إهداء

 

إلى روح والد معلمي جلال الخوالدة

"الشيخ يونس عبدربه الخوالدة" - رحمه الله

وإلى والدته

"الحاجة رقية حسن سليمان" - حفظها الله

وإلى معلم معلمي الكاتب القاص

شيخ المحررين

مصطفى صالح – حفظه الله


"لم يكن يقاتل حتى النهاية، كان دائما، وفي أحلك اللحظات ينسحب، لم أفهم لماذا كان يفعل ذلك، كنت أظنه نوع من الجبن، ولكن بعد لقائي مع جلال الخوالدة، فهمت أن الإنسحاب أحيانا، هو رأس الحكمة - نورا المطيري"

في العام 2021 ، التقت الإعلامية العربية نورا المطيري بالروائي والإعلامي جلال الخوالدة، وأجرته معه لقاء مطولا، تحدث فيه عن حياته وسيرته المهنية، فوضعت الملخص التالي لتلك السيرة، وبدأت تكتب مؤلفها الجديد بعنوان "بيوغرافيا الإنسحاب - جلال الخوالدة"

مقدمة

منذ تعرفت عليه لأول مرة، كان جلال الخوالدة يذكر بشكل دائم مُعلمه مصطفى صالح، الصحفي والقاص والكاتب المسرحي والتلفزيوني العريق، ذلك العملاق الذي وضع الخوالدة على الطريق القويم، صحح مساره بعد انتقاله من الصحافة الأسبوعية إلى الصحافة اليومية المتزنة، وأخذ بيديه وشجعه ليقرأ أمهات الكتب الأدبية والفلسفية، وعلمه إعداد البرامج التلفزيونية، وكنت دائما أشعر بالغيرة، كيف يكون الخوالدة ممتنا لمعلمه إلى تلك الدرجة، وأنا التي علمني جلال الخوالدة أكثر مما علمه مصطفى صالح، ولم أقدم له شيئا؟

كان يقول: ليس المطلوب منك تقديم شيء، أعظم ما أريده منك هو النجاح والتفوق، وكلما نجحت أكثر أشعر بالامتنان أكثر، ولكني كنت مصرة أن أجد طريقة أعبر فيها عن امتناني، وحين حققت بعض آمالي وأمنياتي ونشرت كتبي وروايتي جملون والجائحة، وجدت الفرصة مناسبة لكتابة هذا الكتاب، وتسجيل حياة ومسيرة معلمي الأول، وقد استقيت اسم الكتاب "بيوغرافيا الانسحاب" من رواية سيرة ذاتية للكاتبة والروائية البلجيكية "إميلي نوثومب" بعنوان "بيوغرافيا الجوع"، والفرق هنا أن جلال الخوالدة لا يكتب سيرته الذاتية، بل أقوم بكتابتها من خلال لقاءات طويلة سجلت خلالها أبرز محطات حياته وأكثرها أهمية.

قد يسأل البعض، فمن هو جلال الخوالدة لنقرأ سيرته الذاتية، هل كان رئيسا أم كان مخترعا أم أن أحد كتبه قد حصل على جائزة نوبل مثلا، فأقول ليس هذه ولا تلك، لكنكم ستجدون شيئا أكثر أهمية، ليس لأن كتبه في الاقوال والاقتباسات هي الأشهر عربيا، تفيض حكمة وعلما، ولا لأنه أحد الأشخاص المعدودين الذي أثروا في مسيرة الإعلام العربي في لحظات التحول من الورقي إلى الرقمي، وسيهتم الباحثون بمعرفة كيف حدث ذلك، ولكن الحقيقة هي أنني أريد أن يقرأ الناس هذه السيرة وكأنهم يشاهدون فيلما عن قصة نجاح طفل وشاب جاء من مجتمع بسيط وأسرة فقيرة، وتمكن بالمثابرة والتشجيع والامتنان أن يصبح مفكرا وكاتبا وروائيا، وأن ينشر عبق فكره عبر مساحات كثيرة وفي ساحات متنوعة، وأن يؤثر، قبل أن يصبح التأثير زائفا.

 

نورا محمد المطيري

دبي، أغسطس 2021


 تحديث: اكتوبر 2023

سيرة مختصرة

بيوغرافيا الانسحاب –  جلال الخوالدة

جلال يونس عبدربه الخوالدة ويشتهر جلال الخوالدة (مواليد 24 نيسان/ابريل 1970 في عمّان، الأردن) هو روائي وكاتب وصحفي أردني وخبير إعلام وإعلان.

 

جلال الخوالدة: عمل محررا ورئيسا للتحرير في عدد من الصحف الأردنية الأسبوعية، ومديرا لمكتب مجلة الرأي العام اللبنانية بين عامي 1989 و1997. عمل الخوالدة أيضًا منتجا ومعدا لعدد من البرامج التلفزيونية، وتخصص في تدريب الطواقم الإعلامية منذ عام 1997 وحتى عام 2003. ثم انتقل إلى دبي مع نهاية عام 2003، وقدم استشارات تأسيس لعدد من القنوات التلفزيونية وقام بتأسيس ونشر وإصدار قنوات فضائية مثل إنفينيتي والديرة الفضائية، ويعد رائد الاعلام السياحي المرئي العربي بتأسيس واطلاق قناة السفر العربي في العام 2005 في مدينة دبي للإعلام، وفي عام 2006، تولى منصب الرئيس التنفيذي لمجموعة إس جي القابضة، ومديرا لمشروع مدينة الريف في دبي لاند. له دراسات إعلامية مثل إطلاق القنوات الفضائية، فن إعداد البرامج التلفزيونية، تخطيط البرنامج العام وغيرها. وفي عام 2009، أسس "مركز فجر الشرق للدراسات والبحوث" ومجموعة "الإعلاميون العرب" و"هيئة الصحافة الإلكترونية العربية" 2010.

أصبح خبير الإعلام والإعلان المعتمد لدى المحاكم ودور القضاء منذ العام 2010 وأسس في العام 2014 معهد التدريب الإعلامي الدولي، وفي العام 2016 أطلق ما يُعرف بـ "مشروع نورسين الثقافي" الذي يهدف إلى تبادل الثقافات والآداب بين الشعوب والتعريف بالتراث العالمي وأدباء العالم المبدعين الذي لم يحصلوا على فرص الشهرة والجوائز العالمية.

يشتهر جلال الخوالدة بأنه كاتب حكم وأقوال واقتباسات متداولة على الشبكة العنكبوتية وقد صدرت معظمها في مؤلفاته، يشغل الخوالدة حاليا منصب الرئيس التنفيذي لمؤسسة "نورسين للاستشارات الإعلامية والإعلانية" ومقرها مدينة دبي، دولة الإمارات العربية المتحدة.

مؤلفات جلال الخوالدة

·      رواية ليست للنشر (رواية)، 2004

·      المذيع التليفزيوني: التدريب والتأهيل (كتاب منهجي)، 2004

·      كتاب الله.. دلالات عقلية (دراسة بحثية)، 2006

·      الشيخ والأستاذ (حوارات فلسفية)، 2007

·      سلسلة فنون المعلومات (دراسة علمية)، 2008

·      ثنائيات وثلاثيات الكهف (دراسة بحثية)، 2009

·      المؤمنات في الجنة ( دراسة بحثية)، 2009

·      شيخ البيان (كتاب منهجي)، 2010

·      طبطبة، (أقوال واقتباسات)، 2011

·      حمل ثقيل (أقوال واقتباسات)، 2012

·      الحظ والحب والأمل.. وأشياء أخرى (أقوال واقتباسات)، 2013

·      جدال.. ورجولة!  (أقوال واقتباسات)، 2014

·      ارتباك.. مواسم الأفكار! (أقوال واقتباسات)، 2015

·      أدب الطفولة (كتاب منهجي)، 2016

·      الصخب (أقوال واقتباسات)، 2016

·      توت وتين (مجموعة قصصية) 2017

·      الخطيب المثابر(كتاب منهجي)، 2018

·      عقود الإعلام والإعلان، بين الإبداع والقضاء (كتاب منهجي)، 2019

·      الإعلام الجديد (كتاب منهجي)، 2020

·      أورغانون الصخب والحب (أقوال واقتباسات- الأعمال الكاملة)، 2021

·      الحرب بين الانتخاب الطبيعي والاصطفاء الإلهي (علوم وفيزياء)، 2022

·      غير قابل للتفسير (أقوال وبحوث فلسفية)، 2023


طفولة جلال الخوالدة

والده الشيخ يونس عبدربه عبدالله الخوالدة 1938-1988 (أبو طلال) ، تمتد أصوله الى قرية عيمة في محافظة الطفيلة جنوب الأردن، وكان والده معروفا كرجل دين، يقضي حياته بين تجارة السيارات التي كان يشتريها من الدول الأوروبية ويبيعها في الأردن وبين مواسم الحج والعمرة ودروس الوعظ والإرشاد، ووالدته الحاجة رقية حسن سليمان من مواليد قرية القباب في فلسطين عام 1948، هاجرت أسرتها إلى الأردن، وكان عمرها بضعة شهور، ومكثت في أربد لبعض الوقت ثم استقرت الأسرة في منطقة مخيم الحسين في عمان، تزوج والديه عام 1963 حيث كان الزواج بين الأردنيين والفلسطينيين يشوبه بعض الحذر، وقطنت الأسرة الجديدة لأول مرة في منطقة "الحاووز" في جبل التاج، وشهدت أسرته حرب النكسة عام 1967، وبعد ولادته في 24 نيسان/ابريل ووقوع أحداث أيلول 1970، انتقلت الأسرة الى قرية عيمة في الطفيلة لمدة عامين، ثم عادت إلى عمان عام 1973. ونشأ الخوالدة في بيت محافظ، كان والده يأخذه وأشقاءه لأداء جميع الصلوات في المسجد أو يؤم بهم في البيت، درس الابتدائية والاعدادية في منطقة ماركا الجنوبية في عمان، في مدارس امامة بنت أبي العاص، والحجاج بن يوسف الثقفي ومنصور كريشان، وحفظ القرآن الكريم وأحكام التجويد والترتيل، وتلقى دورات عديدة في المساجد والمراكز ومنها دورة متقدمة في مركز الدراسات الاسلامية في الجامعة الأردنية، وكان يبلغ من العمر 10 سنوات،

في بداية العام 1980، كان الحدث الأبرز في تاريخ جلال الخوالدة، لتلك المرحلة، هو مقابلة العلامة الشيخ محمد ناصر الألباني، الذي ارتحل في ذلك الوقت من سوريا إلى ماركا الجنوبية في عمان، قريبا من بيت الخوالدة، فأمره والده بالتزام الدروس التي كان يلقيها الشيخ الألباني بعد صلاة الفجر في الحي، ولأن الخوالدة لم يكن يعلم في ذلك الوقت قيمة ومكانة الشيخ العلمية، فقد كان يتعامل معه بعفوية وبراءة الطفولة، يسأله حتى يرهقه، وأحيانا يطلب الشيخ من الخوالدة أن يحمل معه بعض الحاجيات إلى البيت، فكانت زوجته (أم الفضل)، تحنو على الخوالدة وتكرمه، وتسمح له برؤية مكتب ومكتبة الشيخ، وقال الخوالدة لاحقا:" هيبة ووقار الشيخ الألباني، تركت في أعماقي أثرا عميقا، لا تمحوه السنين، تعلمت منه احترام الوقت وكذلك احترام العلم والعلماء، كان الشيخ قليل الكلام، ولا يمكنكم أن تجدوا شخصا في الكون ينظم وقته كما الشيخ الألباني، رحمه الله، وكانت صدمتي بوفاته عام 1999، تشبه صدمتي بوفاة والدي، وقد دفنا في ذات المقبرة في ماركا الجنوبية، رحمهما الله".



التشجيع الأول:

 خلال الفترة 1976-1980 كان الخوالدة مواظبا أيضا بتشجيع من والده على عضوية مكتبة الأطفال التابعة لأمانة عمان، وسط البلد، وحين اتم قراءة المكتبة كاملة (حسب قوله)، قررت مديرتها (تهاني عبيد) ترشيحه لنيل عضوية مكتبة الكبار والتي تشترط أن يكون سن العضو فوق  14 عاما، فاعترض مدير مكتبة أمانة عمان في البداية، لكن أمين عام عمان، السيد عبدالرؤوف الروابدة، وافق على هذه الاستثناء، وقدم للخوالدة شيك بقيمة دينار واحد بدل عضويته في مكتبة الأطفال، وعضوية مدى الحياة مجانية في مكتبة الكبار الرئيسية، قال الخوالدة عن تلك الفترة " لو لم يأخذني والدي، رحمه الله، إلى عالم الكتب ويشجعني على القراءة ويحفزني على الكتابة لما كنت شيئا مذكورا."، وأصبح الخوالدة، بعد سنين طويلة، صديقا للروابدة، حين قص عليه حكاية الشيك بقيمة دينار.

لم يكن الخوالدة ذلك الطفل المؤدب الذي يمكن تخيله في هذه السيرة، قال بأنه كان مشاغبا ومشاكسا، ومع تفوقه بالتحصيل العلمي، مقارنة مع زملاءه وأقرانه، كان الأساتذة والمدرسون يشكون من تمرده الدائم وعدم رغبته في الجلوس على المقعد الدراسي، يكسرهم فيه أنه كان نبيها وذكيا ويحصل على أعلى الدرجات، لكنه كان يترك المدرسة أحيانا ويتسلل خلسة إلى مدارس البنات القريبة، كان لدى صديق طفولته "جلال الخصيب"، حديقة مليئة بالورد الجوري الأحمر، يجلس بحجة أنه يحميها من "لصوص الورد"، لكنه كان يقطف لكل فتاة جميلة وردة ويقدمها بطريقة أو بأخرى، بعضهن يقبلن والبعض الآخر يهربن أو يتجاهلنه، وكان لدى جيرانهم "دار أبو حامد" شجرة توت عملاقة، ينتظر نضوجها، فيطلب من أصدقاءه فراس وأحمد الشركسي تسلقها وهزّها بعنف، وحين يتساقط التوت، يجمعه على عجالة، ويصرخ مناديا دار أبو حامد أن ينتبهوا الى لصوص التوت، قال: كانوا يغضبون في البداية، ولكن بعد ذلك اعتادوا على هذا المزاح.

كان الخوالدة، وقبل أن يتم الثانية عشرة، يخرج أحيانا مع شقيقه طلال، الذي يكبره بخمسة أعوام، ورفاق طلال المقربين: سمير الطفيلي وإبراهيم الخليلي وغيرهما، لجمع مواد النحاس والالمنيوم من المنطقة الصناعية في منطقة مثلث النشا "وادي الرمم"، يمشطونه من أوله إلى آخره، وحين ينتهون، يذهبون إلى سوق الحرامية وسط البلد، فيبيعون ما جمعوه، ويقسمون المال بينهم، كانت مهمتهم هو توفير أي مبلغ لشراء الدراجات الهوائية، أو شراء بوط "رياضي" أو كرة قدم "فوتبول"، فقد كان ذلك هو النظام في بيت "المرحوم الشيخ يونس أبو طلال": "نشتري لك الشيء مرة واحدة في العام، فإذا ضاع أو هلك أو اصابه شيء بسبب أفعالك، فعليك أن تعمل وتأتي بالمال لشراء شيء جديد لك".

أتاحت عضوية مكتبة أمانة عمان للخوالدة قراءة أمهات الكتب والأعمال الأدبية العالمية، بدأ مهوسا بهذا العالم، لكنه قام بتنظيم نفسه وقراءاته، قال: "رف رف"، الرفوف الأدبية، ثم الفكرية الفلسفية، وتعرف هناك على طه حسين وتوفيق الحكيم ونجيب محفوظ ويوسف السباعي ومحمد عبدالحليم عبدالله وعبدالرحمن منيف وحنا مينه وجبرا ابراهيم جبرا وغسان كتفاني وغيرهم الكثير من المبدعين العرب، ووقع في غرام الأدب الروسي، وكاد أن يحفظ أنطون تشيخوف غيبا (حسب قوله)، وكان يقضي فترة عطلة الصيف يعمل لدى "مصنع الصفدي لتجليد الكتب"، وهو أول مصنع تجليد كتب في عمان، وكان المصنع مختصا بتجليد كتب الجامعات ومنها الجامعة الأردنية، حيث كان أبناء المرحوم عبدالسلام الصفدي، عادل وعامر، يقطنون قريبا من حارته، وكان تجمعه صداقة مع أبنائهم، فيأخذونه معهم في السيارة، ويعيدونه مساء، وكان للمصنع في البداية فرعين، الأول في شارع طلال والثاني في أول طلوع "اللويبدة"، ثم توسع في مصنع كبير في منطقة الجبيهة، وقد أتاح ذلك للخوالدة الاطلاع على عدد كبير من تلك الكتب المنوعة في المجالات المختلفة، فاستوطنت رائحة الكتاب في أجمل ضاحية من وجدانه، وأصبح مدمنا، يريد التهام الكتب، ويظن أن الوقت والعمر لا يكفي لقراءة أهم ما كتبه العباقرة والمبدعون، وعندما راقب مدير المصنع عادل الصفدي هذا النهم والشغف، كان يترك الخوالدة يقرأ كيفما يشاء، بل يشجعه على ذلك ويسمح له بأخذ الكتب إلى منزله وإعادتها سالمة، كان يقول دائما لكل ضيوفه: "أتحداكم إن لم يصبح هذا الخوالدة رئيس وزراء الأردن يوما ما"، ولكن الخوالدة قال بأن عمله في مصنع الصفدي، قد منحه فرصة عظيمة لم تُمنح لطفل قط في مثل عمره، وهي اكتشاف سحر مدينة عمّان في وقت مبكر من العمر، فقد كان يجوبها من أولها إلى آخرها، يأكل في مطعم هاشم، مع عمال الصباح، يصلي في المسجد الحسيني، يدخلها شارعا شارعا، من موقف السيارات القديم (الساحة الهاشمية) حتى رأس العين، ومن سقف السيل حتى المحكمة الشرعية في شارع السلط، يتأملها كأم حنون، يقف عند كشك "حسن أبو علي" لبيع الكتب (أصبح اسمه لاحقا كشك الثقافة) يجادله في أهمية الكتب، فيضحك أبو علي (رحمه الله) ملء شدقيه، ويقول له: "لماذا لا تعمل عندي، وتطلب الكتب التي تراها أكثر أهمية، بدل عملك في تجليد الكتب"، فيقول له الخوالدة وكم تعطيني؟ يقول أبوعلي: دينار في اليوم. فيرد الخوالدة: آخذ في المصنع دينارين، إذا جعلتها ثلاثة دنانير، اليوم استقيل.. فيضحك أبو علي ويضحك، ثم يعود يسأله في اليوم التالي ذات السؤال ليسمع ذات الإجابة، كانت فكرة أنه "يستقيل" مضحكة جدا بالنسبة لأبوعلي، فما هذا الغلام الذي يفكر بالاستقالة بهذا العمر!

اتاحت تلك الثقافة والمعرفة للخوالدة أن يساهم بإنشاء الإذاعة المدرسية في مدرسة الحجاج بن يوسف الثقفي، ويقود معظم الفعاليات والانشطة، بتشجيع من مدير المدرسة آنذاك، الأستاذ عبدالرحيم خربط، برفقة اصدقاءه زهير التميمي وأحمد الألماني وعلام وبشار خربط، وشارك الخوالدة خلال طفولته في العديد من مسابقات الشعر والمطالعة التي تجريها وزارة التربية للأطفال، وحصل على بطولة طلبة عمان للمطالعة عام 1982، بقراءة ومناقشة 1000 كتاب، وبتشجيع من معلم اللغة العربية الأستاذ كمال، شارك بعدة بطولات أدبية لكتابة القصة والنثر، وحاز على موقع متقدم في مديرية تربية عمان الأولى، وحصل على المركز الثاني بقصة "جدتي والقرنفل" التي وصف فيها كيف تذكره رائحة القرنفل دائما، برائحة جدته "صبحة" وبيتها في مخيم الحسين، وكيف تنتعش ذاكرته وتتفتح للحياة، وكان يشعر بالقهر الشديد لعدم فوزه بالمركز الأول، قال عنها لاحقا: "تقديم جائزة للفائز في منافسة بين الناس طريقة جيدة للتشجيع، لكنها في المقابل صفعة شديدة لمن يستحقها فعلا، ولكنه لا يحصل عليها".

فرضت وزارة التربية والتعليم في الأردن، العام 1985 ما يسمى بـ "المترك" وهو امتحان وزاري لطلبة الصف الثالث الإعدادي، كان نظاما قديما تم وقفه سابقا، وعاد تحت التجربة لفترة، وحصل الخوالدة على معدل 99.98%، وكان ذلك مؤشرا أن الخوالدة سوف يكون من أوائل الدراسة الثانوية في الأردن، فدرس الأول الثانوي في مدرسة توفيق أبو الهدى الثانوية، ثم قرر والده أن يرسله إلى محافظة الطفيلة ليدرس الصفين الثاني ثانوي والثالث الثانوي، والذي قد يتيح له، حسب توجيه ورأي والده، منحة مقعد في الجامعة الأردنية، وهناك، حصل الخوالدة في العام 1986 على بطولة الجنوب للشعر، بقصيدة "لا تليني يا بلادي، أنت وحي المرسلينا، في رباك الله أسمى، أحمد طه الأمينا"، وكان يدرس وقتها في مدرسة الطفيلة الثانوية للبنين، ويقيم في سكن الطلاب، وبدعم وتشجيع من الدكتور سليمان هريشات، مدير المدرسة، تم ترشيحه للمشاركة في مخيم دولي في تركيا ينظمه الصليب الأحمر الدولي، وبدأ الخوالدة يكتب وينشر في صحيفة الدستور مع صفحة بريد القراء الذي يحررها الأستاذ فوز الدين البسومي، ثم عاد الخوالدة إلى عمان، وتخرج من مدرسة توفيق أبو الهدى الثانوية للبنين عام 1988، وعن تلك الفترة في الطفيلة، كتب الخوالدة في العام 2004 "رواية ليست للنشر" حيث وظّف بعض القصص والحكايات التي تجري في سكن الطلاب لقصة مدينة افتراضية، ضمن سياق بوليسي اجتماعي، وكتبت عنها لجنة وزارة الثقافة، على غلاف الصفحة الأخيرة، التوصية الواردة في الملحق 1 من هذا الكتاب.

خلال طفولته، انضم الخوالدة إلى الكشافة المدرسية، واستمر فيها حتى أنهى الثانوية، شارك خلالها في أكثر من 20 مخيم كشفي مثل المخيمات الدائمة السنوية في دبين أو الكرامة أو الجفر، أو التي كانت تقيمها فرقة كشافة العاصمة، وقد صقلت الكشافة مواهب ومهارات متعددة، وكذلك مارس خلال طفولته الرياضة، فكان كابتن فريق الحي في كرة القدم، وانضم في العام 1987 الى نادي فريق الأمير حسن المحترف، ولعب في منطقة الهجوم، ولكن لاحقا، لم يستمر في ممارسة هذه الرياضة، وبدا خلال هذا اللقاء، نادما على عدم الاستمرار في لعب كرة القدم التي يعشقها.

 

الانسحاب الأول

فترة الشباب- التعليم والعمل الصحفي

كان لجلال الخوالدة من الأشقاء أربعة: طلال وهائل وبلال ومحمد ومن الشقيقات ستة: دلال ونوال واعتدال وآمال وابتهال ووصال، وكان ترتيبه في الأسرة الثالث، بعد طلال (1965- 2013) ودلال (1968)، وبوفاة والده عام 1988، عن عمر يقارب خمسين عاما، بسكتة دماغية وهو نائم، أصيب هو أيضا بصدمة جعلته يُسجن في تلك اللحظة للأبد، وكأن الموت كان زائرا مهيبا يقابله لأول مرة وجها لوجه، كان والده يعني له كل شيء جميل، كتب عنها لاحقا في خواطر "ماذا تعلمت" الواردة نصا في الملحق 2 من هذا الكتاب.

وقف الخوالدة، بعد وفاة والده، حائرا في عدة اتجاهات ومنعطفات، فمن ناحية كان والده يوجه كل اهتماماته ليصبح عالما في الدين ويدرس الشريعة الإسلامية وفي أعماقه كان الخوالدة قد غاص بعيدا في عشق اللغة والآداب والفلسفة، ومن ناحية أخرى كان حائرا بين العمل أو إتمام دراسته الجامعية، حيث أن وفاة والده كانت يوم 15 آب 1988، هو الموعد الذي صدرت فيه قائمة المقبولين في الجامعة الأردنية، وحصل على مقعد تخصص علوم، لم يعلم عنه سوى بعد شهر تقريبا، وحين راجع الجامعة، قيل له بأنه مستنكف، فعاد للبيت خائبا، لكن والدته أصرّت والدته أن يكمل دراسته الجامعية في سوريا، حيث حصل على قبول في كلية الهندسة في جامعة دمشق، فخضع لطلبها ودرس لأقل من عام، لكنه واجه ضغوطات شديدة من حزب البعث العربي الاشتراكي، كانوا قد اشترطوا عليه العمل معهم للحصول على سكن جامعي مجاني، وطلبوا منه أموالا لتسهيل مهمته، عاد إلى عمّان وذكر لجارهم "نايف المزرعاوي" ما حدث، فأخذه لمقابلة شخصية غامضة ستدعى هنا، في بيوغرافيا الانسحاب باسم السيد الغامض "ع"، لم يعرف الخوالدة شيئا عن عمل السيد "ع"، قيل له ممنوع تسأل، لكنه كان رجلا عمليا فاستمع بهدوء الى ما ذكره الخوالدة، ووجهه انه في حال استدعى الأمر عودته إلى سوريا، عليه أن يكون حذرا جدا، فالتورط مع حزب البعث يعني سلوك اتجاه معين في الحياة قد يؤثر بطريقة أو بأخرى في مستقبله، وطلب منه أن يبقى على اتصال على كل الأحوال من خلال جاره السيد نايف.

عاد الخوالدة إلى سوريا في الفصل الثاني، لكن ضغوطات قيادات في حزب البعث المعنية بشؤون الطلاب استمرت شديدة عليه لإحضار مبلغ مالي كهدية، حوالي الف دينار اردني، وكانت تلك الأعباء والتكاليف مرهقة بالنسبة له ولأسرته، فعاد إلى عمان، وانقطع عن دراسة الهندسة، فحزنت أمه كثيرا.

بعد عودنه بأيام، أي في آذار/مارس عام 1989 وجد الخوالدة وظيفة مدقق لغوي في جريدة شيحان الأسبوعية التي كان يصدرها الدكتور رياض الحروب، وقد صادف في ذلك الوقت استقالة سبعة من محرري شيحان، فقرأ سكرتير التحرير المخضرم "علي عرسان" في قدرات الخوالدة ومهاراته اللغوية ميزة استثنائية، قال للدكتور رياض أن الخوالدة لا يدقق المقالات والموضوعات، بل يعيد كتابتها من جديد، فقرر "عرسان" ترقيته ليصبح محررا صحفيا وعمره لم يتجاوز 19 عاما، وقد يكون آنذاك أصغر محرر صحفي على مستوى الأردن أو الوطن العربي، فكان يهتم إلى جانب تحرير الموضوعات السياسية بكتابة الموضوعات الاجتماعية وقصص الجرائم سواء التي كانت تحدث في المجتمع الأردني أم الخارجية، وكانت تلك هي صبغة شيحان آنذاك، وأيضا، وبشكل سري، اتفق الخوالدة مع مدير التوزيع، الذي صادف أن يكون جارهم أيضا، أن يبيع الخوالدة جريدة شيحان يوم صدورها، فوافق مدير التوزيع بشرط ارتداء الشماغ، وأن لا يتعرف عليه أحد، فيقول كيف أنت محرر في الجريدة وتبيعها في الشوارع؟ واختار له منطقة "مثلث النشا" في عمان، وكانت منطقة حيوية، وكان مجموع ما يحصل عليه الخوالدة من تحرير شيحان وبيعها مبلغ لا يتجاوز 150 دينار أردني، يعطيها كاملة لوالدته، فتعطيه ما يحتاجه من مصروف، وذكر الخوالدة أنه ذات مساء، وحين كان يقف على رصيف "مثلث النشا" القادم من شارع الاستقلال، تفاجأ بالملك الحسين بن طلال يتوقف عند الإشارة الضوئية، قربه تماما، كان يقود دراجة حمراء نوع "بي أم دبل يو"، ومعه الملكة نور الحسين، تجلس خلفه، ومع أن سائقي سيارات الحرس الملكي راحوا يصيحون ويشيرون لجلال أن يبتعد، إلا أنه ابتسم وقال للملك حسين: يعني صاحيين الحرس سيدي، كم مرة يعني يصح للأردني يقابلك، فضحك الملك حسين وقال: "انساهم، ما يهمك، كيف أحوالكم؟"، فأجاب الخوالدة: "الحمدالله على كل حال"، فقال الحسين: يعطيك العافية، وابتسمت الملكة نور، وحياهما الخوالدة مودعا، وانطلقا.

استغربت من ذكر الخوالدة تلك القصة، توقعت أن الملك حسين كان سيقدم له شيئا كما هو معروف عنه، وستصبح القصة أكثر تشويقا، فقال بأنه لم يطلب، وكذلك فإن الملك يقابل مئات الأشخاص يوميا، فيصبح من غير المنطقي أن كل من يقابل الملك يطلب منه طلبا أو يرهقه بالشكوى، قال: "كانت بالنسبة لي لحظة تأمل، الملك حسين، رحمه الله، شخصية عظيمة، كنت أحبه وكأنه والدي، كنّا نغني له قصيدة "تراث البشرية" للشاعر حيدر محمود التي تقول: ((معه وبه إنا ماضونْ، فلتشهد يا شجر الزيتونْ، قد أحببناه وبايعناه، وزرعنا الراية في يمناه، وحلفنا بتراب الأردن، بأن يبقى فالكل فداه))، فكانت تلك الصدفة تعني لي شيئا أعظم من أي طلب سأطلبه، خصوصا أنني كنت مع مشجعا وداعما ومروجا لما سمي وقتها "هبة نيسان" في الجنوب، التي حدثت قبل 3 شهور تقريبا من لقائي معه، وقد كنت مع الدكتور رياض الحروب حين قابل وفد من رجالات الكرك الذين جاءوا لشيحان لتقديم شكوى رفع الأسعار قبل يوم أو يومين من اندلاع الثورة، واعتقد يوم 16 ابريل أو 17 ابريل 1989، وتحدثوا معه عن خطورة ما قامت به حكومة زيد الرفاعي يوم 15 ابريل برفع أسعار المحروقات والمواد الأساسية، ومع أنه حاول أن يشرح لهم سبب ذلك بعد فك الارتباط عام 1988، وتأثيره على الاقتصاد الأردني، إلا أنه أكدّ لهم أن الوضع غير مقبول على الإطلاق، وكلفنا بكتابة مادة صحفية حول تأثير رفع الأسعار على الفئات الفقيرة والمهمشة، ولم تنشر تلك المادة، حيث اندلعت هبة نيسان في اليوم التالي في معان، وقامت القيامة في الجنوب، وكادت تتحول إلى حرب حقيقية، فكنت معجبا جدا بشجاعة الملك حسين التاريخية، حين قطع زيارته للولايات المتحدة، وأقال على ما أذكر، في يوم ميلادي 24 نيسان، حكومة زيد الرفاعي، ورفع الأحكام والقوانين العرفية، وأعلن عودة الحياة الديمقراطية، وقام تكليف الأمير زيد بن شاكر لرئاسة الحكومة الجديدة، ولو كان بيدي في تلك اللحظة، التي رأيته فيها لعدة ثواني، لقبلته على جبينه الندي، رحمه الله تعالى".

خلال تلك الفترة، وجد الخوالدة إعلانا يطلب تعيين مندوب صحفي أو مدير مكتب لمجلة الرأي العام اللبنانية، فتقدم الخوالدة للوظيفة، وفي أيلول/سبتمبر العام 1989 سافر الخوالدة إلى لبنان بدعوة من الأستاذ علي ملكي، مؤسس ورئيس تحرير كل من "مجلة الرأي العام" اللبنانية وصحيفة "صوت الشوف"، فواجه الخوالدة صعوبة شديدة في دخول بيروت، وطُلب منه أكثر من مرة العودة، فاستخدم خطاب المجلة للحصول على تصريح "صحافة عالمية" لتغطية الصراع العسكري المسلح في "حرب التحرير" بين وحدات الجيش اللبناني الموالية للرئيس الياس الهراوي بدعم الجيش السوري والجيش البناني الموالي لميشيل عون رئيس الحكومة العسكرية، وعلى وقع احداث اغسطس 1989 التي اسقطت فيها القوات السورية ما يقرب من 20 الف قنبلة على بيروت الشرقية، والحصار الذي فرضه الهراوي، دخل الخوالدة بيروت مع وفد للصحافة الأجنبية ومراقبة وتعليمات مشددة من طرفي الحرب بعدم التصوير على الاطلاق، وجاء ملكي لاصطحابه إلى منزله في منطقة رأس النبع، وهي احدى خطوط التماس، فشاهد بعينه بنايات كبيرة مدمرة وحرائق مشتعلة هنا وهناك وسمع أصوات كثيرة لطلقات نارية قال عنها ملكي، وهو يعتصر ألما: "هذه حياتنا الآن، أغبياء يتقاتلون ويحملون سلاحا، والضحية هي بيروت فقط"، ولاحظ الخوالدة أن ملكي كان محايدا، فهو ليس مع أي طرف، بل كان مع لبنان الوطن الأم، وكان متأكدا أن هذه الحرب ستنتهي قريبا، وستعود بيروت أجمل عواصم الدنيا، كان متفائلا وشجاعا، ويحظى باحترام المجتمع اللبناني كله.

أحب ملكي الخوالدة وكأنه ولده، وفي ظل الأوضاع الصعبة في بيروت قرر ملكي أخذ الخوالدة الى منزله في جبل الشوف، وتعرف الخوالدة على أبناء ملكي: طلال وغادة وقضى هناك عدة ليال، التقى خلالها بالأدباء والصحفيين من جبل الشوف، فشرحوا له ما يجري في لبنان، شرحا مفصلا منذ اندلاع الحرب الأهلية اللبنانية العام 1975، وكيف بدأت وتطورت وظلت تنهش في الجسد اللبناني حتى انهكته، وراح ضحيتها أكثر من 125 الف شخص، وقيل له أن الحرب الأهلية أوشكت على النهاية، وأن هناك مشاورات جدية نهاية شهر سبتمبر بين جميع الاطراف المتنازعة في الطائف، وفي حال اقرار الاتفاق فإن الجيش السوري سيغادر قريبا.

تمكّن ملكي وعائلته من خلق صورتين واضحتين للخوالدة عن لبنان، الأولى كانت عن تاريخ لبنان وروعته وقيمه الانسانية والحضارية والثقافية وعن جماله كأيقونة لا مثيل لها في الشرق، وهذه الصورة رسخت في ذاكرة الخوالدة ونزلت منزل السحر في عقله وخيالاته، والثانية عن مجموعات متنازعة غبية عبثت بلبنان واهله تحركها المصالح والنزعات الشخصية، تسببت بالخراب والدمار والموت، الذي خلّف الوجع والألم والحزن الشديد، وقبل مغادرة الخوالدة، أبلغه ملكي بقرار تعيينه مديرا لمكتب الرأي العام في الاردن، لمجلة الرأي العام اللبنانية وجريدة صوت الشوف، وقال له بأنه يفعل ذلك لأنه يتوسم فيه الخير الكثير، وأكد أنه سيدعوه مرة اخرى لزيارة لبنان قريبا، بعد نهاية الحرب، ليشهد بنفسه صدق تلك الرؤية، وهذا ما حدث في العام 1990، حيث تكررت زيارات الخوالدة للبنان، عدة مرات، خلال السنوات اللاحقة، وشهد نهاية الحرب، وانطلاق شعلة الأمل، في نفوس اللبنانيين، وظلّ الخوالدة يشغل وظيفة مدير مكتب الأردن لمجلة الرأي العام اللبنانية حتى العام 1997.

حصل الخوالدة أيضا، في العام 1989 على قبول إحدى الجامعات الأمريكية، عن طريق صديق الطفولة "جلال الخصيب"، كان شقيق الخصيب "ماهر" يعمل طيارا في الملكية الأردنية، فحصل لهما على القبول، وقال أنه سيقدم دعم كامل في السفر والإقامة، وحين تم تحديد موعد لأخذ التأشيرة من السفارة الأمريكية في عمان، وقبل أن يغادر في الصباح، شاهد دموع والدته، بدأت تبكي بحرقة، كانت تحب أن يدرس بقوة، لكنها لم تقو على فراقه، فقد كان سندها منذ وفاة والده، هو وشقيقه الأكبر طلال (رحمه الله)، فوقف أمامها وقام بتمزيق القبول، واعتذر لصديقه "الخصيب"، الذي غادر وحده الى الولايات المتحدة.

عاد الخوالدة إلى شيحان، يحرر ويبيع الجريدة على مثلث النشا، ويكتب بشكل منتظم لمجلة الرأي العام، ويسوّق للإعلانات فيها، لكن والدته بقيت مُصرّة على تعليمه، كانت ظروف الأسرة ما زالت سيئة، بيت مليء بالأيتام، سبع شقيقات وأشقاء أقل من 18 عاما، أصغرهم لم يتجاوز عمره العام، فكان يرفض ويصرّ على العمل، قالت: بإمكانك أن تدرس وتعمل!! في النهاية، وبعد عودته من لبنان، وتمزيق القبول الأمريكي، رضخ الخوالدة لطلب والدته، وكان ذلك الوقت هو بداية عصر ظهور الحاسوب في الوطن العربي، فبحث عن أقل قسط دراسي يمكن الحصول عليه، فاقترح له صديقه "بلال الرفاعي" اسم "كلية الخوارزمي الدولية"، قرب جريدة الدستور في شارع الصحافة، تخصص البرمجة وتحليل الأنظمة، وكان فصل الخريف الدراسي قد بدأ منذ شهرين تقريبا، فانضم للكلية في تشرين الأول/نوفمبر 1989، ولكن عقله وقلبه كانا بين البيت وشيحان.

رفض مسجل الكلية دخوله المحاضرات دون أن يحصل على إذن من رئيس الكلية المرحوم زياد صبري، فطلب من جاره "نايف" أن يتحدث مع السيد الغامض "ع"، ففعل، فذهب الخوالدة لمقابلة رئيس الكلية شخصيا، وجلس في مكتبه، وتلقاه باحترام عجيب، لم يفهمه الخوالدة في حينها، وحين غادر، خرج معه الرئيس الى الباب، وكان هناك شاب متحمس يريد من مسؤول المشتريات استعارة هاتف لمسرحيته "انتحار قلم" لكن المسؤول رفض اعطاءه الهاتف، قال إنه قد أخذ هاتف من قبل ولم يرجعه، كان يجب أن يبدأ العرض خلال دقائق، فتدخل الخوالدة وقال للمسؤول أمام رئيس الكلية أنه سيضمن هذا الشاب ويوقع على تعهد بإرجاع الهاتف، فنظر المسؤول الى الرئيس زياد صبري فأعطى موافقته، فشكر الشاب الخوالدة، وقدم له ورقة صغير مكتوبة ومصورة باليد مكتوب عليها مسرحية مونودراما انتحار قلم، ففهم أنها دعوة مجانية لحضور العرض، فقال له: "تشرفنا، سوف أحضر".

ذهب الخوالدة لحضور المسرحية، وانتظر بعد نهاية العرض، قدم بعض الملاحظات للشاب المخرج مصطفى سلامة والممثل الوحيد عبدالله أبو هنية، وكانت ملاحظات دقيقة جدا، سأله سلامة هل تكتب؟ قال: نعم، هذه مهنتي، قال نريد كتابة مسرحية عن الانتفاضة، لدينا فكرة نص لشاب يدعى "عبدالله كامل"، ونريد تحويلها إلى مسرحية لمدة ساعة، فوافق الخوالدة، وكانت تلك بداية العلاقة مع أصدقاءه الذين ظلوا رفقاء مسيرته حتى كتابة هذه السطور.

كان الخوالدة ميالا للكتابة والمسرح، فكتب عدة مسرحيات مثل "انتفاضة 3" و "اسطورة المجهول" و"محاكمة امرأة" و " ناس آخر طراز" والتي جرى تقديمها جميعا على مسرح الكلية وفي مهرجانات الشباب، وخلال تلك الفترة تعرف أيضا على صديقه المخرج يوسف الخطيب والمخرج والمنتج إياد الخزوز وعدد كبير من الأصدقاء مثل: بسام المصري، هشام غيث، محمد دراج، هشام شاهين، رمضان الفيومي، اسحق ياسين، أحمد الفارس، رائد كتاو، وخلدون جليلاتي، وغيرهم، وبدأ مع رفاقه زيارة النادي السينمائي الأردني، وتعرف على مؤسسه ومديره المخرج الناقد حسان أبو غنيمة، وكان مقر النادي يقبع في منزل الشاعر حيدر محمود، في الطابق الأرضي، فأتيح للخوالدة لقاءه عدة مرات، وقرر أبو غنيمة إنتاج وإخراج أول فيلم سينمائي أردني، بعنوان "عبدالخالق" عن قصة لقصيدة الشاعر الصحفي موسى حوامدة، يقول في بعض أبياتها: "يا خيبتها، كانت في دار أبيها مثل الوردة، لا تطبخ، لا تكنس لا تمسح، لا تحمل غير حقيبتها، تلهو(تتفسح)، تضحك , تمرح، تتحلى بالألوان وتسرح، حتى جاء القدر الماحق، وتزوجها عبدالخالق) فتعرف الخوالدة على الصحفي والشاعر موسى حوامدة، الذي كان يعمل في جريدة الدستور، وتوثقت علاقتهما بعد ذلك حتى أصبحا صديقين، ولكن لم يكن لأحد رأي في موضوع الفيلم أو طريقة إنتاجه واخراجه، فقد كان حسان أبو غنيمة ناقدا سينمائيا يكتب في جريدة الرأي، وكان مثقفا وموسوعة سينمائية وفنية، لكنه كان شديدا ولا يقبل الجدال والنقاش، وبدأ التصوير، وتم تعيين الخوالدة مديرا للإنتاج ومصطفى سلامة مساعدا للمخرج، وعبدالله أبوهنية ممثلا، وحين انتهى التصوير تم ارسال الأفلام إلى العراق للتحميض، ولم تعد من هناك، بسبب الأحداث اللاحقة التي أعقبت دخول صدام الكويت.

أنهى الخوالدة السنة الأولى وهو ما زال يعمل في شيحان، ويبيع الصحف، وبعد دخول صدام حسين الكويت ثم تحريرها، أي في بداية العام 1991، انسحب الخوالدة من الصحافة الأسبوعية، التي اتهمت علنا بتضخيم قدرات صدام على مواجهة التحالف، حتى قيل أن الصحافة الأسبوعية في الأردن قد جعلت الناس يظنون أنهم رأوا وجه صدام في القمر...! قال الخوالدة أنه لم يطق الجلوس ساعة واحدة في الصحافة الأسبوعية.

 سألت الخوالدة: هل كذبتم فعلا؟ قال: ((نعم، لكنه ليس كذبا بالمعنى الحرفي، كانت تأتينا التقارير عن قدرات الجيش العراقي، وكنا نعرف أنها غير صحيحة، وغير دقيقة، ومع ذلك كنا ننشرها، نركز على الجوانب الإيجابية العاطفية التي تتوافق مع الشعور الشعبي، لم يكن لدينا خيار آخر، كانت شيحان هي الصحيفة الوحيدة العربية التي تدخل العراق وتوزع فيها، إضافة الى أننا كنا نميز بين موضوعين، دخول صدام الخاطئ إلى الكويت، والذي كان مرفوضا بالنسبة لي شكلا ومنطقا، وسيظل مرفوضا إلى الأبد، وبين قبول التحالف الدولي شنّ الحرب على العراق، خاصة أمريكا وبريطانيا، كنت أبكي حرقة على هذا الموقف المُحير المحرج الذي وجدنا أنفسنا فيه، كان حلّ الملك حسين وقتها مقنعا بالنسبة لي، أن نتحرك فقط عربيا لإخراج صدام من الكويت بأي ثمن، والذي زاد الطين بلة، أن صدام قام بإرسال صواريخ سكود إلى إسرائيل، لم تصب شيئا ولم تحقق أي هدف، سوى حصول إسرائيل على المزيد من التعاطف الدولي، فانطلت تلك الخدعة على بعض الشعوب العربية، وأصبح من المستحيل أن التحدث كلمة واحدة ضد صدام، ومن يفعل يوسم بالصهيونية أو التآمر، وكنا مضطرين إلى تزيين تلك القوة التي انهارت في 17 أو 18 يناير 1991.))

هاجر الخوالدة إلى الصحافة اليومية، في مارس 1991، يكتب ويحرر في جريدة الدستور، تحت اشراف معلمه القاص والكاتب مصطفى صالح، وكان صالح آنذاك، يشغل منصب رئيس الدائرة الرياضية والمحرر الفني للدستور، ومع أن الخوالدة قد نشر قبل ذلك، في الصفحة الفنية للدستور، عدة موضوعات حول الفن والمسرح، حين كان صديقه مصطفى سلامة، في العام 1990، يطلب منه نشر أخبار أو نقد عن المسرحيات التي قدمها، إلا أن الأوضاع قد تغيرت، حيث سيصبح الخوالدة صحفيا ومحررا في صحيفة يومية، تختلف اختلافا جذريا مع الصحافة الأسبوعية، من ناحية اللغة والمصداقية وماهية الموضوعات التي يمكن الكتابة عنها، لذلك خضع الخوالدة، لقبضة مصطفى صالح الشرسة، التي شددت الخناق عليه، منذ اللحظة الأولى، وكتب عنها لاحقا، بعد عشرين عاما، مقالا في صحيفة الغد اليومية بعنوان "شيخ المحررين"[1]، ملحق 30، قال في مقدمته :

((وقفت بين يديه أحمل الخبر الذي كلفني بكتابته. كان الخبر تغطية لافتتاح مهرجان المسرح الأردني الأول، العام 1991، وكنت قد انتقلت للتو من الصحافة الأسبوعية المشاغبة والمشاكسة، إلى الصحافة اليومية المتزنة والحذرة. ومن دون أن يلقي نظرة واحدة على الخبر، قام بإلقائه بعيدا، وقال: اذهب واكتبه مرة أخرى! أصبت بحالة من الذهول، فكيف عرف أنني قد هاجمت إدارة المهرجان، وقلت عنها إنها “عصابة” لا تقدّر العمل الإعلامي، وأنها تحاول إغلاق أبوابها أمام الجمهور وغيرها من الكلمات النارية التي كنا نستخدمها في الصحافة الأسبوعية لتصوير أميركا وطغيانها، كيف عرف ذلك من دون أن ينظر حتى إلى مقدمة الخبر؟!))

لم يكتف مصطفى صالح بتعليم وتدريب الخوالدة على الكتابة والتحرير المهني المحترف، بل فتح له بيته ومكتبته الخاصة وكان يشدد عليه قراءة الكتب الهامة والأعمال الأدبية الرائدة لدوستويفسكي وأنطون تشيخوف وإرنست همينغوي وماركيز وبرناردشو وكولون ولسون وهرمان هيسه واندريه جيد ووليم فوكنر  وبيرتراند راسل وألبير كامو وجان بول سارتر وميخائيل شولوخوف وصمويل بيكيت وغيرهم الكثير، وهي التي شكّلت إلى حد كبير شخصية الخوالدة الأدبية، وكان شيخ المحررين يسأله ويناقشه في كل كتاب، كان مُصرّا على تثقيفه وصناعته وإعادة تأهيله، دون تهاون.

سألت الخوالدة: لماذا تصر على ذكر أسماء المؤلفين؟ قال: "قد يأتي يوم ويقرأ شاب هذه السيرة، وأحب أن يعرف هذه الأسماء ويقرأ لها، ستساعده كثيرا على الدخول من البوابة الرئيسية للآداب العالمية، وهكذا أردّ جزءا من المعروف الذي قدمه لي مصطفى صالح".

 

"ك"

بدون انسحاب

خلال عروض مسرحية "معقول يا عرب"، التي كتبها وأخرجها إبراهيم الكردي، وعرضت على مسرح دار الأوبرا في جبل الحسين والمسرح الرئيسي في المركز الثقافي الملكي، في العام 1991، التقى الخوالدة بفتاة تدعى "ك"، كانت مثقفة ومتعلمة، مشرقة وساحرة، ناعمة وعذبة، كان بينهما أحاديث عابرة في البداية، وحدث سوء فهم عارض، غير متوقع، ظنّت أنه يتهرب منها، بينما هو يحاول أن يتقرب منها، حيث حدثت مشادة بين الكردي و "ك" وشقيقتها وخالها بسبب مشهد في المسرحية، فحاول الخوالدة اصلاح الأمر بمكالمة هاتفية مع الكردي، وحين سأله الكردي إن كان يعرفهم فقال لا، ولم يفصح الخوالدة عن هذه المكالمة فورا، وبعد دقائق ظهر الكردي يسير قرب مجمع النقابات المهنية في منطقة الشميساني، وكان الخوالدة يجلس مع "ك" وشقيقتها وصديقه يوسف الخطيب، فلاحظت "ك" ان الخوالدة يتوارى عن ناظري الكردي وكأنه لا يرغب أن يشاهده الكردي معها، ولأنها لم تعرف عن المكالمة، ظنت أنه يشعر بالعار لوجوده معهم، فغضبت وقالت له أنها تستغرب تصرفه أمام الكردي، وبعد أيام، عرفت من صديقه الخطيب ما جرى، فاتصلت مع الخوالدة في بيته وطلبت لقاءه، فكان اللقاء الأول بينهما اعتذارات طويلة على سوء الفهم، فعرفت شخصيته، وأُعجبت به وأعجب بها، بل وقع في غرامها، وعندما بدأ يحدثها عن فلسفته في الحياة، وكيف بدأ يقرأ الكون والوجود، ويقرأ الأشياء من حوله، وناقشته في تلك المساحة اللذيذة التي تعبر عن شخصية الإنسان وهويته، وقعت هي الأخرى في غرامه، وأصبح اللقاء والاتصال بينهما شبه متواصل.

 

لقاءات صحفية هامة

خلال تلك الفترة سافر الخوالدة عدة مرات للتغطيات الصحفية إلى كل من سوريا ولبنان، وكان يكتب شهريا لمجلة الموقف العربي أيضا، والتقى عدد كبير من السياسيين مثل حسن نصرالله وعمر كرامي وجان عبيد وكذلك التقى عدد كبير من الأدباء والمثقفين، كما أتاح له عمله كمحرر فني في جريدة الدستور، لقاء معظم الأدباء والكتاب مثل حيدر محمود وسالم النحاس وفخري قعوار ومحمد داوودية وغيرهم الكثير، وكذلك تعرف إلى الدكتور خالد الكركي، الذي شغل منصب وزير الثقافة في العام 1991، وقرر إقامة أول مهرجان مسرحي أردني للكبار، وكان الخوالدة عضوا في اللجنة الإعلامية، فتعرف خلالها على معظم الفنانين المشاركين وعلى رأسهم المخرجين الأردنيين: خالد الطريفي وحاتم السيد ونبيل نجم وعبداللطيف شما وبكر قباني، ومعظم من شارك في ذلك المهرجان من مؤلفين وممثلين وطواقم فنية مثل عبدالكريم القواسمي ومحمد القباني وعبدالكريم الخلايلة وشاكر جابر وسهير فهد وقمر الصفدي وعثمان الشمايلة وأشرف أباظة وأنور خليل ومعظم الفنانين الأردنيين، وهو الأمر الذي تكرر أيضا في تغطية مهرجان جرش لجريدة الدستور وكان تحت إدارة أكرم مصاروة، حيث التقى وقتها الخوالدة لقاءات صحفية مع عدد كبير من نجوم الغناء مثل اللقاء الحصري مع ماجدة الرومي والذي نشر في صفحة كاملة في الدستور وكان عنوانه (ماجدة الرومي: الحرب تقوي الإحساس بالحب) وكذلك لقاءات حصرية مع ملحم بركات ومارسيل خليفة وجوليا بطرس وجورج وسوف ونجوم الفن العرب مثل دريد لحام، وكذلك عدد من الشعراء العرب مثل محمود درويش وعدنان الصائغ وعزالدين المناصرة وزليخة أبو ريشة وفواز عيد ويوسف عبدالعزيز وغيرهم، ومرة أخرى حين كان المهرجان تحت إدارة الشاعر جريس سماوي حيث كان الخوالدة سكرتير تحرير النشرة الصحفية اليومية لمهرجان جرش للثقافة والفنون[2]، وساهم خلال تلك الفترة (1991-1993) كسكرتير تحرير بإنشاء أول صحيفة رياضية في الأردن وهي "الدستور الرياضي" التي أسسها و كان يرأس تحريرها مصطفى صالح، الذي أصرّ مرة أخرى أن يعلم الخوالدة أصول إدارة التحرير، فوضعه في هذا المنصب الحساس، مشرفا على متابعة وتدقيق مواد صحفية لما يزيد عن 15 صحفيا رياضيا من المخضرمين، وكانوا هم أنفسهم، الفريق الصحفي الذي يغطي المواد الرياضية لصحيفة الدستور اليومية، تحت إشراف مصطفى صالح، فتعلم منه حيثيات وإجراءات إصدار الصحف، وتكليف الصحفيين بالمواد والتخصصات وحجم المواد وعدد الكلمات التي يجب أن يلتزم بها الصحفي أسبوعيا، وأهمية المواد النادرة والجديدة والسبق الصحفي، وأهمية الصور المعبرة والعناوين الخاطفة الجاذبة، وخطورة الوقت منذ آخر صدور وحتى لحظة طباعة العدد القادم، وعلمه إعداد قائمة الأعداد لكل الصفحات مع تسلسل الإجراء، فكان على الخوالدة أن يتابع ويجمع المواد والأخبار والمقالات من الصحفيين، ويتأكد من اكتمالها ثم يتابع تدقيقها لغويا ثم صفها ضوئيا وتصميم كافة الصفحات مع العناوين والصور، ويعرضها على مصطفى صالح، يقف بين يديه مرعوبا من أية ملاحظة، والتي تعني إعادة العمل من نقطة الصفر، ومع ضيق الوقت، لم يكن صالح يتردد أحيانا قليلة أن يلقي بالعدد كاملا في سلة المهملات، وينظر إلى الخوالدة بعد أن يتكىء على مكتبه ويشير له أن يعيد العمل، قبل أقل من يوم واحد على الصدور.

قبل سفره الى لبنان للقاء حسن نصرالله، لنشره في مجلة الموقف العربي، اجتمع بالسيد الغامض "ع"، وتفاجأ، في أول اللحظات من ذلك اللقاء أن "السيد الغامض "ع" يعمل لدى المخابرات العامة الأردنية! حاول التراجع، فلم يكن ذلك يعني شيئا مهما حين كان طالبا في سوريا، لكنه يعني شيئا مريبا حين أصبح صحفيا متمرسا، طمأنه السيد "ع"، قال له بصراحة ووضوح شديدين، إذا كانت هذه العلاقة ستستمر، ستكون علاقة صداقة فقط، رأسها وعنوانها شعورك في أي لحظة أن الأردن مهدد بخطر محدق، وليس أقل من ذلك، فكّر الخوالدة، كانت زيارته للقاء حسن نصرالله محفوفة بالمخاطر، فهو يعد الشخصية الثانية بعد عباس الموسوي في حزب الله آنذاك، ومع أنه قال للسيد الغامض "ع" أن عمله لن يكون أقل من ذلك أبدا، ووافقه "ع"، ومع ذلك بقي هاجس الخوالدة وكأنه مكلف بمهمة جاسوسية، شعر بالخوف والخطر، لكنه شعر بالمغامرة تسري في عروقه.

 وصل الخوالدة بيروت، كان تحقيقه يدور حول دور حزب الله في البرلمان اللبناني بعد قانون العفو وحل جميع الميليشيات باستثناء حزب الله، فاتصل بالوسيط أمجد علي، الذي تعرف عليه من خلال عائلة ملكي، فقال له الوسيط إن الموعد تأجل ليوم غد صباحا، وفي صباح اليوم التالي جاء الوسيط ونقله بسيارته الى الضاحية الجنوبية، ثم جاء سائق دراجة نارية ونقله لموقع آخر، كان الجيش الإسرائيلي ما زال يقصف في الجنوب، شعر بأنه يدخل منطقة حرب، ثم عادت الدراجة ودارت دورة كاملة بناء على حديث بين سائقها مع شخص آخر من خلال جهاز ارسال يشبه "ووكي توكي"، وصلا منطقة أكثر هدوء، لكنها ما زالت شعبية، دخلا عدة أزقة، وعند أحد المباني، نزل الخوالدة، وتم إدخاله إلى طابقين تحت الأرض، قيل له أنه سيقابل مدير مكتب السيد حسن نصرالله، ثم سيقابل نصرالله، وأن عليه أن يطمئن، فالموقع لا يعرفه أحد ولا يصله الطيران الإسرائيلي، جلس مع مدير مكتب السيد نصرالله، طلب منه طرح اسئلته، فأجابها كلها بهمة زائدة، قال له أنهم يشعرون بأن الخوالدة مرسل من المخابرات الأردنية، وليس من الموقف العربي، ولكنهم لا يمانعون، ولديهم هدية للمخابرات الأردنية، 30 شريط فيديو لكافة العمليات التي نفذها حزب الله في داخل إسرائيل، فقط في حال صدق حدسهم وتوقعاتهم، سأل الخوالدة وكأنه يمتحن ردة فعله: بماذا تشعر؟ وكان للخوالدة قلبا ميتا فقال: أشعر بوجود شبه كبير جدا بينك وبين السيد حسن نصرالله، فهل أنت هو؟ فضحك حسن نصرالله وقال كنت أتمنى دعوتك للغداء، ولكني مرتبط بمواعيد أخرى كثيرة.

لم يواجه الخوالدة مشكلة الخروج والعودة الى بيروت، ولم يواجه مشكلة مع المخابرات السورية حين علموا بأنه قد قابل السيد حسن نصرالله، كانت مشكلته مع قسم المخابرات الأردنية على الحدود الأردنية، حين وجدوا اشرطة الفيديو، وكان السيد الغامض "ع" قد أوصاه كثيرا بعدم ذكر أي شيء عن العلاقة بينهما، وحاول أن يشرح لهم عن تحقيقه الصحفي وأهمية المادة بالنسبة له، لكن ضابط المخابرات الأردنية أصرّ على مصادرة جميع اشرطة الفيديو، وحين عاد إلى عمان اتصل بالسيد الغامض "ع" وابلغه عن ذلك.

لقاء آخر تسبب بمشكلة للخوالدة، أو تسبب الخوالدة من خلاله بحدوث مشكلة، حيث أجرى لقاء مع الفنان دريد لحام لنشره في مجلة الموقف العربي أيضا، خلال مشاركة لحام في مهرجان جرش 1992 بمسرحية صانع المطر، فسأله الخوالدة عدة أسئلة من ضمنها: "يقولون أنك مؤيد للتحالف الذي هاجم العراق، وأن موقفك هذا نابع من مصالحك مع دول الخليج العربي، لعرض أعمالك الفنية، وليس موقفا قوميا؟"، واختار الخوالدة لحام صورة لغلاف المجلة وكتب عنوانا لافتا يقول: "لحام: هل رأيتموني قبل اليوم ألبس دشداشا؟" فاتصل لحام مع المجلة ومع الصحف ومع الخوالدة مهددا برفع قضايا، وقال بأنه تم حظره خليجيا بسبب هذا العنوان، ولكن الخوالدة ابرز التسجيل الصوتي، ولم يعد يرد على اتصالات لحام وطلباته لنشر اعتذار.

 

ليبيا

بعد تخرج الخوالدة من الكلية، تخصص برمجة وتحليل أنظمة، بتقدير جيد، وخلال عمله الصحفي، غادر الخوالدة إلى ليبيا لمدة 6 شهور، بدعوة من وزارة الإعلام الليبية، برفقة صديقيه عبدالله أبو هنية ويوسف الخطيب، كان من المفترض تقديم مسرحية وطنية يكتبها الخوالدة ويمثلها أبو هنية وفريق من الممثلين الفلسطينيين المقيمين في بنغازي، ويخرجها يوسف الخطيب، ولكنهم وقعوا ضحية أشخاص يعملون في القيادة العامة للمؤتمر الشعبي لبنغازي، ولم يمنعهم ذلك من عرض المسرحية وزيارة معظم المدن الليبية: بنغازي والمرج وشحات والجبل الأخضر وسرت وطرابلس، وعاد الخوالدة مع أصدقاءه في آخر طائرة تغادر بنغازي يوم 31 مارس 1992 حين تم إعلان قرار الحصار والحظر الجوي على ليبيا.

 

حضن الحبيبتين

عاد الخوالدة مسرعا إلى أحضان حبيبتيه "عمان" و "ك"، كان يراسلها ويتصل معها بشكل دائم، فتفاجأ أن ابن خالة "ك" قد تقدم لخطبتها، كان اللقاء حارا وحزينا، كانت تريد منه التقدم لخطبتها، فأخذها لزيارة عائلته في ماركا الجنوبية، فتعرفت إلى والدته وشقيقاته وأحبتهم جميعا، وشرح لها عن ظروفه المستحيلة، وأن التفكير في الزواج الآن سيصبح عبئا جديدا على الأسرة، قالت: هي مجرد خطبة، ستمنع ارتباطي بابن خالتي فقط، لكنه خشي أن يتحول ذلك الارتباط إلى التزام لا يمكن الوفاء به، فاقنعها على المماطلة قدر المستطاع ولعل الله يحدث أمرا.

حظي العاشقان  بلحظات لا تنسى، كان يزورها في جامعتها في أربد قبل ذلك، حيث تدرس الصحافة والاعلام، يهيمان في نقاشات فلسفية يذكر لها الخوالدة كيف أن وفاة والده قد جعلته يقف في منتصف الطريق بين الإيمان والشك، وكيف أنه ولد لعائلة ملتزمة متدينة، فوجد نفسه يصلي ويصوم حسب والده، لكنه لم يفكر سابقا لماذا يفعل ذلك، وبوفاة والده رأى أنه انقطع السبب الرئيسي وأن عليه أن يسأل: لو ولدت لعائلة مسيحية في أوروبا أو ملحدة في روسيا أو الصين هل كنت سأصلي وأصوم؟ وراح يحكي لها عن قراءاته الأخيرة في كتب الفيزياء والفلك والفلسفة وعن محاولة "ستيفن هوكينج" في كتاب "موجز تاريخ الزمن" عن اختصار تاريخ البشرية وتلخيص حكايتها مع فهم الكون وأبعاده، وأنه لا يعتبر ذلك موجزا لتاريخ الزمن بل مجرد قصة علمية تشرح الفرق بين نظريات إيمبيدوكليس وأرسطو وبطليموس وكوبرنيكوس وجاليليو وديفيد سكوت ونيوتن "المبادئ الرياضية" وكريستنسين رومر وجيمس كلارك ماكسويل وغيرهم، ولم تلخص شيئا في تاريخ الزمن، بل هي محاولة لفهم بداية الكون وسرعة الضوء والوزن والزمان والمكان والزمكان وحجم الكون وكيف يعمل نظامه، فذهلت "ك"، شعرت أن حبيبها فيلسوف وعالم، لكنه تواضع، وقال لها إنه يحاول استعراض عضلاته أمامها لنيل اعجابها فضحكت واقترحت عليه حبيبته "ك" أن يكتب ما يقول، وأن لا يدع ذلك يمضي من غير تسجيل وتوثيق، بل وناقشته في كثير من تلك الأفكار التي بدأت هناك، ورافقتهما أينما ذهبا، والتي أصبحت لاحقا بحثه بعنوان "كتاب الله.. دلالات عقلية".

 

ديوان الرقابة والتفتيش الإداري

في العام 1991 رأى الخوالدة سيارة حكومية تحمل عائلة كاملة، وتسير بسرعة جنونية على الطريق الصحراوي، فكتب مقالا ناريا حول الرقابة على الدوائر الحكومية، وعن الفساد الذي يبدأ بالسائق ولا ينتهي برئيس الحكومة، فلم يعجب إدارة التحرير ذلك الهجوم على رئيس الحكومة الأمير زيد بن شاكر (في حكومته الثانية) ولم يتم نشره، ولكن الخوالدة التقى بالصدفة الأمير زيد بن شاكر وكان برفقته وزير الثقافة محمود السمرة في المركز الثقافي الملكي، فتقدم منه متذرعا بالسلام على السمرة، وحكى له عن حادثة السائق المتجول في سيارة الحكومة، فابتسم الأمير زيد وقال: "طيب أيش نساوي؟ فرد عليه الخوالدة، تكثيف الرقابة دولتك، قال: “كيف؟"، فرد الخوالدة: "عندي مشروع لهذا الموضوع"، قال الأمير: "ارسله لي إلى مكتبي".

حسب مقال نشر للخوالدة في صحيفة المدينة نيوز بعنوان:(قصتي مع "ديوان الرقابة والتفتيش الإداري [1])، قام الخوالدة بتصميم مشروع لإنشاء دائرة سرية، يقوم على إنشاء شركة كبرى، مرخصة وتمارس نشاطا تجاريا وبعض أعمال المقاولات والهندسة والعطاءات وتهتم في العمل مع المؤسسات الحكومية، بحيث تكون على تواصل دائم معهم جميعا، لكن فريقها مؤهل بشكل كاف لرصد كل تجاوزات المؤسسات الحكومية، رصدا دقيقا، وكتابة تقرير إلى رئيس الشركة الذي عليه أن يلخص ملاحظاته ويمررها إلى مكتب رئيس الوزراء بشكل سري، ليس بقصد محاسبة الناس بقدر ما هو محاولة للتصحيح اليومي، والبقاء على اتصال مع كل المستجدات التي تظهر فيها التجاوزات والمحسوبيات والواسطات والرشاوي وتقديم مواطن على مواطن والتعيينات، ومبحثا للرئيس في اجتماعه مع وزراءه، للتدقيق في سير العمل اليومي، الأكثر اهمية، والذي يؤسس أن يشعر الجميع أن الرئيس يتابع الوزراء، والوزراء يتابعون الموظفين، وكل شي واضح وعلى الطاولة يوم بيوم.

قال الخوالدة: “وضعت المشروع في ملف أحمر اللون ثم في مغلف مغلق من جميع الجوانب، ومررت ببيت صديقي المخرج خالد الطريفي، وقلت له عن الموضوع، ليكون شاهدي على هذا التاريخ، ثم ذهبت لمكتب الرئيس في الدوار الرابع، ومع محاولات مستميتة (من الجميع) لفتح المغلف، إلا أنني قمت بتهديدهم وذكرت لهم أن دولة الرئيس طلب أن لا يطلع أحد على الموضوع، وقمت بتسليمه لمكتبه وغادرت، وخلال عام كامل، لم أسمع شيئا فظننت ان الموضوع لم يعجب دولة الرئيس أو لم يطلع عليه"

قال: "في نهاية العام 1992، أو بداية عام 1993، كنت اعمل سكرتيرا لتحرير إحدى الصحف، فإذا بأمي، الله يطول عمرها، تتصل بي وتقول: شو عامل يا ولد. قلت لها خير، قالت، اتصل واحد يقول أنه رئيس الوزراء بدو اياك تروح على مكتبه "هسه هسه"، لا حول ولا قوة إلا بالله، قلت لها جواز سفري منتهي، ويبدو أنهم قرروا محاسبتي على كل "عمايلي السودا " اليوم، فقالت "والله ما انا عارفة يمّا، دير بالك على حالك... " أغلقت سماعة الهاتف، وذهبت مباشرة إلى منزل المخرج خالد الطريفي، في أم أذينة، وقلت له عما حدث، فقال لي: إذهب، فقد يكون حول موضوع مشروعك إياه، قوي قلبك"

يقول: "وصلت إلى مكتب الرئيس، فقالوا لي أن الرئيس، الأمير زيد بن شاكر، قد اوعز ان تذهب إلى مبنى مجاور داخل الرئاسة، وتسأل عن الدكتور محمد الذنيبات، فذهبت، وحين وصلت هناك، قام "الذنيبات " بإدخالي إلى مكتب متواضع، وأجلسني إلى جواره وعرفني بسرعة على ضيوفه المتواجدين آنذاك، أمين عام ديوان المحاسبة وامين عام ديوان الخدمة المدنية، وراح يكمل مكالمة هاتفية، تبين أنها من شخص مقرب يبارك له بالمنصب الجديد، ويعزمه على غدا في السلط، طبعا فهمت أنه... منسف. لم أفهم شيئا حتى قال لي أن دولة الرئيس هو الذي أصدر أمرا للاتصال معي، لأنني صاحب فكرة هذا المشروع، فقلت له أي مشروع، فقال: ديوان الرقابة والتفتيش الإداري...فضحكت بشدة لدرجة محرجة لكل من كان هناك، فتجاوز سخريتي على مضض، وسألني: وما هي الشهادة التي تحملها؟ قلت له: برمجة وتحليل أنظمة، فقال: إذن سنقوم بتأسيس قسم للبرمجة وتعمل فيه، هذا حقك الطبيعي، لأنك صاحب الفكرة ولابد أن تكون جزءا من الفريق!!

قال الخوالدة: "قمت فورا، وقام الدكتور ولحقني وسأل: أين تذهب، هل ستذهب للرئيس، قلت: لا، لن أذهب إلى أي مكان، فانا لا ابحث عن وظيفة، ولا أجيد غير عملي الصحفي، وأنني لم أقدم هذا المشروع لأحظى بمركز وظيفي، ولا أظن أبدا ان هناك علاقة بين مشروعي ومشروعكم... وأرجو أن لا تغضب مني.. فبهذه الطريقة مشروعكم مهدد بالفشل.. فلم يسمع ما قلت وكان مهتما أن يسألني مرة أخرى: إذا كنت تريد مقابلة الرئيس فسنذهب سويا...، هل تريد أن تذهب للرئيس؟!! قلت له والدمعة تفر من عيني: لا ابدا. وغادرت".

قال: "ذهبت والدموع ما زالت تترقرق في عيني إلى صديقي خالد، فقام وصنع لي "نسكافيه " بدون سكر، وراح يطيب خاطري بكلماته الرقيقة، ويقول: "إنتا عملت اللي عليك... وكل عام وإنتا بخير."

يقول الخوالدة في مقاله تعقيبا على القصة:

((اليوم تقترب ذكرى العشرين عاما على مشروع مراقبة الأداء الحكومي، ومتابعة الفساد، وملاحقة المستهترين، منذ اول انتخابات تشريعية في البلاد، إنها ذكرى التصحيح السياسي الذي لم يحظ بفرصة تصحيح اقتصادي جذري وحقيقي، مع أن التصحيح السياسي يا سادة يا كرام، ليس له أية قيمة، ولا في "حلم الليل "، بدون نفض البلاد وترتيب أولوياتها الأساسية وعلى رأسها الرقابة الصارمة للأداء الحكومي، وكذلك مراقبة كل صغيرة وكبيرة حتى تأتي اللحظة التي يعود فيها الجميع يشعر بالمسؤولية وتصبح جزءا من منظومة الشخصية والسلوك.

ولمن يتابع القصة، فقد تبين لي أن المرحوم الأمير زيد بن شاكر لم يهمل الموضوع منذ بدايته، بل دفع به إلى اللجنة الملكية المكلفة بصياغة الميثاق الوطني والتي أوصت بإنشاء هيئة مستقلة تتولى التفتيش الإداري ومراقبة الإدارة دون أن يترتب على إنشائها أي مساس باستقلال القضاء واختصاصاته، ولكن الديوان، فيما بعد، تم إلغاءه، فشعرت بسعادة حقيقية، فقد علمت بأنه قد أصبح عبئا على الدولة والشعب والخزينة.. بلا نتائج ملموسة.

اليوم، والحمدالله لدينا هيئة لمكافحة الفساد، وأظن أنها تقوم بواجبها على أكمل وجه، ولكن بسبب الأعمال الكثيرة الملقاة على عاتقها، فإنهم مشغولين بالقضايا الهامة والكبيرة، التي تحتاج فعلا لعناية مركزة، وهي بذلك ليست رقابة يومية على الترهل والمحسوبيات والواسطات التي تنخر في عظام الجسم الحكومي حتى النخاع، ولن أطيل عليكم أكثر، ولكنني أجريت، قبل سنوات، دراسة واحدة أثناء إعداد برنامج حديث الناس، وتبين أن اكثر من 80% من مراجعي الدوائر الحكومية يقوم بالاتصال مع "الواسطة " قبل أن يصل إلى بوابة المؤسسة المعنية، على حساب من..، من...، على حساب الـ 20 % الملتزمة بالمراجعة النظامية .... مش حرام؟!!!)).

 

العربي للنشر والتحول الرقمي

بما أن تلك الفترة قد شهدت عودة الحياة النيابية في الاردن، وبدأت الصحف بالظهور، استفاد الخوالدة من خبرته في "الدستور الرياضي" وانتقل ليؤسس مع الشاعر محمد سمحان والسيدة هانيا العايد صحيفة "صوت المرأة العربية" وشغل منصب مدير التحرير، ومن خلالها طوّع شهادته العلمية في تجربة أول برنامج نشر إلكتروني أصدرته شركة آبل ماكنتوش، وكان يدعى "العربي للنشر"، فعرض مندوب الشركة خليل خليفات، على الخوالدة أن يجرب البرنامج، نظرا لكونه الصحفي الوحيد في الأردن الذي درس الحاسوب وتقنياته وبرامجه، فأعجيه البرنامج بشكل كبير، وتحمس خليفات لوضع كافة التسهيلات أمام الخوالدة ليجربه على أول صحيفة عربية، فصدرت صوت المرأة العربية في فبراير 1993 كأول صحيفة عربية يتم اعداداها وتصميمها وتحريرها وطباعة أفلامها من خلال برنامج حاسوبي، وكان الخوالدة يأخذ تلك الأفلام أسبوعيا ويسافر إلى بيروت لطباعتها في مطابع جريدة السفير، ثم العودة في اليوم التالي إلى عمان، ما جعل "شركة آبل ماكنتوش" تعتمد نموذج الخوالدة "Demo" وتقدمه للصحافة الأردنية لنقلها من التصميم والطباعة اليدوية إلى الإلكترونية، فعاد الخوالدة لإقناع معلمه "مصطفى صالح" لتجربة النموذج في "الدستور الرياضي"، فوضع يده على فمه وراح يفكر، عرف أن مستقبل الصحافة سيكون كذلك، فوافق على طرح الفكرة وتنفيذها، بل تبناها، لكنه اشترط على الخوالدة بأنه شخصيا لن يتحول إلى الكتابة والتحرير عبر الكمبيوتر،  بل سيظل يكتب ويحرر على الورق الصحفي، لكنه سيشجع الجميع على هذا التحول، وسيلزمهم به، فصدرت الدستور الرياضي عبر برنامج الناشر العربي كاملة، ونجحت نجاحا ملفتا، وسرت العدوى، وانتقلت جريدة الدستور اليومية بشكل كامل للإعداد والتحرير والتصميم والطباعة على برنامج العربي للنشر في أول اصداراته، ثم انتقلت هذه التقنية والتحول الرقمي إلى معظم الصحف الأردنية والعربية.

خاض الخوالدة مع صحيفة "صوت المرأة العربية" حسب الحرية والمساحة الكبيرة والثقة التي منحها إياه الناشر الشاعر محمد سمحان، تجربة نموذجية أخرى، فقد بدأ بالبحث عن جميع خريجي الصحافة والاعلام الذين لم يمنحوا فرصة العمل، وطلب منهم الانضمام إلى الصحيفة وقدم لهم تدريب عملي على التحقيق الصحفي والحوار وكتابة وتحرير الأخبار، ومع أن البعض منهم، فيما بعد، حين أصبح مشهورا ومعروفا، أو تقلد منصبا صحفيا مرموقا، قد ذكر أن الخوالدة قد فعل ذلك بسبب تدني قيمة الرواتب أو لتدني موارد الصحيفة، إلا أن الخوالدة أكدّ لبيوغرافيا الانسحاب أن السبب الحقيقي هو في دعم وتشجيع تلك الفئة، وأنها كانت نوع من الوفاء والامتنان لما كان يحصل عليه من تشجيع دائم.

 

زيارة منزل "ك"

في أغسطس 1993، زار الخوالدة منزل حبيبته بناء على دعوة من أمها، تعرف إليها، كانت تريد أن تعرف من هذا الشاب الذي خطف عقل ابنتها، كانت الأم ذكية وتريد التأكد من شخصية هذا الشاب الذي يمنع ابنتها من الزواج من ابن شقيقتها، لمّحت له أنه حين تتخرج "ك" سوف تتم الخطبة، وأنها ستكون سعيدة بحضوره، قالت له بذكاء يُسمى في بعض الأحيان خبثا:" أنت بمقام أخوها، ولاشك أنك لن تكون مدعوا، بل صاحب فرح، أليس كذلك؟".

خيّمت لحظات الصمت على الخوالدة، رافقها الاحراج الشديد، لم يقو على الكلام، ولم تسعفه الآف الكتب التي قرأها، موقف واحد مثل ذلك، حقيقي ومليء بالصدمة والاحراج يجعل فلاسفة الكون كلهم عاجزون عن مسايرته والخروج منه، وقف، هزّ رأسه مرتين، شكرها وهمّ بالمغادرة، استوقفته الأم مرة أخرى، أشارت اليه بأصبعها، قالت: أنت تعرف بالضبط ما عليك أن تفعل. 

 

الفرصة

في ايلول 1993، جاء الشاب زهير النابلسي وهو مستثمر أمريكي من أصل أردني، بفكرة اصدار أول جريدة عربية مبوبة، فطلب هو وشريكه "أمجد العوضي" من الخوالدة تولي منصب رئيس تحرير "صحيفة الفرصة"، التي صدرت في عمان في 10-10-1993، في البداية رفض الخوالدة الفكرة، كيف يصبح رئيس تحرير صحيفة إعلانية، أين الصحافة في الموضوع؟ قال لهما إن ذلك لا يناسبه ولا يناسب طموحه الصحفي، فذكر له النابلسي أن بإمكانه إضافة المواد الصحفية في الموضوعات المختلفة غير السياسية، حسب ترخيص الصحيفة، ففكر الخوالدة وأراد تعجيزه مع شريكه السيد أمجد العوضي، فطلب راتبا خياليا يبلغ 1200 دينار أردني، في ذلك الوقت الذي كان راتب الوزير فيه لا يتجاوز الف دينار، وراتب رئيس تحرير صحيفة يومية لا يتجاوز 700 دينار أردني، فوافقا، وقالا: ابدأ غدا، ولك مكافأة راتب 3 شهور عند صدور العدد الأول:

كانت "الفرصة" فكرة صحفية ناجحة بكل المقاييس، شكّلت تجربة استثنائية للخوالدة في عالمي النشر والإعلان، حيث كان الباحثون عن العمل وعن الشقق والعقارات أو العاجزون عن بيع منتجاتهم أو اشيائهم يفتشون في الصحف اليومية والأسبوعية بصعوبة بالغة عن احتياجاتهم، أو يعجزون عن النشر في تلك الصحف، فقام الخوالدة بتجميع كل ذلك في صحيفة واحدة تطبع ما يزيد عن 100 الف نسخة وتوزع مجانا، ولإيجاد موارد للصحيفة قام الخوالدة بتعيين أكثر من 40 مندوب تسويق لجلب الإعلانات التجارية، بأسعار تشجيعية، ولفتح المزيد من الأبواب، ذهب الخوالدة إلى جميع منظمي المعارض والفعاليات، وتعاقد معهم أن تكون "صحيفة الفرصة" هي صحيفة المعارض الرسمية وتوزع مجانا، مقابل إعطاء "الفرصة" قاعدة بيانات العملاء والتعاقد معهم للإعلانات التجارية ومن ينشر إعلانا تجاريا يحق له وضع موضوع صحفي أو حوار، يتحدث فيه عن منتجاته وخدماته.

شهدت تلك الفترة تحسنا كبيرا على حياة الخوالدة وأسرته، خاصة من ناحية مالية، وفي ذات الوقت قام ببناء شبكة علاقات كبيرة مع أصحاب الشركات والمصانع والأعمال، إضافة إلى شبكة أخرى من أصحاب النفوذ من سياسيين وأصحاب مراكز وظيفية عالية، حيث أصبح لديه قاعدة بيانات جميع الشركات التي تطلب موظفين، ما يجعل البعض يطلب منه المساعدة في تعيين قريب أو صديق، قبل نشر الإعلان في صحيفة الفرصة، وكان يفعل ذلك.

سألت الخوالدة: أليس ذلك فسادا؟ قال: "لا، إنها مساعدة للطرفين، أنت في النهاية تعملين وسيطة لعمل الخير، دون أن تسرقي فرصة أحد، الفرص متاحة على قارعة الطريق".

 

الانسحاب الثالث

المواجهة والهروب

تخرجت "ك" في خريف 1993، لم يعد لدى الخوالدة حجة في التأجيل، أصبح لديه سيارة حديثة، كذلك لديه سيارة عمل مع سائق خاص، وأصبحت أمور عائلته بخير، لديه دخل شهري جيد، والتأجيل يعني أنه لا يريد الارتباط، أو يخاف منه، واجهته "ك" ببساطة وبراءة، قالت أن نهاية الأسبوع لن تشهد الخطبة فقط، بل الخطبة والزواج معا، وأي تأجيل منك يعني ضياع الفرصة للأبد، فجلس الخوالدة وأمسك بيديها، وراح يقبلهما ويبكي، كان لديه سرا لا يستطيع البوح به، طلب منها شهرا واحدا فقط، مجرد شهر، ليعيد ترتيب أوراقه، هزّت رأسها بـ لا، وأنها عاجزة عن فعل ذلك، عاد إلى الخلف، وكانا يجلسان في إحدى محلات "الكوفي شوب"، في منطقة الشميساني، نظر حوله، وكان المقهى فارغا، إلا من عاشقين وحيدين في ركن بعيد، فنظر إليهما وراح يتفحصهما، ويفكر كيف سيستطيعان الاستمرار، وهل سيواجهان ما يواجهه الآن؟ ثم نظر في عينيها لدقائق، وهي تنظر لعينيه، وحين لم ينطق، قالت: قُضي الأمر، رفعت الأقلام، وجفت الصحف، وحملت حقيبتها وغادرت، وهو ما زال في حالة السكون والصدمة، وعيناه تراقبها وهي ترحل مكسورة الجناح.

سألتُ الخوالدة: ما هو ذلك السر؟ قال:"كيف يكون سرا، إذا بحت به؟، عليك أن تستكشفيه لوحدك."

 

المندوبة "م"

خلال عمله في صحيفة الفرصة، نظّم الخوالدة مهرجانا للتوائم الأردنية، ضمت أكثر من 200 توأم، كان حفلا جنونيا في اجتماع كل هذه التوائم في مكان واحد، أعمار مختلفة من 3 أعوام حتى السبعين عاما، يرتدي كل توأم ملابس متشابهة، كان المهرجان برعاية الأميرة زين بنت الحسين، وحضره ما يزيد عن 5 الآف شخص، ونجح نجاحا مبهرا، وبعدها قام مجلس الإدارة بتعيين الخوالدة مديرا عاما لشركة العالمية للمتاجرة والاستثمار، والتي كانت تضم أكثر من 7 شركات تعمل في قطاعات مختلفة، لكن العمل الرئيسي كان جريدة الفرصة، ومن بين تلك الشركات مصنع للبلاستيك، ولاحظ الخوالدة أن المصنع يخسر وأن مصروفاته أعلى من موارده، فذهب لزيارته في منطقة سحاب، وتفاجأ أن مدير المصنع وموظفيه يجلسون يتناولون الشاي والقهوة بدون عمل، فوقفوا لدخوله مثل طلاب الصف حين يدخل المعلم، وكان الخوالدة يود اعطائهم فرصة، ولكنه حين رأى المشهد المؤلم، وجد أنهم لا يستحقون تلك الفرصة، فأمر بإغلاق المصنع وطرد المدير والموظفين، وحين همّ بالمغادرة، لحقته المندوبة "م" كانت تلبس ملابس رثة، وتنتعل "شحاطة" فأمسكته من ذراعه قبل أن يدخل السيارة، فابتعد قليلا لكنها بدأت بالصراخ، قالت: انت تنهي حياة عائلة بكلمة، كيف سيهمك ذلك، تجدك تعيش في قصر ونعيم، ولا تفهم معاناة الناس، كيف سأعيش أنا وأسرتي المكونة من 6 أشخاص، ووالدي المقعد، وندفع ايجار البيت المكون من غرفة واحدة، غير المدفوع من شهور، وكيف سنعيش إذا أغلقت المصنع؟!؟

مع أن الخوالدة شعر بالصدمة الهائلة لظنها أنه من الطبقة المخملية، لكنه لم يصدق الخوالدة حكاية "م"، لم يُجب، طلب منها الصعود إلى السيارة، وأمر السائق بالذهاب إلى بيتها المزعوم ليفحص حكايتها، وفعلا صدقت "م" كانت أوضاع أسرتها أسوأ بألف مرة مما ذكرت، فعرض عليها الخوالدة تسديد الايجار غير المدفوع، وتسديد ايجار شقة واسعة لمدة 3 شهور، في مكان آخر، ومبلغ 200 دينار لشراء ملابس جديدة وملائمة، بشرط أن تبدأ معه العمل كمندوبة في "صحيفة الفرصة" وتتلقى تدريبا متقدما في العلاقات التسويقية، وتوقع عقدا لمدة عامين مع شرط جزائي، فوافقت "م" بدون تفكير.

في اليوم التالي دخلت "م" مكاتب صحيفة الفرصة، وكأن "جوليا روبرتس" تدخلها، كانت تشبه تلك الممثلة الأمريكية إلى حد بعيد، وذهل الموظفون والمندوبون من شخصيتها وجمالها وطريقتها الاستفزازية، لكن الخوالدة بدأ بتدريبها، وفعلا خلال شهور أصبحت "م" أسطورة الإعلان والتسويق، لم يعجزها الحصول على الإعلانات التجارية، من كبرى المصانع والشركات، واستطاعت شراء شقة لعائلتها، وتمكنت من شراء سيارة، وقيل لاحقا، وبعد أن غادر الخوالدة صحيفة الفرصة، أنها أصبحت نائب الرئيس التنفيذي لواحدة من أكبر وكالات السيارات في الأردن، لكن الخوالدة لم يقابلها بعد ذلك.

أيضا خلال عمله في الفرصة، احضر الخوالدة صديق الطفولة بشار ليعمل مندوبا، كان قد درس الكيمياء ولم يجد وظيفة، فدربه الخوالدة، وأصبح مندوبا حذقا ومبدعا، واستمر بشار بعمله واستقال يوم استقالة الخوالدة، وعمل في العلاقات العامة في عدة صحف، وبعد سنين، أصبح الرئيس التنفيذي لواحدة من شركات العلاقات العامة في الشرق الأوسط، وذكر الخوالدة أيضا قصة ايمان، التي وجدها تبكي في مصعد الشركة في شارع الجاردنز، فسألها عن سبب البكاء، فقالت أن لديها أسرة فقيرة، وأنها تقدمت لوظيفة مندوبة في الصحيفة لكنهم رفضوها دون مقابلة، كانت ترتدي الحجاب، فأخذها الخوالدة وعاد بها إلى دائرة الموارد البشرية وأمر بتعيينها، وقال أنه سيتولى تدريبها بنفسه، فأبدعت وتفوقت، وبعد سنين طويلة، حين كان يعمل في الإنتاج التلفزيوني، جاء الخوالدة اتصالا من ايمان، قالت له أنها تبحث عنه في كل مكان وأن الوقت قد حان لرد الجميل، فلم يعرفها، واعتذر لها، فحاولت تذكيره بنفسها فلم تفلح، فطلبت منه زيارتها في "مصنع جينز أمريكي" في المنطقة الحرة، فرفض، فأصرت، فوافق على مضض، وحين ذهب هناك، وجدها تشغل منصب الرئيس التنفيذي في المصنع، فتذكرها، وقدمت اليه عقدا مكتوبا لإنتاج 6 أفلام وثائقية عن المصنع بقيمة 60 الف دينار أردني، فدمعت عيناه، ودمعت عيناي وأنا أكتب ذلك، قال: "هذه بيوغرافيا الامتنان، المهم أن لا يذهب المعروف بين الناس".

 

عروض

خلال عام 1994 تلقى الخوالدة عددا من العروض للعمل كمدير تحرير أو رئيس تحرير أو رئيس تنفيذي لعدد من الصحف الأسبوعية التي انتشرت كالنار في الهشيم خلال الأعوام من 1993-1995 وزاد عددها عن 20 صحيفة اسبوعية أردنية، ولكن كان مستوى الراتب الشهري قليل جدا مقارنة مع راتبه في صحيفة الفرصة، فكان يتقاضى راتب 1200 دينار في الفرصة بينما كان أعلى عرض حصل عليه لا يتجاوز 400 دينار، فلم يقبل أي منها.

سألته: هل الموضوع كان بالنسبة لك ماديا فقط؟ قال: "بالتأكيد، في تلك المرحلة من عمري وحسب حال أسرتي؟ لم يكن يعنيني شيئا آخر، كذلك فمعظم الصحف الأسبوعية التي صدرت كانت ضعيفة ماليا، وبعضها له اتجاهات لا تلائمني فكريا، ولو كنت أرغب أن أتنازل عن المسألة المالية، سيكون من الصعب جدا أن أتنازل عن خطّي الفكري المعتدل جدا، كنت في الوسط تماما، وكانت معظم الصحف ذات اتجاهات يسارية أو يمينية أو صحف جرائم وغيرها."

 

الحنّة

بدأت ترتيبات خطبة وزواج "ك"، حاول جلال تجنبها خلال الأسبوعين السابقين لكنها أصرّت على لقاءه، فالتقيا في مقهى منطقة الشميساني، جلسا وأمسك يديها وراح يقبلهما، قالت: "ما الفائدة؟ أنت تقيدهما للأبد، ستلقي بي  في زواج أعلم نهايته، قلبي مسكون بك وحدك، ولا أتخيل أن يعيش فيه شخص آخر، وأنظر إلى ابن خالتي طوال عمري أنه أخي، هذه مشاعري اتجاهه ولا يمكنني تصور أننا سنكون زوجين، وأنت صامت، هل تحب واحدة ثانية؟"

ترك جلال يديها وتراجع في مقعده، واغمض عينيه، اقتربت وقد تزايدت شكوكها حول وجود امرأة أخرى في حياته، كان يقول دائما أن السبب الوحيد هو ظروف أسرته المالية، قالت: "هي واحدة ثانية إذن؟!؟"، وقبل أن تقف، أمسك بيديها مرة أخرى، قال لا، قالت احلف برحمة والدك، قال قلت لا، اجلسي، فهزت رأسها وغادرت باكية.

في لية الحنة، التي تسبق ليلة العرس، نزلت "ك" من "الكوشة"، واتصلت مع جلال وقالت له أنها مستعدة لأن تترك كل شيء الآن، مقابل كلمة منه ووعد أنه سيتزوجها بعد حين، كان الخوالدة يودّ أن يقول نعم، نعم، نعم، موافق، وسأعطيك عهدا موثوقا، لكنه لم يعلم لماذا بقي صامتا، استجدت "ك" وبكت، وبقي صامتا كأنه هناك من يربط لسانه، أغلقت الخط، وظل في حالة الصمت والسكون والصدمة.

 

مهرجان الأغنية الأردنية الأول

في العام 1993 كان الخوالدة يرتبط بعلاقة وطيدة مع رابطة الموسيقيين الأردنيين، فاقترح على الملحن عامر ماضي وعلي أبوخضرة فكرة تنظيم "مهرجان الاغنية الأردنية الأول" وعرض عليهما مخطط وتصميم الفعالية والأهداف المرجوة من إقامته، فوافقا شريطة توليه كافة الترتيبات اللازمة، والحصول على رعاية ورعاة للمهرجان، ونجح المهرجان نجاحا أكثر مما كان متوقعا، حيث شارك فيه أكثر من 50 صوت غنائي أردني، بعضهم يغني لأول مرة، وتعرف الخوالدة على معظم المطربين والملحنين الأردنيين وكان من بين نخبة المبدعين مثل الفنان ايمن تيسير وسيف الدين شحادة وطلال أبو الراغب ووليد الهشيم وطارق الناصر وغيرهم، وتوثقت علاقة الخوالدة مع المايسترو الموسيقي سيف الدين شحادة عبدون، وفي نهاية العام 1993 التقى الخوالدة مع عبدون، قال إن لديه فكرة حول تأسيس أوركسترا أردنية، ذهبا سويا لمقابلة لينا نقل، في شركة والدها (فاين) في جبل عمان، الدوار الثالث، وكانت مغرمة بالموسيقى، فأعجبتها الفكرة، وتم اقتراح تسميتها "أوركسترا عازفي عمان"، كان هناك عدد كبير من الموسيقيين الذين شاركوا في التأسيس، منهم الموسيقي وليد الهشيم، وغيرهم، ولكن سيف قرر بعد ذلك الهجرة إلى الولايات المتحدة، وخسر الأردن ذلك المبدع الذي لا ينسى.

 

تفجيرات عمّان

في ليلة من ليالي مايو 1994، رأى الخوالدة شخصين مريبين جدا، كان قد خرج للتو من فندق القدس في عمان، وذهب لشراء سجائر من بقالة قريبة، كانا بعيدين عن الفندق لكنهما كانا ينظران ويراقبان ويتهامسان، استغرب وجودهما، فاقترب منهما بحذر شديد، دون أن يلاحظا، وسمع نقاشا حادا بينهما حول شيء يريدان اخفاءه لمدة أسبوع، انتفض، شعر بالخوف، أكمل طريقه، كانت تلك الفترة تشهد تفجيرات في دور السينما ومحلات الخمور في البقعة وصويلح، ذهب الى سيارته، وظل يراقبهما من بعيد، وحين غادرا، واستقلا سيارة تكسي، تابعهما، حتى وصلا إلى منطقة جبل النصر، نزل الأول، وأكمل الثاني طريقه نحو منزل آخر قريب.

بحث الخوالدة عن هاتف عمومي، اتصل بالسيد الغامض "ع"، قصّ عليه ما حدث، قال له لا تتحرك، سأحضر على الفور، وبعد أقل من نصف ساعة وصل السيد "ع"، أبلغه الخوالدة بالتفاصيل والاوصاف، ودله على مكان نزول كل منهما، طلب من الخوالدة المغادرة فورا، بعد شهور علم من السيد الغامض "ع" أن هؤلاء هم جزء من خلية إرهابية تسمى "الأفغان الأردنيين"، وكانوا هم وخلية أخرى وراء تفجيرات محلات الخمور ودور السينما الأخرى في عمّان، وأنه قد تم القاء القبض عليهم جميعا بفضل الخوالدة، قبل تنفيذ عملية كبرى لتفجير فندق القدس في عمان، وقال السيد الغامض "ع" حصلت على ترقية كبيرة بفضل الله وفضلك.

عرض السيد الغامض "ع" على الخوالدة التوظيف الرسمي لدائرة المخابرات، حسب طلب الإدارة، فرفض الخوالدة، وقال لصديقه "ع" أن طريقه مختلف عن طريق المخابرات، وأنه مستعد للتدخل بدون مقابل، شأن كل أردني آخر، إذا شعر بأن الأردن يخضع لتهديد فقط، وحسب أول اتفاق أبدي بينهما، وغير ذلك فهو لا يتفق مع الحكومات الأردنية، ولا يظن أن ذلك سيحدث يوما ما، لذلك فهو لن يعمل في حياته كلها براتب يؤخذ من قوت الشعب.

ابتسم "ع"، قال له هذه مثاليات لا تعني شيئا، إضافة الى أن عملك لن يكون لأداء أي مهمة داخلية، بل ستكون كلها مهمات خارجية لخدمة الوطن، كما حدث يوم لقاء حسن نصرالله، لكن الخوالدة اعتذر بشكل كامل، وقال أتمنى أن نظل صديقين.

سألت الخوالدة: هل السيد الغامض "ع" حي الآن؟ قال متفاجئاً: نعم. قلت: هل يمكنه تأكيد تلك القصة؟ المعذرة، فهذا تاريخ، ولابد من التوثيق، قال: سأسله الآن، فقد تقاعد من المخابرات قبل مدة، ولا أعلم أن كان سيجيب على اسئلتك أم لا. فأرسل الخوالدة رسالة "واتس آب" وخلال دقائق تلقى الرد، قال له معي الإعلامية العربية نورا المطيري، وتريد سؤالك حول تفجيرات عمان 1994، فوافق.

تحدثتُ مع السيد الغامض "ع"، استوضحت منه صحة حكاية الخوالدة عن تفجيرات عمان 1994، من أولها إلى آخرها، فأكد السيد "ع" القصة كاملة، وأضاف لوحده: وقد حصلت على ترقية بسبب ذلك. فسألته: هل كان الخوالدة موظفا أو مخبرا لدائرة المخابرات؟ قال: "أبدا، على العكس أكثر واحد كان مغلبنا، خليه يسولف لك قصته معنا خلال الربيع العربي، بتعرفي وبتفهمي كل شي".

 

انسحاب تدريجي

في ديسمبر 1994، انسحب الخوالدة لإصدار ورئاسة تحرير "مجلة عالم المرأة"، كان قد دبّ خلاف بينه وبين النابلسي، المؤدب الخجول، لكن "الخوالدة الدكتاتور" لم يعطه الفرصة لتصحيح الخطأ، فاستقال دون قيد أو شرط، واستقال معه أكثر من 50 موظفا في ذات الوقت، حاول النابلسي إعادته عدة مرات، ولكن الخوالدة طغى وتجبر، أصابته حالة من الفصام لما وصل إليه! كان قد وفرّ مبلغا جيدا لافتتاح شركته الخاصة "صوت الأردن للإنتاج الفني والنشر"، فاستأجر فيلا في منطقة اللويبدة في عمان، وراح يجهّزها لتكون مختصة في إنتاج البرامج الوثائقية والإعلانات التلفزيونية وكذلك اصدار مجلة شهرية باسم "مجلة عالم المرأة" واستندت سياسته على أجمع أكبر قدر من الإعلانات للإصدار الشهري، ونجح في ذلك، وقدم في تلك الفترة عدة استشارات لتأسيس وإصدار الصحف وهندسة العلاقات العامة والتسويق فيها، منها استشارة لإصدار "جريدة الحدث" في نيسان 1995 مع الصحفي المؤسس لجريدة الحدث نضال منصور، والتي صدرت لاحقا في يوليو/تموز 1995، واعتذر الخوالدة لمنصور عن العمل كموظف في الجريدة مع أنه أكدّ ان القيم والرسائل والأهداف والشكل التي تم تصميمها كانت كلها من طراز متقدم على الصحافة الأسبوعية الأخرى، ثم خلال شهر حزيران/يونيو 1995 اجتمع مع  الدكتور موسى زيد الكيلاني الذي كان يشغل منصب رئيس تحرير الدستور سابقا وتربطه مع الخوالدة علاقة مودة ومحبة، وكان الكيلاني قد قرر إصدار صحيفة الأردن في تموز العام 1995، وقدم الخوالدة عدد كبير من الاستشارات المتعلقة بالإدارة التسويقية للصحيفة، وبعض الآليات والاستراتيجيات حول العلاقات العامة والإعلانات، ونصح الكيلاني أن تكون لغة الخطاب في الصحيفة ذات سقف مرتفع، باعتبار أن الكيلاني كان ديبلوماسيا ومحاضرا ويتبع نهج الصحف اليومية في الخطاب المعتدل، ولكن الكيلاني رفض ذلك، وقال أنه سيثبت أن اللغة المعتدلة يمكنها أن تنجح في الصحافة الأسبوعية، واعتذر الخوالدة للكيلاني أيضا من العمل كموظف بدوام رسمي، وقال له بأنه مستعد لأي أعمال أخرى تطوعية في المستقبل، وأشار إليه بتعيين "بشار خربط" مديرا للعلاقات العامة والتسويق، فقام بتعيينه نظرا للخبرة التي اكتسبها خلال العمل برفقة الخوالدة في صحيفة الفرصة.

في تموز/يوليو 1995 طلب الصحفي نايف الطورة، ناشر جريدة البلاد، من الخوالدة تولي منصب الرئيس التنفيذي لصحيفة البلاد، لإعادة تأهيلها بعد توقفها لأسباب سياسية، فرفض الخوالدة في البداية، قال أن شركته تعمل كما تريد، صحيح أنها لا تحقق العوائد المطلوبة، بسبب استنزاف المجلة لكافة الموارد، لكنه لن يستطيع تركها والاهتمام بعمل آخر، قال الطورة أنه يمكنه ابقائها والاشراف عليها من بعيد، والعمل مع صحيفة البلاد لإنقاذها، وأنه ليس هناك أحد مؤهل مثل الخوالدة بذلك، وسيدفع له مبلغ 1500 دينار شهريا، وأصر الطورة بشكل لا يقبل الرفض، وعرض عليه أيضا، لإغوائه، كتابة عامود أسبوعي سياسي، ما جعل الخوالدة يحن إلى الكتابة الصحفية، والعودة إلى المشاغبة والمشاكسة، فوافق دون أن يفكر بالعواقب، لكنه طلب راتب شهري 2000 دينار، وشكّل الخوالدة طاقما صحفيا وآخر للعلاقات العامة والتسويق، وأعاد اطلاق صحيفة البلاد من مقر جديد خلف جريدة شيحان في المدينة الرياضية، وبحلة جديدة، وكان يكتب فيها عامودا أسبوعيا سياسيا بعنوان “الطريق إلى الجويدة"، واضطر إلى إغلاق مؤسسته وإيقاف المجلة، وبسبب مقال له موجه لرئيس الحكومة آنذاك، السيد عبدالكريم الكباريتي" بعنوان "لمن هذا البلد؟"، هاجم فيها قرارات متوقعة للحكومة، وحيث أن العرف كان يقضي بأن لا يتم مهاجمة رئيس الحكومة قبل أن ينهي مدة 100 يوم على تكليف حكومته، وقد بلغ الخوالدة أن السيد الكباريتي لديه نية برفع سعر الخبز من 7 قروش للكيلو الواحد إلى 45 قرشا، ما أثار حالة توتر شديد في الأوساط الصحفية والشعبية، وارسل الكباريتي رسالة إلى المطبوعات والنشر ونقابة الصحفيين يطلب فيها شطب الخوالدة من النقابة ووقفه عن العمل، فاتصلت النقابة مع رئيس التحرير المسؤول يوسف غيشان، فقال لهم أن آراءه تمثله وحده، ولا يستطيع عمل شيء، وكان غيشان نفسه متورطا بعدة قضايا ومحاكمات، وكان مشاغبا أيضا، من طراز رفيع، ولأن سلطة النقابة لا تمتد للصحف الأسبوعية لوقف الصحفيين عن العمل، فلم تقم إلا بإجراء شطب طلب عضويته من نقابة الصحفيين، واستمر الخوالدة في عمله الصحفي والإداري في جريدة البلاد إلى أن حدث خلاف مع الناشر الطورة، الذي كان يود أن يستمر الخوالدة لمدة أطول، نظرا للتحسينات الكثيرة التي أدخلها، ولكن الخوالدة آثر الانسحاب، نتيجة لعدة أسباب قام بها الطورة مخالفة للاتفاق بينهما منها مسائل تتعلق بالأمور المالية ورواتب غير مدفوعة وأخرى تتعلق بتدخلات الطورة في علاقة الخوالدة بالمعارضة العراقية ومحاولة إلزامه والضغط عليه لنشر الموضوعات واللقاءات في صحيفة البلاد فقط.

خلال الانسحاب التدريجي من البلاد، حصلت صحيفة "صوت المرأة" على ترخيص سياسي باسم صحيفة "المرآة"، وطلب الناشر جمال المحتسب من الخوالدة، تولي منصب الرئيس التنفيذي والقيام بذات الدور الذي قام به لصحيفة البلاد في الشؤون التحريرية والإدارة والعلاقات العامة، فأصدرها الخوالدة بحلة جديدة ومن مقر جديد، ولم يكن قادرا على تولي منصب رئيس التحرير المسؤول، حيث تشترط عضوية النقابة التي حرم منها الخوالدة، فقدم عرضا مغريا لصديقه "ناصر قمش" الذي كان يرأس تحرير شيحان آنذاك، فسرقه الخوالدة وتم تعيينه بمنصب رئيس تحرير مسؤول لصحيفة "صوت المرأة".

كانت الفترة (نهاية 1995 وبداية 1996) فترة سياسية عصيبة، حيث تجمعت المعارضة العراقية في عمّان حول وزير التصنيع العسكري العراقي السابق حسين كامل المجيد (زوج رغد صدام حسين)، ثم اختلفوا معه، وكانت معظم اجتماعاتهم بعد ذلك في سوريا وتركيا، وقد وضع معظم زعماء المعارضة العراقية ثقتهم في جلال الخوالدة وأصبح يلتقيهم سواء في دمشق أو في مرسين أو في إسطنبول، فالتقى صلاح عمر العلي ووفيق السامرائي (رئيس الاستخبارات العراقي السابق) ومشعان الجبوري وبيان جبر وغيرهم الكثير، وفي دمشق أجرى الخوالدة لقاء صحفيا تاريخيا مع الشاعر مظفر النواب، نشر في اربع صفحات في صحيفة "المرآة"، وتسببت بتهديدات حقيقية للخوالدة من المخابرات العراقية والتي وصلت إلى اطلاق رصاصتين عليه بقصد التهديد، في رمضان 1996، وجاءه تهديد آخر بتفجير سيارته، فأبلغ عنه الشرطة، وبقيت سيارته تُفحص لمدة شهر قبل قيادتها، ولم تتمكن الشرطة من معرفة مصدر التهديد، وعلم لاحقا أنه قد حُكم بالإعدام في العراق، حسب ما ذكر السفير العراقي "نوري الويس"، حين قدم طلال الخوالدة، شقيق جلال، خدمة شخصية للسفير، وقال للسفير أن شقيقي الصحفي جلال الخوالدة يود زيارة العراق، فبحث السفير ثم قال أنه محكوم بالإعدام، ولا ينصح بذهابه الى العراق، ولكن الخوالدة ليس متأكدا من صحة ذلك، قد يكون رأي السفير، بسبب مقالات الخوالدة ولقاءاته مع المعارضة العراقية خلال تلك الفترة، وكتب الخوالدة تحقيقات صحفية مثل "المؤامرة الكبرى" والذي تسبب أيضا في استدعاء الخوالدة من قبل المخابرات الأردنية والاستخبارات العسكرية والتحقيق معه عدة مرات، وخلال تلك الفترة طلب زعماء المعارضة العراقية من الخوالدة نقل رغبتهم بعقد اجتماع المعارضة الموسع في عمان في حزيران 1996 بدل دمشق والتأكيد أنهم مع رؤية الملك حسين، بخصوص العراق وفدرلة العراق، وحين عرض الخوالدة على نائب رئيس الوزراء آنذاك، عبدالرؤوف الروابدة، قال سنرفع الموضوع لرئيس الوزراء ثم لجلالة الملك، وبعد يومين قال بأن الملك حسين، رحمه الله، "غير مهتم بهذا المشروع، وأنه في الأصل ليس مع فدرلة العراق" وحين عاد الخوالدة إلى سوريا، قامت المخابرات السورية بإلقاء القبض عليه، ووضعه في معتقل فلسطين، في الطابق الرابع تحت الأرض.

 سألتُ الخوالدة: هل تذكر أي من لقاءاتك المهمة مع المعارضة العراقية؟ فقال: "أهم لقاءاتي كانت في مرسين، تقرر عقد اجتماع سري لقادة المعارضة العراقية في دمشق، وقال لي مشعان الجبوري: إذا نشرت هذا العنوان في الصحافة الأردنية، سوف تكون المدعو الوحيد لذلك الاجتماع وكان العنوان المطلوب: (مشعان الجبوري: أتحدى المخابرات الأردنية أن تجد معارضا حقيقيا واحدا في عمان)، فنشرته على صفحتين في "المرآة"، وأخذت معي النسخ وذهبت إلى دمشق، فلم أجد أحدا هناك، تفاجأت، شعرت أنني تعرضت لمكيدة، ولكني حين سألت في الاستقبال عن مشعان، قيل بأنه ترك لك رسالة مع سائق سوف يأخذك إلى مرسين، وفعلا توجهت هناك خلال حدود باب الهوى، وصلت إلى فندق هيلتون مرسين، وقد ضم الاجتماع السري أكثر من 25 معارضا عراقيا، وكان التركيز على إقرار الاتصال مع الأمريكان وتفعيل مكتب لندن، وحين انتهى الاجتماع، في تمام الساعة 12 ليلا، خرجنا إلى سيارة مشعان الجبوري، راح يقودها ويجلس جانبه صلاح عمر العلي ونجلس أنا والشاعر مظفر النواب في المقعد الخلفي، كنا سنتوجه إلى إسطنبول، وبدأ مظفر النواب، وتحت إصرار مشعان، يقرأ لنا في ظلمة الليل قصائد عن بغداد، وذكرياته هناك، وفجأة وفي بعض كلمات تلك القصائد، رحنا جميعا نبكي، بكاء الأطفال".

 

 انسحابات متتالية

الخروج من المعتقل

مارست المخابرات السورية على جلال الخوالدة ألوان مختلفة من التعذيب، كانت التهمة الأولى بأنه عميل للحكومة الأردنية لإعادة المعارضة العراقية إلى عمّان، إضافة إلى تهم أخرى من بينها أنه جاسوس وضابط مخابرات أردني، كانت وجبة الطعام الوحيدة التي تقدم له كسرة خبز يابس في الخامسة مساء، في الصباح والمساء لديه ساعتين من التحقيق، كان يعلم أن جميع لقاءاته مع المعارضة العراقية تخضع للرصد من المخابرات السورية، وأنهم يعلمون الحقيقة جيدا، كان يعلم أيضا أنه خلال التحقيق يتم تصويره ويعرض الفيديو على مسؤول أعلى صاحب قرار، حيث كانوا يحركون كرسي التحقيق ويوجهون إليه كشافات إضاءة ضخمة، وعلى مدار التحقيقات لم يستسلم أو يتساقط، بقي صامدا بتأكيد حقيقة أنه مجرد صحفي يجري اللقاءات، وبعد سبعة أيام، من التحقيق المتواصل، تم استدعاؤه لمقابلة المسؤول، وطلب منه مغادرة سوريا إلى الأبد، خلال ساعتين، وعدم العودة إليها على الإطلاق.

حين خرج الخوالدة من معتقل فلسطين في دمشق، الفرع 273 للمخابرات السورية، لم يصدق نفسه، كان يظن أنه مات ويحلم الآن، حسب وصفه، قيل له أنه لا أحد يدخل معتقل فلسطين ويخرج حيا، وصاحب الحظ السعيد من يتم اعتقاله وتبديل اسمه ووضعه في سجون مجهولة، عاد إلى عمان في حالة نفسية وعصبية معقدة، وكان عليه بعد عدة أيام الذهاب لجريدة البلاد، واستلام باقي مستحقاته المالية، وحين دخل مكتب نايف الطورة، فاجأه نايف بحضور عدد من الشخصيات منهم وزير الخارجية الأردني الأسبق عبد الإله الخطيب والدكتور إبراهيم زيد الكيلاني والصحفي فؤاد أبو حجلة وعدد من الصحفيين بالقول: "تفضلوا.. جلال الخوالدة.. ضابط مخابرات أردني، وعميل للحكومة الأردنية، وقبض من المعارضة العراقية مبلغ 100 الف دولار"!!

صدم الخوالدة بما يقوله الطورة، فذاك كان موضع تهمة المخابرات السورية، فانسحب مرة أخرى بدون كلام، كانت صدمة قوية بالنسبة له، ولحقه الصحفي المخضرم أبو حجلة، في طريقه إلى المركز الثقافي الملكي، الذي كان يبعد مشيا عدة دقائق فقط، وراح يخفف عليه وطأة اتهامات الطورة ( أضاف الخوالدة: كان فؤاد أبو حجلة من أجمل الصحفيين مهنية وخلقا وتواضعا، وقد عملنا سوية عدة مرات)، بعد أيام تم إلقاء القبض على نايف الطورة، لوجود مبلغ 100 الف دولار مزيفة في سيارته، قيل أنه قبضها من صدام حسين، وتبين لاحقا، حسب شهادة مساعد مدير المخابرات السابق سميح بينو في محكمة أمن الدولة، أن الطورة كان مخبرا للمخابرات الأردنية، خلال الثمانينات، وانه كان الواشي عن الدكتور رياض الحروب وأخوته في قضية اعتقال الحروب، وكان يتقاضى منها مبلغ 40 دينارا (حسب مقال نشره طارق مصاروة لاحقا) فتمت ادانة الطورة، وتم سحب الجنسية منه، وغادر إلى الولايات المتحدة، وقيل بأنه فتح محل لبيع البقلاوة والحلويات.

 

حكاية اغتيال حسين كامل

سألتُ الخوالدة: لماذا التركيز على هذه الحكاية، ما الفائدة منها في سيرتك الذاتية؟ "فقال: هناك سببين، السبب الأول هو كثرة اللغط والتزوير في ذلك التاريخ، منذ دخول حسين كامل إلى عمان وخروجه منها واغتياله، كتب صدرت تتحدث عن أشياء غير واقعية، منها من يدعي أن الملك حسين أراد مغادرة حسين كامل وأنه تجاهله في القصر صبيحة يوم العيد، وأخرى تدعي أن حسين كامل قد ذهب بإرادته الحرة المطلقة إلى السفارة العراقية صبيحة يوم العيد، كما في كتاب "الحياة السرية لصدام حسين، من القصور إلى الجحور" ص 178، تأليف "أنيس الدغيدي" ومع أنني لا أعرف مصادر تلك المعلومات، إلا أنني متأكد من أن حسين كامل لم يذهب للقصر الملكي الأردني صباح يوم العيد ، وأن ذهابه إلى السفارة العراقية كان بسبب اتصالهم معه وابلاغه أن هناك شريط فيديو عفو من صدام حسين، وسبب تأكدي هو أنني علمت هذه المعلومة وقت وقوعها. السبب الثاني هو أنه وبعد حوالي 15 عاما، بدأت أكتب لصحيفة مقالا أسبوعيا "آخر خبر" التي يصدرها الصديق محمد صيام في الولايات المتحدة، وكتبت عدة حلقات من زاوية "تأبط وطنا" لكنني توقفت عندما عرفت بالصدفة من صيام أن "نايف الطورة" كان يكتبها أيضا، وكان كثير مما يكتب غير صحيح، خاصة حول حسين كامل، وقلت لمحمد صيام أن هناك مغالطات تاريخية يجب أن تتوقف، وأنه لم يكن لأحد علاقة مباشرة مع المعارضة العراقية، وحكيت له عن خلافي مع نايف الطورة، وشرحتها له في رسالة وطلبت منه ارسال نسخة إلى نايف، بأن الشيء الوحيد الحقيقي هو القاء القبض على نايف ومعه 100 الف دولار مزورة، والتي كانت تسمى وقتها "قضية الدولارات المزيفة"، ولم يكن بينه وبين أي أحد آخر أي خلاف سياسي، ولكنه رفع قضية شتم وسب وقذف على "حسين كامل المجيد" وطلبوا منه أن يسقطها لأن حسين كامل كان ضيفا عند الملك، ولكن بسبب عطلة وقفة عرفة والعيد لم يتمكن من فعل ذلك وبعد العيد، كان حسين كامل في العراق حيث تم اغتياله في منزله، وأيضا أن يذكّره بالبلاد حين كانت مقابل كلية الزراعة في الجامعة الأردنية، وكيف كانت غرف ضيقة صغيرة بالية ومتوقفة عن الصدور، وكيف أصبحت بعد مجيئي ونقلها إلى فيلا فخمة خلف شيحان، وتغيير طاقمي التحرير والعلاقات العامة، وأن تهمته التي اطلقها أمام الناس عليّ، هي عجلة القدر التي عادت لتطحنه وحده.

سألتً: وهل أجاب على الرسالة؟ قال: "لا لم يجب، قال لصيام سأجيب على جلال الخوالدة بمقال كامل، ولكنه لم يفعل". سألت: وما قصة قضية الشتم والسب هذه، باعتبارك شاهد حي على الأحداث التي يدور حولها مئات الحكايات، فلم يعد أحد يعرف الحقيقة فعلا؟ فقال:

للأمانة فقد روى نايف تلك القصة على عشرين وجه مختلف، وقد يكون السبب أنه قد نسي بعض الأحداث المهمة فاختلطت عليه الأمور كثيرا، ولكني سجلت ذلك التاريخ في دفتر يومياتي، وأحفظه غيبا، فبعد أن أجرت البلاد لقاء مع حسين كامل، في فبراير 1996، قال لي نايف حرفيا بأنه يريد استفزازه ونشر لقاء آخر(!!) فقلت له لا يجوز ذلك، إذا أردت أن تفعل، وتفبرك لقاء جديد، عليك أن ترسله إليه وتأخذ موافقته، الموضوع حساس، وأنت لا تعلم الكثير من الأمور، فقال: "ما عليك"، ولم يسألني عن خفايا الأمور التي أعرفها (!) وفعلا نشرت البلاد لقاء مفبرك وغير صحيح، ومعظم المعلومات التي فيه معظمها من نسج الخيال، عن مكالمة بين رغد صدام وعدي صدام، وجلس نايف وكنت في مكتبه، يجهز لاتصال حسين كامل، وفعلا اتصل، وراح يصرخ ويشتم فسجل له نايف تلك المكالمة وغادر بسرعة الى مكتب محاميه في المدينة الرياضية وسجل شكوى لدى مركز أمن الشميساني (وليس في البيادر)، وأي شيء آخر، لا اعتقد أبدا بصحته، والدليل أنه حين اجتمعت مع المعارضة العراقية بعد ذلك في دمشق أبلغوني رسميا أن هناك اتصال بين مدير مكتب عدي صدام حسين ونايف الطورة لاستفزاز حسين كامل لضغطه ومحاصرته ودفعه لزيارة السفارة العراقية لمشاهدة شريط العفو الذي ارسله صدام لاستدراج حسين كامل والعودة إلى العراق.

ولابد من فهم التوقيت لمعرفة أن كل حشو في تلك القصة غير صحيح، فقد رفع نايف الدعوى صباح يوم الأربعاء 14 شباط/فبراير 1996، واتصل به حسين كامل في ذات اليوم، ويوم الخميس 15 شباط توسطت بعض الطلبات للتنازل عن القضية، ولم يحضر أحد يوم السبت الى جريدة البلاد باعتبار أن الأحد كانت وقفة العيد، وبسبب ما حدث، تم دعوة حسين كامل إلى السفارة العراقية، ولم يقابل الملك حسين ولم يتحدث مع الكباريتي ولا مع أحد.

فطلبت من الخوالدة أن يروي بدقة قصة اغتيال حسين كامل، فقال:

" قبل اعتقالي بشهرين، وتحديدا في صبيحة يوم العيد، وكان يوم الاثنين 19 شباط/فبراير 1996 (حسب يومياتي) تلقيت اتصالا على هاتف منزل أسرتي من مشعان الجبوري وقال إن حسين كامل موجود في هذه اللحظة في السفارة العراقية في عمان، وأنه يريد مني مقابلته وايصال رسالة هامة له مفادها: "نحن زعماء المعارضة العراقية نتنازل عن كل طلباتنا لتولية حسين كامل منصب رئيس المعارضة، وشريط الفيديو العفو الذي تم ارساله إلى حسين كامل غير صحيح، غادر السفارة فورا" فقلت له أنني لا استطيع أن أفعل ذلك، فالسفارة أرض ديبلوماسية ولا يحق لأحد دخولها، كما أن علاقتي مع السفارة في غاية السوء كما تعلم، قال رجاء.. رجاء ابحث عن أي أحد لإيصال الرسالة".

يقول الخوالدة: "حاولت بكل الوسائل أن أجد شخصا يوصل الرسالة، اتصلت مع بعض المقربين من أصحاب المراكز ذات العلاقة، حاول البعض لكنهم فشلوا في الوصول للسفارة، وفي اليوم التالي، ابلغت مشعان الجبوري باستحالة ذلك، فطلب مني القدوم إلى سوريا حيث بلغ المعارضة العراقية انباء هامة يجب الاطلاع عليها ونشرها، وفعلا غادرت صباح الأربعاء، واجتمعت مع مشعان وصلاح عمر العلي ووفيق السامرائي في فندق الشام، وذكروا أن مخطط اغتيال حسين كامل يقضي أن يصل الحدود، ويتم أخذ زوجته وبناته منه، ويعود الى البيت في منطقة السيدية، وفي الليل سوف يهاجمه أفراد من قبيلته، بأمر من صدام شخصيا، باعتبارها مشكلة عائلية، والمشكلة الأكبر أن باقي أفراد عائلته سيكونون في البيت وستؤدي هذه الحرب إلى قتلهم جميعا، وأنه يجب نشر هذا المخطط في الصحف الأردنية بأسرع وقت ممكن.

قال الخوالدة: "عدت إلى عمان مساء الأربعاء 21 فبراير 1996، وكانت "صحيفة المرآة" قد صدرت الثلاثاء وكانت البلاد قد صدرت الأربعاء، وعلى كل الأحوال، كنت على خلاف حاد مع ناشرها، فتوجهت إلى شيحان، وكانت الساعة 10 مساء، ورفض رئيس التحرير تبديل صفحات الجريدة الجاهزة للنشر، فتوجهت إلى صحيفة الدستور وقابلت الدكتور نبيل الشريف، وشرحت له عن الخبر، فقال إنه يستحيل نشر هذا الخبر في صحيفة يومية، إنه مجرد توقعات وتكهنات، فاستسلمت وانتظرت حتى يأتي الصبح بجديد.

في صبيحة اليوم التالي اتصل مشعان الجبوري وقال أن حسين كامل قد وصل الحدود وتم أخذ زوجته وبناته وأنه سيتم التنفيذ غدا فجرا، فذكرت له أنني لم أتمكن من النشر، وتجادلنا حول احتمال أن ذلك لن يحدث، فبدأ الجبوري بالصراخ، قال "ليس لدينا أحد سواك يا مخلوق"، فقلت له "إن الخبر الصحفي لن يمنع قتله، وإذا كنت خائفا فعلا على حياته، فأبلغه بنفسك عن طريق جماعتك في بغداد"، ولم أنم تلك الليلة دقيقة واحدة، كنت استمع الأخبار في كل مكان، وصبيحة ذلك اليوم، الجمعة 23 فبراير 1996 سمعت عن اغتيال حسين كامل المجيد، بنفس الطريقة التي ذُكرت لي وسجلتها على دفتر يوميات، فلم اتفاجأ، لكنني أصبت بحالة احباط وحزن شديد، وشعرت بالندم، حيث ظننت أن بإمكاني أن أفعل شيئا لأمنع ذلك."

 

انسحاب إجباري

بعد التهديد والاعتقال والخلافات الكثيرة، قرر الخوالدة الابتعاد عن الكتابة السياسية وتأسيس ورئاسة تحرير "جريدة أخبار النجوم"، للناشر جمال المحتسب، في أيار 1996، وكان الأمل مستحيلا في إعادة احياء مجلة عالم المرأة ومؤسسة صوت الأردن للإنتاج الفني، فسافر إلى بيروت، عن طريق الطيران، والتقى الفنان عاصي الحلاني، وعدد من نجوم الفن، وفي العدد الرابع، أي في نهاية أيار، استدعاه مدير المطبوعات والنشر، الاعلامي المخضرم "محمد أمين سقف الحيط"، وكانت تربطهما علاقة طيبة، وحدثه أن الديوان الملكي الأردني يريد رفع قضية على جريدة أخبار النجوم، بسبب خبر غير صحيح، يشوه صورة فنانة عربية، وأن هناك شكاوى كثيرة على الخوالدة بسبب بعض اللقاءات والموضوعات والمقالات، التي أثارها خلال العامين 1995-1996، وجعله يقرأ رسالة رئيس الوزراء عبدالكريم الكباريتي التي يذكر فيها اسمه حرفيا، لاتخاذ اللازم بشأنهم ومخاطبة نقابة الصحفيين، ونصح الخوالدة بالاستقالة من الصحيفة وأخذ فترة استراحة من الصحافة عموما، وكان "محمد أمين" من أكثر المتحمسين لمشروع قانون أردني للمطبوعات يعيد تنظيم المهنة خاصة الصحافة الأسبوعية، وذكر للخوالدة أن ما قام به خلال العامين الماضيين، خاصة خلال مهاجمة حكومة الكباريتي عند رفع أسعار الخبز، قد أغضب الملك أيضا، وأنه قد قال له شخصيا أن الصحافة الأسبوعية باتت تهدد هيبة الدولة الأردنية، وتهدد الأمن الوطني والاقتصادي، وأن الملك قد كلّفه بإعادة تنظيم شؤون المطبوعات وتقديم مشروع قانون جديد مؤقت! فانتفض الخوالدة وسأل: أنا أهدد الأمن الوطني؟!؟ واستطرد بسرعة: "لا تعملوا مني مجرم أستاذ محمد، هو انا لحالي بالصحافة الأسبوعية؟!؟ فرد محمد أمين: "لا طبعا، جلالته زعلان من كل الصحافة الأسبوعية، هناك صحفيين انت بتعرفهم قاعدين يسووا (السبعة وذمتها) ما بدي اذكر اسماء، أنت تعرفهم واحدا واحدا"، وقال للخوالدة: وأنت تحب الملك، صح؟ فهزّ الخوالدة رأسه، وقال: "بحبه صح، بس لما الكباريتي يرفع الخبز من 7 قروش الى 45 قرش، يعني أمي اللي كانت تشتري يوميا 4 كيلو خبز بـ 24 قرش يعني بالشهر سبعة دنانير و20 قرش، والآن صار لازم تدفع بالشهر 54 دينار، من وين بدها تجيبهم؟"، فرد محمد أمين: "رح يرجع ينزل الى 25 قرش، صدقني، المهم، ليش بدك تصنف حالك وانت بأول شبابك؟  أنت طاقة هائلة وعليك استثمارها، لماذا لا تعمل في البرامج التلفزيونية والوثائقية؟ لدي حلم بتأليف كتاب عن "المذيع التلفزيوني"، حيث لا يوجد في المكتبة العربية كتاب واحد، لكني لا أجد وقت، وممكن نتعاون أنا وانت؟ ايش رأيك؟، فكر الخوالدة، كان يحترم "محمد أمين" كواحد من أهم مذيعي الأخبار في تاريخ الأردن، وكان والد الخوالدة يحبه كثيرا، ويستمع إليه في نشرات الأخبار، ويصدق كل ما يقول، ومع أن الخوالدة كان يعلم أن "محمد أمين" يخطط لتصفية المشاكسين في الصحافة الأسبوعية، وحسب تعبيرات الحكومة آنذاك "لتنظيفها"، إلا أن الخوالدة كان منهكا أيضا، بصورة فظيعة، فاقتنع بالنصيحة، ووافق على التعاون بشأن كتاب المذيع التلفزيوني، وقدم استقالته مكتوبة إلى مدير عام المطبوعات والنشر يوم الثلاثاء، في الثامن والعشرين من أيار/مايو 1996، وغادر الصحافة الورقية، حتى نهاية العام 2009.

سألتُ الخوالدة: من الأسماء التي يتحدث عنها الأستاذ محمد أمين؟ قال: "مجموعة لا تتجاوز عشرين صحفيا منهم، حسب وجهة نظري، أو حسب ما أذكر هم: رياض الحروب، يوسف غيشان، علي عرسان، سامي الزبيدي، فهد الريماوي، محمد طمليه، بسام العموش، نبيل غيشان وخالد فخيذه، وهناك غيرهم ولكن بصورة أقل حدة، موزعين بين شيحان والبلاد والسبيل والمجد وصوت المرأة وعبدربه وقف وغيرها". فسألته: وهل تعتقد أن السيد محمد أمين قد تحدث مع أحد منهم غيرك بشكل مباشر؟ فقال: لا أعلم صراحة. فسألته: وهل قمت بالتعاون معه في كتاب المذيع التلفزيوني، اعتقد أن هذه تشبه الرشوة؟ فأجاب: لا طبعا، كان محمد أمين الله يرحمه يؤمن بي ككاتب ومحرر، وكأن يأمل أن يضع مثل هذا الكتاب للمكتبة العربية، هدف علمي بحت، لكنني انشغلت عام أو عامين بعد ذلك، وتوفي رحمه الله عام 1998، ولم أقم بإصدار كتاب "المذيع التلفزيوني، التدريب والتأهيل" الإ في العام 2004.

لم أكن أعلم أن السيد "محمد أمين سقف الحيط" قد توفي، رحمه الله، فسألت الخوالدة: هل تريد مني تضمين الفقرة الأخيرة والسؤال عن الرشوة في كتاب بيوغرافيا الانسحاب، فقال: كما تحبين، فآثرت إبقاءها.

 

الانسحاب الرابع

الإنتاج التلفزيوني والتدريب الإعلامي

تولى الخوالدة خلال الفترة 1996 – 1999 منصب الرئيس التنفيذي لشركات إنتاج فني، منها ألوان للإنتاج الفني، حيث سافر صديقه مصطفى سلامة إلى دبي، وبقي شريكه مجدي دبابنة في عمان، وعرض على الخوالدة تولي إدارة الشركة، وكذلك مؤسسة فرح للإنتاج الفني لصاحبها رامز بركات، وهناك تعرف إلى معظم نجوم الغناء الأردنيين والعراقيين، خاصة كاظم الساهر وحاتم العراقي وعلي العيساوي وغيرهم، وكتب عشرات القصائد التي تم تلحينها وتوزيعها وغنائها مثل "بتوحشنا" التي كتبها لحبيبته "ك" وتقول كلماتها: (بتوحشنا ونفتكرك، وتبقى وحشتك في البال، وإذا مرّوا على ذكرك، يذكّرنا سؤال الحال، كيف الحال؟ يذكرنا غياب سنين، وتشعلها قصص تنقال، أظن أنك على هجرك، تغازلنا ليال طوال، وتذكرنا وتعشقنا، مال القلب يمك مال، نبيك ترد أيامك، ترى شوقي لعينك طال، لعينك طال) والتي لحنها وغناها بشار السرحان، وغنى له أيضا "صباح الورد والبسمة اللطيفة"، و "إذا تدري"، و "اربطي شعرك جدايل"، و "فاض الشوق"، وعدد كبير من القصائد، وغنى له حاتم العراقي "بغداد.. أميرة العواصم" وغنت له نيفين "أنساك ايه والله" و "يسألوني الناس" و"جميل الوصف" وغنت له سميرة العسلي "جد الجد"، وغنى له كامل الرعود "يا صاحبي"، وغيرها الكثير من القصائد التي غناها المطربون الأردنيون، وفي العام 1998، اتصل صديق زميل الخوالدة السابق في جريدة الفرصة، عبدالله عدوان، وكان قد انتقل إلى العمل في وكالات الإعلان وأصبح مسؤولا في شركة "آيم أدفرتايزنج"، وقال للخوالدة أنه يريد الاجتماع معه للأهمية القصوى، وفي الاجتماع حضر السيد "محمد عليان"، الذي أصدر جريدة الغد الأردنية بعد ذلك، وقال بأنه ينوي إصدار صحيفة إعلانات مبوبة باسم الوسيط تشبه صحيفة الفرصة، وأنه يريد جلال لتولي إدارتها، حسب خبرته الطويلة في هذا العمل، ولكن الخوالدة لم يقبل العرض، مع أنه كان مغريا، كان قراره بالانسحاب من الصحافة قطعيا، غير قابل للنقاش، وصدرت الوسيط، ويقول الخوالدة أنها فعلا كانت مميزة، ونجحت نجاحا باهرا بدونه، من خلال عقلية الناشر محمد عليان المبهرة، الذي قام بنشر صحيفة الغد لاحقا.

 

لقاء غير متوقع "ك"

كانت "ك" قد تزوجت وعملت في وزارة التربية لفترة، وكان يحاول متابعتها أو زيارتها، ولكنه لم يتمكن من رؤيتها على الإطلاق، كان يذهب ويجلس ساعات أمام منزل عائلتها علّها تأتي فجأة، يرى أسرتها والزائرين يدخلون ويخرجون، دون أن تظهر، كان يتألم ألما شديد على فراقها، يجلس في سيارته، ويراجع كل اللحظات والنقاشات والمراجعات الفلسفية بينهما، كان يضع فيروز ويدعها تغني لساعات وهو يحلم أن يرى "ك"، وفجأة، رآها تدخل وتمسك في يدها ولد صغير، فلم يعرف ماذا يفعل، ارتبك بشدة، ذهب بسرعة الضوء نحو والدته التي تسعفه في أحلك الأوقات، طلب منها ارتداء ملابسها بسرعة لزيارة عائلة "ك" فوافقت على الفور وانطلقا يعبران الطرقات وهو في حالة هلع أن تغادر "ك" قبل أن يصلا.

قرعا الجرس، فخرج شقيق "ك" وفتح الباب، كان يعرف جلال معرفة سطحية جدا، حيث ساعد جلال والده في مسألة قانونية، خلال علاقته مع "ك"، في بداية التسعينيات، فرحب بهما ودعاهما للدخول، كانت "ك" تجلس مع أمها في الصالة، وحين وقفتا، وانشغلت والدتها بالسلام على والدة جلال، نظر إلى عيني "ك"، استمرارا لتلك النظرة التي رافقت رحيلها، ثم نظر إلى ابنها يلهو قربها، وسلم، وجلس وهو في حالة يرثى لها.

لم يتحدثا سوى بضع كلمات قليلة، كان فيها من العتاب ما هو أشد من التعذيب بسوط من حديد ملتهب، لكنها كانت أيضا كافية له، أن يعتذر، حتى لو لم يكن اعتذاره مقبولا.

حاولت "ك" أن تظهر أنها سعيدة في زواجها، لكنها كان يعرفها أكثر مما يعرف نفسه، كانت لا تزال على عشقها القديم الأبدي، داعبت ولدها تحت ناظري جلال، كانت تود أن تقول: كنت أتمنى أن يكون هذا الصبي منك، فأشعل سيجارته، وراح يقضم دخانها في صدره، ويرسله بعيدا عن الصبي، وبعد أن تناولا الشاي، نظرت إليه والدته بشفقة ورأفة، وقالت: علينا أن نغادر الآن.

كانت الوالدتان تعلمان أنه يستحيل فصل “جلال” عن "ك" في تلك اللحظة، أمها كانت رؤوفة أيضا، أصرت على مكوثهما للمزيد من الوقت، وطلبت من والدته المجيء معها إلى الحديقة الخلفية، لرؤية بعض النباتات التي تزرعها، ونادت على الصبي وأخذته معها، وتركتهما وحيدين لدقائق، ومع أن المسافة بينهما كانت بضعة أقدام، إلا أنهما شعرا بأنهما متلاصقين، يقبلان بعضهما، يتصوران لقاء حميما لن يحدث إلا في الأحلام، وفي الأفلام أيضا، لم تتحدث "ك"، ولم ينبس جلال ببنت شفة، انعقد لسانه للمرة الألف، لم يكن لديه ما يقوله أو يتحجج به، كانت حججه كلها لا تعني شيئا، مهما كانت، كل الأعذار ليس لها قيمة على أرض الواقع، كان خطأه عظيما ولا يُغتفر، قالت "ك" : "خلال شهور سوف أسافر برفقة ابني وزوجي إلى الولايات المتحدة، الأوراق شبه جاهزة، قد يكون هذا لقائنا الأخير"، فبهت الذي طال صمته، حار عقله في مئات الإجابات التي يمكن أن يقولها، خطر بباله أن يقول: تطلقي منه، ونعود سويا، لكن ذلك كان مستحيلا في ذلك الوقت، ليس بسبب "ك" أو حياتها، ب لأن جلال كان قد تزوج، من واحدة أخرى، بعد أن انسحب من عالم الصحافة المكتوبة، وأنجب منها ولديه "غزل" و "وجد"، لكنه لم يفصح لـ "ك" عن ذلك، قال في النهاية، قبل أن يغادر مع والدته، التي وقفت تستدعيه عند الباب: أتمنى لك التوفيق، من كل قلبي..!

 

برامج تلفزيونية

في نهاية التسعينيات أيضا، بدأ الخوالدة بإعداد وإنتاج البرامج التلفزيونية، كان أستاذه مصطفى صالح يراقبه عن كثب، فأصر على استقطابه لعالم إعداد البرامج التلفزيونية، وكان أولها برنامج "مساء الخير" الجماهيري، ثم برنامج "مواجهة" مع عروة زريقات الذي يعده "مصطفى صالح"، وقد حاول زريقات أن يجبر جلال الخوالدة في الظهور بحلقة مواجهة للحديث عن الصحافة الأسبوعية في مرحلة بداية التسعينات، كان يريد منه الاعتراف بخطأ الصحافة الأسبوعية في تشويه الحقائق وقلبها وتزييفها، وأن يعترف شخصيا بما حدث خلال دخول صدام الكويت والخروج منها، فرفض الخوالدة، لكنه استمر في إعداد البرنامج الذي كان يحقق نسبة الأعلى مشاهدة، وبعدها أعد الخوالدة ونفذ انتاج برنامج "ظواهر" مع الدكتور محمد الحباشنة، كما بدأ مجال تأهيل وتدريب المذيعين، فقدم أول منهاج عربي لتدريب وتأهيل المذيع التلفزيوني لوزارة التعليم العالي الأردنية، فتم اعتماده وبدأ تدريس مادة التدريب الإعلامي في الجامعات والكليات الأردنية خلال الفترة (1997-2003)، وأصبح منهاجه "المذيع التلفزيوني.. التدريب والتأهيل" الذي صدر في العام 2004 لدار المعتز للنشر والتوزيع، يدرس كمنهاج رسمي في معظم الجامعات الأردنية لخريجي الصحافة والإعلام الذين يختارون التخصص في مجال: التلفزيون، ووضع فيه أول "ميثاق شرف عربي لمذيعي التلفزيون ومقدمي الأخبار"، ويمكن ايجاد نص الميثاق في الملحق رقم 3 في هذا الكتاب. وبعد سنوات، قامت عدة وزارات إعلام عربية باعتماده ومنها وزارة الإعلام المصرية التي أصدرتها باسم إقرار "ميثاق شرف للإعلام المرئي والمسموع" وتم اعتماده من مجلس الوزراء المصري في العام 2014، لكن الخوالدة رفض في بيان رسمي إضافة تشكيل مجموعة مصغّرة من الإعلاميين المرموقين والشخصيات العامة لتلقي البلاغات بالخروقات والانتهاكات الإعلامية للميثاق، وتقرير وتوقيع العقوبات الملائمة، وتحديد ما إذا كان إنزال العقوبة يتم على مالك الوسيلة الإعلامية، أم مديرها، أم الإعلامي ذاته، لكنه أكد على بقية البنود التي تلزم الإعلاميين في القطاع المرئي والمسموع باحترام كرامة الشعوب واختياراتها، وسيادة الدول، وتجنب حملات الإثارة، وخدمة أجندات خاصة أو دول بعينها، وعدم بث أسرار الدولة أو ما يهدد الأمن القومي، أو إثارة الرأي العام بطرق ومعلومات مغلوطة، والبنود التي تشدد على احترام القيم والأخلاق وحرمة الحياة الخاصة للمواطنين، وحقوق وكرامة الإنسان، والامتناع عن التحريض على الكراهية والعنف والإرهاب، وعدم بث المشاهد الخليعة أو الإيحاءات والمعاني البذيئة، أو الجنسية الفجة، والسوقية.

 

حوار الأديان

 غادرت "ك" وانقطعت أخبارها، لكن الخوالدة كان يذكرها كل يوم تقريبا، كان يكتب لها القصائد، ويراجع معها في رحلاته التأملية تطورات بحثه "كتاب الله.. دلالات عقلية"، الذي استند فيه على كتاب "موجز تاريخ الزمن" ومقولة ستيفن هوكينج في نهايته "أننا نعرف أن هذا الكون له بداية وله خالق، ولكن علينا أن نعرف الآن الطريق إلى الله"، فتوسعت دراسات الخوالدة حول الأديان السماوية واكتشف حجم الصراع بين معتنقي الديانات فحاول وضع قوائم تضم جميع أوجه الخلاف بينها وقوائم أخرى لجميع أوجه التشابه والاتفاق، وتعمق في الدين المقارن فقام بعقد المقارنات مع ميثولوجيا الأديان القديمة لدى الأمم الأخرى مثل "براهما" إله الخلق في الديانة الهندوسية وموحد الكون وروحه العليا وجوهره، والمعبود الأعلى في الثالوث الهندوسي، و أهورامزدا، الإله الأوحد في الديانة الزرادشتية، وغيرها من الديانات القديمة والحديثة، وكان بحث الخوالدة يرتكز أيضا وبشكل معمق على قوانين الديناميكا الحرارية في الكيمياء الطبيعية وأحدث ما وصل إليه العلم في مجال البيولوجيا الجزيئية والتكنولوجيا الحيوية والهندسية الوراثية وقوانين الاحتمال الإحصائي وخلاصة الرأي العلمي حول نظرية النشوء والتطور، وخلص الخوالدة إلى نتيجة فلسفية مفادها أن ما يحدث على الأرض هي في الأصل الخطة الكبرى للسماء، وأن سبب الصراع الأساسي هو أن البشرية منذ آدم، كانت تتجه دائما نحو نسيان عبادة الخالق العظيم، والتحول لعبادة الأصنام أو النجوم والكواكب أو النار وغيرها، فأرسل الله تعالى ثلاث رسائل سماوية أساسية، ورسائل أخرى غير مباشرة، بهدف أن يكون الصراع داخل هذه المنظومة وليس خارجها، لذلك ففي كل دين تجد أوجه اختلاف وأوجه تشابه حد التطابق، وأن الدليل على ذلك حين غابت معالم الإسلام في نهاية القرن التاسع عشر في ظل الحكم العثماني، وضاعت هيبة الكنيسة بعد ظهور علماء الفيزياء والفلسفة مثل كانط، وتشتت وضياع اليهودية واختفائهم في ثنايا الأرض، كان لدى السماء خطة أخرى في الانتظار، ظهر من يدعو إلى الإلحاد مثل ماركس، وفجأة عادت الأديان لتتحرك من جديد، لتصارع هذا الوحش العملاق، وبقيت الأديان الثلاثة تصارعه أكثر من 100 عام، حتى انتصرت عليه.

كتب الخوالدة في العام 1998 ورقة عمل إلى الأمير الحسن بن طلال لتقديمها في ملتقيات حوار الأديان، حيث كان الأمير يترأس "المعهد الملكي للدراسات الدينية" الذي تم إنشاؤه حديثا آنذاك، كان عنوان الرسالة "رسالتي إلى أهل الأرض جميعا" وفيها دعوة صادقة وصريحة للسلام والتآخي والمحبة بين أتباع الديانات الإبراهيمية، ونشرت في عدد من الدوريات المهتمة في حوار الأديان، واتصل المدير الإعلامي لمكتب الأمير الحسن الكاتب والإعلامي أحمد سلامة، وقال أن سمو الأمير مهتم بما أرسله الخوالدة لكنه يريد منه إعادة صياغة الرسالة في بحث فكري فلسفي لكن بأسلوب علمي منهجي، فشكره الخوالدة وغادر، ولكن بعض الأحداث التي جرت بعد ذلك في الأردن خلال العامين 1998و1999، ومنها وفاة الملك حسين رحمه الله، لم تسمح للخوالدة بمتابعة الموضوع، فاستمر في دراسته ولكن بمنهج مختلف، فبدأ بدراسته "كتاب الله.. دلالات عقلية" وترد  نص مقدمة الكتاب في الملحق رقم 4.

يقول الخوالدة أن "كتاب الله .. دلالات عقلية" الذي لم ينشره بعد، هو خلاصة رأيه ووجهة نظره الفكرية والفلسفية التي سيقدمها للبشرية، فسألته: لماذا لم يُنشر بعد، نحن في العام 2022، أي قد مضى أكثر من 30 عاما على بدء تلك الدراسة؟ فأجاب: "سأكون صريحا كفاية، فهذا سؤال يستحق التوقف، فعندما بدأت كنت استند في دراستي بشكل مطلق على العلم، ومن بين تلك النظريات العلمية كانت واحدة أساسية للعالم "ستيفن هوكينج"، الذي ألف كتابا بعنوان "تاريخ موجز للزمن" أو "موجز تاريخ الزمن"، في العام 1988، قرأته بل وحفظته غيبا في العام 1991، قال فيه بالحرف الواحد:" أننا عرفنا الآن أن هذا الكون كان له بداية، ولم يتبق سوى أن نعرف الطريق الذي يؤدي إلى الله"، فكانت فكرة الدراسة تدور حول :"كيف يحكم الله الكون"، وتطورت الدراسة مع السنين، وكان هوكينج مؤمنا غير متدين، وبين العامين 2001-2005 كنت ملحدا بشكل متطرف، وحين وقع اكتشافي الكبير، في العام 2006، لآية وردت في القرآن الكريم، كان اكتشافا فيزيائيا بالنسبة لي، أو هكذا رأيته، فعدت وجعلت من الكتاب قصة لرحلتي من الشك إلى الإيمان، وفي العام 2005 أعاد هوكينج تطوير كتابه ليصبح "تاريخ أكثر إيجازا للزمن" مع زميله "وليونرد ملوندينوف"، فعدّل قليلا من أقواله وأصبحت الجملة "إذا اكتشفنا النظرية الشاملة فإنها لابد أن تكون مفهومة مع مرور الوقت، في خطوطها العريضة لدى كل الناس، وليس قلة من العلماء فحسب، وبذلك سنتمكن جميعا-فلاسفة وعلماء وأناسا عاديين من المشاركة في الجدل الدائر حول سبب وجودنا ووجود الكون. وإذا وجدنا الإجابة على هذا السؤال، فسيكون ذلك النصر النهائي للمنطق البشري، لأننا عندئذ سنعرف ما الذي يدور في ذهن الرب"، وتم تداول ترجمة الجملة بأنها "لم يتبق سوى معرفة عقل الله"،  وفي العام 2008، عاد هوكينج يقول "ربما قضى الله بقوانين الكون ولكني أعتقد أنه لا يتدخل لكسرِ هذه القوانين"، فتفاجأت من تغير وتبدل وجهة نظره، لأنه حصل على كل تلك الشهرة العالمية من كتابه "تاريخ موجز للزمن"، وكان علميا وواضحا ومباشرا ولا يقبل التأويل، ولا يحق للعالم أن يبدل وجهة نظره ببساطة، هذا غير مقبول، والأدهى أنه قال بعد ذلك حين سألته صحيفة "الغارديان البريطانية عن رأيه حول الجنة فقال: "الجنة أسطورةٍ، ولا يوجد أي جنة أو حياة آخرة، هذه الأفكار مجرد قصص خرافيةً للأناس ممن يخشون الظلام"، فقررت عدم نشر كتابي، وقررت أن أتوسع في البحث، وأزيد من الجرعة العلمية، وأراقب أيضا التطور الذي قد يحدث لنظرية هوكينج، فقال في العام 2011 "من وجهة نظري الخاصة فإن أبسط التفسيرات هي أنه لا يوجد إله"، وقال "لم يخلق أحد الكون ولن يقوم أحد بتوجيه مصيرنا، وهذا ما يقودني إلى إدراكٍ عميق. لا يوجد على الأرجحِ جنة أو حياة آخرة أيضا. لدينا هذه الحياة الوحيدة لنقدَّر فيها التصميم العظيم للكون ولأجل ذلك فأنا ممتنٌ امتنانا كبيرا، وفي النهاية نحن جميعنا أحرار.. لنُؤمن بما نريد"، وفي العام 2014 قال: "من الطبيعي بمكان أن نؤمن بأن الله خلق الكون قبل أن نفهم العلم. ولكن يقدم العلم الآن شرحا أكثر إقناعا. ما قصدته بقولي (سنتمكن من معرفة عقل الله) هو أننا سنتمكن من معرفة كل شيء يعرفه الله (هذا إذا كان الله موجود) وهو ليس بالموجود. أنا ملحد".

لم أتردد، ولم يمنعني هوكينج، ولكنني عجبت لما يؤول إليه العالَم حين ينحرف العالِم، وكأن القدر أراد مني أن أراقب كل ذلك وأتمعن فيه، ولكن الكتاب سينشر، بإذن الله، في حياتي، أو بعد مماتي.

سألتُ الخوالدة: المتدينون يقولون أن كل شيء فيزيائي هو دليل على وجود الخالق، كل شيء، وغير المتدينين أو الملحدين يقولون أنه ليس هناك ثمة دليل واحد حسي وعلمي على وجود الرب، فكيف يكون هناك دليل فيزيائي مقنع للملحدين على وجود خالق؟ فقال: "من حيث المبدأ، خطة السماء بتصميم الكون مع العقل البشري لتتساوى فيه أدلة الإيمان مع أدلة عدم الإيمان، تتساوى وزنا وقيمة وحجما بدقة متناهية، فلا يمكن للعلماء إنكار أن هذا الكون كان له بداية، ومن كان له بداية كان له بادئ (مستهل) وقوانين الكون جرى تصميمها بحكمة ودقة ليس لها مثيل، والمطلوب واضح، هو امتحان كبير للعقل البشري، وهو أعظم ما خلق، وقد ورد (عن أَنَسٍ رضى الله عنه قَالَ:  كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يُكْثِرُ أَنْ يَقُولَ: "يَا مُقَلِّبَ الْقُلُوبِ ثَبِّتْ قَلْبِي عَلَى دِينِكَ"، فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، آمَنَّا بِكَ، وَبِمَا جِئْتَ بِهِ، فَهَلْ تَخَافُ عَلَيْنَا؟ قَال: نَعَمْ، إِنَّ الْقُلُوبَ بَيْنَ أُصْبُعَيْنِ مِنْ أَصَابِعِ اللَّهِ، يُقَلِّبُهَا كَيْفَ يَشَاءُ)[3]، والعبرة هنا واضحة لكل من لا يؤمن بوجود خالق، فإذا كان النبي المرسل من السماء يقول أنه يتعرض للشك ويطلب التثبيت، ولديه كل ما لديه من أدلة حسية، فما بالك بباقي البشر الذين يتأرجحون بين الشك واليقين، أليست هذه خطة محكمة الصنع أيضا؟ فسألت الخوالدة: وما دليلك الحسي الفيزيائي؟ فقال: "عليك أن تقرأي الكتاب، لا يمكن اختصار واختزال ذلك في كلمتين"، قلت الموضوع شيق، قد نعود إليه في موضع آخر.

 

الانسحاب الخامس

تصميم وتنفيذ الفعاليات

تحدّث الخوالدة عن الخبرة التي اكتسبها في تنظيم الفعاليات الكبرى، حيث قرر تنظيم مهرجان الكرك الأول للثقافة والفنون في العام 1998، وإقامة وتنظيم مهرجان الفرح العربي في استاد القويسمة، بمشاركة النجم العربي محمد فؤاد برعاية ملكية، والذي حضره ما يزيد عن 100 الف طفل، وتم اعتباره أكبر فعالية عربية تضم هذا العدد من الحضور، وكذلك تولى في العام 2000 منصب مساعد مدير مهرجان مسرح الطفل الأردني الثالث الذي تنظمه وزارة الثقافة الأردنية، وفي العام 2000 أيضا عاد استاذه مصفى صالح ليضعه معدّا رئيسيا لبرنامج "حديث الناس" الذي قدمه عروة زريقات، وهو برنامج اجتماعي سياسي اقتصادي ذات تأثير قوي في الشارع الأردني، وقد يكون البرنامج الجماهيري الأول الذي يحظى بأعلى نسبة مشاهدة وتأثير، وحين عرضت أكثر من 90 حلقة على التلفزيون الأردني منها "التلبس بالجن" و "الطلاق" و"عقوبة الإعدام" و"التمويل الأجنبي" وغيرها، قام الخوالدة بتصميم وإعداد برنامج تلفزيوني يدعى "كرسي الاعتراف"، وكانت فكرته تدور حول لقاء رؤساء الحكومات الأردنية السابقين ونوابهم ووضعهم على كرسي للاعتراف ببعض الحقائق التاريخية التي تثار حولها التساؤلات والشبهات، بوجود لجنة تقييم ومحاسبة من أساتذة التاريخ والفلسفة والأدب وحصل البرنامج على الموافقة، ولكن حين عرض الخوالدة على السيد عبدالرؤوف الروابدة فكرة البرنامج، ليكون أول من يجلس على كرسي الاعتراف، للحلقة النموذجية التي يتم اعدادها، قال بأنه موافق بشرطين، تغيير اسم البرنامج إلى "كرسي الحقيقة (وقال مازحا: لأني لا اعترف إلا للبابا في الفاتيكان) والثاني أن يكون أخر من يشارك، فهو آخر رئيس وزراء أردني (استقالت حكومته في حزيران 2000)، فحمل الخوالدة أوراقه واتجه إلى السيد زيد الرفاعي، والذي وافق على المشاركة بشرط تغيير اسم البرنامج من "كرسي الحقيقة" إلى "في دائرة الضوء" ، قال: "أشعر أنني اجلس على الكرسي الكهربائي"، وكذلك اشترط أن لا يكون أول من يشارك، وقام الخوالدة بجولة على جميع رؤساء الحكومات السابقة، كان آخرها لقاء مع السيد أحمد عبيدات الذي تولى رئاسة الحكومة الأردنية لعام واحد فقط (1984-1985)، والذي اشترط لمشاركته قص حكاية استقالة حكومته كاملة، دون أي اجتزاء أو حذف، ولكنه رفض المشاركة في الحلقة النموذجية.

عندما عجز الخوالدة عن الحصول على موافقة الظهور في الحلقة النموذجية من قبل رؤساء الحكومات توجه إلى صديقه السيد نذير رشيد (أبو جعفر)، الذي كان يشغل منصب نائب الرئيس ووزيرا للداخلية عام 1997، وكان شخصية جدلية، حيث اتهم بتزوير الانتخابات، وكذلك كان يشغل منصب مدير المخابرات الأردنية عام 1970، خلال أحداث أيلول، وقيل بأنه كان قاسيا جدا خلال تلك الفترة، إضافة الى ذلك، كان من ضمن الضباط الأحرار الذين قرروا الانقلاب على نظام الحكم الأردني عام 1957، ثم هرب الى سوريا ومنها الى لبنان، وفي عفو الحسين عام 1965 الذي يدعى "عفا الله عما مضى"، عاد إلى الأردن، وتم تعيينه في المخابرات العامة، فكان أول سؤال يوجهه له الخوالدة، خلال التحضير للحلقة: "كيف كنت معارضا وهاربا، وفور عودتك، يتم تعيينك في المخابرات العامة، أليس ذلك غريبا ومريبا؟".

كان نذير رشيد شخصية قوية الشكيمة، لديه قلب شجاع، قال بأنه سيجيب على كافة الأسئلة، وسيتفاعل بالحجة والبرهان مع لجنة التاريخ ومداخلاتها ، لكنه يشترط أيضا أن تبث الحلقة كاملة، مهما حوت من أسرار ومعلومات، فوافق الخوالدة، وبدأ التحضير للحلقة النموذجية، واختار الصحفي "محمد الصبيحي" ليكون مذيعا للبرنامج، وتم تصوير الحلقة كاملة في استوديو الإذاعة الأردنية، وفعلا كان الحديث صاخبا وناريا ولا يمكن وصفه، تحدث عن الضباط الأحرار، وعن أحداث أيلول، وعن اتهامات تزوير الانتخابات، وبعد نهاية التسجيل، حمل الخوالدة شريط الحلقة وذهب إلى مدير برامج التلفزيون الأردني المخرج "صلاح أبو هنود" لإجازتها، وحين شاهدها شعر بالرعب، قال مستحيل أن أوافق على بث هذا الكلام، وسأقوم غدا بعرضها على وزير الاعلام السيد طالب الرفاعي، وهو الذي يتخذ القرار، في اليوم التالي، اتصل الخوالدة مع أبو هنود، فقال له أن الوزير لا يريد تحمل مسؤولية البرنامج، وأنه ارسله الى رئيس الوزراء السيد أكرم أبو الراغب، وسيرد خلال يومين.

خلال اليومين انتشر خبر الحلقة كالنار في الهشيم، وزار الخوالدة في بيته وفي مكتبه عشرات الشخصيات لطلب نسخة، منهم وزراء ونواب وغيرهم، أحد نواب مجلس الشعب قال: اذا صدق الحديث عما قاله نذير رشيد حول أحداث أيلول، فإنني مستعد لشراء النسخة بخمسة الآف دينار أردني، فاعتذر الخوالدة لهم جميعا، وفي اليوم التالي، ذهب الخوالدة بنفسه إلى وزارة الإعلام، فابلغ الوزير الرفاعي الخوالدة أن رئيس الوزراء رفض البرنامج، رفضا كليا، وأنه سيفسخ عقد الإنتاج، ولكنهم سيعوضون الخوالدة ببرنامج آخر قريبا. فسألته: وهل عوضوك؟ قال الخوالدة: "عند عمّك طحنّا"،

بعدها انتقل الخوالدة إلى تنظيم المعارض الدولية، مع صديقيه وشريكيه المخرج جمال قشوع والمنتج أحمد تحبسم، فقام بتصميم وتنفيذ معرض الجامعات الأردنية الأول في مسقط 2002، حيث تبين له أن عدد الطلبة العمانيون قد تراجع بشكل كبير في الجامعات الأردنية خلال الأعوام الثلاثة الأخيرة، وقد بيّن البحث أن الطلبة الخليجيون ومنهم العمانيون، لا يساهمون فقط برسوم الجامعات بل يتعدى ذلك إلى السكن والمأكل والمشرب وقضاء الاجازات ودعوة الأهل إلى الأردن وخلافه، وحين ضمن الخوالدة لوزير التعليم العالي بإعادة الطلبة العُمانيون إلى الأردن، وافق على منحه خطابا تشجيعيا لجميع الجامعات والمعاهد الأردنية الحكومية والخاصة للمشاركة، فشارك مع الخوالدة أكثر من 40 مؤسسة أكاديمية أردنية من جامعات  ومعاهد وكليات وما يزيد عن 150 أكاديمي ومشرف في معرض نوعي أكاديمي، ونجح المعرض نجاحا كبيرا، وكذلك تصميم وتنظيم معرض المستشفيات الأردنية في صنعاء 2003، ومعرض البيئة الأردني الأول في عمان 2003، الذي اجتمعت فيه نخبة علماء البيئة والشركات المتخصصة في المجال، وحقق نجاحا مبهرا.

سألتُ الخوالدة: في مهرجان الأغنية الأردنية عام 1993 تقول أنه كان الأول، وكذلك في عدد من الفعاليات، تذكر دائما أنه الأول، التوائم والكرك والجامعات والمستشفيات والبيئة وقد بحثت فوجدت مهرجان أغنية أردنية أول في بداية الألفية، فلماذا التكرار، لماذا لا يتم البناء على ما تم إنجازه فعلا، ولماذا نحن الأردنيون حين نقوم بعمل شيء نذكر أنه الأول؟

فأجاب الخوالدة: في الحقيقة أنا نفسي لم أفهم لماذا حين قرروا إقامة مهرجان آخر للأغنية الأردنية في العام 2001 لماذا تم تسميته "مهرجان الأغنية الأردنية الأول" وقد سألت فعلا فقيل لي أن منظمي المهرجان لا يعلمون شيئا عن المهرجان الأول الذي أقيم في العام 1993،  وأنه لا مجال للتصحيح حيث حصلوا على موافقة الرعاية الملكية بذات الاسم، بالنسبة للشق الثاني من السؤال،  فإن الفعاليات التي قمت بتصميمها وابتكارها وتنفيذها كانت الأولى فعلا، كنت أتمنى أن يأتي من يكمل المشوار بعدي، كما حدث في معرض الجامعات الأردنية في مسقط الذي استمر بعدي سنوات طويلة، واعتقد أن الشق الثالث من السؤال بأن الأردني يحب أن يذكر كلمة الأول على كل عمل يقوم به غير منصف، فإذا كان الأول فهو الأول، ولا أدري إن كان هناك جوانب في سؤالك تتضمن جزء من الواقع.

في العام 2002، كان الخوالدة سينشر روايته الأولى بعنوان "الجنوبيون" والتي عمل عليها لمدة عامين، وكانت تحكي قصة قرية معزولة في أقصى جنوب الأرض، حيث لا عين رأت ولا أذن سمعت، يعيش فيها قوم لم يسمعوا بالحضارة، ولم يدروا بها، لم يعرفوا الأديان شيئا ولا عن الله، يقتاتون من الزراعة والرعي، يتولى حكمها شخص ظالم مستبد، وتتحكم زوجته في القرية ونسائها وخيراتها، ويعيث أعوانه فيها الفساد والخراب، يخوفون الناس ويرعبونهم، ويقولون لهم أنه ليس هناك ثمة شيء وراء تلك التلال الجرداء والصحارى المقفرة، وأن الذين تجرأوا وغادروا القرية ماتوا في الطريق ولم يعودوا قط، وحين برز لهم من يقاومهم، هيثم السرجي، المختص بصناعة سروج الخيل، ويحرض الناس عليهم، جرجروه وقتلوه وسجنوا زوجته، واتهموها بممارسة العهر والرذيلة، وأن ابنها الذي أنجبته هو ابن حرام، لكن ابنها عاصي السرجي تمكن من الهرب من بطشهم، وراح يمشي باتجاه الشمال، يمشي ويمشي، ليل نهار، تطارده الحيوانات المفترسة، ويطارده الجوع والألم والتعب أيضا، وبعد سنين، يعود عاصي بسيارة وشاحنات تحمل كل شيء، من المدينة العصرية، ويحمل فرمانا بأنه هو الحاكم المفوض من ملك البلاد، فيقف الناس معه ويدعمونه، ويحاصرون الحاكم الظالم وزوجته وأعوانه ويحبسونهم، ويخرج عاصي أمه من السجن، ويحكم بالعدل والانصاف، ويسمح للناس الخروج إلى المدينة، ولكنه يشهد مقاومة ومنافسة لاحقا، فيحاول الإصلاح قدر المستطاع، لكن أعوان الحاكم الظالم يهربون ويقررون إشعال حريق في القرية كلها، عن بكرة أبيها..

كانت "الجنوبيون" سوداوية وقاسية إلى حد بعيد، وقد قرأها بعض النقاد المقربين من الخوالدة وقالوا له أن هذه الرواية لن تحصل على الإجازة من دائرة المطبوعات والنشر، التي كانت تراقب آنذاك كل حرف يُنشر، فقرر كتابة رواية أخرى بعنوان "رواية ليست للنشر"، بطلها عاصي السرجي أيضا، وتحكي قصة كاتب مبدع، يعيش في حالة فوضى، يكتشفه الراوي ويجد أعماله الأدبية فيعجب بها، ويبدأ بنشرها، ومن بينها ينشر له سيرته الذاتية، التي قال عنها السرجي بأنها مجرد سيرة وهمية وغير حقيقية، وبعد نشرها يتبين أنها سيرته الفعلية وأن كل الأسماء والشخصيات الواردة فيها موجودة فعلا، فتفضح تلك السيرة العصابات والمافيات ورجال الأعمال في "مدينة المنار" الجنوبية، فتمكن الخوالدة من قول ما يريد قوله من خلال تلك الرواية وحصلت على إجازة المطبوعات والنشر في نهاية العام 2003، فأودعها الناشر دار المعتز للنشر والتوزيع، ونشرت لاحقا في 2004.

بعد مهرجان البيئة الذي نظمته (شركة عبر الوطن العربي) التي كان يديرها الخوالدة، تم تكليفه لتنظيم فعالية كبرى لنقل بث حي لنتائج مسابقة "برنامج السوبر ستار"، الذي كانت تقدمه قناة المستقبل اللبنانية، حيث اهتم الشارع الأردني بمشاركة وتقدم فتاة أردنية تدعى "ديانا كرزون" بسبب المنافسة مع الفنانة السورية "رويدا عطية" وفنان لبناني يدعى "ملحم زين" في الموسم الأول، فرفض الخوالدة في البداية، وقال أن ذلك ليس من اختصاصه، فأبلغه الوزير الدكتور نبيل الشريف أن هناك اتهامات  تطال الأردن بدعم "ديانا" في الخفاء، وعليهم إثبات أن الذي يدعم ديانا فعلا هو الشعب الأردني كله، فوافق الخوالدة إرضاء لنبيل الشريف، الذي يحترمه الوسط الصحفي والفني جميعا، لكنه اشترط أن يكون المنسق العام للجنة تضم وزير الاعلام ووزير الداخلية وأمين عمان والديوان الملكي، وقام بتنظيم الاحتفال الرئيسي في منطقة عبدون، والذي حضره ما يزيد عن 50 الف شخص.[1]

لكن، بعد حضور فعالية نظمها التلفزيون الأردني بتوجيه من مديره العام ايمن الصفدي وحضوره، في جبل القلعة في عمان، لتكريم ديانا كرزون، قرر الخوالدة، لأسباب لم تكن مفهومة على الإطلاق، الانسحاب، ليس من تنظيم المعارض أو المهرجانات أو الصحافة، بل من المشهد الأردني كله، تاركا وراءه شبكة علاقات واسعة، في الأوساط السياسية والإعلامية والتجارية، والتي بناها على مدار 15 عشر عاما، وانتقل الخوالدة في 4 أكتوبر 2003 إلى إمارة دبي في دولة الإمارات العربية المتحدة.

 

الانسحاب السادس

من إطلاق القنوات إلى الاستثمار

خلال الشهور الأولى من وجود الخوالدة في دبي بدعوة من صديقه مصطفى سلامة، قام بإعداد وإنتاج برنامج "ملفات اقتصادية" لتلفزيون دبي، وكان قد بدأ مع انطلاق مدينة دبي لإعلام بإعداد دراسات حول اطلاق القنوات الفضائية، وفي نيسان/ابريل 2004 قام بتأسيس واطلاق قناة انفينيتي الفضائية، وفي آب/أغسطس 2004 قام بتأسيس والأشراف على ترخيص وتخطيط قناة الديرة الفضائية، مع مصطفى سلامة، وقدم استشارات لتأسيس عدد من القنوات، وكان الثنائي يودان افتتاح شركة لتأسيس القنوات وإدارتها في مدينة دبي للإعلام باسم "دبي تيليكاست"، وحيث أن الخوالدة كان قد قدم دراسة جدوى لإنشاء أول قناة سياحية عربية، لمجموعة استثمارية سعودية، في نهاية العام 2004 فحصل على الموافقة، فاختار الثنائي الانفصال المهني، سلامة يقود الديرة والخوالدة لقناة السفر العربي، فبدأ بترخيص القناة وجمع فريق العمل وتدريبه وإعداده، وفي الخامس من يناير 2005 اطلق الخوالدة "قناة السفر العربي" وتم وصفه بأنه "رائد صناعة الاعلام السياحي المرئي العربي" باعتبار أن قناة السفر العربي (آرابيان ترافيل تي في) كانت أول قناة سياحة وسفر تلفزيونية عربية، وكانت معظم البرامج من بناة أفكاره مثل برنامج (في آي بي)، الذي التقى فيه الخوالدة (لقاء تلفزيوني) الأمير سلطان بن سلمان بن عبدالعزيز (كان يشغل  منصب رئيس الهيئة العامة للسياحة والتراث الوطني السعودي) والشيخ أحمد بن سعيد آل مكتوم ( كان وما زال يشغل منصب رئيس طيران الإمارات) وعدد كبير من قيادات السياحة والسفر والطيران في الدول العربية، وكذلك فكرة برنامج (مجلة المسافر) الذي قدمته المذيعة وفاء صالح، وبرنامج (ليالي عربية) الذي قدمته المذيعة ذكريات مصطفى وأخرجه عبدالله أبوهنية، و(أخبار السياحة) تقديم طارق الشميري، والمحرر السياحي وغيرها، وكان هذا الأخير، برنامجا ناقدا للسياحة العربية والقائمين عليها، وأثار ضجة كبرى وواجه معارك محتدمة مع وزراء ووزارات السياحة العربية[4]، وجاء الخوالدة عدة تهديدات لوقفه، ولكنه استمر بإعداده وإنتاجه وتقديمه من خلال الصحفي السياحي المتخصص وليد حيدر، رئيس تحرير مجلة المسافر العربي،  وشغل الخوالدة في السنة الأولى منصب المدير التنفيذي لقناة السفر العربي، وخلال السنوات التالية، أصبح المدير العام للقناة من خلال ترقيته في المجموعة الاستثمارية التي تمتلكها "إس جي هولدينغ إنترناشونال"، والتي تولى فيها الخوالدة منصب الرئيس التنفيذي حتى نهاية العام 2009.

مرت السنوات سريعة في دبي، تحول الخوالدة من صحفي إلى رجل أعمال يقود مجموعة استثمارية كبرى، تضم عدد من الشركات، فحصل على موافقة إقامة مشروع الريف الغربي في دبي لاند، وهو مشروع يمتد على مساحة 7 مليون قدم تضم 150 فيلا فاخرة و3 فنادق ومساحة ترفيهية لمراكز تدريب الخيول وما يدعى بـ "الرانش الأمريكي" [5]وكذلك مشروعات أخرى مثل تطوير جزيرة الغلة في أم القيوين وسفاري دبي وبرج قوس دبي، وظلت قناة السفر العربي تحت إدارته، يتابعها في المسائل التنظيمية والإدارية ولكنه لم يكن يتدخل بالمسائل الفنية.

كان يحلو للخوالدة، بعد نشر "رواية ليست للنشر" 2004 وكتاب المذيع التلفزيوني 2005، أن يخصص لنفسه الوقت للكتابة والبحث، فعاد إلى دراسته البحثية " كتاب الله دلالات عقلية" ونشرها على نطاق ضيق جدا في العام 2006، وفي العام 2007 كتب مجموعة حوارات فلسفية بعنوان "الشيخ والأستاذ"، وكان قد بدأ مشروع حياته الثاني بعنوان "موجز تاريخ المعلومات"، وحين تطور بحثه العلمي عن أصل المعلومات، قرر تغيير العنوان إلى "سلسلة فنون المعلومات" قال إن كلمة "موجز تاريخ" كانت مجرد فكرة لمعارضة "ستيفن هوكينج"، لكن تحول البحث واكتشاف عوالم مذهلة في المعلومات وأصلها وتاريخها وتركيبتها وتدفقها، قد دفعه إلى تغيير العنوان، والتركيز على انتاج كتاب قد يغير مسار البشرية لاحقا، بشكل علمي وليس نظري.

سألتُ الخوالدة: هل يمكن ذلك حقا؟ كيف سيغير كتاب واحد مسار البشرية، لقد نُشرت سلسلة فنون المعلومات في العام 2008، ولم تغير شيئا ! فقال: صحيح، والسبب أنني لم أنشر في ذلك الوقت اكتشافي العلمي في السلسلة، نشرت معلومات تاريخية فقط، وقمت بإعادة تعريف كثير من الأشياء، ولكني احتفظت لغاية الآن بالشيء الذي قد يحول عالم التقنيات والكتابة والتحرير إلى روبوت ذكي، يمكنه التفكير والكتابة الإبداعية  وليس مجرد تخزينها. فقلت: أيعقل هذا؟ هل سيصبح الروبوت هو الذي يفكر ويكتب ويبدع؟ مستحيل!! قال: سأقدم لك نسخة من مخطوطة "سلسلة فنون المعلومات" مع تحديثاتها الأخيرة، وأنت تقررين.

صُعقت، فالسلسلة فعلا تبدأ بمسح كل ما لديك من معلومات وتعود لتؤسس وتبني شيئا جديدا في عقل القارئ، هناك نماذج وتمارين كثيرة، تُعلم القارئ أن يعود إلى أصل الكلمة الخام، وكيف يمكن تشكيلها وتحويلها إلى جملة ثم إلى موضوع، وما زلت حتى هذه اللحظة أقرأ في السلسلة، وطلبت من الخوالدة ضرورة نشرها وترجمتها على مستوى عالمي. فقال: سنرى.

 

يا طير يا طاير .."ك"

الفترة من كانون الثاني/يناير 2005  إلى آب/اغسطس 2008 كانت حسب وصف الخوالدة، إجازة للتمرس في عالم الأعمال، سافر خلالها الى عدة بدان منها بريطانيا وفرنسا واليونان وتركيا وقبرص، وعقد لقاءات دولية سواء لشركات استراتيجية وفرص استثمار وتمويل، وكانت معظم رحلاته الى لندن، لإتمام تمويل مشروع الريف الغربي بقيمة 500 مليون دولار من "مجموعة ماسكو الكورية" من خلال البنوك البريطانية، 

وفي تموز 2007 وبينما كان جلال يقود سيارته صباحا باتجاه مكتبه في دبي ويستمع إلى فيروز تغني "يا طير يا طاير على أطراف الدنا" فإذا بهاتفه الجوال يرن، فنظر فإذا هو رقم من الأردن، وحين أجاب سمع صوت "ك" تقول: أين أنت؟ فصدم الخوالدة صدمة عظمى، فقد كان يفكر فيها للتو، فقال: أفكر فيك ! فضحكت، قال والله حقيقة. قالت: منذ عامين وأنا أبحث عنك، ولم أجد لك أثرا في عمان، واضطررت إلى الذهاب أمس إلى منزل والدتك، ولقاء شقيقاتك، وأخذت منهم رقمك، متى سأراك؟ قال: غدا.. سأحجز وأنزل إلى عمان بأسرع ما يمكنني، انتظري اتصالي صباحا.

كل دقيقة مرت بين اتصال "ك“ وبين وصوله إلى عمان، ثم تحديد موعد ومكان للقاء ثم اللقاء، كانت تمرّ كأنها عام على جلال، قام بتأجيل أعماله، واستخدم أول حجز طيران متاح، وصل عمان صباحا، واللهفة تغزو جوارحه كلها، ذهب منزل والدته وقبّل يديها وجبينها، اغتسل وكان قبل الموعد بساعة، رح ينتظر ويعتصر، وصلت "ك" إلى آخر مكان تفارقا فيه، وقفت، تردد في احتضانها، خاف أن تصده، لكنها أقبلت عليه واحتضنته لدقائق، شعر بحنين الماضي كله يتصاعد ويتصادم ويكتسح مشاعره وأحاسيسه، جلسا لساعات، عرف منها أنها قد اختلفت مع زوجها خلال إقامتهما في أمريكا، وأنها قد تطلقت وعادت إلى الأردن منذ عامين، وأن ابنها بقي هناك، للحصول على الإقامة الأمريكية، وأنها عادت تعمل في وزارة التربية والتعليم كمسؤولة ومشرفة، شعر جلال بالأسى الشديد، كان قلبه يخفق بقوة، ولكن مشاعره تاهت بين مسؤوليته الأولى حين تخلى عنها، وبين مشاعره الحالية المتفجرة روعة ورعبا جمالا وخوفا فرحا وحزنا، وبين مسؤوليته الجديدة تجاه حب حياته.

كانت "ك" مقيمة في عمان، وما زال الخوالدة في دبي، وكانا لسبب أو بدون، يبحثان عن أي وسيلة للقاء، وكم دعاها لزيارة مصر التي يحبها ويعشقها، وكانت تود بكل جنون ولكن طبيعة عملها وظروفها العائلية كانت تمنع ذلك، واستجابت أخيرا حين تمكنت من إيجاد عذر لنفسها، التقيا في مطار القاهرة في فبراير 2008، وبقيا سويا لمدة خمسة أيام هناك، وكتب لها قصيدة "أوركسترا مصر"، التي يقول في مطلعها: (أيهزمني اشتياقك مرتين.. مهلا ما زلت أجثو عند ذكرانا معا.. والنيل يمشينا معا ويجرنا فرسين..، ما زلت أقبع في انتصارك والهوى، رثّ اليدين، تستمتعين وترفضين، تتقدمين... تتراجعين، خطوة أو قبلتين...وفي آب /أغسطس 2007 وخلال إحدى رحلاته إلى مدينة الضباب، قام بترتيب لقاء تاريخي مع حبيبته وعشقه "ك"، كانت عشرة أيام في لندن تساوي العمر، بالنسبة له، وكتب لها هناك قصيدة (حلوى الدنيا) التي يقول في مطلعها: (حلوى الدنيا أن تحيا أياما باردة في الصيف.. تجلس حيث تُطل على بغ بن، أن تؤمن، أن تتمثل روح الله، يهب للندن هذا السحر، فتدرك أن مسيح العالم، كان نبيا وليس الأبن، أن تمشي قرب بحيرة هايد، تتنقل حول التايمز، تتلحف عشقا أبديا، أغرته طفولتك المُثلى، مهما تتقدم في السن، لون الشجر فأخضر أخضر، لون البحر فأزرق أزرق، لون الحب كطعم الحب، يرأف يهمس ثم يحن...).

 كانت تلك اللقاءات، في الإمارات والأردن ومصر ولندن أو غيرها، هي الروح الدافئة والنور الساطع الذي يهب الخوالدة الدافع للاستمرار،  وكانت "ك" تلمح كثيرا أنه لابد من الزواج الشرعي والقانوني المعلن للجميع لأنها تريد أن تنجب منه طفلا واحدا، لكنه كان يقول أنه لا يريد أطفالا ولا يفكر بالإنجاب مرة أخرى، وحين ولدت ابنته الصغرى فجر، في العام 2008، أصيبت "ك" بصدمة عظيمة، اضطر الخوالدة على إثرها أن يسافر إلى عمان، ويحاول أن يشرح ويبرر لها ما حدث.

لم تقتنع "ك" بجميع حجج الخوالدة ومبرراته، كانت واهية وغير منطقية، كان يقول لها أن رابط الحب أهم من رابط الزواج، الزواج يقتل الحب، والأولاد يحولونه إلى لعنة، وكل تجارب البشرية تثبت ذلك، وأنه لا يريد أن يخسرها، وكانت تحرك رأسها يمينا وشمالا وهو يحكي ويشرح ويبرر، ثم نزلت دموعها، تذكرت يوم نزلت من "الكوشة"، احتارت بين حجم ومدى حبها له واصراره على عدم الارتباط بها، ولم تفهم لماذا يحبها ويعشقها إلى تلك الدرجة، ولكنه لا يقدر على الارتباط بها، فقررت الابتعاد.

عاد الخوالدة الى دبي مطأطأ الرأس مخذولا، ولكنه بقي يحاول الاتصال مع "ك" على مدار شهرين، قال لها أن النافذة التي يقفان عندها، تطل على بستان من الورد والزهور، وأن الزواج سيجعلها تتحول إلى جحيم، وسيموت كل شيء، لكن "ك" كانت محرومة من ولدها الوحيد، المقيم في الولايات المتحدة، وكانت تريد أن تُنجب طفلا آخر، على قدر تمزق قلبها من الحرمان، ولم تكن تريد أيضا أن تخسر جلال، فصبرت وعادت على أمل أن يتغير شيء في المستقبل القريب.

 

البيت العتيق

في العام 2009 نشر الخوالدة دراسة بحثية بعنوان "ثنائيات وثلاثيات الكهف"، ويبدو أنها جاءت بعد رحلة الحج التي قام بها الخوالدة في نهاية العام 2008، والتي قال عنها أنها لم تكن متوقعة، حيث كان المشروع أن يحصل لشقيقيه طلال وهائل على فيزا وتأشيرة للحج من دبي، ولكن كان عليه أن يكون ضمن المتقدمين للحصول على الموافقة للجميع، وفعلا حصلوا على الموافقة، وغادر شقيقاه إلى بيت الله الحرام، ولم يكن لديه أدنى فكرة لمرافقتهم، وحيث أغلقت بوابات السفر إلى مكة، قبيل يوم عرفة بيومين، فقد تلاشى أي احتمال لسفره إلى هناك، فاتصل صديقه الذي كان يعمل مستشارا في الديوان الملكي السعودي، ويشغل منصبا رفيعا في الحرس الوطني، وهو السيد علي العواجي، الي سهّل للخوالدة وأشقاءه الحصول على التأشيرة المفتوحة بدون شروط، وسأله لماذا لم تأتي للحج؟ فقال بأنه الطيران مغلق، فأمر المستشار بأن يصعد إلى طائرة ستغادر في ذات اليوم الذي يصادف الجمعة 5 ديسمبر 2008 من مطار دبي الساعة 12 ظهرا، وهي ليست طائرة خاصة لكنها طائرة ستحمل بعض الشخصيات التي لم تتمكن من السفر قبل هذا التاريخ، وأنه سيجد تذكرته لدى بوابة المغادرين، وشدد على الخوالدة بضرورة الحضور،  فكر الخوالدة للحظات، كان قد توصل إلى نتائج كثيرة ومرضية له بشأن الخالق والأديان لكنه كان يخشى من الطقوس غير العقلانية، كان بإمكانه تقبل الطواف بالبيت العتيق والسعي بين الصفا والمروة والوقوف بمنى في يوم التروية، ويحب أن يقف بجبل عرفات كما كان يحكي والده دائما عن عظمة الوقوف هناك، وأن لكنه لم يكن قادرا على تنفيذ فكرة رمي الجمرات على ابليس، كان يقول لنفسه ان فكرة رمي الجمرات على الشيطان الذي لا يراه هي مجرد طقوس، فقرر عدم السفر، وقام بفتح التلفاز أمامه فإذا بعالم يشرح قوله تعالى (وَمَن يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِن تَقْوَى الْقُلُوبِ) -سورة الحج- الآية 32، ويشرح في تلك اللحظة بالذات عن فلسفة رمي الجمرات، فأصيب بالرعشة والصدمة، كيف يمكن أن يسأل عن شيء محدد ويأتيه الجواب فورا؟ فذهب وكأنه مسيّر وحمل حقيبة صغيرة جدا ليس فيها سوى رداء أبيض، وتوجه نحو المطار، وفي الطريق تذكر أنه لم يأخذ محفظته، وأنه لا يملك في تلك الحظة فلسا واحدا، وكان قد بلغ بوابة المطار، فتم إدخاله ووجد نفسه على الطائرة المغادرة إلى جدة.

حين وصل مطار جدة، رأى الناس تقف في صف طويل للدخول، سأل فقيل له لابد من دفع مبلغ 1400 ريال عند الدخول، فكر كيف يمكنه العودة على ذات الطائرة، ولكن جاء شرطي من بعيد وراح يختار أشخاص من بين ما يزيد عن 10 الآف شخص يقفون في تلك القاعة للدخول، فاختار الخوالدة وكان قد اختار أربعة قبله، ظن الخوالدة أن شكله لم يعجب الشرطي وأنهم سيطلبون منه المغادرة، ولكنه قال أن يسيروا خلفه، فأخذوا منه جواز السفر، وتم ختمه، فسأل الخوالدة عمّا يحدث، فقال له الشرطي بأنهم يقومون يوميا باختيار 5 اشخاص للدخول المجاني، بمكرمة من الملك، فصدم مرة أخرى، كان يراقب ما يفعله القدر بدقة متناهية، فابتسم، قال لنفسه وماذا سيفعل القدر لينقلني من جدة إلى مكة ثم من مكة إلى البيت الحرام؟

خرج الخوالدة من المطار فنادى عليه شخص سعودي، قال: هل تقرأ؟ قال الخوالدة نعم: قال : خذ هذا الكتيب وأنت مسؤول عن ارشاد هذا الباص المتوجه إلى مكة، ستقرأ لهم الأدعية وتشرح لهم مناسك الحج، فابتسم الخوالدة مرة أخرى، كان يشعر أن الملائكة تحمله، ففاضت عيناه بالدموع، فتولى المهمة، وحين وصل مكة قال له قائد الحافلة أنه يمكنه بعد نزول كل الركاب أن يوصله إلى أقرب مكان من الحرم، ففرح كثيرا، وعندما دخل الحرم اتصل مع شقيقه طلال يسأل عن مكانه، فأشار أنهم يفترشون ساحة الحرم الخارجية، وراح يصف له مكانه، حتى وصل، فوجد شقيقيه ومعهما رفقة من أصحابهم في الأردن، فقال له طلال: قل "لبيك حجة وعمرة" واذهب وقم بطواف القدوم واسعى بين الصفا والمروة، وعد هنا.

كان الخوالدة قد زار البيت العتيق عام 1982 مع والده وعائلته كلها، لم يتذكر أشياء كثيرة عن تلك الرحلة، أما اليوم، فالمسألة أصبحت مختلفة كليا، فهو يدخل مع إرث كبير من الفلسفة والعلوم والفيزياء وتاريخ طويل من البحث العميق، ومع أنه كان متيقنا من أن هذا البناء هو من حجر، إلا أنه شعر برهبة شديدة جدا تغزو مشاعره وتتصاعد في عروقه، وبدأ الطواف فإذا به يرى إبراهيم وإسماعيل عليهما السلام، يتمثلان في خياله ويرفعان قوائم هذا البيت، كان يحب إبراهيم كثيرا، كان يعتبره أول مفكر تمرد على واقع الجاهلية وعبادة الاصنام، وعبادة الأوثان والأشخاص، فتخيل ملايين الملايين من الناس قبله الذين جاءوا للطواف حول البيت، وأنهم جميعا كانوا موحدين لله الواحد الأحد، فاستشعر قدسيته من هذا المنظور، وراح يطوف وكأنه يحلق حول الكون كله، وشعر بأنه قريب جدا، جدا، لدرجة لم تخطر بباله من قبل، فنظر إلى البيت العتيق، وإلى الناس يطوفون حوله ونظر إلى السماء، فإذا بها تمطر مطرا خفيفا رقيقا عذبا،  شذرات من نور، فتنفس نفسا عميقا وشعر بالتغيير، أحس بنفسه وكأن الملائكة تغسله وتطهره وتهيئه ليصبح شخص آخر، غير الذي كان بالأمس، وبعد أن أنهى طواف القدوم، ذهب ليسعى، فتمثلت له هاجر أم إسماعيل عليهما السلام وهي تمشي وتهرول بين الجبلين تبحث لوليدها ولنفسها عن الماء، فشعر براحة تامة، وخرج إلى أشقاءه، تناول بعض الطعام ونام في مفترشا الأرض وملتحفا السماء.

في الصباح المبكر، وبعد صلاة الفجر في الحرم، قال طلال أنه يجب المبيت في منى للذهاب إلى جبل عرفات غدا صباحا في التاسع من شهر ذي الحجة، وأنه يجب التحرك مبكرا لإيجاد مكان للسكن يكون قريبا، حيث أنهم غير منتظمين في حملة حج تؤمن السكن لهم، فاتصل جلال مع شقيق رئيس مجلس إدارة إس جي، ليسأله ما العمل، وتفاجأ أن خالد يعمل مسؤولا عن الحراسات في الحج، فجاء إليهم بسيارة عسكرية، وأخذهم إلى منى، ووفر لهم سكنا خاصا بالعلماء ضيوف الحج، وكانت ضيافة مميزة مع تلك النخبة من العلماء الأفاضل، وفي فجر يوم عرفات خرج جلال وطلال وشقيقهم هائل مع جموع ضيوف الرحمن مشيا على الأقدام نحو جبل عرفات وهم يكبرون "لبيك اللهم لبيك، لبيك لا شريك لك لبيك، إن الحمد، والنعمة، لك والملك، لا شريك لك"، وكان جلال، كغيره من المسلمين، يحن إلى جبل عرفات ويشتاق إليه، فمنذ طفولته المبكرة، كان يستمع إلى والده وهو يقص كل عام حكاية أغرب من الأخرى، عن الجبل الذي تُغسل فيه الذنوب، ويعود المرء كيوم ولدته أمه، وحين وصلوا سألوا عن مخيم الأردنيين، وتفاجأوا بوجود شقيقهم الرابع بلال، المبتعث من الدفاع المدني الأردني، في جبل عرفات، وكأن الله تعالى أراد لقائهم في ذلك المكان المقدس، فالتقطوا صورة تذكارية لهم جميعا وهم يرتدون ملابس الإحرام، وقال عن ذلك اليوم :" الوقوف بعرفات، كما تلمست بنفسي، هو أعظم نظام (فورمات) لروح الإنسان وتصحيح لماهيته.. وفعلا تنزل عن عرفة كما ولدتك أمك."

بقي في عرفات طوال اليوم يقرأ القرآن، يدعو ويصلي، فهو لا يعلم متى سيعود إلى هناك مرة أخرى، شأنه شأن باقي الحجيج الذين منّ الله عليهم بالوقوف على صعيد عرفات، الذين تنوعت جنسياتهم، واختلفت لغاتهم وألسنتهم؛ غير أن قلوبهم توحدت مجتمعة على هدف واحد هو توحيد الله وابتغاء مرضاته وعفوه ومغفرته، فانتظروا غروب الشمس وتساقط المطار التي يمكن بها الرحمن على عباده في ذلك اليوم المبارك ونفروا إلى مزدلفة فصلّوا المغرب والعشاء جمع تأخير في مزدلفة بسنة النبي المصطفى (صلى الله عليه وسلم)، وراح يلتقط بعدها الحجار الصغيرة (الجمار)، وبات في مزدلفة، وبعد صلاة الفجر اليوم التالي، أي اول أيام عيد الأضحى المبارك لعام 1829 هجري، اتصل مع "الشيخ أبو عبدالرحمن" وهو صديق له كان يزوره في دبي بشكل دوري، ليبارك له بالعيد، فوجده في الحج، وكان من هيئة علماء المسلمين لمنطقة حائل، فاستضافهم جميعا في سكن خاص مع مجموعة من طلبة العلم في ضيافة خادم الحرمين الشريفين، وفرح بوجود الخوالدة كثيرا، لأسباب لم يذكرها جلال وأحب أن يحتفظ بها، وبعد أن رافق الشيخ أبي عبدالرحمن لرمي "جمرة العقبة" في يوم عيد الأضحى المبارك، دعاه إلى عدد من اللقاءات المهمة منها لقاء مع وزير وزير الشؤون الاسلامية والاوقاف والدعوة والإرشاد "الشيخ صالح بن عبدالعزيز آل الشيخ" وإلى زيارة عدد كبير من هيئة علماء المسلمين، وظل الخوالدة برفقة الشيخ أبي عبدالرحمن في أيام التشريق، وحين ذهبا مبكرين لرمي الجمرة الأولى، تحدث اليه الخوالدة عن هواجسه بخصوص رمي الجمرات، وقبل أن يجيب، جاءت سيدة مصرية إلى الشيخ تسأله بجدية: "يا شيخ، هو ابليس ده، ما نقدرش نقتله بدل ما نرجمه بس؟ فضحك الشيخ والتفت إلى الخوالدة وهو يجيبها: "يا حجة رمي الجمرات حاجة مش فيزيائية، حاجة نفسية منك بتعبر عن رفضك لهذا الملعون، يعني تقدري تقولي علاج نفسي ليكي إنتي، وكمان عهد منك إنه ده عدوك، ومش حتمشي وراه تاني.. فهمتيني؟" فلوت السيدة نفسها وغادرت، وكان الحديث موجها لجلال، فقال: "فهمت"، فرميا الجمرة الأولى بهذا الحس، بسبع حصيات متعاقبات وهي أبعد الجمرات عن مكة، وكان الشيخ يكبّر عند رمي كل حصاة، وجلال يكبّر أيضا، ثم رمى الجمرة الثانية كالأولى، وكان الشيخ يستقبل القبلة، ويرفع يديه فيدعو كثيرا فيفعل جلال مثل ذلك، وفي ثالث أعمال أيام التشريق أحب جلال أن يتعجل من مشعر «منى»، ويخرج منها قبل غروب الشمس، فاستأذن الشيخ أبي عبدالرحمن وأشقاءه، وعاد إلى مكة وطاف طواف الوداع وعاد إلى دبي، كيوم ولدته أمه.

 

 

الانسحاب السابع

المخابرات

بعد الأزمة المالية العالمية نهاية العام 2008، كان العالم كله في فوضى، لكن دبي تماسكت ووقفت على قدميها، كان الخوالدة ومازال معجبا بسمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، نائب رئيس دولة الإمارات، رئيس مجلس الوزراء، حاكم دبي، اعجابا منقطع النظير، قابله في معرض سيتي سكيب 2008 وشرح له مشروع مدينة الريف الغربي، وأعجب الشيخ بالمشروع، وقدم توجيهات للخوالدة حوله، فكان الخوالدة يتابع كل قرار يتخذه الشيخ منذ الأزمة، ويقوم بدراسته وتحليله، فبقي الخوالدة واقفا على قدميه، لم يهرب ولم يتراجع، دُعي لافتتاح مترو دبي في 9-9-2009، وحين كان العالم كله يحتضر، اطلقت دبي مشروعها العملاق، فتعلم درس الصمود، واضطرت مجموعة "إس جي" إلى إغلاق مكاتبها، حسب رأي مجلس الإدارة، فقرر الخوالدة، أن يفكر خارج الصندوق، وكان لابد من التحرك بصورة مختلفة، تتماشى مع الواقع، وخبراته الطويلة.

عاد الخوالدة للكتابة الصحفية السياسية في بداية العام 2010، يكتب لجريدة الغد الأردنية مقالا سياسيا أسبوعيا، ولصحيفة الخليج الإماراتية ويكتب مقالات للمواقع الإخبارية الصحفية المتعددة وعلى رأسها موقع زاد الأردن، أول موقع صحفي أردني على الإنترنت، وكذلك لصحيفة "آخر خبر" الإلكترونية و"خبرني" و "المدينة نيوز" وغيرها من المواقع الصحفية الأردنية والعربية، وفي ذات العام أسس "مجموعة الإعلاميون العرب" ومركز "فجر الشرق للبحوث والدراسات الإستراتيجية" واتفق مع أكثر من 6000 موقع صحفي عربي على تأسيس "هيئة الصحافة الإلكترونية العربية" التي استمرت لمدة عامين فقط، بسبب انشقاق مجموعة أسست اتحادا لكتاب الإنترنت.

خلال الاجتماع الأول لـ "هيئة الصحافة الإلكترونية العربية" تم طرح مشكلة  تدخلات دائرة المخابرات الأردنية في الصحافة، وكيف أن الدائرة أصبحت تتصل مع رؤساء التحرير والمحررين كل ساعة لطلب شطب مقال أو تعديله وأن ذلك أصبح زائدا عن الحد، فقال الخوالدة بأنه سيطرح هذا الموضوع بطريقة أو بأخرى، فكتب مقالا بعنوان "على مكتب عطوفة الرقاد" وتحدث فيه عن الفرق بين المخابرات الأردنية في التسعينيات، وكيف أنها لم تكن تتصل بصحفي واحد أو توجهه أو تعتقله ومع ذلك كانوا يحسبون لها ألف حساب، من باب المسؤولية، وكيف تحولت المخابرات إلى دائرة علاقات عامة ما قلل من مكانتها ودورها في حماية الوطن من الأخطار الكبرى وتحولت إلى ملاحقة الصحفيين، فطلب منه صديقه وزميله في هيئة الصحافة، الإعلامي "محمد العضايلة"، عدم نشر المقال وأنه بإمكانه أن يضع المقال أمام محمد الرقاد (مدير المخابرات) حيث تعمل زوجته هناك، فوافق الخوالدة بشرط أن يتم اتخذا اجراء، وفي اليوم التالي اتصل العضايلة وقال، كتب المدير على المقال "عُلم"، فلم يعجب الخوالدة، وقال: هذا ليس هدفي، أريد إجراء وقرار يمنع اتصال المخابرات مع الصحافة، فقال العضايلة اعطيني يومين، وبعد يومين، اتصل العضايلة وقال أن مدير المخابرات قد قرر عزل مدير الاعلام في الدائرة وأنه اصدر قرارا بعدم الاتصال مع الصحافة على الاطلاق، وقد عاد وروى تلك القصة مرة أخرى كما حدثت (بدون أسماء) بمقاله بتاريخ 11-12-2011 بعنوان "بين شبيلات والمخابرات"[6] ،  ومما قال فيه ((سؤال الشاب، ذكرني بحادثة وقعت العام الماضي، ولم أكتب عنها في حينها، خشية القول أنني أجامل أو يُقال أنني أتغزل بمدير المخابرات السابق، الفريق أول محمد الرقاد، وهو في منصبه في السلطة، فقد جاءتني، في شهر ابريل 2010، شكاوي عديدة على تدخل مسؤول إعلامي في المخابرات على مواقع صحفية، باعتباري ممثلا لهيئة الصحافة الإلكترونية العربية، وقالوا أن يصل إلى مستوى الطلب بشطب مواد صحفية أو منع أسماء من الكتابة... الخ، فقمت بعمل بحث سريع، وتأكدت من بعض المعلومات، ثم كتبت مقالا طالبت فيه برفع الحماية عن الحكومة آنذاك، وأن تعود الدائرة إلى عملها ومواقعها في حماية الوطن وليس حماية الحكومات، وكان المقال يحمل عنوان "على مكتب عطوفة الرقاد"، وشاءت الأقدار، وبطريقة أو بأخرى، أن لا يُنشر ذلك المقال، بل تدخل صديق حميم، وطلب عرض المقال أمام عطوفة الرقاد شخصيا، ثم قال لي بعد ذلك بمدة وجيزة، أن موضوع المقال والرسالة التي يحملها قد وصلت، وأنه لا داعي لنشره، وفعلا وبعد أيام، تم نقل ذلك المسؤول، وأصبح الباب مفتوحا ومتاحا لنقد أخطاء حكومة الرفاعي، بدون أية تدخلات تذكر، وحسب متابعتي الخاصة والشخصية وحسب التجربة العملية.))

لم أطلب من الخوالدة تأكيد تلك القصة، فقد التقيت المرحومة "فاتن عبدالدايم القرامسة" شخصيا، وكانت من اعز صديقاتي في بيتها في عمان، بحضور زوجها الإعلامي محمد العضايلة، الذي تربطني به علاقة طيبة أيضا وذكرت تلك القصة حرفيا كما هي، بل زادت عليها أن "ام الأصيل"، رحمها الله، حصلت على ترقية من خلال تطويرها لقسم الإعلام في الدائرة، وقالت لي أيضا: كان الخوالدة.. كلما يكتب مقالا هجوميا، نتباحث حول استجوابه، أو حتى طلب اعتقاله، لكن قيادات الدائرة كانوا يقولون، الخوالدة خط أحمر، فسألت هل لأنه كان يتعاون مع الدائرة أحيانا، قالت رحمها الله: "أبدا، لأن الخوالدة يهاجم بشراسة رؤساء الحكومات لشخصيتهم الاعتبارية لكنه لا يترك على نفسه أثرا في التهجم الشخصي، كذلك فلم يسبق على الإطلاق أن هاجم الخوالدة جلالة الملك بل كان دائما يبرز للملك مكانته كرمز لوحدة الشعب الأردني، وأضافت فاتن: فالخط الأحمر أصبح يعني لماذا نحوّل جلال من معارض معتدل إلى معارض متطرف؟!؟" وقد أكد السيد محمد العضايلة القصة كما وردت أيضا، وتحدثا عن مقال آخر كتبه الخوالدة، أثار ضجة كبرى، سبق مقال الرقاد، بعنوان" هل مهمة الاستخبارات حماية الحكومات أم الوطن؟"[7]، ونشر في عدد كبير من المواقع الصحفية، فبحثت عنه وأنقله لكم كما ورد، باعتبار أنه يعدّ قصة قصيرة أدبية أيضا، في الملحق رقم 5، من هذا الكتاب.

 

الخوالدة للرفاعي: ارحل

 قبل ظهور ما يسمى بالربيع العربي بشهرين، وخلال العام 2010 كان الخوالدة قد فاض به تأجيل وتسويف حكومة سمير الرفاعي بتعديل قانون الانتخاب الأردني، قانون الصوت الواحد، فحاول بشكل  ودي في البداية يشرح في مقالاته أهمية تعديل القانون، ولكن الرفاعي لم يستجب، وفي تشرين الأول 2010 كان الخوالدة أول من كتب "ارحل" في الوطن العربي[2]، قال في مقدمته:((ارحل، أرجوك أن ترحل، يكفيك فخرا أنك أنجزت الانتخابات على أنقاض دولة المؤسسات وعلى انقاض الأحزاب التي شرذمتها وفرقتها وعلى جثة الحريات الصحفية التي قيدتها وحجبتها، وعلى حساب موضوعي الفقر والبطالة التي أهلكت الناس والحرث، عدا عن التسويف والمماطلة في ملفات الوساطات والمحسوبيات والفساد، وتكريس غلاء المعيشة الذي ساهمت في زيادته عن طريق "ضرائب" لم نفهم لها سببا حتى الآن غير عجز حكومتك عن إيجاد بدائل لها!)).

بقي الخوالدة يوجه مقالات لاذعة وناقدة لحكومة سمير الرفاعي طيلة شهري تشرين الأول والثاني وكانون الأول 2010، وجاء الخوالدة عدة اتصالات تطلب منه التوقف فلم يستجب، راح يخاطب القوى السياسية والشارع الأردني بكل أطيافه أن يتحركوا، بمقالات سياسية شديدة اللهجة، لمواجهة فشل حكومة سمير الرفاعي،  في معظم المواقع الصحفية الإخبارية وعلى رأسها موقغ زاد الأردن، أول تجمع صحفي إلكتروني على الإنترنت، مثل مقال: "هل الحكومة تستجيب؟"[8]، ملحق 6، وكذلك عبر صحيفة الغد اليومية الأردنية، بخطاب سياسي أقل حدة، مثل مقال: على هامان يا فرعون؟"[9]، ملحق 6-أ، وانخرط الخوالدة في ثورات الربيع العربي قبيل انطلاقها، فكان من أكثر المؤثرين على حساب التواصل الاجتماعي تويتر، وكتب عشرات التغريدات الداعمة المؤيدة للثورات العربية في تونس ومصر على وجه التحديد، وكان أيضا من أكثر الكتاب الصحفيين العرب نشرا حول ضرورات الإصلاح، ونال الخوالدة جائزة أكثر الكتاب المؤثرين في الأردن عن العام 2010، والتي تم منحها بناء على استفتاء لوكالة زاد الأردن شارك فيه 357 الف مشارك، ورعى احتفالها رئيس الحكومة الجديد معروف البخيت، في قصر الثقافة بمدينة الحسين للشباب[3].

ملاحظة هامة للطباعة : تصحيح كافة أرقام الملاحق من هنا

قلتُ الخوالدة: قد يسأل البعض، لماذا هذه الحرب الشرسة على سمير الرفاعي آنذاك، هل هناك شيء خاص بينكم؟ ما الذي حدث فعلا؟ فأجاب: أبدا، لم أقابل سمير الرفاعي في حياتي، وكنت ضمن المجموعة التي حاولت في البداية دعم حكومته الأولى، باعتباره شاب مثقف ومتعلم وقد كنت أحوال دائما أن أقول للزملاء بشكل خاص أن يبتعدوا عن توصيفه بأنه وريث أيضا، لمقعد رئاسة الوزراء، ولكن هناك مسألتين اعترضت توجهي، الأولى قانون الانتخاب الذي ماطل لتعديله كثيرا ثم لم يعدله أبدا، وكذلك حربه على الصحافة الإلكترونية الأردنية غير المبررة، ففي آب/أغسطس 2010 شنت حكومته حربا أخرى على الصحافة الإلكترونية الأردنية، وكنت وقتها قد بدأت بإنشاء "هيئة الصحافة الإلكترونية العربية"، فأصدر الرفاعي وخلال غياب البرلمان ما يسمى بـ "قانون جرائم أنظمة المعلومات" وكان الهدف السري هو خنق الصحافة الإلكترونية الأردنية، وبتاريخ 5-8-2010 ظهر وزيرا الإعلام والاتصالات "علي العايد" و"مروان جمعة" في مؤتمر صحفي لشرح القانون أو تبريره، ويروي الزميل المخضرم جورج حواتمة، في موقع رصين، مجريات ما حدث بالتفصل بعد ذلك، بعنوان" بين المواقع الالكترونية والحكومات مساحة مفخخة بالثقة الغائبة وهواجس البطش"[10]، خاصة عندما تدخل موسى برهومة،  فقال حواتمة:

(((.. بتاريخ 7-3-2010 كتب الزميل موسى برهومة رئيس تحرير جريدة "الغد" آنذاك، في زاوية "تحت المجهر"، مقالا أقام الدنيا ولم يقعدها حول من أسماهم "دخلاء على الصحافة الإلكترونية شوهوا صورة الوطن، وأساءوا لرموزه": ..خلف هؤلاء تقف ماكينة مالية تدفع لمن يزداد حقدا، ولمن يبالغ في نشر الإشاعات، ولمن يتقن تزوير الحقائق وقلب الأبيض أسودَ، ولمن يتقمّص الروح الانتقامية ويتقن تصفية الحسابات. وثمة مسؤولون سابقون ورجال أعمال نعرفهم جيدا يديرون شبكة هذه المواقع بالمال والرشى وشراء الذمم، ويغذونها بالأكاذيب من أجل زعزعة البنيان العام للوطن، وتشويه إنجازاته، وخلق لوبيات للتشويش على الحكومة ورئيسها، الذي اتخذ خطوات شجاعة لمصلحة مكافحة الفساد، والبدء في عملية إصلاح شاملة تضع الأردن على سكة التحديث والتغيير."

 تفاعلت الأحداث بسرعة إثر هذا السجال، فظهرت ردود بعض المواقع الصحفية الالكترونية التي لم يرق لها مقال الزميل برهومة. ناشرو المواقع عقدوا اجتماعا عاجلا  أصدروا على أثره بيانا هددوا فيه باستدعائه  للقضاء، فردّ عليهم متحديا أن يظهر شخص واحد منهم او أن يتقدم للقضاء بفتح بلاغ او قضية وقال فيه: "اليوم 9-3-2010 اكشفوا أوراقكم أيها المدلسون، فأنتم المرتجفون الخائفون الذين تختبئون كالفئران في جحور العتمة، أما نحن (في "الغد") فإننا نعمل في وضح النهار وتحت عين الشمس، ونخوض معركة الوطن والكرامة والدفاع عن الصحافيين الشرفاء الذين صاروا يخجلون بسبب أفعالكم المنكرة والشائنة من أن يعرّفوا على أنفسهم بأنهم صحافيون." 

الزميل جلال الخوالدة وفي موقع "جراسا نيوز"  نقلا  عن "المفكرة الصحفية" كتب يقول:

ما يحدث اليوم، وما أظنه سيحدث غدا، أغرب من  أن يصدقه العقل... والواجب يحتم علينا جميعا – وفورا- وقف هذه الحرب احتراما لكل من عمل ويعمل في الصحافة العربية. كمراقب وصحفي-- بدأ عمله منذ نهايات ثمانينات القرن الماضي--  فإنني أرى أن الزميل برهومة قد تم استدراجه إلى هذه المصيدة الكبيرة التي تنبه لها المحترفون من رجالات الإعلام في العالم، فتجنبوا الصدام الإعلامي بين أبناء السلطة الرابعة في البلد الواحد. ومع أن الإغراء شديد أحيانا، إلا أن الكارثة التي لا نأمل أن تحل عليه في مناطق هامة من مستقبله المهني فتسجل فيه، أنه تحدث باسم صحيفة يومية، وأنه عمم خطابه فلم يستثن أحدا، ثم أنه قدم اتهامات خطيرة لا يجرؤ صحفي على تقديمها بدون وثائق، ثم أنه لم يسم أحدا باسمه، لماذا يا برهومة لم تفكر طويلا قبل أن  تضحي بنفسك لتكون "كبش فداء هذا العيد" الذي يجوب الدنيا بأجمعها؟ فعندما ظهرت القنوات التلفزيونية صعقنا، وشعرنا نحن كتاب الصحف المطبوعة أن نهايتنا قد أوشكت، ثم تماسكنا لعلمنا الأكيد بأنها حقيقة ستفرض نفسها، ثم أصبحنا جزءا منها وأصبحت ركنا أساسيا فينا. وكذلك بالنسبة للصحافة الالكترونية، ولا اعتقد انك القيّم على الصحافة لتشكمها وتضبطها وتسبها وتتهمها... ماذا جرى لك؟ وبالنسبة للزملاء في المواقع الصحفية الالكترونية نفسها: لا تتعجلوا، ولا تصدروا الأحكام بشكل عشوائي، قد يكون برهومة يقصد مواقع محددة، فيها تجاوزات حقيقية، لا تنتمي إلى الجسم الصحفي، فليس كل صحيفة الكترونية متهمة. قد يخطئ برهومة فيعمم لكنه قد يقصد التخصيص، فلا تنهالوا عليه وكأن الصحافة الالكترونية الأردنية جميعها متهمة.)))

وقد نقلت ما قاله الزميل جورج حواتمة لاحقا، لأنه كان شاهدا على هذا التاريخ، ويعلم أن برهومة قد استخدمه الرفاعي لتلقي الطلقة الأولى، وحتى الآن، وبعدما قرأت عشرات التبريرات للرفاعي، لم أفهم لماذا يذهب هذا الشاب المثقف المتعلم، الذي يقال له في الأردن "دولته" لتلك المعارك، بالنسبة لي، كتبت مقالا يدعي "ميكافاعي" دلالة على أنه ليس كما يظنه الناس، أو كما يظهر لهم. (نص مقال ميكافاعي ينشر في الملحق 6 من هذا الكتاب.


سألت الخوالدة: كيف عرفت أنه يقول أنكم تبالغون حين تحدثتم عن "الواسطة والمحسوبية"، هل كان ذلك مباشرا؟ فأجاب: لا، بل قبل ذلك بأسبوع فقط، نشرت مقالا يعنوان "تخفيضات على تسعيرة المواطن"، اشتكي فيه من "وحش الواسطة والمحسوبية" وطريقة التعيين في الدولة، واقترحت فيه على الملك تولي جهة موثوقة مسألة التدقيق في كل من يتم تعيينه، وكنت أتوقع أن يتم مناقشة اقتراحي، ولكن في اليوم الثاني تفاجأت أن الرفاعي يتحدث عن الذين يدعون وجود مشكلة وساطات ومحسوبيات في الأردن، ويبالغون في وصفهم لسوء الإدارة، ولم يتوقف الموضوع هنا، بل تفاجأت بالملك خلال أيام يلقي خطابا بلهجة شديدة حول الذين يهولون من مشكلة الواسطات في الأردن، فعرفت أن الرفاعي قد شكاني إلى الملك، وعدت لتأكيد ما حدث لاحقا وأرشفته في مقال "وحش الواسطة والمحسوبية[11] !" قلت فيه:

((في العام 2010 كتبت مقالا حول وسائل علاج الظاهرة وذكرت نسبة تغلغلها في المجتمع الأردني، وقلت عنها أن الواسطة هي وحش وأنها أسوأ أنواع الفساد، وتفاجأت بعد فترة أن رئيس الوزراء (سمير الرفاعي) لم يعجبه تلك المقالة، ولم يعترف بمدى وحشية الواسطة في الأردن، وأنكر انها تقضي على العدالة الاجتماعية، فراح يؤكد في تصريحاته أن ( الأقلام التي تدعي أن هناك واسطات ومحسوبية في الأردن عليها أن تكف عن محاولات العبث) قال ذلك بشكل مباشر، واشتكى علي ( أو هكذا ظننت) عند ولاة الأمر، وباتت المسألة هل استمر في الكتابة أم أن عليّ أن اصمت واكف!؟!"

الحديث ليس موجها، بالطبع، لسمير الرفاعي، ولا لغيره، وليس لدي عتب (شخصي) عليه، فقد كان رئيسا للحكومة، وكان واجبه يقضي بأن يدافع عن الأخطاء، أو يحاول تزيينها، أو كان يستمد معلوماته من مستشاريه، والتي كانت بلا شك غير صحيحة، لكن الحديث موجه إلى كل الأردنيين، من أقصاها إلى أقصاها، وهي أنه لن تقوم لنا قائمة، ما دامت الواسطة تفتك بنا، وما دمنا (نكره) أن نقف في الطابور، وما دمنا لا نقلق بالنظام، وما دمنا نساهم في انتشار الفساد بتسهيل إنجاز معاملات الناس على حساب آخرين، مواطنين، مثلنا مثلهم، لهم ذات الحقوق، وعليهم ذات الواجبات.))

قلت للخوالدة: المعذرة، أريد ترتيب هذا التاريخ، بدقة إذا أمكن، كنت في بداية العام 2010 تدعم حكومة سمير الرفاعي حيث توقعت أنه سيتمكن من حل المشكلات التي تظن أنها موجودة، مثل قانون الانتخاب وغيرها، ثم تحدثت عن موضوع الواسطات والمحسوبيات، في أواسط العام 2010، وتظن أن السيد الرفاعي كان يتحدث عنك حين أشار الى من يبالغون في مشكلة الواسطة والمحسوبية، وأن الملك أيضا أشار الى ذلك، فظننت أنك مستهدف، قبل أن تبدأ المواجهة مع حكومة الرفاعي، صحيح؟ فأجاب: "تقريبا، لكن التسلسل الصحيح هو أن حكومة الرفاعي راحت تماطل في تعديل قانون الانتخاب، ثم تتدخل من خلال المخابرات في عمل الصحافة الإلكترونية، ثم أقر الرفاعي "قانون جرائم أنظمة المعلومات" بغياب البرلمان ثم تفاقمت بيني وبينه قصة الواسطة والمحسوبية". فقلت: وماذا كان موضوع مقالك "تخفيضات على تسعيرة المواطن[12]"، فقال: كتبت فيه:

((نحن امام مشكلة "عويصة" تواجه بلدنا المتعب والمستنزف، وإلى ان نصل إلى مرحلة نكون فيها مهيئين لأن يتولى "زعيم الأغلبية" في مجلس النواب تشكيل الحكومة من حزبه او من تحالفات حزبية وشخصيات وطنية ومؤسسية ذات كفاءة مجربة وتم اختبارها على أعلى المستويات، وإلى أن ننتهي تماما من موضوع توريث السلطة وتبادلها المقيت، ولإننا نرغب ان نرى حكومة أردنية في اطر غير تقليدية، وتديرها وجوه جديدة قادرة ومؤهلة على إحداث التغيير، فإننا نضع بين يدي جلالة الملك اقتراحا بتكليف جهة متخصصة "موثوقة ومؤتمنة" تتفهم كل ذلك، وتبدأ عملها بوضع قاعدة بيانات تشتمل على أبرز الكفاءات الأردنية ومن مختلف المحافظات الأردنية وفي جميع التخصصات المفيدة والمناسبة للمناصب العليا، والتدقيق فيهم جميعا، وحتى – إذا امكن - إجراء مقابلات معهم، ومناقشة أفكارهم وأي خطط متوفرة لديهم حول نهضة الوطن، دون وعود بتعيينهم، وان لا تدخل الواسطات والمحسوبيات لتؤثر في عمل هذه الجهة (اللجنة) أو (الهيئة)، وأن تكون أبوابها مفتوحة لمن لم تصل إليهم ادوات البحث، وكذلك تقديم دورات مجانية لهم، وزجهم في المحافل الدولية، لاكتساب الخبرة والتمرين، وفي حال تم تكليف رئيس جديد للحكومة، فعليه أن يستخدم قاعدة البيانات هذه كمرجعية، أو يستند إليها على الأقل، قبل أن يعمد إلى حسابات التوازن وقوى الضغط، واللوبيات والعصابات التي تفرز لنا نسخا مشوهة، عن حكومات مشوهة، كانت إنجازاتها محصورة في مضاعفة الديون، ورفع الضرائب، والحصول على معونات رقمية وليست فعلية، وأهم من هذه كله: التنافس الحاد بينهم لتقديم تخفيضات على  تسعيرة المواطن.))

سألت الخوالدة: ولماذا تفترض أن الرفاعي كان يوجه سهامه نحوك؟ قال: "بحثت، عن أي مقال أو خبر أو موضوع له علاقة بالواسطات أو المحسوبيات خلال أسبوعين فلم أجد، لم يكتب أحد كلمة "واسطة" أو "محسوبية" في أي صحيفة أو موقع انترنت خلال تلك الفترة، فماذا عليّ أن افترض؟".

قلت للخوالدة: وماذا حدث بعد هذا كله؟ قال: في الأسبوع الذي يليه، وفي غياب مجلس الشعب، تفاجأنا بالرفاعي يصدر قانون جرائم أنظمة المعلومات، ويبدأ حربه على المواقع الإلكترونية، فتدخل حينها الزميل برهومة، وأظنه الآن نادم على الزج بنا في تلك الحرب الخاسرة، والله أعلم.

وهل توقفت عن الحديث عن "الواسطات والمحسوبيات"، التي كانت حسب أولوياتك في المرتبة الثانية بعد قانون الانتخاب؟ قال: أبدا، كتبت عدة مرات، لكنني كنت أكثر حذرا، ، كنت استثني مؤسسة العرش، من أي مواجهة، حين عرفت أنهم يختبؤون في عباءة الملك، فكتبت مثلا مقال "نظام فاسد[13]"  قلت في مقدمته:

((إذا استثنينا مؤسسة العرش، والسلطة القضائية، ودققنا النظر في نظام الدولة الأردنية، بمؤسساتها المختلفة، سنجد أنفسنا امام نظام فاسد، تغدو فيه خطوط الفساد أفقية وعامودية، في شكلها ونوعها ومدى إصابتها بالـ "فيروس" الذي انتشر بين أركانها، لصغار موظفيها ومدراءها وقيادتها)) وفي خاتمته:

بالنسبة لي، فإن إهمال الإصلاح الاقتصادي وعدم المباشرة بوضع خطة اقتصادية محكمة وتنفيذها هو فساد أيضا وكذلك فإن إقرار قانون انتخاب لا يحقق العدالة الاجتماعية ولا يشتمل التمثيل النسبي هو رأس الفساد الذي ستكشف عنه الأيام القادمة. نصف ديمقراطية، نصف عدالة، النتيجة صفر)). نص مقال "نظام فاسد في الملحق 7 من هذا الكتاب.

قال الخوالدة: بالنسبة للأولويات، فإن معالجة مشكلة الواسطات والمحسوبيات في الأردن، أهم بكثير من قانون الانتخاب، وقد كتبت ذلك بشكل واضح في مقال بعنوان " وحش الواسطة والمحسوبية في التعيين[14]" قلت في بعضه:

((وحش الواسطة والمحسوبية، الذي أفنى العدالة الاجتماعية في الأردن وقضى عليها، يحتاج لصياد ماهر يقوم بمتابعته ومحاصرته وقتله على مرأى من الناس جميعا، وهذه المهمة، التي يجب تتولاها الدولة الأردنية والحكومات والنخب والأحزاب والمجتمع عموما، أهم ألف مرة، من قانون انتخاب هزيل، سيأتي بوجوه مللنا منها، ومن حكاياتها، ليس لديها عمل سوى إطعام وتغذية وحش الواسطة والمحسوبية وتسمينه، بتعيين أقاربهم ومنتخبيهم ورجالاتهم مقابل تمرير قوانين وتشريعات، أو حفظ قضايا فساد، أو إثارة الفوضى داخل المجلس للتشويش، أو استكمال المسرحية "التراجيكوميدية" ثقيلة الدم والظل، والتي تُستخدم فيها "الأسلحة" و "الأحذية" لترسيخ ديمقراطيتنا الهشة)).

بالجملة، فإن تركيز الخوالدة في تلك الفترة كان حول ثلاثة موضوعات رئيسية: قانون الانتخاب وحكومة منتخبة، محاربة الواسطة والمحسوبية، الحريات الإعلامية ورفع أية قيود أو قوانين أو إجراءات تمس الحرية الصحفية التي ليس لها سقف ولا حدود، كان يود أن يصبح الأردن كما المجتمعات الغربية التي يقول في الصحفي كلمته المسؤولة في الشأن العام للدولة دون خوف من أية عقوبة، إلا تلك التي تكون موجهة بشكل شخصي لإيذاء أو تشويه سمعة شخص آخر، بعيدا عن منصبه الاعتباري، فكتب في 20 تشرين الثاني/نوفمبر 2010 مقاله بعنوان “الحريات في حضرة الرئيس"[15] ، يرد في الملحق 8 من هذا الكتاب.

 

ثورة الغضب العربية (الربيع العربي) والإخوان

 كان التحدي الأكبر الذي يواجه الخوالدة آنذاك يكمن بأنه يرى نفسه من أكبر وأكثر المؤيدين للإصلاح السياسي ولكنه كان ضد ركوب الإخوان المسلمين الموجة، وكان يحذرهم ويحذر منهم، فصمم الخوالدة في جميع كتاباته على مسألة في غاية الأهمية، وهي عدم سقوط الجرحى وتناثر الدماء، وفي أول جمعة غضب أردنية في 14 يناير 2011، والتي دعا إليها بقوة، عبر صفحاته على فيسبوك وتويتر وفي مقالاته، التقط صورة شرطي يقدم الماء لأحد الأطفال، وأرسلها إلى أكثر من 500 وكالة وموقع صحفي مع أخبار تدلل أن الشرطة الأردنية غاية في اللطف وحسن التعامل، وأن مهمتهم وتكليفهم هي حماية المتظاهرين وليس ردعهم أو مواجهتهم، فأصبحت تلك سمة التظاهرات الشعبية في الأردن،

وفي مقاله بعنوان "سقوط الأقنعة"[4] شرح موقف الإخوان المتردد الخائب، وأطلق عليهم لقب "الكانونيون"، والوارد نصه في الملحق رقم 9 ، وفي الأسبوع الذي يليه، أي في 23 كانون الثاني 2011، وحين كان يجب صرف زيادة الرواتب التي أمر بها ملك الأردن، قررت الحكومة تأجيلها ليوم ميلاد الملك، فكتب الخوالدة مقالا بعنوان "من تخدعون يا حكومة؟"[5]، وأكد فيه أن حكومة الرفاعي سترحل قبل 30 كانون الثاني 2011 أو سيتم إقالتها، مع أن تلك الحكومة قد حصلت على ثقة تسمى في الأردن، ثقة 111، أي ثقة كاسحة من مجلس النواب، ومما قال فيه:

((من تخدعون؟ وماذا تريدون منا؟ هل وصل بكم الأمر أن تتلاعبوا حتى بالمسلمات؟ وتذهبون للاتكاء والمتاجرة بيوم ميلاد الملك، لماذا أيها العباقرة؟ هل أنت عاجزون إلى تلك الدرجة؟ أم نحن أغبياء إلى هذه الدرجة؟ أم تظنون أننا لا نعلم أن "العبقري" الذي يخطط لهذه الحكومة، لم يكفه أن أوضاع الناس مؤلمة بل خلق حالة من التأزيم والإستغباء والاستفراد بالعمل والخطط والحبكات والسيناريوهات، وسمح  لنفسه أن يصل "العبث" إلى مشاعر الناس!

مالا أفهمه، ولا يفهمه أحد، لماذا هذه الحكومة مصرّة على ممارسة ألعابها البهلوانية، وتحاول، بكل الوسائل، المقبولة والمرفوضة، تغطية الجرح المكشوف والمؤلم، ولماذا تريد تقديم علاجات سريعة ومكلفة جداً وهم يعلمون أنها لا تؤت ثمارا أبداً؟ أليس هذا ما نسميه بالعامية "شلفقة" وارتجال؟ وحقاً أنني لم أر ارتجالا وتخبطاً مثله حتى في شركات صغيرة، وإن كان يدل على شيء، فإنما يدلل على أن الذي يحاول "إنعاش" هذه الحكومة، يدافع عن وجهة نظره بطريقة "طفولية" ويقدم العهود والوعود على الحلول المستقبلية، وقطعاً، هو يحاول جاهداً تزيين الصورة قدر الاستطاعة فقط، ولا شك أنه يقول أن هذه المسيرات ما هي إلا مشهد ديمقراطي يبين نجاح الحكومة، ويضغط بشدة، لكي تعيش هذه الحكومة يوماً آخر، ويقول واهماً حالماً: أن مسيرات يوم الجمعة القادمة ستكون النهاية، حيث تُصرف بعدها زيادة الرواتب وينتهي الموضوع(!!)،ماذا لو جاء موعد ميلاد الملك، وصرفتم الزيادة، واستمر الغضب، ماذا سيقول الناس بعد ذلك؟؟ هل فكرتم مليا في ذلك؟ من تخدعون يا حكومة؟ أنفسكم؟

العناد لن يفيد، فلا تزاودوا علينا أبداً، أقولها باسم كل الشعب الأردني: بماذا تفكرون؟ أنه لن يجرؤ أحد على الكتابة عن هذا الموضوع، ولن يتجرأ كاتب أردني على الربط بين "خدعاكم" ويوم ميلاد الملك، وتظنون أنه لن يأتي من يفعل ذلك لأنكم تعتقدون أنه سيتهم بالنفاق والمجاملة، حسبكم، فلست ممن يخافون تلك التهم.

ارحلوا قبل الثلاثين من الشهر الجاري، ارحلوا قبل أن يصدر قرار إقالتكم الرسمي، وسيصدر بإذن الله)).

لم يفهم السياسيون والكتاب تحدّي الخوالدة برحيل الحكومة أو إقالتها، خاصة على مواقع التواصل الاجتماعي، كان الخوالدة يستشعر غضب الشارع العربي، لحظة بلحظة، ولكن الناس لم تكن ترى ذلك أبدا، فخلال اجتماعه مثلا مع قيادات من منظمة التعاون الإسلامي، طلبوا منه الاشراف على اللجنة الإعلامية لمؤتمر المنظمة السنوي في شرم الشيخ في شباط/فبراير 2011، وكان الخوالدة يكتب لعدد من المواقع المصرية، فرفض الخوالدة ذلك العرض وحين سألوه عن السبب، قال لن يبقى حسني مبارك ليفتتح ذلك المؤتمر، فضحك الجميع من كلماته، وهذه واقعة حسب الخوالدة حقيقية، يذكرها كل من كان في الاجتماع، كانت في 23 يناير/كانون الأول 2011، وذكر الخوالدة أسمائهم، لكنه طلب عدم نشرها، لأنه لا يود أن يؤذي أحدا.

في 25 كانون الثاني/يناير 2011 استيقظ الخوالدة فجرا، كان يعلم أن ذلك هو اليوم الموعود، توجه فورا إلى حساب تويتر، كتب مع وسم 25 يناير: "ندعو بصباح مشرق بالحرية لمن لم تستقم عليهم الشمس بعد.. ونأمل مساء هادئا ولطيفا.. لمن استقامت وأمعنت فيهم أشعتها." وكانت الدعوة للتحرك نحو التحرير في القاهرة لم تبدأ بعد، فكتب مرة أخرى: "العبودية مرض نفسي، ومن المستحيلات كالغول والعنقاء والخل الوفي، إقناع المريض النفسي أنه مريض ويحتاج إلى العلاج.. عفوا الحرية"، وحين بدأت الدعوة ترتفع كتب يقول: "منذ اول لحظة، ثورة 25 يناير المصرية المباركة هي صفحة سطورها من ذهب تُشرق في التاريخ العربي المعاصر"، وبدأ التفاعل يشتد والدعوة تمتد، وبدأت الأفواج تهرول نحو التحرير، كانت الناس في حالة صدمة، ماذا يحدث؟ ولاحت أول التجمعات في التحرير، كانوا جميعا من الشباب المثقف المسالم، كان الخوالدة يعلم أن الإخوان المسلمين لن يشاركوا، بسبب تراجعهم المخزي في جمعة الغضب الأردنية، وقد حصل على تأكيد من أحد رؤساء تحرير الصحف المصرية، فكتب مع وسم 25 يناير: "الثورة ليست فرض كفاية، إذا قام به البعض سقط عن الباقين، هي فرض عين على كل قادر أن يشارك وبأية وسيلة. كل الذين يقفون على الحياد خانوا أنفسهم أولا، كل الذين وقفوا ضد الثورة عملاء للأنظمة الظالمة.".

قال الخوالدة أنه لم يتحرك من مكانه طيلة 3 أيام، جالسا يكتب لدعم ثورة 25 يناير، وحين ظهر الإخوان، في أول موقف يوم 28 يناير، عبر شاب يدعى وائل غنيم، أحس الخوالدة بهم يتحركون لركوب الموجة، فبدأ بانتقاء ما يكتب، وبدأ التحذير منهم، ومن أشهر المقولات التي نشرت للخوالدة في الفترة (25 يناير – 11 فبراير) حسب  مقال "ثورة الغضب العربية ليست ثورة الجياع"[6] ، الوارد نصه في الملحق رقم 10، ما يلي:

·    يبدو أن الأنظمة الظالمة والمتجبرة لم تعرف بعد، أن الشعوب فهمت أخيرا أن هذه الأوطان هي ملك خالص للشعوب، وأن هؤلاء الحكام مجرد أشخاص عاديين، ليسوا مُلاّكا ولا آلهة.

·    في لحظات من يوم 25 يناير، كان قرار الاستقالة وشيكاً، كان رئيس البرلمان سيلقي كلمة الفرح، وفجأة، يبدو أن مخططا متكاملا، قد جاء، وغيّر أوراق اللعبة كلها، جزء من هذا المخطط كان السيطرة على بعض وسائل الإعلام وشراء بعض الذمم.

·    في وقت لاحق، الشعب يشدد الخناق، والنظام يحتضر، محاولات الإنعاش كانت تحاول كسب الوقت، الوقت غير متوفر على أرض التحرير، اللحظات كانت تاريخية: الشعب يريد إسقاط النظام.

·    نرفض أن تسمى "ثورة الغضب العربية" بثورة الجياع، إنها ثورة سياسية هدفها إعادة الكرامة للمواطن العربي وتغيير السياسات الظالمة.

·    القدر لم يكن يجلس في مكان بعيد، كان يتوسط المتظاهرين في ميدان التحرير، ويظلهم بظله.

·    الإخوان المسلمين، كلمة ضربت حولها السلطة، التخويف والنار، وامريكا والغرب والفنانين والإعلام، كعادل إمام، زادوا في ذاك التخويف واشعلوا تلك النار، حتى يلقى اللوم عليها، في كل شاردة وواردة، ثورة الغضب العربية، تجاوزت الإخوان والأعمام وكل الأقارب والمصالح.

 

 

تراجع أم انسحاب

في يوم 28 كانون الثاني/يناير 2011، جاء الخوالدة اتصال من السيد الغامض "ع"، قال له أن هناك شخصية هامة جدا ستتحدث معه، قال الخوالدة أنه ردّ مازحا: كنت أعتقد، أنه وبعد كل هذه السنين، قد أصبحت أنت الشخصية الأهم، فقال "ما عليك، أريد منك أن تسمع وتستمع، رجاء"، دقائق وإذا برقم غريب يتصل، وحين أجاب عرفه الخوالدة فورا، كان بينهما صداقة قبل عشرة سنوات، حين قدم الخوالدة مشروع قناة اخبارية عربية منافسة، تشارك فيه عدة دول عربية، بعد وقف برنامجه "كرسي الاعتراف"، كان المتصل هو الذي تلقى المشروع، وقام بدراسته وتطويره، قال للخوالدة، بعد أن تبادلا الاطمئنان على الصحة والأهل:

- أنت تقول أنك لا تريد سمير الرفاعي، وسيتم تغييره خلال يومين

- ومن المرشح؟

- عون الخصاونة.. ويجري التشاور معه الآن.

- وما المطلوب مني؟

- المطلوب إعطاء الحكومة الجديدة فرصة لمدة معينة، سيكون أول أجندتها الإصلاح المطلوب.

- وهل هذا الحديث لي وحدي، أم أن هناك من سيشملهم الطلب؟

- قال هناك بعض الأسماء، وقد تحدثت معهم سلفا، والجميع موافق على منح فرصة..

بعد دقائق، تفاجأ الخوالدة بشخصية أخرى مقربة جدا من النظام تتصل فيه هاتفيا وتطلب منه بشكل ودي إعطاء فرصة للإصلاح في الأردن، بوعد إقامة لجنة تعالج الإصلاح، فسأل الخوالدة، وقد بدأ الشك يعبث في صدره، ومن الرئيس الجديد؟ قال: معروف البخيت، قال الخوالدة: معروف لن يصمد، هناك قضايا تدور حوله، وسمعت قبل قليل أنهم يفاوضون عون الخصاونة. قال: الخصاونة لا يستطيع الآن، يحتاج بعض الوقت، ونحتاج البخيت لعلاقته القوية مع المتقاعدين، فهو الأقرب لهم، وهم الأكثر شغبا الآن، معك". ضحك الخوالدة على تلك الإضافة، قال: ومن يضمن الإصلاح؟ قال: على ضمانتي الشخصية."

سألته: ومن هذه الشخصية؟ من يقرأ في سيرتك عليه أن يعرف ما هو مستوى الشخص الذي يستطيع ضمان الإصلاح في الأردن، بحيث يكون مقنع لك. قال: هل تريدين الحديث معه، إنه يشغل حاليا منصب حساس جدا، لكنه يستطيع ابلاغك أنه ضمن لي الإصلاح، وأنه حين وقعت الواقعة، اعتذر عما حدث، قلت: وهل سيذكر اسمه هنا، أم ستشير إليه بالرمز، قال: بالرمز طبعا، قلت: لا أريد الحديث معه، فلست أنا من يريد أن يعرف، أظن أن القارئ هو الذي سيدفعه الفضول.

 لم يكن الخوالدة يطالب بشيء عظيم، حسب وجهة نظره، كان يطالب بتغيير قانون الانتخاب الذي يدعى "الصوت الواحد" إلى قانون يضمن القوائم النسبية والتمثيل العادل لجميع فئات الشعب، وأن تكون الحكومة برلمانية منتخبة، فوافق مرة أخرى على الطلب، وخفف من لهجته التصعيدية، قليلا.

 رحل سمير الرفاعي قبل أن تتم حكومته الثانية 41 يوما، وقبل الأول من فبراير، وتم تعيين معروف البخيت وحكومته، فكتب الخوالدة يسأل عن تكلفة حكومة الرفاعي الفاشلة، في مقال له بعنوان:" كأنك يابو زيد ما غزيت"[7]، نشر بتاريخ 5 شباط/فبراير 2011، الوارد في الملحق رقم 11، قال في مقدمته:

((تجربة فاشلة، بكل معاني الكلمة، هذا ما يعنيه إقالة حكومة حصلت على ثقة غير مسبوقة من مجلس نيابي اختارته الحكومة بنفسها، بناء على قانون "مسخ" "متوحد" فرضته بالقوة كما تُفرض الأحكام العرفية، وبعد 41 يوماً فقط من تلك الثقة التي تسجل مدى الحياة، في هامش تاريخ هذا البلد، والنتيجة أن الشعب، كان مختبر تجارب لحضرة الأستاذ سمير الرفاعي، الذي تدرب، مع مجموعة من فريقه الوزاري على قوت الشعب، قوت الناس، ليضع "فقط "في سيرته الذاتية، منصب رئيس وزراء، ولقب "دولة" يسبق اسمه، لقب لا يستحقه، ولا يحق له حمله))

قلت للخوالدة: "هذا كلام قاسي جدا، هل تعتقد أن السيد سمير الرفاعي قرأه؟: فأجاب: "لا يهمني، إذا كان ما أكتبه يصله ولا يفعل شيئا فتلك مصيبة، وإذا كان لا يصله ولا يقرأه، فالمصيبة أعظم بمئات المرات". فسألته: ولماذا هاجمت حكومة البخيت في أول يوم عمل لها؟ ألم تعطي الوعود بمنح فرصة؟ فسكت وفكر لحظة، قال: أعطيت. فعلّقت: لا يبدو ذلك!! فقال: "مهلا، أعطيت وعدا بتخفيف اللهجة، ومنح الحكومة فرصة للإصلاح، وكان هذا المقال في اليوم التالي لعملها، وما فعلته كان مجرد إنذار، لأنني أعلم أنهم لن يلتزموا".

 

الملكية الحرة وانسحاب مبارك

 

كان قلب جلال الخوالدة ما زال معلقا في ميدان التحرير، كان متأكدا أن الإخوان سوف يحطمون تلك الثورة المباركة ويسحقونها، وكان من أوائل كتّاب الأردن الذي يفتتح حسابا له على موقع "تويتر"، الذي شهد الساحة الكبرى للربيع العربي، فكتب يقول: "يعتمد منهج الإخوان المسلمين نظرية الأنفاق والجسور، فهم يحفرون نفقا للوصول إلى السلطة، ثم يخترعون جسرا لكسب تعاطف الشارع!" لكنه مع ذلك استمر يدعو ويحفز على تنامي ثورة 25 يناير، كان يشجع بكل ما لديه من قدرة وقوة وفكر، وبعد جمعة 4 فبراير، شعر بتراخي الناس، وفقدان الأمل، فكتب "الجمعة حين تداولها، تعني الأسبوع، وحين نقول الجمعة الماضية، نعني الأسبوع الماضي، وجمعة الرحيل بدأت يوم 4 فبراير لكنها لن تنتهي إلا يوم الجمعة الذي يليه، وسيكون الرحيل أكيدا" وصدقت تنبؤاته، سقط حسني مبارك سقوطا مدويا، في الحادي عشر من فبراير/شباط 2011، ومعظم ما كتبه الخوالدة ونشر في تلك الفترة، متوفر في كتابه "طبطبة"[16].

خلال شهر فبراير 2011، توجه الخوالدة للمطالبة بـ "نظام الملكية الحرة"[8]، وهو نظام يتوسط الملكية المطلقة والملكية الدستورية، واشتمل الاقتراح على خطوات تتمثل في إقرار قانون انتخاب يشتمل على التمثيل النسبي، حل البرلمان، إجراء انتخابات نيابية جديدة، زعيم الأغلبية في البرلمان، يتم ترشيحه لمنصب رئيس الوزراء، الملك بدوره يصادق على الترشيح، يشكل الرئيس المنتخب حكومته، تحصل على الثقة، ويبدأ بالعمل، إذا فشل، أو ظهرت حوله إشارات بالفساد أو الرشاوي او التحيز وغيرها، تبقى إرادة وقرار الملك الحرة بإقالة الحكومة مصانة، كمرجعية حاسمة، خلال فترة اختبار الفكرة، من 4-8 سنوات على الأقل".

 

منسف أردني

في الأسبوع الثاني من آذار/مارس، جاء اتصال للخوالدة، كان المتصل السيد الغامض "ع"، قال: هل تلبي دعوة عشاء بالأردن؟ فكّر الخوالدة للحظات، ثم قال: "لا ترد دعوة كريم".

حجز وسافر إلى عمّان، وذهب إلى لقاء السيد "ع"، كانت العلاقة قد تطورت إلى علاقة صداقة حقيقية، كانت ندّية بكل معاني الكلمة، الخوالدة تجاوز كل الخطوط الحمراء، خاصة بعد الدعوة للملكية الحرة، والسيد "ع" أصبح في موقع متقدم جدا في المخابرات الأردنية، لكنهما أصدقاء حسب ادعائهما، وأن كل شيء كان خاضعا للنقاش.

تفاجأ الخوالدة بوجود شخصيات ذات مراتب عليا في الدولة، كان العشاء في مزرعة السيد "ع"، بعد التحيات والسلامات، نزلت "المناسف" الأردنية الشهيرة، خلال العشاء بدأ حوار بين الخوالدة والموجودين:

- انت تعرف من هم الحراك الشبابي الذين يطالبون باعتصام في دوار الداخلية في 24 آذار؟ وأيضا الذين يطالبون باعتصام يوم 16 نيسان/ابريل  باسم يوم الغضب الأردني ويقولون أنها لإحياء ذكرى هبة أبريل/نيسان 1989، أكيد بتعرف مين واراها؟

- الخوالدة: (......)

- والشباب الذين يقولون أنهم الهيئة الوطنية لمتابعة الملكية الدستورية، ولديهم 1300 توقيع ويطالبون بالإفراج عن الجندي أحمد الدقامسة المحكوم بالسجن المؤبد ؟ بتعرف والا ما بتعرف.

- الخوالدة: بعرف.

- طبعا بتعرف، ما انت تُطالب بملكية حرة!

- الخوالدة: شو المشكلة؟

 - وأكيد فاهم سبب مطالبة المعلمين واضرابهم أمام مقر البرلمان لإحياء نقابتهم؟

- الخوالدة: شو المشكلة؟

- يعني أنت شايف عادي أنه شلة عوض الله والاخوان اللي سموا حالهم شباب حركة 24 آذار، أنهم يفرضوا على الملك اعتصام مفتوح ويتحججوا انه فيه استشراء الفساد في مختلف مرافق الدولة وتغول جهاز المخابرات العامة في الحياة المدنية وتزوير إرادة الشعب والهيمنة على السلطة التشريعية؟

- الخوالدة: عادي.. حرية رأي، الشباب طالبوا الملك أنه يزورهم ويحقق مطالبهم وهذا نفسه اللي انا أطالب فيه، شو المشكلة أن تكون الأمة مصدر السلطات، وأن تكون هناك صلاحيات محددة للملك كقائد أعلى للقوات المسلحة ورأس للسلطات، ومجلس نواب منتخب وفق الكثافة السكانية، ومجلس أعيان منتخب، وتشكيل محكمة دستورية وحكومة أغلبية برلمانية ورفع القبضة الأمنية عن الحياة العامة، شو المشكلة، فهموني؟

- المشكلة هذي مش اجندة أردنية، هذي جاهزة جاية من برة!

- الخوالدة: والله زهقت من هاي الحجة، لا بتحل ولا بتربط، بتخلينا مكانك سر.

- طيب، ماشي، بس بدنا تفهم أنه الهدف تفتيت اللحمة الأردنية وإذا صار شي على دوار الداخلية أنتم كلكم تتحملوا المسؤولية.

- الخوالدة: صار اشي زي ايش؟

- قلبت أردني فلسطيني..

بالطبع كانت المخابرات تعلم أن تلك هي أخطر نقاط ضعف الخوالدة (كان معروفا بحربه الشرسة على كل من يحاول زرع الفتنة بين الأردني والأردني من أصل فلسطيني) خاصة حين شرحوا الأطراف المتورطة في 24 آذار، وتبين له أن الحكاية كلها خلخلة النظام ليس لإسقاط النظام بل لإسقاط الأردن، فانطلت الحجة عليه، فوضع ظاهر يده اليسار التي لا يأكل فيها على رأسه وجبينه، وراح يفركه براحة  يده ويفكر، قال: طيب شو المطلوب.

- ليس لنا علاقة، فقط نريدك أن تفهم، وأن تتحمل المسؤولية... بسيطة.

- الخوالدة: رح يصير التجمع 100%، بس اذا افترضنا جدلا إنه وجدنا خطة جيدة لنشر الوعي في 24 آذار، كيف ممكن تضمنوا إنه ما يصير عنف؟!؟ لأنه إذا كانت مؤامرة فعلا،  فلا شك أنهم سيستدرجون الشرطة إلى العنف، والعنف بولد العنف، فإلى أي مدى يمكن ضبط النفس؟

- 100%.

- الخوالدة:  وايش بالنسبة لقانون الانتخاب؟

- ايش بدك؟ حكومة منتخبة وتمثيل نسبي؟ طيب إذا فاز الإخوان وشكلوا الحكومة، بتكون مرتاح؟ إذا جابوا جماعتهم من هون ومن هون، راح يعجبكم؟ إحكي؟

كان الفريق المحاور لديه قدرة عجيبة على التلاعب بجلال الخوالدة، يعرفون كل نقاط ضعفه، ويعلمون أنه لا يستطيع الصمود أمامها، فشعر الخوالدة بالدوار، كان متيقنا أنه يستطيع اقناعهم أنه ليس هناك مشكلة في أي شيء، ولكن حين قالوا أنها ستتحول إلى أردني فلسطيني، وسيأتي الإخوان للحكم، بدأ يهتز، وكأنه شجرة تعبث بها الريح.

أنهى الخوالدة طعامه، جلسوا لتناول الشاي، ودعهم ثم غادر وهو يفكر.

 

24 آذار - يدا بيد

أعلنت حركة شباب حركة 24 آذار عن تنظيم مظاهرات على دوار الداخلية (ميدان جمال عبدالناصر) والذي يعد قلب العاصمة الأردنية عمّان، وحصل الخوالدة على تأكيدات اضافية تشير إلى أن هناك من يخطط لتقسيم الأردن إلى أردني فلسطيني، وأنهم يأملون في تكرار أيلول الأسود 1970، و أن المدعو عوض الله يحشد لتأجيج الشارع الأردني من أصل فلسطيني والذهبي يحشد لتأجيج الأردنيين من أصول أردنية، وأن الإخوان قد قرروا استخدام ذلك لتحويلها إلى حرب دموية، فبدأ يتابع ويسجل ويلحظ كل ما يُكتب هنا وهناك، وبدا أن المؤامرة حقيقية، فالحديث عن الفرق بين الشماغ والكوفية، عن الفيصلي والوحدات، عن المنسف والملوخية، ثم تدرج الحديث قبل أسبوع من 24 آذار حول "احمل ملوخياتك وعلى الجسر" ، وبدأ جماعة عوض الله يكتبون: "كيف يمكن التحاور مع أولئك الذين إذا اختلفوا معك في الرأي يردون: "إزا مش عاجبك ضب شنطك واطلع برّا." أكبر من مأساة" ويكتبون "اللي مش عاجبته البلد يقلب وجهه" - عنصرية تنم عن جهل و ضيق أفق" و "اول مطلب لشباب اعادة هيكلة المخابرات"، ويوم 24 آذار تحول الخوالدة إلى الفعل، واستعمل نظريته في القوى الناعمة، وأطلق مبادرة يداً بيد[17] والتي انضم لها الاف من الشباب المثقف، والذين أدركوا حجم المكيدة التي تحاك للأردن، والمدعومة من الخارج، فنجحت المبادرة في حقن الدماء، ويرد نص المبادرة في الملحق رقم 12 من هذا الكتاب.

أنشأ الخوالدة صفحات للمبادرة على فيس بوك وتويتر، اجتمع فيها معظم الناشطين الأردنيين، وكتب مقالات في جريدة الغد الأردنية وآخر خبر وزاد الأردن، تتحدث عن المؤامرة والمبادرة، كانوا يكتبون ويروجون لأهدافهم وكان الخوالدة يكتب وينشر ويتصل بالهاتف ويعقد اجتماعات، ومنها ما هو موثق على حسابه في تويتر مثل:

الخوالدة: ما هي الضمانات أن يعتصم الناس ولا يأتي احد ليضربهم؟ نريد ضمانة واحدة فقط..فقط.

قالوا: قوات الأمن العام تقوم بمضايقة شباب 24 آذار أثناء تغطيتهم الإعلامية وقد قامت قبل قليل باعتقال أحد الأشخاص المشاركين.

فكتب الخوالدة: لدينا 4 فئات: ناس لا تريد إصلاح وغير مهتمة، ناس تريد بعض الإصلاحات، ناس تريد إصلاح شامل.. وهناك أشخاص يريدون زرع الفتنة.. فاحذروهم.

قال موقع عمان نت : محمد فضيلات: تعرضت للصعق بالعصا الكهربائية من قبل رجل الامن بعد ان رأى بطاقتي الصحفية - 15 شخصية تنسحب من لجنة الحوار وتتهم الأجهزة الأمنية بالتواطؤ في اعتداء الداخلية - كسر يد مصور الجزيرة احمد نجيب

فكتب الخوالدة: ما خطط له الخبثاء، وما جرى اليوم، وما سيجري لاحقا، وما يحدث على التويتر من خلاف هذه اللحظة يوضح أنه: القصة مش قصة رمانة.. بس القلوب مليانة.

قالوا: نهاد زهير (شباب 24 اذار): لم يتقدم اي شخص من جهة حكومية بطلب حوار مع المعتصمين هذا ادعاء كاذب

فكتب الخوالدة: هم أمام أعينهم، أناس تؤلب الشعب وتقسمه إلى قسمين، يريدون أن يضغطوا على الملك والحكومة، لماذا تسكتون عنهم؟ هل هم آلهة؟

قالوا: الان في مجمع النقابات.. مؤتمر لشباب 24 أذار لفضح التواطؤ الأمني في مجزرة الجمعة

فكتبت هند النجار: أردني فلسطيني مسيحي مسلم إخواني شيوعي ذكر أنثى.. كلنا الأردن و ما حصل اليوم عار يمسنا جميعا

قال أمجد قورشه: لا تظنوا أن الولاء يكون فقط بالرقص على الأغاني الوطنية ولبس الشماغ ومسك صورة الملك

وقال محمد حماوي: الحمد لله هي صار عنا بلطجية جاهزين و مدربين للتدخل السريع دائما .... خلص حلو الأمن العام و الدرك و إنشاء جهاز البلطجة العام

وقالت توجان فيصل: "الحكومة واجهزتها يواجهون جيلا جديدا يختلف عن القيادات التي اعتادت على احتوائها وشرائها" وقال باتر وردم: ميليشيات؟ إطلاق رصاص؟ في عمان؟ لزعران يجتاحون عمان بسياراتهم وإطلاق الرصاص في بعض الشوارع ومن يحمي هذه الميليشيات؟

فكتب سميح طوقان: رغم جهود فصل التوأمين اردني وفلسطيني فشلت العملية الجراحية و قرر طاقم الأطباء إلغاء العملية بعد ان اكتشفوا أن للتوأمين قلب واحد.

ثم كتب جلال الخوالدة مقالين الأول: "ماذا يريدون منّا.. حرب أهلية؟"[18]، ومقال في قالب قصة مؤثرة بعنوان: "ليلة تصفيق الشياطين.. 24 آذار"[19] الوارد نصه في الملحق 13 من هذا الكتاب.

ومع أن تظاهرة 24 آذار على دوار الداخلية مرت بصعوبة بالغة، إلا أن الخوالدة يرى بأنه قد نجح في تعرية كل تلك الخطط الماكرة التي كانت تحاك للأردن، ولكنه لا يدّعي أنه وحده فعل ذلك، بل كان هناك عدد كبير من الفاعلين والمؤثرين الذين ساهموا مساهمة كبيرة في مرور تلك العاصفة دون أن تقع الفتنة[9] القاتلة بين مكونات الشعب الأردني لكنه يصرّ، حسب المرجع أنه أيضا لا فضل لأي رئيس وزراء أو مسؤول أردني بذلك، باستثناء مديرية الأمن العام التي حافظت على توازن موضوعي ساهم بحفظ الأمن والاستقرار.

قال أيضا بشكل غير مفهوم: "هناك ثلاثة مستويات للمعارك السياسية؛ واحد معلن، وآخر سرّي، وثالث لا يعلمه إلا الله تعالى.. يختبئ في النفوس والضمائر"

ومما كتبه آنذاك أيضا: (لا شرقية ولا غربية، الرمز شماغ  وكوفية، أحب الفيصلي والوحدات، وزادي منسف وملوخية).

هدأت معارك 24 آذار في ظل مبادرة يداً بيد، وفي ظل الانسحاب التدريجي للإخوان المسلمين ودخولهم في مفاوضات مع الحكومة، باءت بالفشل لاحقا، بقي طرفي الشارع متحفزين بينما ترتكب الحكومة الأخطاء، فكتب الخوالدة في الأول من أيار/مايو 2011 مقاله بعنوان "لن نخشى في الحق لومة لائم"[20] جاء فيه "لن نقبل بأنصاف الحلول، ولن نرضى بقانون انتخاب على مقاس قوى الشدّ العكسي، وللعلم فإن قانوناً يجعل من تمثيل المعارضة في مجلس النواب لا يتجاوز 20 بالمئة، سوف يعيدنا إلى ما قبل عام 1988، أما تعيين هيئة إشراف عليا للانتخابات بتبعية حكومية، فهي مرفوضة كيفما تمت صياغتها وتمريرها"، وفي 08-05-2011 كتب في "العهد الذي بيننا وبينكم انتهى"[21]، قال فيه:

((قد يخطر ببال البخيت وحكومته، أو يوسوس لهم مستشاروهم أننا معجبون بأداء الحكومة أو أننا راضون عما تفعله، ويقولون لهم أن الدليل على ذلك هو صمت الإعلام عن التأخير في إنجاز ملفات الإصلاح وصمتهم على تلميحات رفع الأسعار، وسكوتهم على اللجان التي ملأت البلد، وتراوح مكانها، وتغاضيهم عن إيجاد حلول جذرية لمشكلة الطاقة واحتمالات انقطاعها ورفع أسعارها، والصمت المطبق حول كثير من القضايا وعلى رأسها مشاكل الفقر والبطالة والفساد والواسطة والمحسوبيات، ولكن كل هذه "الوسوسات" هذا غير صحيحة على الإطلاق.

ما يجري فعلا، وعلى أرض الواقع، هو نتيجة لأحداث الزرقاء الأخيرة، التي ظهر فيها الجميع، بما فيهم كل رجالات المعارضة، صفا واحدا، ضد أن يمس الوطن سوءا، ظهرت الألفة بين المواطنين جميعا في رفضهم أن تتحول البلد إلى ساحة حرب، ولكن هذا لا يعني أن الحكومة تسير في الاتجاه الصحيح، أو أنها قادرة على الانتقال إلى المستوى الثاني من الإصلاح، وتحويل الكلام والنظريات إلى فعل، في قانوني الانتخاب والأحزاب، وفي مكافحة الفساد بشكل حقيقي، أو حتى على مستوى إيجاد مصادر دخل بديلة بدل المنح والمعونات والمساعدات التي تسبب الحديث عنها بخلل عجيب في دفع المسيرة بأكملها إلى الأمام، والحكومة في ذات الوقت غير قادرة حتى على ضبط نفوذ المتنفعين الذين يحاولون التطاول على مكتسبات الوطن، فراحوا يبثون سمومهم في كل مكان، يحاربون هيئة مكافحة الفساد ويتدخلون في حيثيات أساسية لقانون الانتخاب، ويماطلون في قضايا فساد أساسية، يعرفها كل الناس.

هل نبدأ المطالبة برحيل حكومتك يا دولة البخيت؟ إذا بدأنا فعلا، فلن نسكت حتى تذهبوا، وتستقرون في بيوتكم، أما عن العهد الذي بيننا وبينكم فقد انقضت التسعون يوماً وأنتم واقفون مكانكم بلا حراك، والتسويف بتشكيل اللجان تلو اللجان، ما هو إلا إشارة منكم إلى أن العهد الذي بيننا وبينكم انتهى.

المهلة الأخيرة التي سأتبناها شخصيا ليست تمديدا في العهد، بل فرصة أخيرة لحسم قانون انتخاب يشتمل على التمثيل النسبي والقوائم الانتخابية، وإنشاء محكمة دستورية، وإنشاء هيئة عليا للإشراف على الانتخابات ليست الحكومة من يختارها بل بالتوافق والترشيح الحزبي، على أن لا تفهموا هذه الرسالة خطأ، وتظنون أن هذا يعفيكم من مسؤوليات كثيرة أنتم تعرفونها وعلى رأسها الابتعاد عن قوت المواطن، ولنتفق منذ الآن، وبشكل نهائي، أن قوت الناس هو المنطقة المحرمة بيننا وبينكم)).

قلت للخوالدة: غريب أمرك؟ جبهات مفتوحة في كل مكان؟ فلماذا تفتح جبهة جديدة مع حكومة البخيت؟ قال: ليس الأمر بيدي، كنا مشحونين بالإصلاح، وكان هناك مماطلة وتسويف لا يمكن التغاضي عنها، وفوق ذلك، بدأت حكومة البخيت بارتكاب أخطاء كبرى، لا يمكن السماح بحدوثها.

لم تنج حكومة معروف البخيت من الخوالدة، ومع أنه تعهد بتخفيف اللهجة وإفساح الوقت والفرصة، إلا أن البخيت، وحسب الخوالدة، أخطا باعتقال 19 شابا في محافظة الطفيلة، لأنهم رفضوا استقباله هناك، ورشقوه بالحجارة، فأنشأ الخوالدة صفحة على فيسبوك دعا فيها شباب الطفيلة إلى الثورة، وكتب يقول: "سجين طليق وحرّ يجر إلى المعتقل، أفيقوا، فهذي بلادي ومهجة قلبي ودمعتي عيني التي في المقل"، فكان تأثير تلك الكلمات بمثابة المفتاح الذي أجج ثورة الشباب، حيث أن السجين الطليق هو أحد كبار الفاسدين في ذلك الوقت، الذي تم تهريبه خارج البلاد، فتصاعد الغضب مرة أخرى، وألهمت كلماته شباب محافظة الطفيلة ورفعوا شعارات "شرفاء الأردن في السجون واللصوص طلقاء" و "الفساد أسوأ من الاحتلال" وغيرها ، وكتب الخوالدة يومها مقال " لسنا عبيداً يا بخيت"[2]، الوارد نصه في الملحق 15 من هذا الكتاب.

أفرجت الحكومة عن شباب الطفيلة المعتقلين، ولكن وفي ذات اليوم الذي نُشر فيه مقال "لسنا عبيداً يا بخيت"، اشتدت حرب شرسة بين الخوالدة والمخابرات الأردنية على الفيسبوك، قال إنه وكلما فتح صفحة جديدة للتأثير على شباب الطفيلة للخروج بثورة عارمة قاموا بإقفالها، بطريقة أو بأخرى، واستمر ذلك لأكثر من شهر، وقال إن المخابرات حاولت الاتصال به عدة مرات فلم تفلح، لكنه نجح في تجميع عدد كبير من شباب الطفيلة والدعوة الصارخة للخروج إعلانا بعدم قبول ما قام به الرئيس البخيت، وكانت محافظة الطفيلة إلى ذلك اليوم لم تشارك بعد في “ثورة الغضب الأردنية”، فخرج شباب محافظة الطفيلة بالمئات يهددون بشعارات تصعيدية غير مسبوقة، وخلال شهري أيار وحزيران  تحولت الطفيلة إلى أكثر محافظة أردنية متأججة بالغضب والمطالبة بالإصلاح، وفي نهاية حزيران، جاء الخوالدة اتصالا من السيد الغامض "ع"، قال فيه إنه اتصال ودي بشكل كامل، وأنه يرغب من جلال زيارته للاطلاع على ملف كامل يضم أسماء جميع الذين يخرجون للاحتجاج في الطفيلة، وأن معظمهم من المجرمين وأصحاب السوابق، وأن ما يقوم به الخوالدة هو عمل خاطئ من ناحية وطنية، حيث أن دعم هذه الفئة من خلال الإعلام هو دعم للمجرمين وأصحاب السوابق، وقال أنه لا يطلب من الخوالدة سوى القاء نظرة على الملفات واحدا واحدا، وإذا تبين له صحة ذلك أن يتوقف لأن هناك جهود كبرى مع زعماء الحراك ووجهاء العشائر في الطفيلة وبعض النواب للتهدئة، وأصرّ على الحصول على وعد من الخوالدة بعدم كتابة أو ترويج أو فتح صفحات فيسبوك قبل أن يطلع على الحقيقة كاملة، فسألت الخوالدة: وماذا كانت اجابتك على كل ذلك؟ قال: قلت بصراحة وأمانة أنكم تأخذون منا الوعود ولا تنفذون الوعود من طرفكم، لماذا يعتقل البخيت شباب الطفيلة؟ لماذا؟ أريد أن أفهم العقلية التي جعلته يفعل ذلك، وفي المقابل ليس هناك أي تقدم على مسار الإصلاح. فأجاب السيد "ع": احنا ما دخلنا بالبخيت ولا بالإصلاح، انت تعلم أن المسألة لدينا كلها مسألة أمنية، والأمن هو الأساس، وليس لدي الحق كمسؤول أمني أن أدخل في محاسبة رئيس حكومة على قراراته وتفاعلاتها. فقال الخوالدة: والحل؟ ما هو الحل؟ أصبحنا بين المطرقة والسندان!!! كيف يمكننا معالجة أخطاء الحكومات؟ كيف؟!؟.

سألت الخوالدة: كيف انتهت المكالمة مع السيد "ع"؟ قال: ذكر لي أنني صاحب القرار في اعطاءه وعد من عدمه لكنه يتأمل زيارته والاطلاع على الملفات فقط، ولكنه ذكر أيضا أن الإخوان المسلمين يخططون بعد أقل من شهر لمذبحة أخرى على دوار الداخلية، ويحشدون لها في 15 تموز وأنني صاحب خيار تاريخي بين المزيد من التصعيد في عمان والطفيلة أو أن أتذكر وعدي عام 1991 بأنه إذا وصل التهديد عنق الوطن سأتدخل لصالح الوطن، وأقفل الخط!!.

سألت الخوالدة: وماذا كان قرارك؟ فقال: بدأت أرصد ما تحدث عنه السيد "ع" وتبين صحة دخول الإخوان المسلمين في "صفقة العمر"، الضربة اتي ستكسر عنق الأردن، بالتخطيط ليوم 15 تموز، وقد علمت من مصادر داخلية في الحزب، أن هناك مشاورات مع جهات خارجية وداخلية تتضمن تحويل دوار الداخلية إلى معركة سفك دماء، وقد ذكرت لي صديقة (يسارية) أن الإخوان طلبوا من شباب آذار رسميا التصعيد إلى أعلى درجة ممكنة، في الصدامات والشعارات، وانهم اتفقوا فعلا على تحالف اخواني يساري باسم قوى 15 تموز، وقالت لي أيضا أن مراسل احدى القنوات الاخبارية هو وسيط ذلك التحالف، وأن لديه أوامر بإشعالها بأي ثمن، فتذكرت حين كتبت في مقال سحقا لحرية التعبير [10] – ملحق 16 : "كلنا معارضة، حتى يتحقق الإصلاح الكامل، الذي يرضى به كل الشعب، ويشعرون بالعدل والانصاف، وكلنا موالاة إذا شعرنا أن نصل السكين قد يصل إلى عنق الوطن"، وقررت أخيرا أن أكتب مقال بعنوان: "المتعطشون للدماء في 15 تموز"[22]، وذلك بتاريخ،  12 تموز 2011، وكانت رسالة لوزير الداخلية ولكشف مخطط الإخوان وفضحهم على الملأ، ومع أني خسرت معظم أصدقائي الثوريين من غير الاخوان ومع ذلك علمت بأن المقال قد وضع أمام وزير الداخلية وقرر منع الاعتصام على دوار الداخلية وتحويله، حسب المقال، إلى ساحة مخصصة ذلك في وسط البلد، وتنفيذ اقتراحي بأن لا يحدث أي اشتباك مع الرافضين للاعتصامات أو رجال الأمن وأن يكونوا حريصين تمام الحرص على الابتعاد عن الاعتصام وحمايته فقط"، الملحق 17 في هذا الكتاب.

 

سألت الخوالدة: وماذا حدث في 15 تموز؟ فقال :"كانت احتفالية مذهلة من حيث حماية قوات الأمن للمعتصمين والمتظاهرين، لمنع تكرار ما حدث على دوار الداخلية، وقد حاول أحد الصحفيين المتشجنين الذي يعمل مع قناة الجزيرة افتعال مواجهة مع رجال الأمن وهدد أن يحرق عمان ( على الهواء) ومع ذلك انتهت على خير وسلام، وذهبت المؤامرة أدراج الرياح، مع خسارة فادحة في جبهة الاصلاح الحقيقية المعتدلة، وشخصيا تعرضت لهجوم شرس من كافة الأطراف، كانت النيران غير الصديقة من اقرب المقربين من المثقفين والاعلاميين، واتُهمت بالتحريض ضد المعتصمين !! صحيح أنني كنت قاسيا جدا على الإخوان المسلمين، بصورة متطرفة، ولكني كنت أيضا أتابع مسيرتهم في مصر، وبدأت أفهم جيدا أنهم سيقودون مصر نحو الخراب لا نحو الاصلاح الذي نحلم به، ورأيت كيف سيضيّعون آمالنا وحلمنا الذي وضعنا كل طاقتنا للحصول عليه بدون قطرة دم واحدة، فكتبت في جريدة الغد مقالا أشرح فيه ما حدث وأدافع فيه عن نفسي بعنوان " وقف التحريض ومحاسبة الحكومة"[23]، وقلت فيه: (..لم أكن مع اعتصام 15 تموز (يوليو)، واتهمت صراحة أنني كنت محرضا على عدم إقامته. ومع أنني كنت محذرا فقط من المواجهة، إلا أن هذه التحذيرات لم تكن هي الفعل، الفعل كان في الدعوة لهذا الاعتصام على دوار الداخلية، كما أعلن المنظمون في البداية، وقلت إن المكان المفترض يشي بنوايا المواجهة، والأفضل الذهاب إلى الساحات المخصصة لذلك حقنا للدماء. وكان التحذير أيضا، من تنامي ظاهرة الاستعراض والبطولات الوهمية، وسرقة جهود الإصلاحيين الذين بذلوا الكثير للوصول إلى هذه اللحظة التاريخية في تحقيق الإصلاحات الجادة، وتعديل الدستور وقانوني الانتخاب والأحزاب، والتي تحتاج إلى توحيد وتنظيم الجهود، لتحظى بمتابعة الفعاليات السياسية ومشاركتها وقبولها لكل المخرجات) – ملحق 18 من هذا الكتاب.

قلت للخوالدة: الذين سيقرأون هذا الكتاب، سيظنون أنك وحدك كنت تحارب على كل الجبهات، ألا يبدو ذلك مبالغة كبيرة؟ فوضغ يديه على فمه مقفلتين، وسكت لحظات ثم قال: "معك حق، ولا أعلم ما السبب حقا، كان هناك فعلا عدد من المهتمين ضمن المشهد السياسي، لكن ليس من وجهة نظري البحتة، كان يوجه اهتمامي بشكل خاص، كأنها نافذة مخصصة لك وحدك، لكن بلا شك أن هناك أشخاص كانوا يفعلون شيئا، فإما أنني لم يكن لدي الوقت الكافي لمعرفة ما يفعلون، أو أنني كنت متغطرسا يظن بأنه وحده من يمتلك الحقيقة ويعرف ويقدر حجم التحديات ويمتلك الحلول، أو قد يكون الامر كله بأنني أروي سيرتي الذاتية، من وجهة نظري، ومن لديه وجهة نظر أخرى، فلكتب بنفسه ما يريد! ممكن".

هززت رأسي وسألت: وماذا حدث بعد 15 تموز؟ قال: "لم اتوقف عن الكتابة وفضح المخططات، ولم أتوقف عن المطالبة بالاصلاح، فكتبت في 24 تموز 2011 ايضا مقال "المؤامرة الكبرى"[24]، والذي ذكرت فيه حرفيا، ولأول مرة صراحة في صحيفة أردنية : ((أليس تمسك مدير مخابرات سابق ورئيس ديوان ملكي سابق بالحرب غير المعلنة بينهما، وهي تتمثل في كل أحاديث الصالونات السياسية، ووصلت لمرحلة تجييش أبناء الوطن ضد بعضهم البعض هي مؤامرة لتقسيم البلد؟!؟ أليس تقسيم البلد إلى أردني وأردني فلسطيني هي المؤامرة الكبرى الأخطر التي تطبخ مادتها الرئيسية لدى الأعداء ويتم الترويج لها عبر المحبين والعملاء ومحاربي نظريات المؤامرة والمتخندقين خلف وجهات نظر وذكريات قديمة منسية ؟!؟)) ملحق 19، والتي فتحت نقاشا لم يتوقف لسنوات، لحين تم القاء القبض على مدير المخابرات سابق ورئيس ديوان ملكي سابق، وكذلك مقال : "على طاولة المطبخ السياسي"[25]، بتاريخ 31 تموز 2011، ملحق 20، والذي تحدثت فيه عن مقولة ذكرها لي دولة الأستاذ أحمد عبيدات: "سنشعر بالتغيير الحقيقي، يوم تتغير لدينا طريقة تشكيل وإقالة الحكومات"، عبارة ظل صداها يتردد في ذاكرتي لفترة طويلة، والسبب أنها صدرت من رئيس حكومة سابق، تولى إدارة المخابرات العامة في الفترة 1974-1982 ثم كان عراباً للميثاق الوطني عام 1989، وبعدها إنتقل بهدوء يشبه هدوء ما قبل العاصفة، إلى المعارضة، وأشرت فيه إلى الوعد التي تلقيتها من "مسؤول رفيع" بأن حكومة البخيت ستُقال في أواسط أو نهاية أيلول على الأكثر"، وأن الدكتور عون خصاونة هو أحد المرشحين.

سألت الخوالدة: من هو المسؤول الرفيع الذي أكد لك حكومة البخيت ستُقال في نهاية أيلول 2011 وأن الدكتور عون خصاونة هو أحد المرشحين؟ فقال بأنه التقى مسؤولين رفيعين جدا أحدهما من دائرة المخابرات وكان يشغل مدير دائرة مكافحة الإرهاب، والثاني شخصية أمنية كبيرة لا يمكنه تسميتها هنا، وتم ابلاغه بأن المسألة حسمت، وأنه يجري التفاوض مع عون الخصاونة على قدم وساق، ومن بعض الشعور بالرضى والاطمئنان عاد ليتحدث عن "نظام الملكية الحرة" الذي يشغل باله، فكتب في 14 آب 2011 مقال: "ماذا يريد الشعب الأردني حقا؟"[26]، ملحق 21، طالب فيه بنظام الملكية الحرة، وهو عبارة عن "حكومة برلمانية منتخبة يصادق عليها ويقيلها جلالة الملك، من 4 – 8 سنوات، وتعديلات دستورية تؤسس لمرحلة الديمقراطية الكاملة"، واستمر كذلك طيلة شهري آب وأيلول 2011، على أمل أن يصدق الوعد، ولكن تفاجأ الخوالدة، حسب ما يقول، بأن حكومة البخيت، وبعد اقرار التعديلات الدستورية، التي لم تعجبه، تنوي إرسال قانون الإنتخاب إلى مجلس النواب للإقرار بواقع 15 مقعدا للقائمة النسبية، وكان هو يطالب على مدار السنوات، بتغيير قانون انتخاب الصوت الواحد إلى قانون القائمة النسبية وبواقع لا يقل عن 50%، فكتب مقال: "قانون انتخاب عادل أو الإضراب الشامل"[27]، ملحق 22، قال فيه:( المعلومات المؤكدة تقول، أن حكومة البخيت، تنوي إرسال قانون الإنتخاب إلى مجلس النواب للإقرار بواقع 15 مقعدا للقائمة النسبية، ومع أنها تدرك أن هذا المجلس تحديدا، يتلهف لإقرار القانون الذي لم يتغير فيه الكثير عن الصوت الواحد، ولن يغير في وجوه المجلس القادم ابدا، ولن يؤدي إلى أية تنمية سياسية من أي نوع أو حجم، ولن يساهم في إرساء وتمكين المواطنة بالتمثيل السياسي العادل، ومع أنها تعلم أيضا، أن إرساله على هذه الشاكلة "الناقصة" سيؤدي إلى إشعال معركة سياسية مع الفعاليات الحزبية والشعبية، ومع ذلك فهي غير مهتمة، وتظن أن قدرتها على حسم المعركة لصالحها بسرعة، وبدعم من المتشددين، داخل الحكومة وخارجها، سيجعلها تحقق الإنتصار الساحق الأخير، على حساب الأغلبية والفعاليات السياسية والحراكات الشعبية.)  ودعا أيضا إلى إضراب رمزي في 9 تشرين الأول 2011 وقال: (شخصيا، سأستمر في الدعوة للإضراب الرمزي، إعتبارا من التاسع من تشرين الأول، والرمزي تعني، عدم الإرتباط بشكل واحد محدد من الإضراب، بل سيكون مفتوحا وحسب قدرة كل شخص أو حزب أو حراك يرى وجهة النظر تلك أو يتبناها، لكنه في النهاية إضراب ومقاطعة للسلطة التنفيذية والتشريعية ورفض كل ما يصدر عنهما من قول أو فعل أو نشاط أو قرار، سواء بالإضراب عن العمل أو الطعام أو أية فكرة رمزية تدلل على هذا الرفض، ولمدة 15 يوما فقط، وإذا لم يتلمس الشارع الأردني إشارات تدلل على أن الحكومة قد إستجابت للمطالب الشعبية المتعلقة بقانون الإنتخاب، فإننا سندعو مرة أخرى، إلى الإضراب الشامل، وستكون الحكومة مسؤولة أمام الشعب عن أية خسائر ممكن أن تحدث نتيجة هذا الإضراب وتتحمل وحدها تلك المسؤولية.)

يقول الخوالدة أنه ومنذ بدأ بنشر الدعوة إلى الاضطراب الرمزي في 9-10-2011 اعتراضا على قانون الانتخاب عجّت مواقع التواصل في الاستجابة لدعوته، فيس بوك وتويتر وغيرها، ولم يتفاجأ بحجم الهجوم الشديد الذي تعرض له من الأجهزة الأمنية، سواء تلك التي تستخدم مواقع التواصل الاجتماعي، أو الاتصالات الهاتفية، وحين بدا أن الأمر سيتحول إلى حقيقة كبرى تقلب الأوضاع، رأسا على عقب، اصدر في 9-10-2011 البيان الأول الموجه إلى المعارضة الأردنية، بكامل أطيافها، ونشر الرسالة على موقع زاد الأردن، وفي مواقع التواصل الاجتماعي بعنوان:"بيان الاضراب: رسالة إلى المعارضة الأردنية"[28]، ملحق 23، ومما قال في البيان: (كما تعلمون، وعلى مرأى ومسمع من كل الأردنيين، وضعت التعديلات الدستورية، بعد أن تم تسويقها للقيادة السياسية، بدون حكومة منتخبة، وإقرارها جهارا نهارا، وبدون إستفتاء عام على العقد الإجتماعي الأساسي، بين الحاكم والمحكوم، وإذ نحن على مشارف مرحلة أخرى حاسمة من تاريخ هذا البلد الطيب الأصيل، تتمثل في قانون الإنتخاب الذي تنوي الحكومة الحالية، ومن لف لفيفها من المتشددين والمتشدقين، إرساله للإقرار إلى مجلس لا يمثل كل الشعب الأردني ولا الفعاليات السياسية والشعبية والشبابية فيه، بواقع 15 مقعدا للقائمة النسبية على مستوى الوطن، والإبقاء على باقي بنود القانون على ما هي عليه، تكريسا لنظام الصوت الواحد "الأحادي"، الذي أودى بالحياة السياسية والديمقراطية في الأردن منذ عام 1993، وبواقع 115 مقعدا للمرشحين على مستوى المحافظات، وحيث أن الحكومة قد بادرت، بالدفع لإقرار المادة 23 من القانون المعدل لهيئة مكافحة الفساد ثم وعلى لسان وزير الداخلية قامت، بتهديد الإصلاحيين، في محاولة منها لترهيب دعاة الإصلاح، بكل الوسائل، لتتمكن من إقرار قانونها، وتمريره كما فعلت بالتعديلات الدستورية، فإنني أتقدم منكم جميعا، كهيئات وأفراد، لتوحيد الجهود، وللوقوف كسد منيع واحد، أمام هذه المحاولات، وبدء إضرابات رمزية، لمدة 15 يوما، للضغط على الحكومة، لتتراجع عن قرارها، ولتقديم قانون تصل فيه نسبة مقاعد القائمة النسبية البرامجية، إلى 50% على الأقل، وأنه في حال أصرت الحكومة على قرارها وخيارها، البدء في إضراب شامل، إعتبارا من الرابع والعشرين من تشرين الأول، بمقاطعة السلطتين التنفيذية والتشريعة، في كل ما يصدر عنهما من قول أو فعل أو نشاط) وقال في نهاية الرسالة (البيان): " أضع هذه الأمانة العظيمة في رقابكم جميعا، مطلب واحد بصوت واحد، قانون إنتخاب يحقق التنمية السياسية التي تحدث عنها جلالة الملك كثيرا، ووعد بها، ويقف بيننا وبينها قوى الشد العكسي وأعوانها، مستفيدين من تعدد المطالب وإختلاف المعارضة وإنشغال الأغلبية الصامتة في الجري والركض وراء لقمة عيشها".

يقول الخوالدة أن حجم الاستجابة للرسالة كان كبيرا ولكنه كان مشتتا، وأنه بدأ بالتنسيق مع بعض الشخصيات والاحزاب للتحول إلى الاضراب الشامل، ولكنه تفاجأ في السيد الغامض "ع" يتصل عليه هاتفيا، في 15 تشرين الأول ويطلب منه وقف الاضراب والضغط على حكومة البخيت للاستقالة، مقابل وعد بأن تقدم استقالتها خلال يومين أو ثلاثة، ويتم تعيين الخصاونة، حسب الوعد القديم، ومع أن الخوالدة قال أنه شبع من تلك الوعود، ومع ذلك قال: "ثقتي بالسيد "ع" كانت دائما كبيرة، فالبخيت كان يتحدث عن تعديل وزاري، وكانت الوساط السياسية كلها تتحدث أنه باق مع تعديل وزاري، أي لم يكن لدي خيار سوى المراهنة على فكرة السيد "ع"، لأن الخيار الثاني المتاح، في تلك اللحظات المشحونة، هو أن يتم التعديل الوزاري وتذهب كل الجهود سدى، والذي يعني أيضا، احتمالية عدم نجاح الدعوة للاضراب".

لذلك، كتب الخوالدة في 16-10-2011 ، وقبل يوم واحد من اقالة حكومة البخيت مقالا بعنوان: "بالله عليك أن تستقيل"[29]، ملحق 24، وقال فيه ( يتحدثون عن نيتك في عمل تعديل وزاري! أي تعديل والبلطجيات قد راحت تهدد نسيج المجتمع، أي تعديل وملف البلديات أقلق مضاجع الناس؟ أي تعديل وقانون الإنتخاب قد رُفض شكلا ومنطقا قبل إقراره؟ أي تعديل وقد بدأ "الذي يسوى والذي لا يسوى" يمس هيبة الدولة، هيبة الوطن العظيمة، فهذا يحمل السلاح وهذا يقطع الطريق وذاك يروج للفتنة وآخر يهاجم الإصلاحيين وبقية الناس والشعب "تموت" من الفقر والبطالة وغلاء المعيشة؟ أي تعديل وقد استنفذك مجلس "ثقة 111" مجلس الصوت الواحد "المتوحد" وراحوا يجمعون الحطب تحت كرسيك الذي أقروه و"ثبتوه" قبل شهور فقط؟ هل تظن أن تعديلك سوف ينقذ الوطن؟ بالله عليك يا دولة البخيت، إرحمنا وقدم إستقالتك مع توصية بأهمية تشكيل حكومة وطنية توافقية، تحظى بقبول الفعاليات السياسية والحزبية الوطنية، بالله عليك يا دولة ابو سليمان.. أن تستقيل).

سألت الخوالدة: وهل فعلا استقالت حكومة البخيت؟ فأجاب: "نعم، استقالت في 17-10-2011، مع صدمة كبرى لكل الأوساط السياسية التي راهنت عليها، وتم اختيار السيد عون الخصاونة رئيسا للوزراء، فشعرت اننا في بداية الطريق الصحيح لأول مرة". فسألته: وأين اتجهت بعد ذلك؟، فقال: "بدأت أدعم حكومة الخصاونة، خاصة في ماقالاتي في "صحيفة الغد" الأردنية، وأطالب في ذات الوقت بـ "التمثيل السياسي العادل"، بحيث يتم تشكيل لجنة حوار جديدة خاصة بقانون الإنتخاب يعكس التمثيل السياسي العادل بحيث لا يقل عدد مقاعد الأحزاب والكتل السياسية عن 50% من عدد مقاعد المجلس النيابي مما يضمن أن كل سكان الأردن، دون إستثناء، لهم ممثلين سياسيين في مجلس الأمة، من خلال قائمة مرشحين لديهم برنامج سياسي متكامل ومن كل المنابت والأصول، ودون الخوف من مشروع الوطن البديل، بحيث يحصل في قانون الإنتخاب كل ناخب أردني على صوتين، بغض النظر عن تسمية القانون بالمختلط أو بقانون 2011 أو بالقائمة النسبية أو بأي شيء، قانون إنتخاب يحقق العدالة والتنمية السياسية الصحيحة، وتصبح كل محافظة في الأردن دائرة واحدة مستقلة، والعاصمة عمان واحدة منها، وبناء على التعداد السكاني يخصص لكل محافظة، عدد مقاعد يتناسب وعدد سكانها، وبما أن المقاعد المخصصة هي 130 مقعدا للمجلس النيابي فيمكن أن يتم إيداع 24 مقعدا لحصص الكوتا وهي المقاعد المسيحية والشركسية والشيشانية والمرأة ويبقى لدينا 106 مقاعد تقسم مناصفة بين مرشحي المحافظات المستقلين وبين مرشحي الأحزاب والكتل السياسية التي تقدم نفسها وتعلن مشاركتها بناء على هذا الإمتياز، فتخصص للكل مجموعة 53 مقعدا)، وقد شرح الخوالدة فكرته السابقة بشكل مفصل مع جداول في مقال بتاريخ 30-10-2011 بعنوان: "التمثيل السياسي العادل"[30]، ملحق 25،

يبدو أن تعيين السيد عون الخصاونة رئيسا للوزراء قد أزاح عن كاهل الخوالدة عبئا ثقيلا، حيث بدت مقالاته، التي خضعت للبحث، خلال الفترة اكتوبر 2011 ولغاية ديسمبر 2012 أقل حدة، فقد تراجع قليلا عن مهاجمة الحكومات على أمل أن تقوم حكومة الخصاونة بكافة الخطوات والإجراءات الاصلاحية التي كان يطالب بها، كما كان يظن أو يأمل، وقد بدا ذلك في جميع مقالاته في صحيفة الغد اليومية، التي افتتحها بمقال  "أول حكومة أردنية بدون تدخلات"[31] ملحق 26، وكذلك مقال " مرحلة لا تحتمل الصخب والتخوين"[32]، ملحق 27، في صحيفة الغد، بتاريخ 2011-11-22، ولكن أيضا لم يتوقف عن مماحكاته بشكل كلي، فقد عاد يهاحم قدرة حكومة الخصاونة على الشمولية وقدرة رئيسها على تولي المسائل الإقتصادية الحرجة بفهم وشمول أكثر، كما في مقال:"الرئيس في غرفة العمليات"[33]، ملحق 28، الذي ناقش فيه عقلية الرئيس الخصاونة اقتصاديا وصراعه الهش حول الولاية العامة، حسب المصطلح الذي ذكره الخوالدة في هذا اللقاء، وقال فيه:" هل حقا لم ينجح الخصاونة، حتى الآن، في صراع الولاية العامة؟ سأقول له ملاحظة علّها تساعده على اتخاذ القرار المناسب، وهو أن الأجهزة الأمنية، إنشغلت خلال سنوات طويلة في صناعة المطبخ السياسي ووضعت كل تركيزها على الشؤون السياسية، وبغض النظر عن خطتها الحالية في الإنسحاب التكتيكي لصالح رئاسة الوزراء، لكنها لم تحاول، إرساء مطبخ إقتصادي ولم تكن لديها دوائر معنية ومختصة في الشأن الإقتصادي، فكانت هذه المهمة من إختصاص الحكومات المترهلة المتعاقبة، وتُركت للإرتجال والتخبط، ولذلك، فعلى الرئيس، الذي يريد ولاية عامة حقيقية، أن يبدأ بالإقتصاد، وبالتخفيف عن الناس في الضرائب وغلاء المعيشة، ويعالج مشكلتي الفقر والبطالة بكل الوسائل الممكنة، وأن يبدأ بجذب الإستثمار، وتقليص الهوة بين القطاعين العام والخاص، بالإضافة إلى تسريع مكافحة الفساد، من خلال خطة شاملة متكاملة، وهذه وحدها ستجعل الولاية العامة سهلة بين يديه، ولن ينافسه أجهزة امنية ولا غيرها، لأن الناس ينصتون إلى من يهتم بأوجاعهم الحقيقية ومن يجد لها حلولا ناجعة، ولا يعنيهم كثيرا حصص الأحزاب ومقدار التمثيل في مجلس النواب، بل ما يعنيهم، أن لا تبقى أيديهم ممدودة.. إلا لرب السماء بالدعاء"، وقال أنه قدم في هذا وصفة سحرية للخصاونة تعينه على ضبط الولاية العامة تحت جناحيه، لكن يبدو أن الخصاونة لم يطلع على هذا المقال، أو تجاهله من قبل من هم حوله من المستشارين الذين كانت تحركهم أيضا الدوائر الأمنية، (حسب الخوالدة) فساهموا في استقالته لاحقا بسبب عجزه عن تولي مسؤولياته كاملة شاملة.


وكالعادة، أصيب الخوالدة بنكسة كبرى، 

ملحق 29، 

 الإخوان ووصفة الأنفاق والجسور

جلال الخوالدة يكتب لزاد الأردن: الإخوان ووصفة الأنفاق والجسور

08-01-2012

خاص - اعتمد منهج الإخوان المسلمين، خلال الفترة السابقة، وصفة سأطلق عليها الأنفاق والجسور، فهم يحفرون نفقاً للوصول إلى السلطة.. ثم يخترعون جسراً لكسب تعاطف الشارع.

الأنفاق التي بدأ الإخوان المسلمون بحفرها، والتي تؤدي في معظمها نحو مبنى الرئاسة في الدوار الرابع، أو أبعد من ذلك، تمثلت في مخطط تصعيدي محكم، بدأ منذ تولي الدكتور معروف البخيت رئاسة الحكومة السابقة، حين تكشّف لهم، أن حراك ذيبان وانطلاقة أول جمعة غضب أردنية في 14- كانون الثاني - 2011 بدونهم، وبدون مشاركتهم، قد بدأت تؤتي أُكلها، وحين اذهلهم إقالة حكومة الرفاعي، ثم سقوط مبارك، وتقدم إخوان مصر، جمعوا أوراقهم بسرعة وارتباك، ووضعوا مخططات "مشوشة"، واجهت خلافات بينهم في البداية، لكنها بدأت ولم تتوقف لغاية الآن.

قيل أن الإخوان لديهم علاقات خارجية متينة، لكننا لم نتأكد حقيقة من صحة علاقتهم "التمويلية" مع إيران، وهذا ليس موضوعنا، وقيل أيضا أنهم بدأوا علاقات مباشرة مع امريكا، وقدموا بعض التنازلات، ولكني أشك أن يجري أي من ذلك بدون علم الدولة الأردنية، أو من وراء أجهزتها المعنية، في مستوى متقدم، قد يجهلونه أو يعلمونه، ولكن على كل الأحوال، الأنفاق السرية التي حفرها الإخوان وصلت عتبة الدوار الرابع ووقف على باب الرئيس الخصاونة، لكن تكلفتها الشعبية كانت كبيرة، فقد خسرت الحركة التعاطف الشديد القديم من العشائر، وخسرت أيضا، خلال إنشغالهم بحفر الأنفاق من جهة والتصعيد من جهة، التعاطف الشعبي الأردني، الذي كان يظن، بشكل عام أنهم حركة دينية تسعى لكلمة الحق والدين وإعلاء كلمة الله في الأرض وتبين للناس أنهم مجرد حركة سياسية لها أهداف خارج سياق الدين، بعضها واضح ومعظمها مشوش وغامض.

بالطبع لم يكن امام الرئيس عون الخصاونة إلا أن يتودد للإخوان المسلمين، فهو يعلم، والجميع يعلم، ان الأنفاق التي تم حفرها، يمكنها ان تسقط أية حكومة والدليل سقوط حكومة البخيت، ولم يجد الرئيس بُداً من أن يبادر ليعرض عليهم المشاركة في حكومته، تلك التي يعلمون أنهم لا يستطيعون المشاركة فيها، لأن قواعدهم الشعبية سترفض ذلك رفضا قاطعاً، وستكون الخسارة مضاعفة، ثم عرض عليهم عودة حماس إلى الأردن، كورقة مزدوجة ترضيهم وترضي دول شقيقة، ثم أرسل لهم رسائل عديدة، علنية وشفهية، تطمئنهم على الإنتخابات البلدية والبرلمانية، ولم يكتف بذلك، بل حقق لهم، كما حقق للأردنيين جميعا بالطبع، ولا ننكر ذلك، تعزيز مكافحة الفساد، وحاول جاهدا أن يجعل من ولايته عامة مطلقة قدر المستطاع، أملا في إرضائهم تماما.

في هذه الأثناء، كان لابد من إستعادة ثقة الشارع الأردني، على الأقل النخب الأردنية كالمثقفين والإعلاميين وكذلك طبقات سياسية كالليبراليين واليساريين والقوميين، وهناك بدأ تخطيط "الإخوان" لإختراع الجسور، فأين تلتقي هذه النخب والطبقات؟ تلتقي تماما في منطقة المواجهة مع العشائر، وتلتقي أيضا مع توريط الأجهزة الأمنية، وتحميلها المسؤوليات، أية مسؤوليات ومن أي نوع، وقد ينتج عن ذلك أيضا تعاطف فئات أخرى من الشعب، حتى من العشائر نفسها، فجرى تخطيط الجسر وأُعلن عن بناءه، وانتقل الإخوان إلى المفرق.

لم يؤلمني تعاطف السياسيين من ليبراليين وقوميين مع الإخوان، سواء لجهلهم أو لتماشي وتوافق المصالح والأهداف، ولكن ما آلمني حقا، هو ظهور الشيخ زكي بن رشيد يتهم أجهزتنا الأمنية بالتنسيق مع الموساد، وآلمني أكثر أن "الإخوان" لا يعرفون إن كانوا مع فك الإرتباط أم ضده، وهل يعلمون أو لا يعلمون إن كانت مخططاتهم قد تؤدي أن يصبح الأردن وطنا بديلا أم لا، وآلمني أكثر أن يعود الرئيس الخصاونة، بعد كل هذا، ليتودد إليهم، وأوجعني حقا، أن أكبر حزب في الأردن، ينشط في بناء الأنفاق للوصول إلى السلطة وإحكام السيطرة عليها وتهديدها ويعبث ويخطط لبناء الجسور لكسب تعاطف الناس، لكنه لا يعرف لماذا يفعل ذلك، ولا يعرف ماذا يريد بالضبط، وإلى أين يتجه!!

 

 

أوركسترا مصر

خلال العامين 2008- 2010، بقي جلال  و "ك" معا لم يفترقا، سافرا إلى مصر معا، وكتب لها "أوركسترا مصر" التي يقول في مطلعها: "أيهزمني اشتياقك مرتين، مهلا، ما زلت أجثو عند ذكرانا معا، والنيل يمشينا معا، وتجرنا فرسين، ما زلت أقبع في انتصارك والهوى، رث اليدين..." وانطلقا إلى لندن، وكتب لها "قصيدة حلوى الدنيا"، والتي يقول في مطلعها: "حلوى الدنيا، أن تحيا أياما باردة في الصيف، تجلس حيث تطل على بغ بن، أن تؤمن، ان تتمثل روح الله، تهب للندن هذا السحر، فتؤمن ان مسيح العالم، كان نبيا وليس الأبن، أن تمشي قرب بحيرة هايد، تتنقل حول التايمز، تتلحف عشقا أبديا، أغرته طفولتك المثلى، مهما تتقدم في السن...".

كانت "ك" وخلال جميع تلك الرحلات المفعمة بالحب والعشق والغرام، تتجنب أن تسأل جلال عن حياته الزوجية، بشكل كامل، ولكنها طلبت منه أن يتزوجا وأن تنجب منه ولدا لها، لأنها حرمت من ابنها الوحيد، وتريد لهذا العشق أن ينتج طفلا يحيا بذكراه الأبدية، حاول الخوالدة التملص، وقال أنه لا يريد الإنجاب، ولكن في كانون الأول/ ديسمبر 2008 ، قال لها أنه ولدت له طفلة، فحزنت، وبدأ ألم جديد يتصاعد في حياتها، حاولت معه عدة مرات، ولكنه كان يقول لها أن هذا الحب سينتهي في المكان الذي تحاولين الذهاب اليه، اتصلت أمها معه مكالمة شخصية، قالت سأطلب منك أمرا، ولا أظنك سترفض طلبي، قال السمع والطاعة، قالت تقدم لـ "ك" من يريد الزواج منها، ونريدك المساعدة في موافقتها، صمت جلال، كالعادة، شعر بالدوار، كان يظن أن هذا الحب وتلك العلاقة لا مثيل لها كما هي، وعرف في تلك اللحظة أنها بدأت تتهاوى، كانت والدتها ترجو أن تتزوج وتصبح أما من جديد، بعد أن حرمت من ولدها، لم يكن هناك مناص، قال ليبرر، كان ذلك نبلا...!، فبدأ برحلة اقناعها أن تتزوج وحين رفضت رفضا قاطعا، وأقسمت أنها تخلت عن كل طلباتها، لم يكن امامه، حسب ما ذكر، سوى الابتعاد التدريجي عنها، لتشعر بالصدمة، وتذهب للزواج وتحقيق حلمها في انجاب صبي، وهذا ما حدث، بدون تفاصيل موجعة.

 بقي الخوالدة يمارس الكتابة السياسية حتى العام 2015 بشكل أسبوعي، مطالبا حسبما يذكر بتعديل الدستور الأردني وتعديل قانون الانتخاب وكذلك مطالبا بحكومة أردنية منتخبة، باعتبارها جوهر العملية الإصلاحية التي تعفي ملك الأردن من مسؤولية أخطاء الحكومة الكثيرة، والتي تعمل باسم حكومة جلالة الملك، فقرر مرة أخرى الانسحاب من المشهد السياسي بناء على شرط وضعه على نفسه في حال أن المجلس النيابي المنتخب في الأردن في العام 2015 لم يؤلف حكومة منتخبة، فإنه سينسحب إلى الأبد.

 

الانسحاب الثامن

خبير اعلام واعلان

قدم الخوالدة أوراق ومستندات خبراته الموثقة إلى الجهات المعنية في دولة الإمارات العربية المتحدة، فأصبح أول خبير إعلام وإعلان معتمد في الشرق الأوسط، وخلال 10 سنوات قدم المئات من تقارير الخبرة الإعلامية سواء بتكليف من المحاكم ودور القضاء أم تقارير استشارية مختصة في مجالي الإعلام والإعلان، والخبرة هنا تعمل كمعاون للقضاء، يتحول ملف الدعاوى إلى الخبير بحضور أطراف الدعوى، ويبحث الخبير القضية بالاطلاع على المستندات وسماع الشهود والبحث في المسائل الفنية وليس المسائل القانونية، وخلال تلك الفترة ألف الخوالدة كتاب "الأعراف الإعلامية والإعلانية" لكنه لم ينشره لغاية الآن، لأسباب لم يفصح عنها،  عاد للتدريب الإعلامي مع كل من معهد واشنطن الدولي و"مركز ريبورترز" خلال العامين 2012 و2013 وفي العام 2014 أسس "معهد التدريب الإعلامي الدولي"، الذي يقدم دورات إعلامية متخصصة في أكثر من 16 منهجا مختلفا.

 

الانسحاب قبل الأخير

نورسين والتحكيم

في العام 2015 أسس الخوالدة مؤسسة "نورسين للاستشارات الإعلامية والإعلانية"، وانتسب إلى هيئة التحكيم الدولي، وحصل على الدبلوم العالي في فض النزاعات عن طريق التحكيم، وبقي يمارس عمله كخبير إعلام وإعلان للمحاكم ودور القضاء ومكاتب المحاماة، إضافة إلى عمله في البحوث والدراسات الإستراتيجية وكذلك في التدريب الإعلامي وتصميم الفعاليات الدولية، حيث أشرف على تصميم مؤتمر المعرفة ومهرجان الفن التشكيلي العربي الثاني في دبي، بالتعاون مع مؤسسة وطني الامارات، وإعداد وتصميم فعاليات مركز رواق عوشة الثقافي خلال الفترة 2019- 2020، فقدم الرواق مسرحية من تأليف جلال الخوالدة وإنتاجه بعنوان "طموح زايد يعانق الفضاء" والتي عرضت أمام معالي وزير التربية والتعليم في الإمارات، في 25 فبراير 2020 وحازت على اعجابه واستحسانه، وطلب عرضها لجميع مدارس الإمارات، ولكن جائحة كورونا 2020-2022 وإجراءات التباعد الاجتماعي التي فرضت عالميا، منعت عرضها ووقف كافة الفعاليات.

 

الانسحاب الثقافي 

إلى الفلسفة وعلم الكونيات

 تحديث أكتوبر 2023


مراجع:

[1] الدستور: الالاف تابعوا الحلقة الاخيرة من `سوبر ستار`: عمان تزف ديانا الى عالم النجوم

[2] جلال الخوالدة يكتب لزاد الاردن : إرحل يا دولة الرئيس

[3] زاد الاردن تحتفل بتكريم الشخصيات الوطنية التي فازت باستفتائها

[4] جلال الخوالدة يكتب لزاد الأردن: سقوط الأقنعة

[5] جلال الخوالدة يكتب لزاد الاردن : من تخدعون يا حكومة؟

[6] ثورة الغضب العربية ليست ثورة الجياع

[7] جلال الخوالدة يكتب لزاد الأردن: كأنك يابو زيد ما غزيت

[8] جلال الخوالدة يكتب لزاد الاردن: الاستفتاء.. واقتراح المَلَكية الحرّة

[9] جلال الخوالدة يكتب لزاد الأردن : الأردن قصة شعب يعشق وطنه، زاد الأردن، 31-1-2016

[10] جلال الخوالدة يكتب لزاد الأردن: سحقا لحرية التعبير

 

مصادر أخرى

[1] جلال الخوالدة، قصتي مع "ديوان الرقابة والتفتيش الإداري، المدينة نيوز، 3 حزيران 2010

[2] جلال الخوالدة يكتب لزاد الاردن: لسنا عبيداً يا بخيت

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

ملاحق كتاب بيوغرافيا الانسحاب – نورا المطيري

ملحق 1

توصية وزارة الثقافة الواردة على غلاف رواية ليست للنشر لجلال الخوالدة

((تنبني الرواية على مخطوطة وجدها المؤلف جلال الخوالدة عند "عاصي السرجي" وهو الشخصية الرئيسية التي يقوم عليها البناء الروائي، والمؤلف هنا يوهمنا بأنه ينقل الينا هذه المخطوطة بحذافيرها وكما وجدها تماما لا حذف ولا تعديل باعتبارها السيرة المفترضة لعاصي ابن القرية الذي كان طالبا في ثانوية المدينة الساحلية (المنار) وهناك تدور احداث الرواية وتتحرك شخصياتها مثل زملائه في القسم الداخلي القادمين من قرى الجنوب، ورجال الشرطة والعاملين في التهريب ومدير المدرسة ورجالات المدينة الصغيرة ويروي عاصي في مخطوطته حكايته المثيرة وتورطه في كشف تفاصيل كثيرة عن هذه الشخصيات واسرارها..

الرواية من النوع النفسي البوليسي وترصد تحولات قرية ما في الوطن العربي بتسميات مفترضة لا وجود لها واقعيا، وما نراه هنا ان الكاتب قد نجح بتفوق في قيادة شخصياته والتعبير عنها بشكل فني ناجح.. فاللغة في الرواية متنوعة الدلالات والتقنيات السردية غير تقليدية والاطار الحكائي الواقعي هو المسيطر)).

 

ملحق 2

خواطر - ماذا تعلمت – جلال الخوالدة

"عندما تقرر الاحتفال، لا يخطر ببالك لحظات الانكسار التي تعقب - غالبا - نهاية الاحتفال، ومع أن صورة اختفاء الجميع تظل في مخيلتك، فإنك - بأية صورة- تبعدها عن تفكيرك، وتحاول التركيز على المتعة لحظة بلحظة.

أول لحظة عملية في "الحيــــاة " لدي، بدأت بالفعل عند نهاية الاحتفال، في الخامس عشر من آب لعام 1988، في تمام الثانية عشرة والنصف ظهرا، كان الجميع قد بدأ يغادر أرض الاحتفال، أحد اصدقاء والدي ويدعى "ابو خالد عصفور" دعا الى غداء الميت لديه في البيت، فذهب كل المدعوين برفقته، وتلاشت كل المظاهر التي بدأت بالبكاء صبيحة ذلك اليوم، ثم الطبيب الذي يقرر أنها وفاة طبيعية، ثم بروتوكول "التغسيل" ثم صلاة الظهر، ثم السيارات ذات الالوان المتعددة التي تحمل صاحب الحفل الى مثواه الاخير.

 

الدعوة التي وجهت لي أثناء استغراقي في النوم، وتم فيها استدعائي على الفور، أظن أنها السبب الوحيد لكل ما آلت إليه الامور بعد ذلك وحتى هذه اللحظة، الدعوة كتبت بصوت صارخ قادم من المستحيل بكلمتين هما "ابوك مات".

ثمانية عشر عاما كاملة، مرت على وفاة والدي، مئات الملايين من اللحظات وما زلت أقبع في قعر تلك اللحظة التي بقيت فيها وحدي عند القبر اتأمل كل وسائل الخروج."

 

ملحق 3

نص ميثاق العمل الإذاعي والتلفزيوني – كتاب المذيع التلفزيوني التدريب والتأهيل – جلال الخوالدة

حرصاً من المذيعين ومحرري الأخبار ومقدمي نشراتها في الوطن العربي، وتماشيا مع شرف مهنة العمل الصحفي والإعلامي والإذاعي العالمي، لأداء هذه المهنة في اطار من قيم المجتمع وتراثه، وبما يتماشى مع الضمير الإنساني، وحيث أنه لا يوجد لغاية الآن، في بداية الألفية ميثاق شرف للعمل الإذاعي والتلفزيوني العربي، فإنني وبكل تواضع أتشرف أن أضع الملامح الأساسية لهذا الميثاق، على  أمل تطويره وتعميمه قدر الإمكان، ويشتمل على ما يلي:

أ- المبادئ العامة:

1. العمل الإذاعي والتلفزيوني أمانة في ضمير جميع العاملين في القطاع الإذاعي والتلفزيوني يحملونها لصالح المجتمع.

2. العمل الإذاعي والتلفزيوني مسؤولية يشعر بها كل جميع العاملين في القطاع الإذاعي والتلفزيوني خلال أداء أعمالهم في إذاعة الأخبار وتحريرها وتقديمها للمجتمع.

3. كل من يعمل في القطاع الإذاعي والتلفزيوني مسؤول مسؤولية مباشرة عن حقوق الجمهور ومستقبلي الإذاعة ومشاهدي التلفاز وتشمل على سبيل المثال وليس الحصر: تقديم المعلومات الصحيحة في حينها، عرض وجهات النظر المختلفة دون تحيز أو إثارة، بث الثقة بين المواطنين، الالتزام باحترام الحريات العامة، حماية الوحدة الوطنية والسلام الاجتماعي، المشاركة في تشكيل الذوق العام تشكيلاً سليماً.

ب- الأخلاقيات:

جميع العاملين في القطاع الإذاعي والتلفزيوني يجب أن يعلموا أن مصادر الأخلاقيات هي:

التعاليم السماوية، الكرامة الوطنية والإنسانية، المثل العليا، سيادة القانون، حرمة الأسر ورعاية الطفولة، الإيمان بالكلمة الصادقة، الصدق مع النفس، المظهر اللائق في الأداء، الحفاظ على أسرار المهنة.

   ويحظر على جميع العاملين في القطاع الإذاعي والتلفزيوني في ظل الأخلاقيات السابق ذكرها ما يلي:

1. أي مساس بالعقائد والقيم وإثارة الطوائف.

2. أي مساس بالأهداف القومية والوطنية والتراثية.

3. أي مساس لنظام المجتمع وهيكلته.

4. أي مساس بقيمة العمل والعاملين.

5. أي استغلال لغرائز الجماهير.

6. أي تجاوز للحريات المكفولة للغير بالقانون.

7. اذاعة وتقديم ونشر وبث الأسرار العسكرية والوطنية والقومية.

8. اذاعة وتقديم ونشر وبث ما يدعو للانحلال وما يدعو للإحباط.

9. اذاعة وتقديم ونشر وبث ما يدعو للعنف وما للجريمة.

ج- واجبات المذيع التلفزيوني والإذاعي ومقدمي ومحرري الأخبار:

1. الارتفاع المستمر بمستوى الأداء.

2. مراعاة التحديث والابتكار.

3. مراعاة التوازن بين القيمة التثقيفية والترويحية.

4. مراعاة استقصاء ثبات المعلومة وصدقها من مصدرها.

5. عدم التقليل من شأن أي عمل كبير أو تعظيم أي عمل صغير.

6. عدم الاصرار على الخطأ.

7. احترام آداب الزمالة وعدم تجريح زملاء المهنة أو التقليل من شأنهم).

 

ملحق 4

مقدمة "كتاب الله.. دلالات عقلية" – جلال الخوالدة

((فكرة هذه الدراسة ليست ترويجا لأفكار تتعلق بإنسان مسلم أو مسيحي أو يهودي أو مُلحد أو أي كان، انما جاءت بناء على أفكاري ككاتب وروائي وصحفي، وبعد أن مرت بي لعبة "الشك واليقين" وتوقفت في محطات أدبية أثناء جولاتي التي بلغت حوالي 20 عاما في الادب العالمي، اعتقدت خلالها أنني اقتربت من إدراك ما تحويه لغتي الأم "اللغة العربية" من معان وصور ومقارنات، وقد أكون لامست مواطن القوة والضعف فيها، وحاولت فهم استعمالات وطرق توظيف الكلمة في الجملة، والجملة والموضوع في النص، ولم أشرع في كتابة هذه الدراسة إلا بعد جولة  قضيتها غائصا في الكلمة والقصة والدراما والسينما، لا شك بأن جميع العارفين والمطلعين يفهمون معنى قراءة الآداب العالمية بتعمق، فمثلا من يقرأ هيرمان ملفل، مؤسس الأدب الأمريكي، في روايته المعروفة "الموبي ديك" ويتوقف طويلا عند المعاني التي أوجدت الصور والتشبيهات حين طالب مساعد القبطان آخاب "ستاربك" من نجار السفينة أن يصنع قوارب نجاة ولم يجد النجار سوى خشب توابيت الموتى، وتعجب النجار من المفارقات التي تستدعي أن تكون التوابيت هي قوارب النجاة، فقال" لا أحب أن أمس بيدي إلا مهمات نظيفة بكراً رياضية قلبا وقالباً، أموراً تبدأ بانتظام في البداية وتكون في الوسط حين تبلغ الوسط وتأتي إلى النهاية عند الختام، لا مهمات إسكاف تكون منتهية في الوسط، وعند البداية تكون في النهاية..".

كم ضحكت وبكيت وتألمت وتعلمت وأنا أقرأ بتمعن وأدقق في كل ما قيل أنه عملاً أدبياً يستحق القراءة، كنت أتابع فيها التوظيف اللحني والكلامي في المشاهد الإبداعية في هذه الاعمال، الصورة المذهلة والبناء والفعل ورد الفعل، المساحات الهائلة التي افترشها كتاب العالم منذ بداية عهد الكتابة والتأليف ومبدعي القرنين التاسع عشر والعشرين الذين أثروا خيال البشرية فخلقوا عوالم مذهلة، رسموها وهندسوها واحيوا فيها دنيا وحياة وتجاربا واختبارات لمتلق لا يسعه اختبارها أثناء عمره القصير المحدود، ولأني كنت مغيباً لفترة طويلة عن الدين، مع أنني نشأت في عائلة مسلمة حتى توفى الله والدي – رحمه الله - وبدأت أزاول مهنة الصحافة مبتعدا ومتشككا في قدرة الغطاء العائلي على إقناعي بأنني مسلما بالوراثة، وكأنني أرث هويتي وشخصيتي وما تم تلقيني به من غير تفكير!! لأصبح ملتزما ومتعصباً لطائفة ما أو ديانة ما دون أن أُخضع عقلي للفحص والتفكير. فابتعدت كثيرا، إلى حيث لا يمكنني التراجع، وبذلت جهدا جبارا في التخلص من كل ما فُرض عليّ، لدرجة اقتنعت فيها أنني سأفضل البقاء كذلك بلا ديانة على أن أضحك على نفسي أولا، وأجامل كل من هم حولي.

وقبل أن أشرع في وصف حالتي في ذلك الوقت، والطريق الشائك المُهلك الذي سرت إليه بعد ذلك، لا بد أن أوضح المقصود من أنني كُنت مُغيباً عن الدين، مع أن جميع من هم حولي في دوائري الصُغرى والكبرى، كانوا مسلمين من الطرازين الأول والثاني، وللحق، فلم يكن العيب في الاسلام أبداً، فتعاليمه وتشريعاته كانت تدلل على عقيدة تصلح لضبط السلوك البشري، واتزان منظومة العلاقات والمعاملات الإنسانية،  وتحكم وتضبط آلية العلاقة بين الخالق والمخلوق، ولكن هذا كلّه لم يشفع لعقلي إذ امتد بصري خارج دوائري الكبرى، ففي الدائرة الواسعة هُناك أديان سماوية أخرى، وفي الدائرة الأشمل هُناك الآلاف الديانات والمعتقدات غير السماوية، وفي الدائرة المطلقة هُناك خالق أوجد كُل هذه التركيبة وأرادها أن تكون كذلك، على ما وصفتها لكم، بذات الدقة والتفصيل، ووجدت أن السبعة مليارات من البشر المتوفرين على هذه الكرة الأرضية يدينون بعقائد آبائهم وأجدادهم، يتحمسون لها ويبذلون في سبيلها كل غال ونفيس، وقد يتقبلون الموت في سبيل ذلك، والقلة القليلة فقط ، القليلة جداً، في هذا الوقت من الزمان من يعتقدون بعد تأمل بحيادية كاملة، دون أن يستشهدوا بحرف من دين آبائهم، بعد تحييد كامل لما ورثوه عن أجدادهم، أو تحييد كامل لمصالحهم الدنيوية أو خوفهم، ولكل منهم سلاح خطير عجيب يصعب مجابهته أو محاربته أو مُجادلته.

توقفت هُناك، رفضت بشكل نهائي أن أكون واحداً من هؤلاء، وسألت نفسي لو كُنت ولدت في عائلة مُلحدة في روسيا، واقعياً، هل سيخطر ببالي أن أكون موحداً لله؟ الحقيقة لا، لن يخطر ببالي إذا لم تتم دعوتي بطريقة مُقنعة، وسأموت مُلحداً دون حُجة من أحد، وسأكون مثل أي يهودي أو مسلم أو نصراني  لم يطرق باب التفكر الحيادي الموضوعي والتأمل الحقيقي والبحث العلمي الذي يتناسب مع عقلي وخلقي.

وحتى لا تكون هُناك حُجة لأحد عليّ، ولا حُجة لأحد على من سيحذو حذوي، أقول بأن هذا حق مشروع لكل إنسان ولد على هذه الأرض، حقٌ لا يُصادر، فالعقيدة تُنتزع ولا تُعطى، وإن لم أتمكن منها فلن أعيش في ظلالها مُنافقاً، وستكون حجتي يوم الدين – يوم الحساب والعقاب – أشد من حجة من ورث دينه عن أبويه، لأنني بذلتُ جُهداً جباراً للوصول إلى الطريق التي تقودني نحو الله، ولم أعتنق دين آبائي – كما في الجاهلية الحمقاء – وراثة وعلى طبق من ذهب.

لا شك، أن هُناك من سيتوقف هُنا ويبدأ بالشتم والسباب، من اتباع الديانات الثلاث، وسيبدأ بسنّ حرابه قبل أن يبدأ في التنقل بين السطور بسرعة عجيبة حتى يطمئن أنّه على صواب، وهؤلاء لن يكونوا "والله" مقصدي ولا مُرادي فدعوهم، لكن  هُناك من سيُعجبه الحديث، حين يلامس كل سكنة من سكناته، وقد لا يعني له شيئا في النهاية وقد يعني كُلّ شيء، وأيضاً هُناك من سيقرأ هذا الكلام لأول مرّة فينزل على قلبه كالنور اليقين، ليبدأ كما بدأت، ويعي ما قصدت، وهُناك من سيجد في دراستي هذه معلومات لم تبحث من قبل وأفكار لم يتطرق لها باحث قط، فيستعين بها في دراساته وأبحاثه، وهؤلاء كُلهم كانوا أمامي قبل أن أضع حرفي الأول في سطري الأول من هذه الدراسة.

أربع احتمالات رئيسية: في العام 1991 ، بدأت من الصفر، بعد أن عزلت ما شربته من معلومات قسرية، ليس في الإسلام وحسب، إنما في أمّهات كُتب الفلاسفة والوجوديين والديانات السماوية وغير السماوية، ورحت أفكر في الله فقط، فقط، رحلة شدّت رحالها إلى ما قبل القبل وغاصت فيما بعد البعد، وتعلقت حوالي السنتين في قلب السماء، وهناك بدأت أول بحوثي ودراساتي حول الطريق إلى الخالق ووضعت خلاصة الاحتمالات التي وصلت اليها:

-       أن الخالق غير موجود وبالتالي ليس هناك داع للاستمرار في البحث.

-       أن الخالق موجود لكنه لم يرسل رسالة سماوية واحدة ولا يكترث لأمر الأرض أو سكانها ولا يهتم لشأنها وشأنهم.

-       أن الخالق موجود ويهتم بشدة بأمر الأرض ويتابعها لحظة بلحظة لكنه لم يرسل رسالات سماوية لكنّه يوافق على كل ما يجري فيها وكذلك يتحكم في الشؤون التي قضى لنفسه أن يتحكم فيها ويسيطر عليها والتي تساهم على استمرار الحياة وتطورها .

-       أن الخالق موجود وقد أرسل رسالاته السماوية المعروفة وغير المعروفة وأرسل أنبياءه ورسله ويهتم لكل صغيرة وكبيرة وانه ليس هناك ما يحدث على الأرض ولو كان حديثاً قصيرا بين شخص ونفسه إلا ويعلمه الخالق.

هل هُناك احتمالات أخرى؟ لا أعتقد، ولكن هناك احتمالات فرعية صغيرة جاءت من أحد الاحتمالات الرئيسية الأربع ولكن، وبشكل رئيسي لا يقبل العقل المجرد فكرة أن الخالق موجود لكنه يهتم لأمر أمة دون غيرها، لذا فلا يعد ذاك احتمالا مستقلاً، أو افتراض أنه قد يرسل رسالة لأمة وأمة أخرى تخترع رسالتها وتقول بأنها من عنده! فهذا ضرب من الغباء والجنون.)).

 

ملحق 5

مقال هل مهمة الاستخبارات حماية الحكومات أم الوطن؟" – جلال الخوالدة

 ((في احدى الدول، غير العربية، كان هناك رئيس قسم في جهاز الاستخبارات، مكلف بمتابعة الصحافة وشؤون الإعلام، وكان لديه في القسم، سبعة ضباط محترفين، وتصادف أن يصل عدد الكتاب المشاكسين، الذين لا يسيرون على النهج، ويكتبون حول الأخطار المحدقة بالوطن وعن أوضاع الناس، سبعة كتاب أيضا.

قرر رئيس القسم، دنج رنج، أن يخصص لكل كاتب ضابط، يتولى متابعة مقالاته، ومحاولة إعادته إلى النهج المطلوب- حسب وجهة نظر رئيس القسم المذكور- وقرر الرئيس، أن يستخدم كل ضابط اسلوبا مغايرا مع الكاتب الذي يتولاه، وفي اجتماع طالت ساعاته، بدأت المهمة، التي صارت في شكلها الأخير تشبه المسابقة والتحدي.

الكاتب الأول، لم يأخذ "غلوة" واحدة في يد الضابط الأول، صفعة واحدة فقط، مازالت آثارها على وجه الكاتب، جعلته يقسم بقبر أبيه، أن يكتب ما يمليه عليه الضابط، حتى لو كانت كلمات متقاطعة، الضابط حصل على الترقية والكاتب اليوم، تحول من كاتب مقال سياسي معارض، إلى كاتب للكلمات المتقاطعة، ويسمح له بعض الأحيان أن يعد مادة الأبراج.
الكاتب الثاني، لم يُصفع، وحتى لو صفع فلن يثنيه ذلك عن عزمه، ما ثناه "وطعجه" ببساطة شديدة عرض مغر من الضابط الثاني، راتب شهري يصرف له ويوضع في حسابه أول كل شهر، جعلته يضع اسمه فقط على المقالات التي تأتيه جاهزة مكتوبة، مع أخطائها ( أخطاءها) اللغوية.

الكاتب الثالث، كان معروفا بشغفه للمناصب الحكومية، فقدم له الضابط هذا العرض على طبق من ذهب، وخلال مدة زمنية قليلة، تحول الكاتب من المعارضة الشديدة إلى الموالاة المطلقة، وحصل الضابط على الترقية وعلى ولاء المسؤول الجديد (الكاتب الثالث سابقا) والذي كان بالأمس متهما فأصبح مواليا ومسؤولا بلا مقدمات ولا خاتمة لحكايته.

الكاتب الرابع، لم يوقفه التهديد بالحبس ولا العروض المالية والمناصب الحكومية، ولكن الضابط المسؤول عن ملفه قرر محاصرته وإذلاله، والاستمتاع في تصفيته، فتحدث مع كل رؤساء التحرير، في تلك الدولة (غير) العربية، وراح يهددهم بشكل مباشر: أنه في حال نشر أي مقال لهذا الكاتب، سوف يكون عقابهم وخيما. خلال ايام ما عاد أحد ينشر له، فكتب قليلا ولكنه شعر بالضيق أن أحدا لم ينشر له، فاستسلم في النهاية، وراح يبحث عن عمل آخر، فاستحق الضابط الترقية واستحق مكافأة خاصة على التوفير الذي حققه للقسم.

الكاتب الخامس، كان يحب النساء أكثر، وكان يكفي للضابط أن يسجل له شريط فيديو واحدا ويعرضه عليه، ويطلب منه بهدوء بالغ أن يكون عاقلا، وأن يستمر بحبه للنساء والعلمانية، مقابل أن يتحول للمقالات الثقافية، وأن يكتب عن هموم المثقفات في تلك الدولة، غير العربية، وفي وقت الفراغ يستطيع الحديث عن هيجل وروسو ونيتشه وافلاطون، وفعلا، حصل الضابط على الترقية والمكافأة، وها هو الكاتب قد تحول بيته إلى صالون ثقافي نسائي، وكل الصحف تتسابق على نشر مقالاته الممتلئة بأسرار المثقفات، ومغامرات زارادشت ومحمد عابد الجابري.

الكاتب السادس، وقع حظه مع ضابط ذكي ولماح، زاره في بيته، يوم التكليف بالمهمة، ومع تكرار الزيارات كسب مودته، كان الضابط عميقا ومثقفا وراح يحدث الكاتب عن المؤامرات على الحكومة، وأن الواجب يستلزم أن تتكاثف الجهود، وأن يتغير الاتجاه، وأن يدا واحدة لا تصفق، والموت مع الجماعة رحمة، وبلادي وإن جارت عليّ عزيزة.. الخ من الأمثال (غير) العربية التي تعمل بقوة في مثل هذه اللقاءات، وأنه قد حان الوقت لمحاصرة المتآمرين والمندسين والخونة، وكاسك كاسك، وإذا بالرجل يشعر بحكوميته ترتد إليه (!) وقرر أن يسير حسب النظرية التي تقول معاهم معاهم.. معاهم دائما، وكاسك كاسك يا حكومة، فأصبح المعارض من أشد المدافعين عن الحكومة في تلك الدولة (غير) العربية.

أما الكاتب السابع، فقد كان عنيدا جدا، فبعد أن صفعوه وسجنوه وضربوه، ظل يكتب، وحين هددوا رؤساء التحرير، قام بعمل مدونة وراح يرسل مقاله لعدد كبير من القراء عن طريق الإيميل ويدعوهم لقراءة مدونته ثم راح ينشر في "الفيس بوك" " و"القفا البوك" وتويتر وديلي شس، واللايف جورنال، وفي كل مكان، ولم يتبق سوى أن يذهب للقراء في بيوتهم فيقرأ المقال لمن لا يقرأ أو يضعه له من تحت عقب الباب، ويكتب بأسماء مستعارة ويسافر من بلد لبلد، ويقنع كتّاب آخرين بكتابة مواضيعه، وتسبب عناده الشديد هذا بفصل الضابط المسؤول عن ملفه.... حرام عليه بصراحة.

مؤخرا، زارني الكاتب السابع، وطلب مني كتابة ما حدث بالتفصيل، وحين انتهى من قص هذه الحكاية العجيبة، سألته لماذا يصر على أن أكتب أنها دولة (غير) عربية، قال: "لأنها لن تُنشر"، قلت له: إذن لن أكتب، وسأغير مهنتي كالكاتب الرابع. فقال وقد شعر بتهديدي: (إذن سأقول لك الحقيقة، فعلا فهذه القصة لم تحدث في دولة عربية وأقسم لك على ذلك، فالعرب ديمقراطيين ملاعين فهم يسمحون بحرية الرأي لأغراض أخرى، كما أنه ليس هناك دولة عربية واحدة تجند الضباط – المشغولين بمواضيع أهم- من اجل زمرة من الكتّاب – الفاضيين والذين ليس لديهم ما يشغلهم-، العرب أذكى من هؤلاء كثيرا، والموضوع عندهم بالعكس، فهم يجندون الكتّاب ضد الضباط! ما رأيك...هل ستكتب المقال وتضع اسمك عليه؟، فكرت قليلا فأضاف بسرعة: لا أريد سوى إجابة على سؤال واحد يحيرني ويحيّر الناس: هل مهمة ضباط الاستخبارات حماية الحكومات أم حماية الوطن؟!؟))

 

 

ملحق 6

جلال الخوالدة ، "هل الحكومة تستجيب؟" موقع زاد الاردن الاخباري، 3 يناير2011

 

في كل يوم تحاول الحكومة أن تثبت لنا أنها جادة في التغيير، ونكتشف أن مقالاتنا وهجومنا الكاسح عليها يأتي بنتائج عديدة، وليس كما يقول البعض، أنه لا حياة لمن تنادي، فموضوع السيارات الحكومية والقرار الأخير الذي يحدد استخدامات الوزراء والمدراء للسيارات والهواتف والسفر، تحدث عنه الجميع، وتحدثت عنه شخصياً في أربع مقالات متتالية، آخرها كان مقالا نشر في جريدة الغد، بتاريخ : 15/12/2010  بعنوان: على هامان يا فرعون؟

 نرفق تالياً الفقرة المتعلقة بموضوع التحايل واستخدام السيارات الحكومية :

“كذلك نرصد بدقة كل عمليات التحايل غير المباشرة، لاستبدال التقشف ببدائل مرهقة أكثر، كالمسؤول الذي استبدل السيارات الحكومية الخمس في الحكومة السابقة بسيارات من المشاريع، لإيهام الجميع أنه يوفر على خزينة الدولة، وغيرها من الحيل القديمة المكشوفة، التي ليس الوقت وقتها، ويستطيع أي شخص أن يخمن، وسائلها ونهايتها، باستخدام مبدأ: على هامان يا فرعون؟ هذا هو السؤال: هل نستطيع تحمل المزيد من العجز مع توفر بدائل للتعافي في المدى البعيد أم نعود إلى سيناريوهات التقشف ونضبط كل محاولات التحايل ونستمر في الخطط القصيرة ونعتبرها خيارنا الوحيد؟. 

كذلك تودّ الحكومة التأكيد، ولكننا لسنا متأكدين، أنها تتابع وترصد ما نكتب، خاصة بعد المقال الأخير، ولا أعتبره الوحيد، ونشر في أيضاً في جريدة الغد، بتاريخ : 29/12/2010 ، ويحمل عنوان " الوطن أرق وأطيب "، وقلنا فيه:

"يظنّ بعض الناس، أن الحكومة تُخصص باحثين مدربين، لتقصي المشاكل والاقتراحات كافة، وأن لديها متخصصين، في متابعة وعلاج كل مشكلة يتحدث عنها الكتّاب والنواب والأعداء والأحباب، وهذا غير صحيح، وعلينا أن نكون متأكدين من ذلك، ومتيقنين أيضاً، أن المشاكل ما تزال قائمة وموجودة، كما أنه ليس صحيحا أن ما تفعله الحكومات، للترويج لخططها وبرامجها التنفيذية، والتلميح لقرب انتهاء المشكلات وانقشاع الأزمات، يعتبر حلاً نهائيا للقضايا، ونفعل ذلك حتى لا نقع في المحظور، فلا شيء يدل بشكل قطعي على انتهاء المشكلة سوى ملامسة حدوث التغيير في الوطن، الوطن الذي يستحق جدية مطلقة في التعامل مع أزماته والبحث عن حلول لها"

هل نتوقف، وهل "نحلم" بأن الحكومة جادة في التغيير؟ لا ، فإذا صدق هذا الظن، وأثبتت الحكومة أنها تتابع وترصد وتحلل وتضع الحلول، أو توافق على الإقتراحات، حتى دون الإشارة إلى مصدرها، فهذه مسؤولية متقابلة للكتاب والشعب، أن يتحدثوا، ويدفعوا بقضاياهم، بأية وسيلة، وبأعلى صوت، حتى تسمع الحكومة ما نقول، ولا نعود نجد أحدا يقول: "لقد اسمعت إذ ناديت حياً ولكن لا حياة لمن تنادي"، لأن ذلك هو الإحباط والفشل بعينه، والنجاح هو أن نؤمن أن الفرد قادر على إحداث التغيير، مثل الزميل واصف الصايغ ، الذي قاد حملات اعلامية شرسة ضد بقاء سجن "رميمين" في موقعه الحالي، وهو على هذا الحال منذ سنوات، ولم يتوقف ولم يهن، على العكس، ظل مثابراً ومرابطاً ، وبنفس درجة الحماس، في نشر القضية والتحدث عنها في كل مكان.

لسنا مضطرين أن نجامل الحكومات، ولكن كما وعدنا، بأن نشير للخطأ والصواب، بأمانة شديدة، فإن أحسنوا أحسنا، وإذا أساءوا فلن نظلمهم، وعلى الباغي ندور الدوائر: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :" لا تكونوا إمعة، تقولون: "إن أحسن الناس أحسنا، وإن أساءوا أسأنا، ولكن وطنوا أنفسكم إن أحسنوا أن تحسنوا، وإن أساءوا ألا تظلموا ."

 

ملحق 6-أ

 

 

على هامان يا فرعون ؟

جلال الخوالدة ، صحيفة الغد، 15/12/2010

يقول بعض علماء الاقتصاد إن سياسات التقشف الحكومي التي اتخذتها معظم دول العالم كمنهج يهدف للتخفيف من أعباء الأزمة المالية العالمية والعجز المحلي، كانت بمثابة القتل الرحيم، لفكرة خطوات التعافي المدروسة بعناية، ويبررون ذلك، بعد عامين من التجربة المريرة، أن فكرة التقشف تعمل على المدى البعيد، على تعطيل عجلة النمو ولفظ المزيد من البطالة ومحاصرة نوعية الأداء وتؤثر في ضبط الجودة وبالتالي فإنها تعاكس فكرة التعافي، حتى لو أبدت على المدى القريب، قدرتها على خفض العجز في الميزانية وحققت تخفيضات كبرى عليها.

لأول وهلة، تبدو هذه النظريات، غير معقولة، ويردّ خبراء الاقتصاد، وهم أقل شأنا من علمائه، أن البديل الوحيد المقترح لسياسات التقشف هو رفع الضرائب، وهي محاولة للوصول إلى هدنة مقنعة مع جداول الديون والالتزامات والميزانيات العمومية، والمحافظة على نسبة عجز لا تتجاوز المدى الذي اختبرته في العامين الفائتين.

يقترح عالم الاقتصاد الأميركي جوزيف يوجين ستيغلتز، الحائز على جائزة نوبل التذكارية في العلوم الاقتصادية عام 2001، بدائل أخرى، من ضمنها، أن زيادة الإنفاق على الاستثمارات العامة ذات العائد المرتفع قادر على خفض الدين الحكومي في الأمد البعيد، وبحيث يفتح المجال أمام الفرص الاستثمارية التي قد تتجاوز عائداتها 10 % للاستمرار أو النهوض، فتحقق على المدى البعيد، للجميع، أفقا أوسع، من العائدات التي ستعمل بلا شك على دعم الموازنة والمساهمة في سداد الديون، حتى لو تسببت في اتساع العجز على المدى القريب.

ومع أننا نتفق معه على أن خفض الإنفاق العسكري، بالنسبة لدولة مثل أميركا، قد يكون بديلا فعّالا لفرض المزيد من الضرائب، إلا أننا في الأردن، ليس أمامنا خيار أفضل من دعم القوات المسلحة بالمحافظة على الإنفاق العسكري، في حدوده الدفاعية المعقولة، خصوصا ونحن في مواجهة آلة الحرب الإسرائيلية.

وقبل أن نتسرع، في إقرار “تجريم” الموازنة العامة، مشتملة على بنود كثيرة في التقشف، علينا أن نختبر ونقيّم، بأمانة كاملة، السلبيات والإيجابيات التي جاءت بها أفكار التقشف وضبط النفقات في الميزانية السابقة، ونراجع الإيرادات والنفقات العامة ونلاحظ عن طريق التقييم، الانعكاس “النفسي” على الأداء العام، وهو مسألة في غاية الحساسية، وكذلك نرصد بدقة كل عمليات التحايل غير المباشرة، لاستبدال التقشف ببدائل مرهقة أكثر، كالمسؤول الذي استبدل السيارات الحكومية الخمس في الحكومة السابقة بسيارات من المشاريع، لإيهام الجميع أنه يوفر على خزينة الدولة، وغيرها من الحيل القديمة المكشوفة، التي ليس الوقت وقتها، ويستطيع أي شخص أن يخمن، وسائلها ونهايتها، باستخدام مبدأ: على هامان يا فرعون؟ هذا هو السؤال: هل نستطيع تحمل المزيد من العجز مع توفر بدائل للتعافي في المدى البعيد أم نعود إلى سيناريوهات التقشف ونضبط كل محاولات التحايل ونستمر في الخطط القصيرة ونعتبرها خيارنا الوحيد؟

 

ملحق 6-ب

 

مقال ميكافاعي – جلال الخوالدة، زاد الأردن

 

((منذ تولى الرئيس سمير الرفاعي منصب رئيس الوزراء، افترض البعض، وكنت من ضمنهم، النظرية التي تدعي أن الرفاعي شاب متزن ومتعلم وشبعان، وانه ليس من عصابة التكنوقراط، وأنه سيبدأ بحكمة وتعقل معالجة جميع المشاكل التي تعرضنا ونتعرض لها منذ 40 عاما بمجرد أن يعطى الفرصة الكاملة لمعرفة الخريطة الإنسانية والاجتماعية والسياسية الأردنية.

لم يفترض أحد ما، احتمالية أن يكون الرفاعي "داهية" من دواهي السياسة ويعرف عنها وعن دهاليزها اكثر بكثير مما نعتقد وانه "فعليا" لا يحتاج إلى خبرة إضافية ولا فرصة ولا منحة ولا شيء، وانه أيضا، لم يكن بحاجة حتى إلى المائة يوم التي يمنحها ميثاق الشرف الصحفي للرئيس الجديد للبدء في تنفيذ رؤى خطاب التكليف السامي، لأنه ببساطة، كما تفترض النظرية الثانية، يحتمل أنه قد حظي بفرصته الكاملة لتعلم شؤون السياسة منذ أن كان في (الكي جي ون)، حين كان  مضطرا أن يستمع لشجونها وهو يتناول إفطاره على مائدة الرؤساء الذين يحضرون يناقشون  السياسات المحلية والعربية والعالمية مع أبيه الذي ورثها عن أبيه، وكانت شؤون السياسة حينها، في العام 1970 في اوجها وأبغض تقلباتها وأبعادها، ولا شك أنه أضطر، بعد ذلك، أن يتعرف على العمل الديبلوماسي حين انتقل والده ليعمل سفيرا لدى المملكة المتحدة عام 1971، لكن هذا الاحتمال يفترض أيضا أنه قد عاد عام 1973، حين شكّل والده حكومته الأولى فأُرغم على أن يدرس كل شاردة وواردة وصغيرة وكبيرة تتعلق بالأردن وانظمته وقوانينه وشعبه وخيراته ومصائبه ونوائبه قبل أن يبلغ التاسعة من عمره، وأنه اخذ فرصة استثنائية ليتعرف إلى جغرافية الأردن ومدنه وقراه وأن يحفظ، قبل سن العاشرة، تاريخ الأردن السياسي وشخصياته جميعا: الموالين والمعارضين و(اللي مالهم دخل)، وأنه قبل أن يبدأ المراهقة كان له مدرسا خاصا يعلمه الأيدولوجيات والأنظمة السياسية العالمية ومدارسها ومشاربها ويعرف عن (تشي جيفارا) اكثر من معظم الثورجية الشيوعيين، وأنه بحث طويلا في مكونات العشاء الذي تناوله (حسن البنا) مع حافظ عبد الحميد وحسب الله والحصري وإبراهيم وعز والمغربي ليلة الاتفاق والعهد على تأسيس الإخوان المسلمين.

لن نسترسل في هذا السيناريو الذي يشبه سيناريو الأفلام السينمائية، لكن بإمكانكم تخيل حجم الثقافة والعلوم التي (قد يكون) سمير زيد الرفاعي قد تعلمها وحصل عليها قبل ان يتخرج من (أكاديمية ديرفيلد) التي تدرس نخبة النخبة، فنحن نظن ان الأموال الطائلة المدفوعة لهذه المدرسة وغيرها تدفع نوعا من الرفاهية، بينما هي تدفع غالبا لإنتاج شخصيات (سوبر في آي بي)-(S.VIP)، عدا عمّا يكون قد حصل عليه من (جامعة هارفارد) أو من العلاقات الدولية في (كلية ترينتي بجامعة كامبردج) من فنون الاتصال النخبوي والجماهيري، وكذلك الأمر في الخبرة التي اكتسبها في معظم المناصب "الحساسة" التي تدرج فيها خلال مسيرته العملية حتى تسلم منصب رئيس الوزراء الأردني.

لماذا حسن النية التي نحن عليها؟ فنحن نرى دائما ان الشخص الذي امامنا يحتاج الفرصة والوقت الكافي ليعرف أكثر ويطّلع ويفهم، فماذا لو كان سمير الرفاعي يعلم كثيرا ولديه تصورات ونظريات سياسية خاصة به واخرى ينتمي إليها ويسعى إلى تطبيقها؟ وأنه فوق ذلك يظن أن كل هذه الفئات السياسية المثقفة وغير المثقفة الأردنية جاهلة بالمقارنة مع حجم معلوماته وخبرته السياسية الخاصة، واننا مجرد أشخاص عاطفيون ترفعنا كلمة و"تسخطنا" أخرى، و"نعوم على شبر مية"؟

لماذا (لا) نفترض أن سمير الرفاعي يؤمن منذ نعومة أظفاره أن القوى المحركة للتاريخ هي "المصلحة المادية" و"السلطة"، وأن ما هو مفيد فهو ضروري، وان الشعب الأردني غير مفيد إذا حاول معارضة السلطة؟ أليس الإصرار مثلا على إجراء الانتخابات بقانون الصوت الواحد "المتوحد" وبدون مشاركة الإخوان المسلمين وبدون إصلاح اقتصادي وسياسي هو نتاج خالص لنظرية أن الغاية تبرر الوسيلة؟ وبالتالي، وحسب وجهة نظر (ميكافاعي) الأردن المتعلم، فإنه ليس هناك غاية عليا يمكن تحقيقها مثل قيام مجلس نواب أردني حسب الجدول الزمني الموضوع بغض النظر عن أي وسائل تستخدم لتحقيق هذه الغاية.

وكيف نقول عنه أنه متعلم ويحتاج الفرصة مع أنه يعاند شعب بأكمله، فلا نقابة للمعلمين، ولا حلول لمصادر دخل وبدائل للضرائب، ولا نظريات لسداد الدين، وحتى المواقع الصحفية الأردنية، حجبها بـ (جرة قلم) كما لا يقبل "ميكافيلي" نفسه ولن نقول "هتلر" حتى لا يقول أننا نبالغ، كما فعل حين شرعنا نتحدث عن (غول) الواسطة والمحسوبية في الأردن!

هل علينا ان نخشى الرفاعي كي نحبه؟ كيف؟ هل يسعى ليصبح ميكافيلي الأردن؟ لأننا لا نظن أن أحدا، تحت أي ظرف، يقبل ان تكون "النظرية الثالثة" هي الصحيحة، هل تتخيلون ما تقوله "النظرية الثالثة"؟)).

 

ملحق 7

مقال "نظام فاسد" – جلال الخوالدة

 ((إذا استثنينا مؤسسة العرش، والسلطة القضائية، ودققنا النظر في نظام الدولة الأردنية، بمؤسساتها المختلفة، سنجد أنفسنا امام نظام فاسد، تغدو فيه خطوط الفساد أفقية وعامودية، في شكلها ونوعها ومدى إصابتها بالـ "فيروس" الذي انتشر بين أركانها، لصغار موظفيها ومدراءها وقيادتها.

البعض يعتبر أن "السرقة المباشرة" وحدها فسادا، وهذا غير صحيح وغير دقيق، فالواسطة والمحسوبية وسرقة دور الغير هي روح "فيروس" الفساد، والسكوت عن الخطأ ومجاراة الفاسد أو الانتظار لحين خروجه من المؤسسة هو أيضا فساد مخطط ومدروس و"جبان"، كذلك الترهل والبيروقراطية وعدم إنجاز الأعمال بصورة مؤهلة وشفافة يعد فسادا، وقد سمعت عن موظفين لا يعلمون عن وظائفهم الحكومية سوى استلام الراتب آخر الشهر، ويقضون وقتهم بين المغادرات والإجازات الطارئة والمرضية ولم يؤدوا عملا واحدا للمؤسسة التي يعملون فيها!

سنتحدث بصراحة عن الحكومات الكثيرة التي اعتلت كرسي السلطة التنفيذية واتخذت مئات أو الآف القرارات العاجلة أو الغامضة أو التعيينات "المشبوهة" ثم غادرت، وغذت "فيروس" الفساد، وشجعته على الانتشار، سواء بالارتجال أو عدم الخبرة أو استغلال الوظيفة أو حتى على مستوى ترك "الحبل" على الغارب بدون رقابة وتوجيه، ولنتحدث أيضا عن مجلس الشعب الذي لم يحصل يوما على مقاعد التمثيل بصورة صحيحة عادلة، لن نقول مزورة بالكامل ولكنها ليست صورة ديمقراطية تعتمد التمثيل النسبي، فأصبحت وظيفته الأساسية، وجميع القرارات التي يأخذها في المراقبة والتشريع "فاسدة"، ونتحدث عن أجهزة الدولة المختلفة، التي أضحى ارتياد رؤسائها ومدراءها وقياداتها لـ "الجويدة" والنائب العام تطغى على المشهد الأردني، ونتحدث عن الآف الوظائف في معظم مؤسسات الدولة التي حصل عليها موظفون نتيجة الترضية أو تجاوز الدور والمؤهلات أو بالواسطة فأصبحوا حملا ثقيلا عليها وعلى الدولة نفسها وعلى الوطن.

"فيروس" الفساد لم يتوقف عند مؤسسات الدولة وموظفيها بل خرج ليسطر على الشعب نفسه، وتغلغل في المواطن الذي يقبل به، ويقبل أن يساهم في عملياته المختلفة، سواء بالموافقة على "الواسطات" أو السكوت عن الممارسات الخاطئة الواضحة، أو قبول الوظائف التي لا تتبع الدور والمؤهلات، أو قبول جوائز الترضية والمنح التي هي في الأصل واحدة من حقوقه، أو بقبول غياب "العدالة الاجتماعية" وقبول عدم تساوي الحقوق والواجبات لكل المواطنين، حتى صار لزاما علينا "جميعا" أن نقر ونعترف، أن الفساد، قد أصبح جزءا أساسيا من منظومة حياتنا، وعنصرا لا يمكننا الخلاص منه إلا بالتوقف والتقييم، ووضع خطة تضمن إعادة تأهيل النظام من جديد.

علينا أن نعترف أيضا، أن التغيير ليس سهلا، وأن محاولات الملك الكثيرة للإصلاح، قد واجهت العديد من جبهات التعنت والرفض، وأذكر دائما قصة زيارة جلالته لمستشفى البشير ثلاثة مرات متتالية وشدد على بعض الإصلاحات لكن الـ "فيروس" الذي يسيطر على جسد المؤسسات الحكومية، قد منعها من التغيير، وأن توقيف بعض أبناء العشائر، أو بعض المسؤولين، المتهمين بالفساد، قد واجه عاصفة "رافضة" متشددة تهدد باستقرار الوطن، لكن مؤسسات الدولة السياسية كالأحزاب لم تتحرك لتشجيع هذا الإصلاح ومحاربة الفساد والفاسدين، أو بقول كلمة حق بشأن محاولات التغيير، وبقيت صامتة تتفرج، خوفا من المواجهة مع الشعب، أو استرضاء للعشائر أو مراكز النفوذ، أليس هذا هو الفساد بعينه؟!؟

بالنسبة لي، فإن إهمال الإصلاح الاقتصادي وعدم المباشرة بوضع خطة اقتصادية محكمة وتنفيذها هو فساد أيضا وكذلك فإن إقرار قانون انتخاب لا يحقق العدالة الاجتماعية ولا يشتمل التمثيل النسبي هو رأس الفساد الذي ستكشف عنه الأيام القادمة. نصف ديمقراطية، نصف عدالة، النتيجة صفر)).

ملحق 8

مقال “الحريات في حضرة الرئيس" – جلال الخوالدة

((زاد الاردن الاخباري -خاص - يبدو بشكل ملفت، أن الرئيس، كان مجتهداً في كل دروسه أثناء الثانوية والجامعة لكن يبدو أيضاً أنه كان "يتملص" من حصص الحريات والتعامل مع الإعلام الحر، لذلك أضطر، خلال عهده، أن "يستعير" ويستخدم سياسات أشخاص اخرين، تختلف تجربتهم ووقتهم وزمنهم وظروفهم والعقليات التي كانوا يتعاملون معها، وعليه، وحيث أنه شخصية اعتبارية في موقع المسؤولية، لا بد أن نراجع معه "حصة واحدة" حول الحريات ومفهومها، سواء بقي في السلطة أو رحل وعاد بعد حين أو لم يعد أبداً.

أول ما عليه معرفته ان الحرية شيء مقدس، وأن كل المحاولات التاريخية للتحايل على هذه الفكرة، كانت تبوء بالفشل، لماذا؟ لأن الحرية هي منظومة مشاعر وأفكار تنبض في قلوب متقدة بالشجاعة والأنفة وتستطيع ان تكشف بسرعة وسهولة أي عملية التفاف وتحايل، حتى لو جاءت بثوب الراهب الناسك  أو عمامة الشيخ الزاهد، وحتى لو كانت ابتسامة شخص يدعي الصداقة والحب، ولا يكفي أن تغني لـ" الصقر" أو تطعمه كي يرضى بالقفص بديلا للسماء.

إذا حاول السياسي مواجهة الحريات بكسرها وقهرها ومطاردتها فإنها تعود له بقوة أكبر، وبشكل آخر، حتى لو اضطرت أن تتوارى إلى حين، في حجرات سرية، لتستعد وتستجمع قوتها، أما إذا حاول مواجهتها رغبة في ترويضها تمردت وانقلبت عليه، وتستطيع الحرية التواقة للمجد - ببساطة - اكتشاف من يريدون امتطائها وإخضاعها، فتنفض جناحيها مرتين وتبتعد محلقة لتعود تهاجم ببأس أشد وقوة اكبر.

الخداع السياسي لا يعمل مع الإعلام الحر، وهذا ينسلخ على الدول الديمقراطية وغير الديمقراطية، وعليه فإن المحاولة الزائفة لاستيعاب الإعلام الحر والتقرب منه ومغازلته غالباً ما تواجه رفضاً قاطعاً يسهل التنبؤ به، فالإعلامي ليس لديه ما يخفيه والسياسي يرغب بإخفاء كل شيء، وقد يأتي الغزل الدافئ بنتيجة "مؤقتة" مع شخص واحد او إثنين، لكنه لا يعمل أبدا مع كل الأحرار، لأن الشعوب هي التي تُقيم أداءهم وتراقب كلمتهم، والشعوب تميز بين المنافق والمخلص وتعرف الكلمة المتملقة من الكلمة الحرة النزيهة.

لن أطيل، النتيجة هي ان الحريات والإعلام الحر، يبحثون دائماً عن المصارحة والمكاشفة والمشاركة، ذوات الدم الثقيل على السياسي، ولكنها تؤت نتائج مذهلة، حيث توجه تهمة الفشل، إذا حدث، إلى الجميع وليس إلى الشخص او مزاجه أو سياسته، و"الجميع" لا يخطئون، فكلما ازداد عدد المشاركين في صناعة القرار كلما كانت النتيجة أقرب إلى الصواب.

في نهاية هذه الحصة، على "السياسي" أن يؤمن أن الأحرار لا يخافون، لكنهم في نفس الوقت، يكافئون من يحترم حريتهم ويقدرها، وأحسن مكافأة يحصل عليها السياسي هو ان يجد حوله "شجعاناً" يمارسون حريتهم بكل أمانة وصدق ومسؤولية.))

 

ملحق 9

مقال "سقوط الأقنعة"- جلال الخوالدة

((لأول مرة في التاريخ البشري تلتف الأحزاب (اليمينية واليسارية) مع نواب الشعب (الموالين وشبه الموالين) مع الإعلام (الرسمي وغير الرسمي) مع القيادات السياسية (الموالية والمعارضة) حول الشعب وتتفق (بشكل مقصود أو غير مقصود) على تفتيته والتشويش عليه والعبث بأحلامه ومطالبه؟!!

ما هذه المدرسة "العبقرية" المتذاكية التي تعتقد أن خنق المسيرات السلمية سوف يؤدي إلى دفن الغضب، وتعمل آلة التخطيط والتنفيذ لديها بقوة لإقناع جميع النخب المجتمعية (غير الشعب) أن تغطية الجرح العميق والمكشوف والمؤلم، بقطعة من (الشاش) الهش، سوف يعالج ذلك الجرح، والمستغرب أن هذه الفئات، تصدق تلك النظرية الغبية، وكأن الغضب يذهب إذا تم محاصرته والجرح (يطيب) إذا تمت تغطيته!

هؤلاء جميعاً سوف أسميهم اليوم "الكانونيون"، نسبة إلى يوم 14 كانون الثاني 2011 التاريخي.

المثير للسخرية، أن " الكانونيين" يتحدثون عن "المثير للسخرية" في ارتفاع الأسعار، لكن منهم من يؤكد أن مسيرات الغضب والاحتجاج ليست هي الطريق نحو خنق الأسعار، ويتفق " الكانونيون " جميعاً على أنه إما خنق المسيرات وكبت التعبير عن الاحتجاج ومنع "التنفيس" عن الغضب هو الحل، أو يقرر آخرون منهم (فجأة) أن المشاركة في اعتصام (آخر) بدل (المسيرة) سوف يكون (أيضا) الحل!!

نريد أن نسجل هذا (الإنجاز) في موسوعة "جينيس"، نريد أن يسجل التاريخ أن 14-كانون الثاني كان اليوم الذي احتشدت فيه "قوى كانون البارد المظلم" كلها، صفاً واحداً، ضد المواطن البسيط المقهور، ضد النموذج الأردني "محمد السنيد”، وسقطت فيه جميع الأقنعة التي ترتديها المعارضة والكتاب والأحزاب وكل من استخدم الشعب سلماً ليصبح زعيماً وقائداً ومفكراً وسياسياً.

بدأت مسيرات (الجمعة) وتفرقت ولم يحدث شيء، وستبدأ اعتصامات (الأحد) ولن يحدث شيء، ولكن " الكانونيون" تركوا "وصمة عار" لن تمحى في وقوفهم ضد المواطن، في الألعاب البهلوانية ومحاولة اختراق همّ الشارع وتسطيحه، وتركوا وجعاً في القلب أنهم لا يمثلون شيئاً، لا يمثلون سوى تلك الحسرة أن الأردن قد ظُلم لأن ممثليه وزعاماته السياسية المعارضة، يتاجرون به، ويسمحون لحكومة جاهلة قليلة الخبرة أن تتحكم فيهم، كأحجار الشطرنج:

لن نشارك في مسيرة بل نشارك في اعتصام

لن نشارك في اعتصام بل نشارك في مسيرة

قال عليٌّ رضي الله عنه:

"إنما أهلك من كان قبلكم أنهم منعوا الحق حتى استشرى، وبسطوا الجور حتى افتدى")).

 

ملحق 10

مقال "ثورة الغضب العربية ليست ثورة الجياع" – جلال الخوالدة

مهداة إلى زاد الأردن - خاص: أقوال الكاتب الصحفي جلال الخوالدة التي رافقت يوم الغضب المصري25 يناير وحتى جمعة الرحيل، من مدونته ومن الفيس بوك والتويتر:

·    يبدو أن الأنظمة الظالمة والمتجبرة لم تعرف بعد، أن الشعوب فهمت أخيرا أن هذه الأوطان هي ملك خالص للشعوب، وأن هؤلاء الحكام مجرد أشخاص عاديين، ليسوا مُلاّكا ولا آلهة.

·    في لحظات من يوم 25 يناير، كان قرار الاستقالة وشيكاً، كان رئيس البرلمان سيلقي كلمة الفرح، وفجأة، يبدو أن مخططا متكاملا، قد جاء، وغيّر أوراق اللعبة كلها، جزء من هذا المخطط كان السيطرة على بعض وسائل الإعلام وشراء بعض الذمم.

·    في وقت لاحق، الشعب يشدد الخناق، والنظام يحتضر، محاولات الإنعاش كانت تحاول كسب الوقت، الوقت غير متوفر على أرض التحرير، اللحظات كانت تاريخية: الشعب يريد إسقاط النظام.

·    يقول "إليوت ابرامز" أن "جورج بوش" كان محقا بخصوص الحريات في الدول العربية، ونسي " بوش و ابرامز" أن العربي يصبر وينتظر 40 عاما ليثأر وينتقم، الشعب المصري عربا أحرار قاموا وقدموا ردهم قبل ذلك.

·    الأمريكان، يعلمون أنهم خسروا ورقة مصر نهائياُ، لكنهم لا يريدون خسارة التدخل في دول أخرى قريباً، هذه نصائح السي أي إيه، يريدون أن ينقضوا على سورية مثلا، فور تجمع شخصين في مسيرة. علينا أن نعلم، ونكون متأكدين، أن أمريكا لم تتدخل في مصر حباً في الإنسانية بل لتجد لنفسها حجة للتدخل في أي مكان آخر، إنهم ينتظرون بفارغ الصبر، تلك البلاد التي تقف في حلوقهم.

·    الخاسر الأكبر، من ثورة الغضب العربية هي إسرائيل، فمع عزلتها، بسبب الحرب على غزة، ومهاجمة اسطول الحرية، ومماطلتها في السلام، تخسر بسقوط النظام المصري، آخر أوراقها، وتبدو نهايتها وشيكة ومؤكدة.

·    لماذا يجب أن يكون الانتقال التدريجي للسلطة عنيفاً ودامياً؟ أليس هناك عاقل واحد لديه رؤية للغد ويقول كلمة حق، ويحقن فيها كل هذه الدماء؟

·    ألا يفكر الحكام الظالمون بالموت؟ ليس العقاب الإلهي فقط، بل الذكرى المشوهة التي يتركونها خلفهم، ألا يقول لهم أحد ما الفائدة من كل هذا اذا ذكرهم التاريخ بانهم ظالمون...؟

·    نرفض أن تسمى "ثورة الغضب العربية" بثورة الجياع، إنها ثورة سياسية هدفها إعادة الكرامة للمواطن العربي وتغيير السياسات الظالمة.

·    القدر لم يكن يجلس في مكان بعيد، كان يتوسط المتظاهرين في ميدان التحرير، ويظلهم بظله.

·    المسألة في ثورة 25 يناير، لم تكن من يحتل ميدان التحرير، الشعب قال كلمته مرة واحدة، في عرض البلاد وطولها، وقضي الأمر، قال: الشعب يريد إسقاط النظام، ولم يكن هناك داع لهؤلاء "البلطجية".

·    يسهل التمييز بين المحتجين و”البلطجية”، المحتجين ترى بينهم مصريات شريفات حرّات عربيات، بينما "البلطجية" كلهم ذكور لكنهم خونة وعملاء باعوا ضمائرهم بثمن زهيد.

·    ألا يفهم رجل الأمن، في كل مكان، أن المتظاهر المُسالم، ضحى بنفسه ووقته ومستقبله من أجل رجل الأمن وعائلته ومعيشته ووطنه؟ لماذا تهاجم وتقتل شخصا قد هاجر من أجلك؟

·    في ليلة جمعة الرحيل، سهر العالم العربي ليلة لا تنسى في تاريخه، كانت رائحة الحرية تنبعث في كل مكان، تشعل القلوب التي تتجه إلى السماء، وتقول يا رب.

·    في صبيحة جمعة الرحيل، لم نقل لبعضنا البعض صباح مبارك.. قلنا لمبارك الرحيل، وصباحك يا مصر كان متوجا بالغار.. مقدس وأصيل... قلنا لبعضنا البعض.. صباح جميل.

·    سألنا الناس أن تكون صلاة جمعة الرحيل في ميدان التحرير، ففي تلك الجمعة العظيمة كان ميدان التحرير قبلة لكل الوطنيين الأحرار.

·    الإخوان المسلمين، كلمة ضربت حولها السلطة، التخويف والنار، وامريكا والغرب والفنانين والإعلام، كعادل إمام، زادوا في ذاك التخويف واشعلوا تلك النار، حتى يلقى اللوم عليها، في كل شاردة وواردة، ثورة الغضب العربية، تجاوزت الإخوان والأعمام وكل الأقارب والمصالح.

·    قال لي صديق قريب، ألا تخشى على مستقبلك السياسي من هذا الدعم الإعلامي لثورة الغضب المصرية؟ فقلت: حين يكون مستقبل مصر في خطر، فمستقبلنا كلنا في خطر.

·    لن أغفر لأي من الزملاء الإعلاميين المصريين والعرب، وقوفهم على الحياد أو ضد ثورة 25 يناير، حتى لو بقي مبارك، فهذا السلوك فيه من الخبث والجبن ما يجعله وصمة عار، لا تُغسل بالماء والثلج والبرد. .

 

ملحق 11

مقال:" كأنك يابو زيد ما غزيت" – جلال الخوالدة

((تجربة فاشلة، بكل معاني الكلمة، هذا ما يعنيه إقالة حكومة حصلت على ثقة غير مسبوقة من مجلس نيابي اختارته الحكومة بنفسها، بناء على قانون "مسخ" "متوحد" فرضته بالقوة كما تُفرض الأحكام العرفية، وبعد 41 يوماً فقط من تلك الثقة التي تسجل مدى الحياة، في هامش تاريخ هذا البلد، والنتيجة أن الشعب، كان مختبر تجارب لحضرة الأستاذ سمير الرفاعي، الذي تدرب، مع مجموعة من فريقه الوزاري على قوت الشعب، قوت الناس، ليضع "فقط "في سيرته الذاتية، منصب رئيس وزراء، ولقب "دولة" يسبق اسمه، لقب لا يستحقه، ولا يحق له حمله))

لا أشعر بالفخر، ولا أشعر بالندم، وليس لدي "أي شيء" شخصي ضده، ولست ممن يشمتون أو يشتمون، فالشعب، كله دون استثناء هتف لرحيله، بعد أن نصحناه عدة مرات بالرحيل الآمن، وحفظ ماء الوجه، الشعب كلّه قال كلمة تاريخية بحقه، بعد أن قدمنا له مئات النصائح، ورجوناه في النهاية، أن يعتذر عن التكليف الثاني أو يستقيل أو يرحل فقط، منذ 14 نوفمبر 2010 حين استقالت حكومته الأولى، وحتى 15 كانون الثاني 2011 حين اختار أن يكون موعد صرف زيادة الرواتب يوم ميلاد الملك وقلنا له: "من تخدعون يا حكومة؟" ارحل قبل الثلاثين من ذاك الشهر، لأنني على ثقة مطلقة أنه سيتم إقالتكم. 

تجربة فاشلة، استنزفتنا بشكل مخيف، عام ونيف، ليس لدينا عمل سوى محاولة إقناع "الرفاعي" بالاصطلاح الحقيقي أو التنحي، عام كامل ونيف والشعب كله ليس لديه "سالفة" أو عمل غير "الرفاعي"، فلا هو حقق شيئاً واحداً يذكر، ليشفع له، ولا هو رحل وتركنا لهمومنا ومصائبنا وآمالنا واحلامنا، عام ونيف يابو زيد، وكأنك ما غزيت. 

من سيدفع هذه الفاتورة؟ من سيدفع فاتورة الرواتب والتقاعد والمكافآت والامتيازات التي حصل عليها "الرفاعي" وفريقه الوزاري ومجموعاتهم ومن قاموا بتعيينهم؟ هل علينا أن نعمل ليل نهار لندفع لهم من خلال فروقات الأسعار التي رفعوها، أم من الضرائب التي فرضوها، أم نستدين لندفع لهم؟ أريد إجابة؟ من سيدفع لي بدل احتراقي وتعبي ليحصل "الرفاعي" على راتب تقاعدي يكفي، على الأقل، 20 اسرة أردنية لمدة شهر كامل؟  

هل هناك شخص واحد يخاف من الله عزوجل ويقول لي أنه سيدفع هذه الفاتورة؟؟ وأنه سيدفع مخصصات موازنة مجلس الأمة التي تزيد عن مبلغ 11 مليون دينار سنويا، هل علينا أن نتقبل رغما عنا مجاملة الأمريكان، حتى يقدموا لنا معونات "لا تُدفع"، مقابل "أشياء كثيرة" ليعود الفاسدون لسرقتها أو ندفعها رواتب وتقاعد  لأشخاص لا يفعلون شيئا، غير التجريب في الشعب؟ 

نريد أن نطالب جميع "الجهات المعنية" في الأردن، التحقيق في ذلك، وأن يحرمونهم من أية رواتب أو امتيازات حصلوا عليها أو سيحصلون عليها، ولا نطالب بمحاكمتهم، فهم لم يفعلوا شيئاً يحاكمون عليه، أي شيء سوى التجريب في الشعب، وإضاعة الوقت، وكانت تلك، المصيبة الأعظم. 

ومنذ هذه اللحظة، إذا كانت حكومة البخيت، مجرد محاولة فاشلة أخرى، فلا نريدها، نريد أن نسمع وعداً قاطعاً من الدكتور البخيت أنه لن يكون تجربة فاشلة، فقد "طفح الكيل"، وما عدنا حقا نحتمل)).

 

ملحق 12

مبادرة يداً بيد – جلال الخوالدة

صوت الأغلبية التي تقول لا للفتنة والانقسام من أجل أردن أقوى بسواعد الجميع

تعريف المبادرة:

مبادرة أردنية انطلقت على شبكة التواصل الاجتماعي "التويتر" تدعو لوقف النزيف ومحاصرة الفتنة التي راحت تهدد النسيج الاجتماعي الأردني وظهرت جلية بعد الاحتجاج والتظاهر ضد الاحتجاج في دوار الداخلية وفيما يُعرف باعتصام 24 آذار 2011.

المبادرة أسس لها مجموعة من الشباب المثقف الواعي الذي يرى أن الأردن عصية على كل أنواع الانقسام الطائفي والعنصري والإقليمي، ويرفضون بشكل كامل أن يتدخل أطراف وهيئات وأشخاص لتوجيه طرف على حساب آخر أو تأليب الناس وتفتيت العمل الأردني الموحد الذي ينادي بالإصلاح ويؤيد التوجهات الملكية والهمة الهاشمية ورسالة الملك الأخيرة للحكومة الأردنية في التعجيل لإقرار جملة من القوانين والإجراءات الإصلاحية.

المبادرة تنادي جميع أبناء العائلة الأردنية، في كل مكان، أن يحذروا من كل قول أو وصف أو فعل يؤسس لانقسام بين المكونات الديموغرافية الأردنية، كما تنادي المبادرة أن تظل المطالبات الإصلاحية تحت الخيمة الهاشمية التي بقيت تظلل كل أبناء الشعب وتحميهم وتحرص عليهم.

المبادرة تنادي كافة المؤسسات الحكومية والخاصة ومؤسسات المجتمع المدني لمحاصرة الفتنة التي تهدف إلى تسطيح صورة الأردن والمواطنة من خلال إثارة النعرات التي يعاقب عليها القانون.

الموقعون على المبادرة يأملون أن يتم تشكيل لجنة حوار مكونة من الشباب تحظى بمرجعية ملكية تشارك في الحوار الوطني العام وتساهم في تقديم رؤيا الشباب إلى كل القوانين والإجراءات التي يتمخض عنها الحوار الوطني الأردني.

أهداف المبادرة:

1. بث بروح المحبة والمودة بين أبناء وفئات الشعب الأردني ليصبح الجميع على قلب رجل واحد

2. رفض الفتنة والتصدي لمروجيها والمسؤولين عنها ومحاصرتها واقتلاعها من جذورها

3. الدعوة للمشاركة السياسية الفاعلة والفعالة التي تؤدي إلى تنمية سياسية حقيقية في كافة أرجاء الوطن

4. تشكيل لجنة حوار وطني من الشباب تدعم حوار الإصلاح العام وتعرض رؤية الشباب في العملية الإصلاحية عموما

5. التوقيع على ميثاق شرف مودة ومحبة وولاء يصل إلى اكبر كم ممكن من أبناء الوطن.

وكتب في النهاية يقول: أعضاء المبادرة هم أصحاب النفوس النقية ... التي لا يسكنها الحقد ولا تعبث بها الفتنة.

 

ملحق 13

مقال "ليلة تصفيق الشياطين.. 24 آذار" – جلال الخوالدة

((ليست فيلماً هندياً، بل هي قصة قصيرة مأخوذة من أحداث حقيقية وقعت يوم 24 آذار في عمّان، روى لي بعض أحداثها، صديق أثق به، مقرب من أبطالها، ليث وعبدالرحيم.

 ليث يبلغ من العمر 25 عاما، أنهى دراسته الجامعية وينتظر التعيين كمدرس، ويبحث جاهداً عن عمل، وأثناء ذلك، وهي فترة ليست بسيطة من الانتظار، كان يراقب عن كثب، يخزّن هموم الوطن ويحصيها كل ليلة، وعلى مواقع الإنترنت، يجوب صفحات المسيرات والاعتصامات في عمّان ثم الثورات العربية وكان يشارك أحيانا برأيه في بعض الصفحات الإلكترونية، وحين شاهد دعوة 24 آذار، اتصل مع أصدقاءه، كان منهم من يوافقه على التوجه للمشاركة في اعتصام دوار الداخلية ومنهم من لم يهتم، لكنه عقد العزم، وفي وقت مبكر من مساء الخميس، وصل هناك، فانضم إلى المعتصمين، الذين يرفع بعضهم اعلام الأردن، ويهتف بعضهم بسقوط المخابرات وينادي بعضهم بقائمة من الإصلاحات المطلوبة، ومع أنه أعجب ببعض الهتافات، واستهجن اخرى، إلا أن الألفة والمحبة التي نشأت هناك، وبعض الأغاني الوطنية التي يحبها، قد شجعه على الاستمرار وقضاء تلك الليلة الباردة المليئة بالأسرار حتى مساء الجمعة. 

 عصر الجمعة، كان عبدالرحيم، 33 عاما، شقيق ليث يقضي وقته مع طفليه في بيته الخاص، فجاءه اتصال من صديق، وطلب منه أن يتابع فوراً تقريراً على إحدى المحطات العربية، وذكّره أنه قد أبدى امتعاضه من تلك الاعتصامات، وخلال دقائق، وبعد مشاهدة التغطية الإخبارية الساخنة، اتفق الصديقان، الذهاب بأقصى سرعة إلى دوار الداخلية ومحاولة منع هؤلاء الشباب المعتصمين مما 'قيل' أنهم جاءوا لفعله، وخلال أقل من نصف ساعة، اجتمعوا، وركضوا من 'دوار فراس' إلى الدوار، فوصلوه مع حالة معقدة من الارتباك والتشويش، كان هناك من يحاول مهاجمة المعتصمين، ورمي الحجارة عليهم، فتحمسوا وانفعلوا مع الانفعال الذي كان يسرح ويمرح هناك، فأصبح عبدالرحيم مشاركا يهتف ويصرخ محاولا الوصول للمعتصمين، ثم التقط حجرا ليصيب به أحدا، وحين رفع يده ليضرب، تسمرت يده فجأة، وحاول التركيز فيما يرى، كان شقيقه ليث قد تلقى حجرا في رأسه في تلك اللحظة تحديدا. 

 حاول عبدالرحيم، المرور عبر الشرطة، الذين كانوا يضربون جدار حماية حول المعتصمين، صارخا 'اخوي اخوي'، لكن رجال الأمن لم يفهموا صراخه بل ظنوا أنه يحاول اختراقهم لمهاجمة المعتصمين، وقبل أن يوضح قام أحدهم بدفعه بشدة وضربه الآخر بهراوة حتى وقع، وفي تلك اللحظة فقط، تلاقت عيناه مع عيني شقيقه ليث...، كانت الدماء ..تسيل من كليهما، والفوضى تعبث في كل مكان، أما الشياطين، فكانت تجلس تراقب وتحمس وتصفق لكل من شارك في لحظة الغفلة والاضطراب.

هرب الجميع، وهرب عبدالرحيم وليث.. كل في اتجاه، اتصل كل منهما بالأم الحنون ليسأل عن شقيقه، وحين لم يحصل أي منهما على إجابة غير الدموع والدعاء، راح كل منهما يفتش عن شقيقه. في المستشفيات ومراكز الأمن وحيث يمكن أن تتجمع فيه المجموعة التي يناصرها شقيقه..

بحث الشقيقان. في كل مكان. وسمعوا قصصاً وحكايات. أشياء يمكن تصديقها. وأخرى لا تخطر على قلب إنسان)).

 

ملحق 14

مقال "العهد الذي بيننا وبينكم انتهى" – جلال الخوالدة

((قد يخطر ببال البخيت وحكومته، أو يوسوس لهم مستشاروهم أننا معجبون بأداء الحكومة أو أننا راضون عما تفعله، ويقولون لهم أن الدليل على ذلك هو صمت الإعلام عن التأخير في إنجاز ملفات الإصلاح وصمتهم على تلميحات رفع الأسعار، وسكوتهم على اللجان التي ملأت البلد، وتراوح مكانها، وتغاضيهم عن إيجاد حلول جذرية لمشكلة الطاقة واحتمالات انقطاعها ورفع أسعارها، والصمت المطبق حول كثير من القضايا وعلى رأسها مشاكل الفقر والبطالة والفساد والواسطة والمحسوبيات، ولكن كل هذه "الوسوسات" هذا غير صحيحة على الإطلاق.

ما يجري فعلا، وعلى أرض الواقع، هو نتيجة لأحداث الزرقاء الأخيرة، التي ظهر فيها الجميع، بما فيهم كل رجالات المعارضة، صفا واحدا، ضد أن يمس الوطن سوءا، ظهرت الألفة بين المواطنين جميعا في رفضهم أن تتحول البلد إلى ساحة حرب، ولكن هذا لا يعني أن الحكومة تسير في الاتجاه الصحيح، أو أنها قادرة على الانتقال إلى المستوى الثاني من الإصلاح، وتحويل الكلام والنظريات إلى فعل، في قانوني الانتخاب والأحزاب، وفي مكافحة الفساد بشكل حقيقي، أو حتى على مستوى إيجاد مصادر دخل بديلة بدل المنح والمعونات والمساعدات التي تسبب الحديث عنها بخلل عجيب في دفع المسيرة بأكملها إلى الأمام، والحكومة في ذات الوقت غير قادرة حتى على ضبط نفوذ المتنفعين الذين يحاولون التطاول على مكتسبات الوطن، فراحوا يبثون سمومهم في كل مكان، يحاربون هيئة مكافحة الفساد ويتدخلون في حيثيات أساسية لقانون الانتخاب، ويماطلون في قضايا فساد أساسية، يعرفها كل الناس.

هل نبدأ المطالبة برحيل حكومتك يا دولة البخيت؟ إذا بدأنا فعلا، فلن نسكت حتى تذهبوا، وتستقرون في بيوتكم، أما عن العهد الذي بيننا وبينكم فقد انقضت التسعون يوماً وأنتم واقفون مكانكم بلا حراك، والتسويف بتشكيل اللجان تلو اللجان، ما هو إلا إشارة منكم إلى أن العهد الذي بيننا وبينكم انتهى.

المهلة الأخيرة التي سأتبناها شخصيا ليست تمديدا في العهد، بل فرصة أخيرة لحسم قانون انتخاب يشتمل على التمثيل النسبي والقوائم الانتخابية، وإنشاء محكمة دستورية، وإنشاء هيئة عليا للإشراف على الانتخابات ليست الحكومة من يختارها بل بالتوافق والترشيح الحزبي، على أن لا تفهموا هذه الرسالة خطأ، وتظنون أن هذا يعفيكم من مسؤوليات كثيرة أنتم تعرفونها وعلى رأسها الابتعاد عن قوت المواطن، ولنتفق منذ الآن، وبشكل نهائي، أن قوت الناس هو المنطقة المحرمة بيننا وبينكم)).

 

ملحق 15

مقال " لسنا عبيداً يا بخيت" – جلال الخوالدة

((يذكرني البخيت، بلعبة قديمة كنّا نلعبها ونقول فيها: جمّال ابن جمّال العرب سرقوا لك جمالك، فيرد الذي وقع عليه الاختيار: سيفي تحت رأسي ما بسمع كلامك.

رئيس الوزراء، معروف البخيت، يقول ذلك: سيفي تحت رأسي ما بسمع كلامك، لكنه في نفس الوقت يعود ليشهر سيفه في وجه آخر محب متيم عاشق للوطن، ذنبه أنه لم يسرق شيئا، بل كان مسروقا، فاحتج، وعبّر عن احتجاجه برفض استقبال البخيت وطالب باستقبال من يحب، بقائد الوطن، عميد النشامى الأحرار، فلم يعجبه ذلك ووصف "المحب" بالشقي، وأمر باعتقاله في جنح الليل، وترك سجينا مدانا بقضية كبرى هزّت البلاد، طليقا:

سجينٌ طليقٌ ...وحرٌّ يجرّ إلى المعتقل؟!؟

أفيقوا.. فهذي بلادي.. ومهجة قلبي.. وشحمةُ عيني التي في المُقل.

البخيت، بدأ حربا ليست حربه، وبدون أية تهمة من أي نوع، سوى إثبات سطوته، أمر باعتقال شباب الطفيلة الذين فعلوا ما كان يجب أن يفعله أيّ حرّ شريف صادق محب لوطنه، يريد أن يعبّر عن احتجاجه بهروب ذلك السجين، فلم يحاروهم البخيت، ولم يتحدث إليهم بل تصرف بشكل شخصي، وأمر باعتقالهم، ثم عاد ليأمر بالإفراج عنهم، كأنه يتصدق عليهم، ويرأف بهم، مع أن الحق أن يرأف بنفسه ويتصدق عليها وهو يجلس على كرسي صاحب الولاية والمسؤولية التي كُلف بها ولم تأته لتشريفه أو لتجعله سيدا يتفقد عزبته وعبيده، وكأنه لم يقرأ ما ورد في أدب الحوار، صفحة 28، (أن الخليفة الراشد عمر بن عبد العزيز قام يصلي الليل في مسجد بني أمية، وكان السراج قد انطفأ، فاصطدمت قدماه برجل نائم، فقام النائم وقال: "أحمار الذي وطأني؟، فقال عمر: "لا.. أنا عمر بن عبد العزيز ولست حماراً")، أو لم يطلّع على الجزء الثاني من العقد الفريد، صفحة 127، التي ورد فيها (أن خليفة رسول الله صلى الله عليه وسلم، الفاروق عمر بن الخطاب رضي الله عنه، قال: "إذا سمعت الكلمة تؤذيك فطأطئ لها حتى تتخطاك").

هل تأذى دولة رئيس الوزراء لأننا طالبنا بمقابلة الملك؟ أم لأننا نريد من "دولته" أن يأتي لنا بالسجين الهارب ويتولى أمر الفاسدين الذين يعبثون بالوطن؟ وكذلك هل يحق له أن يغضب بشكل شخصي؟ وتأخذه العزة بالإثم؟

 هل يعلم "البخيت" من هم هؤلاء الذين وصفهم بالأشقياء؟ إنهم أحرار الثورة العربية الكبرى؟!؟ أحفاد الرجال الذين وقفوا ملبيين لصدى طلقة الشريف الحسين بن علي رحمه الله، أبناء الرجال الذي وضعوا الوطن في عيونهم مع الملك المؤسس عبدالله الأول فكانوا جنوده المخلصين وحملوا راية الأردن عالية خفاقة بالعزّ والمجد والكرامة واستمروا يحملونها تحت راية مؤسس الأردن الحديث، أبو الرجال الحسين بن طلال رحمه الله تعالى، إنهم رجال وشباب الطفيلة والجنوب والأردن قاطبة الذين يطالبون بما يطالبكم به جلالة الملك عبدالله الثاني بن الحسين، ويأمركم به ليل نهار، ويستعجلكم لإنجازه من إصلاح ومحاربة للفساد والفاسدين وتحقيق العدالة والمساواة. 

على رسلك، لسنا عبيدا يا بخيت، في عزبتك، ولا تحتاج أن نذكّرك بأنك رئيس الوزراء الذي جاءت به رياح غضب هؤلاء الأحرار على الحكومة السابقة، التي تفننت في ازدرائهم وتهميشهم، وليس هناك داع لنشرح ما يعرفه كل الناس بأنك موظف في هذه الدولة وتتقاضى راتبا لقاء عمل تقوم به، وأن هذه الدولة هي دولة مؤسسات وقوانين وأنظمة، ولا يحق لمخلوق أن يعتقل أحدا بدون تهمة منصوص عليها في القوانين العاملة، أو بدون أمر قضائي، فكيف إذا كانت مشاعر "شخصية اعتبارية" لعدم الترحيب به أو احتجاجا على مطالب شرعية؟!؟  

لن أنتظر منك الجواب.. فهذي بلادي.. ومهجة قلبي.. وشحمة عيني التي في المُقل)).

 

 

ملحق 16

جلال الخوالدة يكتب لزاد الأردن: سحقا لحرية التعبير .. !

زاد الاردن الاخباري - أخبار الأردن :

منذ التحول إلى الديمقراطية، في العام 1989 ، شعر الكتاب والصحفيون في الأردن شعورا مختلفا، كنا نكتب (تقريبا) كل شيء، دون خوف أو وجل، قد تكون السنة الأولى مختلفة، فقد شهدت دخول صدام حسين إلى الكويت، وانشغلنا في مسائل خارجية، ولكن عندما هدأت الأحوال، كان البعض ما زال متمسكا بالأطر التقليدية، أو بقي مسجونا في هاجس الخوف، وانطلق البعض الآخر، أو انفلت عقاله، وراح يكتب وينتقد كل شيء، الأخضر واليابس، وظهر في بداية التسعينات مجموعة مميزة من الكتّاب والصحفيين الذين فهموا أن مساحة التعبير، كانت حقا بلا سقف.

لا أريد أن أتطرق لتجربتي الخاصة خلال التسعينات، والتي أكاد أجزم، أو أحلف، بكل تواضع، أنني كتبت مقالات لا تحتملها الجبال، ووضعت عناوين تسقط حكومات، وبقيت أترقب يوميا أن يتم اعتقالي، أو استجوابي، ولم يحدث ذلك سوى في تجربتين فقط احداهما مقال بعنوان (المؤامرة الكبرى)، وطلبت الجهات الأمنية بلطف زيارتها ولم أفعل، والثانية حول حكومة الكباريتي، حين رفعت سعر الخبز، في أواسط التسعينات، خمسة أضعاف، وكان بعنوان (لمن هذا البلد) وتمت محاصرتي بسلوك شخصي لم أتوقف عنده لأنه لم يعبر حينها عن رأي جهة رسمية، وغير ذلك لم يكن لحرية التعبير عندي جدران ولا عمق ولا سقف.

في العام 2010 بدأت أهاجم بشراسة حكومة سمير الرفاعي، ثم حكومة معروف البخيت وكانت عائلتي واصدقائي يخشون أن يتم معاقبتي بشدة على تلك المقالات، واستمريت بلا هوادة، وحصلت من خلالها، بلا فخر، على جائزة أكثر الكتاب المؤثرين في الأردن، ولم يحدث لمرة واحدة أن تم استدعائي أو محاسبتي، وكذلك لم يتم استجوابي مع أنني كنت، وبكل فخر، أول من قال (ارحل) في الوطن العربي، و كنت أيضا من دعاة أول جمعة غضب أردنية في الرابع عشر من كانون الثاني للعام 2011، ثم لأنني دعوت لأول جمعة غضب بالطفيلة، حين قام البخيت بإعتقال شبابها الذين رفضوا استقباله حينها وكتبت: (سجين طليق وحر يجر إلى المعتقل.. أفيقوا.. فهذي بلادي ومهجة قلبي ودمعة عيني التي في المقل..).. واستغربت بشدة، بعدها، أن المخابرات الأردنية تطلب مني اصدار تصريح بأن المخابرات لم تعتقل شباب حارة الطفايلة بل تحدثوا معهم وديا إبان الدعوة لجمعة رفع القبضة الأمنية، وكذلك لم يتم استدعائي أو القاء القبض علي في 9-9-2011 حين أعلنت الإضراب العام، بل تمت محاورتي بشكل علمي وعملي وإقناعي بأن المرحلة القادمة ستشهد تغييرا جذريا فشهدت حكومة الخصاونة وأقرار الحوار الوطني ونتائجه.

كل هذه المقدمة ليست استعراضا لمهاراتي ومغامراتي، بل أو ليست مدحا ببلدي ، الذي يستحق المديح، فيما وصلت حرية التعبير فيه، وليست مجاملة بالطبع لأجهزة الأمن التي أعتز بها حتى لو اعتقلوني، وليست أيضا ضد زملائي الذين تم اعتقالهم أو محاسبتهم على مقالات كتبوها، إنما هي كلمة حق، خطرت ببالي، حين قرأت تقريرا حول تضييق الخناق على حرية التعبير في الأردن، بعد إصدار قانون مكافحة الإرهاب، نشره موقع ميدل إيست مونيتور البريطاني، وبيّن التقرير أن “الصيغة الغامضة لقانون مكافحة الإرهاب؛ تسمح بتوجيه مجموعة من التهم ضد الصحفيين وغيرهم من المواطنين على نطاق واسع”، والحقيقة، ومع تحفظي الكامل على اعتقال أي صحفي، ما زلت أرى التقرير يتهجم على الأردن دون أدنى تقدير للأوضاع السياسية الصعبة التي يمر بها بلدي، وكأن كاتب التقرير، نسي أن الأردن يغلي على سطح صفيح ساخن، وأنه محاصر بمجموعات إرهابية، تحاول إقتحامه بكل الوسائل، وتحطيمه من الداخل، ونشر الفتنة بين مواطنيه، وخلخلة نظامه الأمني، بالإضافة إلى أعداءه المعروفين، والمستترين، الذين يصلون الليل بالنهار، في تخطيط مؤامراتهم ضد الأردن، لإسقاطه في الوقت الذي يريدونه، ويستخدمون وسائل الإعلام ووسائل التواصل لإجتماعي، لنخر عوده الصلب الممتنع، وإضعافه حتى يتهاوى في الوقت المعلوم لديهم.

هذه حقيقة، رضي من رضي وغضب من غضب، فالأردن، ومع نظامه الأمني المحكم، ما زال معرضا للتحطيم من قبل جهات كثيرة، بعضها نعرفه وبعضها لا يمكن التنبؤ بنواياه، وليس لهم سبيل سوى الإعلام بكافة وسائله، وقد تصبح حرية التعبير التي نأملها، والتي عملنا للحصول عليها سنوات طويلة، في لحظة، سيفا يهدد اسرتي الصغيرة وعائلتي وعشيرتي الكبيرة وبلدي الحبيب وكل من يقيم على أرضه الطاهرة المعطاءة.

سحقا لحرية التعبير غير المسؤولة، وسحقا لحرية التعبير التي أطلبها لنفسي فتعطي الحق لعدوي أن يمر من خلالها، وسحقا لكل تقارير المواقع والمحللين، الذين يجلسون خلف أجهزة (اللاب توب) في مكاتبهم الزجاجية وبلدانهم الآمنة، يحاسبوننا بحبر أقلامهم على إجراءات نتخذها لحماية أنفسنا وعائلتنا وأوطاننا، وسحقا لكل من يصدق هذه التقارير المدفوعة التي يكتبها مرتزقة الإعلام العالمي، وحتى يثبتوا عكس ذلك فليأتوا بأسرهم وعائلاتهم إلى الرمثا وليقفوا على حدودنا مع جنودنا البواسل يدافعون عنا ويقاتلون الإرهاب الحقيقي الذي يتجمهر عند أعتابنا !!

 

مقال المؤامرة الكبرى – جلال الخوالدة

((يقولون أن أذكى من يقود المعارك هو الذي يضع مخططا يعتمد إنهاك الخصم وإضعافه، مُخططا مُحكما ينخر في بنيان الخصم أو العدو، ويحطمه معنويا وداخليا، فيصبح القضاء عليه سهلا وممتعاً، ولذلك أقنعوا المثقفين، منذ سنوات طويلة، أن أي حديث عن نظريات مؤامرة، هو ضعف لهم، هو وهم وتخبط، وهو كذلك فشل ذريع، مما أتاح للمتآمرين، وهم كُثر، تمرير كل مؤامراتهم بسهولة ويسر، ولكني قررت اليوم، تقبل أي إتهام، وأي وصف بالضعف والتخبط والفشل، وسأتمسك بنظرية المؤامرة في كل شيء، وليقولوا عني ما يريدون!

أليس هناك مؤامرة إطلعنا على تفاصيلها، بين أمريكا والإخوان المسلمين، جرت أحداثها في تركيا على شكل ضوء أخضر أمريكي لدعم أي توجه إخواني، في حال قرروا المضي في رفع سقف مطالبهم وأحلامهم السياسية وهل يكفي نفيهم الخبر، هم وغيرهم، أن نصدق أن الـ سي آي إيه ستترك الإحتمالات مفتوحة دون تغطية؟!؟
أليست هناك مؤامرة "مضحكة" باسم معارضة خارجية، وهم كلهم، عبارة عن شخص واحد "مفصوم" وصلت لديه حالة الفصام بكتابة بيانات ووضع أسماء وهمية "مضحكة" وإختراع قصة إجتماع تلك الأسماء بطريقة "مضحكة" ويروج لها عبر موقعه على الفيس بوك وأحد المواقع الـ "مضحكة"، والأدهى أن بعض دعاة الإصلاح "المضحكين" يروجون لها بحجة أنها لا تعجبهم وأنها ركيكة ..الخ لكنهم يروجون لها وقلوبهم ترقص فرحا على أنغام الفوضى؟!؟

أليس الهجوم العنيف من بعض الكتّاب المدّعين على الأمن العام الأردني بتشويه صورته "الكلية" لإخضاعه وتحييده وإسقاطه وتطبيق النموذج المصري كما في ثورة 25 يناير، هي مؤامرة كبرى على البلد؟!؟

أليس تمسك مدير مخابرات سابق ورئيس ديوان ملكي سابق بالحرب غير المعلنة بينهما، وهي تتمثل في كل أحاديث الصالونات السياسية، ووصلت لمرحلة تجييش أبناء الوطن ضد بعضهم البعض هي مؤامرة لتقسيم البلد؟!؟
أليس تقسيم البلد إلى أردني وأردني فلسطيني هي المؤامرة الكبرى الأخطر التي تطبخ مادتها الرئيسية لدى الأعداء ويتم الترويج لها عبر المحبين والعملاء ومحاربي نظريات المؤامرة والمتخندقين خلف وجهات نظر وذكريات قديمة منسية ؟!؟

ألا يعتبر تمسك الفاسدين بفسادهم اليومي المستشري واستمرارهم الخبيث في عقد الصفقات وسرقة الأموال والرشاوي وإقامة تحالفات السرقة هو مؤامرة ونزيف ليس له مثيل؟!؟

أليس تمسك من يطلقون عليهم الحرس القديم وتيار المتشددين الأردنيين في الحكومة وخارجها بعدم السماح للإفراج عن قانون إنتخابي يحظى بالتمثيل العادل النسبي هو مؤامرة تصب في النهاية ضد مصلحة الوطن؟
واسمحوا لي أن أسأل، أليس إهمال الإصلاح المجتمعي في دور الرعاية والجمعيات والمؤسسات المدنية وتشجير الوطن وتنظيف مدنه والإهمال الكبير لمدارسه ومناهجه وطلابه وفقراءه وإهمال المواطن لواجبه في الترويج للسياحة والحديث عن إصلاح النفس وغيرها وغيرها هو أيضا مؤامرة، غير مخططة، ضد البلد؟
أليس كل ما ذكر حقائق موجودة على أرض الواقع، أم أنني "مفصوم" آخر يضاف إلى قائمة المفصومين الذي حرقوا البلد وما زالوا يبحثون عن أية وسيلة لتحويلها إلى رماد؟!؟

ماذا ستقولون هذه المرة: مستوزر، منافق، مجنون، مغرور، مقهور، كذاب؟!؟ سأحتمل كل ما تقولون ولكني لن أحتمل أن أضع رأسي على الوسادة وأقنع نفسي أن الحياة جميلة، وأن الجميع، بما فيهم نفسي، ملائكة طاهرون، وأن كل ما أظنه مؤامرة هو محض وسوسة شيطان لا وجود لها.

 

ملحق 17

مقال "المتعطشون للدماء في 15 تموز" - 12 تموز 2011

((لا أكاد أصدق هذا البحث المتعطش اللئيم للاستمتاع برؤية الدماء تسيل في دوار الداخلية، ولست أفهم سرّ الإصرار على الاشتباك مع مواطنين يعارضون الاعتصام في المناطق الحساسة التي تعطل الحياة اليومية، وكذلك البحث عن أية طريقة للمواجهة مع رجال الأمن، وأحاول أيضا أن أستوعب السبب الذي يدعو هؤلاء لتفتيت النسيج الاجتماعي الأردني وتقسيم الشعب عدة مرات ليختلفوا حولهم ومعهم وضدهم، ذلك التقسيم الذي لا يخدم سوى العدو الصهيوني ويخدم القلوب السوداء، تلك القلوب التي نعرفها ونعرف نواياها منذ رفضوا الاشتراك في أي نشاط سياسي إصلاحي من أي نوع، ولن ننسى لهم يوم رفضوا بشكل صريح المشاركة في أول اعتصام يوم الجمعة 14 كانون الثاني 2011، يوم أطلقنا عليهم اسم "قوى كانون البارد المظلم" فاختبأوا متربصين خائفين مذعورين في جحورهم، ويومها فقط، سقطت كل أقنعتهم، وظهرت حقيقتهم حين نجح الشعب وأقيلت الحكومة السابقة وبدأ الحوار الوطني ورفضوا أن يكونوا طرفا في كل أشكاله، وظلوا متأخرين خطوتين، فنحن ندعوا اليوم أن تجتمع كل الأحزاب والفعاليات الشعبية على كلمة واحدة بخصوص المطالبة برفع المقاعد القائمة الانتخابية في القانون الانتخابي الجديد، لكنهم يتقهقرون حاملين حقدهم ولؤمهم إلى دوار الداخلية في 15 تموز، كما أعلنوا، للبحث عن نقطة دماء واحدة يتباهون فيها أمام كاميرات الفضائيات التي تدعم مشروعهم الخبيث.

كيف وصلتم بنا إلى هذه المرحلة؟ كيف استطعتم بمكركم ودهائكم وضعنا في مكان نظهر فيه كأننا نقاوم الإصلاح؟ وأين كنتم حقاً منذ عامين وأكثر ونحن نطالب بالإصلاح ونطالب بقانون انتخاب يشتمل على التمثيل النسبي؟ ولماذا لم نجدكم معنا في كل مرحلة هامة ومصيرية بل كنتم تظهرون فجأة في الوقت والمكان الخطأ، لتنفيذ أهداف لا تعبر عنا وعن مطالبنا؟

عتبي ليس على قياداتهم الذين نعلم أن ولائهم المطلق لغير الأردن ويبحثون عن أية وسيلة لطعن الأردن في ظهره ثم خاصرته وصدره، بل العتب على الذين يصدقونهم ويصدقون أكاذيبهم حين يتقدمون الصفوف ويقفون أمام شاشات محطات الأخبار يصرخون ويتقافزون لتقديم تصريحات نارية، الحق في ظاهرها والباطل في مكنونها وأهدافها، العتب على الواعين من شعبنا الذين يصدقون أنهم يبحثون عن الإصلاح، ولا يعلمون أنهم مجرد دمى في يد الذين يكرهون الأردن ويحقدون عليه ويغارون منه ويسعون لتحطيمه، العتب موصول على كتاب وصحفيين يظنون أن الشجاعة هي التعاطف معهم، ولا يفكرون بالتساؤل عن أهدافهم في اختيار التوقيت والمكان، أو عن تخلفهم في الأيام المفصلية الحقيقية، وكذلك العتب على بعض شبابنا الذين يصنعون لهم قيمة بمحاولة منعهم من الاعتصام وكذلك على الحكومة التي تعطيهم من الحماية ما يجعهم يظنون أنهم أصحاب حق، وهم ولاة باطل أسود مقيت يقطر لؤما وحقدا وسادية وتعنتا، وإذا سألهم الشعب الأردني كله سؤالا واحدا، وبصوت واحد: لماذا دوار الداخلية تحديدا؟ ... أتحداهم أن نسمع منهم إجابة واحدة مقنعة؟!؟

هذه الرسالة لن تجعلهم يتراجعون إلى الساحات المخصصة لذلك، أو إلى أي مكان مفتوح يضمن عدم الاشتباك معهم، لكنها رسالة لوزير الداخلية مازن الساكت أن يضع خطة محكمة تتضمن تحويلات الطرق الرئيسية، المؤدية إلى الدوار، وتركهم هناك بدون أن يقترب مخلوق منهم، تركهم لوحدهم كوصمة عار في تاريخهم الأسود، يوما أو شهرا أو عاما، وليسجل التاريخ أنهم ذهبوا هناك، للقضاء على آخر فرصة للشعب الأردني يحظى فيها بقانون انتخاب أو يحظى بإصلاح شامل، وأنهم جاءوا فقط للبحث عن الدماء التي يعشقون رؤيتها تسيل في شوارع عمان، مرة أخرى.))

ملحق 18

وقف التحريض ومحاسبة الحكومة – جلال الخوالدة- جريدة الغد: 25/07/2011

التحريض لم يكن قبل أحداث 15 تموز (يوليو)؛ التحريض بدأ بعد الأحداث بين فئتين من فئات المجتمع؛ فئة تؤيد الصحافي وترى أنه تعرض لإهانة شديدة وتهاجم رجل الأمن وتقول إنه ارتكب أخطاء جسيمة، وفئة أخرى تدين الصحافي وتعتبر أن ما حدث ليس سوى تمثيلية درامية، وتؤيد وتحشد لدعم رجل الأمن واعتبار ما فعله بطولة يجب أن يشكر عليها.

التحريض والتجييش ضد ومع كل من الصحافي ورجل الأمن سيخلق فجوة شديدة الخطورة على المجتمع الأردني، خاصة نحو مهنتين من أكثر المهن حساسية في التعاطي مع المواطن؛ حساسية المصداقية والأمانة والحماية التي يحتاجها كل مجتمع للاستقرار، أكثر من حاجته إلى الخبز والوقود.

وإذا علمنا أن كل ما يتعلق بسياسة ورؤية الحكومة في إدارة أجهزة الدولة هي مسؤولية رئيس الوزراء، وأن كل ما هو دون ذلك ظواهر تحتاج الى تحليل وعلاج مستقل، فإننا سنقف أمام واجب تاريخي بوقف عمليات التحشيد والتخوين والتجريح وتقسيم المجتمع إلى أقسام متباعدة متنافرة متحفزة. وإذا كانت الأحداث تحتاج إلى مراجعة ومحاسبة، فالأولى إذن محاسبة صاحب الولاية “رئيس الوزراء” على اعتماده على معلومات تؤكد أن المنظمين كان لديهم سعي لرفع شعار إسقاط النظام، ولم يكلف الأجهزة المعنية التحقيق في مصدر المعلومات، وإحضار مطلقيها ومحاسبتهم فورا، وقبل أن يقول، وعلى الهواء، إن الحكومة ضد الاعتصامات المفتوحة، ويترك لوزير الداخلية وضع خطة أمنية تنفيذية، تعتمد تفريق المعتصمين والمواجهة معهم ومع الصحافيين، أدت بلا شك إلى كل ما نراه ونتابعه بأسى وحزن.

لم أكن مع اعتصام 15 تموز (يوليو)، واتهمت صراحة أنني كنت محرضا على عدم إقامته. ومع أنني كنت محذرا فقط من المواجهة، إلا أن هذه التحذيرات لم تكن هي الفعل، الفعل كان في الدعوة لهذا الاعتصام على دوار الداخلية، كما أعلن المنظمون في البداية، وقلت إن المكان المفترض يشي بنوايا المواجهة، والأفضل الذهاب إلى الساحات المخصصة لذلك حقنا للدماء. وكان التحذير أيضا، من تنامي ظاهرة الاستعراض والبطولات الوهمية، وسرقة جهود الإصلاحيين الذين بذلوا الكثير للوصول إلى هذه اللحظة التاريخية في تحقيق الإصلاحات الجادة، وتعديل الدستور وقانوني الانتخاب والأحزاب، والتي تحتاج إلى توحيد وتنظيم الجهود، لتحظى بمتابعة الفعاليات السياسية ومشاركتها وقبولها لكل المخرجات.

أحداث 15 تموز (يوليو)، وما يدور حولها، غضت الطرف عن الإصلاح، وعن الجدول الزمني الذي تعهد به رئيس الحكومة لإنجاز التعديلات الدستورية خلال آب (أغسطس) وإقرار قانوني الأحزاب والانتخاب في أيلول (سبتمبر)، وتناست أيضا أهمية توحيد الجهود للضغط على الحكومة للحصول على قانون انتخاب لا تقل فيه عدد مقاعد القائمة الانتخابية عن 30 مقعدا، مع علم الجميع أن الحكومة قد عقدت عزمها على تقديم “منّة” لا تزيد فيها عدد هذه المقاعد على 15 مقعدا، حسب توصيات لجنة الحوار.

 

ملحق 19

جلال الخوالدة يكتب لزاد الاردن: المؤامرة الكبرى - 24-07-2011

يقولون أن أذكى من يقود المعارك هو الذي يضع مخططا يعتمد إنهاك الخصم وإضعافه، مُخططا مُحكما ينخر في بنيان الخصم أو العدو، ويحطمه معنويا وداخليا، فيصبح القضاء عليه سهلا وممتعاً، ولذلك أقنعوا المثقفين، منذ سنوات طويلة، أن أي حديث عن نظريات مؤامرة، هو ضعف لهم، هو وهم وتخبط، وهو كذلك فشل ذريع، مما أتاح للمتآمرين، وهم كُثر، تمرير كل مؤامراتهم بسهولة ويسر، ولكني قررت اليوم، تقبل أي إتهام، وأي وصف بالضعف والتخبط والفشل، وسأتمسك بنظرية المؤامرة في كل شيء، وليقولوا عني ما يريدون.

أليس هناك مؤامرة إطلعنا على تفاصيلها، بين أمريكا والإخوان المسلمين، جرت أحداثها في تركيا على شكل ضوء أخضر أمريكي لدعم أي توجه إخواني، في حال قرروا المضي في رفع سقف مطالبهم وأحلامهم السياسية وهل يكفي نفيهم الخبر، هم وغيرهم، أن نصدق أن الـ سي آي إيه ستترك الإحتمالات مفتوحة دون تغطية؟!؟
أليست هناك مؤامرة "مضحكة" باسم معارضة خارجية، وهم كلهم، عبارة عن شخص واحد "مفصوم" وصلت لديه حالة الفصام بكتابة بيانات ووضع أسماء وهمية "مضحكة" وإختراع قصة إجتماع تلك الأسماء بطريقة "مضحكة" ويروج لها عبر موقعه على الفيس بوك وأحد المواقع الـ "مضحكة"، والأدهى أن بعض دعاة الإصلاح "المضحكين" يروجون لها بحجة أنها لا تعجبهم وأنها ركيكة ..الخ لكنهم يروجون لها وقلوبهم ترقص فرحا على أنغام الفوضى؟!؟
أليس الهجوم العنيف من بعض الكتّاب المدّعين على الأمن العام الأردني بتشويه صورته "الكلية" لإخضاعه وتحييده وإسقاطه وتطبيق النموذج المصري كما في ثورة 25 يناير، هي مؤامرة كبرى على البلد؟!؟

أليس تمسك مدير مخابرات سابق ورئيس ديوان ملكي سابق بالحرب غير المعلنة بينهما، وهي تتمثل في كل أحاديث الصالونات السياسية، ووصلت لمرحلة تجييش أبناء الوطن ضد بعضهم البعض هي مؤامرة لتقسيم البلد؟!؟
أليس تقسيم البلد إلى أردني وأردني فلسطيني هي المؤامرة الكبرى الأخطر التي تطبخ مادتها الرئيسية لدى الأعداء ويتم الترويج لها عبر المحبين والعملاء ومحاربي نظريات المؤامرة والمتخندقين خلف وجهات نظر وذكريات قديمة منسية ؟!؟

ألا يعتبر تمسك الفاسدين بفسادهم اليومي المستشري واستمرارهم الخبيث في عقد الصفقات وسرقة الأموال والرشاوي وإقامة تحالفات السرقة هو مؤامرة ونزيف ليس له مثيل؟!؟

أليس تمسك من يطلقون عليهم الحرس القديم وتيار المتشددين الأردنيين في الحكومة وخارجها بعدم السماح للإفراج عن قانون إنتخابي يحظى بالتمثيل العادل النسبي هو مؤامرة تصب في النهاية ضد مصلحة الوطن؟
واسمحوا لي أن أسأل، أليس إهمال الإصلاح المجتمعي في دور الرعاية والجمعيات والمؤسسات المدنية وتشجير الوطن وتنظيف مدنه والإهمال الكبير لمدارسه ومناهجه وطلابه وفقراءه وإهمال المواطن لواجبه في الترويج للسياحة والحديث عن إصلاح النفس وغيرها وغيرها هو أيضا مؤامرة، غير مخططة، ضد البلد؟

أليس كل ما ذكر حقائق موجودة على أرض الواقع، أم أنني "مفصوم" آخر يضاف إلى قائمة المفصومين الذي حرقوا البلد وما زالوا يبحثون عن أية وسيلة لتحويلها إلى رماد؟!؟

ماذا ستقولون هذه المرة: مستوزر، منافق، مجنون، مغرور، مقهور، كذاب؟!؟ سأحتمل كل ما تقولون ولكني لن أحتمل أن أضع رأسي على الوسادة وأقنع نفسي أن الحياة جميلة، وأن الجميع، بما فيهم نفسي، ملائكة طاهرون، وأن كل ما أظنه مؤامرة هو محض وسوسة شيطان لا وجود لها.

 

ملحق 20

جلال الخوالدة يكتب لزاد الاردن: على طاولة المطبخ السياسي

31-07-2011

"سنشعر بالتغيير الحقيقي، يوم تتغير لدينا طريقة تشكيل وإقالة الحكومات"

عبارة ظل صداها يتردد في ذاكرتي لفترة طويلة، والسبب أنها صدرت من رئيس حكومة سابق، تولى إدارة المخابرات العامة في الفترة 1974-1982 ثم كان عراباً للميثاق الوطني عام 1989، وبعدها إنتقل بهدوء يشبه هدوء ما قبل العاصفة، إلى المعارضة، نعم، إنه دولة الأستاذ أحمد عبيدات.

قال لي هذه الجملة عام 2000، في حديث شيق لم يُنشر، حديثه الذي إختلطت فيه الخبرة العميقة مع الذكريات والشجون السياسية، واعترف أنني تأثرت كثيرا حين راح يشرح لي كيف ولماذا أقيلت حكومته عام 1985.

لاشك أن "عبيدات" شخصية جدلية، ويتفق مع ميوله السياسية الكثير من الناس، ويختلف معه مثلهم أو يزيدون، لكن معظم الناس أصبحت توّاقة لتغيير الطريقة التي يتم فيها تشكيل الحكومات الأردنية، جلالة الملك بنفسه، قال في خطابه مؤخرا" نحن نسعى أن تصبح الحكومة لدينا منتخبة".

حسناً، الملك قال أيضا "أننا نحتاج قبل ذلك إلى مرحلة تنمية سياسية، وتفعيل لدور الأحزاب والمؤسسات السياسية"، الناس تثق بالملك بلا حدود، لكنها تتعجل التغيير، قد يكون السبب هو التخوف من أن تطول المرحلة، وخلال ذلك، هناك حكومات سوف يتم تعيينها، على الأقل، الحكومة الإنتقالية التي ستُجري الإنتخابات المقبلة، وقد تكون هذه أهم حكومة يتم تشكيلها في عهد جلالة الملك عبدالله الثاني، وحساسيتها تنبع أن هناك من يشكك في قدرتها على إجراء الإنتخابات دون تزوير، تشكيك مسبق، لا يمكن محوه إلا بإيجاد طريقة لضمان أن هذه الحكومة ستحظى بإجماع توافقي على شخصية الرئيس وأعضاء حكومته.

مؤخرا، قال لي "مسؤول رفيع" أن حكومة البخيت ستُقال في أواسط أو نهاية أيلول على الأكثر"، بالطبع كان يلمح لإحتمال أن المطبخ السياسي قد بدأ بمناقشة الأسماء المرشحة للحكومة المقبلة، قال: "الدكتور عون خصاونة أحد المرشحين"، الكثيرون قد يصابون بخيبة أمل، حتى الرئيس نفسه، قد يحاول تأخير إقرار قانون الإنتخاب، فهو لا يعلم بعد إن كان إقراره سيؤدي إلى حل المجلس والحكومة معا، أم المجلس فقط أم أن الحكومة ستجد نفسها في مهب الريح.

بالمقابل، المعارضة تطالب بتشكيل حكومة إنقاذ وطني ترأسها شخصية وطنية متوافق عليها، وهم بالطبع ليس لديهم أية فكرة أو طريقة لتفيذ ذلك، ولكنهم خطرون، ففي العام الماضي، إذا تذكرون، إقترحت فكرة "الملكية الحرة"، وهي حكومة برلمانية منتخبة يُصادق عليها ويقيلها جلالة الملك خلال فترة تهيئة، ومع أنهم كانوا يرفضونها في ذلك الوقت، إلا أنني سمعت أن الإخوان المسلمين عادوا لطرحها مؤخرا، دون مراجعة، وليس بعيدا، تبني الفكرة التي سأطرحها تاليا، دون مراجعة أيضا.

الفكرة بسيطة وليست معقدة كما سيظن البعض، فهي لا تحتاج إلى تعديل دستوري، وتتضمن أن يقدم المطبخ السياسي مثلا خمسة أسماء لشخصيات وطنية، وتوضع بين يدي صاحب الجلالة الملك، وحين يصادق عليها جلالته، يتم تقديمها للتصويت عليها أمام هيئة يمثلها قضاة وأعضاء من مجلس الأمة (الأعيان والنواب) وممثلين معتمدين للفعاليات السياسية المرخصة في الدولة، الرئيس المنتخب من قبل الهيئة، يحظى بتكليف جلالته الرسمي الدستوري النهائي.

أعتقد أن بحث هذه الفكرة، إذا تسنى لها الوصول إلى طاولة المطبخ السياسي الأردني، سيكون نوعا من العصف الذهني، الذي يؤسس بلا شك لتقليص الفجوة بين المتشددين على إبقاء الأمر على ما هو عليه وبين الذين يطالبون بحكومة منتخبة، وتقبل مناقشة الفكرة سوف يخفف أيضا من حدة التوتر القائم حول تشكيل الحكومات، كذلك ستكون عملية سياسية أردنية بإمتياز، ليست منسوخة من تجارب الآخرين، ولا شك أنها ستؤسس أيضا، للحكومة البرلمانية المنتخبة القادمة، التي ينتظرها الشعب منذ سنوات طويلة.

 

ملحق 21

ماذا يريد الشعب الأردني حقا؟

جلال الخوالدة يكتب لزاد الاردن: ماذا يريد الشعب الأردني حقا؟

14-08-2011

لا أحد يتحدث عمّا يريده الشعب الأردني وأغلبيته الصامتة، وليس لدينا إتجاه علمي مكثف ودراسات حقيقية تحلل وتقرأ بموضوعية، وتدرس مناطق الخلل بين الدعوة المتواصلة للإصلاح، وأسباب الإحجام عنه، وبين فهم ورغبة وإرادة الشعب الأردني، الذي هو في الأساس، الركن الأهم في كل هذه المعادلة.

كما نعلم، الإحصائيات تشير أن التعداد السكاني في الأردن يقترب من 6 ملايين مواطن، والقراءة المبدئية، التي تشي بها حجم الأعداد المشاركة المسيرات والإحتجاجات والمنظرة له، تقول بوضوح شديد أن أكثر من 90% من المواطنين، وهم الذين لا يشاركون في هذه المسيرات، لم يقولوا كلمتهم بعد، فيما يتعلق بالإصلاح، بينما لدينا فئات مثقفة وسياسية وفعاليات حزبية وغيرها، يرون أن نظام "الملكية المطلقة" السائد، تسبب في نشوء دوائر كبرت وتكبر، حول النظام، وهي التي تحولت مع الأيام لتصبح السلطة النخبوية الحاكمة، ويرون أن المشكلة الحقيقية، وبغض النظر عن نوايا هذه النخبة: المخلصة والفاسدة والمؤهلة، فإن هؤلاء، أوصلوا البلد، بالطريقة التي تولوا فيها الحكم، باسم النظام، إلى الفساد الذي نراه، وإلى المديونية التي تمنع الأردن من الحركة، وإلى الضرائب وعجز الموازنة الذي أثقلت كاهل الشعب والحكومات، حتى سيطر المتشددون على معظم مفاصل الحكم، إخلاصا أو خوفا أو فسادا، وقد وصفهم الملك، في كثير من الأحيان، بقوى الشد العكسي.
الحقيقة المؤلمة جداً، هي أن الأردن لم يحظ بمعارضة واعية، معارضة حزبية مؤسسية تنطلق إلى الشعب لتشرح لهم وجهة النظر تلك، وتترك لهم خيار القرار فيما تراه الأغلبية فعلا، حتى باتت المعارضة الأردنية وعلى رأسها الحركة الإسلامية شبه مرفوضة لدى الكثير من قطاعات الشعب، والسبب أن المعارضة، تعمل أيضا بطريقة عكسية، تشبه طريقة قوى الشد العكسي تماما، فبينما نجح أول حراك أردني عفوي وشعبي، في 14- كانون الثاني- 2011، والذي لم تشارك فيه الأحزاب، في إقالة حكومة الرفاعي الثانية، وفي أقل من أسبوعين، نجد أن الأحزاب والفعاليات السياسية والحراكات الجديدة، وعلى مدار سبعة شهور من المسيرات والإحتجاجات المتواصلة، ومع وجود قضيتين كبيرتين هما السجين الطليق والكازينو، قد فشلت في إسقاط حكومة البخيت الثانية!!
هذه هي الفجوة التي يجب دراستها بعمق وتأمل، وهي ليست لعبة من نوع ما، بين قوى الشد العكسي المتشددة والمعارضة الضعيفة، لأن بينهما شعب كامل لم يسأله أحد ماذا يريد؟ ولا أحد يلتفت إليه بعقلانية وموضوعية، فقد وضعت القوى المتشددة نفسها وصية على الحكم دون مراجعة الشعب وهو مصدر السلطة كما في الدستور، ووضعت المعارضة نفسها وصية على الشعب دون أخذ موافقته، وحتى حين طرحنا فكرة الإستفتاء على أنظمة الحكم: الملكية المطلقة والملكية الدستورية وكذلك "الملكية الحرة" التي إقترحناها في مقال "الإستفتاء.. وإقتراح المَلَكية الحرّة"، قبل ستة شهور، لم يتحمس الطرفان، لفكرة الإستفتاء، فهما يعلمان أن الإستفتاء سيكون بين النظام السياسي والشعب مباشرة، وستكون القوى المتشددة والمعارضة خارج كل الحسابات، وسيقول الشعب كلمة فاصلة وستشكل سقطة وضربة موجعة لكل هؤلاء، أما ثقتي أن الشعب سيتوجه نحو الملكية الحرة، فليس لأنها فكرة قمت بطرحها ومقتنع بها وأروج لها، بل لأن غالبية قطاعات الشعب الأردني، بل كله، تحب الملك وتثق به، وقد لا تكون تثق بأحد غيره، ولذلك ستوافق الأغلبية على حكومة برلمانية منتخبة، لكن المصادقة عليها أو إقالتها، يجب أن يبقى بيد جلالته، على الأقل خلال فترة التهيئة من 4-8 سنوات.

التهيئة هي الحل الوحيد للخروج من المأزق السياسي، فالتهيئة تعمل باتجاهين، الأول بالتشريعات ومنها الدستور وقانوني الإنتخاب والأحزاب وبعض القوانين الهامة والأساسية، والثاني في التنمية السياسية، التي تشتمل على توعية الشعب بأهمية الديمقراطية وأهمية فصل السلطات، وأهمية أن يكون جلالة الملك بعيدا عن التلميحات الجائرة وتحميله مسؤولية أخطاء غيره، وأهمية تقليص سطوة الدوائر الحاكمة، وضرورة وأهمية تقوية الأحزاب، وإمتدادها الأفقي في الوطن، وتوسعىة قواعدها الشعبية وتأهيل قياداتها لتقديم البرامج الفاعلة، وليس الأقوال والسخط والتنطح على شاشات التلفاز وعلى صفحات الجرائد.

التهيئة تبدأ بنظام الملكية الحرة، حكومة برلمانية منتخبة يصادق عليها ويقيلها جلالة الملك، من 4 – 8 سنوات، وتعديلات دستورية تؤسس لمرحلة الديمقراطية الكاملة.

 

ملحق 22

قانون انتخاب عادل أو الإضراب الشامل

جلال الخوالدة يكتب لزاد الاردن: قانون انتخاب عادل أو الإضراب الشامل

02-10-2011

سنعترف، أن المتشددين في الأردن، قد فازوا بمعركتهم الأخيرة ضد الشعب، من خلال الدفع لإقرار التعديلات الدستورية، دون حكومة منتخبة، فوضعوا أمام جلالة الملك، ما يكفي من مبررات ومسوغات وتخوفات تدلل على أن هذه التعديلات هي أفضل المتاح، في هذا الوقت، وكذلك استطاعوا، ولا نعرف كيف، تمرير وإقرار المادة 23 من مشروع القانون المعدل لهيئة مكافحة الفساد، التي تحصن الفاسدين وتقوي مواقعهم وتجعلهم بعيدين عن المساءلة والبحث والتقصي، خاصة الصحفية والإعلامية.
وبما أن جلالة الملك، قد صادق على التعديلات الدستورية، وأصبحت نافذة، ولأنه لأجل عين "يكرم مرج عيون" ولن أسمح –شخصيا- للمتشددين المزاودة على ولائي وحبي للوطن والملك، وكذلك إحتراما وثقة بجلالته، سأقبل بالتعديلات الدستورية طائعا مختارا، وأبقى متأملا أن نحصل على حكومة منتخبة قريبا، إضافة إلى أن أي حديث عن التعديلات الدستورية، حاليا، ومنطقيا، سيكون إضاعة للوقت الذي يجب إستثماره الآن، بالتوجه كليا نحو قانون الإنتخاب، وهو الموضوع الأساسي، الذي جاء بحكومة البخيت لتحتل مقاعد الولاية خلفا لحكومة الرفاعي التي فرضت قانون الصوت الواحد والدوائر الوهمية وجاءت بمجلس النواب الحالي، وتسبب ذلك في الغضب الشعبي، والإطاحة بها.
المعلومات المؤكدة تقول، أن حكومة البخيت، تنوي إرسال قانون الإنتخاب إلى مجلس النواب للإقرار بواقع 15 مقعدا للقائمة النسبية، ومع أنها تدرك أن هذا المجلس تحديدا، يتلهف لإقرار القانون الذي لم يتغير فيه الكثير عن الصوت الواحد، ولن يغير في وجوه المجلس القادم ابدا، ولن يؤدي إلى أية تنمية سياسية من أي نوع أو حجم، ولن يساهم في إرساء وتمكين المواطنة بالتمثيل السياسي العادل، ومع أنها تعلم أيضا، أن إرساله على هذه الشاكلة "الناقصة" سيؤدي إلى إشعال معركة سياسية مع الفعاليات الحزبية والشعبية، ومع ذلك فهي غير مهتمة، وتظن أن قدرتها على حسم المعركة لصالحها بسرعة، وبدعم من المتشددين، داخل الحكومة وخارجها، سيجعلها تحقق الإنتصار الساحق الأخير، على حساب الأغلبية والفعاليات السياسية والحراكات الشعبية.
إذا كان الأمر كذلك، وقررت الحكومة فعلا ذلك وعزمت عليه، ورغبت حقا، الدخول في معركة سياسية مع أبناء الوطن التواقين للتقدم والإصلاح الشامل والديمقراطية، فهي دعوة إذن، لنا جميعا، إلى التكاثف والتنسيق لرفض القانون، بهذه الصيغة، والمطالبة بقانون يحصل فيه التمثيل النسبي على 50 % من المقاعد النيابية، تكون مخصصة للقائمة النسبية، وهي قائمة الوطن البرامجية، ونعتقد جازمين، أن هذه المعادلة، هي الأمل الوحيد المتبقي لدينا، لتحقيق التنمية السياسية ولتحقيق العدل والمساواة بين أبناء الوطن، والذي سيأتي بمجلس شعب، قادر على التشريع وحماية الوطن والمال العام ومراقبة الحكومات لا مهادنتها ومجاملتها على حساب الشعب.
شخصيا، سأستمر في الدعوة للإضراب الرمزي، إعتبارا من التاسع من تشرين الأول، والرمزي تعني، عدم الإرتباط بشكل واحد محدد من الإضراب، بل سيكون مفتوحا وحسب قدرة كل شخص أو حزب أو حراك يرى وجهة النظر تلك أو يتبناها، لكنه في النهاية إضراب ومقاطعة للسلطة التنفيذية والتشريعية ورفض كل ما يصدر عنهما من قول أو فعل أو نشاط أو قرار، سواء بالإضراب عن العمل أو الطعام أو أية فكرة رمزية تدلل على هذا الرفض، ولمدة 15 يوما فقط، وإذا لم يتلمس الشارع الأردني إشارات تدلل على أن الحكومة قد إستجابت للمطالب الشعبية المتعلقة بقانون الإنتخاب، فإننا سندعو مرة أخرى، إلى الإضراب الشامل، وستكون الحكومة مسؤولة أمام الشعب عن أية خسائر ممكن أن تحدث نتيجة هذا الإضراب وتتحمل وحدها تلك المسؤولية.
الإضراب الرمزي، المتاح دستوريا كنوع من الإحتجاج وحرية الرأي والتعبير، له هدف واحد محدد، وهو المطالبة بقانون إنتخاب ترضى به الأغلبية، وليس مجلس شعب لا يمثل كل الشعب، وإذا لم ترض به كل الأحزاب والفعاليات السياسية الناشطة، فإن الدعوة للإضراب الشامل، ستكون قاسية على قلوبنا، جدا، لكنها سلاحنا الأخير، في وجه المتشددين، الذي لم يتركوا سلاحا لم يستخدموه، في حربهم الأخيرة ضد الإصلاح الشامل، في التعديلات الدستورية وإقرار المادة 23 من قانون مكافحة الفساد.

 

ملحق 23

 

بيان الاضراب: رسالة إلى المعارضة الأردنية

جلال الخوالدة يكتب لزاد الاردن: رسالة إلى المعارضة الأردنية

09-10-2011

إلى الجبهة الوطنية للإصلاح: حزب الشعب الديمقراطي حشد، الشيوعي، الوحدة الشعبية، جبهة العمل الإسلامي، البعث العربي الإشتراكي، البعث العربي التقدمي، الامة، وحركة اليسار الاجتماعي، النقابات المهنية، القيادات العمالية، اتحاد المرأة، الى اللجنة التنسيقية للحراكات الشبابية والشعبية للإصلاح: اللجان الشعبية في الكرك، اللجان الشبابية في ذيبان، إئتلاف "24" أذار، الحراك الشبابي، شباب من أجل الاردن – الزرقاء ، تجمع أبناء جرش للاصلاح ، ائتلاف الشباب للاصلاح "معان" ، التيار الطلابي الديمقراطي في الجامعات والمعاهد المتوسطة ، الحراك الشبابي والشعبي في الشمال ، واتحاد الشبيبة اليسارية.

إلى جميع أبناء الأردن التواقين إلى وطن أفضل.

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته،،

إسمحوا لي أن أتحدث إليكم كمواطن أردني، وليس ككاتب أو محلل سياسي، واسمحوا لي أن اخاطبكم، وقد تعلمنا من ثورة الغضب العربية، أن المطالب لا يمكن تحقيقها حين تختلف المعارضة في البلد الواحد ويدب النزاع بين أركانها وهيئاتها وأفرادها، وتستفرد السلطة بكل مجموعة على حدا، تغازل هذا وتحاول مع ذاك، تقرب حزبا وتهاجم آخر، وكذلك تعلمنا من التجربتين التونسية والمصرية، أن المطلب الواحد المحدد يمكن تحقيقه، حين يكون واضحا ومباشرا للشعب قبل السلطة.

وإنه، وكما تعلمون، وعلى مرأى ومسمع من كل الأردنيين، وضعت التعديلات الدستورية، بعد أن تم تسويقها للقيادة السياسية، بدون حكومة منتخبة، وإقرارها جهارا نهارا، وبدون إستفتاء عام على العقد الإجتماعي الأساسي، بين الحاكم والمحكوم، وإذ نحن على مشارف مرحلة أخرى حاسمة من تاريخ هذا البلد الطيب الأصيل، تتمثل في قانون الإنتخاب الذي تنوي الحكومة الحالية، ومن لف لفيفها من المتشددين والمتشدقين، إرساله للإقرار إلى مجلس لا يمثل كل الشعب الأردني ولا الفعاليات السياسية والشعبية والشبابية فيه، بواقع 15 مقعدا للقائمة النسبية على مستوى الوطن، والإبقاء على باقي بنود القانون على ما هي عليه، تكريسا لنظام الصوت الواحد "الأحادي"، الذي أودى بالحياة السياسية والديمقراطية في الأردن منذ عام 1993، وبواقع 115 مقعدا للمرشحين على مستوى المحافظات، وحيث أن الحكومة قد بادرت، بالدفع لإقرار المادة 23 من القانون المعدل لهيئة مكافحة الفساد ثم وعلى لسان وزير الداخلية قامت، بتهديد الإصلاحيين، في محاولة منها لترهيب دعاة الإصلاح، بكل الوسائل، لتتمكن من إقرار قانونها، وتمريره كما فعلت بالتعديلات الدستورية، فإنني أتقدم منكم جميعا، كهيئات وأفراد، لتوحيد الجهود، وللوقوف كسد منيع واحد، أمام هذه المحاولات، وبدء إضرابات رمزية، لمدة 15 يوما، للضغط على الحكومة، لتتراجع عن قرارها، ولتقديم قانون تصل فيه نسبة مقاعد القائمة النسبية البرامجية، إلى 50% على الأقل، وأنه في حال أصرت الحكومة على قرارها وخيارها، البدء في إضراب شامل، إعتبارا من الرابع والعشرين من تشرين الأول، بمقاطعة السلطتين التنفيذية والتشريعة، في كل ما يصدر عنهما من قول أو فعل أو نشاط.

الإضراب الشامل، خيار قاس على قلوب الأردنيين، لكنه الوسيلة الأخيرة المتاحة دستوريا للتعبير عن الرأي والإحتجاج في وجه التزمت والتهديد الذي تمارسه هذه الحكومة على الشعب الأردني، متعللة بما يقوله المتشددون منذ عام 1956، أن الأردنيين، لا يستحقون تمثيلا سياسيا كاملا، يعيد الحياة السياسية إلى مسارها الطبيعي، بسبب التكوين الديموغرافي للأردن، متذرعين بالوطن البديل، الذي يرفضه كل حر، ولم يقبل به أحد، متناسيين الهوية الأردنية والمواطنة والحقوق، والذي ترتب عليه، أن ندفع ثمنا قاسيا، مقابل كل تلك الأوهام التي لا تعني شيئا على أرض الواقع، لكنه يعني بالنسبة لهم إحتفاظ الوجوه ذاتها بالسلطتين التنفيذية والتشريعية، وتوريثها وتقسيمها كأنها حصص ومغانم، بينما باقي الشعب يحترق من غلاء المعيشة والبطالة والفقر والعجز والديون، ويدفع الضرائب دون أن يحصل على بالمقابل على أبسط حقوقه وهو التمثيل السياسي العادل.

الإضراب الرمزي في التاسع من تشرين الأول، ما هو إلى يد ممدودة إلى الديمقراطية والحرية، بأي وسيلة تعبير أو نشاط، ولقطع الطريق أمام "البلطجية" الذين تستهويهم فكرة محاصرة التجمعات الإصلاحية ورشق قياداتها بالحجارة، ومحاولة إهانة الوطن الغالي العزيز، بتصويره أنموذجا للجهل والتعنت والبلطجة، وهو التراب المقدس، أرض العز والكرامة، قرة العين التي حملها نشامى الأردن الأحرار، لتصبح أنموذجا للحرية والعدل والمساواة.

أضع هذه الأمانة العظيمة في رقابكم جميعا، مطلب واحد بصوت واحد، قانون إنتخاب يحقق التنمية السياسية التي تحدث عنها جلالة الملك كثيرا، ووعد بها، ويقف بيننا وبينها قوى الشد العكسي وأعوانها، مستفيدين من تعدد المطالب وإختلاف المعارضة وإنشغال الأغلبية الصامتة في الجري والركض وراء لقمة عيشها.

وفقكم الله جميعا، من أجل أردن أفضل. 

 

ملحق 24

 

جلال الخوالدة يكتب لزاد الاردن: بالله عليك أن تستقيل

16-10-2011

دافعنا عنك شهور طويلة، على أمل أن تأتي لنا بقانون إنتخاب "نص عمر" فيه تمثيل سياسي "نص" عادل وأن تأتي لنا بقانون بلديات وإنتخابات بلدية "نص" معقولة ودافعنا عنك لأننا مقتنعين أن تشكيل الحكومات مكلف جداً على حساب الشعب ويترتب عليه إمتيازات ورواتب تقاعدية وتغيير في الخطط والرؤى وأننا لا نريد حكومة كل "نص" ساعة؛ ولكنك وصلت بنا إلى مكان لا نستطيع معه إلا أن نقول: "بالله عليك استقيل"
هل أنت تقرأ هذا المقال الآن يا دولة البخيت؟ أرجوك أن تأخذ في حسابك وجعي الشخصي، وأتحدث معك بشكل شخصي، لأنني أكن لك كل الإحترام والتقدير، كرجل وطني وعسكري، ولتعلم أنني بقيت منذ لحظة تعيينك حتى إقرار التعديلات الدستورية أراوغ واحاول وأهاجم المعارضة وشبه المعارضة وأجمع أعداء كانوا أصدقاء وأدافع عنك لتبقى وتأتي لنا بشيء واحد فقط يجعلني لا أعض أصابعي ندما على مسايرتك طيلة الشهور الثمانية الماضية، وها أنت ترمي كل ذلك خلف ظهرك، لم تستمع إلى نصح الذين ظنوا فيك خيرا، بل استمعت إلى نصح من قالوا لك أنك ستبقى يوما إضافيا، وأن ما تفعله إنجازات وليست كوارث، وأن ما حققته بطولات، للأسف خدعوك يا رئيس حكومتنا، والله إنهم خدعوك، فما يبقى ورائك، ويسجل في تاريخك، ليس شيئا تحبه، صدقني، وستحاول سنين طويلة تبريره ولن تستطيع، فهل سمعت في حياتك أن التاريخ يسجل ما يقوله المستشارون؟!؟ لم يحدث هذا من قبل، وما يسجل في التاريخ هو الذي تقوله قلوب الناس، الشعب، المواطنين البسطاء، وهؤلاء يقولون لك "بالله عليك استقيل".

يتحدثون عن نيتك في عمل تعديل وزاري! أي تعديل والبلطجيات قد راحت تهدد نسيج المجتمع، أي تعديل وملف البلديات أقلق مضاجع الناس؟ أي تعديل وقانون الإنتخاب قد رُفض شكلا ومنطقا قبل إقراره؟ أي تعديل وقد بدأ "الذي يسوى والذي لا يسوى" يمس هيبة الدولة، هيبة الوطن العظيمة، فهذا يحمل السلاح وهذا يقطع الطريق وذاك يروج للفتنة وآخر يهاجم الإصلاحيين وبقية الناس والشعب "تموت" من الفقر والبطالة وغلاء المعيشة؟ أي تعديل وقد استنفذك مجلس "ثقة 111" مجلس الصوت الواحد "المتوحد" وراحوا يجمعون الحطب تحت كرسيك الذي أقروه و"ثبتوه" قبل شهور فقط؟ هل تظن أن تعديلك سوف ينقذ الوطن؟ بالله عليك يا دولة البخيت، إرحمنا وقدم إستقالتك مع توصية بأهمية تشكيل حكومة وطنية توافقية، تحظى بقبول الفعاليات السياسية والحزبية الوطنية، بالله عليك يا دولة ابو سليمان.. أن تستقيل.

بعد موافقته الصريحة على حكومة الخصاونة، في 17 أكتوبر 2011، عاد الخوالدة يتحدث عن التمثيل النسبي الذي يطالب فيه ويشرحه بدقة متناهية في مقاله بعنوان " التمثيل السياسي العادل"

 

ملحق 25

 

جلال الخوالدة يكتب لزاد الاردن: التمثيل السياسي العادل

30-10-2011

الأصوات تتعالى مطالبة بالحوار مع الفعاليات السياسية من جديد، يُطالب بعضها بتشكيل لجنة حوار جديدة خاصة بقانون الإنتخاب وأخرى تطالب باستكمال ما بدأته اللجنة القديمة التي أقرت 15 مقعدا للقائمة النسبية، الرئيس الخصاونة، وكما فهمت، تحمس للأصوات التي تدعو للعودة إلى قانون إنتخاب 1989، كالدراسة التي أعدها الدكتور عبدالله العكايلة، ونشرها في تموز في جريدة السبيل، وقرر فيها أن القائمة النسبية فاشلة، لكنه نسي أن يذكر أن دراسته كلها إعتمدت على ما أقرته لجنة الحوار، وليس ما تريده الأحزاب والحراكات الشعبية!

الأحزاب والفعاليات السياسية تريد قانون إنتخاب يعكس التمثيل السياسي العادل بحيث لا يقل عدد مقاعد الأحزاب والكتل السياسية عن 50% من عدد مقاعد المجلس النيابي مما يضمن أن كل سكان الأردن، دون إستثناء، لهم ممثلين سياسيين في مجلس الأمة، من خلال قائمة مرشحين لديهم برنامج سياسي متكامل ومن كل المنابت والأصول، ولكن مع الأيام، أصبحت هذه مثل "العقدة" في "المنشار"، فيقولون لنا: كيف تريدون تمثيلا سياسيا عادلا قد يكرّس المشاريع والمخططات الإسرائيلية بشأن الوطن البديل ويساهم في ضياع الحقوق الفلسطينية ومنها حق العودة؟

قبل أن نقرر متى وكيف وأين نبدأ الحوار أو ننتهي منه علينا أن نتجاوز سويا هذه "العقدة"، نجلس ونخرج بتوصيات نهائية، وليست مواضيع إنشائية، كتلك التي خرجت بها لجنة الحوار، بل توصيات تحملها الحكومة والشعب معا، نرفع بها أصواتنا حتى يعترف العالم بجميع حقوق الأردنيين من أصل فلسطيني سواء من حصل منهم على مكتسبات سياسية في الأردن أم لم يحصل، وأن تتوقف إسرائيل عن الترويج "الفاضح" للوطن البديل، وأن تتوقف فورا عن القول أن هؤلاء لديهم حقوق في الأردن وبالتالي ليس لديهم حقوق في أوطانهم الأصلية.

إذا فعلنا، ونأمل أن نجد آذانا صاغية، نعود للتفكير في قانون إنتخاب يحصل فيه كل ناخب أردني على صوتين، بغض النظر عن تسمية القانون بالمختلط أو بقانون 2011 أو بالقائمة النسبية أو بأي شيء، قانون إنتخاب يحقق العدالة والتنمية السياسية الصحيحة، بحيث تصبح كل محافظة في الأردن دائرة واحدة مستقلة، والعاصمة عمان واحدة منها، وبناء على التعداد السكاني وحسب إحصائيات العام 2010 والبالغ 000,113,6 مواطن، يخصص لكل محافظة، عدد مقاعد يتناسب وعدد سكانها، وبما أن المقاعد المخصصة هي 130 مقعدا للمجلس النيابي فيمكن أن يتم إيداع 24 مقعدا لحصص الكوتا وهي المقاعد المسيحية والشركسية والشيشانية والمرأة ويبقى لدينا 106 مقاعد تقسم مناصفة بين مرشحي المحافظات المستقلين وبين مرشحي الأحزاب والكتل السياسية التي تقدم نفسها وتعلن مشاركتها بناء على هذا الإمتياز، فتخصص للكل مجموعة 53 مقعدا .

وكما تلاحظون، فإن كل مواطن أردني قد حصل على حقه كاملا في التصويت والإنتخاب والتمثيل السياسي، فيعطي صوتا للمرشح المستقل ويعطي صوتا لمرشح القائمة الحزبية، ويترك الخيار للمرشح إن كان يريد المنافسة كمرشح مستقل أم ضمن الترشيحات الحزبية، إن كان عضوا فيها، وعليه تقوم الأحزاب بتوزيع مرشحيها على المحافظات وتعلن قائمتها النهائية مع مخططها الإنتخابي، ويدخلون منافسة قوائم برامجية حزبية فيما بينهم، والذي لديه قواعد شعبية أكبر ويحظى بإحترام الشارع سيحصل على هذه المقاعد، فهل هذه صعبة؟!؟

ملاحظة: بعض الأرقام في الجدول تم تحويلها إلى أرقام تقريبية وأخرى صحيحة، وعليه فإن ما يظهر هو نموذج فقط ونعتذر عن أي سهو أو خطأ.

 

ملحق 26

"أول حكومة أردنية بدون تدخلات" – جريدة الغد – جلال الخوالدة

 25 اكتوبر 2011

عملياً قد تكون حكومة الخصاونة أول حكومة يتم تشكيلها بعيداً عن التوصيات والترشيحات التي تأتي من جهاتٍ عديدة. مصادر مقربة أكدت لي شخصياً أن “المخابرات” لم تتدخل هذه المرة، واختارت أن ترفع يدها تماما، بناء على طلب رئيسها. كذلك، فالديوان الملكي العامر، وحسب مصدر موثوق جدا، قال إنهم لم يتدخلوا إطلاقا.
قد لا تعجب البعض تشكيلة الحكومة، وهذا أمر طبيعي، فأنت لا تستطيع أن ترضي كل الأذواق الأردنية التي تقوم على تفحص الأسماء وليس على تدقيق برنامج الحكومة، وتقوم على الحصص الجغرافية والعشائرية وليس على أجندة الحكومة وقدرتها على تنفيذها. الخصاونة نفسه قال إنه وجد صعوبة بالغة في اختيار الأسماء التي رأى أنها تساعده على اجتياز المرحلة، فهناك من يعترض على الحكومة لأنها ليست منتخبة، بغض النظر عن فعاليتها وقدرتها على تحقيق إصلاحات أخرى جذرية. البعض لن يرضيهم وجود بعض الأسماء، وآخرون يُشككون في قدرة الحكومات الأردنية، حتى لو كانت منتخبة، على تحقيق إية إصلاحات، هؤلاء متشككون بطبيعتهم وإرضاؤهم غاية لا يمكن إدراكها.

المثير في موضوع هذه الحكومة، ما نشره بعض الزملاء عن الدكتور عون الخصاونة، أثناء لقائه مع بعض قيادات الأحزاب، وجزمه أنه لن يعتمد القائمة النسبية لقانون الانتخاب، وأنه ينوي ويخطط لفرض الأحكام العرفية. وتصريحات أخرى غير أكيدة، مبكرة جدا، اشتممتُ فيها رائحة الخبث السياسي، فهؤلاء يعلمون أن مجموعة من السياسيين والإعلاميين، وأنا منهم، يعتبرون القائمة النسبية وقانون الانتخاب حداً فاصلاً بينهم وبين الحكومات، فهل يريدون إشعال فتيل معركة لم تبدأ بعد بيننا وبين الخصاونة؟ وكما نأمل أن تكون ممثل هذه التسريبات غير صحيحة، نأمل أن تمنح قوى الشد العكسي، وأصحاب المصالح، ولو من باب الأعراف الصحفية الأردنية، الرئيس والحكومة الجديدة فرصة 100 يوم للبدء بتنفيذ برنامجه، حتى نعرف خيره من شره ونفهم توجهاته ومخططه، خاصة في القضايا المفصلية كالتعديلات الدستورية والتشريعات والقوانين النافذة.
يحتاج بلدنا فرصة للوقوف على قدميه، ولا يتأتى ذلك إلا بالتوقف عن النظر إلى الحكومة ممثلة بشخص رئيسها، وليس بتوجهاتها وبرنامجها. لذلك فالأحزاب السياسية، والحراكات الشعبية الواعية مطالبة أن تدفع بهذا الاتجاه، وفترة الـ 100 يوم ليست كثيرة، فقد يقوم كاتب هذه السطور، بالوقوف في صف الذين يرون أنها حكومة غير ناجحة، في شكلها وتشكيلتها وجوهرها وبرنامجها وقدرتها على تنفيذه، وقد نستمر جميعا في الوقوف خلفها، لدعمها وتشجيعها، إذا ثبت عكس ذلك.

الكرة الآن في ملعب مجلس النواب، الذي فقد ثقة الشعب حين منح حكومة سمير الرفاعي ثقة مبالغا فيها، ومنح البراءة في قضية الكازينو.  النواب متأكدون أنه لن تحدث ضغوطات أو اتصالات تطالبهم بمنح حكومة الخصاونة الثقة، ويعلمون أنها حكومة يرضى عنها الشارع والمواطن العادي، ويستطيعون أن يقفوا مع هذه الصفوف التي تريد أن تمنحها فرصة حذرة مشروطة. وإذا لم يحدث، وهذا أمر متوقع، قد يجد الكثيرون المبررات والمسوغات لحل المجلس، لمنع دخول البلاد في أزمة سياسية معقدة، لا أحد يعلم حجمها.

 

ملحق 27

مرحلة لا تحتمل الصخب والتخوين

صحيفة الغد الأردنية،2011-11-22

قرأت الأسبوع الماضي، على موقع جبهة العمل الإسلامي، مقالا كتبه الشيخ حمزة منصور بعنوان: “نعم إنها صفقة، ولكنها مع الله”، كتبها ردا على مقال للدكتور لبيب قمحاوي تحمل عنوان: “الصفقة: الحركات الإسلامية وأميركا والربيع العربي”. واضطررت أن أعود لمقالة الدكتور قمحاوي، وأبحث في بعض مقالاته الأخيرة.

الحقيقة أنني لست متفاجئا من حجم الهجوم على الحركات الإسلامية في الأردن وفي الوطن العربي، خاصة ذلك الهجوم الليبرالي المحكم المخطط الذي يشبه هجوم القوميين عليهم فترات طويلة. ولكني تفاجأت بالمجمل من ردود الفعل الصاخبة لدى العديد من المؤسسات الفكرية، والناشطين السياسيين في الأردن وخارجه، حول قرار الدولة الأردنية تقريب الإسلاميين إليها، والتودد إليهم، في هذه المرحلة السياسية الحرجة، حيث اقتضت المصالح العليا للدولة ذلك، وحيث استحقت المرحلة، وبعد أن وقعت الحركة الإسلامية في الوطن العربي تحت مخالب “كل من هب ودب” خلال الستين عاما الماضية.

يقول الشيخ منصور في رده على قمحاوي: “الحركة الإسلامية كتاب مفتوح، فهي تتعرض منذ النصف الثاني من القرن الماضي إلى صنوف شتى من الابتلاءات على يد الأنظمة المتحكمة بالشعوب العربية، لم تبق سراً مكتوماً، فلم أجد دليلاً ولا مبرراً. حقاً لم يكن يدور بخلدي أن سياسياً عروبياً مثقفاً يبلغ به سوء الظن بالمشروع الإسلامي وحملته هذا المبلغ”.

في مرحلة ليست بعيدة، كنت شخصيا مع الذين هاجموا الحركة، في أوقات كنّا نرى وجوب وقوفها مع الشارع الأردني في تحركه نحو الإصلاح، لكنها لم تفعل. وهاجمتها أكثر من مرة حين دعت الحاجة والدعوة لتخفيف الضغط على الدولة الأردنية لتتمكن من تحقيق بعض الإصلاحات المهمة على بعض المنعطفات. وطالبتهم بود ورجاء، عدة مرات، إيجاد صيغة عمل مشتركة مع الأحزاب والقوى السياسية الفاعلة للمطالبة بقانون انتخاب يحظى بالتمثيل السياسي العادل، لكنهم لم يفعلوا. ولكن اليوم، ومع حكومة د. عون الخصاونة التي منحت فرصة كبيرة لتحقيق الإصلاح، وبادرت بالاستماع إلى مطالب الحركة الإسلامية، ولم تدخر جهدا في اجتذابها واجتذاب غيرها من التجمعات السياسية والشخصيات المعارضة ومن مجلس النواب، الذي يستمع إلى بيان الحكومة الوزاري اليوم الأربعاء، ومع الإرادة السياسية المكتملة والناضجة، صرنا نتأمل أن يلتقي الجميع في مكان ما، وأن تنطلق قافلة واحدة، فيها كل النوايا الطيبة، من دون تخوين أو اتهامات، نحو حالة من التعاون المجتمعي الكلي، في كل القطاعات، وعلى كافة المستويات، لتحقيق الإصلاح الشامل، والمطالب العادلة. ونحلم، ولو لمرة واحدة، أن نشهد نهضة حقيقية، سياسية واقتصادية واجتماعية، يُساهم فيها الجميع.

هذه المرحلة لا تحتمل التخوين، ولا تحتمل القسوة التي وجدتها في مقالات الدكتور لبيب قمحاوي، في نقد الدولة الأردنية وتصويرها بالمطلق على أنها دولة أمنية، لدرجة يظن القارئ أن طلبة المدارس يكتبون واجباتهم المدرسية بإيعاز من الدولة الأردنية، أو خوفا منها. وكان عليه أن يطلع، ولو قليلا، على تغييرات كثيرة حقيقية، جاءت مع الخصاونة وشملت الأجهزة الأمنية وقطاعا كبيرا من أصحاب التوصيات والترشيحات، وكأنه لم يعلم أيضا، أن بيان حكومة الخصاونة الوزاري اليوم سيكون أول بيان وزاري لم يتعرض للتسويق الأمني بشكل مسبق.

لست مجرد حالم، ولكن دولا عديدة حول العالم وصلت في الماضي هذه المرحلة التي نقف عندها الآن، ولا شك أننا نعلم أن الدول التي انتبه المجتمع وصناع القرار وأصحاب الرأي فيها إلى أهمية المرحلة، وتكاتفوا لتجاوزها، حققت الكثير من الآمال. أما الدول التي لم تنتبه بل تجاهلت الدعوات، وبقيت تغوص في خلافات صاخبة لا تقدم ولا تؤخر، وصراعات واتهامات مُعطلة، فما تزال واقفة مكانها، أو تراجعت نحو الهاوية.

 

ملحق 28

جلال الخوالدة يكتب لزاد الأردن : الرئيس في غرفة العمليات

 زاد الأردن، 22-01-2012


أما آن لهذا الجسد المحتضر أن يشفى؟ أما آن للأردن الحبيب ان يخرج من مصائبه الصغيرة ويحظى بشخصية قيادية فذة خبيرة بالسياسة والإقتصاد والقوانين والتشريعات وحاجات المجتمع ومشاكله وآلآمه وأوجاعه؟ رجل له كلمة قوية صلبة وحاسمة في كل شيء، ينهض بهذا الجسد ويبعث فيه الأمل؟

حين تم تكليف الخصاونة، قلنا أنه الرجل "الجراح" المناسب في المكان المناسب، وحين قال البعض أنها "مصيبة" في البلد الذي يفتقد فيها رئيس الوزراء الخبرة الإقتصادية، قلنا أنه ليس عيبا فهو شخصية حكيمة تقدر أن تجمع حولها الناس والخبراء، وسيجد بدل الفكرة الواحدة، ألف فكرة قابلة للتنفيذ لحل مشاكلنا وأوضاعنا الإقتصادية المتعبة، ولكن المصيبة الأعظم، أنه قد مضى حتى الآن، أكثر من ثلاثة شهور على تكيلف حكومة الخصاونة بمهامها ولم ير الشعب، الجائع والمقهور، أية إجراءات أو خطط إقتصادية شاملة تبعث على التفاؤل.

هل يعجز رئيس حكومة أن يبدأ بتكليف العقليات الإقتصادية وخبراء الخطط التنموية، وأصحاب التجارب العملية التي أثمرت وتثمر في نهضة قطاعات استثمارية وصناعية وتجارية وزراعية وغيرها؛ أن يضعوا اليوم، جلّ ما لديهم من أفكار وخطط ومشاريع قيد البحث والدراسة، وتكليفهم بوضع مخطط إقتصادي محكم، طويل المدى، يأخذ على عاتقه دراسة مشاكلنا الكثير في كل قطاع، ووضع الحلول الممكنة والمفيدة، وإزالة العوائق فورا، وفتح الأبواب والتسهيلات التي من شأنها تحريك الأوضاع الإقتصادية؟ ما الذي يمنعه أن يباشر هذا القرار الآن؟ هل يُعقل أنه يظن أنه ليس لدينا خبرات قادرة ومؤهلة أن تبعث الحياة في هذا الجسد المحتضر؟ على رسلك يا دولة عون الخصاونة، إذا كانت هذه ظنونك.. فالمصيبة أعظم.

إذا كان السيد رئيس الوزراء، من تلك الفئة التي تعتقد أن الأردن لا يمكنه أن ينهض إلا من خلال المعونات والمنح والتبرعات، وان أقصر طريق لإسعاف وإنعاش الجسد المحتضر هو إقناع المتبرعين واستعطافهم بضرورة وأهمية دفع التبرعات قبل فوات الأوان.. فالمصيبة أعظم.

إذا كان رئيس وزرائنا، يريد أن يكون صاحب القرار في غرفة العمليات، لكنه يظن، أو سيقرر، أن العمليات الجراحية "المحلية" التي يمكن إجرائها للجسد المحتضر سوف تأخذ وقتا وسوف تكلف جهدا ومالا وأنها غير مضمونة النتائج وأن الأطباء المتوفرين غير مؤهلين وغير قادرين على معالجة أي عضو من اعضاء هذا الجسد.. فالمصيبة أعظم.

هل حقا لم ينجح الخصاونة، حتى الآن، في صراع الولاية العامة؟ سأقول له ملاحظة علّها تساعده على اتخاذ القرار المناسب، وهو أن الأجهزة الأمنية، إنشغلت خلال سنوات طويلة في صناعة المطبخ السياسي ووضعت كل تركيزها على الشؤون السياسية، وبغض النظر عن خطتها الحالية في الإنسحاب التكتيكي لصالح رئاسة الوزراء، لكنها لم تحاول، إرساء مطبخ إقتصادي ولم تكن لديها دوائر معنية ومختصة في الشأن الإقتصادي، فكانت هذه المهمة من إختصاص الحكومات المترهلة المتعاقبة، وتُركت للإرتجال والتخبط، ولذلك، فعلى الرئيس، الذي يريد ولاية عامة حقيقية، أن يبدأ بالإقتصاد، وبالتخفيف عن الناس في الضرائب وغلاء المعيشة، ويعالج مشكلتي الفقر والبطالة بكل الوسائل الممكنة، وأن يبدأ بجذب الإستثمار، وتقليص الهوة بين القطاعين العام والخاص، بالإضافة إلى تسريع مكافحة الفساد، من خلال خطة شاملة متكاملة، وهذه وحدها ستجعل الولاية العامة سهلة بين يديه، ولن ينافسه أجهزة امنية ولا غيرها، لأن الناس ينصتون إلى من يهتم بأوجاعهم الحقيقية ومن يجد لها حلولا ناجعة، ولا يعنيهم كثيرا حصص الأحزاب ومقدار التمثيل في مجلس النواب، بل ما يعنيهم، أن لا تبقى أيديهم ممدودة.. إلا لرب السماء بالدعاء.

 

 

ملحق 30

جلال الخوالدة، شيخ المحررين، صحيفة الغد، 25 يوليو/تموز 2011

وقفت بين يديه أحمل الخبر الذي كلفني بكتابته. كان الخبر تغطية لافتتاح مهرجان المسرح الأردني الأول، العام 1991، وكنت قد انتقلت للتو من الصحافة الأسبوعية المشاغبة والمشاكسة، إلى الصحافة اليومية المتزنة والحذرة. ومن دون أن يلقي نظرة واحدة على الخبر، قام بإلقائه بعيدا، وقال: اذهب واكتبه مرة أخرى!

أصبت بحالة من الذهول، فكيف عرف أنني قد هاجمت إدارة المهرجان، وقلت عنها إنها “عصابة” لا تقدّر العمل الإعلامي، وأنها تحاول إغلاق أبوابها أمام الجمهور وغيرها من الكلمات النارية التي كنا نستخدمها في الصحافة الأسبوعية لتصوير أميركا وطغيانها، كيف عرف ذلك من دون أن ينظر حتى إلى مقدمة الخبر؟!

مصطفى صالح، المثل الأعلى الذي أدين له بكل ما تعلمته خلال عشرين عاماً من العمل الإعلامي، وأدين له أيضا، بكل حرف قرأته في كتاب كان يتناوله من مكتبته في بيته ويقول لي في كل مرة: إذا لم تقرأ هذا الكتاب وتلخصه وتناقشه معي فلا أريد أن أراك مرة أخرى. وأدين له بكل الخبرة التي اكتسبتها في إعداد البرامج التلفزيونية، منذ برنامج “مساء الخير” و”مواجهة مع عروة زريقات”، ثم حين جعلني معداً رئيساً معه في برنامج “حديث الناس”، عدا عن كل ما تعلمته منه في الكتابة المسرحية، من جميع المسرحيات التي كتبها للفنان الغالي “ربيع شهاب” وغيره، والمسلسلات الكثيرة المشهورة التي كانت دائما تحصل على المرتبة الأولى عربياً وأردنياً، وكان آخرها “راس غليص” و”عيون عليا” و”نمر بن العدوان”، فكان دائما يقف خلف كل مشاعرنا في الرياضة والمسلسلات والمسرحيات والبرامج التلفزيونية، من دون أن نفكر للحظة: كيف يمتد مصطفى صالح، عميقا إلى هذا الحد، في وجداننا؟

مصطفى صالح، مدرسة خرجت الكثير من الأجيال في المجال الإعلامي المهني المحترف، زعيم الإعلام الرياضي الأردني بلا منازع، الذي كان يحرك الجماهير بإدارته “الفذة” لفريق المحررين وبقلمه وعناوينه التي تجعل عشاق الرياضة يتقافزون متحفزين لمتابعة مباراة، أو لمواساتهم حين الخسارة أو الاحتفال بعد فوز ساحق لذلك الفريق أو للمنتخب، فأسس وأصدر “الدستور الرياضي”، وكان رئيس تحريرها، كأفضل صحيفة رياضية أردنية أسبوعية.

سألته، بعد أن جعلني أكتب ذلك الخبر عدة مرات: كيف عرفت أنني هاجمت إدارة المهرجان وأن الخبر كان متحمسا ومندفعا وغاضبا؟ قال: “لأنك ذهبت من دون بطاقة دخول، ثم جئت بعد 3 دقيقة، فلا شك أنهم رفضوا إدخالك فجئت تسبهم وتشتمهم، والصحافة اليومية، لا تعمل بهذه الطريقة”، وكان ذلك أول دروسه، تلك التي لم تتوقف حتى يومنا هذا.

 

 

ملحق 24

 

ملحق 24

 

 

جلال الخوالدة يكتب لزاد الأردن: الخديعة الكبرى .. !!

03-02-2013 01:28 AM

https://www.jordanzad.com/index.php?page=article&id=110149

 

بالأمس، جلست مع صحفية بريطانية مهتمة بالشأن الأردني، وراحت تسألني أسئلة كثيرة عن مسيرة الإصلاح في الأردن، فقررت –إختصارا- أن أقص عليها حكايتنا التي توضح النقاط الأساسية في مشكلتنا، وقلت لها "أن النظام الأردني، وبين عامي 1968 – 1988 كان مضطرا إلى استخدام "سياسة الإسترضاء" مع شخصيات عشائرية وشخصيات ذات نفوذ مجتمعي، وذلك بسبب الأوضاع السياسية الصعبة التي مررنا بها، والتي ترتب عليها صعود نخب سياسية وتوليها السلطة واحكام سيطرتها عليها، فأصبح لدينا طبقة مكونة من 100-200 شخصية تقريبا، متمسكة بالحكم والسلطة من جذورها، لا يقبلون التخلي عنها أبدا، وكل واحد مهنم أصبح "دولة" لوحده، يفعل ما يشاء، فقد يصبح رئيسا للوزراء أو رئيسا للديوان الملكي أو أي منصب آخر نافذ وفاعل، فيبدأ بترتيب أوراقه ومخططاته و"لوبياته" بحيث يصبح انتزاع السلطة منه يحتاج لمعجزة الهية، كالموت مثلا، وقد يكون أحدهم على فراش الموت فعلا، لكنه يضع آخر المخططات التي تضمن أن يتولى أبناءه السلطة من بعده !!".

قلت لها: "كان ذلك طبيعيا قبل عام 1989، ولكن هبوب رياح الديمقراطية، كانت تُحتم، أن تتحول البلد فورا من "سياسة الإسترضاء" إلى "سياسة العدالة الإجتماعية وتكافؤ الفرص"، وفسح المجال للمتفوقين المؤهلين بالتقدم والمشاركة، من خلال برلمان قوي منتخب على أسس ديمقراطية بحتة وحكومة برلمانية لديها برنامج واضح المعالم، يتم تدقيقه جيدا، وفحص فاعليته؛ ولكن ذلك لم يحدث، طيلة العشرين عاما الماضية، سواء أكان بسبب اتفاقية السلام في العام 1993 أو بسبب وفاة الملك حسين -رحمه الله- في العام 1999 أو الحرب على العراق في العام 2003، أو بسبب المماطلات غير المبررة، وإحكام سيطرة تلك النخب على مفاصل الحكم، وعلى منطقة الإستشارات والتوصيات والإقتراحات والخطط الإرتجالية التي تُقدّم للقيادة السياسية في البلد، وفي العام 2011، وحين اشتدت رياح الربيع العربي، تلقينا وعودا أن ذلك سيحدث قريبا، وأننا سنشهد تحقيقا للعدالة الإجتماعية وتفكيكا للنخب المسيطرة، ووعودا قاطعة أن الإنتخابات الأخيرة 2013 ستكون "ساعة الصفر" للتغيير الفعلي من خلال حكومات برلمانية منتخبة، وإعادة الحكم للشعب وممثليه".

قبل عامين طرحت عدة مرات فكرة تسمى "الملكية الحرة" وهي فكرة تمازجية بين الملكية الدستورية والملكية المطلقة، يتم خلالها تشكيل ثلاث أو أربع كتل برلمانية قوية، لكل منها برنامج سياسي واقتصادي واجتماعي شامل، لإدراة البلد خلال 4 سنوات قادمة، ويتم ترشيح رئيس لكل كتلة، ويتم تقديم المرشحين مع برامجهم لمجلس يعمل تحت اشراف الملك، ويتم تمحيص وتدقيق برامجهم وتقييمها بشكل علمي وعملي، ثم تصدر الإرادة الملكية بتعيين أحدهم رئيسا للسلطة التنفيذية، وتعود باقي الكتل لعملها بشكل طبيعي بإعتبارها سلطة تشريعية، تراقب أداء الحكومة، وتضع التشريعات، وتحاسب المخطىء والفاسد، ولكن الفكرة، كما يبدو، قد تم تنفيذها مؤخرا بشكل خاطىء، فتم إعلان تنفيذها (بدون الإشارة لمصدر الفكرة بالطبع- ليس مهما)، ثم ظهرت تصريحات أن الرئيس قد لا يكون من مجلس النواب، ثم تصريحات أن الحكومة لن تضم أي نائب، وهكذا، بدا أن الذين قالوا أن ((النظام الأردني لا يريد إصلاحا، وأنه يلعب في الوقت، ويحاول تجاوز حفرة "الربيع العربي فقط")) قد يحتفلون قريبا بسبب صحة تنبؤاتهم التي كنا نظنها مجرد "إشاعات" وحرب نفسية إعلامية فقط بسبب خصومتهم "النفعية" أو "المزمنة" مع النظام..!

إذا صدقت تنبؤات المغرضين، فمعنى ذلك أن الشعب الأردني قد تعرض لـ "الخديعة الكبرى" التي تسمى "كذبة الإصلاح"، وستؤدي بلا شك، إلى نتائج كارثية مضاعفة عدة مرات، فالشعب ما زال ينتظر تنفيذ الوعود "القاطعة" أن تكون الحكومة القادمة حكومة أغلبية برلمانية ولذلك قَبِل معظم أفراد الشعب، بقانون القوائم المجتزىء على مضض، وبلعوا فوضى الإنتخابات ونتائجها، وتغاضوا عن تصريحات احتمالية أن لا يكون الرئيس من المجلس المنتخب ! أما العقل المدبر وصاحب فكرة وتوصية القفز للإبتعاد قدر المستطاع عن حفرة الربيع العربي فقط، وإذا صحت تلك التنبؤات "الإشاعات"، فعليه أن يتحمل مسؤولية دفع النظام والبلد إلى "هاوية" انعدام الثقة نهائيا مع الشعب والتي أعتبرها شخصيا، أخطر بألف مرة من مجرد الوقوع في حفرة صغيرة، لأن ضياع الثقة يعني أن "يغسل" الشعب يديه تماما من أي حلم لإصلاح وعدالة إجتماعية مرة أخرى!

 



[1] شيخ المحررين – جلال الخوالدة- جريدة الغد (alghad.com)

[2] طلعت شناعة، "جريس سماوي : كل الدعم لمهرجان جرش"، جريدة الدستور ، السبت 9 تموز / يوليو 2011

[3] الترمذي، كتاب القدر، باب ما جاء أن القلوب بين أصبعي الرحمن، برقم 2140، وأحمد، 19/ 160، برقم 12107، ومصنف بن أبي شيبة، 11/ 36، برقم 31044، وشعب الإيمان للبيهقي، 2/ 209، ومسند أبي يعلى، 6/ 359، والمختارة للضياء المقدسي، 2/ 458، وصححه الألباني في صحيح الترمذي، برقم 2140.

 

[4] إلى المحرر، وزير السياحة يتابع ويستجيب للمحرر السياحي في قناة السفر العربي، أيلول/سبتمبر 2006

 

[6] جلال الخوالدة يكتب لزاد الأردن: بين شبيلات والمخابرات

[7] جلال الخوالدة، هل مهمة الاستخبارات حماية الحكومات أم الوطن؟، الفجر نيوز، تورس، 2010

[8] جلال الخوالدة ، "هل الحكومة تستجيب؟" موقع زاد الاردن الاخباري، 3 يناير2011

[9] جلال الخوالدة، "على هامان يا فرعون؟، جريدة الغد، بتاريخ: 15/12/2010

[10] جورج حواتمة، بين المواقع الالكترونية والحكومات مساحة مفخخة بالثقة الغائبة وهواجس البطش، موقع رصين، 25-Jul-2014

[12] جلال الخوالدة يكتب لزاد الاردن: تخفيضات على تسعيرة المواطن

[13] جلال الخوالدة يكتب لزاد الأردن: نظام فاسد

[14] جلال الخوالدة يكتب لزاد الأردن: وحش الواسطة والمحسوبية في التعيين

[15] جلال الخوالدة يكتب لزاد الاردن : الحريات في حضرة الرئيس

[17] الأردن يدا بيدWe Are All Jordan  (مبادرة)

 

[18] جلال الخوالدة يكتب لزاد الاردن: ماذا يريدون منّا.. حرب أهلية؟

[19] جلال الخوالدة يكتب لزاد الاردن: ليلة تصفيق الشياطين.. 24 آذار

[20] جلال الخوالدة يكتب لزاد الاردن: لن نخشى في الحق لومة لائم

[21] جلال الخوالدة يكتب لزاد الاردن: العهد الذي بيننا وبينكم انتهى

[22] جلال الخوالدة يكتب لزاد الاردن : المتعطشون للدماء في 15 تموز

[23] وقف التحريض ومحاسبة الحكومة – جلال الخوالدة- جريدة الغد: 25/07/2011

[24] جلال الخوالدة يكتب لزاد الاردن: المؤامرة الكبرى، الملحق 19

[25] جلال الخوالدة يكتب لزاد الاردن: على طاولة المطبخ السياسي، الملحق 20

[26] جلال الخوالدة يكتب لزاد الاردن: ماذا يريد الشعب الأردني حقا؟ الملحق 21

 

[27] جلال الخوالدة يكتب لزاد الاردن: قانون انتخاب عادل أو الإضراب الشامل الملحق 22

[28] جلال الخوالدة يكتب لزاد الاردن: رسالة إلى المعارضة الأردنية ملحق 23

[29] جلال الخوالدة يكتب لزاد الاردن: بالله عليك أن تستقيل ملحق 24

[30] جلال الخوالدة يكتب لزاد الاردن: التمثيل السياسي العادل

[31] جلال الخوالدة، أول حكومة أردنية بدون تدخلات، جريدة الغد الأردنية، 25 اكتوبر 2011

[32] مرحلة لا تحتمل الصخب والتخوين، صحيفة الغد الأردنية، 2011-11-22

[33] جلال الخوالدة يكتب لزاد الأردن : الرئيس في غرفة العمليات، زاد الأردن، 22-01-2012