التلمود: تاريخ
Talmud: History
«التلمود» كلمة مشتقة من الجذر العبري «لامد» الذي يعني الدراسة والتعلم كما في عبارة «تلمود توراه» ، أي «دراسة الشريعة» . ويعود كل من كلمة «تلمود» العبرية وكلمة «تلميذ» العربية إلى أصل سامي واحد. والتلمود من أهم الكتب الدينية عند اليهود، وهو الثمرة الأساسية للشريعة الشفوية، أي تفسير الحاخامات للشريعة المكتوبة (التوراة) . ويخلع التلمود القداسة على نفسه باعتبار أن كلمات علماء التلمود كان يوحي بها الروح القدس نفسه (روح هقودش) باعتبار أن الشريعة الشفوية مساوية في المنزلة للشريعة المكتوبة. والتلمود مُصنَّف للأحكام الشرعية أو مجموعة القوانين الفقهية اليهودية، وسجل للمناقشات التي دارت في الحلقات التلمودية الفقهية اليهودية حول المواضيع القانونية (هالاخاه) والوعظية (أجاداه) . وقد أصبح التلمود مرادفاً للتعليم القائم على أساس الشريعة الشفوية (السماعية) . ومن هنا، يطلق المسعودي (المؤرخ العربي الإسلامي) على سعيد بن يوسف اسم «السمعاتي» (مقابل «القرائي» أو من يرفض التراث السماعي ويحصر اهتمامه في قراءة التوراة المكتوبة) .
وتتضح الخاصية الجيولوجية اليهودية في التلمود، فهو يضم داخله وجهات نظر شتى متناقضة تماماً، فهو عبارة عن موسوعة تتضمن الدين والشريعة والتأملات الميتافيزيقية والتاريخ والآداب والعلوم الطبيعية. كما يتضمن، علاوة على ذلك، فصولاً في الزراعة وفلاحة البساتين والصناعة والمهن والتجارة والربا والضرائب وقوانين الملكية والرق والميراث وأسرار الأعداد والفلك والتنجيم والقصص الشعبي، بل ويغطي مختلف جوانب حياة اليهودي الخاصة، أي أنه كتاب جامع مانع بشكل لا يكاد يدع للفرد اليهودي حرية الاختيار في أي وجه من وجوه النشاط في حياته العامة أو الخاصة، إن هو أراد تطبيق ما جاء فيه. ويشيرون إلى التلمود بعبارة «كلُّ بو» (أي: كلٌّ به) ، فهو يشتمل على كل ما يَعنُّ لليهودي أن يسأل عنه من شريعة دينه.
والواقع أن التلمود ليس من الكتب الباطنية أو تلك التي تحيط بها هالة من السرية والغرابة والإخفاء (كما يتوهم البعض) . وهناك نسخ منه في معظم المكتبات الجامعية المتخصصة في الولايات المتحدة وفي بعض مكتبات مراكز البحوث أو الجامعات في الدول العربية. ويُلاحَظ أن التلمود كتاب ضخم متعدِّد الأجزاء، مجلداته كثيرة وضخمة تصل في بعض الطبعات إلى ما يزيد على عشرين مجلداً. لكن هناك طبعة «إفري مانز تلمود Everyman's Talmud» المختصرة.
وهناك تلمودان:
1 ـ التلمودالفلسطيني: وينسبه اليهود خطأً إلى أورشليم (القدس) فيقولون «الأورشليمي» ، ذلك مع أن القدس خلت من المدارس الدينية بعد هدم الهيكل الثاني، وانتقل الحاخامات إلى إنشاء مدارسهم في يفنه وصفورية وطبرية. كما أطلق يهود العراق على التلمود الفلسطيني اسم «تلمود أرض يسرائيل» ، وأطلقوا عليه أحياناً اسم «تلمود أهل الغرب» نظراً لوقوع فلسطين إلى الغرب من العراق.
2 ـ التلمود البابلي: وهو نتاج الحلقات التلمودية (أكاديمية - يشيفا) في العراق (بابل) ، وأشهرها سورا ونهاردعه وبومبديثا. ويُعرَف هذا التلمود في حالات نادرة جداً باسم «تلمود أهل الشرق» .
وكلا التلمودين مُكوَّن من المشناه والجماراه. والمشناه في كل منهما واحد لا اختلاف بينهما، أما الجماراه فاثنتان: إحداهما وُضعت في فلسطين، والأخرى في العراق. ولما كانت الجماراه البابلية أكمل وأشمل من الجماراه الفلسطينية، فإن التلمود البابلي هو الأكثر تداولاً، وهو الكتاب القياسي عند اليهود. ولذا، فحين يُستخدَم لفظ «التلمود» بمفرده، محلَّى بأداة التعريف، فإن المقصود به هو التلمود البابلي دون سواه، وذلك على أساس الميزة والأفضلية والتفوق. وفي الكتابات العلمية، يشير اللفظ إلى الجماراه وحدها. ويضاف عادةً تعليق راشي على التلمود عند طبعه، وإن كان هذا التعليق لا يُعَدُّ جزءاً منه. ويبلغ عدد كلمات التلمود البابلي مليونين ونصف مليون كلمة في نسخته الأصلية (تشكل الأجاداه 30% منها) ، وعلى هذا فإن حجمه يبلغ ثلاثة أضعاف حجم التلمود الفلسطيني. وقد كُتب التلمود بأكثر من لغة، فالمشناه كُتبت بعبرية خاصة تُسمَّى عبرية المشناه، أما الجماراه فكُتبت بالآرامية (كُتبت الجماراه الفلسطينية باللهجة الآرامية الغربية، أما الجماراه البابلية فكُتبت باللهجة الآرامية الشرقية) . وتتسم الشروح الواردة في التلمود الفلسطيني بأنها أقصر وأكثر حرفية وقرباً من النص.
ويُلاحَظ أن بعض المفاهيم القانونية في التلمود البابلي تعكس أثر القانون الفارسي. كما أن التلمودين مختلفان في بعض المواطن، فيُلاحظ مثلاً أن الموقف من الوثنيين في التلمود البابلي أكثر تسامحاً لأن وضع اليهود في بابل كان جيداً، فقد جاء في التلمود البابلي أن الأغيار خارج فلسطين لا يمكن اعتبارهم من الوثنيين. وبينما يُحرِّم التلمود الفلسطيني بيع أية سلع للوثنيين في الأيام الثلاثة التي تسبق أي عيد وثني، فإن علماء بابل حرموا البيع في أيام العيد الوثني وحسب.
ومن أهم التطورات التي دخلت الشريعة اليهودية ما جاء في التلمود البابلي من أن: «شريعة الدولة هي شريعتنا» ، بل قد ورد في التلمود البابلي دعاء خاص يُتلى أمام ملوك الأغيار ويطلب لهم البركة، نصه: "مبارك هو الذي منح مخلوقاته شيئاً من جلاله".
وتعود الآراء والفتاوى التي وردت في التلمود إلى القرن الخامس قبل الميلاد. وقد بدأت عملية جمعها وتدوينها مع القرن الثاني الميلادي، واستمرت عملية التفسير والتدوين حتى القرن السادس. وبعد اكتمال نص التلمود، استمرت الإضافات والتعليقات، حتى القرن التاسع عشر، حين أضاف إلياهو) فقيه فلنا) تعليقاته. ويمكن تلخيص ظهور التلمود وتطوُّره على النحو التالي:
السنة / الإضافات والتعليقات
400 - 100 ق. م / الكتبة (سوفريم) يكتبون كتب المدراش بالعبرية.
150 ق. م - 30 م / الأزواج (زوجوت) .
100 ق. م - 70 م / الفريسيون دعاة الشريعة الشفوية.
70 - 200 / معلموا المشناه (التنائيم) ، يهودا الناسي يجمع أقوال العلماء الدينيين السابقين في المشناه المكتوبة بالعبرية.
200 - 400 / الشراح (أمورائيم) الجماراه الفلسطينية بالآرامية، وقليل من العبرية.
200 - 500 / الشراح (أمورائيم) الجماراه البابلية بالآرامية وقليل من العبرية.
500 - 700 / المفسرون (صبورائيم) تدوين المشناه والجماراه. وبذا يكون قد انتهى تدوين التلمود، وتبدأ مرحلة التعليقات.
700 - 1000 / الفقهاء (جاءونيم) في بابل ينشرون التعاليم التلمودية.
1000 / تعليقات راشي (1040 - 1105) ، وتعليقات الشراح الإضافيين (توسافوت) - أهم التعليقات بالعبرية.
1200 / موسى بن ميمون (1135 - 1204) يؤلف مشنيه توراه (تثنية الشريعة) .
1300 / يعقوب بن آشر يؤلف سفر هاطوريم (كتاب الصفوف) .
1600 / جوزيف كارو (1488 -1575) يؤلف الشولحان عاروخ (المائدة المصفوفة) عام 1564، ويشير إلى أن الإيمان بالقبالاه فرض ديني.
1850 / إلياهو (فقيه فلنا) يضيف تعليقاته.
ويتكون التلمود من عنصرين؛ فهناك العنصر الشرعي والقانوني (هالاخي) الذي يُذكِّرنا بأحكام الفرائض والتشريعات الواردة في أسفار الخروج واللاويين والتثنية، وهناك العنصر القصصي والروائي والأسطوري (أجادي) بما يشمله من الأقوال المأثورة (والأخبار والخرافات والشطحات والخيال) إلى جانب السحر والتراث الشعبي. ومعظم المشناه تشريع (هالاخاه) ، بينما معظم الجماراه قصص وأساطير (أجاداه) . ويُلاحَظ أن التفسير يستمد أهميته وثقله من مدى قدمه، فالأقدم أكثر ثقةً وأهمية من الأحدث.
ويشكل التلمود، بسبب ضخامته وطريقة تصنيفه، صعوبة غير عادية في محاولة استخدامه والاستفادة منه. ومن هنا، بدأت جهود تصنيفه بعد الانتهاء منه. وقد كانت أولى هذه المحاولات هي هالاخوت بيسكوت (القوانين المقررة) التي تُنسَب إلى يهوداي جاءون، والقوانين العظمى التي كتبها سيمون كيارا، وكلا العملين يلخصان المادة التلمودية المتعلقة بالشرائع. وظهرت عدة مصنفات أخرى في القرن الحادي عشر، وخصوصاً في العالم العربي، في شمال أفريقيا وأوربا وأهمها:
1 ـ مشنيه توراه، أي «تثنية التوراة» أو «إعادة الشريعة» التي كتبها موسى بن ميمون في القرن الثاني عشر. وهي من أهم الأعمال التي صدرت في هذا الحقل. ويختلف منهجه عن التلمود في أنه لا يكتفي بالعرض دون ترجيح. وهو لا يجمع روايات ولا يخوض غمار المناقشات بل نجده يفصل في الأمور حكماً فاصلاً. وقد اتبع ابن ميمون مبدأ عقلانياً، فأقصى عن مادته جميع القواعد الشعبية التي كانت في منزلة الشريعة في زمن التلمود والتي ترجع جذورها إلى الخرافات الشائعة. والموقف الأساسي لديه يتلخص في القول بأن الشريعة والشعائر وُجدت من أجل الإنسان وليس العكس. وقد أعاد موسى بن ميمون توزيع السداريم الستة إلى أربعة عشر كتاباً يُسمَّى الواحد منها «السفر» . وقد اشتهر كتابه باسم «يد حزقاه» (أي «اليد القوية» ) لأن الياء تساوي عشرة والدال تساوي أربعة في حساب الجمل، وفي ذلك ما يرمز إلى الأربعة عشر جزءاً التي يتألف منها الكتاب.
2 ـ وقد أثّر مصنف ابن ميمون في المصنفات التي جاءت بعده. ويظهر هذا في كتاب سفر هاطوريم، أو كتاب الصفوف الذي وضعه يعقوب بن آشر في الأندلس في القرن الرابع عشر حيث اعتمد على تثنية التوراة في تنسيق الأحكام الشرعية وثيقة الصلة بالحياة العملية، وحذف تلك الشرائع التي أصبحت بالية منذ هدم الهيكل.
3 ـ الشولحان عاروخ. وقد وضعه جوزيف كارو في القرن السادس عشر، وقد اتبع تقسيم سفر هاطوريم، وهو آخر التصنيفات وأصبح أهمها، وخصوصاً بعد أن قام موسى إيسيرلز (موشى يسرائيليتش) بإضافة شروحه. ويُعَدُّ الشولحان عاروخ المستودع الأساسي للأفكار والقيم الحاكمة في اليهودية الحاخامية أو التلمودية.
وقد ظل التلمود مجهولاً تقريباً في أوربا المسيحية، ولم يكتشفه المسيحيون إلا في أواسط القرن الثالث عشر، وذلك عن طريق اليهود المتنصرين. ومنذ ذلك التاريخ، أصبح التلمود محط سخط السلطات الدينية لأنها كانت تراه كتاب خرافات مسئولاً عن عدم اعتناق اليهود المسيحية، كما كانت ترى أنه يحتوي على ملاحظات مهينة ضد المسيحية كعقيدة، وضد شخص المسيح. ومما يذكره التلمود عن المسيح أنه كان يهودياً كافراً، وأن تعاليمه كفرٌ بيِّن، وأن المسيحيين كَفَرة مثله، وأن أمه حملت به سفاحاً من جندي روماني يُدعى بندارا. ويضم التلمود، فضلاً عن ذلك، أجزاء عن محاكمة المسيح في السنهدرين، ويُقر بأن اليهود هم الذين صلبوا المسيح، وأنهم يتحملون المسئولية كاملة عن ذلك. وقد كانت الكنيسة تنظم مناظرات (مجادلات خلافية) علنية يشترك فيها عادةً يهود متنصرون ملمون بالتلمود ويعرفون جوانبه السلبية. ومن أهم المناظرات، وربما آخرها، تلك المناظرة التي تمت في بولندا في يونيه 1757 ويوليه 1759 بين أتباع يعقوب فرانك وممثلي المؤسسة الحاخامية. وقد كانت الكنيسة تحرق نسخ التلمود التي تُضبَط من آونة إلى أخرى.
ويُلاحَظ أن تزايد انتشار التلمود بين اليهود يشكل تزايداً في هيمنة الحلولية الواحدية على الفكر الديني اليهودي. ومما ساهم في عملية شيوع التلمود، تحوُّل الجماعات اليهودية إلى جماعات وظيفية، لا ترتبط بالوطن الذي تعيش في كنفه، وإنما بوطن وهمي. وهذا الارتباط يحقق لها قدراً من الهوية شبه المستقلة عن مجتمع الأغلبية، وكان هذا أمراً ضرورياً لها كي تضطلع بوظيفتها التي تتطلب عادةً الحياد والانفصال العاطفي وأحياناً الفعلي. وإذا كانت صهيون الوطن الوهمي البعيد، فإن التلمود أصبح الوطن المتنقل. وتنحو الجماعات الوظيفية منحى حلولياً (في إيمانها بأنها موضع القداسة وفي موقفها المنكر للزمان والمكان) . وقد ساهم هذا بكل تأكيد في تَزايُد شيوع التلمود بين أعضاء الجماعات اليهودية. ومما ساعد التلمود على اكتساب مركزية في الفكر الديني اليهودي جهل أوربا المسيحية بوجوده حتى القرن الثالث عشر الميلادي، وهو ما يعني أنه أصبح الرقعة اليهودية الخالصة، بعد أن اعتبرت الكنيسة العهد القديم (كتاب اليهود المقدَّس) أحد كتبها المقدَّسة. ولكل هذا، حل التلمود محل التوراة في العصور الوسطى باعتباره كتاب اليهود المقدَّس الأساسي، حتى أن كثيراً من الحاخامات كانوا يعرفون التلمود أساساً ويعرفون العهد القديم بدرجة أقل. وقد تركزت في التلمود، بعد تدوينه، كل السلطة الدينية والروحية في اليهودية، حتى أن كل قرار في الحياة اليهودية، مهما علا شأن هذا القرار أو صَغُر، قد جرى اتخاذه وفقاً للسلطة التلمودية.
ومع هذا، فقد أخذت قبَّالاة الزوهار، والكتب القبَّالية الصوفية الحلولية الأخرى، تحل ابتداءً من القرن السادس عشر محل التلمود، إلى أن اكتسبت الصدارة في القرن السابع عشر. ويُقال إن اليهود المنتشرين في الشتتلات، بعيداً عن مراكز الدراسات الحاخامية، كانوا يعرفون الزوهار، ولا يعرفون إلا أقل القليل عن التلمود. وعلى كل، فإن التلمود كان دائماً كتاب الأرستقراطية الدينية الحاخامية، فهو مكتوب بأسلوب مركب وبلغة لا تعرفها الجماهير التي كانت لا تعرف العبرية ولا الآرامية (بطبيعة الحال) . ولهذا، كانت حركات الاحتجاج الشعبي بين اليهود (الصوفية والمشيحانية) تأخذ شكل معاداة التلمود ومعاداة سلطته ومعاداة المؤسسة التي تدرسه وتهيمن باسمه. وأولى هذه الحركات هي الحركة القرائية التي لم تكن حركة شعبية بقدر ما كانت حركة عقلانية متأثرة بالفكر الإسلامي. ولكن الحركات الصوفية المشيحانية اليهودية كانت شعبية إلى حدٍّ كبير، وقد اتخذت موقفاً سلبياً من التلمود، فكان المتصوفة ينظرون إليه باعتباره المحارة التي يكمن داخلها المعنى الخفي للتوراة. كما أن الحركات المشيحانية، في القرنين السابع عشر والثامن عشر، رفضته تماماً. ومع هذا، يُلاحَظ أن التفسيرات السائدة داخل كثير من المدارس التلمودية العليا، وداخل الدوائر الحاخامية، كانت تفسيرات قبَّالية.
ولكن الضربة القاضية جاءت مع حركة التنوير، فحركة التنوير بين أعضاء الجماعات اليهودية، في مراحلها الأولى، كانت ذات اتجاه ربوبي إصلاحي يهدف إلى إصلاح اليهودية دون التخلي عنها. ومن هنا وجَّه دعاة الحركة سهام نقدهم إلى التلمود وأنكروا قداسة الشريعة الشفوية ككل، وأصروا على اعتبار التلمود بمنزلة مجموعة من تفسيرات المشرعين والشارحين يرجع عهدها إلى فترة متأخرة، كما نفوا كل سلطة إلزامية، وأنه في واقع الأمر يعبر عن السلطة الحاخامية، وبينوا ما في التلمود من خرافات وحكايات شعبية تتنافى ـ في تصورهم ـ مع العقل.
وكان معظم هؤلاء النقاد ممن تلقوا تعليماً غربياً علمانياً، ولذا لم تكن لديهم الكفاءات الأكاديمية اللازمة لفَهْم التلمود أو تفسيره، ومع هذا استمروا في هجومهم الشرس الذي تصاعد بعد ذلك مع تصاعُد حدة حركة التنوير نفسها، التي انتقلت من مرحلة الربوبية إلى مرحلة إلحادية صريحة معادية لا للتفسيرات البشرية وحسب وإنما لأية نصوص مقدَّسة. وأعلن دعاة حركة التنوير أنه لا أمل يُرجى في تطوُّر اليهود إلا بالإطاحة بسلطة التلمود وبينوا للحكومات الغربية مدى خطورة هذا الكتاب وأنه سبب هامشية اليهود وتخلفهم. ولكن الحاخامات الأرثوذكس، أعضاء المؤسسة الدينية الحاخامية الذين كان يدور عالمهم حول التلمود وحده، والذين كانوا لا يعرفون الكثير عما يدور حولهم، ولا يدركون أهمية الإصلاح، دافعوا دفاعاً مستميتاً عن التراث التلمودي ووقفوا بشراسة ضد كل محاولات التطوير. وحينما حاولت حكومات شرق أوربا ووسطها تحديث اليهود، كان الجهد ينصب دائماً على التلمود فكان يُستبعَد تماماً من مدارس اليهود، كما كان يُحرَّم على اليهود أحياناً قراءته لأبنائهم قبل بلوغهم سن الرشد. وفي الوقت الحالي، فإن الأغلبية العظمى من أعضاء الجماعات اليهودية يرفضون التلمود بل يجهلون ما جاء فيه ولا يعرفون حتى حجمه.
وأثر التلمود والشرع التلمودي واضح في قوانين الأحوال الشخصية في إسرائيل، فالتشريعات التي تضبط قضايا الزواج والطلاق فيها لا تختلف عن الأحكام التلمودية الواردة في أسفار سدر ناشيم. وفي شئون الطلاق، لا يزال سفر جيطين المصدر الأساسي للأحكام المتعلقة بوثيقة الطلاق (جيط) التي يكتبها الزوج. وفي مسائل الزواج وتسجيل المواليد، لا تزال أحكام الشريعة التي حددها التلمود هي الشريعة السائدة، فاليهودي هو المولود لأم يهودية، أو من اعتنق اليهودية على يد حاخام أرثوذكسي. وعملية التهود ليست هينة، إذ يصر الحاخام على التقيد بالشعائر التلمودية، ومن بينها الحمام الطقوسي الذي يجب أن تخضع له الأنثى التي تريد التهود، فتدخل الحمام عارية تماماً، بحضور ثلاثة من الحاخامات وتحت أنظارهم.
وكذلك تُطبَّق في إسرائيل الشرائع التلمودية الخاصة بقوانين الطعام والقوانين الزراعية التي وردت في سفر براخوت من سدر زراعيم. ويُدرَّس التلمود في إسرائيل، وتقتصر الدراسة في المدارس والمعاهد الدينية على دراسته، كما أن جامعة بار إيلان تشترط على طلابها تحصيل معرفة تمهيدية بالتلمود.
وقد طُبع التلمود الفلسطيني في البندقية (1523 ـ 1524) . كما أن التلمود البابلي كان قد بدأت طباعته في إسبانيا عام 1482. لكن أقدم طبعة كاملة ظهرت في البندقية أيضاً (1520 ـ 1523) ، وأشرف على طبعها دانيال بومبرج. وقد أصبحت هذه الطبعة النموذج الأصلي الذي حذت حذوه مختلف الطبعات التي تلتها. وقد نُشرت الطبعة القياسية في فلنا عام 1886، وهي تحوي تعليقات، وتعليقات على تعليقات في أكثر من عشرين جزءاً. فكان يتم طبع المشناه والجماراه في العمود الأوسط، وتُطبَع ببنط أسود، ثم تُطبَع في العمود المجاور لها تعليقات راشي على النحو التالي:
وقد تُرجم التلمود إلى معظم اللغات الأوربية الأساسية،
صفحة من سفر ماكوت من سدر نزيقين (طبعة فلنا) ، وهي تناقش مصير إنسان صدر عليه حكم ولكنه فر. وكيف يمكن إصدار حكم آخر عليه.
1- نهاية الجماراهمن مقطوعة المشناه السابقة.
2- المقطوعة داخل المربع هي مقطوعة المشناه موضع النقاش في هذه الصفحة.
3- الجماراه المتعلقة بها.
أ) مدراش تشريعي (هالاخي) يؤيد ما جاء في المشناه.
ب) ثلاثة تعليقات قصيرة من حلقات فلسطين وسورا وبومبديثا التلمودية.
4- علامة تدل على انتهاء الفصل.
5- مقطوعة مشناه أخرى.
6- تعليق راشي.
7- تعليق الشراح الإضافيين (التوسافوت) تناقش نقطة محددة من الجماراه وتعليق راشي.
8- إحالات لمصادر تلمودية وحاخامية أخرى.
9- تعليقات كتبها جويل سيركيس (1561 - 1640) .
10- إشارات لمصنفات موسى بن ميمون، ويعقوب بن آشر.
11- تعليقات أحد حاخامات شرق أفريقيا من القرن الحادي عشر.
12- إشارات للكتاب المقدس.
13- ملاحظات كتبها إلياهو (فقيه فلنا) .
وتُرجمت مختارات قصيرة منه إلى العربية لا تمثل الطبيعة الجيولوجية المتناقضة للفكر التلمودي. ولكنه تُرجم بأكمله إلى الإنجليزية (في لندن) وإلى كثير من اللغات الأوربية الأخرى.
ويُلاحَظ أن الرقابة الحكومية كانت تفرض على اليهود أحياناً أن يحذفوا بعض الفقرات التي تُظهر عداءً متطرفاً للأغيار، أو أن يُضيِّقوا المجال الدلالي لبعض الكلمات والعبارات العنصرية المتطرفة. ولذا، حلت كلمة «عكوم» بمعنى «عابد الكواكب وأبراج النجوم» ، و «كوتي» بمعنى «سامري» ، و «كوشي» بمعنى «زنجي» ، أو «حبشي» محل «نكري» ، أو «جوي» بمعنى «أجنبي» أو «غريب» . وحلت كلمة «بابليم» ، أي «البابليين» ، و «كنعانيم» ، أي «الكنعانيين» ، محل «أوموت هاعولام» ، التي تعني «أُمّمُ العالم» . والواقع أن جميع المحاولات تُضيِّق المجال الدلالي لكلمة «الأغيار» وتخصصها، وتجعلها مقصورة إما على الوثنيين وحسب، أو على جماعة محدَّدة من الناس مثل السامريين أو البابليين. وهذا من قبيل استرداد البُعد التاريخي لمصطلح الأغيار (العام) حتى تتكيف نصوص التلمود مع الواقع الجديد حيث لم يَعُد الأغيار وثنيين بل أصبحوا من عبدة الإله. وكان يُسجَّل في مستهل كل صفحة من التلمود إعلان رسمي يقرِّر أن قوانين التلمود ضد الوثنية لا تنطبق على الأمم التي يعيش اليهود بين ظهرانيها، وأنها لا تنطبق إلا على الوثنيين وحسب (وحينما احتلت إنجلترا الهند، قيل إن المقصود هو الهنود، كما ضُمَّ إلى قائمة المعنيين بالهجوم سكان أستراليا الأصليون) . وبعض الطبعات تقرر أن المعني بالهجوم هو «اليشماعيلي» وتعني «المسلم العربي» .
وكما يقول الحاخام آجوس، فإن هذه الصيغة التي كانت قوانين الرقابة تتطلبها كان يتم تجاهلها في النصوص المختلفة، لأن كتَّاب التلمود وشارحيه لا يعرفون سوى نوعين من البشر: اليهود، وغير اليهود. وحتى حينما كان بعض الزعماء الدينيين اليهود يعترضون على النزعة الحلولية العنصرية المتعالية، كان اعتراضهم ينطلق من أسباب عملية مثل: الخوف من اعتياد اليهود ممارسة الشر، والخوف من الإساءة إلى سمعة اليهود، أو إثارة حنق الأغيار وكرههم. وكثيراً ما كان يتبادل أعضاء الجماعات اليهودية فيما بينهم، دون علم السلطات، مخطوطات خاصة تضم المحذوفات التلمودية، أي تلك النصوص التي حذفتها الرقابة الحكومية. كما كان يُعاد شرح بعض المصطلحات الجديدة، مثل «بابلي» أو «كوتي» ، حتى يُعرَف معناها الأصلي والحقيقي لتكون بمعنى «مسيحي» . ويُعاد في إسرائيل طبع النسخة الأصلية من التلمود دون تعديل. ولما كانت عملية الطباعة مكلفة وتستغرق وقتاً طويلاً، فقد نشروا كتاباً في طبعة شعبية رخيصة بعنوان حسرونوت شاس (أي المحذوفات التلمودية) .
وقد صدرت في إسرائيل موسوعة تلمودية ضخمة تُسهِّل عملية الوصول إلى الأحكام الفقهية. ورغم ذلك، ففي إحصاء أُجري عام 1987، قرر 84% من الإسرائيليين أنهم لم يقرأوا التلمود قط ولم يطلعوا على أي جزء منه. وفي الوقت الحالي، يقوم الحاخام آدين ستانيسلاتس بإعداد طبعة جديدة من التلمود (البابلي والفلسطيني) تكون في متناول القارئ العادي، وهي مزودة بترجمة عبرية حديثة للنصوص الآرامية فضلاً عن شروح الكلمات الصعبة. وقد طُبعت المشناه والجماراه، وكذلك الشروح المتعلقة بهما ببنوط طباعية مختلفة. وقد صدر حتى الآن عشرون جزءاً من التلمود البابلي. ومن المتوقع أن يَصدُر التلمود في أربعين جزءاً خلال خمسة عشر عاماً. وقد ظهرت ترجمة إنجليزية للأجزاء الأولى.
كتب التفسير (مدراش)
Midrash
«مدراش» من الكلمة العبرية «درش» ، أي «استطلع» أو «بحث» أو «درس» أو «فحص» أو «محص» . والكلمة تُستخدَم للإشارة إلى ما يلي:
1 ـ منهج في تفسير العهد القديم يحاول التعمق في بعض آياته وكلماته، والتوسع في تخريج النصوص والألفاظ، والتوسع في الإضافات والتعليقات، وصولاً إلى المعاني الخفية التي قد تصل إلى سبعين أحياناً. وهناك قواعد مدراشية للوصول إلى هذه المعاني. ومثل هذه المعاني الخفية، تُذكَر دائماً مقابل الـ «بيشات» أي «التفسير الحرفي» .
2 ـ ثمرة هذا المنهج من الدراسات والشروح، فالتلمود مثلاً يتضمن دراسات مدراشية عديدة، بمعنى أنها اتبعت المنهج المدراشي. ولكن هناك كتباً لا تتضمن سوى الأحكام والدراسات والتفسيرات المدراشية المختلفة ويُطلَق عليها أيضاً اسم «مدراش» .
ويُفترَض أن مثل هذه الكتب المدراشية تعود إلى تواريخ قديمة شأنها في هذا شأن كل فروع الشريعة الشفوية. ويبدو أن العلماء المعروفين باسم الكتبة (سوفريم) ، بدأوا بعد العودة من بابل بزعامة عزرا، في دراسة التفسيرات التقليدية للشريعة المكتوبة، وأخذوا يطبقونها على الاحتياجات اليومية للجماعة اليهودية، واستمروا في ذلك حتى بداية ظهور معلمي المشناه (تنائيم) .
وقد ازدهر الأدب المدراشي في عصر معلمي المشناه (تنائيم) ، لكن البدء في تدوين كتب المدراش لم يحدث إلا بعد عدة قرون من إلقاء المواعظ. وهناك نحو أربع وعشرين مجموعة مدراشية يمكن تقسيمها إلى عدة أقسام حسب المرحلة التاريخية:
1 ـ الكتب المدراشية المبكرة (وتم جمعها في الفترة 400 ـ 600) .
2 ـ كتب المرحلة الوسطى (640 ـ 1000) .
3 ـ كتب المرحلة المتأخرة (1000 ـ 1200) .
وهناك مختارات مدراشية من القرن الثالث عشر، إلى جانب مواعظ مدراشية يمكن أن ترد في مجموعات مدراشية مختلفة أو في الجماراه.
وتنقسم كتب المدراش إلى نوعين:
1- المدراش التشريعي الهالاخي (مشنوي) ، وهي كتب المدراش التي تتضمن، أساساً، المبادئ الهادية إلى أحكام الشرع الديني (هالاخاه) - وهي تعليق على النصوص الشرعية، ومن أهمها:
أ) المخيلتا، وهذه كلمة آرامية تعني «المعيار» أو «المكيال» أو «الوعاء» ، وتتضمن تسعة أبواب تُعالَج فيها أحكام شرعية موجودة في نص الكتاب المقدَّس (سفر الخروج) وتبدأ بالإصحاح رقم 12، وترجع المخيلتا إلى القرن الرابع أو القرن الخامس الميلادي.
ب) مخيلتا الحاخام شمعون بن يوحاي، وهي أيضاً تدور حول ما جاء في سفر الخروج من أحكام.
جـ) السفرا، أي «الكتابة» أو «الكتاب» ، ويُسمَّى أيضاً «توراة الكهنة» ، وهو تعليق على سفر اللاويين.
د) السفري (جمع سفرا) ، وهو تعليق على سفر العدد، ابتداءً من إصحاحه الخامس، وعلى سفر التثنية بكامله.
هـ) سفر زوتا، وهو عن سفر العدد وحده.
ويختلف المخيلتا والسفري، عن بقية الكتب المدراشية، في المصطلح والمنهج. ويجب هنا أن نذكر ما يُسمَّى «مدراش معلمي المشناه (تنائيم) » ، وهو تعليق على سفر التثنية ويتألف من فقرات مدراشية متفرقة وُجدت ضمن مختارات عُثر عليها في اليمن وتُسمَّى «مدراش هاجَّادول» أي «المدراش الأكبر» .
ـ المدراش الأجادي، وهي التي كتبها الشراح (أمورائيم) وتتكون من المواعظ التي ألقوها في المعابد، واتبعوا فيها الأسلوب الأجادي أو الشرح القصصي على سبيل الوعظ. ومن أهم كتب المدراش الأجادية «مدراش رابا» (المدراش الكبير) الذي يتضمن أسفار موسى الخمسة، وتُدعى «بريشت (تكوين) راباه» و «شيموت (خروج) راباه» وهكذا في نشيد الأنشاد وراعوث وإستير وغيرها. وهناك مصنفات مدراشية أجادية أخرى مثل مدراش تنحوما ومدراش جالوت.
ويتكون التلمود أساساً، وخصوصاً المشناه، من أحكام مدراشية، ولكنه يتميَّز عن هذه الكتب المدراشية بأنه عبارة عن مناقشات وشروح تدور حول نصوص الأحكام الشرعية الناتجة من التفسير المدراشي بحيث لا يستند الشرح والتفسير إلى نصوص العهد القديم استناداً تاماً. فالمشناه تقدم الشريعة مجردة دون الأصل التوراتي، على عكس المدراش الذي يفسِّر نصاً أو نصوصاً توراتية. والاستخدام الشائع الآن لكلمة «مدراش» هو المدراش بالمعنى الأجادي أو القصصي الوعظي.
ويُقال إن يهود المدينة في عصر البعثة المحمدية كانوا لا يعرفون التلمود وكانوا يتداولون فيما بينهم بعض كتب المدراش.
المشناه
Mishnah
«مشناه» كلمة عبرية مشتقة من الفعل العبري «شنَّاه» ومعناه «يُثنِّي» أو «يكرر» . ولكن، تحت تأثير الفعل الآرامي «تانا» ، صار معناها «يدرس» . ثم أصبحت الكلمة تشير بشكلٍّ محدد إلى دراسة الشريعة الشفوية، وخصوصاً حفظها وتكرارها وتلخيصها. والمشناه مجموعة موسوعية من الشروح والتفاسير تتناول أسفار العهد القديم، وتتضمن مجموعة من الشرائع اليهودية التي وضعها معلمو المشناه (تنائيم) على مدى ستة أجيال (10ـ 220) .
وتُعَدُّ المشناه مصدراً من المصادر الأساسية للشريعة، وتأتي في المقام الثاني بعد العهد القديم الذي يُطلَق عليه لفظ «مقرا» (من «قرأ» ) باعتبار أن العهد القديم هو الشريعة المكتوبة التي تُقرأ. أما المشناه، فهي الشريعة الشفوية، أو التثنية الشفوية، التي تتناقلها الألسن، فهي إذن تكرار شفوي لشريعة موسى مع توضيح وتفسير ما التبس منها، ولابد من دراسته (وتسمية العهد القديم بالمقرا حدثت في العهد الإسلامي، وهي صدى للتفرقة بين القرآن والسنة، فظهرت التفرقة بين المقرا والمشناه) . ولهذا، فإن المشناه تُسمَّى «الشريعة الثانية» . وتتضارب الآراء المتصلة بمدلول كلمة «مشناه» ، فيذهب البعض إلى أنها تشير إلى الشريعة الشفوية بكاملها (مدراش وهالاخاه وأجاداه) . ولكن الرأي الآن مستقر على أن المشناه تعني الهالاخاه فقط، حتى أن كلمتي «مشناه» و «هالاخاه» أصبحتا مترادفتين تقريباً. ومع هذا، فإن هناك فقرات أجادية في نهاية كل قسم من أقسام المشناه. وعلى أية حال، فإن فقرة واحدة تتضمن سنة واحدة في الفقهيات التشريعية يُسمَّى «مشناه» وجمعها «مشنايوت» . أما كتاب المشناه ككل فيشار إليه أحياناً بأنه «هالاخاه» وجمعها «هالاخوت» .
وقد دوِّنت المشناه نتيجة تراكم فتاوى الحاخامات اليهود (معلمي المشناه) وتفسيراتهم وتضاعفها كمياً بحيث أصبح من المستحيل استظهارها، فبدأ تصنيفها على يد الحاخام هليل (القرن الأول الميلادي) ، وبعده الحاخام عقيبا ثم مائير. أما الذي قيدها في وضعها الحالي كتابةً، فهو الحاخام يهودا الناسي (عام 189م) الذي دونها بعد أن زاد عليها إضافات من عنده (ولكن هناك من يقول إنه لم يدونها رغم اقترانها باسمه، وقد ظلت الأجيال تتناقلها حتى القرن الثامن الميلادي) . ويتكون كل من التلمود الفلسطيني والتلمود البابلي من المشناه والجماراه. ووجه الاختلاف بينهما في الجماراه، أما المشناه فهي مشتركة بين التلمودين. والواقع أن لغة المشناه هي تلك اللغة العبرية التي أصبحت تحتوي على كلمات يونانية ولاتينية وعلى صيغ لغوية يظهر فيها تأثر عميق بقواعد الآرامية ومفرداتها، وتُسمَّى عبرية المشناه. ويصل حجم المشناه في الترجمة الإنجليزية إلى 789 صفحة. ولذا، ورغم أنها تعليق على العهد القديم، فإنها أكبر منه حجماً. ويجب التمييز بين المشناه والمدراش، فالمدراش (حتى التشريعي الهالاخي) تعليق على النصوص التوراتية نفسها، أما المشناه فتهدف إلى تقديم المضمون القانوني للشريعة الشفوية بشكل مجرد ودون العودة إلى النصوص التوراتية.
وتنقسم المشناه إلى ستة أقسام) سداريم) :
1 ـ سدِّر زراعيم، أي البذر أو الإنتاج الزراعي: ويُعنى بالقوانين الدينية الخاصة بالزراعة والحاصلات الزراعية وبنصيب الحاخام من الثمار والمحصول.
2 ـ سدِّر موعيد، أي العيد: ويُعنى بالأعياد (والسبت) ، والأحكام الخاصة بها.
3 ـ سدِّر ناشيم، أي النساء: وفيه النظم والأحكام الخاصة بالزواج والطلاق.
4 ـ سدِّر نزيقين، أي الأضرار: ويتناول الأحكام المتعلقة بالأشياء المفقودة والبيع والمبادلة والربا والغش والاحتيال، كما يُعنى بالحديث عن عصر المسيح ومحاكمته وصلبه. وهذا الكتاب موضع اهتمام الذين حاولوا إرجاع ما يُسمَّى «الأخلاق اليهودية» إلى تعاليم التلمود.
5 ـ كتاب قُدَاشيم، أي المقدَّسات: ويحوي الشرائع الخاصة بالذبح الشرعي، والطقس القرباني وخدمة الهيكل. ويُقال إن واضعي المشناه قد أدركوا أنه (بعد القضاء على ثورة بركوخبا) لم يَعُد هناك احتمال في المستقبل القريب لإعادة بناء الهيكل، ولذا فقد وضعوا القوانين الخاصة بالهيكل على مستوى آخر حيث أصبحت دراسة قوانين الهيكل بديلاً دينياً للطقوس المقدَّسة التي يقوم بها الكهنة في المعبد.
6 ـ كتاب طهاروت أو الطهارة: ويعالج أحكام الطهارة والنجاسة.
وهذه الكتب الستة أو السداريم (جمع سدر) ، أصبحت تُسمَّى «شيشا سداريم» ، وهي تنقسم بدورها إلى أحكام فرعية أو مباحث تُسمَّى «ماسيختوت» ، ومفردها «مسيخت» ، وهي من جذر آرامي بمعنى «نسج» ، أو «حاك» ، ويُقال لها أيضاً «الأسفار» أو «المقالات» . ويتناول كل كتاب موضوعاً بعينه في عدة فصول أو براقيم أو مفاصل. ويتألف كل فصل بدوره من فقرات عديدة تُعرف باسم «هالاخوت» (جمع هالاخاه) وهي الأحكام الشرعية.
ويرى واضعو المشناه أنها جزء لا يتجزأ من الوحي الذي تلقاه موسى، فهي التوراة (أو الشريعة الشفوية) لا بمعنى أن بعض أجزائها تلقاه موسى شفاهة في سيناء ثم تم تناقلها شفاهة عبر الأجيال من حاخام إلى آخر، وإنما بمعنى أن تقاليد التوراة الشفوية لا تزال مستمرة حتى وقتنا هذا. بل يرى بعض العلماء اليهود أن المشناه هي المقابل اليهودي للعهد الجديد، فكلاهما إكمال للعهد القديم وشريعة موسى. والمشناه هي، في الواقع، الرد اليهودي على العهد الجديد. بل إن بعض العلماء اليهود يرون أن المشناه، شأنها شأن المسيح، هي تجسيد للعقل الإلهي، أي أنها اللوجوس (الكلمة) . وإذا كان المسيح هو اللوجوس، وقد أصبح بشراً، فإن هذا التجسيد يأخذ في المشناه شكل لغة قانونية متزنة تشكل وتنظم مسار الواقع.
وقد ظلت المشناه أهم كتب اليهود المقدَّسة والمصدر الحقيقي للتشريع والأحكام والفتاوى، رغم كل الأبهة الشعائرية التي تحيط بالعهد القديم. ومع هذا، فإن المشناه بدأت تفقد منذ القرن السادس عشر، مثلها مثل باقي أقسام الشريعة الشفوية ككل، شيئاً من أهميتها ومركزيتها، وذلك مع شيوع القبَّالاه وازدياد نفوذ القبَّاليين الذين أخذوا يهاجمون الحاخامات ويُصدرون الفتاوى استناداً إلى الزوهار وأقوال لوريا. وكان القبَّاليون يشيرون إلى المشناه بأنها «مقبرة موسى» ويشيرون إلى الحاخام بلفظ «الحمار المشناوي» (لأنه ينوء تحت طقوس المشناه ويكررها أحياناً دون فهم لمعناها) .
الجماراه
Gemara
«جماراه» كلمة آرامية تعني «التتمة» أو «التكملة» أو «الدراسة» . وهي عبارة عن التعليقات والشروح والتفسيرات التي وضعها على المشناه الفقهاء اليهود الذين يسمَّون بالشراح (أمورائيم) في الفترة 220 ـ 500م. وهي تأخذ عادةً شكل أسئلة وأجوبة. وتُعَدُّ الجماراه جزءاً من الشريعة الشفوية. لكن تسميتها بالجماراه، أي «المكملة» ، هي من قبيل المجاز، فالشراح لم يكتفوا بالتفسير والتوضيح فحسب، بل قاموا بالتعديل حتى تطابق المشناه ظروف الزمان والمكان، أي أنهم فعلوا بالمشناه ما فعله رواة المشناه بالعهد القديم. وكما أن المشناه أطول من العهد القديم، فإن الجماراه أطول من المشناه. وهناك جماراتان إحداهما فلسطينية والأخرى بابلية. ويبلغ عدد كلمات الأولى نحو ثلث عدد كلمات الثانية.
وفي القرن الرابع، نسقت مدارس فلسطين التلمودية شروحها في الصورة المعروفة بالجماراه الفلسطينية. أما الجماراه البابلية، وهي أطول من المشناه عشر مرات، فقد جُمعت في مائة عام كاملة، وظل الحاخامات المفسرون (صبورائيم) نحو مائة وخمسين سنة أخرى يراجعون هذه الشروح الضخمة ويصقلونها حتى أخذت صورتها التي لدينا.
ووجه الاختلاف بين التلمود البابلي والتلمود الفلسطيني ماثلٌ في الجماراه وليس في المشناه، فالمشناه مشتركة بينهما. ولما كانت الجماراه البابلية أكمل وأشمل من الجماراه الفلسطينية، ويزيد حجمها على حجم الجماراه الفلسطينية، فإن التلمود البابلي هو التلمود المتداول الآن بين اليهود، وهو الكتاب القياسي عندهم. والواقع أن كلمة «التلمود» ، في الأوساط العلمية، تشير إلى الجماراه وحسب.
ولغة الجماراتين هي الآرامية (الآرامية الشرقية في حالة التلمود البابلي والآرامية الغربية في حالة التلمود الفلسطيني) ، وقد كُتبتا بأسلوب إيضاحي بسيط. وإذا كان معظم المشناه تشريعياً قانونياً هالاخياً، فإن الجماراه تجمع بين القانون والمواعظ والقصص (أجاداه) .
التشريع والشريعة
Halakhah
مصطلح «التشريع» هو المقابل العربي لكلمة «هالاخاه» العبرية. وهذا المصطلح يعني «القانون» أو «التشريع» . وكلمة «هالاخاه» من أصل آرامي، ومعناها الحرفي هو «الطريق القويم» ، وإن كان يُقال في التفسيرات الحديثة إن معنى الكلمة الأصلي هو «الضريبة» أو «القاعدة الثابتة» . وكلمة «هالاخاه» لها معنى ضيق، وقد ورد لأول مرة في كتابات معلمي المشناه (تنائيم) وكانت تعني في بداية الأمر «الحكم الشفهي الذي يصدره الفقهاء» ثم أصبحت تشير إلى «الفقرة الواحدة المُتضمَنة في سنة واحدة في الفقهيات الشرعية» . ثم أصبحت الكلمة تشير إلى الجانب التشريعي لليهودية ككل (وضمن ذلك الشريعة الشفوية) بحيث أصبحت تشمل في نطاقها العرف والعادة والقوانين المحلية والمراسيم الشرعية وهي في ذلك مثل كلمة «لو Law» في الإنجليزية أو «قانون» في العربية، فيمكن أن نشير مثلاً إلى «قانون العقوبات» ، وإلى «القانون الجنائي» كما يمكن أن نشير إلى «القانون» بشكل عام. وهكذا يُقال: "ما الهالاخاه المتصلة بهذا الموقف؟ "، أي "التشريع الخاص بهذا الموقف"، كما يمكن القول "لقد امتلك فلان ناصية الهالاخاه" أي "التشريع بشكل عام". والكلمة تكاد تكون مرادفة لكلمة «توراة» التي تعني أيضاً «الشريعة» و «القانون» بالمعنى العام. ولعل الفرق يكمن في أن كلمة «توراة» تظل ذات دلالة عامة فقط، بينما كلمة «هالاخاه» تكون أحياناً ذات معنى عام أو معنى خاص. وحتى لا نخلط، يمكن القول بأن «هالاخاه» تشير إلى الصياغة القانونية المحددة لتفاصيل الشريعة اليهودية، وذلك في مقابل:
1 ـ المدراش: الدارسة والوعظ الذي يعتمد دائماً على الاستشهاد بالتوراة، وعلى البحث عن المعاني الخفية.
2 ـ الأجاداه: التي تعتمد على الوعظ عن طريق القصص.
ويحتوي التلمود على أجزاء هالاخية تشريعية، أي قانونية مختلفة، وأخرى أجادية قصصية وعظية. ولكن المشناه تتميز بأنها تحتوي على تشريع أكثر مما تحوي القصص والمواعظ، في حين تتسم الجماراه بأن فيها من الأجاداه (أي من القصص والمواعظ) أكثر مما فيها من الهالاخاه (أي من التشريع) . وتُعَدُّ المصادر الأساسية للتشريعات: الشريعة المكتوبة (أي التوراة) والشريعة الشفوية والعرف الساري بين اليهود.
ويرى بعض الحاخامات أن التشريع بكامله مُوحى به من الإله. بل إن بعضهم يدعي أنه، منذ هدم الهيكل، لم يَعُد هناك من شغل شاغل للإله إلا هذا التشريع. ويُلاحَظ أن كلمة «تشريع» أو «هالاخاه» يضيق نطاقها أحياناً لتشير إلى الشعائر بالدرجة الأولى، بحيث إن الحوار بشأن الهالاخاه أصبح حواراً بشأن الشعائر. وهنا يمكننا أن نقول إن نطاق كلمة «هالاخاه» بهذا المعنى هو تعبير عن الطبقة الحلولية داخل اليهودية. بل إن ترادف كلمة «هالاخاه» بمعنى «قانون» و «هالاخاه» بمعنى «شعيرة» هو نفسه تعبير عن النزعة الحلولية حيث تتلاحم كل الدلالات وحيث يقل التجريد والتسامي. ويتبدَّى النسق الحلولي لا في الإيمان بالله الواحد وإنما في ممارسة عدد هائل من الشعائر التي تعبِّر عن قداسة الممارس وعزلته عن الآخرين.
ويُلاحَظ أن الفلاسفة الدينيين اليهود في العالم الإسلامي، مثل سعيد بن يوسف الفيومي وموسى بن ميمون، لم يطبقوا تفكيرهم الفلسفي على التشريع والشعائر مكتفين بالتعامل مع القضايا الفلسفية الكبرى المجردة. فموسى بن ميمون، في كتابه مشنيه توراة، وهو مُصنَّفه التشريعي الضخم، يكتب فصلاً فلسفياً تمهيدياً لا علاقة له بالتشريعات اليهودية التي ترد في الكتاب. بل إنه يشير إلى أن التشريعات اليهودية، مثل تحريم طبخ الجدي في لبن أمه وغير ذلك من الوصايا والنواهي والشعائر، هي بقايا عبادات وثنية اختفت منذ زمن قديم، وأنها طريقة إلهية لمخاطبة عقول البسطاء والبدائيين. وبالنسبة للفلاسفة، لا يوجد أي معنى للتشريعات، وإن وجد معنى ما، فهو معنى فلسفي مجرد يُقلل شأن التشريع نفسه. ولكن القبَّاليين نجحوا فيما فشل فيه الفلاسفة، إذ جعلوا التشريع جزءاً من عالمهم السحري، بحيث أصبح تنفيذه كالتميمة السحرية والوسيلة الأكيدة للتأثير في العالم العلوي ومعنى هذا أنهم وصلوا بالنسق الحلولي إلى نتيجته المنطقية.
وفي إسرائيل، يواجه الناس كثيراً من المشاكل الناجمة عن محاولة تطبيق التشريعات بحذافيرها بعد تفسيرها حرفياً. وقد أنشئ معهد للتكنولوجيا والهالاخاه (التشريع) ، الهدف منه حل بعض المشاكل الناجمة عن محاولة إقامة الشعائر التي نص عليها الشرع، فتم تطوير نوع من أنواع النباتات العلفية التي لا تنتشر حتى لا تختلط مع النباتات الأخرى، الأمر الذي يُعَد تحايلاً على التحريم الخاص بعدم الخلط بين النباتات المختلفة. كما تم تطوير طريقة لزراعة الخضر في الماء حتى يمكن إراحة الأرض في السنة السبتية. كما تم التوصل كذلك إلى أدوات كهربائية ذات مفاتيح زمنية يتم ضبطها قبل يوم السبت، بحيث تنير من تلقاء نفسها يوم السبت.
والتشريعات المختلفة هي محور الخلاف بين الفرق اليهودية في العصر الحديث. ويرى اليهود الأرثوذكس أنهم ملتزمون بتنفيذ كل ما جاء في التشريعات، وأن نمط حياتهم يتبع قواعدها. أما الإصلاحيون، فيرون أن التشريعات مرتبطة بزمان ومكان محددين، وأن قواعدها غير ملزمة لهم. ويرى اليهود المحافظون أنهم ينفذون روح التشريعات دون حرفيتها. وقد تخلَّى معظم يهود العالم عن تنفيذ التشريعات اليهودية من الناحية الفعلية والنظرية، أي أنهم لا يتبعونها من ناحية المبدأ. كما أن هناك أعداداً كبيرة تخلت عنها من ناحية الممارسة وحسب، دون أن تتخلى عنها من ناحية المبدأ. ولم يبق سوى جماعة صغيرة (تتراوح بين 5% و10%) ترى أن ما جاء في هذه التشريعات مُلزم لها وتحاول وضعها موضع التطبيق.
هالاخاه
Halakhah
«هالاخاه» كلمة عبرية تعني «التشريع» أو «الشريعة» . وعادةً ما يتم الحديث عن «هالاخاه» مقابل «أجاداه» (القصص والمواعظ) . ويحتوي التلمود على أجزاء هالاخية وأخرى أجادية، أي على أجزاء تشريعية وأخرى قصصية وعظية.
التفسيرات القصصية الأسطورية (أجاداه)
Agadah
لفظ «أجاداه» أو «هجاداه» آرامي، ويعني «روى» أو «حكى» أو «قص» ، كما يعني أيضاً «أسطورة» أو «حدوتة فلكلورية» ، وهو مشتق من أصل عبري غير معروف على وجه الدقة، فيُقال إنه من فعل «هَجْيد» بمعنى «قيل» للإشارة إلى القصص الشفوية مقابل القصص المدوَّنة. وإن كان يُقال إنه مشتق من عبارة «هجَّدْتا لبنيخا» ، أي «تخبر ابناءك» (خروج 13/8) . وتستخدم هذه الكلمة للإشارة إلى الفقرات والقطع التلمودية التي تعالج الجوانب الأخلاقية أو القصصية الوعظية أو الأدعية أو الصلوات أو مديح الأرض المقدَّسة أو التعبير عن الأمل في وصول الماشيَّح. كما تشير إلى الأجزاء التي تتناول التاريخ والسير والطب والفلك والتنجيم والسحر والتصوف.
وتُقرَن الأجاداه دائماً بالهالاخاه. وتُعرَف الأجاداه بأنها ذلك الجزء من التعاليم الحاخامية الذي لا يعالج الهالاخاه (أو الجوانب القانونية أو التشريعية) . وحتى حينما تتعرض الأجاداه إلى مثل هذه الجوانب، فإنها تقتصر دائماً على الحديث عن الحكمة من إرسال القوانين. ويقول الحاخامات إنه يمكن استخلاص الأجاداه من الهالاخاه، ولكن العكس غير صحيح لأن الهالاخاه هي الأصل والأساس. والأجاداه هي من باب التفسير القصصي، ولذلك فليس لها وزن وثقل الهالاخاه. وتختلط العناصر الأجادية بالعناصر الهالاخية في التلمود. وتتسم المشناه بقلة العنصر الأجادي فيها على عكس الجماراه. وتُطبَع أحياناً المقطوعات الأجادية من التلمود في كتب، ويُطلَق على مثل هذه الكتب أيضاً «أجاداه» .
وتتَّسم القصص الأجادية بمبالغاتها الأسطورية ومعانيها الغريبة. وقد حاول الفلاسفة اليهود الدينيون أن يفسروها تفسيراً عقلانياً، ولكنهم لم يهتموا بها كثيراً. وهذا على عكس المفكرين القبَّاليين الذين اهتموا بها وطوروها واستفادوا منها في تفسيراتهم المفتعلة. وقد أثرت الأجاداه تأثيراً عميقاً في الوجدان الديني الشعبي اليهودي، ونبتت في تربتها القبَّالاه. ويمكن القول بأن الأجاداه والقبَّالاه هما اللذان صاغا هذا الوجدان. أما الجوانب التشريعية في التلمود، فقد كانت مقصورة على الأرستقراطية الدينية التي كانت موجودة في المدارس التلمودية العليا (الأكاديميات - اليشيفات) والمراكز الدينية الكبرى بعيداً عن القرى والمدن الصغيرة. وقد ثار كثير من المفكرين الإصلاحيين على الأجاداه، وإن كانت الصهيونية بنزعتها الأسطورية تقدس التلمود، والجوانب الأجادية فيه بشكل خاص.
وتُستخدَم كلمة «هاجاداه» أحياناً للإشارة إلى «أجاداه» ، وإن كان معظم العلماء يفضلون استخدام كلمة «أجاداه» على أن يقتصر استخدام كلمة «هاجاداه» على الإشارة إلى صلوات عيد الفصح والكتب التي تضم الأدعية والصلوات الخاصة بهذا العيد.
أجاداه
Agadah
انظر: «التفسيرات القصصية الأسطورية (أجاداه) » .
الفتاوى
Responsa
«بسْاقوت» بالعبرية من فعل «بسق» بمعنى «قضى» أو «أفتى» أو «حكم» . وللفتاوى أهمية خاصة في اليهودية باعتبار أن الشريعة الشفوية (أي تفاسير الحاخامات) تفوق في أهميتها ومنزلتها الشريعة المكتوبة، أي العهد القديم، ومن ثم فإن الشرح الذي يقدمه الفقهاء أهم من المتن الموحى به. ونظراً لتعدد الأوامر والنواهي في اليهودية، واختلاف الظروف التاريخية والجغرافية التي عاش فيها أعضاء الجماعات اليهودية، يجد اليهودي نفسه مضطراً دائماً إلى العودة للحاخامات لاستفتائهم، وخصوصاً أن اليهودية كتركيب جيولوجي تراكمي تحوي قدراً كبيراً من التناقض وعدم التجانس، ومن هنا تراكمت الفتاوى والتفاسير عبر العصور ويضم التلمود عدداً ضخماً منها.
ولكن المصطلح العبري «شئيلوت أوتشوفوت» ، أي «أسئلة وأجوبة» ، الذي يُترجَم عادةً بكلمة «فتاوى» بالمعنى الاصطلاحي، يشير إلى الخطابات التي كان يرسلها اليهود إلى أحد الحاخامات، يسألونه رأيه في أحد موضوعات الشريعة وإجابته عليهم. وقد ظهر هذا النوع من الفتاوى، منذ القرن السادس حتى القرن الحادي عشر، في العالم الإسلامي، وقد ارتبط اسم الفقهاء (جاؤنيم) بهذه الفتاوى. ويُلاحَظ أن ترابط العالم الإسلامي، والحركة التجارية النشيطة، ساعدا على تناقل الأفكار، كما أن أسلوب الفتاوى نفسه تأثر بأسلوب الفتاوى الإسلامية المماثلة. وقد لعبت الفتاوى دوراً أساسياً في إشاعة الشريعة الشفوية والتلمود البابلي كمصدرين أساسيين للشريعة. وقد جُمعت بعض هذه الفتاوى في كتيب، ويزيد ما جُمع منها حتى الآن على نصف مليون فتوى.
ولم يتوقف الحاخامات عن إصدار الفتاوى بعد ذلك التاريخ إذ أن وضع أعضاء الجماعات اليهودية دخلت عليه تغييرات كثيرة مع انتهاء العصور الوسطى، ثم مع الثورة الصناعية وعصر الانعتاق، الأمر الذي أدَّى إلى ضرورة التكيف والبحث في التراث الديني عن سوابق تبرر عمليات التحديث (على المستويات الجمالية والعقائدية) التي دخلت اليهودية. ولكن عدم تجانس النسق الديني اليهودي، وتركيبه الجيولوجي التراكمي، هو الذي جعل من اليسير على المفكرين الدينيين اليهود أن يطرحوا آراء عديدة متناقضة (بعضها توحيدي والبعض الآخر حلولي إلحادي) وجدت كلها تسويغاً لها في التراث الديني. ويُعتبَر موقف اليهودية من الصهيونية مثلاً جيداً على ذلك. فحينما نشأت الصهيونية، عارضتها جميع المنظمات الدينية اليهودية، الأرثوذكسية والإصلاحية، وقد استندوا في ذلك إلى التراث الديني. فالتلمود، في بعض أجزائه، يُحرِّم العودة (التعجيل بالنهاية) ، وصدرت فتاوى بذلك. ولكن، بالتدريج، تمت عملية صهينة لليهودية تستند هي الأخرى إلى التراث الديني. وصدرت فتاوى أيضاً بذلك، حتى أصبحت الصهيونية واليهودية مترادفتين في ذهن كثير من أعضاء الجماعات اليهودية أنفسهم.
وقد أصدر الحاخامات الصهاينة الكثير من الفتاوى لتسهيل عملية الاستيطان الصهيوني، من أهمها الفتوى الخاصة بأن اليهود يمكنهم الاستيطان في فلسطين تمهيداً لعودة الماشيَّح بدلاً من انتظاره. كما أن ثمة فتاوى تؤكد أن ضم الضفة الغربية وغزة تنفيذ لتعاليم دينية. ومن أطرف الفتاوى، تلك الخاصة ببيع أرض يسرائيل لأحد الأغيار، في السنة السبتية، حتى يتمكن المستوطنون الصهاينة من زراعتها، إذ يتعيَّن على اليهود إراحة الأرض مرة كل ستة أعوام إن كانوا يمتلكونها.
والفتاوى مرتبطة أساساً بالمؤسسة الحاخامية وتستند إلى التوراة والتلمود. ولكن القبَّاليين، ابتداءً من القرن السادس عشر، أصدروا أيضاً فتاواهم مستندين إلى الزوهار، ومعارضين المؤسسة الحاخامية. ولقد جُمعت فتاواهم في كتب خاصة حتى يمكن الرجوع إليها عند الحاجة.
القواعد التكميلية (تاقانوت)
Takkanot
عبارة «القواعد التكميلية» العربية هي المقابل الاصطلاحي لكلمة «تاقانوت» العبرية، ومفردها «تاقاناه» ومعناها «اجتهاد لإصلاح» . وعادةً ما يأتي هذا المصطلح العبري في صيغة الجمع «تاقانوت» ، ويشير إلى مجموعة القواعد التي وضعها الحاخامات لسد الفراغات التي تركتها التوراة. وقد تراكمت هذه القواعد التكميلية على مر العصور ومن أهمها: ضرورة قراءة التوراة يوم السبت، وأن تُعقَد المحاكم اليهودية يومي الاثنين والخميس، وضرورة أن تعيِّن الجماعات اليهودية مدرسين للمدارس الابتدائية، وأن على الأب أن يعول أولاده القصر. وقد كانت القواعد التكميلية تنظم حياة الجماعات اليهودية، وأصبحت في غاية الأهمية بعد أن أصبحت الجماعات اليهودية جماعات وظيفية إذ كانت لابد أن تتسم بغاية الانضباط والترابط حتى يمكنها أداء وظيفتها. ومن أهم أمثلة القواعد التكميلية، ما يُسمَّى «قوانين الترف» . وقد أصدر مجلس البلاد الأربعة عدداً ضخماً من القواعد التكميلية.
الأعراف (منهاج)
Minhag
«الأعراف» ترجمة لكلمة «منهاج» العبرية ومعناها الحرفي «عادة» ، وهو مفهوم في الفقه اليهودي يشير إلى مجموعة من الأعراف التي أصبحت مُلزمة رغم أنها ليست جزءاً من الشريعة المكتوبة أو الشفوية. وقد تنوعت الأعراف بتنوع البلدان والجماعات، الأمر الذي زاد عدم تجانس اليهودية وخاصيتها الجيولوجية. ومن أهم الأمثلة على ذلك، الخلاف بين السفارد والإشكناز (المنهاج الإشكنازي والمنهاج السفاردي) . ولذا، يشير يوسف كارو في الشولحان عاروخ إلى منهاج السفارد، أما موسى إيسيرليز (موشيه يسرائيليتش) فيشير إلى منهاج الإشكنار في مصنفه الذي وضعه تعليقاً على الشولحان عاروخ التي وضعها على المؤلف نفسه. وهناك الخلاف بين منهاج الحسيديين ومنهاج المتنجديم.
وفي التلمود، ذهب بعض الحاخامات إلى أن الأعراف السائدة بين الجماعات اليهودية يمكن أن تَجُّب بعض قوانين الشريعة. وهذا يتفق مع الرؤية الحلولية، ومع فكرة الشريعة الشفوية التي تعطي مرتبة ثانوية للنص المقدَّس المكتوب (الموحى به) قياساً إلى اجتهادات الحاخامات.
القرارات (جزيروت)
Gezerot
«القرارات» ترجمة لكلمة «جزيروت» العبرية التي مفردها «جزيراه» وتعني «قرار» أو «أمر» . والقرارت مصطلح يشير إلى عدة مدلولات من بينها الأوامر الإلهية التي لا يُفهَم سببها، والأوامر التي يصدرها حاكم غير يهودي بمنع ممارسة الشعائر اليهودية والاضطهاد الديني، وأخيراً (وهذا ما يهمنا في هذا المدخل) فإنه يشير إلى قرار تصدره المحاكم الحاخامية بهدف الحفاظ على الشريعة وإحاطتها بسياج (حسبما أوصى رجال المجمع الكبير) . ومن أهم هذه القرارات، تلك التي أصدرها تلاميذ هليل وشماي في بداية القرن الأول الميلادي لإقامة حواجز بين اليهود وغير اليهود، وخصوصاً فيما يتعلق بالعلاقات الجنسية. وهذه القرارات الحاخامية مُلزمة لليهود، وإن حدث وكانت متناقضة مع الشريعة المكتوبة (المُرسَلة) فإنها تجُب الشريعة.
بيلبول
Pilpul
«بيلبول» كلمة تُستخدَم للإشارة إلى عدة مناهج لدراسة التلمود والشريعة الشفوية في الأكاديميات التلمودية. والكلمة مشتقة من كلمة «بلبل» ، (الأصل «فلفَل» ) ويُقال إنها من كلمة «بلبل» بمعنى «يبحث» ، وهي تعني أسلوب التحليل والتركيب الذي يعتمد على المنطق المحض (الذي يتصف بالتحايل والتخريجات) مقابل المعرفة العابرة بالنصوص (وهو ما يُسمَّى «دراش» ) . ومنهج البيلبول قديم، إذ كان يُفترض في أعضاء السنهدرين أن يمتلكوا ناصيته، وكذا علماء بابل. وقد استُخدم المنهج في المدارس التلمودية في أوربا في العصور الوسطى، كما استفاد منه أصحاب الشروح الإضافية (توسافوت) ، واستُخدم في مدارس إسبانيا التلمودية العليا (يشيفا) في القرن الرابع عشر، ومن ثم فهو من أهم آليات الشريعة في محاولتها الدائبة إحلال الاجتهاد الحاخامي محل الوحي الإلهي.
وقد تجمَّد منهج البيلبول وأصبح مجموعة من القواعد التي تستند إلى الإيمان الحلولي بأن الحكماء القدامى (سواء الذين يرد ذكرهم في التلمود أو أولئك الذين كتبوا الشروحات عليه) معصومون وإن اختلفوا في الرأي، فخلافهم لا يعدو أن يكون خلافاً ظاهرياً، وغاية الطالب هي العثور على وسيلة جدلية تَصلُح لإزالة الفروق وتسوية الخلافات. وقد كان العالم يحاول اكتشاف التناقضات الكامنة في التلمود، وفي التعليقات عليه، ثم يطرح الحلول التي تفسر هذه التناقضات، وبعد أن يتم ذلك تُكتَشف التناقضات في الحلول نفسها، ثم تُطرَح حلول جديدة. وتستمر هذه العملية إلى أن يتم توضيح الموضوع موضع النقاش وتُزال أية تناقضات ظاهرة كانت أم كامنة. ولكن النقاش الجدلي كان يأخذ أحياناً شكلاً متطرفاً حتى أصبح الهدف منه شحذ القريحة وحسب، وتحوَّل إلى ضَرب من السفسطة. ولذا، كان المنهج يُستخدَم في خلق بنيً ذهنية منطقية وفي التوصل إلى توازنات فكرية ليس لها أساس علمي أو واقعي. وأصبح المنهج، في النهاية، وسيلة في يد طلاب المدارس التلمودية العليا لتحميل النص بأي معنى يريدون، وهو ما أدَّى إلى تحريف المعنى الحقيقي، كما صار سلاحاً يستخدمه طلاب الوظائف الحاخامية المختلفة بحيث أصبح تَملُّك ناصية المنهج أكثر أهمية من معرفة الشريعة المكتوبة أو الشفوية نفسها. ومع بدايات التحديث والعلمنة في أوربا، كان هذا منهج التفكير الأساسي بين الحاخامات اليهود، وإن كان قد عارضه الحاخام إلياهو زلمان (فقيه فلنا) الذي حاول أن يبعث التقاليد الحاخامية من الداخل.
الكتاب الخارجي (برايتا)
Baraita
«الكتاب الخارجي» يقابلها في الآرامية «بْرَّايتاه» ، وتشير الكلمة إلى أقوال معلمي المشناه (تنائيم) ، والتي استبعدها يهودا الناسي فجمع أهمها في كتاب التذييل (توسفتا) . كما يظهر عدد كبير منها متناثراً في التلمود. وتُعَد هذه الأقوال بمنزلة أبوكريفا المشناه، أو كتُبها غير القانونية أو الخارجية، والأحكام الواردة فيها مُلزمة إلا إذا تناقضت مع ما جاء في المشناه.
التذييل) توسفتا)
Tosephta
«التذييل» هي المقابل العربي لكلمة «توسفتا» الآرامية وتعني «التذييل» أو «الزيادة» أو «الإضافة» . والتوسفتا عمل تشريعي ملحق بالمشناه مكمل لها. وقد ورد في التلمود ذكر لأكثر من تذييل، ولكن لم يبق من ذلك سوى واحد. والتذييل الذي بين أيدينا يتكون من ستة أقسام (سداريم) تحمل عناوين أقسام المشناه نفسها. وتختلف الآراء بشأن التوسفتا، فيذهب أحد علماء التلمود إلى أن التذييل هو في الواقع المشناه الفلسطينية، ويذهب آخر إلى أن واضعي التلمود البابلي لم يكونوا يعرفون هذا التذييل بتاتاً. ويضم التذييل كثيراً من الفقرات الخارجية أو البرانية.
الشولحان عاروخ
Shulhan Arukh
«الشولحان عاروخ» عبارة عبرية تعني «المائدة المنضودة» أو «المائدة المعدة» ، والشولحان عاروخ هو مُصنَّف تلمودي فقهي يحتوي على سائر القواعد الدينية التقليدية للسلوك، ويُعَدُّ حتى يومنا هذا، المصنَّف المعوَّل عليه بلا منازع للشريعة والعرف اليهوديين، ويشار إليه باعتباره التلمود الأصغر. أعده جوزيف كارو ونشره عام 1565 مستنداً إلى العهد القديم والتلمود وآراء الحاخامات اليهود وفتاواهم وتفسيراتهم (الشريعة الشفوية) . ومما هو جدير بالذكر أن حياة اليهود تكبلها العديد من الشعائر والقيود والتشريعات، الأمر الذي يضطرهم إلى البحث عن مصدر دائم للفتاوى. ولكن التوصل إلى إجابة على أحد التساؤلات الدينية من خلال التلمود مسألة شاقة جداً، إذ يتعيَّن على المتسائل أن يقرأ أربع أو خمس فقرات في مجلدات مختلفة منه ثم يبحث عن التعليقات المختلفة على كل الفقرات وهي تعليقات تحوي كل واحدة منها تفسيرات مختلفة ومتناقضة. ولتبسيط هذه العملية، لجأ مؤلف الشولحان عاروخ إلى إسقاط جميع المناقشات الفقهية الطويلة والآراء المختلفة والأحكام المتناقضة، فلم يدوَّن إلا الأحكام الشرعية المستقرة التي تبيِّن ما هو حلال وما هو حرام، وأوردها في نص واحد.
وينقسم الشولحان عاروخ إلى أربعة أقسام:
1 ـ أورَّح حاييم، أي «سبيل الحياة» : ويتناول قواعد الصلاة والبركات والأعياد.
2 ـ يوريه ديعاه، أي «أستاذ المعرفة» : ويتناول قوانين الطعام الشرعي والطهارة والنجاسة والنذور وقواعد الحزن والحداد وقواعد الصدقات.
3 ـ إيفين هاعوزير، أي «الحجر المعين» : ويتناول أحكام الزواج والطلاق، وكذلك سائر ما يتعلق بالنساء.
4 ـ حوشين مشباط، أي «صندوق القضاء الشامل» : ويتناول القوانين المدنية والجنائية وأصول المحاكمات، كما يحوي أحكام الميراث والوصاية والوصايا والتوكيلات والشهادة واليمين والعقود والتسجيل.
ولأن الكتاب يحتوي على مختلف التعاليم مصنفةً تصنيفاً جيداً، فقد لاقى نجاحاً كبيراً بين الجماهير اليهودية.
ومع أن الحاخامات الإشكناز هاجموا الشولحان عاروخ في بادئ الأمر، فإنه صار الكتاب المُعتمَد لدى اليهود الأرثوذكس، وخصوصاً بعد أن قام موسى إيسيرليز (يسرائيليتش) (1520 ـ 1572) بإضافة الهوامش والملاحق المتعلقة بالمنهاج الإشكنازي. وقد ظهرت هذه الهوامش والإضافات في كل طبعة من طبعات الكتاب وسُمِّىت «ماباه» أي «مفرش المائدة» ، وتشير عبارة «شولحان عاروخ» إلى كلٍّ من المائدة والمفرش.
ويحوي الكتاب كثيراً من الأحكام العنصرية التي وردت في التلمود، فالشولحان عاروخ يُفرِّق بكل حدّة بين اليهودي وغير اليهودي، حتى في الأمور الإنسانية المبدئية، فقتل اليهودي يختلف عن قتل غير اليهودي، وإنقاذ حياة يهودي أو علاجه يختلف عن إنقاذ حياة غير يهودي أو علاجه. وعلى سبيل المثال، يسأل الشولحان عاروخ عما إذا كان ينبغي على اليهودي أن يزيل أنقاض منزل تهدَّم على سكانه يوم السبت؟ والإجابة بالنفي، ولكن إن كان بين السكان يهودي وجب على اليهودي أن يساعد في إزالة الأنقاض. كما ينبغي عليه أن يشترك في عملية الإنقاذ، إذا كان إحجامه عن ذلك قد يلحق الأذى باليهود بوصفهم جماعة لأن الأغيار يتحكمون في اليهود. وبناء على ذلك لا يجوز إنقاذ حياة اليهودي القرائي لأنه لا سلطان له على اليهود الحاخاميين. وكذلك ينبغي على الطبيب اليهودي ألا يعالج غير اليهودي، وإذا اضطر إلى ذلك وجب عليه أن يجعل الهدف الدفاع عن اليهود لا علاج المريض غير اليهودي. ويُحرِّم الشولحان عاروخ سرقة يهودي يهودياً آخر أو غير يهودي. ومع هذا، تحل سرقة غير اليهودي، إذا كان تحت حكم اليهود. وقد استُخدمت هذه الأحكام لتبرير سرقة الفلسطينيين. وقد جعل المعلقون على الشولحان عاروخ الإيمان بالقبَّالاه إحدى فرائض اليهودية. وقد هاجم دعاة حركة التنوير اليهودي ومفكرو اليهودية الإصلاحية هذا الكتاب باعتباره تجسيداً لكثير من الجوانب المتخلفة في اليهودية، وبسبب تشدُّده وتحجُّره. ولا يزال الكتاب حتى الآن من أهم المصادر التي تستقى منها المؤسسة الأرثوذكسية تفسيرها للشريعة اليهودية في إسرائيل وخارجها.