الفصل الثالث: فِيْ أَنَّ الصُّوْرَةَ الجِسْمِيَّةَ لَا تَتَجَرَّدُ عَنْ الهَيُوْلَى.
لأنَّها لو وُجِدَتْ بلا حُلولٍ فيها فإمَّا أن تكون متناهيةً أو غيرَها، لا سبيلَ إلى الثاني؛ لأنَّ الأبعادَ كلَّها متناهيةٌ، وإلا لأمكنَ أن يخرجَ من مبدأٍ واحدٍ امتدادانِ على نَسَقٍ واحدٍ كأنَّهما ساقَا مثلثٍ، فكُلَّما كانا أعظمَ كان البُعْدُ بينَهما أزيدَ، فلو امتدَّا إلى غيرِ النهايةِ لأمكنَ بينَهما بُعْدٌ غيرُ متناهٍ مع كونِهِ محصورًا بين حاصِرَينِ، هذا خُلْفٌ.
وأمكنَ أيضًا أن نفرضَ من مبدأٍ خطًّا غيرَ متناهٍ إلى الفوقِ مثلًا، ومما فوقَهُ بذراعٍ مثلًا، خطًّا آخرَ غيرَ متناهٍ أيضًا، ثم نُطبِّقُ الخطَّين تطبيقًا وهميًّا، فينجَرُّ الثاني جميعًا انجرارًا وهميًّا، فإن كان بإزاءِ جميعِ الخطِّ الأولِ جزءٌ من الثاني، كان الناقص كالزائد، وإلا فقد وُجِدَ في الأول ما لا يُوجَدُ بإزائِهِ شيءٌ من الثاني، فتناهى الثاني، ويلزم منه تناهي الأول.
ولا سبيلَ أيضًا إلى الأول؛ لأنَّها لو كانتْ متناهيةً لأحاط بها حدٌّ أو حدودٌ، فتكون متشكلةً، فهذا الشكل إما للصُّورَةِ من حيثُ هي، وهو محال، وإلا لكانتْ الأجسامُ كلُّها متشكلةً بشكلٍ واحدٍ، أو لسببٍ لازمٍ لها، وهو أيضًا محالٌ، أو عارضٍ لها، وهو أيضًا محالٌ، وإلا لأمكنَ زوالُهُ، فتتشكل بشكل آخر، فتكون قابلةً للانفصال، وكلُّ قابلٍ له مقارنٌ للهَيُولَى، فتكون الصورةُ العاريةُ عن الهَيُولَى مقارنةً للهَيُولَى، هذا خُلْفٌ.
الشرح
الفصل الثالث في أن الصورة الجسمية لا تتجرد عن الهيولى
)لأنها لو وجدت بلا حلول فيها فإما أن تكون متناهية أو غيرها لا سبيل إلي الثاني لانّ الأبعاد كلّها متناهية وإلا لأمكن أن يخرج من مبدأ واحد امتدادان على نسق واحد كأنهما ساقا مثلث) متساوي الأضلاع مثلا (فكلما كانا أعظم كان البعد بينهما أزيد فلو امتدا إلى غير النهاية لا مكن بينهما بعد غير متناه مع كونه محصورا بين حاصرين هف) وهذا البرهان هو المسمى بالسلمي
)وأمكن أيضا أن نفرض من مبدأ خطا غير متناه إلى الفوق مثلا ومما فوقه بذراع مثلا خطا آخر غير متناه أيضا ثم نطبق الخطين تطبيقا وهميا( بأن نجعل طرف الثاني بازاء طرف الأول (فينجر الثاني جميعا انجرارا وهميا فإن كان بإزاء جميع الخط الأول جزء من الثاني كان الناقص كالزائد وإلا فقد وجد في الأول ما لا يوجد بإزائه شيء من الثاني فتناهى الثاني ويلزم منه تناهى الأول) لأنه لا يزيد على الثاني إلا بذراع ويسمى هذا ببرهان التطبيق
ولا يمكن هذا التطبيق كما قال التفتازاني إلا فيما دخل تحت الوجود بخلاف ما هو وهمي محض فانه ينقطع بانقطاع الوهم فلا يرد النقض بمراتب العدد ولا بمقدورات الله تعالى لأن معنى لا تناهيها أنها لا تنتهي إلى حد لا يتصوّر فوقه حد آخر لا بمعنى أ أن مالا نهاية له يدخل في الوجود
(ولا سبيل أيضا إلى الأول لأنها لو كانت متناهية لأحاط بها حد أو حدود فتكون متشكلة فهذا الشكل أما للصورة من حيث هي وهو محال وإلا لكانت الأجسام كلّها متشكلة بشكل واحد او لسبب لازم لها وهو أيضا محال) لأنّ لازم الصورة مشترك بين جميع الأجسام (أو عارض لها وهو أيضا محال وإلا لا مكن زواله) عند زوال العارض (فتشكل بشكل آخر فتكون قابلة للانفصال وكل قابل له مقارن للهيولي فتكون الصورة العارية عن الهيولى مقارنة للهيولى هف)