريض.

• المبحث الثالث: حد المرض الذي يبيح الفطر.

• المبحث الرابع: قضاء المريض الذي يُرجى برؤه.

• المبحث الخامس: حكم المريض الذي لا يُرجى برؤه.

• المبحث السادس: أحكام متفرقة.

المبحث الأول: تعريف المرض

المرض: نقيض الصحة، وهو السُّقم، وذلك بخروج البدن عن حدِّ الاعتدال والاعتياد.

المبحث الثاني: حكم فطر المريض

يباح للمريض الفطر في رمضان، وذلك في الجملة.

الأدلة:

أولاً: من الكتاب:

قوله تعالى: فَمَن كَانَ مِنكُم مَّرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِّنْ أَيَّامٍ أخَرَ [البقرة:].

ثانياً: الإجماع:

نقل الإجماع على ذلك ابن حزم، وابن قدامة، والنووي.

المطلب الأول: المرض اليسير

من مرض مرضاً لا يؤثر فيه الصوم ولا يتأذى به، مثل الزكام أو الصداع اليسيرين، أو وجع الضرس، وما أشبه ذلك، فلا يحل له أن يفطر، ذهب إلى ذلك عامة أهل العلم، ومنهم المذاهب الفقهية الأربعة: الحنفية، والمالكية، والشافعية، والحنابلة؛ وذلك لأن المريض إذا لم يتأذَّ بالصوم كان كالصحيح فيلزمه الصيام؛ ولأن المرض لما كان منه ما يضر ومنه ما لا يضر، اُعتُبِرَت حكمته وهي ما يُخاف منه الضرر.

المطلب الثاني: المرض الذي يضر الصائم ويَخاف معه الهلاك

إذا كان المرض يضر بالصائم، وخشي الهلاك بسببه، فالفطر عليه واجب، وهذا مذهب جمهور أهل العلم من الحنفية، والمالكية، والشافعية، وجزم به جماعةٌ من الحنابلة.

الأدلة:

- قوله تعالى: وَلاَ تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ [النساء:]

وجه الدلالة:

أنَّ النهي هنا يشمل ما فيه إزهاقٌ للنفس، وما فيه ضرر؛ بدليل احتجاج عمرو بن العاص رضي الله عنه بهذه الآية على تركه الاغتسال في شدة البرد لمَّا أجنب؛ وإقرار النبي صلى الله عليه وسلم له.

- قوله تعالى: وَلاَ تُلْقُواْ بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ [البقرة:]

المبحث الرابع: قضاء المريض الذي يُرجى برؤه

إذا أفطر من كان به مرضٌ يُرجى بُرْؤُهُ ثم شُفي، وجب عليه قضاء ما أفطره من أيام.

الأدلة:

أولاً: من الكتاب:

قوله تعالى: فَمَن كَانَ مِنكُم مَّرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ [البقرة:].

ففي قوله سبحانه: فَعِدَّةٌ مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ دليلٌ على وجوب القضاء عليه إذا شُفي.

ثانياً: الإجماع:

نقل الإجماعَ على ذلك ابن قدامة، وابن حزم.

المبحث الخامس: حكم المريض الذي لا يُرجى برؤه

إذا أفطر من كان به مرضٌ لا يُرجى بُرْؤُهُ، كأن يكون مرضه مزمناً، فإنه يُطعِمُ عن كل يومٍ مسكيناً، وهو قول جمهور أهل العلم؛ وذلك إلحاقًا له بالشيخ الكبير والمرأة العجوز؛ لأنه في معناهما.

المبحث السادس: أحكام متفرقة

• المطلب الأول: حكم صوم المريض إذا تحامل على نفسه.

• المطلب الثاني: إذا أصبح المريض صائماً ثم برأ في النهار.

المطلب الأول: حكم صوم المريض إذا تحامل على نفسه

إذا تحامل المريض على نفسه فصام فإنه يُجزئهُ، وقد حكى الإجماع على ذلك ابن حزم.

المطلب الثاني: إذا أصبح المريض صائماً ثم برأ في النهار

إذا أصبح المريض صائماً ثم برأ في النهار، فإنه لا يفطر ويلزمه الإتمام، وهذا مذهب جمهور أهل العلم؛ وذلك لانتفاء ما يبيح له الفطر.

المبحث الأول: حكم فطر المسافر

يباح الفطر للمسافر، وذلك في الجملة.

الأدلة:

أولاً: من الكتاب:

قوله تعالى: فَمَن كَانَ مِنكُم مَّرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ [البقرة:].

ثانياً: من السنة:

عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: ((أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم في إبلٍ كانت لي أخذت، فوافقته وهو يأكل، فدعاني إلى طعامه، فقلت: إني صائم، فقال: اُدْنُ أُخبِرُك عن ذلك، إن الله وضع عن المسافر الصوم، وشطر الصلاة)).

ثالثاً: الإجماع:

حكى الإجماع على ذلك ابن قدامة، والنووي، وابن عبد البر.

المبحث الثاني: حكم صوم المسافر

• المطلب الأول: حكم صوم المسافر الذي لا يشق عليه الصوم.

• المطلب الثاني: حكم صوم المسافر الذي يلحقه بالصوم مشقةٌ.

• المطلب الثالث: حكم صوم المسافر الذي يخاف الهلاك بصومه.

المطلب الأول: حكم صوم المسافر الذي لا يشق عليه الصوم

إذا لم يشق الصوم على المسافر، واستوى عنده الصوم والفطر، فاختلف أهل العلم في أيِّهما أفضل: الصوم أو الفطر، على قولين:

القول الأول: الصوم أفضل له، وهو قول الجمهور من الحنفية، والمالكية، والشافعية.

الأدلة:

أولاً: من الكتاب:

عموم قوله تعالى وَأَن تَصُومُواْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ [البقرة:]

ثانياً: من السنة:

عن أبي الدرداء رضي الله عنه قال: ((كنا مع النبي صلَّى الله عليه وسلَّم في رمضان في يومٍ شديدِ الحر، حتى إن أحدنا ليضع يده على رأسه من شدة الحر، وما فينا صائمٌ إلا رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم، وعبد الله بن رواحة)). أخرجه البخاري ومسلم.

وجه الدلالة:

فعلُ النبيِّ صلى الله عليه وسلم، حيث صام هذا اليوم وهو مسافر، وفعلُهُ عليه الصلاة والسلام هو الأفضل.

القول الثاني: الفطر أفضل، وهو مذهب الحنابلة، وطائفةٍ من السلف، وهو قول ابن تيمية، وابن باز.

الدليل:

عموم ما جاء عن جابر بن عبد الله رضي الله عنه حيث قال: ((كان رسول الله صلى الله عليه وسلم في سفر، فرأى زحاماً ورجلاً قد ظُلِّلَ عليه، فقال: ما هذا؟ فقالوا: صائم، فقال: ليس من البر الصوم في السفر)). أخرجه البخاري ومسلم

المطلب الثاني: حكم صوم المسافر الذي يلحقه بالصوم مشقةٌ

إذا شقَّ الصوم على المسافر، بحيث يكون الفطر أرفق به، فالفطر في حقه أفضل؛ وذلك لأن ارتكاب المشقة مع وجود الرخصة يشعر بالعدول عن رخصة الله عزَّ وجل.

وهذا مذهب الجمهور من الحنفية، والمالكية، والشافعية، والحنابلة.

المطلب الثالث: حكم صوم المسافر الذي يخاف الهلاك بصومه

إذا خاف المسافر الهلاك بصومه، فإنه يجب عليه الفطر.

وهذا مذهب الجمهور من الحنفية، والمالكية، والشافعية.

الدليل:

عموم قوله تعالى: وَلاَ تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ [النساء:]

المبحث الثالث: المسافة التي يباح فيها الإفطار

يجوز الفطر للمسافر إذا بلغ سفره مسافة القصر، وهو قول جمهور أهل العلم من المالكية، والشافعية، والحنابلة؛ وذلك لأن مسافة القصر المذكورة تعتبر سفراً عرفاً، بخلاف ما دونها.

المبحث الرابع: متى يفطر المسافر

لا يباح للمسافر الفطر حتى يجاوز البيوت وراء ظهره ويخرج من بين بنيانها، وهو قول عامة أهل العلم، ومنهم المذاهب الفقهية الأربعة: الحنفية، والمالكية، والشافعية، والحنابلة، ورجحه ابن المنذر، بل حكى ابنُ المنذر الإجماع في ذلك عن كل من يحفظه من أهل العلم، كما حكى ابن عبد البر إجماع الفقهاء على ذلك.

الدليل:

قوله تعالى: فَمَن شَهِدَ مِنكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ [البقرة:].

وجه الدلالة:

أن المسافر الذي لم يجاوز البيوت شاهد، ولا يوصف بكونه مسافراً حتى يخرج من البلد، ومهما كان في البلد فله أحكام الحاضرين؛ ولذلك لا يقصر الصلاة.

المبحث الخامس: إقامة المسافر التي يفطر فيها

إذا أقام المسافر في مكانٍ فوق أربعة أيام فلا يُباح له الفطر، وهذا مذهب جمهور أهل العلم من المالكية، والشافعية، والحنابلة.

الدليل:

عن العلاء بن الحضرمي رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((يقيم المهاجر بمكة بعد قضاء نسكه ثلاثاً)). أخرجه مسلم.

وجه الدلالة:

أن المهاجرين حرمت عليهم الإقامة بمكة قبل فتحها، فلما صارت دار إسلام، تحرَّج المسلمون من الإقامة فيها؛ ليكونوا على هجرتهم، وكانوا لا يدخلونها إلا لقضاء نسك، فلما أذن لهم النبي صلى الله عليه وسلم في الإقامة فيها ثلاثة أيام، دل ذلك على أنها في حكم السفر، وما زاد على الثلاث فهو في حكم الإقامة.

المبحث السادس: حكم صوم من سفره شِبْه دائم

يباح الفطر لمن كان سفره شِبْه دائم كسائقي الطائرات والقطارات والشاحنات ونحوهم إذا كان له بلدٌ يأوي إليه، وهذا اختيار ابن تيمية وابن عثيمين.

الدليل:

قوله تعالى: فَمَن كَانَ مِنكُم مَّرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ [البقرة:]

وجه الدلالة:

أنَّ الله عز وجل أطلق إباحة الترخص بالسفر ولم يقيده بشيء.

المبحث السابع: أحكام متفرقة

المطلب الأول: قضاء المسافر الأيام التي أفطرها

إذا أفطر المسافر وجب عليه قضاء ما أفطره من أيام، وقد حكى الإجماع على ذلك ابن حزم.

الدليل:

قوله تعالى: فَمَن كَانَ مِنكُم مَّرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ [البقرة:]

في قوله سبحانه: فَعِدَّةٌ مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ دليلٌ على وجوب القضاء عليه إذا أفطر.

المطلب الثاني: حكم فطر المسافر إذا دخل عليه شهرُ رمضان في سفره

إذا دخل على المسافر شهرُ رمضان وهو في سفره فله الفطر، وقد حكى الإجماع على ذلك ابن قدامة.

المطلب الثالث: إذا سافر أثناء الشهر ليلاً

إذا سافر أثناء الشهر ليلاً، فله الفطر في صبيحة الليلة التي يخرج فيها وما بعدها، في قول عامة أهل العلم.

الدليل:

قوله تعالى: فَمَن كَانَ مِنكُم مَّرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِّنْ أيَّام أُخَرَ [البقرة:]

المطلب الرابع: حكم فطر المسافر إذا سافر أثناء نهار رمضان

إذا سافر أثناء نهار رمضان فله أن يفطر، وهو مذهب الشافعية والحنابلة، وهو قول طائفة من السلف، واختاره ابن المنذر وابن حجر، وابن عثيمين.

الأدلة:

أولاً: من الكتاب:

عموم قوله تعالى: وَمَن كَانَ مرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ [البقرة:]

وجه الدلالة:

- أن من كان مريضاً أو على سفر فأفطر، فعدةٌ من أيام أخر، وهذا قد صار على سفر فيصدق عليه أنه ممن رخص له بالفطر فيفطر.

- كما أن السفر أحد الأمرين المنصوص عليهما في إباحة الفطر بهما، فكما يبيح المرض الفطر أثناء النهار، فكذلك السفر.

ثانياً: من السنة:

عن عبيد بن جبر قال: ((كنت مع أبي بصرة الغفاري صاحب النبي صلى الله عليه وسلم في سفينة من الفسطاط في رمضان فرفع ثم قرب غداه، فلم يجاوز البيوت حتى دعا بالسفرة قال: اقترب. قلت: ألست ترى البيوت؟ قال أبو بصرة: أترغب عن سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قال جعفر - أحد رواة هذا الحديث -: فأكل)).

المطلب الخامس: حكم إمساك بقية اليوم إذا قدم المسافر أثناء النهار مفطرًا

إذا قدم المسافر أثناء النهار مفطراً، فقد اختلف أهل العلم هل عليه إمساك بقية اليوم أم لا؟ على قولين:

القول الأول: لا يجب عليه إمساك بقية النهار، وهو قول المالكية، والشافعية، وذلك لأنه أبيح له الفطر في أول النهار ظاهراً وباطناً، فإذا أفطر كان له أن يستديمه إلى آخر النهار كما لو دام العذر.

ولكن لا يُعلِن أكله ولا شربه لخفاء سبب الفطر كيلا يُساء به الظن أو يُقتدَى به.

وذلك لأنه لا دليل على وجوب الإمساك.

كما أنه لا يستفيد من هذا الإمساك شيئاً لوجوب القضاء عليه.

ولأن حرمة الزمن قد زالت بفطره المباح له أول النهار ظاهراً وباطناً.

القول الثاني: يلزمه الإمساك، وهو قول الحنفية، والحنابلة، وطائفة من السلف، وهو اختيار ابن باز.

وذلك لأن المسافر صار من أهل الوجوب حين قدومه؛ فيمسك تشبهاً بالصائمين وقضاءً لحق الوقت.

المطلب السادس: حكم فطر المسافر إذا كان سفره بوسائل النقل المريحة

يباح الإفطار للمسافر ولو كان سفره بوسائل النقل المريحة، سواء وجد مشقة أو لم يجدها، وقد حكى الإجماع على ذلك ابن تيمية؛ وذلك لأن علة الفطر هي وجود السفر دون التقيد بشيء آخر.

المبحث الأول: حكم صوم الرجل الكبير والمرأة العجوز

يباح الفطر للشيخ الكبير والمرأة العجوز اللذين لا يطيقان الصوم.

الأدلة:

أولاً: من الكتاب:

قوله تعالى: وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ [البقرة:]

قال ابن عباس رضي الله عنهما: ((رُخِّص للشيخ الكبير والعجوز الكبيرة في ذلك وهما يطيقان الصوم أن يفطرا إن شاءا أو يطعما كل يوم مسكيناً ولا قضاء عليهما، ثم نسخ ذلك في هذه الآية: فَمَن شَهِدَ مِنكُمُ الشَّهرَ فَلْيَصُمْهُ، وثبت للشيخ الكبير والعجوز الكبيرة إذا كانا لا يطيقان الصوم، والحبلى والمرضع إذا خافتا أفطرتا وأطعمتا كل يوم مسكينا)).

ثانياً: الإجماع:

نقل الإجماع على ذلك ابن المنذر، وابن حزم، وابن عبد البر.

المبحث الثاني: ما يلزم الكبير والعجوز إذا أفطرا

إذا أفطر الرجل الكبير والمرأة العجوز فعليهما أن يطعما عن كل يومٍ مسكيناً، وهو قول الجمهور من الحنفية، والشافعية، والحنابلة، واستحبه المالكية.

الدليل:

قوله تعالى: وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ [البقرة:]

عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: ((رُخِّص للشيخ الكبير والعجوز الكبيرة في ذلك وهما يطيقان الصوم أن يفطرا إن شاءا، أو يطعما كل يومٍ مسكيناً ولا قضاء عليهما، ثم نسخ ذلك في هذه الآية: فَمَن شَهِدَ مِنكُمُ الشَّهرَ فَلْيَصُمْهُ، وثبت للشيخ الكبير والعجوز الكبيرة إذا كانا لا يطيقان الصوم، والحبلى والمرضع إذا خافتا أفطرتا، وأطعمتا كل يوم مسكينا)).

الفصل الرابع: الحامل والمرضع

• المبحث الأول: حكم صوم الحامل والمرضع.

• المبحث الثاني: ما يلزم الحامل والمرضع إذا أفطرتا.

المبحث الأول: حكم صوم الحامل والمرضع

يباح للحامل والمرضع الفطر في رمضان، سواء خافتا على نفسيهما أو على ولديهما، وهو قول عامة أهل العلم، ومنهم المذاهب الفقهية الأربعة: الحنفية، والمالكية، والشافعية، والحنابلة.

الدليل:

عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: ((إن الله تبارك وتعالى وضع عن المسافر شطر الصلاة، وعن الحامل والمرضع الصوم أو الصيام)).

أي وضع عنهما لزوم الصيام في أيام الحمل والرضاعة.

المبحث الثاني: ما يلزم الحامل والمرضع إذا أفطرتا

إذا أفطرت الحامل والمرضع خوفاً على نفسيهما أو على ولديهما، فعليهما القضاء فقط.

- فإذا كان الفطر خوفاً على نفسيهما، فهو بالإجماع، وقد حكاه ابن قدامة، والنووي.

- وأما إذا كان خوفاً على ولديهما فهو مذهب الحنفية، ووافقهم المالكية في الحامل.

الأدلة:

أولاً: من السنة:

عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: ((إن الله تبارك وتعالى وضع عن المسافر شطر الصلاة، وعن الحامل والمرضع الصوم أو الصيام)).

وجه الدلالة:

أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قرن الحامل والمرضع بالمسافر، وجعلهما معاً في معنى واحد، فصار حكمهما كحكمه، وليس على المسافر إلا القضاء لا يعدوه إلى غيره.

ثانياً: القياس:

قياساً على المريض الخائف على نفسه.

الفصل الخامس: أسباب أخرى مبيحة للفطر

• المبحث الأول: المهن الشاقة.

• المبحث الثاني: إرهاق الجوع والعطش.

• المبحث الثالث: الإكراه.

• المبحث الرابع: الجهاد في سبيل الله.

المبحث الأول: المهن الشاقة

أصحاب المهن الشاقة داخلون في عموم المكلفين، وليسوا في معنى المرضى والمسافرين، فيجب عليهم تبييت نية صوم رمضان، وأن يصبحوا صائمين، لكن من كان يعمل بأحد المهن الشاقة وكان يضره ترك عمله، وخشي على نفسه التلف أثناء النهار، أو لحوق مشقة عظيمة فإنه يُفطر على قدر حاجته بما يدفع المشقة فقط، ثم يمسك يقية يومه إلى الغروب ويفطر مع الناس، وعليه القضاء.

المبحث الثاني: إرهاق الجوع والعطش

من أرهقه جوع أو عطش شديد يخاف منه الهلاك فإنه يجب عليه الفطر، وعليه القضاء، ونص على ذلك المالكية والشافعية.

الأدلة:

أولا: من الكتاب:

- قوله تعالى: وَلاَ تَقْتُلُواْ أَنفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا [النساء:]

- قوله تعالى: وَلاَ تُلْقُواْ بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ [البقرة:]

ثانيا: القياس:

قياساً على المريض.

المبحث الثالث: الإكراه

• مطلب: حكم المستكرَه على الإفطار.

مطلب: حكم المستكرَه على الإفطار

الفرع الأول: إذا أكره الصائم على الفطر فأفطر بغير فعلٍ منه

من أُكرِهَ على الإفطار بغير فعلٍ منه بأن صُبَّ في حلقه ماء مثلاً، فلا يفطر بذلك، وهذا مذهب الشافعية، والحنابلة.

الدليل:

أولا: من الكتاب:

قوله تعالى: إِلا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالإيمَانِ [النحل:]

فاللهُ عز وجل رفع حكم الكفر عمن أُكْرِهَ عليه، فما دونه من باب أولى.

ثانيا: من السنة:

عن ابن عباس رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((إن الله تجاوز عن أمتي الخطأ، والنسيان، وما استُكْرِهُوا عليه)).

الفرع الثاني: إذا أكره الصائم على الفطر فأفطر بنفسه

إذا أُكره الصائم على الفطر فأفطر فلا إثم عليه، وصومه صحيح، وهو قول الشافعية، والحنابلة.

الدليل:

أولا: من الكتاب:

قوله تعالى: إِلا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالإيمَانِ [النحل:]

فاللهُ عز وجل رفع حكم الكفر عمن أُكْرِهَ عليه، فما دونه من باب أولى.

ثانيا: من السنة:

عن ابن عباس رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((إن الله تجاوز عن أمتي الخطأ، والنسيان، وما استكرهوا عليه)).

المبحث الرابع: الجهاد في سبيل الله

يباح الفطر للمجاهد في سبيل الله، وهو قول الحنفية، والمالكية، ورواية عن أحمد، وبه أفتى ابنُ تيمية العساكرَ الإسلامية لما لقوا العدو بظاهر دمشق، ونصره ابن القيم.

الدليل:

عن أبي سعيد رضي الله عنه قال: ((سافرنا مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إلى مكة ونحن صيام، قال فنزلنا منزلاً فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: إنكم قد دنوتم من عدوكم، والفطر أقوى لكم، فكانت رخصة، فمنا من صام ومنا من أفطر، ثم نزلنا منزلاً آخر،

فقال: إنكم مُصبِّحو عدوكم والفطر أقوى لكم فأفطروا، فكانت عزمة، فأفطرنا، ثم لقد رأيتنا نصوم بعد ذلك مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في السفر)) أخرجه مسلم ..

تمهيد

لا يُحكم بفساد صوم من ارتكب شيئاً من المفطرات إلا بشروطٍ ثلاثة:

الأول: أن يكون عالماً بالحكم الشرعي، وعالماً بالوقت، فإن كان جاهلاً بالحكم الشرعي أو بالوقت فصيامه صحيح.

الأدلة:

أولاً: من الكتاب:

- عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: (( ... فأنزل الله تعالى لاَ يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلاَّ وُسْعَهَا لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ رَبَّنَا لاَ تُؤَاخِذْنَا إِن نَّسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا [البقرة:] قال - أي الله سبحانه وتعالى -: قد فعلت)). أخرجه مسلم

- قوله تعالى: وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ فِيمَآ أَخْطَأْتُمْ بِهِ وَلكِن مَّا تَعَمَّدَتْ قُلُوبُكُمْ وَكَانَ اللهُ غَفُوراً رَّحِيماً [الأحزاب:]

ثانياً: من السنة:

- عن عديِّ بن حاتم رضي الله عنه ((أنه لما نزل قوله تعالى: وَكُلُواْ وَاشْرَبُواْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ ثُمَّ أَتِمُّواْ الصِّيَامَ إِلَى الَّليْلِ وَلاَ تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلاَ تَقْرَبُوهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ آيَاتِهِ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ [البقرة:] جعل تحت وسادته عقالين أبيض وأسود، وجعل ينظر إليهما، فلما تبين له الأبيض من الأسود، أمسك، فلما أصبح غدا إلى رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وأخبره بما صنع، فقال النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إنما ذلك بياض النهار وسواد الليل)). أخرجه البخاري ومسلم

ولم يأمره النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بالقضاء؛ لأنه كان غير عالمٍ بالحكم، حيث فهم الآية على غير المراد بها.

- عن أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنهما قالت: ((أفطرنا في عهد النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في يوم غيم، ثم طلعت الشمس)). أخرجه البخاري

ولم يُنقَل أن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أمرهم بالقضاء.

الثاني: أن يكون ذاكرا، والذكر ضده النسيان، فمن تناول شيئاً من المفطرات ناسياً فصيامه صحيح، وهو قول أكثر أهل العلم، لكن متى تَذكَّر، أو ذُكِّر وجب عليه الإمساك.

الأدلة:

أولا: من الكتاب:

- قوله تعالى: رَبَّنَا لاَ تُؤَاخِذْنَآ إِن نَّسِينَآ أَوْ أَخْطَأْنَا رَبَّنَا وَلاَ تَحْمِلْ عَلَيْنَآ إِصْرًا كَمَا حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِنَا رَبَّنَا وَلاَ تُحَمِّلْنَا مَا لاَ طَاقَةَ لَنَا بِهِ وَاعْفُ عَنَّا وَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَآ أَنتَ مَوْلَانَا فَانْصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ [البقرة:]

- قوله تعالى: وَلَكِنْ يُؤَاخِذُكُمْ بِمَا كَسَبَتْ قُلُوبُكُمْ [البقرة:]

والنسيان ليس من كسب القلب.

ثانيا: من السنة:

عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صَلَّى اللَّه عليه وسَلَّمَ قال: ((من نسي وهو صائم فأكل أو شرب فليتم صومه فإنما أطعمه الله وسقاه)). أخرجه البخاري ومسلم.

الثالث: أن يكون قاصداً مختاراً، فمن حصل له شيء من المفطرات بلا قصد، فصومه صحيحٌ ولا إثم عليه، وضد الاختيار الإكراه، فمن أكره على شيءٍ من المفطرات فلا إثم عليه، وصيامه صحيح.

الأدلة:

أولا: من الكتاب:

- قوله تعالى: ولكن مَّا تَعَمَّدَتْ قُلُوبُكُمْ وَكَانَ اللهُ غَفُوراً رَّحِيماً [الأحزاب:]

– قوله تعالى: إِلا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالإيمَانِ [النحل:]

فاللهُ عز وجل رفع حكم الكفر عمن أُكْرِهَ عليه، فما دونه من باب أولى.

ثانيا من السنة:

عن ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي صلَّى اللَّه عليه وَسَلَّمَ قال: ((وضع عن أمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه)).

وهو حديثٌ تشهد له النصوص.

المبحث الأول: ما يفسد الصيام ويوجب القضاء

• المطلب الأول: تناول الطعام والشراب.

• المطلب الثاني: خروج المني.

• المطلب الثالث: الاستقاء.

• المطلب الرابع: خروج دم الحيض والنفاس.

• المطلب الخامس: الجنون والإغماء.

• المطلب السادس: الردة.

• المطلب السابع: نية الإفطار.

• المطلب الثامن: الحجامة.

• المطلب التاسع: حكم الحقنة الشرجية.

المطلب الأول: تناول الطعام والشراب

الفرع الأول: تناول الطعام والشراب عمداً

المسألة الأولى: حكم تناول الطعام والشراب للصائم

من أكل أو شرب مما يتغذى به متعمداً، وهو ذاكرٌ لصومه فإن صومه يبطل.

الأدلة:

أولا: من الكتاب:

قوله تعالى: وَكُلُواْ وَاشْرَبُواْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ ثُمَّ أَتِمُّواْ الصِّيَامَ إِلَى الَّيْلِ [البقرة:]

فأباح الله تعالى الأكل والشرب إلى طلوع الفجر، ثم أمر بإتمام الصيام إلى الليل، وهذا معناه ترك الأكل والشرب في هذا الوقت.

ثانيا: من السنة:

ما جاء عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال فيما يرويه عن ربه: ((يترك طعامه وشرابه وشهوته من أجلي)). أخرجه البخاري ومسلم.

ثالثا الإجماع:

حكى الإجماع على ذلك ابن حزم، وابن قدامة.

المسألة الثانية: ما يترتب على الإفطار عمدا بطعام أو شراب

- القضاء

يلزم من أفطر متعمدا بتناول الطعام أو الشراب، القضاء، وعلى هذا عامة أهل العلم، أما الكفارة فلا تجب عليه في أرجح قولي أهل العلم، وهو مذهب الشافعية، والحنابلة، ورجحه ابن المنذر، والنووي.

الأدلة:

أما القضاء فقياساً على المريض والمسافر الذين أوجب الله عليهما القضاء مع وجود العذر، فلأن يجب مع عدم العذر أولى.

وأما عدم وجوب الكفارة فدليله:

- عدم ورود نص من الكتاب أو السنة يوجب ذلك، والأصل براءة الذمة.

- عدم صحة القياس على الجماع في نهار رمضان، فقد ورد النص في الجماع وما سواه ليس في معناه؛ لأن الجماع أغلظ.

- الإمساك

يلزم من أفطر بالأكل والشرب متعمداً الإمساك بقية يومه، وإلى هذا ذهب جماهير أهل العلم؛ واجتمعت عليه كلمة المذاهب الفقهية: الحنفية، والمالكية، والشافعية، والحنابلة، والظاهرية؛ وذلك لأنه أفطر بدون عذر فلزمه إمساك بقية النهار، وفطرُهُ عمداً لم يُسقِط عنه ما وجب عليه من إتمام الإمساك.

الفرع الثاني: تناول الطعام والشراب نسيانا

من أكل أو شرب ناسياً، فلا شيء عليه ويتم صومه، ذهب إلى ذلك جمهور أهل العلم من الحنفية، والشافعية، والحنابلة.

الأدلة:

أولا: من الكتاب:

عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: (( ... فأنزل الله تعالى لاَ يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلاَّ وُسْعَهَا لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ رَبَّنَا لاَ تُؤَاخِذْنَا إِن نَّسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا [البقرة:] قال - أي الله سبحانه وتعالى -: قد فعلت)). أخرجه مسلم

ثانيا: من السنة:

عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صَلَّى اللَّه عليه وسَلَّمَ قال: ((من نسي وهو صائم فأكل أو شرب فليتم صومه فإنما أطعمه الله وسقاه)). أخرجه البخاري ومسلم

الفرع الثالث: حكم من ابتلع ما بين أسنانه وهو صائم

من ابتلع ما بين أسنانه وهو صائم وكان يسيراً لا يمكن لفظه مما يجري مع الريق فصومه صحيح؛ وذلك لأنه لا يمكن التحرز منه فأشبه الريق، وقد حكى الإجماع على ذلك ابن المنذر.

أما إن كان يمكنه لفظه فابتلعه فإنه يفطر، وقد ذهب إلى ذلك أكثر أهل العلم؛ وذلك لأنه بلع طعاما يمكنه لفظه باختياره ذاكرا لصومه فأفطر به، كما لو ابتدأ الأكل.

الفرع الرابع: حكم ابتلاع الصائم ما لا يؤكل في العادة

إذا ابتلع الصائم ما لا يُؤكَلُ في العادة كدرهمٍ أو حصاةٍ أو حشيشٍ أو حديدٍ أو خيطٍ أو غير ذلك أفطر، وقد ذهب إلى ذلك جماهير العلماء من السلف والخلف.

الدليل:

- أنه في حكم الأكل؛ فإنه يقال: أكل حصاة، فيكون حكمه حكم الأكل.

- قول ابن عباس رضي الله عنهما: الفطر مما دخل وليس مما خرج.

الفرع الخامس: حكم شرب الدخان أثناء الصوم

شرب الدخان المعروف أثناء الصوم يفسد الصيام، وهذا باتفاق الفقهاء؛ وذلك لأن الدخان له جرمٌ ينفذ إلى الجوف، فهو جسمٌ يدخل إلى الجوف، فيكون مفطراً كالماء؛ ولأنه يسمَّى شرباً عرفاً وصاحبه يتعمد إدخاله في جوفه من منفذ الأكل والشرب فيكون مفطرا.

المطلب الثاني: خروج المني

الفرع الأول: الاستمناء في نهار رمضان

أولاً: تعريف الاستمناء

الاستمناء لغة: مصدر استمنى، أي: طلب خروج المني.

الاستمناء اصطلاحاً: إخراج المني؛ استدعاءً لشهوةٍ بغير جماع، سواء أخرجه بيده، أو بيد زوجته.

ثانياً: حكم من استمنى فى نهار رمضان

من استمنى فقد فسد صومه، وعليه القضاء، وهذا قول عامة الحنفية، والشافعية، والحنابلة.

الأدلة:

- من السنة:

عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((يقول الله عز وجل: الصوم لي وأنا أجزي به يدع شهوته وأكله وشربه من أجلي)). أخرجه البخاري ومسلم.

واستدعاءُ المني شهوةٌ بلا شك.

- من القياس:

فقد جاءت السنة بفطر الصائم بالاستقاء إذا قاء، وهو يضعف البدن، فخروج الطعام يضعف البدن؛ لأن المعدة تبقى خالية فيجوع الإنسان ويعطش سريعاً. وخروج المني يحصل به ذلك فيفتر البدن بلا شك؛ ولهذا أمر بالاغتسال ليعود النشاط إلى البدن، فيكون هذا قياساً على من استقاء عمداً.

- ولا كفارة فيه؛ لأن النص إنما ورد في الجماع، والاستمناء ليس مثله.

الفرع الثاني: حكم من باشر أو قبل أو لمس فأنزل

من أنزل المني بمباشرة دون الفرج أو بتقبيل أو لمس، فإنه يفطر بذلك، وعليه القضاء فقط.

الدليل:

الإجماع:

فقد حكى الإجماع على ذلك ابن قدامة، والماوردي.

ولا كفارة عليه كما هو مذهب الحنفية، والشافعية، والحنابلة؛ وذلك لأن النص إنما ورد في الجماع فقط، وما سواه ليس في معناه؛ لأن الجماع أغلظ.

الفرع الثالث: حكم من كرر النظر حتى أنزل

من كرَّر النظر حتى أنزل، فقد ذهب الحنابلة، وبعض أهل العلم، إلى أنه يفطر ولا كفارة عليه

وذلك لأن النظرة الواحدة لا تفسد؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: ((لك الأولى وليست لك الآخرة)). والإنسان لا يستطيع اجتناب هذا، بخلاف تكرار النظر؛ فإن فيه استدعاء المني، فيكون حكمه حكم الاستمناء.

ولا كفارة فيه؛ لأن النص إنما ورد في الجماع، وتكرار النظر ليس مثله.

الفرع الرابع: حكم من أنزل بتفكير مجرد عن العمل

من أنزل بتفكيرٍ مجردٍ عن العمل فلا يفطر، سواء كان تفكيراً مستداماً أو غير مستدام، وقد ذهب إلى ذلك الجمهور من الحنفية، والشافعية، والحنابلة.

الدليل:

عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((إن الله تجاوز لأمتي عما وسوست أو حدثت به أنفسها، ما لم تعمل به أو تكلم)). أخرجه البخاري ومسلم.

والفكر من حديث النفس.

الفرع اخامس: حكم من نام فاحتلم في نهار رمضان

من نام فاحتلم في نهار رمضان فصومه صحيح.

الدليل:

الإجماع:

نقل الإجماع على ذلك ابن عبد البر، والنووي، وابن تيمية.

الفرع السادس: حكم خروج المذي من الصائم

خروج المذي من الصائم لا ينقض صومه، وقد ذهب إلى ذلك الحنفية، والشافعية، وهي إحدى الروايتين عن أحمد، واختاره ابن المنذر والصنعاني؛ وابن عثيمين، وذلك لأنه خارجٌ لا يوجب الغسل فأشبه البول، وقياسه على المني لا يصح لمخالفته في الأحكام فهو قياسٌ مع الفارق، ولأن الشهوة لا تنكسر به مثل المني؛ وأيضا لعدم ورود النص على كونه مفطرا، والأصل صحة الصوم؛ وكذلك لأن الشرع أباح التقبيل والمباشرة لمن يملك نفسه، والتي يكون حاصلها المذي.

المطلب الثالث: الاستقاء

ذهب أكثر أهل العلم إلى أن من استقاء متعمدا، فقد أفطر، ويلزمه القضاء ولا كفارة عليه، وأجمعوا على أنَّ من غلبه القيء فلا شيء عليه.

واستشهدوا بحديث أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((من ذرعه القيء فلا قضاء عليه، ومن استقاء فعليه القضاء)).

المطلب الرابع: خروج دم الحيض والنفاس

الفرع الأول: حكم صوم من حاضت أو نفست أثناء نهار رمضان

من حاضت أو نفست أثناء نهار رمضان، فقد فسد صومها، ويلزمها قضاؤه.

الأدلة:

أولا: من السنة:

- عن أبي سعيدٍ الخدري رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (( ... أليس إذا حاضت لم تصل ولم تصم)). أخرجه البخاري ومسلم.

- قول عائشة رضي الله عنها لما سُئلت: ((ما بال الحائضِ تقضي الصَّوم، ولا تقضي الصَّلاة؟ قالت: كان يُصيبُنا ذلك على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلّم فنؤمر بقضاء الصَّوم، ولا نؤمر بقضاء الصَّلاة)). أخرجه البخاري ومسلم.

ثانيا: الإجماع:

أجمع أهل العلم على ذلك، وممن نقله ابن حزم، والنووي، وابن تيمية.

الفرع الثاني: حكم إمساك بقية اليوم لمن فسد صومها بخروج دم الحيض أو النفاس

من فسد صومها بخروج دم الحيض أو النفاس فإنه لا يلزمها إمساك باقي اليوم، ذهب إلى ذلك الجمهور من الحنفية، والمالكية، والشافعية، ورجحه ابن المنذر؛ وذلك لأنها ليست بأهل للصوم، والتشبُّهُ بأهل العبادة لا يصح من غير الأهل؛ ولأن الحيض لو كان موجودا في أول النهار لم تؤمر بالصيام.

المطلب الخامس: الجنون والإغماء

الفرع الأول: حكم صوم من نوى الصيام بالليل ثم أصيب بالجنون ولم يفق إلا بعد غروب الشمس

من نوى الصيام بالليل ثم أصيب بالجنون ولم يفق إلا بعد غروب الشمس، فإن صومه يبطل، وقد ذهب إلى ذلك جمهور أهل العلم: المالكية، والشافعية، والحنابلة.

الدليل:

عن علي رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((رفع القلم عن ثلاثة ... ))، وذكر منهم: ((المجنون حتى يفيق))

الفرع الثاني: حكم القضاء على المجنون

لا يلزم المجنون القضاء عند الشافعية، والحنابلة، واختاره ابن حزم، والألباني.

الدليل:

أن المجنون رفع عنه التكليف؛ لحديث ((رفع القلم عن ثلاثة)) وذكر منهم ((المجنون حتى يفيق)). وما لم يُكلَّف به لا يجب عليه أداؤه ولا قضاؤه.

الفرع الثالث: حكم من نوى الصيام بالليل ثم أغمي عليه ولم يفق إلا بعد غروب الشمس

من نوى الصيام بالليل ثم أغمي عليه ولم يفق إلا بعد غروب الشمس، فإن صومه لا يصح، ويلزمه القضاء، وقد ذهب إلى ذلك جمهور أهل العلم: المالكية، والشافعية، والحنابلة.

الدليل:

قوله تعالى: فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ [البقرة:]

والإغماء مرض.

الفرع الرابع: حكم من نوى الصيام بالليل ثم أغمي عليه ثم أفاق في النهار

من نوى الصيام بالليل ثم أغمي عليه ثم أفاق في النهار ولو جزءاً منه، فإن صومه صحيح، وهو المذهب عند الشافعية، والحنابلة، وقولٌ للمالكية؛ وذلك لأنه قصد الإمساك في جزءٍ من النهار فصح صومه كما لو نام بقية يومه.

الفرع الخامس: حكم من نام جميع النهار

من نام جميع النهار، فصومه صحيحٌ عند عامة أهل العلم؛ وذلك لأنه عادة ولا يزيل الإحساس بالكلية؛ ولأنه إذا نُبِّه انتبه، فهو كذاهلٍ وساهٍ.

المطلب السادس: الردة

الفرع الأول: حكم صوم من ارتد عن الإسلام

من ارتد عن الإسلام فسد صومه، وقد حكى ابن قدامة الإجماع على ذلك

الدليل:

قوله تعالى: لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ [الزمر:].

الفرع الثاني: حكم قضاء من ارتد أثناء صيامه

يلزم من ارتد أثناء صيامه أن يقضي هذا اليوم، وقد حكى ابن قدامة الإجماع على ذلك؛ وذلك لأن الصوم عبادة من شرطها النية فأبطلتها الردة كالصلاة والحج؛ ولأنه عبادة محضة فنافاها الكفر كالصلاة.

الفرع الثالث: حكم قضاء ما تركه المرتد من صيامٍ في زمن ردته

من ارتد لا يلزمه قضاء ما تركه زمن الردة من صيام، وهو مذهب الجمهور: الحنفية، والمالكية، والحنابلة.

الأدلة:

أولاً: من الكتاب:

قول الله سبحانه: قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ يَنْتَهُوا يُغْفَرْ لَهُمْ مَا قَدْ سَلَفَ [الأنفال:]

تناولت الآية كل كافر سواء كان أصليًّا أم مرتداً

ثانياً: من السنة:

عن عمرو بن العاص رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((الإسلام يهدم ما كان قبله)). أخرجه مسلم

المطلب السابع: نية الإفطار

من نوى الإفطار في نهار رمضان، فقد أفطر، وإن لم يتناول شيئا من المفطرات، وذهب إلى ذلك المالكية، والحنابلة، وهو قولٌ عند الشافعية، واختاره ابن حزم.

الدليل:

عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((إنما الأعمال بالنيات)). أخرجه البخاري ومسلم.

فما دام ناوياً للصيام فهو صائم، وإذا نوى الإفطار أفطر، فالصوم عبارةٌ عن نية، فإذا نوى قطعها انقطعت، كالصلاة إذا نوى قطعها فإنها تنقطع.

المطلب الثامن: الحجامة

الفرع الأول: حكم الحجامة للصائم

من احتجم وهو صائم، فقد اختلف فيه أهل العلم على أقوال، منها:

القول الأول: أن صومه لا يفسد، وهو مذهب جمهور أهل العلم من الحنفية، والمالكية، والشافعية.

الأدلة:

- عن ابن عباس رضي الله عنهما ((عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه احتجم وهو صائم)). أخرجه البخاري ومسلم

- عن أنس بن مالك رضي الله عنه أنه سُئِل: ((هل كنتم تكرهون الحجامة؟ فقال: لا، إلا من أجل الضعف)). أخرجه البخاري ومسلم

والأحوط أن تؤجَّل الحجامة إلى الليل خروجاً من خلاف جماعة من أهل العلم.

القول الثاني: أنها تفسد صومه، وهو من مفردات مذهب الحنابلة، وبه قال ابن تيمية، وابن باز، وابن عثيمين.

الدليل:

عن شداد بن أوس رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((أفطر الحاجم والمحجوم))

الفرع الثاني: حكم الفصد وأخذ الدم للتحليل وغيره

الفصد وأخذ الدم للتحليل أو للتبرع، اختلف فيه أهل العلم على قولين:

القول الأول: لا يفسد الصوم؛ بناءً على ما ذهب إليه الجمهور من عدم الفطر بالحجامة وإن كان الأولى تأخير ذلك إلى الليل، وهو اختيار ابن باز.

القول الثاني: يفسد الصوم، وهو أحد الوجهين في مذهب الحنابلة، واختاره ابن تيمية، واختار ابن عثيمين فساد الصوم بالفصد والتبرع قياساً على الحجامة، وعدم فساده بتحليل الدم.

الدليل:

القياس:

قياساً على الحجامة.

المطلب التاسع: حكم الحقنة الشرجية

من احتقن وهو صائم فلا يفسد صومه، وقد ذهب إلى ذلك أهل الظاهر، وهو قول طائفةٍ من المالكية، والقاضي حسين من الشافعية، وبه قال الحسن بن صالح، واختاره ابن تيمية، وابن عثيمين.

وذلك للآتي:

- أن الحقنة لا تغذي، بل تستفرغ ما في البدن.

- ولأن الصيام أحد أركان الإسلام، ويحتاج إلى معرفته المسلمون، فلو كانت هذه الأمور من المفطرات لذكرها الرسول صلى الله عليه وسلم، ولو ذكر ذلك لعلمه الصحابة، ونقل إلينا.

- كما أن الأصل صحة الصيام حتى يقوم دليل على فساده.

ولو أخر الحقن إلى الليل لكان أفضل؛ خروجاً من الخلاف، فقد ذهب الجمهور إلى أنه يفطر بذلك.

المطلب التاسع: القطرة في الأنف استعمال القطرة في الأنف في نهار رمضان أو السعوط يفسد الصوم، وقد ذهب إلى ذلك جمهور أهل العلم من الحنفية، والمالكية، والشافعية، والحنابلة

الدليل:

قول النبي صلى الله عليه وسلم في حديث لقيط بن صبرة: ((وبالغ في الاستنشاق إلا أن تكون صائماً)).

فالحديث يدل على أنه لا يجوز للصائم أن يقطر في أنفه ما يصل إلى معدته، فالأنف منفذ إلى الحلق ثم المعدة كما هو معلوم بدلالة السنة، والواقع، والطب الحديث. كما أن نهي النبي صلى الله عليه وسلم عن المبالغة في الاستنشاق يتضمن النهي عن إدخال أي شيء عن طريق الأنف ولو كان يسيراَ لأن الداخل عن طريق المبالغة شيء يسير.

مطلب: الجماع

الفرع الأول: حكم صوم من جامع متعمداً في نهار رمضان

من جامع متعمداً في نهار رمضان فسد صومه.

الأدلة:

أولاً: من الكتاب:

قوله تعالى: أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ الرَّفَثُ إِلَى نِسَائِكُمْ هُنَّ لِبَاسٌ لَكُمْ وَأَنْتُمْ لِبَاسٌ لَهُنَّ عَلِمَ اللَّهُ أَنَّكُمْ كُنْتُمْ تَخْتَانُونَ أَنْفُسَكُمْ فَتَابَ عَلَيْكُمْ وَعَفَا عَنْكُمْ فَالْآنَ بَاشِرُوهُنَّ وَابْتَغُوا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ [البقرة:]

وجه الدلالة:

أن الشارع علق حل الرفث إلى النساء وهو الجماع إلى تبين الخيط الأبيض من الأسود من الفجر وهو وقت بداية الصيام، ثم يجب إتمام الصيام والإمساك عن ذلك إلى الليل فإذا وجد الجماع قبل الليل فإن الصيام حينئذ لم يتم فيكون باطلا.

ثانيا: من السنة:

عن أبي هريرة رضي الله عنه ((أن النبي صلى الله عليه وسلم جاء إليه رجل فقال: هلكت يا رسول الله قال: وما أهلكك؟ قال: وقعت على امرأتي في رمضان، فقال: هل تجد ما تعتق؟ قال: لا. قال: هل تستطيع أن تصوم شهرين متتابعين؟ قال: لا. قال: فهل تجد إطعام ستين مسكينا؟ قال: لا. قال: فمكث النبي صلى الله عليه وسلم، فبينا نحن على ذلك أُتِيَ النبيُّ صلى الله عليه وسلم بعرق فيها تمر - والعرق: المكتل - قال: أين السائل؟ فقال: أنا. قال: خذ هذا فتصدق به. فقال الرجل: على أفقر مني يا رسول الله؟ فوالله ما بين لابتيها - يريد الحرتين - أهل بيت أفقر من أهل بيتي. فضحك النبي صلى الله عليه وسلم حتى بدت أنيابه، ثم قال: أطعمه أهلك)). أخرجه البخاري ومسلم

ثالثا: الإجماع:

انعقد الإجماع على حرمة الجماع في نهار رمضان وعلى كونه مفطرا، وممن نقل ذلك ابن المنذر، وابن قدامة، وابن تيمية.

الفرع الثاني: ما يترتب على الجماع في نهار رمضان

يترتب على الجماع في نهار رمضان الأمور التالية:

أولا: الكفارة

تجب الكفارة على المجامع في قول عامة أهل العلم، فيعتق رقبة، فإن لم يجد فيصوم شهرين متتابعين، فإن لم يستطع فيطعم ستين مسكيناً.

الدليل:

حديث أبي هريرة رضي الله عنه وفيه ((أن النبي صلى الله عليه وسلم قال للمواقع أهله في رمضان: هل تجد ما تعتق؟ قال: لا. قال: هل تستطيع أن تصوم شهرين متتابعين؟ قال: لا. قال: فهل تجد إطعام ستين مسكيناً؟ قال: لا)). أخرجه البخاري ومسلم

والكفارة المذكورة على الترتيب في قول جمهور أهل العلم من الحنفية، والشافعية، والحنابلة، والظاهرية؛ لحديث أبي هريرة رضي الله عنه.

ثانيا: القضاء

ويلزم المجامع في نهار رمضان أيضا مع الكفارة قضاء ذلك اليوم الذي أفسده بالجماع، ذهب إلى ذلك جمهور أهل العلم من الحنفية، والمالكية والشافعية، والحنابلة.

الفرع الثالث: ما يلزم المرأة إذا جومعت في نهار رمضان طائعة

يلزم المرأة إذا جومعت في نهار رمضان طائعةً، القضاء، والكفارة، وهو مذهب جمهور أهل العلم من الحنفية، والمالكية، والشافعية - إلا أن الشافعية أوجبوا القضاء دون الكفارة -، والحنابلة.

- أما القضاء فلأنه فاتها الصيام بلا عذر فوجب عليها القضاء.

- وأما الكفارة فقياساً على الرجل؛ لأن الأحكام الشرعية تستوي فيها المرأة مع الرجل، ما لم يدل دليل عل خلافه، والمرأة هتكت صوم رمضان بالجماع فوجبت عليها الكفارة كالرجل.

- ولأن الكفارات لا يُتشارك فيها، فكل منهما حصل منه ما ينافي الصيام من الجماع، فكان على كل منهما كفارة.

الفرع الرابع: حكم من جامع ناسياً

من جامع ناسياً، فصومه صحيح ولا يلزمه شيء، ذهب إلى ذلك الحنفية، والشافعية، وهو قول طائفة من السلف، واختاره ابن تيمية، وابن القيم، والصنعاني، والشوكاني.

الأدلة:

أولا: من السنة:

- ما ورد عن أبي هريرة مرفوعا بلفظ: ((من أفطر في شهر رمضان ناسيا فلا قضاء عليه ولا كفارة)).

وجه الدلالة:

أن الفطر هنا أعم من أن يكون بأكل أو شرب فيشمل الجماع.

- الأحاديث الواردة في الكفارة في الجماع في بعضها ((هلكت))، وفي بعضها ((احترقت احترقت))، وهذا لا يكون إلا في عامد، فإن الناسي لا إثم عليه بالإجماع.

ثانيا: القياس

القياس على الأكل والشرب ناسياً، فالحديث صح أن أكل الناسي لا يفطر والجماع في معناه، وإنما خص الأكل والشرب بالذكر لكونهما أغلب وقوعا، ولعدم الاستغناء عنهما غالبا.

الفرع الخامس: حكم من تكرر منه الجماع في يوم واحد

من تكرر منه الجماع في يوم واحد يكفيه كفارة واحدة إذا لم يكفر، بلا خلافٍ بين أهل العلم؛ وذلك لأنه أبطل صيام يوم واحد ولم يكفر فتتداخل الكفارات لأن الموجب لها واحد.

- أما إذا تكرر منه الجماع في يوم واحد وكفر عن الأول فلا تلزمه كفارة ثانية، عند الجمهور: أبي حنيفة، ومالك، والشافعي؛ وذلك لأنه لم يصادف صوما منعقدا، فلم يوجب شيئا، بخلاف المرة الأولى، فالجماع الثاني ورد على صوم غير صحيح، فهو لا يسمى صائما.

الفرع السادس: حكم من تكرر منه الجماع في يومين فأكثر

إن تكرر منه الجماع في يومين فأكثر فتلزمه كفارة لكل يوم جامع فيه سواء كفر عن الجماع الأول أم لا، ذهب إلى ذلك جمهور أهل العلم من المالكية، والشافعية، والحنابلة، وهو قولٌ لجمعٍ من السلف؛ وذلك لأن صوم كل يوم عبادة منفردة، فإذا وجبت الكفارة بإفساده، لم تتداخل كفاراتها.

الفرع السابع: حكم صوم من وطئ في الدبر

من وطئ في الدبر أفطر وعليه القضاء والكفارة وإليه ذهب جمهور أهل العلم من الحنفية، واالمالكية والشافعية والحنابلة، لأنه وطء؛ فأفسد صوم رمضان وأوجب الكفارة؛ ولأنه يوجب الحد كالجماع , فكذلك يفسد الصوم ويوجب الكفارة؛ ولأنه محل مشتهى, فتجب فيه الكفارة كالوطء في القبل.

الفرع الثامن: حكم من جامع في قضاء رمضان عامداً

من جامع في قضاء رمضان عامداً فلا كفارة عليه، وقد ذهب إلى ذلك جماهير أهل العلم؛ وذلك لانعدام حرمة الشهر؛ ولأن النص بوجوب الكفارة ورد فيمن جامع في نهار رمضان فلا يتعداه.

المبحث الثالث: بعض المسائل المعاصرة وما يفسد الصوم منها وما لا يفسده

• المطلب الأول: الغسيل الكلوي.

• المطلب الثاني: بخَّاخ الربو.

• المطلب الثالث: الأقراص التي توضع تحت اللسان.

• المطلب الرابع: غاز الأكسجين.

• المطلب الخامس: الإبر العلاجية.

• المطلب السادس: التحاميل (اللبوس).

• المطلب السابع: إدخال القثطرة، أو المنظار، أو إدخال دواء، أو محلول لغسل المثانة، أو مادة تساعد على وضوح الأشعة.

• المطلب الثامن: التقطير في فرج المرأة والتحاميل المهبلية وضخ صبغة الأشعة وغير ذلك.

المطلب الأول: الغسيل الكلوي

من أجري له غسيل كلوي بأي وسيلة كانت فإنه يفطر بذلك، وهذا قول ابن باز، واللجنة الدائمة؛ وذلك لأن غسيل الكلى مهما كانت صورته فإنه لا يخلو من دخول المفطر، فهو يزود الجسم بالدم النقي, وقد يزود بمادة غذائية أخرى, فاجتمع مفطران تزويد الجسم بالدم النقي، وتزويده بالمواد المغذية.

المطلب الثاني: بخَّاخ الربو

استعمال بخاخ الربو في نهار رمضان لا يفسد الصوم، وقد رجح ذلك ابن باز، وابن عثيمين، وغيرهما، وذهب إليه أكثر المجتمعين في الندوة الفقهية الطبية التاسعة التابعة للمنظمة الإسلامية للعلوم الطبية بالكويت (سنة م)

وذلك للآتي:

- أن الرذاذ الذي ينفثه بخاخ الربو عبارة عن هواء، حدوده الرئتان ومهمته توسيع شرايينها وشعبها الهوائية التي تضيق بالربو وهذا الرذاذ الأصل أنه لا يصل إلى المعدة، فليس أكلاً ولا شرباً ولا هو في معناهما. - ولأنه لو دخل شيء من بخاخ الربو إلى المريء ومن ثم إلى المعدة فهو قليل جداً، فالعبوة الصغيرة تشتمل على مليلتر من الدواء السائل وهذه الكمية وضعت لمائتي بخة فالبخة الواحدة تستغرق نصف عشر مليلتر وهذا شيء يسير جدًّا.

- ولأنه لما أبيح للصائم المضمضة والاستنشاق مع بقاء شيء من أثر الماء يدخل المعدة مع بلع الريق فكذلك لا يضر الداخل إلى المعدة من بخاخ الربو قياساً على المتبقي من المضمضة.

- وبالقياس على استعمال السواك، فقد ذكر الأطباء أن السواك يحتوي على ثمانية مواد كيميائية، تقي الأسنان، واللثة من الأمراض، وهي تنحل باللعاب وتدخل البلعوم، وقد جاء في صحيح البخاري معلقاً، ووصله عبد الرزاق عن عامر بن ربيعة قال: ((رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يستاك وهو صائم ما لا أحصي))، فإذا كان قد عُفي عن هذه المواد التي تدخل إلى المعدة؛ لكونها قليلة وغير مقصودة، فكذلك ما يدخل من بخاخ الربو يعفى عنه للسبب ذاته.

- كما أن دخول شيءٍ إلى المعدة من بخاخ الربو أمر ليس قطعيًّا، بل مشكوك فيه، أي قد يدخل وقد لا يدخل، والأصل صحة الصيام وهو اليقين، فلا يزول بالشك.

المطلب الثالث: الأقراص التي توضع تحت اللسان

الفرع الأول: التعريف بالأقراص التي توضع تحت اللسان

هي أقراص توضع تحت اللسان لعلاج بعض الأزمات القلبية، وهي تمتص مباشرة بعد وضعها بوقت قصير، ويحملها الدم إلى القلب، فتوقف أزماته المفاجئة، ولا يدخل إلى الجوف شيء من هذه الأقراص.

الفرع الثاني: حكم الأقراص التي توضع تحت اللسان

تناول هذه الأقراص لا يفسد الصوم بشرط ألا يبتلع شيئاً مما يتحلل منها، وهذا ما ذهب إليه ابن باز، وقرره مجمع الفقه الإسلامي بالإجماع.

وذلك للآتي:

- أنها ليست أكلاً ولا شرباً ولا في معناهما.

- ولأنه لا يدخل منها شيء إلى الجوف إنما تقوم الأوعية الدموية الموجودة تحت اللسان بامتصاص المادة الدوائية، وقد أجمع أهل العلم على عدم الفطر بما نفذ من المسام، ولا فرق بين أن تكون المسام خارج الفم أو داخله.

- كما أن الأصل صحة الصيام ولا يحكم بفساده إلا بيقين.

المطلب الرابع: غاز الأكسجين

استعمال غاز الأكسجين في التنفس لا يفسد الصيام، وذهب إلى ذلك مجمع الفقه الإسلامي التابع لمنظمة المؤتمر الإسلامي في دورته العاشرة؛ وذلك لأنه مجرد غاز يدخل إلى الجهاز التنفسي ولا يقول أحد إن تنفس الهواء أو استنشاقه يفسد الصوم. ولأنه لا يحتوي على أي مواد مغذية أو غيرها ولا ينال المعدة من سيولته شيء.

المطلب الخامس: الإبر العلاجية

الفرع الأول: الإبرة العلاجية غير المغذية

استعمال الحقنة غير المغذية لا يفسد الصوم سواء كانت الحقنة في العضل أو الوريد أو تحت الجلد، وقد ذهب إلى ذلك ابن باز، وابن عثيمين، وغيرهما، وهو من قرارات المجمع الفقهي، وفتاوى اللجنة الدائمة، وفتاوى قطاع الإفتاء بالكويت. وذلك للآتي:

- أن الأصل صحة الصوم حتى يقوم دليل على فساده.

- ولأن هذه الإبرة ليست أكلاً، ولا شرباً، ولا بمعنى الأكل والشرب، وعلى هذا فينتفي عنها أن تكون في حكم الأكل والشرب.

الفرع الثاني: الإبرة الوريدية المغذية

استعمال الحقن الوريدية المغذية يفسد الصيام، وهو قول ابن باز وابن عثيمين، وهو من قرارات المجمع الفقهي، وفتاوى اللجنة الدائمة؛ وذلك لأن الإبر المغذية في معنى الأكل والشرب، فإن المتناول لها يستغني بها عن الأكل والشرب.

المطلب السادس: التحاميل (اللبوس)

استعمال التحاميل (اللبوس) في نهار رمضان لا يفسد الصوم، وهو مقتضى مذهب أهل الظاهر، وجماعة من المالكية، وإليه ذهب ابن عثيمين، وأكثر المجتمعين في الندوة الفقهية الطبية التاسعة التابعة للمنظمة الإسلامية للعلوم الطبية بالكويت.

وذلك للآتي:

- أنها ليست أكلاً، ولا شرباً، ولا بمعنى الأكل والشرب، والشارع إنما حرم علينا الأكل والشرب ولا يصل إلى المعدة محل الطعام والشراب.

- ولأن التحاميل تحتوي على مادة دوائية، وليس فيها سوائل نافذة إلى الجوف، وقدرة الأمعاء على امتصاصها ضعيفة جدا.

المطلب السابع: إدخال القثطرة، أو المنظار، أو إدخال دواء، أو محلول لغسل المثانة، أو مادة تساعد على وضوح الأشعة

إذا أدخل الصائم في إحليله مائعاً أو دهناً فإنه لا يفطر، وهو مذهب جمهور أهل العلم من الحنفية، والمالكية، والحنابلة

ولا يفطر كذلك إدخال القثطرة، أو المنظار، أو إدخال دواء، أو محلول لغسل المثانة، أو مادة تساعد على وضوح الأشعة، وهذا ما قرره مجمع الفقه الإسلامي

وذلك للآتي: - أنه ليس بين باطن الذكر والجوف منفذ فقد ظهر من خلال علم التشريح عدم وجود علاقة مطلقاً بين مسالك البول والجهاز الهضمي، وأن الجسم لا يمكن أن يتغذى مطلقاً بما يدخل إلى مسالك البول.

- كما أن الأصل صحة الصيام.

المطلب الثامن: التقطير في فرج المرأة والتحاميل المهبلية وضخ صبغة الأشعة وغير ذلك

التقطير في فرج المرأة غير مفسد للصيام، وكذلك التحاميل المهبلية وضخ صبغة الأشعة, وهو ما قرره مجمع الفقه الإسلامي

فقد أثبت الطب الحديث أنه لا منفذ بين الجهاز التناسلي للمرأة وبين الجهاز الهضمي.

الفصل الثاني: ما يكره للصائم وما يباح له

• المبحث الأول: ما يكره للصائم.

• المبحث الثاني: ما يباح للصائم.

المبحث الأول: ما يكره للصائم

• المطلب الأول: المبالغة في المضمضة والاستنشاق.

• المطلب الثاني: الوصال.

• المطلب الثالث: ذوق الطعام بغير حاجة.

• المطلب الرابع: القبلة والملامسة وما شابههما لمن تتحرك شهوته عند ذلك.

المطلب الأول: المبالغة في المضمضة والاستنشاق

تكره المبالغة في المضمضة والاستنشاق للصائم، وقد حكى الإجماع على ذلك ابن قدامة.

الدليل:

عن عاصم بن لقيط بن صبرة عن أبيه قال: ((قلت: يا رسول الله أخبرني عن الوضوء، قال: أسبغ الوضوء، وبالغ في الاستنشاق إلا أن تكون صائما)).

المطلب الثاني: الوصال

يكره الوصال في الصوم عند أكثر أهل العلم، وهو مذهب الحنفية، والمالكية، والحنابلة، ووجه عند الشافعية،.

الدليل:

عن أبي سعيد رضي الله عنه أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول: ((لا تواصلوا فأيكم إذا أراد أن يواصل فليواصل حتى السحر. قالوا: فإنك تواصل يا رسول الله. قال: إني لست كهيئتكم إني أبيت لي مطعم يطعمني وساق يسقيني)). أخرجه البخاري

فالنهي في الحديث محمولٌ على الكراهة؛ لأن النهي وقع رفقاً ورحمة وشفقة على الأمة كيلا يشق عليهم، ولهذا واصل النبي صلى الله عليه وسلم.

المطلب الثالث: ذوق الطعام بغير حاجة

يكره ذوق الطعام بغير حاجة، وهذا مذهب جمهور أهل العلم: الحنفية، والمالكية، والشافعية، والحنابلة.

وذلك لأنه ربما ينزل شيء من هذا الطعام إلى جوفه من غير أن يشعر به، فيكون في ذوقه لهذا الطعام تعريض لفساد الصوم، وأيضاً ربما يكون مشتهياً للطعام كثيراً، فيتذوقه لأجل أن يتلذذ به، وربما يمتصه بقوة، ثم ينزل إلى جوفه.

المطلب الرابع: القبلة والملامسة وما شابههما لمن تتحرك شهوته عند ذلك

تكره القبلة والملامسة وما شابههما لمن تتحرك شهوته عند ذلك، ويخشى على نفسه من الوقوع في الحرام، سواء بالجماع في نهار رمضان، أو بالإنزال، وهو مذهب جمهور أهل العلم من الحنفية، والمالكية، والشافعية، والحنابلة.

الأدلة:

- عن أبي هريرة رضي الله عنه ((أن رجلاً سأل النبي صلى الله عليه وسلم عن المباشرة للصائم، فرخص له. وأتاه آخر فسأله، فنهاه، فإذا الذي رخص له شيخ، والذي نهاه شاب)).

فالشاب أكثر عرضةً من الشيخ لأن يفسد صومه، بسبب قوة شهوته.

- عن عائشة رضي الله عنها قالت: ((كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقبل وهو صائم ويباشر وهو صائم ولكنه أملككم لإربه)). أخرجه مسلم.

قولها: ((أملككم لإربه)) يعني: أملك لنفسه ولشهوته.

المطلب الأول: تأخير الجنب والحائض إذا طهرت الاغتسال إلى طلوع الفجر

الفرع الأول: تأخير الجنب الاغتسال إلى طلوع الفجر

يباح للجنب أن يؤخر الاغتسال من الجنابة إلى طلوع الفجر.

الأدلة:

أولا: من السنة:

عن عائشة وأم سلمة: ((أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يدركه الفجر وهو جنب من أهله ثم يغتسل ويصوم)). أخرجه البخاري ومسلم.

ثانيا: الإجماع:

انعقد الإجماع على ذلك وممن نقله الماوردي، وابن العربي، وابن قدامة، وابن حجر

الفرع الثاني: تأخير الحائض الاغتسال إلى طلوع الفجر

يباح للحائض إذا طهرت أن تؤخر الاغتسال من الحيض إلى طلوع الفجر، وهذا قول عامة أهل العلم.

الدليل:

القياس:

قياساً على الجنب إذا أخر اغتساله إلى طلوع الفجر.

المطلب الثاني: المضمضة والاستنشاق

يباح للصائم المضمضة والاستنشاق من غير مبالغة، وقد حكى ابن تيمية الإجماع على ذلك.

المطلب الثالث: اغتسال الصائم وتبرده بالماء

لا بأس أن يغتسل الصائمُ أو يصب الماءَ على رأسه من الحر أو العطش، وذهب إلى ذلك جمهور أهل العلم من الحنفية والمالكية والشافعية والحنابلة.

الأدلة:

- عن عائشة وأم سلمة رضي الله تعالى عنهما قالتا: ((نشهد على رسول الله صلى الله عليه وسلم إن كان ليصبح جنبا، من غير احتلام، ثم يغتسل ثم يصوم)). أخرجه البخاري ومسلم.

- عن بعض أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: ((لقد رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم بالعرج، يصب الماء على رأسه وهو صائم، من العطش، أو من الحر)).

المطلب الرابع: ذوق الطعام عند الحاجة

يباح للصائم ذوق الطعام عند الحاجة أو المصلحة كمعرفة استواء الطعام أو مقدار ملوحته أو عند شرائه لاختباره بشرط أن يمجه بعد ذلك أو يغسل فمه، أو يدلك لسانه، وهذا مذهب جمهور أهل العلم من الحنفية، والشافعية والحنابلة.

الدليل:

عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: ((لا بأس أن يتطعم القدر، أو الشيء)).

المطلب الخامس: القبلة والمباشرة لمن ملك نفسه

يباح للصائم القبلة والمباشرة فيما دون الفرج بشرط أن يملك نفسه، وهو قول جمهور أهل العلم من الحنفية والشافعية والحنابلة، واختيار ابن عبدالبر، والصنعاني، وابن عثيمين.

الأدلة:

- عن عائشة رضي الله عنها قالت: ((كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقبِّل وهو صائم، ويباشر وهو صائم، ولكنه أملككم لإربه)). أخرجه مسلم.

- عن عمر بن الخطاب رضي الله عنهما قال: ((هششت يوما فقبلت وأنا صائم، فأتيت النبي صلى الله عليه وسلم، فقلت: صنعت اليوم أمرا عظيما، قبلت وأنا صائم، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أرأيت لو تمضمضت بماء وأنت صائم؟ قلت: لا بأس بذلك، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ففيم؟)).

المطلب السادس: التطيب وشم الروائح

يباح للصائم التطيب وشم الروائح إذا لم تكن بخوراً أو دخاناً له جرم، وهو قول الحنفية، واختيار ابن تيمية، وابن باز، وابن عثيمين؛ وذلك لأنه ليس هناك دليل بمنعه يعتمد عليه.

المطلب السابع: استعمال السواك ومعجون الأسنان ونحوهما

الفرع الأول: حكم استعمال الصائم للسواك

يباح للصائم استعمال السواك في أي وقت، سواء كان قبل الزوال أو بعد الزوال، وذهب إلى ذلك الحنفية، وجمعٌ من أهل العلم، وهو اختيار ابن تيمية، وابن القيم، والشوكاني، وابن باز، والألباني، وابن عثيمين

الدليل:

عموم الأحاديث الواردة في استحباب السواك، ولم يخص فيها الصائم من غيره.

الفرع الثاني: حكم استعمال الصائم معجونَ الأسنان

يجوز أن يستعمل الصائم معجون الأسنان، لكن ينبغي الحذر من نفاذه إلى الحلق؛

وهو قول ابن باز، وابن عثيمين، وذهب إلى هذا مجمع الفقه الإسلامي.

المطلب الثامن: الاكتحال

يباح للصائم الاكتحال، وهو قول الحنفية، والشافعية، وهو اختيار ابن تيمية، والشوكاني، وابن عثيمين، والألباني.

وذلك لأن العين ليست منفذاً للجوف، ولو لطَّخ الإنسان قدميه ووجد طعمه في حلقه لم يفطره؛ لأن ذلك ليس منفذاً فكذلك إذا اكتحل في عينه، فالعين ليست منفذاً.

المطلب التاسع: استعمال قطرة العين

يباح للصائم استعمال قطرة العين، وقد ذهب إلى ذلك الحنفية، والشافعية، وهو اختيار ابن عثيمين، وابن باز.

وذلك للآتي:

- أن جوف العين لا يتسع لأكثر من قطرة واحدة، والقطرة الواحدة حجمها قليل جداً، وإذا ثبت ذلك فإنه يعفى عنه، فهو أقل من القدر المعفو عنه مما يبقى من المضمضة. - ولأن هذه القطرة تُمْتَصُّ جميعها أثناء مرورها في القناة الدمعية ولا تصل إلى البلعوم، وعندما تمتص هذه القطرة تذهب إلى مناطق التذوق في اللسان، فيشعر المريض بطعمها، كما قرر ذلك بعض الأطباء. - كما أن القطرة في العين لم ينص على كونها من المفطرات وليست بمعنى المنصوص عليه، ولو لطخ الإنسان قدميه ووجد طعمه في حلقه لم يفطره؛ لأن ذلك ليس منفذاً فكذلك إذا قطر في عينه، فالعين ليست منفذاً للأكل والشرب.

المطلب العاشر: استعمال قطرة الأذن

يباح للصائم استعمال قطرة الأذن، واختاره ابن حزم، وابن عثيمين، وابن باز؛ لأن الأذن ليست منفذاً للطعام والشراب.

الباب الخامس: ما يُستحبُّ صومه وما يكره وما يحرم

• الفصل الأول: ما يُستحبُّ صومه (صوم التطوع).

• الفصل الثاني: ما يكره صومه.

• الفصل الثالث: ما يحرم صومه.

الفصل الأول: ما يُستحبُّ صومه (صوم التطوع)

• المبحث الأول: تعريف التطوع.

• المبحث الثاني: فضل صوم التطوع.

• المبحث الثالث: أحكام النية في صوم التطوع.

• المبحث الرابع: أنواع صوم التطوع.

المبحث الأول: تعريف التطوع

التطوع لغةً: التبرع.

التطوع اصطلاحاً: التقرُّبُ إلى الله تعالى بما ليس بفرضٍ من العبادات.

المبحث الثاني: فضل صوم التطوع

. عن سهل رضي الله تعالى عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((إن في الجنة باباً يقال له: الريان، يدخل منه الصائمون يوم القيامة، لا يدخل منه أحدٌ غيرهم. فيقال: أين الصائمون؟ فيقومون، لا يدخل منه أحدٌ غيرهم، فإذا دخلوا أغلق، فلم يدخل منه أحد)). أخرجه البخاري ومسلم.

. عن أبي سعيد رضي الله تعالى عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: ((من صام يوماً في سبيل الله، باعد الله وجهه عن النار سبعين خريفاً)). أخرجه البخاري ومسلم.

المبحث الثالث: أحكام النية في صوم التطوع

• المطلب الأول: وقت النية.

• المطلب الثاني: آخر وقت نية التطوع.

• المطلب الثالث: تعيين النية في صوم التطوع.

المطلب الأول: وقت النية

لا يشترط تبييت النية في صوم التطوع، وذهب إلى ذلك جمهور الفقهاء من الحنفية، والشافعية، والحنابلة.

الأدلة:

- عن عائشة رضي الله عنها قالت: ((دخل عليَّ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم ذات يومٍ فقال: هل عندكم شيء؟ فقلنا: لا، فقال: فإني إذاً صائم)). أخرجه مسلم.

وجه الدلالة:

أن النبي صلى الله عليه وسلم نوى الصيام في نهار اليوم، ولم يبيِّت النية من الليل.

- ما جاء عن الصحابة رضي الله تعالى عنهم، ومنهم أبو الدرداء، فعن أم الدرداء قالت: ((كان أبو الدرداء يقول: عندكم طعام؟ فإن قلنا: لا، قال: فإني صائمٌ يومي هذا)). وفعله أبو طلحة، وأبو هريرة، وابن عباس، وحذيفة رضي الله تعالى عنهم.

المطلب الثاني: آخر وقت نية التطوع

يجوز أن ينوي أثناء النهار، سواء قبل الزوال أو بعده، إذا لم يتناول شيئاً من المفطرات بعد الفجر، وهذا مذهب الحنابلة، وقولٌ عند الشافعية، وقول طائفة من السلف واختاره ابن تيمية، وابن عثيمين.

الأدلة:

- عن عائشة رضي الله عنها قالت: ((دخل عليَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات يومٍ فقال: هل عندكم شيء؟ فقلنا: لا، فقال: فإني إذاً صائم)). أخرجه مسلم.

- عن الرُّبَيِّع بنت مُعوِّذ قالت: ((أرسل النبي صلى الله عليه وسلم غداة عاشوراء إلى قرى الأنصار: من أصبح مفطراً فليتم بقية يومه، ومن أصبح صائماً فليصم)) ... الحديث.

- أنه قول معاذ وابن مسعود وحذيفة، ولم يُنقَل عن أحدٍ من الصحابة رضي الله عنهم ما يخالفه صراحة.

المطلب الثالث: تعيين النية في صوم التطوع

لا يُشترَط في نية صوم التطوع تعيين يومٍ معين، فيصح صوم التطوع بمطلق النية، وذهب إلى ذلك جمهور الفقهاء من الحنفية، والمالكية، والشافعية، والحنابلة.

الدليل:

عن عائشة رضي الله عنها قالت: ((دخل عليَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات يوم فقال: هل عندكم شيء؟ فقلنا: لا، فقال: فإني إذاً صائم)). أخرجه مسلم.

المبحث الرابع: أنواع صوم التطوع

• المطلب الأول: صوم التطوع المطلق.

• المطلب الثاني: صوم التطوع المقيد.

المطلب الأول: صوم التطوع المطلق

يستحب صوم التطوع المطلق، ما عدا الأيام التي ثبت تحريم صيامها.

الدليل:

عن أبي سعيد رضي الله تعالى عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: ((من صام يوماً في سبيل الله، باعد الله تعالى وجهه عن النار سبعين خريفاً)). أخرجه البخاري ومسلم.

المطلب الثاني: صوم التطوع المقيد

الفرع الأول: صوم ستة أيامٍ من شوال

يسن صوم ستة أيامٍ من شوال بعد صوم رمضان، وهو قول الشافعي، وأحمد وداود، وإليه صار عامة متأخري الحنفية،.

الأدلة:

. عن أبي أيوب رضي الله تعالى عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((من صام رمضان، ثم أتبعه ستاً من شوال، كان كصيام الدهر)). أخرجه مسلم.

. عن ثوبان رضي الله تعالى عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((صيام شهر رمضان بعشرة أشهر، وستة أيام بعدهن بشهرين، فذلك تمام سنة)).

الفرع الثاني: الأيام الثمانية الأول من ذي الحجة

يستحب صوم الأيام الثمانية الأول من شهر ذي الحجة، وهذا باتفاق المذاهب الفقهية: الحنفية، والمالكية، والشافعية، والحنابلة، والظاهرية، وقد صرح المالكية، والشافعية بأنه يسن صوم هذه الأيام الثمانية للحاج أيضًا.

الأدلة:

عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما مرفوعًا: ((ما من أيام العمل الصالح فيها أحب إلى الله من هذه الأيام - يعني أيام العشر- قالوا: يا رسول الله، ولا الجهاد في سبيل الله؟ قال: ولا الجهاد في سبيل الله، إلا رجلٌ خرج بنفسه وماله، فلم يرجع من ذلك بشيء)).

وجه الدلالة:

اندراج الصوم في العمل الصالح الذي يُستحَبُّ في هذه الأيام.

الفرع الثالث: صوم يوم عرفة لغير الحاج

يستحب لغير الحاج صوم يوم عرفة وهو اليوم التاسع من ذي الحجة، وهذا باتفاق المذاهب الفقهية: الحنفية، والمالكية، والشافعية، والحنابلة، والظاهرية.

الدليل:

عن أبي قتادة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((صيام يوم عرفة، أحتسب على الله أن يكفر السنة التي قبله، والسنة التي بعده)). أخرجه مسلم.

الفرع الرابع: صوم شهر الله المحرم

يستحب صوم شهر الله المحرم، وهو مذهب الجمهور من الحنفية، والمالكية، والشافعية، والحنابلة.

الدليل:

عن أبى هريرة رضي الله عنه يرفعه، قال: ((سئل - أي النبيُّ صلى الله عليه وسلم - أي الصلاة أفضل بعد المكتوبة؟ وأي الصيام أفضل بعد شهر رمضان؟ فقال: أفضل الصلاة بعد الصلاة المكتوبة، الصلاة في جوف الليل. وأفضل الصيام بعد شهر رمضان، صيام شهر الله المحرم)). أخرجه مسلم.

الفرع الخامس: صوم يوم عاشوراء وصيام يومٍ قبله

يستحب صوم يوم عاشوراء وهو اليوم العاشر من شهر الله المحرم، ويستحب معه صيام يومٍ قبله، وهو اليوم التاسع من شهر الله المحرم، وهذا مذهب جمهور الفقهاء من الحنفية، والمالكية، والشافعية، والحنابلة.

الأدلة:

- عن ابن عباس رضي الله عنهما ((أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قدم المدينة فوجد اليهود صياماً يوم عاشوراء، فقال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما هذا اليوم الذي تصومونه؟ فقالوا: هذا يومٌ عظيمٌ أنجى الله فيه موسى وقومه، وغرق فرعون وقومه، فصامه موسى شكراً فنحن نصومه، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: فنحن أحق وأولى بموسى منكم، فصامه رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأمر بصيامه)). أخرجه البخاري ومسلم.

- عن أبي قتادة رضي الله عنه قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: ((صيام يوم عاشوراء، أحتسب على الله أن يكفر السنة التي قبله)). أخرجه مسلم.

- عن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((لئن بقيت إلى قابل لأصومن التاسع)). أخرجه مسلم.

الفرع السادس: صوم أكثر شهر شعبان

يسن صوم أكثر شهر شعبان، ذهب إلى ذلك جمهور الفقهاء من الحنفية، والمالكية، والشافعية، وطائفة من الحنابلة.

الأدلة:

. عن عائشة رضي الله تعالى عنها قالت: ((ما رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم أكثر صياماً منه في شعبان)). أخرجه البخاري ومسلم.

عن أبي سلمة قال: ((سألت عائشة رضي الله عنها عن صيام رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقالت: كان يصوم حتى نقول قد صام، ويفطر حتى نقول قد أفطر، ولم أره صائماً من شهرٍ قط أكثر من صيامه من شعبان، كان يصوم شعبان كله، كان يصوم شعبان إلا قليلاً)). أخرجه مسلم.

الفرع السابع: صوم الاثنين والخميس

يستحب صوم يومي الاثنين والخميس من كل أسبوع، وهذا بإجماع المذاهب الفقهية: الحنفية، والمالكية، والشافعية، والحنابلة، والظاهرية.

الأدلة:

. عن أسامة بن زيد رضي الله عنهما ((أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يصوم يوم الاثنين والخميس، فسُئِلَ عن ذلك، فقال: إن أعمال العباد تُعرض يوم الاثنين والخميس، وأحب أن يُعرَضَ عملي وأنا صائم)).

. عن أبي قتادة رضي الله عنه ((أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سئل عن صوم الاثنين فقال: فيه ولدت، وفيه أنزل علي)). أخرجه مسلم.

الفرع الثامن: صوم ثلاثة أيام من كل شهر

يستحب صيام ثلاثة أيامٍ من كل شهر، وعلى هذا عامة أهل العلم، واتفقت عليه كلمة المذاهب الفقهية: الحنفية، والمالكية، والشافعية، والحنابلة، والظاهرية.

الأدلة:

- عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: ((أوصاني خليلي بثلاث لا أدعهن حتى أموت: صوم ثلاثة أيام من كل شهر، وصلاة الضحى، ونوم على وتر)). أخرجه البخاري ومسلم

- عن معاذة العدوية أنها سألت عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم: ((أكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصوم من كل شهرٍ ثلاثة أيام؟ قالت: نعم. فقلت لها: من أي أيام الشهر كان يصوم؟ قالت: لم يكن يبالي من أي أيام الشهر يصوم)). أخرجه مسلم

- عن معاوية بن قرة عن أبيه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((صيام ثلاثة أيامٍ من كل شهر، صيام الدهر وإفطاره))

الفرع التاسع: استحباب صيام أيام البِيض

استحب جمهور أهل العلم من الحنفية، والشافعية، والحنابلة، وجماعةٌ من المالكية أن يكون صيام ثلاثة أيامٍ من كل شهر في الأيام البِيض.

واستشهدوا بحديث أبي ذر الغفاري رضي الله عنه أنه صلى الله عليه وسلم أوصاه بصيام أيام البيض: الثالث عشر والرابع عشر والخامس عشر.

وروي عن موسى الهذلي قال: ((سألت ابن عباس عن صيام ثلاثة أيام البيض، فقال: كان عمر يصومهن)).

الفرع العاشر: صوم يوم وإفطار يوم

يستحب صيام يومٍ وإفطار يومٍ، وهو أفضل صيام التطوع، وقد حكى ابن حزم الإجماع على أن التطوع بصيام يومٍ وإفطار يومٍ حسن على ألا يُصام يومُ الشك ولا اليوم الذي بعد النصف من شعبان ولا يوم الجمعة ولا أيام التشريق الثلاثة بعد يوم النحر، ولا يومي العيدين.

الأدلة:

- عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: ((أحب الصلاة إلى الله صلاة داود عليه السلام، وأحب الصيام إلى الله صيام داود: وكان ينام نصف الليل، ويقوم ثلثه، وينام سدسه، ويصوم يوماً ويفطر يوماً)). أخرجه البخاري ومسلم.

وجه الدلالة:

الحديث يدل على أن صوم يوم وإفطار يوم أحب إلى اللَّه تعالى من غيره، وإن كان أكثر منه وما كان أحب إلى اللَّه جل جلاله، فهو أفضل، والاشتغال به أولى.

- عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما قال: ((أُخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم أني أقول: والله لأصومن النهار، ولأقومن الليل ما عشت، فقلت له: قد قلته بأبي أنت وأمي قال: فإنك لا تستطيع ذلك، فصم وأفطر، وقم ونم، وصم من الشهر ثلاثة أيام، فإن الحسنة بعشر أمثالها، وذلك مثل صيام الدهر، قلت: إني أطيق أفضل من ذلك قال: فصم يوماً وأفطر يومين، قلت: إني أطيق أفضل من ذلك قال: فصم يوماً وأفطر يوماً، فذلك صيام داود عليه السلام، وهو أفضل الصيام، فقلت: إني أطيق أفضل من ذلك، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: لا أفضل من ذلك)). أخرجه البخاري ومسلم.

الفرع الحادي عشر: صوم يوم وإفطار يومين

يستحب صوم يومٍ وإفطار يومين.

الأدلة:

- عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما قال: ((أُخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم أني أقول: والله لأصومن النهار، ولأقومن الليل ما عشت، فقلت له: قد قلته بأبي أنت وأمي قال: فإنك لا تستطيع ذلك، فصم وأفطر، وقم ونم، وصم من الشهر ثلاثة أيام، فإن الحسنة بعشر أمثالها، وذلك مثل صيام الدهر، قلت: إني أطيق أفضل من ذلك قال: فصم يوماً وأفطر يومين، قلت: إني أطيق أفضل من ذلك قال: فصم يوماً وأفطر يوماً، فذلك صيام داود عليه السلام، وهو أفضل الصيام، فقلت: إني أطيق أفضل من ذلك، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: لا أفضل من ذلك)). أخرجه البخاري ومسلم.

- عن أبي قتادة قال: ((قال عمر لرسول الله صلى الله عليه وسلم: فكيف بمن يصوم يومين ويفطر يوما؟ قال: ويطيق ذلك أحد؟ قال: فكيف بمن يصوم يوماً ويفطر يوماً؟ قال: ذاك صوم داود، قال: فكيف بمن يصوم يوماً ويفطر يومين؟ قال: وددت أني طُوِّقتُ ذلك)). أخرجه مسلم.

الفرع الثاني عشر: صوم يومٍ أو يومين أو ثلاثةٍ أو أربعةٍ من كل الشهر

يستحب صوم يومٍ من كل شهرٍ أو يومين أو ثلاثة أو أربعة.

الدليل:

عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما قال: ((أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فسألته عن الصوم فقال: صم يوما من كل شهر ولك أجر ما بقي، قلت: إني أطيق أكثر من ذلك فقال: صم يومين من كل شهر ولك أجر ما بقي، قال: إني أطيق أكثر من ذلك قال: صم ثلاثة أيام ولك أجر ما بقي))، قلت: إني أطيق أكثر من ذلك قال: صم أربعة أيام ولك أجر ما بقي، قال: إني أطيق أكثر من ذلك، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن أحب الصيام، صوم داود، كان يصوم يوما ويفطر يوما)). أخرجه مسلم.

الفصل الثاني: ما يكره صومه

• المبحث الأول: صوم الدهر.

• المبحث الثاني: صوم يوم عرفة للحاج.

• المبحث الثالث: إفراد يوم الجمعة بالصوم.

• المبحث الرابع: إفراد يوم السبت بالصوم.

• المبحث الخامس: تخصيص شهر رجب بالصوم.

المبحث الأول: صوم الدهر

المطلب الأول: تعريف الدهر لغةً:

الدهر لغة: هو الزمان، ويُجمع على دهور، ويقال للدهر أبد.

المطلب الثاني: تعريف صوم الدهر اصطلاحاً:

صوم الدهر: هو سرد الصوم في جميع الأيام.

المطلب الثالث: حكم صوم الدهر

يكره صوم الدهر، وهو مذهب الحنفية، وقولٌ عند المالكية، وقولٌ عند الشافعية وقولٌ لبعض الحنابلة، وهو اختيار الشوكاني.

الأدلة:

عن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما قال: ((قال لي النبي صلى الله عليه وسلم: إنك لتصوم الدهر وتقوم الليل، فقلت: نعم، قال: إنك إذا فعلت ذلك هجمت له العين، ونفهت له النفس، لا صام من صام الدهر، صوم ثلاثة أيام صوم الدهر كله، قلت: فإني أطيق أكثر من ذلك، قال: فصم صوم داود عليه السلام، كان يصوم يوماً ويفطر يوماً، ولا يفر إذا لاقى)). أخرجه البخاري ومسلم.

المبحث الثاني: صوم يوم عرفة للحاج

لا يستحب صوم يوم عرفة للحاج، وهو مذهب جمهور أهل العلم من المالكية، والشافعية، والحنابلة.

الأدلة:

- عن أم الفضل بنت الحارث رضي الله عنهما ((أنها أرسلت إلى النبي صلى الله عليه وسلم بقدح لبن، وهو واقفٌ على بعيره بعرفة، فشرب)). أخرجه البخاري ومسلم.

وجه الدلالة:

أن شربه صلى الله عليه وسلم اللبن أمام الناس في الموقف، دليلٌ على استحباب فطر هذا اليوم للحاج؛ وليتقوى على أداء مناسك الحج.

- عن ابن عمر رضي الله عنهما ((أنه حج مع النبي صلى الله عليه وسلم ثم أبي بكر، ثم عمر، ثم عثمان، فلم يصمه أحد منهم)).

المبحث الثالث: إفراد يوم الجمعة بالصوم

يكره إفراد يوم الجمعة بالصوم إلا أن يوافق ذلك صومًا، مثل من يصوم يومًا ويفطر يومًا فيوافق صومه يوم الجمعة، وذهب إلى ذلك الشافعية، والحنابلة، وبعض الحنفية،، واختاره ابن القيم، والشوكاني، والشنقيطي

الأدلة:

- عن محمد بن عباد قال: ((سألت جابرًا رضي الله عنه: نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن صوم يوم الجمعة؟ قال: نعم)). أخرجه البخاري ومسلم

- عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: ((لا يصومن أحدكم يوم الجمعة إلا يوماً قبله أو بعده)). أخرجه البخاري ومسلم

- عن جويرية بنت الحارث رضي الله عنها ((أن النبي صلى الله عليه وسلم دخل عليها يوم الجمعة وهي صائمة فقال: أصمتِ أمس؟ قالت: لا، قال: تريدين أن تصومي غدا؟ قالت: لا، قال: فأفطري)). أخرجه البخاري

- عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((لا تختصوا ليلة الجمعة بقيامٍ من بين الليالي، ولا تخصوا يوم الجمعة بصيامٍ من بين الأيام إلا أن يكون في صومٍ يصومه أحدكم)). أخرجه مسلم

المبحث الرابع: إفراد يوم السبت بالصوم

إفراد يوم السبت بالصوم تطوعاً من غير أن يكون عادةً، ولا مقروناً بيومٍ قبله أو بعده، اختلف فيه أهل العلم على أقوال، منها:

القول الأول: يكره إفراد يوم السبت بالصوم، وهذا باتفاق المذاهب الفقهية الأربعة: الحنفية، والمالكية، والشافعية، والحنابلة.

الدليل:

عن عبد الله بن بُسر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((لا تصوموا يوم السبت إلا فيما افْتُرِضَ عليكم، فإن لم يجد أحدكم إلا عود عنبٍ، أو لحاء شجرةٍ فليمصه)).

القول الثاني: يجوز صوم يوم السبت مطلقاً سواء كان مفرداً أم مقروناً بغيره، وقد نصر هذا القول ابن تيمية، واختاره ابن حجر.

الدليل:

بقاء إباحة التطوع على أصلها، إذ لم يصح في النهي عن إفراد يوم السبت بالصوم حديثٌ يعتمد عليه.

المبحث الخامس: تخصيص شهر رجب بالصوم

يكره تخصيص شهر رجب بالصوم، وقد نص على ذلك فقهاء المالكية، والحنابلة، وهو اختيار الشوكاني.

الدليل:

عن خرشة بن الحر قال: ((رأيت عمر يضرب أكف الناس في رجب، حتى يضعوها في الجفان ويقول: كلوا فإنما هو شهرٌ كان يعظمه أهل الجاهلية)).

كما أنه لم تثبت فضيلة تخصيصه بالصيام، ولا صيام أيامٍ منه، بل صيامه كباقي الشهور، فمن كان له عادة بصيامٍ فهو على عادته، ومن لم يكن له عادة فلا وجه لتخصيص صومه، ولا صوم أوله، ولا ليلة السابع والعشرين منه بصوم.

المبحث الأول: صوم يومي العيدين

يحرم صوم يومي العيدين: الفطر والأضحى.

الأدلة:

أولا: من السنة:

- عن أبي عبيد مولى ابن أزهر قال: ((شهدت العيد مع عمر بن الخطاب رضي الله عنه فقال: هذان يومان نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن صيامهما: يوم فطركم من صيامكم، واليوم الآخر تأكلون فيه من نسككم)). أخرجه البخاري ومسلم.

- عن أبي سعيد رضي الله عنه قال: ((نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن صوم يوم الفطر والنحر وعن الصماء، وأن يحتبي الرجل في ثوب واحد)). أخرجه البخاري ومسلم.

ثانيا: الإجماع:

نقل الإجماع على تحريم صوم يومي العيدين ابن حزم، والنووي، وابن قدامة.

المبحث الثاني: أيام التشريق

المطلب الأول: المراد بأيام التشريق

أيام التشريق هي: الحادي عشر والثاني عشر والثالث عشر من شهر ذي الحجة.

المطلب الثاني: حكم صوم أيام التشريق:

يحرم صوم أيام التشريق، وهذا باتفاق المذاهب الفقهية: الحنفية، والمالكية، والشافعية، والحنابلة، والظاهرية، وقد حكى ابن عبد البر الإجماع على ذلك.

واستثنى المالكية، والحنابلة، والشافعي في القديم: الحاج الذي لم يجد دم متعة أو قران؛ فإنه يجوز له صومها.

الأدلة:

- عن أبى المليح عن نبيشة الهذلي قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((أيام التشريق أيام أكلٍ وشرب)). أخرجه مسلم.

- عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: ((لم يُرخَّص في أيام التشريق أن يُصمن إلا لمن لم يجد الهدي)). أخرجه البخاري.

المبحث الثالث: صوم يوم الشك

• المطلب الأول: تعريف يوم الشك.

• المطلب الثاني: حكم صوم يوم الشك.

المطلب الأول: تعريف يوم الشك

يوم الشك: هو اليوم الثلاثون من شعبان، إذا لم تثبت فيه الرؤية ثبوتاً شرعيًّا.

المطلب الثاني: حكم صوم يوم الشك

لا يجوز صوم يوم الشك خوفاً أن يكون من رمضان أو احتياطاً، وذهب إلى التحريم المالكية، والشافعية، واختاره ابن المنذر، وابن حزم، والصنعاني.

الأدلة:

- عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((لا تقدموا رمضان بصوم يومٍ ولا يومين، إلا رجل كان يصوم صوماً فليصمه)). أخرجه مسلم.

- عن صلة بن زفر: ((قال كنا عند عمار بن ياسر فأتى بشاة مصلية فقال: كلوا، فتنحى بعض القوم فقال: إني صائم فقال عمار: من صام اليوم الذي يشك به الناس فقد عصى أبا القاسم صلى الله عليه وسلم)).

- عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((الشهر تسع وعشرون ليلة، فلا تصوموا حتى تروه، فإن غم عليكم فأكملوا العدة ثلاثين)). أخرجه البخاري ومسلم.

وجه الدلالة:

قوله: ((أكملوا العدة ثلاثين)) أمر، والأصل في الأمر الوجوب، فإذا وجب إكمال شعبان ثلاثين يوماً، حرم صوم يوم الشك.

المبحث الرابع: صوم المرأة نفلاً بدون إذن زوجها

المطلب الأول: حكم صوم المرأة نفلاً بدون إذن زوجها

لا يجوز للمرأة أن تصوم نفلاً وزوجها حاضرٌ إلا بإذنه، وهو قول جمهور أهل العلم من الحنفية، والمالكية، والشافعية، والحنابلة.

وخص المالكية الحرمة بما إذا كان الزوج محتاجاً إلى امرأته.

وخصَّ الشافعية الحرمة بما يتكرر صومه، أما ما لا يتكرر صومه كعرفة وعاشوراء وستة من شوال فلها صومها بغير إذنه، إلا إن منعها.

الدليل:

عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((لا يحل للمرأة أن تصوم وزوجها شاهد إلا بإذنه)). أخرجه البخاري ومسلم.

المطلب الثاني: حكم تفطير الزوج لامرأته التي صامت نفلاً بغير إذنه

إذا صامت الزوجة تطوعاً بغير إذن زوجها، فله أن يفطرها، وهو قول الحنفية، والشافعية، والمالكية، إلا أن المالكية خصُّوا جواز تفطيرها بالجماع فقط، أما بالأكل والشرب فليس له ذلك؛ لأن احتياجه إليها والموجب إلى تفطيرها إنما هو من جهة الوطء، وهو قول الحنابلة؛ وذلك لأن حقه واجبٌ، وهو مقدَّمٌ على التطوع.

الباب السادس: أحكام عامة في القضاء

• الفصل الأول: التتابع والتراخي في القضاء.

• الفصل الثاني: قضاء الصيام عن الميت.

• الفصل الثالث: من شرع في صومٍ هل يلزمه إتمامه.

• الفصل الرابع: الإفطار في الصوم الواجب بغير عذر.

الفصل الأول: التتابع والتراخي في القضاء

• المبحث الأول: التتابع في القضاء.

• المبحث الثاني: التراخي في القضاء.

المبحث الأول: التتابع في القضاء

لا يجب التتابع في قضاء رمضان، وهذا باتفاق المذاهب الأربعة: الحنفية، والمالكية، والشافعية، والحنابلة، وعليه أكثر أهل العلم.

الدليل:

عموم قوله تعالى: فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ [البقرة:].

وجه الدلالة:

أن الله تعالى أطلق القضاء ولم يقيده.

وقال ابن عباس رضي الله عنهما: ((لا بأس أن يفرق)). أخرجه البخاري معلقاً.

المطلب الأول: حكم تأخير قضاء رمضان إلى ما قبل دخول رمضان آخر

يجوز قضاء الصوم على التراخي في أي وقتٍ من السَّنَة، بشرط أن لا يأتي رمضان آخر، وهذا باتفاق المذاهب الأربعة: الحنفية، والمالكية، والشافعية، والحنابلة.

الدليل:

عن أبي سلمة قال: سمعت عائشة رضي الله عنها تقول: (كان يكون عليَّ الصوم من رمضان فما أستطيع أن أقضيه إلا في شعبان، الشغل من رسول الله صلى الله عليه وسلم، أو برسول الله صلى الله عليه وسلم). أخرجه البخاري ومسلم.

لكن المسارعة إلى القضاء أولى؛ لقوله تعالى: وَسَارِعُواْ إِلَى مَغْفِرَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ [آل عمران:]؛ وقوله سبحانه: أُوْلَئِكَ يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ [المؤمنون:].

المطلب الثاني: تأخير قضاء رمضان بغير عذرٍ حتى دخول رمضان آخر

من أخَّر قضاء رمضان حتى دخل رمضان آخر، فقد اختلف فيه أهل العلم على قولين:

القول الأول: يلزمه القضاء مع الفدية، وهي إطعام مسكينٍ عن كل يوم، وهذا مذهب الجمهور من المالكية، والشافعية، والحنابلة، واختاره ابن باز.

وذلك لِمَا أفتى به جماعة من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم.

فعن أبي هريرة رضي الله عنه ((أنه قال في رجل مرض في رمضان، ثم صح فلم يصم حتى أدركه رمضان آخر قال: يصوم الذي أدركه ويطعم عن الأول لكل يوم مدًّا من حنطة لكل مسكين فإذا فرغ من هذا صام الذي فرط فيه)).

كما روي عن ابن عمر وابن عباس أنهما قالا: (أطعم عن كل يوم مسكيناً)). ولم يُرْوَ عن غيرهم من الصحابة خلافه.

القول الثاني: لا يلزمه إلا القضاء فقط، وهذا مذهب الحنفية، وهو اختيار ابن حزم، والشوكاني، وابن عثيمين،.

الدليل:

عموم قوله تعالى: فَمَن كَانَ مِنكُم مَّرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ فَمَن تَطَوَّعَ خَيْرًا فَهُوَ خَيْرٌ لَّهُ وَأَن تَصُومُواْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ [البقرة:]

فالله سبحانه وتعالى قد قال: فَعِدَّةٌ مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ، وعمومه يشمل ما قضاه قبل رمضان الثاني أو بعده، ولم يذكر الله تعالى الإطعام؛ ولذا فلا يجب عليه إلا القضاء فقط.

المطلب الثالث: حكم صيام التطوع قبل قضاء صيام الفرض

يجوز أن يصوم المرء تطوعاً قبل قضاء ما عليه إن كان الوقت متسعاً، وهذا قول الجمهور من الحنفية، والمالكية، والشافعية، وهو روايةٌ عن أحمد، وهو اختيار ابن باز؛ وابن عثيمين، وعبر بعض هؤلاء بالجواز مع الكراهة؛ وذلك لأنَّ وقت القضاء موسَّعٌ وليس مضيقًا.

الفصل الثاني: قضاء الصيام عن الميت

• المبحث الأول: قضاء الصيام عن الميت الذي أخره لعذر.

• المبحث الثاني: قضاء الصيام عن الميت الذي أخره لغير عذر.

المبحث الأول: قضاء الصيام عن الميت الذي أخره لعذر

من كان عليه صومٌ واجبٌ، ولم يتمكَّن من القضاء لعذرٍ حتى مات، فلا شيء عليه، ولا يجب الإطعام عنه، وهذا قول أكثر أهل العلم؛ وذلك لأنه حقٌّ لله تعالى، وجب بالشرع، وقد مات من وجب عليه قبل إمكان فعله، فسقط إلى غير بدلٍ كالحج.

المبحث الثاني: قضاء الصيام عن الميت الذي أخره لغير عذر

من مات وعليه صومٌ واجبٌ سواء كان عن نذرٍ أو كفارةٍ أو عن صوم رمضان، وقد تمكن من القضاء، ولم يقض حتى مات، فلوليه أن يصوم عنه، فإن لم يفعل أطعم عنه لكل يوم مسكيناً، وهذا قول الشافعي في القديم، واختاره النووي، وابن باز، وابن عثيمين.

الأدلة:

- عن عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((من مات وعليه صيام، صام عنه وليُّه)). أخرجه البخاري ومسلم.

وهذا خبر بمعنى الأمر، لكنه ليس للوجوب.

و (صيام) هنا نكرة غير مقيدة بصيام معين.

والولي الذي يقضي عنه الصوم هو الوارث؛ لقوله تعالى: وَأُوْلُواْ الأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ فِي كِتَابِ اللهِ إِنَّ اللهَ بِكُلِّ شَىْءٍ عَلِيمٌ [الأنفال:].

- عن ابن عباس رضي الله عنهما ((أن امرأة جاءت إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقالت: إنه كان على أمها صوم شهر أفأقضيه عنها؟ فقال: لو كان على أمك دين أكنت قاضيته؟ قالت: نعم، قال: فدين الله أحق أن يقضى)). أخرجه مسلم.

الفصل الثالث: من شرع في صومٍ هل يلزمه إتمامه

• المبحث الأول: من شرع في صومٍ واجبٍ هل يلزمه إتمامه.

• المبحث الثاني: من شرع في صوم تطوعٍ هل يلزمه إتمامه، وحكم قضائه إن أفسده.

المبحث الأول: من شرع في صومٍ واجبٍ هل يلزمه إتمامه

إذا شرع الإنسان في صومٍ واجبٍ كقضاءٍ أو كفارة يمين، وما أشبه ذلك من الصيام الواجب، فإنه يلزمه إتمامه ولا يجوز له أن يقطعه إلا لعذرٍ شرعي، وهذا باتفاق المذاهب الفقهية الأربعة: الحنفية، والمالكية، والشافعية، والحنابلة.

الدليل:

عموم قوله تعالى: وَلا تُبْطِلُوا أَعْمَالَكُمْ [محمد:]

المبحث الثاني: من شرع في صوم تطوعٍ هل يلزمه إتمامه، وحكم قضائه إن أفسده

• المطلب الأول: من شرع في صوم تطوع هل يلزمه إتمامه.

• المطلب الثاني: حكم قضاء صوم التطوع إن أفسده.

المطلب الأول: من شرع في صوم تطوع هل يلزمه إتمامه

من شرع في صوم تطوعٍ فيُستحَبُّ إتمامه ولا يلزمه، وهذا مذهب الشافعية، والحنابلة، وهو قول طائفةٍ من السلف.

الأدلة:

- عن عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها قالت: ((دخل عليَّ النبي صلى الله عليه وسلم ذات يوم فقال: هل عندكم شيء؟ فقلنا: لا. قال: فإني إذًا صائم، ثم أتانا يوماً آخر، فقلنا: يا رسول الله أهدي لنا حيس، فقال: أرينيه، فلقد أصبحت صائماً. فأكل)). أخرجه مسلم.

- عن أبي جحيفة قال: ((آخى النبي صلي الله عليه وسلم بين سلمان وأبي الدرداء، فزار سلمان أبا الدرداء، فرأى أم الدرداء متبذِّلة، فقال لها: ما شأنك؟ قالت: أخوك أبو الدرداء ليس له في الدنيا حاجة. فجاء أبو الدرداء فصنع له طعاما، فقال: كل فإني صائم. قال ما أنا بآكل حتى تأكل، فأكل. فلما كان الليل ذهب أبو الدرداء يقوم، قال: نم. فنام ثم ذهب يقوم، فقال: نم. فنام، ثم ذهب يقوم، قال: نم. فنام. فلما كان من آخر الليل، قال سلمان: قم الآن. فصليا. فقال له سلمان: إن لربك عليك حقا، ولنفسك عليك حقا، ولأهلك عليك حقا، فأعط كل ذي حق حقه، فأتى النبي صلي الله عليه وسلم، فذكر ذلك له، فقال النبي صلي الله عليه وسلم: صدق سلمان)). أخرجه البخاري.

- عن أم هانئ قالت: قال رسول الله صلي الله عليه وسلم: ((الصائم المتطوع أمير نفسه، إن شاء صام وإن شاء أفطر)).

المطلب الثاني: حكم قضاء صوم التطوع إن أفسده

إذا أفسد الإنسان صومه النفل، فلا يجب عليه القضاء، وهذا مذهب الشافعية، والحنابلة؛ وهو قول طائفةٍ من السلف، وذلك لأن القضاء يتبع المقضي عنه، فإذا لم يكن واجباً، لم يكن القضاء واجباً، لكن يندب له القضاء، سواء أفسد صوم التطوع بعذرٍ أم بغير عذر.

الفصل الرابع: الإفطار في الصوم الواجب بغير عذر

من أفطر بغير الجماع في صومٍ واجبٍ بغير عذرٍ عامداً مختاراً عالماً بالتحريم بأن أكل أو شرب مثلاً، فقد وجب عليه القضاء فقط، ولا كفارة عليه، وهذا مذهب الشافعية، والحنابلة، واختاره ابن المنذر، وهو قول طائفةٍ من السلف.

الدليل:

قوله تعالى: فَمَن كَانَ مِنكُم مَّرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ [البقرة:]

وجه الدلالة:

أنه قد وجب القضاء على المريض والمسافر مع أنهما أفطرا بسبب العذر المبيح للإفطار، فَلَأن يجب على غير ذي العذر أولى.

أما عدم إيجاب الكفارة عليه فلأنه لم يثبت شيءٌ في إيجابها على غير المجامع في نهار رمضان.

الباب السابع: قيام رمضان (التراويح)

• الفصل الأول: تعريف التراويح لغة واصطلاحاً.

• الفصل الثاني: مشروعية صلاة التراويح وحكمها وفضلها.

• الفصل الثالث: صفة صلاة التراويح.

الفصل الأول: تعريف التراويح لغة واصطلاحاً

أولا: تعريف التراويح لغة:

التراويح لغةً: جمع ترويحة، وهي المرة الواحدة من الراحة، وروَّحت بالقوم ترويحاً: صليت بهم التراويح.

وسُمِّيت بذلك لأن الناس كانوا يطيلون القيام فيها والركوع والسجود، فإذا صلوا أربعاً استراحوا، ثم استأنفوا الصلاة أربعاً، ثم استراحوا، ثم صلوا ثلاثاً

ثانياً: تعريف التراويح اصطلاحاً:

التراويح اصطلاحاً: هي قيام شهر رمضان

الفصل الثاني: مشروعية صلاة التراويح وحكمها وفضلها

• المبحث الأول: مشروعية صلاة التراويح.

• المبحث الثاني: حكم صلاة التراويح.

• المبحث الثالث: حكم صلاة التراويح في المسجد.

• المبحث الرابع: حكم صلاة التراويح في المسجد للنساء.

• المبحث الخامس: فضل صلاة التراويح.

المبحث الأول: مشروعية صلاة التراويح

أجمعت الأمة على مشروعية صلاة التراويح، ولم ينكرها أحد من أهل العلم، وظاهر المنقول أنها شرعت في آخر سني الهجرة.

الدليل:

عن عائشة رضي الله تعالى عنها ((أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج ذات ليلة من جوف الليل، فصلى في المسجد، فصلى رجال بصلاته، فأصبح الناس فتحدثوا، فاجتمع أكثر منهم فصلوا معه، فأصبح الناس فتحدثوا، فكثر أهل المسجد من الليلة الثالثة، فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم فصلوا بصلاته، فلما كانت الليلة الرابعة عجز المسجد عن أهله حتى خرج لصلاة الصبح، فلما قضى الفجر أقبل على الناس، فتشهد ثم قال: أما بعد، فإنه لم يخف علي مكانكم، لكني خشيت أن تفرض عليكم فتعجزوا عنها)). أخرجه البخاري ومسلم.

فهذا يُشعِر أنَّ صلاة التراويح لم تُشرَع إلا في آخر سنيِّ الهجرة؛ لأنه لم يرد أنه صلاها مرة ثانية ولا وقع عنها سؤال.

المبحث الثاني: حكم صلاة التراويح

صلاة التراويح سنة مؤكدة.

الأدلة:

- قال أبو هريرة رضي الله عنه: ((كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يرغب في قيام رمضان من غير أن يأمرهم فيه بعزيمة، فيقول: من قام رمضان إيماناً واحتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه)). أخرجه البخاري ومسلم.

- عن عائشة رضي الله عنها ((أن رسول الله صلى الله عليه وسلم صلى في المسجد ذات ليلة فصلى بصلاته ناس، ثم صلى من القابلة، فكثر الناس ثم اجتمعوا من الليلة الثالثة أو الرابعة فلم يخرج إليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلما أصبح قال: قد رأيت الذي صنعتم، فلم يمنعني من الخروج إليكم إلا أني خشيت أن تُفرَض عليكم. قال: وذلك في رمضان)). أخرجه البخاري ومسلم

- وحكى الإجماع على سنيتها النووي، والصنعاني

المبحث الثالث: حكم صلاة التراويح في المسجد

السنة في التراويح أن تُؤدَّى جماعةً في المساجد، وهو ما ذهب إليه جمهور الفقهاء من الحنفية، والمالكية، والشافعية، والحنابلة.

الأدلة:

- عن عائشة رضي الله عنها ((أن رسول الله صلى الله عليه وسلم صلى في المسجد ذات ليلة فصلى بصلاته ناس، ثم صلى من القابلة، فكثر الناس، ثم اجتمعوا من الليلة الثالثة أو الرابعة، فلم يخرج إليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم فلما أصبح قال: قد رأيت الذي صنعتم، فلم يمنعني من الخروج إليكم إلا أني خشيت أن تفرض عليكم)). قال: وذلك في رمضان. أخرجه البخاري ومسلم

وجه الدلالة:

أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى صلاة التراويح بالجماعة، ولم يمنعه من الاستمرار بالجماعة إلا تخوفه أن تُفرَض على الأمة، ومعنى ذلك أن فعلها جماعة سنة.

- عن عبدالرحمن بن عبدٍ القارئ قال: ((خرجت مع عمر بن الخطاب رضي الله عنه ليلة في رمضان إلى المسجد فإذا الناس أوزاع متفرقون يصلي الرجل لنفسه ويصلي الرجل فيصلي بصلاته الرهط. فقال عمر رضي الله عنه: إني أرى لو جمعت هؤلاء على قارئ واحد لكان أمثل، ثم عزم فجمعهم إلى أبي بن كعب، ثم خرجت معه ليلة أخرى والناس يصلون بصلاة قارئهم. فقال عمر: نعم البدعة هذه، والتي ينامون عنها أفضل. يريد آخر الليل وكان الناس يقومون أوله)). أخرجه البخاري

المبحث الرابع: حكم صلاة التراويح في المسجد للنساء

الأفضل للمرأة أن تصلي قيام رمضان في بيتها، إلا إذا خشيت التفريط في القيام أو ضياعه، أو كانت صلاتها في المسجد أخشع لها وأنشط، فصلاتها في المسجد حينئذٍ أفضل،

بشرط التزام الحجاب الشرعي، وترك الزينة والتطيُّب إلى غير ذلك من الضوابط الشرعية لخروجها.

الأدلة:

- عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((لا تمنعوا نساءكم المساجد، وبيوتهن خيرٌ لهن)).

- عن أبي ذرٍّ رضي الله عنه قال: ((صمنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم رمضان فلم يقم بنا شيئاً من الشهر حتى بقي سبع، فقام بنا حتى ذهب ثلث الليل، فلما كانت السادسة لم يقم بنا، فلما كانت الخامسة قام بنا حتى ذهب شطر الليل، فقلت: يا رسول الله لو نفلتنا قيام هذه الليلة؟ فقال: إن الرجل إذا صلى مع الإمام حتى ينصرف، حُسِبَ له قيام ليلة، قال: فلما كانت الرابعة لم يقم، فلما كانت الثالثة جمع أهله ونساءه والناس، فقام بنا حتى خشينا أن يفوتنا الفلاح - أي السحور - ثم لم يقم بقية الشهر))

ففي قول أبي ذرٍ رضي الله عنه ((جمع أهله ونساءه))، دلالةٌ على مشروعية صلاة النساء للتراويح جماعةً في المسجد.

المبحث الخامس: فضل صلاة التراويح

أولاً: صلاة التراويح سببٌ لغفران الذنوب.

الدليل:

عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: ((كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يرغب في قيام رمضان من غير أن يأمرهم فيه بعزيمة، فيقول: من قام رمضان إيماناً واحتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه)). أخرجه البخاري ومسلم

ثانياً: من صلى التراويح مع الإمام حتى ينصرف كتب له قيام ليلةٍ كاملة.

الدليل:

عن أبي ذرٍّ رضي الله عنه قال: ((قلت: يا رسول الله لو نفلتنا قيام هذه الليلة؟ فقال: إن الرجل إذا صلى مع الإمام حتى ينصرف، حُسِبَ له قيام ليلة))

الفصل الثالث: صفة صلاة التراويح

• المبحث الأول: عدد ركعات صلاة التراويح.

• المبحث الثاني: القراءة في صلاة التراويح.

• المبحث الثالث: الدعاء في صلاة التراويح.

المبحث الأول: عدد ركعات صلاة التراويح

الأفضل أن تكون إحدى عشرة ركعة أو ثلاث عشرة ركعة مع تطويلها. وذهب جمهور الفقهاء إلى أن عدد ركعاتها عشرون ركعة، ومنهم من زاد على ذلك إلى ست وثلاثين ركعة، والأمر في ذلك واسع وكله جائز،

وهو اختيار ابن تيمية، والصنعاني، والشوكاني، والشنقيطي، وابن باز، وابن عثيمين.

الأدلة:

- عن أبي سلمة بن عبد الرحمن ((أنه سأل عائشة رضي الله عنها: كيف كانت صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم في رمضان؟ فقالت: ما كان يزيد في رمضان، ولا في غيرها على إحدى عشرة ركعة يصلي أربع ركعات فلا تسأل عن حسنهن وطولهن، ثم يصلي أربعاً فلا تسأل عن حسنهن وطولهن ثم يصلي ثلاثاً)). أخرجه البخاري ومسلم.

- عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: ((كان صلاة النبي صلى الله عليه وسلم ثلاث عشرة ركعة. يعني: بالليل)). أخرجه البخاري ومسلم

- عن ابن عمر ((أن رجلاً سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن صلاة الليل، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: صلاة الليل مثنى مثنى، فإذا خشي أحدكم الصبح صلى ركعة واحدة، توتر له ما قد صلى)). أخرجه البخاري ومسلم

المبحث الثاني: القراءة في صلاة التراويح

قراءة القرآن في صلاة التراويح مستحبةٌ باتفاق أئمة المسلمين دون تحديدٍ لمقدار القراءة فيها، فالأمر فيه واسع؛ وذلك لأنه لم يرد ما يدل على تحديده

واستحب بعض أهل العلم للأئمة أن يُسمِعُوا المأمومين جميع القرآن في قيام رمضان إذا لم يشق على الناس

المطلب الأول: دعاء القنوت

الفرع الأول: تعريف القنوت لغة واصطلاحاً

أولا: القنوت لغة:

يطلق القنوت لغة على عدة معان منها:

- الطاعة: ومن ذلك قوله تعالى: لَّهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ كُلٌّ لَّهُ قَانِتُونَ [البقرة:]

- الصلاة: ومن ذلك قوله تعالى: يَا مَرْيَمُ اقْنُتِي لِرَبِّكِ وَاسْجُدِي وَارْكَعِي مَعَ الرَّاكِعِينَ [آل عمران:]

- طول القيام: ومن ذلك قوله صلى الله عليه وسلم: ((أفضل الصلاة طول القنوت)). أي: طول القيام.

ثانيا: القنوت اصطلاحاً:

هو الدعاء في الصلاة في محلٍّ مخصوصٍ من القيام.

الفرع الثاني: حكم القنوت والمداومة عليه

المسألة الأولى: حكم القنوت في الوتر

يسن القنوت في الوتر في جميع السنة، وهو مذهب الحنفية، والحنابلة، وقول طائفة من السلف وهو اختيار ابن باز، وابن عثيمين.

الدليل:

أن الأحاديث الواردة في الوتر مطلقة غير مقيدة، ومثلها حديث الحسن بن علي رضي الله عنه قال: ((علمني رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كلمات أقولهن في قنوت الوتر: اللهم اهدني فيمن هديت ... )) الحديث،.

وهو مطلق، ليس فيه تقييد بزمن معين، فيبقى على إطلاقه.

المسألة الثانية: حكم المداومة على دعاء القنوت في كل ليلة

يستحب ترك المداومة على القنوت في كل ليلة، فيستحب أن يقنت أحيانا ويترك القنوت أحيانا، وهو قول الإمام أحمد، واختيار ابن عثيمين، والألباني.

وذلك لأن الأحاديث الواردة في إيتاره صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وهي كثيرة -؛ أكثرها لا يتعرض لذكر القنوت مطلقاً.

ومقتضى الجمع بينها وبين حديث أُبَيّ في قنوت النبي صلى الله عليه وسلم وما في معناه أن يقال: إنه كان يقنت أحياناً، ويدع أحياناً، فلو كان يقنت دائماً؛ لما خفي ذلك على أكثر الصحابة الذين رووا إيتاره صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم.

الفرع الثالث: محل القنوت

القنوت يكون في الركعة الأخيرة، ويجوز قبل الركوع، وبعد الركوع، وهو مروي عن أحمد بن حنبل ووجه عند الشافعية واختاره ابن تيمية وابن حجر، وابن باز وابن عثيمين والألباني.

الأدلة:

- عن علقمة ((أن ابن مسعود وأصحاب النبي صلى الله عليه وسلم كانوا يقنتون في الوتر قبل الركوع)).

فالأثر صريحٌ في كون القنوت قبل الركوع

ب- عن عبد الرحمن بن عبدٍ القاري؛ أنه قال: ((خرجت مع عمر بن الخطاب رضي الله عنه ليلة في رمضان إلى المسجد، فإذا الناس أوزاعٌ متفرقون، يصلي الرجل لنفسه، ويصلي الرجل فيصلي بصلاته الرهط، فقال عمر: إني أرى لو جمعت هؤلاء على قارئ واحد؛ لكان أمثل. ثم عزم، فجمعهم على أبي بن كعب، ثم خرجت معه ليلة أخرى والناس يصلون بصلاة قارئهم، قال عمر: نعم البدعة هذه، والتي ينامون عنها أفضل من التي يقومون- يريد: آخر الليل - وكان الناس يقومون أوله، وكانوا يلعنون الكفرة في النصف: اللهم قاتل الكفرة الذين يصدون عن سبيلك، ويكذبون رسلك، ولا يؤمنون بوعدك، وخالف بين كلمتهم، وألق في قلوبهم الرعب، وألق عليهم رجزك وعذابك، إله الحق. ثم يصلي على النبي صلى الله عليه وسلم، ويدعو للمسلمين بما استطاع من خير، ثم يستغفر للمؤمنين. قال: وكان يقول إذا فرغ من لعنه الكفرة وصلاته على النبي واستغفاره للمؤمنين والمؤمنات ومسألته: اللهم إياك نعبد، ولك نصلي ونسجد، وإليك نسعى ونحفد، ونرجو رحمتك ربنا، ونخاف عذابك الجد، إن عذابك لمن عاديت ملحق، ثم يكبر ويهوي ساجداً)).

وجه الدلالة:

في قوله: ((ثم يكبر ويهوي ساجداً))؛ ففيه أن دعاء القنوت في الوتر كان بعد الركوع، فلو كان الدعاء بعد القراءة لكبر للركوع لا للسجود.

الفرع الرابع: رفع اليدين أثناء القنوت

يستحب رفع اليدين في القنوت، وهو مذهب الحنابلة، والصحيح عند الشافعية، واختاره ابن باز، وابن عثيمين، والألباني.

الأدلة:

- عن أنس رضي الله عنه - في قصة القرَّاء الذين قُتِلوا - قال: ((لقد رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم كلما صلى الغداة رفع يديه يدعو عليهم - يعني على الذين قتلوهم)). والقنوت في الوتر من جنس القنوت في النوازل.

- عن أبي رافع ((أنه صلى خلف عمر رضي الله عنه فقنت بعد الركوع ورفع يديه وجهر بالدعاء)).

الفرع الخامس: مسح الوجه باليدين بعد القنوت

ولا يمسح وجهه بيديه بعد الفراغ من دعاء القنوت، وهو قول مالك، ورواية عن أحمد، ووجه عند الشافعية، وهو اختيار البيهقي، والعز بن عبد السلام، وابن تيمية، وابن باز، وابن عثيمين؛ وذلك لأنه لم يصح فيه دليلٌ تقوم به حجة، والأصل في العبادات التوقيف.

الفرع السادس: ألفاظ القنوت وحكم القنوت بغير الوارد

المسألة الأولى: ألفاظ قنوت الوتر

- عن الحسن بن علي رضي الله عنه أنه قال: ((علمني رسول الله صلى الله عليه وسلم كلمات أقولهن في الوتر: اللهم اهدني فيمن هديت، وعافني فيمن عافيت، وتولني فيمن توليت، وبارك لي فيما أعطيت، وقني شر ما قضيت، فإنك تقضي ولا يقضى عليك، وإنه لا يذل من واليت، تباركت ربنا وتعاليت)).

المسألة الثانية: حكم القنوت بغير الوارد عن النبي صلى الله عليه وسلم

يجوز أن يدعو المصلي في قنوت الوتر بما شاء، سواء دعا معه بالوارد المأثور أو لا، وهو ما ذهب إليه أكثر الفقهاء، ونص عليه فقهاء الحنفية، والشافعية، والحنابلة، وبه أفتت اللجنة الدائمة، وابن عثيمين؛

وذلك لأنه ورد عن الصحابة أدعية مختلفة في حال القنوت.

الفرع السابع: الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم بعد القنوت

يسن الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم بعد الفراغ من دعاء القنوت، وهو الصحيح من مذهب الشافعية، والمذهب عند الحنابلة، وقولٌ عند الحنفية.

الأدلة:

أنه ثبت عن بعض الصحابة رضي الله عنهم في آخر قنوت الوتر, ومن ذلك:

- أثر أُبي بن كعب كما في حديث عبد الرحمن بن عبدٍ القاري قال: ((وكان يلعنون الكفرة في النصف: اللهم قاتل الكفرة الذين يصدون عن سبيلك، ويكذبون رسلك، ولا يؤمنون بوعدك، وخالف بين كلمتهم، وألق في قلوبهم الرعب، وألق عليهم رجزك وعذابك، إله الحق. ثم يصلي على النبي صلى الله عليه وسلم، ويدعو للمسلمين بما استطاع من خير، ثم يستغفر للمؤمنين. قال: وكان يقول إذا فرغ من لعنه الكفرة وصلاته على النبي واستغفاره للمؤمنين والمؤمنات ومسألته: اللهم ...... ))

- أثر: معاذ الأنصاري رضي الله عنه ((أنه كان يصلي على النبي صلى الله عليه وسلم في القنوت)).

المطلب الثاني: الدعاء عند ختم القرآن الكريم

لا يشرع للإمام الدعاء في الصلاة بعد ختم القرآن، وإليه ذهب الإمام مالك، واختاره ابن عثيمين وبكر أبو زيد.

وذلك لأن العبادات مبناها على الشرع والإتباع وليس لأحدٍ أن يعبد الله تعالى إلا بما شرعه سبحانه، أو سنَّه نبينا محمد صلى الله عليه وسلم. ودون ذلك ابتداعٌ في الدين، وليس في هذه المسألة شيءٌ عن النبي صلى الله عليه وسلم، أو عن صحابته رضي الله تعالى عنهم.

كما أن ذلك من العبادات الجهرية التي لو وقعت لنقل وقوعها واشتهر أمرها في كتب الرواية والأثر.

المطلب الثالث: مخالفات في دعاء القنوت

- المبالغة في رفع الإمام صوته في الدعاء، حتى يصل أحياناً إلى حد الصياح والصراخ.

- المبالغة في رفع الصوت بالبكاء.

- الإطالة المفرطة في الدعاء ..

- الاعتداء في الدعاء وتكلف السجع فيه.

- مواظبة بعض الأئمة على دعاءٍ معينٍ في كل قنوت.


الاعتكاف

الباب الثامن: أحكام الاعتكاف

• الفصل الأول: تعريف الاعتكاف.

• الفصل الثاني: حكم الاعتكاف وغايته.

• الفصل الثالث: شروط صحة الاعتكاف.

• الفصل الرابع: ما يفسد الاعتكاف وما لا يفسده.

• الفصل الخامس: نذر الاعتكاف.

• الفصل السادس: قضاء الاعتكاف.

• الفصل السابع: ما يندب للمعتكف فعله.

الفصل الأول: تعريف الاعتكاف

• الاعتكاف لغةً:.

• الاعتكاف اصطلاحاً:.

الاعتكاف لغةً:

عكف على الشيء أي أقبل عليه مواظباً لا يصرف عنه وجهه، ويقال لمن لازم المسجد وأقام على العبادة فيه، عاكفٌ ومعتكف.

والاعتكاف والعكوف: الإقامة على الشيء بالمكان ولزومهما، والاحتباس عليه

الاعتكاف اصطلاحاً:

هو الإقامة في المسجد بنية التقرُّب إلى الله عز وجل، ليلاً كان أو نهاراً

المطلب الأول: حكم الاعتكاف للرجال

الاعتكاف سنةٌ للرجال.

الأدلة:

أولاً: من السنة:

- عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: ((إن رسول الله صلى الله عليه وسلم اعتكف العشر الأول من رمضان، ثم اعتكف العشر الأوسط في قبة تركية على سدتها حصير .. ثم أطلع رأسه فكلم الناس، فدنوا منه، فقال: إني اعتكفت العشر الأول، ألتمس هذه الليلة، ثم اعتكفت العشر الأوسط، ثم أتيت فقيل لي: إنها في العشر الأواخر، فمن أحب منكم أن يعتكف، فليعتكف. فاعتكف الناس معه)). أخرجه مسلم

وجه الدلالة:

أن اعتكاف النبي صلى الله عليه وسلم يدل على السنية، وتعليقه الاعتكاف على من أحب ذلك يدل على عدم الوجوب.

ثانياً: الإجماع:

أجمع العلماء على أن الاعتكاف سنةٌ وليس بواجب، وقد حكى الإجماع على ذلك ابن المنذر، وابن عبدالبر، والنووي

المطلب الثاني: حكم اعتكاف النساء

الاعتكاف سنةٌ للنساء كالرجال، وهذا باتفاق المذاهب الفقهية الأربعة: الحنفية، والمالكية، والشافعية، والحنابلة،

الأدلة:

- عن عائشة رضي الله عنها: ((أن النبي صلى الله عليه وسلم اعتكف معه بعض نسائه وهي مستحاضةٌ ترى الدم، فربما وضعت الطست تحتها من الدم .. )). أخرجه البخاري

- عن عائشة رضي الله عنها ((أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يعتكف العشر الأواخر من رمضان حتى توفاه الله، ثم اعتكف أزواجه من بعده)). أخرجه البخاري ومسلم

- عن عائشة رضي الله عنها: ((أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ذكر أن يعتكف العشر الأواخر من رمضان، فاستأذنته عائشة، فأذن لها، وسألت حفصة عائشة أن تستأذن لها ففعلت، فلما رأت ذلك زينب ابنة جحش أمرت ببناء، فبني لها، قالت: وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا صلى انصرف إلى بنائه، فبصر بالأبنية فقال: ما هذا؟ قالوا: بناء عائشة وحفصة وزينب .. )). أخرجه البخاري ومسلم

المبحث الثاني: غاية الاعتكاف

للاعتكاف غاياتٌ منها:

أولاً: عكوف القلب على طاعة الله تعالى.

ثانياً: جمع القلب عليه ووقف النفس له.

ثالثاً: الخلوة به.

رابعاً: الانقطاع عن الاشتغال بالخلق وتفريغ القلب من أمور الدنيا، والاشتغال به وحده سبحانه، بحيث يصير ذكره وحبه، والإقبال عليه في محل هموم القلب وخطراته، فيستولي عليه بدلها، ويصير الهم كله به، والخطرات كلها بذكره، والتفكر في تحصيل مراضيه وما يقرِّبُ منه، فيصير أنسه بالله بدلاً عن أنسه بالخلق، فيعده بذلك لأنسه به يوم الوحشة في القبور حين لا أنيس له، ولا ما يفرح به سواه، فهذا مقصود الاعتكاف الأعظم.

المبحث الأول: الإسلام

يشترط لصحة الاعتكاف: الإسلام، وهذا باتفاق المذاهب الفقهية الأربعة: الحنفية، والمالكية، والشافعية، والحنابلة.

الأدلة:

أولاً: من الكتاب:

- قوله تعالى: وَمَا مَنَعَهُمْ أَنْ تُقْبَلَ مِنْهُمْ نَفَقَاتُهُمْ إِلَّا أَنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللَّهِ وَبِرَسُولِه [التوبة:]

فكما أنه لا تقبل من الكافر النفقة، فكذلك لا تقبل منه العبادات البدنية.

- قوله تعالى: وَقَدِمْنَا إِلَى مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاءً مَنْثُورًا [الفرقان:]

أي قصدنا في ذلك إلى ما كان يعمله المجرمون من عمل برٍّ عند أنفسهم، فَجَعَلْنَاهُ هَبَاءً مَنْثُوراً أي لا يُنتفَعُ به؛ حيث أبطلناه بالكفر.

ثانياً: من السنة:

عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((إنما الأعمال بالنيات، وإنما لكل امرئ ما نوى)). أخرجه البخاري ومسلم.

فالعبادة لا تؤدى إلا بالنية، والكافر ليس من أهل النية.

المبحث الثاني: العقل

يشترط لصحة الاعتكاف: العقل، وهذا باتفاق المذاهب الفقهية الأربعة: الحنفية، والمالكية، والشافعية، والحنابلة.

الأدلة:

- عن علي رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((رفع القلم عن ثلاثة: عن النائم حتى يستيقظ، وعن الصبي حتى يحتلم، وعن المجنون حتى يعقل))

- عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((إنما الأعمال بالنيات، وإنما لكل امرئ ما نوى)). أخرجه البخاري ومسلم.

فالعبادة لا تؤدى إلا بالنية، والمجنون ليس من أهل النية.

المبحث الثالث: التمييز

يشترط لصحة الاعتكاف: التمييز، وهذا باتفاق المذاهب الفقهية الأربعة: الحنفية، والمالكية، والشافعية، والحنابلة.

الدليل:

عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((إنما الأعمال بالنيات، وإنما لكل امرئ ما نوى)). أخرجه البخاري ومسلم.

فلا تؤدى العبادة إلا بالنية، وغير المميز ليس من أهل النية.

المبحث الرابع: النية

يشترط لصحة الاعتكاف: النية، وقد حكى الإجماع على ذلك ابن رشد، وابن جزي

فلا يصح الاعتكاف ولزوم المسجد بدون نية.

الدليل:

عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((إنما الأعمال بالنيات، وإنما لكل امرئ ما نوى)). أخرجه البخاري ومسلم.

المبحث الخامس: إذن الزوج لزوجته

يشترط لاعتكاف الزوجة أن يأذن لها زوجها، وهو قول الحنفية، والمالكية، والشافعية، والحنابلة

الدليل:

عن عائشة رضي الله عنها: ((أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ذكر أن يعتكف العشر الأواخر من رمضان، فاستأذنته عائشة، فأذن لها، وسألت حفصة عائشة أن تستأذن لها ففعلت، فلما رأت ذلك زينب ابنة جحش أمرت ببناء، فبني لها، قالت: وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا صلى انصرف إلى بنائه، فبصر بالأبنية فقال: ما هذا؟ قالوا: بناء عائشة وحفصة وزينب. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: آلبر أردن بهذا؟! ما أنا بمعتكف. فرجع، فلما أفطر اعتكف عشراً من شوال)). أخرجه البخاري ومسلم

المطلب الأول: اعتبار المسجد

يشترط لصحة الاعتكاف أن يكون في المسجد.

الأدلة:

أولاً: من الكتاب:

قوله تعالى: وَلا تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنْتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلا تَقْرَبُوهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ آيَاتِهِ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ [البقرة:]

وجه الدلالة:

أنَّ تخصيص المسجد بالذكر يقتضي أنَّ ما عداه بخلافه، ولمَّا لم يكن المعتكِف في غير المسجد منهياً عن المباشرة عُلِمَ أنه ليس باعتكاف.

ثانياً: من السنة:

عن عائشة رضي الله عنها قالت: ((وإن كان رسول الله صلى الله عليه وسلم لَيُدْخِلُ عليَّ رأسَه وهو في المسجد فأُرَجِّلُهُ، وكان لا يدخل البيت إلا لحاجةٍ، إذا كان معتكفاً)). أخرجه البخاري ومسلم.

ثالثا: الإجماع:

أجمع العلماء على أن الاعتكاف مكانه المسجد، وإلا لا يسمى اعتكافاً شرعياً، وقد حكى هذا الإجماع ابن عبد البر، وابن قدامة، والقرطبي، وابن تيمية.

المطلب الثاني: حكم الاعتكاف في غير المساجد الثلاثة

يصح الاعتكاف في غير المساجد الثلاثة، (وهي المسجد الحرام، والمسجد النبوي، والمسجد الأقصى)، وهذا باتفاق المذاهب الفقهية الأربعة: الحنفية، والمالكية، والشافعية، والحنابلة، وهو قول أكثر أهل العلم من السلف والخلف

الدليل:

عموم قوله تعالى: وَلا تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنْتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلا تَقْرَبُوهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ آيَاتِهِ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ [البقرة:]

فلفظ المساجد عامٌّ لجميع المساجد، وليس للمساجد الثلاثة فقط.

المطلب الثالث: ضابط المسجد الذي يصح فيه الاعتكاف

إن كان يتخلل الاعتكاف صلاة جماعةٍ، فيشترط لصحته أن يكون في مسجد جماعة، وهو قول الحنفية، والحنابلة، واختاره ابن باز، وابن عثيمين.

وذلك لأن الجماعة واجبةٌ، واعتكاف الرجل في مسجٍد لا تقام فيه الجماعة إن كان يتخلل اعتكافه جماعة يفضي إلى أحد أمرين:

إما ترك الجماعة الواجبة.

وإما خروجه إليها فيتكرر ذلك منه كثيراً مع إمكان التحرز منه، وذلك منافٍ للاعتكاف إذ هو لزوم المعتكَف والإقامة على طاعة الله تعالى فيه.

المطلب الرابع: الاعتكاف في غير مسجد الجمعة

الفرع الأول: الاعتكاف في غير مسجد الجمعة إن كان لا يتخلل الاعتكاف جمعة

يجوز الاعتكاف في غير مسجد الجمعة إن كان لا يتخلل الاعتكاف جمعة، وهو مذهب الجمهور من الحنفية، والمالكية، والشافعية، والحنابلة، وهو قول طائفةٍ من السلف، والخلف

الدليل:

عموم قوله تعالى: وَلا تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنْتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلا تَقْرَبُوهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ آيَاتِهِ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ [البقرة:]

فلفظ المساجد عامٌّ لجميع المساجد، وتخصيصه ببعض المساجد دون بعضٍ يحتاج إلى دليل.

الفرع الثاني: الاعتكاف في غير الجامع إن كان يتخلل اعتكافه يوم جمعة

من وجبت عليه الجمعة، وكانت تتخلَّل اعتكافه، فإنه لا يشترط لصحة استمرار الاعتكاف أن يكون اعتكافه في الجامع – وعليه أن يخرج لحضور الجمعة ثم يرجع إلى المسجد الذي يعتكف فيه - ولكنَّ الأفضل أن يكون اعتكافه في المسجد الجامع، وهو قول الحنفية، والحنابلة، وقولٌ لبعض السلف، وهو اختيار ابن العربي المالكي، وابن باز، وابن عثيمين.

الدليل:

عموم قوله تعالى: وَلا تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنْتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلا تَقْرَبُوهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ آيَاتِهِ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ [البقرة:]

فلفظ المساجد عامٌّ لجميع المساجد، وتخصيصه ببعض المساجد دون بعضٍ يحتاج إلى دليل.

وأما خروجه إلى الجمعة فهو ضرورةٌ من الضرورات، لا يبطل بها الاعتكاف.

المطلب الخامس: هل المنارة والرحبة والسطح وغيرها تعد من المسجد؟

الفرع الأول: صعود المعتكف إلى منارة المسجد

يصح صعود المعتكف إلى منارة المسجد إن كانت في المسجد أو بابها فيه، وهو قول الجمهور من الحنفية، والشافعية، والحنابلة

وذلك لأن المنارة إن كانت في المسجد أو بابها فيه، فهي من جملة المسجد فتأخذ أحكامه.

الفرع الثاني: خروج المعتكف إلى الرحبة

يصح خروج المعتكف إلى الرحبة إن كانت متصلة بالمسجد، وهو قول الشافعية، وبعض المالكية، وروايةٌ عن أحمد، وهو اختيار ابن حزم، وابن تيمية، وابن القيم.

وذلك لأن الرحبة إن كانت في المسجد فهي من جملته فتأخذ أحكامه.

الفرع الثالث: صعود المعتكف إلى سطح المسجد أو الاعتكاف فيه

يصح الاعتكاف في سطح المسجد أو صعود المعتكف إليه، وهو قول جمهور العلماء من الحنفية، والشافعية، والحنابلة، بل حكى ابن قدامة الإجماع على ذلك.

وذلك لأن السطح من جملة المسجد فيأخذ أحكامه.

المطلب السادس: اعتكاف المرأة في مسجد بيتها

لا يصح اعتكاف المرأة في مسجد بيتها، وهو قول جمهور الفقهاء من المالكية، والشافعية، والحنابلة

الأدلة:

أولاً: من الكتاب:

قوله تعالى: وَلا تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنْتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلا تَقْرَبُوهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ آيَاتِهِ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ [البقرة:]

والمراد بالمساجد: المواضع التي بنيت للصلاة فيها. وموضع صلاة المرأة في بيتها ليس بمسجد؛ لأنه لم يبن للصلاة فيه، فلا يثبت له أحكام المساجد الحقيقية.

ثانياً: من السنة:

- عن عائشة رضي الله عنها: ((أن النبي صلى الله عليه وسلم اعتكف معه بعض نسائه وهي مستحاضةٌ ترى الدم، فربما وضعت الطست تحتها من الدم ... )). أخرجه البخاري

وجه الدلالة:

أن النبي صلى الله عليه وسلم مكَّن امرأته أن تعتكف في المسجد وهي مستحاضةٌ، إذ لا تفعل ذلك إلا بأمره، ولو كان الاعتكاف في البيت جائزاً لما أمرها بالمسجد، ولأمرها بالبيت؛ فإنه أسهل وأيسر وأبعد عن تلويث المسجد بالنجاسة، وعن مشقة حمل الطست ونقله، وهو صلى الله عليه وسلم لم يُخيَّر بين أمرين إلا اختار أيسرهما ما لم يكن إثماً، فعُلِمَ أن الجلوس في غير المسجد ليس باعتكاف.

- عن عائشة رضي الله عنها: ((أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ذكر أن يعتكف العشر الأواخر من رمضان، فاستأذنته عائشة، فأذن لها، وسألت حفصة عائشة أن تستأذن لها ففعلت، فلما رأت ذلك زينب ابنة جحش أمرت ببناء، فبني لها، قالت: وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا صلى انصرف إلى بنائه، فبصر بالأبنية فقال: ما هذا؟ قالوا: بناء عائشة وحفصة وزينب، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: آلبر أردن بهذا؟! ما أنا بمعتكف. فرجع، فلما أفطر اعتكف عشراً من شوال)). أخرجه البخاري ومسلم

وجه الدلالة:

أنه لو كان اعتكافهن رضي الله عنهن في غير المسجد العام ممكناً؛ لاستغنين بذلك عن ضرب الأخبية في المسجد كما استغنين بالصلاة في بيوتهن عن الجماعة في المسجد، ولَأَمرهن النبيُّ صلى الله عليه وسلم بذلك.

المبحث السابع: الطهارة مما يوجب غسلاً

لا يصح الاعتكاف ابتداءً إلا بطهارة المعتكف مما يوجب الغسل كجنابةٍ أو حيضٍ أو نفاس، وهذا باتفاق المذاهب الفقهية الأربعة: الحنفية، والمالكية، والشافعية، والحنابلة

الأدلة:

أولاً: من الكتاب:

قوله تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَقْرَبُوا الصَّلاةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَى حَتَّى تَعْلَمُوا مَا تَقُولُونَ وَلا جُنُباً إِلَّا عَابِرِي سَبِيلٍ حَتَّى تَغْتَسِلُوا [النساء:]

ثانياً: من السنة:

- عن أم عطية قالت: ((أمرنا - تعني النبي صلى الله عليه وسلم - أن نُخرِجَ في العيدين العواتق، وذوات الخدور، وأمر الحُيَّض أن يعتزلن مصلَّى المسلمين)). أخرجه البخاري ومسلم

- عن عائشة رضي الله عنها قالت: ((قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: ناوليني الخمرة من المسجد. قالت: فقلت إني حائض. فقال: إنَّ حيضتك ليست في يدك)). أخرجه مسلم

المطلب الأول: زمان الاعتكاف

يجوز الاعتكاف في رمضان وفي غيره، وقد حكى ابن عبد البر الإجماع على هذا، إلا أنه يُستحَبُّ في العشر الأواخر من رمضان، وهذا باتفاق المذاهب الفقهية الأربعة: الحنفية، والمالكية، والشافعية، والحنابلة

الأدلة:

- عن عائشة رضي الله عنها ((أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يعتكف العشر الأواخر من رمضان حتى توفاه الله، ثم اعتكف أزواجه من بعده)). أخرجه البخاري ومسلم

وفيه استحباب اعتكاف العشر الأواخر من رمضان.

- عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: ((كان النبي صلى الله عليه وسلم يعتكف في كل رمضان عشرة أيام، فلما كان العام الذي قبض فيه اعتكف عشرين يوماً)). أخرجه البخاري

وفيه جواز الاعتكاف في العشر وفي غير العشر.

- عن عائشة رضي الله عنها: ((أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ذكر أن يعتكف العشر الأواخر من رمضان، فاستأذنته عائشة، فأذن لها، وسألت حفصة عائشة أن تستأذن لها ففعلت، فلما رأت ذلك زينب ابنة جحش أمرت ببناء، فبني لها، قالت: وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا صلى انصرف إلى بنائه، فبصر بالأبنية فقال: ما هذا؟ قالوا: بناء عائشة وحفصة وزينب. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: آلبر أردن بهذا؟! ما أنا بمعتكف. فرجع، فلما أفطر اعتكف عشراً من شوال)). أخرجه البخاري ومسلم

وفيه أن الاعتكاف يكون في رمضان وفي غيره.

المطلب الثاني: متى يبدأ من أراد الاعتكاف في العشر الأواخر من رمضان ومتى ينتهي؟

الفرع الأول: متى يبدأ من أراد الاعتكاف في العشر الأواخر من رمضان؟

اختلف أهل العلم متى يبدأ الاعتكاف في العشر الأواخر من رمضان، على قولين:

القول الأول: يبدأ قبل غروب شمس ليلة إحدى وعشرين، وهو مذهب جمهور الفقهاء من الحنفية، والمالكية، والشافعية، والحنابلة،

الأدلة:

- عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه ((أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يعتكف في العشر الأوسط من رمضان، فاعتكف عاماً، حتى إذا كان ليلة إحدى وعشرين، وهي الليلة التي يخرج من صبيحتها من اعتكافه، قال: من كان اعتكف معي فليعتكف العشر الأواخر)). أخرجه البخاري ومسلم

- عن عائشة رضي الله عنها: ((أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يعتكف العشر الأواخر من رمضان حتى توفاه الله، ثم اعتكف أزواجه من بعده)). أخرجه البخاري ومسلم.

وجه الدلالة:

أن العشر بغير هاء، عدد الليالي, فإنها عدد المؤنث, كما قال الله تعالى: وَليالٍ عَشْر. وأول الليالي العشر ليلة إحدى وعشرين.

القول الثاني: يبدأ الاعتكاف من بعد صلاة فجر اليوم الواحد والعشرين، وهي رواية عن أحمد، وقول الأوزاعي وابن المنذر، واختيار ابن القيم، والصنعاني، وابن باز

الدليل:

عن عائشة رضي الله عنها قالت: ((كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أراد أن يعتكف، صلى الفجر، ثم دخل معتكفه)). أخرجه البخاري ومسلم

الفرع الثاني: متى ينتهي الاعتكاف في أيام العشر الأواخر من رمضان؟

ينتهي وقت الاعتكاف في أيام العشر الأواخر من بعد غروب شمس آخر يومٍ من رمضان، وهذا مذهب جمهور الفقهاء من الحنفية، والمالكية، والشافعية، والحنابلة،

المطلب الثالث: أقل مدةٍ للاعتكاف

اختلف أهل العلم في أقل مدةٍ تصلح للاعتكاف، على أقوال، منها:

القول الأول: أقلُّ زمانٍ للاعتكاف لحظةٌ وهو ما ذهب إليه الحنفية، والشافعية، وهو قولٌ للحنابلة، واختاره ابن حزم، والشوكاني وابن باز.

الدليل:

عموم قوله تعالى: وَلا تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنْتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ [البقرة:]

فكل إقامةٍ في مسجدٍ لله تعالى بنية التقرب إليه، فهي اعتكاف، سواء قلت المدة أو كثرت حيث لم يخص الشارع عدداً أو وقتاً.

القول الثاني: أقل الاعتكاف يومٌ وليلة، وهو مذهب المالكية،

وذلك لأن المالكية يشترطون الصوم مع الاعتكاف، والصوم لا يكون إلا في يومٍ كامل، فكذلك الاعتكاف لا يكون إلا في يوم كاملٍ.

المطلب الرابع: أطول مدةٍ للاعتكاف

لا حد لأكثر زمان الاعتكاف ما لم يتضمن أية محذوراتٍ شرعية، وهذا باتفاق المذاهب الفقهية الأربعة: الحنفية، والمالكية، والشافعية، والحنابلة،، بل حكى الإجماع على ذلك ابن الملقن، وابن حجر.

الدليل:

عموم قوله تعالى: وَلا تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنْتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ [البقرة:]

فلم يحده الله سبحانه وتعالى بوقتٍ، ولم يقدره بمدةٍ، فهو على إطلاقه، وغيرُ جائزٍ تخصيصُهُ بغير دلالة.

المبحث التاسع: اشتراط الصوم للاعتكاف

يصح الاعتكاف من غير صومٍ، وهو قول الشافعية، والمشهور عند الحنابلة، وقول طائفةٍ من السلف، وهو ما ذهب إليه ابن حزم، والنووي، وابن دقيق العيد، وابن حجر، وابن باز، وابن عثيمين

الأدلة:

- عن ابن عمر رضي الله عنهما، ((أن عمر سأل النبي صلى الله عليه وسلم، قال: كنت نذرت في الجاهلية أن أعتكف ليلةً في المسجد الحرام؟ قال: فأوف بنذرك)). أخرجه البخاري ومسلم

وجه الدلالة:

أن النبي صلى الله عليه وسلم قد أذن لعمر رضي الله عنه بالاعتكاف ليلاً، ومعلومٌ أن الليل لا صوم فيه، فلو كان الصوم شرطاً في صحة الاعتكاف، لما صح اعتكاف الليل لأنه لا صيام فيه.

- عن عائشة رضي الله عنها قالت: ((كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أراد أن يعتكف، صلى الفجر، ثم دخل معتكفه. وإنه أمر بخبائه فضرب. أراد الاعتكاف في العشر الأواخر من رمضان، فأمرت زينب بخبائها فضرب، وأمر غيرها من أزواج النبي صلى الله عليه وسلم بخبائه فضرب، فلما صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم الفجر، نظر فإذا الأخبية، فقال: آلبر تردن؟ فأمر بخبائه فقوِّض، وترك الاعتكاف في شهر رمضان، حتى اعتكف في العشر الأول من شوال)). أخرجه البخاري ومسلم

ففيه دليلٌ على جواز الاعتكاف بغير صوم؛ لأن أول شوال هو يوم الفطر وصومه حرام

كما أن إيجاب الصوم حكمٌ لا يثبت إلا بالشرع، ولم يصح فيه نصٌّ ولا إجماع

مطلب: أقسام الخروج من المسجد

الفرع الأول: الخروج ببعض البدن

الخروج ببعض البدن من المسجد لا بأس به للمعتكف ولا يفسد الاعتكاف، وهذا باتفاق المذاهب الفقهية الأربعة: الحنفية، والمالكية، والشافعية، والحنابلة،

الأدلة:

- عن عائشة رضي الله عنها قالت: ((كان النبي صلى الله عليه وسلم ... يخرج رأسه من المسجد - وهو معتكف - فأغسله وأنا حائض)). أخرجه البخاري ومسلم

- عن عائشة رضي الله عنها: ((أنها كانت ترجل النبي صلى الله عليه وسلم وهي حائض، وهو معتكفٌ في المسجد وهي في حجرتها، يناولها رأسه)). أخرجه البخاري ومسلم

الفرع الثاني: الخروج بجميع البدن بغير عذر

الخروج بجميع البدن من المسجد بغير عذرٍ يفسد الاعتكاف، وهذا باتفاق المذاهب الفقهية الأربعة: الحنفية، والمالكية، والشافعية، والحنابلة،، بل حكى ابن حزم الإجماع على ذلك

الدليل:

عن عائشة رضي الله عنها قالت: ((وإن كان رسول الله صلى الله عليه وسلم ليدخل علي رأسه وهو في المسجد فأرجله، وكان لا يدخل البيت إلا لحاجةٍ، إذا كان معتكفا)). أخرجه البخاري ومسلم.

الفرع الثالث: الخروج بجميع البدن بعذر

الخروج لأمرٍ لا بد منه حساً أو شرعاً جائزٌ، كقضاء الحاجة والوضوء من الحدث وغير ذلك.

الدليل:

الإجماع:

فقد أجمع أهل العلم على ذلك، وممن نقل الإجماع ابن المنذر، والماوردي، وابن قدامة، والنووي

المبحث الثاني: الجماع وإنزال المني والاحتلام

المطلب الأول: الجماع وإنزال المني

الجماع وإنزال المني عمداً يحرم على المعتكف ويفسد عليه الاعتكاف.

الأدلة:

أولاً: من الكتاب:

قوله تعالى: وَلا تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنْتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ [البقرة:]

ثانياً: الإجماع:

أجمع العلماء على أن الجماع من مفسدات الاعتكاف، وقد حكى الإجماع على ذلك ابن المنذر، والجصاص، وابن حزم، وابن عبدالبر، والقرطبي، والنووي المطلب الثاني: الاحتلام

المعتكف إذا احتلم لا يفسد اعتكافه، وعليه أن يغتسل ويتم اعتكافه، وهذا باتفاق المذاهب الفقهية الأربعة: الحنفية، والمالكية، والشافعية، والحنابلة،

الدليل:

عن علي رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((رفع القلم عن ثلاثة: عن النائم حتى يستيقظ، وعن الصبي حتى يحتلم، وعن المجنون حتى يعقل))

المبحث الثالث: طروء الحيض والنفاس

طروء الحيض أو النفاس على المعتكفة يحرِّم عليها اللبث في المسجد، فينقطع بذلك اعتكافها مؤقتاً، ولا يبطله، فإذا طهرت فإنها ترجع إلى المسجد الذي كانت تعتكف فيه وتبني على ما مضى من اعتكافها، وهذا قول جمهور العلماء من المالكية، والشافعية، والحنابلة،، وقد حكى ابن قدامة الإجماع على تحريم مكثها في المسجد

الأدلة:

أولاً: من الكتاب:

قوله تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَقْرَبُوا الصَّلاةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَى حَتَّى تَعْلَمُوا مَا تَقُولُونَ وَلا جُنُباً إِلَّا عَابِرِي سَبِيلٍ حَتَّى تَغْتَسِلُوا [النساء:]

وجه الدلالة:

أنه إذا وجب على الجنب ألا يقرب المسجد حتى يغتسل، فالحائض والنفساء أولى منه بذلك؛ لأن الحيض والنفاس لا يمكن رفعهما، فهما أولى بالمنع.

ثانياً: من السنة:

- عن أم عطية قالت ((أمرنا - تعني النبي صلى الله عليه وسلم - أن نخرج في العيدين العواتق، وذوات الخدور، وأمر الحيض أن يعتزلن مصلى المسلمين)). أخرجه البخاري ومسلم

- عن عائشة رضي الله عنها قالت: ((قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: ناوليني الخمرة من المسجد. قالت: فقلت إني حائض. فقال: إن حيضتك ليست في يدك)). أخرجه مسلم

المبحث الرابع: طروء الإغماء والجنون

طروء الإغماء والجنون يقطع الاعتكاف فإن أفاق بنى على اعتكافه، وهذا قول جمهور العلماء من المالكية، والشافعية والحنابلة.

الدليل:

عن علي رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((رفع القلم عن ثلاثة: عن النائم حتى يستيقظ، وعن الصبي حتى يحتلم، وعن المجنون حتى يعقل))

المبحث الخامس: المعاصي

المعاصي تجرح معنى الاعتكاف الذي يدور رحاه على الانقطاع إلى الله سبحانه وتعالى في بيتٍ من بيوته، لكن إن وقعت من المعتكف المعصية فإنها لا تفسد اعتكافه حتى لو كانت هذه المعصية من جنس الكبائر كالغيبة والنميمة ونحوهما، وهذا قول جمهور العلماء من الحنفية، والشافعية، والحنابلة

وذلك لأن النهي عن المعاصي ومنها الكبائر لا يعود إلى ذات المنهي عنه، فلم يخص الشارعُ النهيَّ عن المعصية في حال الاعتكاف، وإنما أتى النهي عنها مطلقاً، فهو بالتالي أمر خارج عن ذات الاعتكاف فلا يكون مبطلاً له.

المبحث السادس: الردة

الردة تفسد الاعتكاف، وهذا باتفاق المذاهب الفقهية الأربعة: الحنفية، والمالكية، والشافعية، والحنابلة.

الأدلة:

أولاً: من الكتاب:

- قوله تعالى: وَمَا مَنَعَهُمْ أَنْ تُقْبَلَ مِنْهُمْ نَفَقَاتُهُمْ إِلَّا أَنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللَّهِ وَبِرَسُولِه [التوبة:]

ومن باب أولى عدم قبول العبادات البدنية.

- قوله تعالى: وَقَدِمْنَا إِلَى مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاءً مَنْثُورًا [الفرقان:]

أي قصدنا في ذلك إلى ما كان يعمله المجرمون من عمل برٍّ عند أنفسهم، فَجَعَلْنَاهُ هَبَاءً مَنْثُوراً أي لا يُنتفَعُ به؛ حيث أبطلناه بالكفر.

- قوله تعالى: لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ [الزمر:]

ثانياً: من السنة:

عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((إنما الأعمال بالنيات، وإنما لكل امرئ ما نوى)). أخرجه البخاري ومسلم

فالعبادة لا تؤدى إلا بالنية والكافر ليس من أهل النية

المبحث الأول: حكم نذر الاعتكاف

من نذر الاعتكاف فإنه يلزمه الوفاء به، وهذا باتفاق المذاهب الفقهية الأربعة: الحنفية، والمالكية، والشافعية، والحنابلة.

الأدلة:

- عن ابن عمر رضي الله عنهما، ((أن عمر سأل النبي صلى الله عليه وسلم قال: كنت نذرت في الجاهلية أن أعتكف ليلةً في المسجد الحرام؟ قال: فأوف بنذرك)). أخرجه البخاري ومسلم

وفي ذلك لزوم الوفاء بالنذر.

- عموم ما جاء عن عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((من نذر أن يطيع الله فليطعه)). أخرجه البخاري.

المبحث الثاني: نذر الاعتكاف في المساجد الثلاثة

من نذر الاعتكاف في أحد المساجد الثلاثة، فعليه الوفاء بنذره، وهو قول جمهور الفقهاء من المالكية والشافعية والحنابلة،

الأدلة:

– عموم ما جاء عن عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((من نذر أن يطيع الله فليطعه)). أخرجه البخاري

فالوفاء بنذر الطاعة واجبٌ.

- عن ابن عمر رضي الله عنهما ((أن عمر سأل النبي صلى الله عليه وسلم قال: كنت نذرت في الجاهلية أن أعتكف ليلةً في المسجد الحرام. قال: فأوف بنذرك)). أخرجه البخاري ومسلم

- عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((لا تُشَدُّ الرِّحالُ إلا إلي ثلاثة مساجد: المسجد الحرام، ومسجد الرسول صلى الله عليه وسلم، ومسجد الأقصى)). أخرجه البخاري ومسلم.

المبحث الثالث: حكم من نذر الاعتكاف قبل إسلامه

من نذر الاعتكاف قبل أن يسلم فيجب الوفاء به بعد إسلامه، وهذا قول أهل الظاهر، وهي رواية عن أحمد، واختاره ابن بطال، والبغوي، والصنعاني، والشوكاني، والشنقيطي، وابن عثيمين

الدليل:

عن ابن عمر رضي الله عنهما ((أن عمر سأل النبي صلى الله عليه وسلم قال: كنت نذرت في الجاهلية أن أعتكف ليلةً في المسجد الحرام. قال: فأوف بنذرك)). أخرجه البخاري ومسلم

المبحث الرابع: من نذر يوماً هل يدخل فيه الليل؟

اليوم في النذر يبدأ من طلوع الفجر إلى غروب الشمس فلا يدخل فيه الليل، وهو قول جمهور العلماء من الحنفية، والشافعية، والحنابلة،

وذلك لأن مطلق اليوم يقع على هذا الزمان. ولا يلزمه اعتكاف الليل؛ لأنه لا يتخلل زمان الاعتكاف.

المبحث الأول: قضاء الاعتكاف المستحب

المعتكف تطوعاً إذا أبطل اعتكافه بعد الشروع فيه، فإنه يستحب له القضاء ولا يلزمه، وهو مذهب الشافعية، والحنابلة، وقولٌ للحنفية

الدليل:

عن عائشة رضي الله عنها: ((أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ذكر أن يعتكف العشر الأواخر من رمضان، فاستأذنته عائشة، فأذن لها، وسألت حفصة عائشة أن تستأذن لها ففعلت، فلما رأت ذلك زينب ابنة جحش أمرت ببناء، فبني لها، قالت: وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا صلى انصرف إلى بنائه، فبصر بالأبنية فقال: ما هذا؟ قالوا: بناء عائشة وحفصة وزينب. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: آلبر أردن بهذا؟! ما أنا بمعتكف. فرجع، فلما أفطر اعتكف عشراً من شوال)). أخرجه البخاري ومسلم.

وجه الدلالة:

أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يأمرهن بالقضاء، وقضاء النبي صلى الله عليه وسلم له لم يكن واجباً عليه, وإنما فعله تطوعاً; لأنه كان إذا عمل عملا أثبته.

المطلب الأول: قضاء الاعتكاف المنذور إذا فات أو فسد

من نذر اعتكاف يومٍ أو عدة أيامٍ معينةٍ ففاتته أو بطل اعتكافه فيها بأحد مفسداته، فعليه قضاء اليوم أو الأيام التي فاتته، أو بطل اعتكافه فيها، وهذا قول الجمهور من الحنفية، والمالكية، والشافعية، والحنابلة.

وذلك لأن الوفاء بالنذر واجب، فإذا فسد اعتكافه المنذور فإن النذر لا يزال باقياً، فهو دينٌ في ذمته، وعليه قضاؤه.

المطلب الثاني: قضاء الاعتكاف الواجب عن الميت

من مات وقد نذر قبل موته الاعتكاف فلم يعتكف، فقد اختلف أهل العلم هل يستحب لوليه أن يقضي هذا الاعتكاف عنه أو لا، على قولين:

القول الأول: لا يستحب لوليه أن يقضيه عنه، ويطعم عنه إن أوصى، وهو ما ذهب إليه جمهور الفقهاء من الحنفية، والمالكية، والشافعية.

الأدلة:

- عموم قوله تعالى: وَأَن لَّيْسَ لِلإِنسَانِ إِلاَّ مَا سَعَى [النجم:]

- عموم قوله تعالى: وَلاَ تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى [الإسراء:]

القول الثاني: يستحب لوليه أن يقضي هذا الاعتكاف عنه، وهو المذهب عند الحنابلة، وقولٌ للشافعي، وذهب إليه ابن عثيمين

الأدلة:

أولاً: من السنة:

عموم الأحاديث التالية:

- عن ابن عباس رضي الله عنهما، ((أن سعد بن عبادة رضي الله عنه استفتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: إن أمي ماتت وعليها نذر. فقال: اقضه عنها)). أخرجه البخاري ومسلم

- وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: ((جاء رجلٌ إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله إن أمي ماتت وعليها صوم شهر، أفأقضيه عنها؟ فقال: لو كان على أمك دينٌ، أكنت قاضيه عنها؟ قال: نعم. قال: فدين الله أحق أن يُقضَى)). أخرجه البخاري ومسلم

فقوله صلى الله عليه وسلم: ((فدين الله أحق أن يقضى)) يشمل نذر الاعتكاف؛ لأن العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب.

ثانياً: القياس:

فقضاء الاعتكاف عن الميت قياساً على الصوم؛ لأن كلاًّ منهما كفٌّ ومنع.

المطلب الأول: أفضل الاعتكاف زمناً

أفضل الاعتكاف زمناً هو في رمضان، وآكده في العشر الأواخر منه، وهذا باتفاق المذاهب الفقهية الأربعة: الحنفية، والمالكية، والشافعية، والحنابلة،

الأدلة:

- عن عائشة رضي الله عنها: ((أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يعتكف العشر الأواخر من رمضان حتى توفاه الله، ثم اعتكف أزواجه من بعده)). أخرجه البخاري ومسلم

- عن عائشة رضي الله عنها: ((أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ذكر أن يعتكف العشر الأواخر من رمضان، فاستأذنته عائشة، فأذن لها، وسألت حفصة عائشة أن تستأذن لها ففعلت، فلما رأت ذلك زينب ابنة جحش أمرت ببناء، فبني لها، قالت: وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا صلى انصرف إلى بنائه، فبصر بالأبنية فقال: ما هذا؟ قالوا: بناء عائشة وحفصة وزينب. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: آلبر أردن بهذا؟! ما أنا بمعتكف. فرجع، فلما أفطر اعتكف عشراً من شوال)). أخرجه البخاري ومسلم

المطلب الثاني: أفضل الاعتكاف مكاناً

أفضل الاعتكاف مكاناً هو المسجد الحرام ثم يليه المسجد النبوي ثم المسجد الأقصى، ثم المسجد الجامع، وهذا باتفاق المذاهب الفقهية الأربعة: الحنفية، والمالكية، والشافعية، والحنابلة،

وذلك لأن هذه المساجد الثلاثة قد خصها الله تعالى بمزيدٍ من التشريف على غيرها، فهي أعظم مساجد الله عزَّ وجلَّ، وأفضل مساجد الله سبحانه.

ولأن كل ما عظُم من المساجد وكثُر أهله فهو أفضل.

ولأن الاعتكاف قد يتخلله يوم جمعةٍ، فإن لم يكن اعتكافه في مسجد جمعةٍ اضطر إلى الخروج لأدائها.

المطلب الأول: اشتغال المعتكف بالعبادات المختصة به

يستحب للمعتكف أن يشتغل بالقرب والعبادات المختصة به كقراءة القرآن، والذكر، والصلاة في غير وقت النهي، وما أشبه ذلك، وهذا باتفاق المذاهب الفقهية الأربعة: الحنفية، والمالكية، والشافعية، والحنابلة؛ وذلك لأن الاعتكاف إنما شُرِعَ للتفرغ لعبادة الله عز وجل، وجمع القلب بكلِّيَّتِهِ على الله سبحانه وتعالى.

وكره بعض المالكية والحنابلة للمعتكف الاشتغال بتدريس العلم والمناظرة وكتابة الحديث ومجالسة العلماء ونحو ذلك من العبادات التي لا يختص نفعها به.

المطلب الثاني: حكم الصمت عن الكلام مطلقاً

يحرم الصمت على المعتكف إن فعله قربةً وتديناً، ونص على ذلك فقهاء الحنفية، والحنابلة، وقد حكى ابن تيمية الإجماع على بدعيَّة ذلك.

الأدلة:

- عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: ((بينا النبي صلى الله عليه وسلم يخطب إذا هو برجلٍ قائمٍ، فسأل عنه، فقالوا: أبو إسرائيل نذر أن يقوم ولا يقعد، ولا يستظل، ولا يتكلم، ويصوم. فقال النبي صلى الله عليه وسلم: مره فليتكلم، وليستظل، وليقعد، وليتم صومه)). أخرجه البخاري

وجه الدلالة:

أمرُهُ صلى الله عليه وسلم للرجل أن يتكلم مع أنه نذر الصمت، فتركُ الصمت لمن لم ينذره من باب أولى.

- عن قيس بن أبي حازم قال: ((دخل أبو بكر على امرأةٍ من أحمس يقال لها: زينب. فرآها لا تكلم، فقال: ما لها لا تكلم؟ قالوا: حجت مصمتة. قال لها: تكلمي، فإن هذا لا يحل، هذا من عمل الجاهلية. فتكلمت ... )). أخرجه البخاري

المطلب الثالث: هل للمعتكف أن يعقد النكاح سواء كان له أو لغيره؟

يجوز للمعتكف عقد النكاح في المسجد، وهذا باتفاق المذاهب الفقهية الأربعة: الحنفية، والمالكية والشافعية والحنابلة، بل حكى النووي الإجماع على هذا.

وذلك لأن النكاح طاعةٌ، وحضوره قربةٌ، كما أنَّ مدته لا تتطاول، فلا يحصل التشاغل به عن الاعتكاف؛ ولذا لم يُكره فيه.

Google Sites
Report abuse
Google Sites
Report abuse