Howdy Data Journalists!
سندريلا عازار
هذا التقرير أنتج ضمن مشروع لها لصحافة البيانات 2021 أكاديمية DW
"ما في أمل"، "ضاعت أحلامنا"، "ما في مستقبل"، "ما في استقرار"، "ما في لا أمن ولا أمان"، "بدي فلّ"، "نحن أسرى محتجزين"، "أبحث عن فرصة عمل في الخارج"، "أريد أن أهرب وعائلتي من هنا"، "نموت من اليأس هنا"، "لا جدوى من الانتخابات المقبلة"...
جو عام من اليأس يسيطر على عقول الشباب اللبناني الذي يجد نفسه بين مطرقة التغيير المنشود وسندان الرحيل المفروض في ظل ظروف قاهرة. عامان على انتفاضة 17 تشرين كان الشباب جوهر شرارة معركتها ضد احتلال الداخل. لا تختلف تطلعات الشباب اللبناني عن نظرائهم العرب، حيث قاد الشباب العربي التغيير عبر شعلة جسد الشاب التونسي محمد البوعزيزي المتقدة حتى يومنا والتي أشعلت فتيل الثورات في الوطن العربي، فبات الرحيل مصير العديد من الطغاة.
جوهر الأزمة في البلاد العربية هو تداول على السلطة، اي وجود آليات لانتقال المنصب السياسي إلى آخر، حيث تكاد تكون معدومة النماذج العربية التي يتنازل فيها الحاكم عن السلطة بمحض إرادته.
• شاع هذا التعبير في الفقه الليبرالي الغربي الذي ينظر إلى تداول السلطة باعتباره أحد معايير وجود نظام ديمقراطي حرّ. ك
• كما ان اجراء انتخابات دورية حرة ونزيهة هي امر جوهري لتحقيق تداول السلطة، إذا يسمح حقّ الاقتراع للناخبين بمحاسبة الرئيس أو الحزب الذي وصل إلى السلطة في الانتخابات السابقة.
• يرتبط تداول السلطة أيضاً بوجود تعدد حزبي حقيقي يسمح بتنافس فعلي بين عدد من الأحزاب ذات التوجهات المتباينة.
• هناك أيضاً آليّة أخرى لتداول السلطة ألا وهي الانقلابات أو إجبار شاغل المنصب على ترك موقعه رغماً عنه باستخدام العنف والقوّة. وهذا ما تميّزت به الدول العربية، اذ شهدت سوريا ثلاث انقلابات في عام واحد (1949)، وشهد مصر حركة للجيش عام 1952 والعراق 1958 واليمن 1962 والجزائر 1965 والسودان 1958 وليبيا 1969. إن طبيعة الأنظمة العربية التي تأسست على الانقلابات العسكرية بغالبيتها، لم تنجح في تحقيق أي نهضة اقتصادية أو اجتماعية بل كرست أبشع أشكال الدكتاتورية والفوضى والتمسّك بالسلطة.
اما بالنسبة للمشهد اللّبناني، غالباً ما تقع الانتخابات في فخ التأجيل المقصود، ويبرز بقوة مفهوم التوريث السياسي. "من بيت مين؟" أي "إلى أي عائلة تنتمي؟" هو السؤال الأوّل الذي يسأله اللّبناني خلال مراسيم التعارف على أي مرشح، يعود ذلك إلى فكرة الانتساب إلى العائلات المعروفة أو إلى منطقة أو طائفة معيّنة. ساعد في تكريس فكرة التوريث السياسي في لبنان، نظام المحاصصة الطائفي السياسي اذ تبقى عائلات لعقود هي المسيطرة على المواقع السياسية المختلفة وهي الاولى بتمثيل الطائفة أو المنطقة.
فنلاحظ انه وعلى الرغم من الزخم الشبابي الذي أشعل الثورات العربيّة، يعيش هؤلاء نوعا من الغربة السياسية، واحد أبرز مشاهدها تجلى في جولة الانتخابات الرئاسية التونسية عام 2014، حيث طغى كبار السن اقتراعًا وترشحًا على المشهد السياسي، واقتصرت المنافسة في الجولة الثانية من انتخابات العام 2014 بين المرشحين السيد المنصف المرزوقي مواليد العام 1945 والسيد الباجي قائد السبسي مواليد العام 1926. حتى الدول التي حدثت فيها ثورات وانتفاضات عام 2019، تتخطى المرحلة العمرية لرؤسائها مرحلة الشباب.
لطالما كانت الاجيال الشابة المحرك الابرز للتحول الاجتماعي عبر تاريخ البشرية، ووقود التغيير في المحطّات التّاريخية والمواقف الحاسمة، من خلال عملها بجهد ومثابرة وارادة قوية على قلب أنظمة الطغيان والتبعية والظلم وتفكيكها.
وأثبت العمل الجماعي الذي يقوده الشباب اليوم، أنه قادر على الحسم في مكافحة التحديات العالمية: في النضال من أجل البيئة، في حماية حقوق النساء والأطفال، وصولا إلى المطالبة بالعدالة الاقتصاديّة والاجتماعيّة، الشباب قدوة دائماً وفي الصفوف الامامية للتغيير.
لكن، تجدر الاشارة الى ان الفئات الشّبابيّة في العالم العربي هي الضحية الأولى للازمات من تدني الأجور، الى ارتفاع معدلات البطالة، وارتفاع أسعار المواد الغذائية، ما أدى إلى تضخم اليأس وتفاقم انشغالهم في تأمين أبسط حقوق الحياة اليومية، فابتعدوا قسرا عن الحياة السياسية.
"ان المشاركة السياسية للشباب تعكس مدى تقدم البلاد"، تقول ديانا البابا، منسقة برامج أولى في الجمعية اللبنانية لديمقراطية الانتخابات، وتضيف: "ان انخفاض نسب المشاركة السياسية للشباب يعكس توجه عام نحو اقصاء شريحة كبيرة من المواطنين وتحجيم مشاركة الشباب بالعمل السياسي ما يؤدي الى غياب مبدأ تداول السلطة، بالإضافة إلى عدم طرح أفكار جديدة متقدمة مما ينعكس سلباً على المجتمعات". كذلك تشير الباب الى ان " تقييد حركة الشباب السياسية قد يؤدي أيضاً إلى عنف". وتخلص الى" أن عزوف الشباب عن المشاركة السياسية يشير إلى غياب الثقة بين الشباب والنظام وغالباً ما تكون الهجرة واحدة من الحلول أمام هذه الفئات".
لبنان على موعد مهم مع التغيير في استحقاق الانتخابات النيابية سنة 2022.
وشتان ما بين ديناميكية انتخابات عام 2018 وبين انتخابات 2022 المقبلة، اذ سيتأثر المشهد العام بالأحداث التي رافقت هذه الفترة والتي قد تخالها مستخرجة من أحد أفلام الرعب لهيتشكوك او سبيلبرغ.
لبنان اليوم ينضم الى البلاد المفلسة، والتي ترزح تحت نير الفقر بسبب عقود من سوء الإدارة الحكومية والفساد. فقد ارتفعت أسعار السلع الأساسية ارتفاعاً هائلاً، وأصبح العديد من العائلات تحت خط الجوع الكافر. كما تم تسجيل العديد من حالات الانتحار والتي ترتبط ارتباطًا مباشرًا بالصعوبات المعيشية. وجاء انفجار الرابع من اب الذي هز بيروت مقرونا بأزمة فيروس كورونا (كوفيد -19) التي دمّرت بدورها القطاع الصحي والمستشفيات، كالقشة التي قصمت ظهر البعير، ما دفع البلاد إلى حافة الهاوية.
وفي ظلّ تدهور الرفاه الاجتماعي، وجودة الحياة، بالإضافة إلى ضآلة الخدمات العامّة، وتصاعد العنف السياسي، وغياب مقومات الحياة المطابقة للمواصفات، تبدو الانتخابات الحلّ الأمثل وربما الاوحد في سبيل مكافحة الفساد، وتعزيز المحاسبة، وإجراء تحولات عميقة في الحياة السياسة في لبنان.
إلّا أن المسار العام للعملية الانتخابية مهدّد بسبب الأجواء المشحونة التي نعيشها اليوم، لا سيما الشحن الطائفي الذي يضع لبنان على منعطف حاسم بين خيار الدولة والقانون أو التفلت الاجتماعي.
بين انتخابات عام 2009 وانتخابات عام 2018، انخفضت نسب مشاركة الشعب اللّبناني، اما اليوم وفيما الاقتصاد يقبع في حالة كساد، وتعاني مؤسسات الدولة من الشلل المزمن في ظل استمرار تدهور الليرة اللبنانية وتسارع وتيرة انتشار الفوضى المدنية، وعلى وقع تنامي التشنّجات الطائفية، لا بدّ من احداث تغيير جذري على مستوى الدولة والمؤسسات.
الخلاصة لا تغيير أيا كان من دون جهور الفئات الشبابية التي تتميز بنظرة مختلفة للحلول وديناميكية على الارض واستغلال جيد للقدرات التواصلية. من هنا، وإذا كنا ننشد تغيير منظومة عاثت خرابا بالوطن، قتلت من قتلت، هجرت من استطاعت، ونكلت بالصامدين، لا بد ان يضطلع الشباب بالدور المنوط به من خلال المشاركة الواسعة افقيا وعموديا لكل شرائع على اختلاف توجهاتها في الانتخابات المقبلة... حتى لا نجبر على الهجرة، صوتوا...