الفصل الأول: فِيْ إِبْطَالِ الجُزْءِ الذِي لَا يَتَجَزَّى.
لأنَّا لو فرضْنا جزءًا بينَ جزئين فإما أن يكون الوسَط مانعًا من تلاقي الطرفين أو لا، لا سبيلَ إلى الثاني؛ إذْ لو لم يكن مانعًا لكانتْ الأجزاءُ مُتَداخلةً، فيكون مانعًا، فما به يلاقي الوسَطُ أحدَ الطرفين غيرُ ما به يلاقي الطرفَ الآخرَ فينقسمُ.
ولأنَّا لو فرضْنا جزءًا على مُلتَقَى جسمينِ فإما أن يلاقيَ أحدَهما فقط أو من كلٍّ منهما شيئًا، الأول محالٌ، وإلا لم يكن على المُلْتَقَى، فتعيَّنَ الثاني، فيلزمُ الانقسامُ.
الشرح
الفصل الأوّل في إبطال الجزء الذي لا يتجزى
ويقال له الجوهر الفرد وهو جوهر ذو وضع لا يقبل القسمة مطلقا لا قطعا ولا كسرا ولا وهما ولا فرضا والفرق بين القسمة الوهمية والفرضية أن الأولى بحسب التوهم جزئيا والثانية بحسب فرض العقل كليا بمعنى أن العقل لا يجوز القسمة فيه فهذا الجزء باطل
(لأنا لو فرضنا جزاً بين جزأين فإما أن يكون الوسط مانعا من تلاقى الطرفين أولا لا سبيل إلى الثاني إذ لو لم يكن مانعا لكانت الأجزاء متداخلة) وتداخلها بحيث تتحد في الوضع والحجم محال وإلا فكيف يتركب الجسم منها (فيكون مانعا فما به يلاقي الوسط أحد الطرفين غير ما به يلاقى الطرف الآخر فينقسم)
(ولأنا لو فرضنا جزأ على ملتقى جسمين فإما أن يلاقي أحدهما فقط أو من كل منهما شيأ الأول محال وإلا لم يكن على الملتقى فتعين الثاني فيلزم الانقسام)
ولكنّ هذين الدليلين وكذا الأدلّة التي استدلوا بها على إبطال الجزء لا يدلّ شيء منها على بطلان الأجزاء التي قال بها ذي مقراطيس من أن مبادي الأجسام أجسام صغار صلبة لا تقبل الانفكاك وإن قبلت القسمة الوهمية فدون إبطالها خرط القتاد قال المصطفى آبادي
والدليل على وجود الجواهر الفردة عند مهرة العلوم الجديدة هو أن كل جسم يرجع بالتحليل الكيمياوي إلى ذرّات غير منقسمة
وأقول لا يبعد أن تكون تلك الدرات أجساما ذي مقراطيسيّة لا تقبل قسمة فكية بل وهمية فقط اهـ
قال أبو محمد الفقير إنّ ما قاله هو الذي يميل إليه القلب فان وجود الجزء الذي اخترعه الفلاسفة للإبطال تأسيسا لإثبات الهيولى والصورة باطل بالضرورة فالظاهر أنّ الذي أثبته مشايخنا هو الجزء الذي قال به ذي مقراطيس وهو الذي لا ينقسم فعلا فقط ثم رأيت المصلح أي الوهابي محمد رضا صاحب مجلّة المنار نقل في تعليقه على رسالة "التوحيد لإمامه المصلح محمد عبدة أنه سئل المؤلّف في الدّرس هل يصدق ذلك الجوهر الفرد بالمعنى الذي يقولونه وهو أنه لا يقبل القسمة فعلا ولا عقلا ولا وهما فقال إن الجوهر الفرد بهذا المعنى لا حقيقة له ونحن نحمل كلام من يقول بالجوهر الفرد على الجزء الذي لا ينقسم فعلا لشدة صغره اهـ
فحمل كلام مشايخنا عليه أولى من التزام أنّهم قائلون بالجزء الذي اخترعه هؤلاء وهو الموفق.