الميثاق الوطني (الأهداف وكلمة الرئيس)
بسم الله الرحمن الرحي
(واعتصموا بحبل الله جميعاً ولا تفرقوا)
صدق الله العظيم
((بلدة طيبة ورب غفور))
صدق الله العظيم
أهداف ومبادئ ثورة 26 سبتمبر العظيمة
أولاً: التحرر من الاستبداد والاستعمار ومخلفاتهما، وإقامة حكم جمهوري عادل وإزالة الفوارق والامتيازات بين الطبقات.
ثانياً: بناء جيش وطني قوي لحماية البلاد وحراسة الثورة ومكاسبها.
ثالثاً: رفع مستوى الشعب اقتصادياً واجتماعياً وسياسياً وثقافياً.
رابعاً: إنشاء مجتمع ديمقراطي تعاوني عادل، مستمد أنظمته من روح الإسلام الحنيف.
خامساً: العمل على تحقيق الوحدة الوطنية في نطاق الوحدة العربية الشاملة.
سادساً: احترام مواثيق الأمم المتحدة والمنظمات الدولية، والعمل على إقرار السلام العالمي، والتمسك بمبدأ الحياد الإيجابي، وتدعيم مبدأ التعايش السلمي بين الأمم.
بسم الله الرحمن الرحيم
منذ أن ألقت الأقدار على كاهلي حمل أمانة قيادة الأمة وجدت نفسي مشغولاً بجملة من الهموم التي كان في مقدمتها خطورة ترك الساحة خالية من فكر وطني.. وفي فراغ سياسي، نظراً لأن ذلك الفراغ كان يشكل ثغرة لا نأمن معها من تسرب أفكار الآخرين برمتها على ما في ذلك من مخاطر.. ولكم كان يحز في نفسي رؤية مجاميع من أبناء اليمن تمزقهم الخلافات الطاحنة جراء الانحياز لهذا الفكر الدخيل أو ذاك، بل لكم كان يشق علي أكثر أن ينتهي التأثر الفكري ببعضهم إلى حد أفضى إلى التبعية لجهات دولية، والتخلي عن ولائهم الوطني لليمن أرضاً وشعباً.
حيال ذلك عنت لي فكرة الدعوة إلى وضع ميثاق وطني يستمد روافده ومضامينه من تاريخ وتراث شعبنا وواقعه ومصالحه وطموحاته، ومن انتمائه الديني والوطني، والقومي وعقيدته الراسخة ليصبح دليلاً نظرياً يجمع بين الأصالة والمعاصرة في توازن دقيق لا يخل بضرورة التمسك بهويتنا اليمنية والعربية والإسلامية.. ولا يلغي حقنا في الأخذ بالمشروع من أسباب الحضارة والمدنية، بما يكفل لنا تحقيق التقدم والرقي والتطور وصولاً إلى حياة أفضل، ومستقبل زاهر للشعب وكان لا بد لمثل هذا الميثاق من التأكيد والتوكيد على مبادئ وأهداف ثورتنا.. والاستهداء بحصيلة تجاربنا الوطنية بالإضافة إلى الاستفادة من تجارب الآخرين فيأتي متكاملاً، ويكون شاملاً قدر الإمكان..
ومع ذلك لم يقتصر تصوري للميثاق المنشود إذ ذاك على أن يكون دليلاً فكرياً فحسب وإنما ليكون كذلك بمثابة عقد اجتماعي بين مختلف الفئات الاجتماعية وقوى وشرائح شعبنا لتحقيق مبدأ التكافل الاجتماعي تعزيزاً للوحدة الوطنية حتى تتضافر الطاقات والجهود من أجل بناء اليمن الجديد يمن الوحدة والمستقبل الزاهر..
واتساقاً مع ما سلف جاء (الميثاق الوطني) ليؤكد من ضمن ما أكد عليه على أن (ظروفنا الواقعية، واحتياجاتنا الوطنية، وما يمليه منطق الثورة الذي يجب أن يهيمن على جهودنا المتواصلة وتجاربنا محددين معالمنا السياسية والاقتصادية والثقافية والاجتماعية بصورة أوضح وأعمق انطلاقاً من أهداف الثورة، وتحقيقاً لطموحات المجتمع في التطور والتقدم) ولما كان أي فكر يصبح هلامياً وبعيداً عن استيعاب حقائق الواقع الحاضر ولم يستقر رأي متطلبات المستقبل إذا لم يقم بفرز التجارب الوطنية، ويستفيد من تجارب الآخرين فقد نص (الميثاق الوطني) على أنه "لا بد لنا أن نستفيد من تجاربنا وتجارب الآخرين من خلال دراسة موضوعية لتلك التجارب ومعرفة الآثار السلبية لنزيلها ونتجنبها، والآثار اللإيجابية لنقويها ونطورها".
وتكمن عظمة (الميثاق الوطني) في أنه لم يكن حصيلة جهد فردي أو نخبة اجتماعية، وإنما كان نتاج جهود جماعية مضنية اشتركت فيها مختلف القوى والفئات الاجتماعية والشخصيات الوطنية عبر ممثلين عنها أنفقوا في إعداد مشروعه أمداً ليس بالقصير.. ناهيك عن إسهام آخرين من ذوي الكفاءة والمقدرة في مراجعته ريثما تم التوصل إلى صيغة نهائية مقبولة من الجميع بعد سلسلة من الحوارات الوطنية الجادة بروح ديمقراطية.. وإثر ائذ جرت عملية الاستبيان الشعبي عليه ليصبح بعد إقراره وثيقة إجماع وطني سجلت بذلك سبقاً في تاريخ العمل السياسي منذ فجر الحركة الوطنية في اليمن..
وعليه يمكن القول بأن (الميثاق الوطني) يشكل ضمانة للحيلولة دون الانحراف نحو هاوية الارتهان الفكري.. وصمام أمان ضد محاولات الاستلاب السياسي الخارجي.
ورغم مرور ثلاثة عشر عاماً على إقراره في المؤتمر الشعبي العام يوم 24 أغسطس 1982م، فإن أصالة أسسه ومضامينه، وسلامة رؤاه وتصوراته للمستقبل لم تتأثر بتقادم العهد عليه بدليل تعاظم التفاف جميع أبناء شعبنا حوله واجتذابه - مع مرور الوقت- للمزيد من القوى السياسية اليمنية التي تعتبره قاسماً مشتركاً لها يعكس مفاهيمها، ويعبر عن أفكارها، ويترجم طموحاتها وآمالها..
ولئن كانت الفترة الفاصلة بين وضع (الميثاق الوطني) وحتى الآن قد حفلت بتطورات هامة تمثلت في ما شهده الوطن من أحداث عظام، ومتغيرات جسام، وتحديات مصيرية، ومنجزات ومكاسب وطنية بالغة الأهمية، فإنها قد أثبتت بالمثل قدرة شعبنا على التغلب على الصعاب والصمود في وجه المحن والأخطار وقهر المؤامرات والتفاعل مع المتغيرات الوطنية والدولية وتطويعها لصالح أهدافه وخدمة مصالحه وطموحاته.. وما من شك في أن تسلحنا بالرؤى الواضحة التي يتضمنها ميثاقنا الوطني قد رفدنا بفيض من الثقة بالنفس والاعتماد على الذات والفهم الواعي لكيفية معالجة ما يعتور طريقنا من التحديات.. وما يواجهنا من أزمات، ذلك لأنه رسم لنا بوضوح معالم الطريق، وحدد لنا الخطى التي ينبغي علينا التزامها في سبيل أهدافنا العاجلة والآجلة.
وإذا كان (الميثاق الوطني) قد ركز على الوحدة اليمنية بوصفها قضية محورية لكونها تمثل قدرنا ومصدر قوتنا كشعب واحد منذ الأزل، فمن هذا المنطلق وحرص المؤتمر الشعبي العام الذي شكل منذ قيامه في 24 أغسطس 1982م إطاراً تنظيمياً للوحدة الوطنية على أن يكون له شرف الاضطلاع بدور أساسي وفعال في الدفع قدماً، وبخطى حثيثة، نحو إعادة تحقيق الوحدة اليمنية ووضعها في صدارة اهتماماته الوطنية. باذلاً في سبيلها جهوداً كبيرة وصادقة حتى تأسست الجمهورية اليمنية التي مثل الإعلان عن ميلادها يوم 22 مايو 1990م أروع تعبير عن إرادة شعبنا جيلاً إثر جيل، وأعظم إنجاز لأهم هدف من أهداف الثورة اليمنية، وتجسيداً لمطمح من أعظم مطامحنا الوطنية النبيلة التي تضمنها الميثاق الوطني، ومكسباً قومياً للأمة العربية جمعاء، ذلك لأن إعادة الوحدة اليمنية بقدر ما تشكل ضمانة لأمن واستقرار اليمن والمنطقة، كلها، فإنها تشكل كذلك رافد قوة ودعماً للأمة العربية قاطبة..
ومثلما كان المؤتمر الشعبي العام هو الشريك الرائد والأساسي في إعادة توحيد الوطن، فقد كان -أيضاً- هو المبادر إلى ربط قيام الوحدة بالتزام الديمقراطية والتعددية السياسية - نظاماً ونهجاً- كما لم يتوان مطلقاً عن العمل مع غيره من القوى الوطنية الخيرة من أجل تعزيز الوحدة الوطنية وتكريس الممارسة الديمقراطية القائمة على التعددية الحزبية والسياسية والتداول السلمي للسلطة، انطلاقاً من قيم ومبادئ الميثاق الوطني الذي يدعو إلى التقيد بتلك الممارسة الحضارية، وينص على أنه "لا حرية بون ديمقراطية ولا ديمقراطية بدون حماية ولا حماية بدون تطبيق سيادة القانون.."
وكما كان انعقاد مؤتمره العام الخامس مناسبة أتاحت للمؤتمر الشعبي العام الوقوف بمسؤولية أمام شتى التطورات الهامة على الساحة اليمنية، وحيال المكاسب الوطنية العظيمة التي تحققت لشعبنا.. فلقد كان أيضاً فرصة لإقرار إجراء بعض التعديلات على (الميثاق الوطني) حتى يظل قادراً باستمرار على مواكبة كل التحولات والمستجدات في ضوء التجارب الماضية..
أخيراً.. فإن من حق شعبنا أن يتمسك بـ(الميثاق الوطني)، ذلك لأنه يتسم كفكر بالوسطية بين اليمني واليسار، ويمثل أقصى الممكن وأدنى المطلوب في غير إفراط ولا تفريط.. ملتزماً في ذلك بقوله تعالى (إنا جعلناكم أمة وسطاً)
"صدق الله العظيم"
وكذلك بالحديث الشريف على صاحبه أفضل الصلاة والتسليم: (خير الأمور أوسطها)
والله نسأل أن يسدد على طريق الحق وخير اليمن كل أقوالنا وأفعالنا.. أنه نعم المولى وتعم النصير..
((ربنا لا تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا وهب لنا من لدنك رحمة، إنك أنت الوهاب)) "صدق الله العظيم"
الفريق/ علي عبد الله صالح
رئيس الجمهورية
رئيس المؤتمر الشعبي العام
مقدمة (الميثاق الوطني)
إن يمن اليوم، وهو يتقدم إلى الأمام في ظل الثورة اليمنية (سبتمبر وأكتوبر)، يستند في ذلك إلى رصيد ضخم من حصانة العقيدة، وعراقة التاريخ، لا يمنحه القدرة على التقدم فحسب، بل يحول بينه وبين النكوص، ويحمل جيل الحاضر مسؤولية تاريخية، ودوراً حضارياً يتلخصان في السعي بقوة وحماس وإخلاص، وبكل الوسائل المتاحة لهذا الجيل، لاستعادة تلك المكانة الحضارية والتاريخية لليمن، وطناً وشعباً، باعتبار أن انتصار الثورة في استمراريتها وتطورها، ثم تحولها إلى نهج ديمقراطي واضح، تصبح قواعده وأصوله جزءاً من حياة الناس، يعيشونه ويمارسونه على مستوى المجتمع والدولة.
ذلك أن الثورة اليمنية لم تكن ثورة ضد نظام حكم مستبد فاسد، أو ضد مستعمر دخلي فحسب، بل كانت أيضاً ثورة إنسانية ضد ركود الحياة على الأض اليمنية، ذلك الركود الذي أبقاها تعيش في عهد من العهود المظلمة، ولذلك فإن الثورة اليمنية عندما قضت على الحكم الفردي المستبد المتخلف، الذي استغل أسم الدين لتضليل الشعب وإخضاعه وأعلنت قيام النظام الجمهوري بأهدافه الديمقراطية سياسياً واجتماعياً،وأنهت الاحتلال الأجنبي، جاءت لتعيد الدين ونقاءه، وجاءت -في الوقت نفسه- لتحرك جهود الزمن، وتقفز بالحياة قفزة هائلة، تنقلها من العهود المظلمة إلى الحياة المتطورة في القرن العشرين، وعلى الرغم مما واجهها في اندفاعها السريع والعنيف إلى الأمام، فقد استطاعت تجنب الردة إلى الخلف.
إن ما أحدثته الثورة من تغيرات جذرية في الحياة اليمنية، وما تحقق في ظلها من إنجازات رائعة في جميع المجالات، بالرغم من كل المعوقات التي اعترضتها ليدل على أصالة شعبنا وحيوته المتجددة، فالشعب اليمني ليس شعباً حديث التكوين، إنه شعب عريق في الحضارة منذ آلاف السنين، يضرب بجذوره في أعمال التاريخ محتفظاً بأصالته، وبسجل حافل بالإنجازات المتميزة عبر تاريخ الحضارة الإنسانية، سواءً في تاريخه القديم أو في دوره المتألق في الحضارة الإسلامية فيما بعد.
وإذا كان لكل حضارة من الحضارات البشرية طابع متميز، أو سمات خاصة بين السمات المشتركة، فإن أبرز سمات الحضارة اليمنية توجيه منجزات الحضارة لخدمة المجتمع، ومن هنا كان اهتمامها بإقامة السدود، وقنوات الري، وطرق التجارة وتأمينها.
فالجميع كانوا يصنعون تلك الحضارة القديمة ويشتركون في صيانتها، طبقاً لقواعد وأعراف ومراسيم حددت دور كل منهم ليتمتع الجميع بخيراتها، وليتوفر الرخاء والسعادة والكرامة للإنسان.
وفي مجال الحكم تميزت الحضارة اليمنية القديمة بوجود دولة مركزية أوجدت الكيان اليمني، أرضاً وشعباً وحكماً، يقوم الحكم فيها أسس الشورى التي لم تجعل السلطة مركزة في أيدي الملوك وحدهم، بل كان عليهم أن يزاولوا الحكم من خلال مجلس يسمى (المسود) يرأسه الملك، ويضم رؤساء المدن وحكام المناطق وأصحاب الرأي، ومهمته اتخاذ القرارات في الأمور الهامة.
وعلى غرار ذلك المجلس المركزي، كانت توجد مجالس محلية في كل المناطق يرأس كلاً منها حاكم لإدارة المنطقة محلياً.
إن شعور أبناء اليمن منذ آلاف السنين بأنهم ينتمون إلى شعب واحد، له كيانه وكرامته وسيادته على أرضه، كان من أهم عوامل الوحدة اليمنية، وكان يلهب الحماس ضد أي عدوان خارجي.
لقد كان لتلك السمات أثرها في حياة المجتمع اليمني، لأنها نبعت من واقعه، وانسجمت مع طبيعة تكوينه، فارتبط ازدهارها الحضاري، ودورها في العالم القديم بتلك السمات التي جعلت استقرار أوضاعه الداخلية، واستقامت أحواله في ظل دولة مركزية، يستمد قوتها من المشاركة الشعبية مركزياً ولا مركزياً، وتعني بالمرافق العامة، وتحسين تنظيم تجارتها وزراعتها وصناعتها، وإدارة أمورها الداخلية، وعلاقتها بالدول والمجتمعات الأخرى.
غير أن ذلك لم يستمر، إذ بدأ الناس في المجتمعات اليمنية يخلدون إلى الترف، والاسترخاء، ويعرضون عن القيم التي كانت أساس تماسك المجتمع، وقوة الدولة، وبسبب ذلك بدأ الضعف يدب في الكيان اليمني، وبدأ الصراع الداخلي يمزق وحدة الشعب ووحدة الدولة، ورافق ذلك ركود اقتصادي، دفع الناس إلى الهجرات الجماعية، ومن أهم العوامل التي أدت إلى ذلك، تحول طبيعة الحكم من حكم مدني قائم على الشورى، وعلى مشاركة كل المناطق والقبائل وذوي الرأي في دولة معين وسبأ وقتبان وحضرموت إلى حكم يغلب عليه طابع الاستئثار بالحكم لقبيلة واحدة، في دولة الحميريين الذين كونوا قوة عسكرية للغزو وإخضاع المناطق الأخرى بالقوة، واحتكار السلطة والعبث بأموال الدولة وكان هذا بداية النهاية للدولة المركزية وللحضارة اليمنية القديمة.
وصاحب هذا التحول سيطرة الرومان على التجارة البحرية ونقلهم السلع التجارية مباشرة، الأمر الذي قلل من أهمية الطرق التجارية عبر الأراضي اليمنية، فخسرت اليمن بذلك مصدراً من أهم مصادر دخلها القومي، مما أدى إلى زعزعة الكيان اليمني، سياسياً واجتماعياً واقتصادياً وإلى عجز اليمنيين عن صيانة السدود وقنوات الري، مما أضعف الزراعة.
وسارت الأحداث المتلاحقة بعد ذلك بالأوضاع كلها إلى الانهيار المادي والمعنوي، فسقطت الدولة الحميرية وفقدت اليمن بسقوطها في "القرن السادس الميلادي" السلطة السياسية التي كانت توحد الحكم والشعب، وأخذت عوامل عديدة تعمل على تفكيك المجتمع، وإضعاف النظم الموحدة، كما طغت على المجتمعات مظاهر التكوينات القبلية المستقلة، مما زاد من حدة الصراع والتفتت، وأدى إلى غزو واحتلال الأراضي الاستراتيجية في اليمن.
ولم يتجاوز اليمنيون ظاهرة التمزق إلا بعد ظهور الدعوة الإسلامية، ودخولهم في دين الله أفواجاً، طائعين وغير مكرهين، وبذلك شكلوا أكبر قوة بشرية جاهدت لنصرة الإسلام ونشر كلمة الله، وأسهموا في الحياة السياسية والاقتصادية والفكرية بصورة فعالة.
وقد واكب ذلك الإسهام الفعال على صعيد الدولة الإسلامية استقرار محلي، وقوة لليمن، ارتبط بقوة الدولة الإسلامية.
وحين انحرف حكام الدولة الإسلامية عن طبيعة الحكم الإسلامي القائم على الشورى والعدل، واعترض مسيرة الحضارة الإسلامية عارض من الضعف والفساد الذي اتصف به العهد الأخير للدولة العباسية، نال اليمن ما نال بقية الأقطار الإسلامية من اضطرابات أدت إلى المقاومة في أرجاء الدولة ومنها اليمن.
ولم تكن هذه المرحلة كلها أيام اضطراب وحروب، بل شهدت اليمن ازدهار دول يمنية، مركزية، وحدت اليمن في فترات متعددة من التاريخ، كما شهدت اليمن أيضاً تقدماً ملموساً في الجوانب العلمية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية، وقد صاحب هذه الحركات السياسية والدول المتعاقبة في اليمن حركة فكرية ثقافية ازدهرت في فترات معينة، وتمثلت في وجود تيارات فكرية للفرق الإسلامية، وأدت إسهامات اليمنيين في هذا المجال دوراً فعالاً في مدارس الفكر الإسلامي، وأعطت أبعاداً اجتماعية جديدة لهذا الفكر.
وعندما انتقل مركز الدولة الإسلامية إلى الأتراك العثمانيين، الذين اتصف حكمهم بالتعسف والظلم، ثم الركود الاقتصادي في فترات الضعف، عمل اليمنيون على مقاومة الوجود العثماني، وشملت المقاومة كل أرجاء اليمن واشتركت فيها كل فئات المجتمع، وقد طلبت بريطانيا من السلطان العثماني في عام 1838م السماح لها بالاستفادة من ميناء عدن كمستودع لخزن الفحم، وعندما أدركت أن السلطة الفعلية بيد سلطان لحج طلبت منه التنازل عن عدن فرفض فاستخدمت أساليب الضغط السياسي والمناورات الحربية،،،
وجاء غرق السفينة البريطانية قرب عدن مبرراً لها لاحتلال عدن بالقوة في 19 يناير 1839م رغم المقاومة الوطنية، ثم قامت بالاستيلاء على عدة مناطق أطلقت عليها المحميات الغربية والشرقية بعد أن عقدت معاهدات ولاء بينها وبين سلاطين وأمراء المناطق المذكورة.
وبفضل المقاومة الوطنية المستمرة للوجود العثماني وبمساعدة ظروف مواتية أخرى أحرزت اليمن الاستقلال في العقد الثاني من القرن العشرين وتسلم (الإمام يحيى) السلطة التي سيطرت على معظم مناطق اليمن الخاضعة للسيطرة الفعلية للعثمانيين، ولكن هذا الاستقلال في ظل حكم الإمام يحيى، قد أُفرغ من محتواه ومعانية، فقد ظلت الإجراءات الجائرة، والمظالم المختلفة التي كانت سبب الثورة ضد الأتراك قائمة على حالها، حيث استبدلت بعض الوسائل الجائرة بوسائل أكثر جوراً، وبنظام حكم فردي متخلف مستبد.
ونتيجة لهذا بدأ المجتمع المرهق، جراء الحرب الطويلة التي خاضها ضد الأتراك، يتململ تحت نير الحكم الفردي الاستبدادي الجديد.
وعقب الحرب السعودية اليمنية عام 1934م نشأت حركة (نقد) اتخذت أسلوب النصح للإمام، قام بها المستنيرون من العلماء، ولكن الإمام واجه النصح بالتهديد، واستمر يمارس أساليب القمع والجور ضد الشعب، فتحولت حركة (النقد) إلى حركة (رفض) ساخطة متذمرة، شملت عناصر مستنيرة من مختلف الفئات اليمنية، ولكنها كانت غير منظمة فواجهها الإمام بعنف.
وهنا بدأت حركة الأحرار تتخذ شكل التنظيم، فتكونت (جمعية الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر) وجمعيات أدبية وثقافية في كل من صنعاء، وتعز، وإب.
وبالرغم من أساليب الإرهاب والقمع، فإن حركة الأحرار أخذت تشتد وتقوى، عبر سلسلة من التجارب والمحاولات الفاشلة، وتحت وطأة الإحساس بالظلم والقهر، وفي مناخ المعاناة من مآسي التخلف والجهل والمرض، تطورت حركة الأحرار من أساليب (النصح) إلى أساليب (الرفض) غير المنظم، ثم إلى حركة إصلاحية منظمة، ثم إلى (اليقين الثوري) الذي تبلورت أهدافه في تنظيم (حزب الأحرار)، وقد بدأت حركة الأحرار الحديثة المنظمة في الجزء المستقل من الوطن، وضمت المستنيرين من العلماء، والمثقفين، والعسكريين، ورجال القبائل، والتجار وغيرهم.
ثم انتقلت إلى الجزء المستعمر من الوطن الذي اتجهت إليه فصائل من حركة الأحرار، لتنجو بنفسها، وتعبر عن أهدافها، وهناك حل تنظيم (الجمعية اليمنية الكبرى) محل (حزب الأحرار)، لتكون الجمعية إطاراً، يضم الأحرار من أبناء مختلف مناطق اليمن، تعبيراً عن وحدة الشعب اليمني وعن إرادته في التحرر والوحدة.
لقد عملت حركة الأحرار على ترسيخ مفهوم الوطن والمواطن، وقامت الدعوات السلالية، والمذهبية، والإقليمية، وناهضت الاستبداد والاستعمار، وتركزت أهدافها الرئيسية في القضاء على الحكم الفردي الاستبدادي، واستبداله بحكم دستوري يقوم على المؤسسات الدستورية، ويفصل بين السلطات الثلاث (التشريعية، والقضائية، والتنفيذية)، ويطبق الشريعة الإسلامية بمضامينها الحقة، وكانت الحركة تهدف إلى اتخاذ الجزء المستقل - بعد تخلصه من الاستبداد - قاعدة لتحرير الجزء المستعمر من الاستعمار البريطاني حتى توجت جهاد الأحرار بقيام ثورة 1948م التي عبر عنها (الميثاق الوطني المقدس) والتي قضت على الإمام (يحيى) وأعلنت قيام الدولة الدستورية، وحكم الشورى، وبالرغم من أنها قد سقطت خلال أسابيع، إلا أنها قد أحدثت هزة عنيفة في أعماق الشعب اليمني، ثم أصبحت بمرور الزمن قوة دفع أيقظت وعي الشعب بقضيته، وحقوقه الوطنية، ودفعته في طريق الثورة لتحقيق طموحاته في حياة أفضل، وكانت التضحيات الجسيمة التي حدثت إثر فشل الثورة، واستمرار حكم الطغيان والاستبداد والاستعمار والتخلف، مقدمة هامة للانتفاضات التي تلته
ولقد ساقت انتفاضة 1955م، بما أحاط بها من عوامل وملابسات حركة الأحرار، إلى منعطف حاسم، وإلى نقلة هائلة في التفكير، إذ جعلتهم يراجعون مواقفهم، ويقررون تجاوز الإمامة الدستورية كمرحلة ويعلنون دعوتهم لقيام النظام الجمهوري الإسلامي الديمقراطي، على أساس أن هذا النظام هو نظام الحكم الإسلامي المناسب لهذا العصر.
ثم تواصل كفاح الحركة الوطنية ضد الاستبداد والاستعمار حيث توالت انتفاضات عديدة في صوف الجيش، وفي المناطق القبلية، وفي العملية الفدائية (للشهيدين عبد الله اللقية ، ومحمد العلفي) للقضاء على الطاغية (الإمام أحمد)، وفي مظاهرات طلبة مدارس صنعاء، وتعز، مصحوبة باستمرار مظاهر الكفاح ضد الاستعمار البريطاني في المناطق المستعمرة بدءاً بظهور مقاومة قبلية مسلحة في المناطق المتاخمة للشطر المستقل ومقاطعة الانتخابات التشريعية الاستعمارية، وما رافق ذلك من مظاهرات وإضرابات طلابية وعمالية وعامة شهدتها عدن ومناطق أخرى من البلاد وكانت هذه الانتفاضات إرهاصات للثورة، زادت الحركة الوطنية قوة وتنظيماً وأصبح تنظيم الضباط الأحرار من أهم التطورات في تلك الحركة، وعاملاً من العوامل الحاسمة في تفجير ثورة 26سبتمبر 1962م، تلك الثورة التي كانت تعبيراً عن إرادة الشعب بأهدافها الوضاحة لتغيير الواقع اليمني في جميع مجالات الحياة، وتمثلت في الأهداف الستة التالية:
1- التحرر من الاستبداد والاستعمار ومخلفاتهما، وإقامة حكم جمهوري عادل وإزالة الفوارق والامتيازات بين الطبقات.
2- بناء جيش وطني قوي لحماية البلاد وحراسة الثورة ومكاسبها.
3- رفع مستوى الشعب اقتصادياً واجتماعياً وسياسياً وثقافياً.
4- إنشاء مجتمع ديمقراطي تعاوني عادل، مستمد أنظمته من روح الإسلام الحنيف.
5- العمل على تحقيق الوحدة الوطنية في نطاق الوحدة العربية الشاملة.
6- احترام مواثيق الأمم المتحدة والمنظمات الدولية، والعمل على إقرار السلام العالمي، والتمسك بمبدأ الحياد الإيجابي، وتدعيم مبدأ التعايش السلمي بين الأمم.
وهكذا جاءت ثورة سبتمبر لتمثل قمة النضال الوطني، فقد شارك في تفجيرها بجانب الضباط الأحرار الكثير من رجال القبائل والعلماء، والمثقفين، والضباط، والطلاب، وساندتها كافة فئات الشعب وقطاعاته في مختلف أرجاء الوطن.
كما جاءت أهدافها خلاصة مركزة ومكثفة لتطور الفكر الثوري، عبر مسيرة الحركة الوطنية منذ الثلاثينات حتى قيام ثورة 26سبتمبر سنة 1962م، ومن هنا تميزت أهداف الثورة بوضوح الرؤية وعمق الوعي، وحددت بدقة معالم التغيير الجذري للواقع اليمني في جميع المجالات.
فالتحرر من الاستبداد والاستعمار، لا بد أن يتبعه القضاء على ما خلفاه من شر وتخلف، والحرية السياسية لا تتحقق بدون تطبيق الحرية الاجتماعية والوحدة الوطنية -كهدف وطني- لا بد أن تكون خطوة أساسية في سبيل تحقيق الهدف القومي، المتمثل في الوحدة العربية الشاملة، وانتهاج سياسة داخلية حكيمة، تبني الحياة وتوحد الجبهة الداخلية هو الوسيلة لانتهاج سياسة خارجية تجعل علاقاتنا بالدول الأخرى متوازنة ومكافئة، وتجعل أدوارنا ونشاطنا في المنظمات الإقليمية والدولية، وفي مناهضة الاستعمار والطغيان، وفي نصرة القضايا العادلة فعالاً وإيجابياً.
وقد عمق أهداف الثور، وأغناها، التجارب التي اكتسبها شعبنا اليمني خلال نضاله المرير ضد الحروب المفروضة عليه، والمؤامرات الداخلية والخارجية التي استهدفت إسقاط الثورة والنظام الجمهوري واستمرار المستعمر، وضد الممارسات الخاطئة في ظل تلك الظروف الصعبة، التي كانت تهدد الثورة من داخلها، ومن أعظم المناضلين ضد هذين الخطرين الشهيد أبو الأحرار ( محمد محمود الزبيري).
وضمت مسيرة الثورة في مرحلة المعاناة التطبيقية وسط ملابسات وظروف قاسية، وعوائق ومخلفات وسلبيات، ولكنها لم تكن أقوى من إرادة الشعب التي قضت على حكم فاسد، استنفد كل مبررات وجوده، وحمت الثورة من المؤامرات الداخلية والخارجية، بل إن تلك الإرادة الشعبية هي التي أنقذت الثورة من الفشل الكامل، نتيجة الممارسات الخاطئة التي حدثت باسمها في غياب ديمقراطية الحكم، ووصول عناصر مشبوهة، انتهازية، إلى مراكز السلطة، مستغلة اشتغال القوى والعناصر الوطنية بمعارك الدفاع عن الثورة والجمهورية وتحرير الجزء المستعمر من الوطن.
وإذا كانت المؤامرات الخارجية والداخلية قد سببت الكثير من المصاعب والمشاكل والمآسي، فإنها في الوقت نفسه قد خلقت في شعبنا روح التحدي، فتماسك وناضل حتى انتصرت الثورة، واستقر النظام الجمهوري وإلى الأبد.
إن من أهم منجزات ثورة 26 سبتمبر 1962م تحويل الشطر المستقل من الوطن فور تخلصه من الاستبداد، إلى قاعدة انطلقت منها القوى الوطنية لمحاربة الاستعمار وقيام النضال المسلح المنظم، ووفرت السند والقاعدة لانطلاقة ثورة 14 أكتوبر 1963م بهدف تحرير الجزء المستعمر من الوطن التي انطلقت أولى شرارتها من جبال ردفان وكان أول شهيد فيها راجح غالب لبوزة، حيث التحم كل أبناء اليمن في اصطفاف وطني رائع لمنازلة الاستعمار، وفتحت جبهات للقتال في مختلف مناطق تواجده، وفتح أبناء الشعب في عدن بيوتهم لإيواء الفدائيين واحتضنت القوى مناضلي الثورة وحمتهم من ملاحقة الجنود البريطانيين حتى تم جلاء الاستعمار الإنجليزي نهائياً في 30 نوفمبر عام 1967م.
وقد كان لإسهام الشعب العربي المصري في دعم الثورة اليمنية أثر كبير في حماية الثورة والجمهورية، وسيظل عملاً مشرفاً في تاريخ الأمة العربية الحديث.
وعقب عودة القوات المصرية من اليمن عام 1967م، كانت الهجمة الشرسة التي استهدفت إسقاط النظام الجمهوري، فاشتركت كل قوى الشعب من مختلف أرجائه في مقاومتها خلال حرب السبعين يوماً، حتى هُزِمَت الهجمة، وانتصرت الثورة ونظامها الجمهوري، لأنها تمثل إرادة الشعب اليمني بكل قطاعاته وقواه، وإرادة الشعب هي التي تنتصر في النهاية.
ثم جاءت مرحلة السلام في النصف الأول من عام 1970م فتحقق للشعب مكسب جديد في ظل المصالحة الوطنية، ولكنه -كأي عمل عظيم- يحمل معه إيجابياته وسلبياته معاً.
لقد كان من الطبيعي أن يتوحد اليمن ويستعيد وحدته الوطنية فور جلاء المستعمر وذلك كمحصلة طبيعية طالما تطلعت إليها الجماهير ووضعتها الحركة الوطنية في مقدمة أهدافها.
ولأسباب داخلية وخارجية استمرت حالة التجزئة التي كانت سبباً لإهدار الطاقات الوطنية والموارد، وعملاً للصراع وتكريساً لواقع العزلة.
وتتويجاً لكل المكاسب الوطنية التي تحققت لشعبنا على طريق السعي الدؤوب لتحقيق وحدته الوطنية أرضاً وحكماً، فقد تم في الثاني والعشرين من مايو 1990م إعلان قيام الجمهورية اليمنية وارتفع علم الدولة اليمنية الواحدة خفاقاً على كل ربوع اليمن.
وبنفس العزم والمثابرة التي واجه بها شعبنا كل الصعاب ومعوقات استعادة وحدته الوطنية، فقد تصدى بحزم وشجاعة بالغين لمحاولة الانفصال التي استهدفت اغتيال أغلى وأعز مكاسب وأمانيه.
لقد نقلت الثورة الشعب اليمني كله من العهود المظلمة إلى الحياة المتطورة في القرن العشرين، وحققت له انطلاقه فكرية من عالم الظلام والتضليل السياسي الذي أعتمد عليه نشر الخرافات المنافية لأحكام وأسس الدين الحنيف والقهر الاستعماري الذي أعتمد سياسة فرق تسد، إلى عالم النور والحقيقة، ودفعت بحياته كلها إلى الأفضل، وجعلته يشارك في حياة العصر أخذاً وعطاء دون أن يفقد أصالته.
إن ظروفنا الواقعية، واحتياجاتنا الوطنية، وما يمليه منطق العصر الذي يجب أن يهيمن على جهودنا المتواصلة وتجاربنا، يقتضي إعادة النظر بشكل مستمر في جميع أعمالنا ومراجعة تجاربنا ومواقفنا، محددين معالمنا السياسية، والاقتصادية، والثقافية، والاجتماعية، بصورة أوضح وأعمق، انطلاقاً من أهداف الثورة وتحقيقاً لطموحات المجتمع في التطور والتقدم والسلام -ومن هنا جاءت ضرورة وجود ميثاق وطني يستمد أهدافه من شريعتنا الغراء، وينسجم مع أهداف الثورة اليمنية ليكون منهاجاً تلتف حوله جماهير الشعب.
إن نظرتنا إلى تاريخنا وتجاربنا السابقة، بالمقارنة لواقعنا الراهن تؤكد لنا حقائق هامة في نظرتنا إلى المستقبل هي:
* الحقيقة الأولى:
إن شعبنا لم يصنع حضارته القديمة إلا في ظل الاستقرار والأمن والسلام، ولم يتحقق له ذلك إلا في ظل وحدة الأرض والشعب والحكم.
ولم تتحقق له الوحدة إلا في ظل حكم يقوم على الشورى والمشاركة الشعبية.
* الحقيقة الثانية:
إن كل الأحداث الدامية، عبر تاريخ اليمن الطويل، قد زعزعت كل شيء في حياة الإنسان اليمني، إلا إيمانه بالله وتمسكه بالعقيدة الإسلامية، هذه الحقيقة تؤكد أن العقيدة الإسلامية هي ضمير شعبنا الذي يستحيل بدونه الاندفاع إلى الأمام، وتؤكد أن مجتمعنا اليمني في ظل الشريعة الإسلامية الحقة، قادر على فهم واقعه وتكوين النظرة الواقعية السليمة لحاضرة ومستقبله، وضمان الوحدة والديمقراطية والعدالة الاجتماعية.
* الحقيقة الثالثة:
إن التعصب الأعمى لا يثمر إلا الشر، وأن محاولات أية فئة متعصبة للقضاء على الآخرين، أو إخضاعهم بالقوة، قد فشلت عبر تاريخ اليمن كله، وأن الاستقرار الجزئي أو الشامل لليمن في ظل حكم يتسلط بالقوة ويتسلط بالدجل والخديعة لا يدوم طويلاً، وغالباً ما ينتهي بكارثة، بعد أن كان نفسه كارثة على الشعب، وأن الحوار الواعي هو الوسيلة الوحيدة لتحقيق حياة أفضل للجميع.
* الحقيقة الرابعة:
إن مجتمعنا اليمني بدون الديمقراطية والعدالة الاجتماعية غير قادر على تعزيز وحدته، وغير قادر على استغلال ثروته المادية والبشرية وإحداث التطور والتقدم والحفاظ على السيادة الوطنية.
* الحقيقة الخامسة:
إن مجتمعنا اليمني، كان وما يزال يؤكد رفضه لأشكال الاستغلال والظلم، مهما كانت أصولها ومصادرها، ويؤكد -في الوقت ذاته- حرصه على الاستقلال والأمن والإيمان.
والآن ونحن على أبواب مرحلة من أهم مراحل التاريخ الحديث، مرحلة الانتقال إلى التطبيق الديمقراطي وإقامة المجتمع المدني، لا بد أن نملك الوضوح، وضوح الهدف، ووضوح الوسيلة، ذلك أن التطبيق الديمقراطي الحقيقي تطبيق الشورى، تطبيق المشاركة الشعبية في الحكم، سيبقى الهدف الأساسي للحركة الوطنية وللثورة والمحتوى الأساسي للنظام الجمهوري، وبدونه يبقى النظام الجمهوري شكلاً بلا محتوى جسداً بلا روح.
ومن أجل هذا كله جاء هذا الميثاق الوطني محاولة مخلصة وصادقة وواعية يحقق لنا وضوح الرؤية، وفي إطاره الفكري تأتي برامج العمل السياسي ملتزمة بمبادئه الأساسية، ومستفيدة من تجاربنا الوطنية، محددة احتياجاتنا الواقعية ومعالم الطريق للمستقبل، في نظام ديمقراطي يقوم على التعددية الحزبية ومبدأ التداول السلمي للسلطة.
إن الشعب اليمني اليوم - في ظل الجمهورية اليمنية- مصمم على استعادة مكانته الحضارية من جديد، ومندفع -بوعي- لاستيعاب منجزات الحضارة الإنسانية في هذا العصر، والتفاعل مع إيجابياتها أخذاً وعطاء، تأثراً وتأثيراً، وهو في تصميمه واندفاعه متسلح بعقيدته الإسلامية ومحتفظ بذاته الأصيلة، وأن هذا الميثاق الوطني، عهد نلتزم به جميعاً، ونعزز به الوحدة الوطنية ونرسخ به الأسس الديمقراطية للنظام السياسي والشرعية الدستورية.
(واعتصموا بحبل الله جميعاً ولا تفرقوا) صدق الله ال
أبواب (الميثاق الوطني)
الباب الأول
الإسلام عقيدة وشريعة
إن الإسلام بالنسبة لشعبنا اليمني -كان وما يزال- أساس تكوينه الفكري والروحي، فهو بمبادئه وقيمه الأخلاقية، ضمير شعبنا، الذي يستحيل تجاهله أو استبداله بضمير آخر، ذلك أن النظرة الإسلامية للكون والإنسان تتميز بالشمول لكل جوانب الحياة المادية والروحية.
هذا الشمول هو جوهر الإسلام، وهو شمول مرن، لا يصب الحياة في قوالب جامدة متحجرة ضيقة، ولكنه يضعها في إطار سماوي -لا صلة له بالعقلية الكهنوتية- ثم يترك للعقل في هذا الإطار حرية الانطلاق والاجتهاد والبحث والاستنباط واستحداث النظام ولأساليب، وتغييرها، وانطلاقاً من المنهج الإسلامي الشامل لتلاءم مع ظروف الحياة المتطورة.
فالتشريعات الإسلامية تتسم بالقدرة على استيعاب الحياة وحل مشاكلها المتجددة والقدرة على تنظيم الحياة في كل زمان ومكان، إنه منهج للبشرية جمعاء أرسى مصدره الإلهي في قواعده وأصوله، من سعة الآفاق، وكلية الإحاطة، ما جعله عالمياً قادراً على الحياة والعطاء والإبداع.
ومن خصائص المنهج الإسلامي أيضاً ثبات قواعده وأصوله، ومرونة فروعه ووسائله وأساليبه، وهذا ما أعطاه القابلية والقدرة على استيعاب الحياة وقيادتها إلى الأفضل في أية مرحلة من مراحلها، وهو إلى جانب ذلك منهج يعتمد على رقابة الضمير قبل رقابة السلطة.
ولقد فهم آباؤنا اليمنيون الإسلام بهذا الشمول فاعتنقوه، وارتبط تاريخنا بتاريخه، وآمالنا بروحه، وعندما أصبنا بالبلاء الذي أصيبت به البلاد الإسلامية من تفكك وانحطاط وجهل وظلم، ظل الإسلام القوة التي واجه الشعب بها جبروت الطغاة وحملات الغزاة.
ونحن -بحمد الله- شعب مسلم/ موحد العقيدة، أرتضى الإسلام شرعه ومنهاج حياة، ومن ثم، فإن معالجة الميثاق قضايا الحياة معالجة إسلامية، يعتبر السبيل الوحيد للتعبير عن ضمير الشعب وإرادته، وللحفاظ على كرامتنا، وكياننا المستقل، وشخصيتنا المميزة، وفي إطار المفاهيم العظيمة للإسلام، نستطيع أن نتعامل مع التقدم الفكري والعلمي -أخذاً وعطاء- دون أن نكون نهباً للأفكار والنظريات المتصارعة الفردية والجماعية.
وإذا كان تصور الفكر المادي للإنسان والحياة تصوراً ضيقاً يتجاهل المعاني الروحية، ويجعل هذه الحياة هي البداية، وهي النهاية وهي الغاية، وبذلك تبقى الغرائز في الإنسان مشدودة إلى حيوانيتها، بدلاً من السمو بها إلى آفاقها الإنسانية، فإن التصور الإسلامي الشامل للإنسان والحياة، يربط المادة بالروح، ويربط الحياة الدنيا الزائلة بحياة خالدة هي الغاية، وبذلك يربط الإنسان بالله، فتسمو غرائزه ويعود إلى الصورة المثالية التي أرادها الله له ويستقيم في كل عمل يعمله.
" لقد خلقنا الإنسان في أحسن تقويم، ثم رددناه أسفل سافلين، إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات فلهم أجر غير ممنون "
(التين)
" والعصر إن الإنسان لفي خسر إلا الذين آمنوا، وعملوا الصالحات وتواصوا بالحق، وتواصوا بالصبر".
(العصر)
" يومئذ يصدر الناس أشتاتاً، ليروا أعمالهم، فمن يعمل مثقال ذرة خيراً يره، ومن يعمل مثقال ذرة شر يره "
(الزلزلة)
لذلك فكل تصوراتنا للإنسان والكون والحياة ينبغي أن ينبثق من التصور الإسلامي الشامل وأن ننتهج في حياتنا العملية سلوكاً مستقيماً يؤكد هويتنا الإسلامية، انطلاقاً من الثقة المطلقة بشمولية المنهج الإسلامي، الذي نظم عملياً علاقة الفرد بنفسه، وعلاقته بخالقه، وعلاقته بأسرته، وعلاقته بمجتمعه، وعلاقة مجتمعه به، وبين الأصول والقواعد التي تحكم سير الحياة اجتماعياً وسياسياً، واقتصادياً، وثقافياً.
" ما كان حديثاً يفترى، ولكن تصديق الذي بين يديه، وتفصيل كل شيء وهدى ورحمة لقوم يؤمنون" (يوسف)
إننا نرفض أية نظرية في الحكم، أو الاقتصاد أو السياسة أو الاجتماع تتناقض مع عقيدتنا وشريعتنا الإسلامية، ولكننا نعتقد إن من حق أي فرد أو جماعة امتلاك الحرية في إعلان الآراء والأفكار، وإنتهاج العمل الديمقراطي السليم لتحقيقه، بشرط أن لا يخرج عن الإطار الإسلامي.
وانطلاقاً من إيماننا بشمول المنهج الإسلامي، نرى أن أهم المرتكزات التي تقوم عليها حياتنا العملية، هي العودة إلى المنابع الصافية للعقيدة، كتاب الله وسنة رسوله، ومقاومة البدع الفاسدة الأباطيل الدخيلة على الدين، ومقاومة نزعات الإلحاد والشرك، وإحياء رسالة المسجد، حتى يعود إلى سابق عهده، مركز هداية وإشعاع، وإصلاح، وسمو في العلاقات العملية.
فـ "الدين المعاملة"
والمعاملة هنا شاملة جامعة لكل العلاقات الشخصية والاجتماعية وتتمثل في الآتي:
1- علاقة الإنسان بالله.. وتتمثل في الإيمان الصادق الذي يربطه بالقيم الأخلاقية وفي إقامة العبادات، والشعائر، واحترامها، ليتم الاتصال الدائم المتجدد بالله، وهو اتصال يتم مباشرة دون واسطة كهنوتية، لأن السلطة الكهنوتية ليست من الإسلام، وهدفه تطهير النفس البشرية وتهذيبها على الفضيلة وتجدد مراقبتها مع كل عبادة من العبادات.
2- وفي مجال علاقة الإنسان بالمجتمع الذي يعيش فيه فإن سمو العلاقات يتمثل في مراقبة النفس مراقبة واعية، تروض الغرائز الذاتية وتقيدها بالقيم الأخلاقية التي تشكل المعايير السليمة لاستقامة البنية، وأهم تلك المعايير:
- أن تكون مصلحة المجتمع فوق مصلحة الفرد.
" ويؤثرون على أنفسهم ولو كان بهم خصاصة" (الحشر)
- المساواة " لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحبه لنفسه" -حديث شريف-.
- التعاون " وتعاونوا على البر والتقوى ولا تعاونوا على الإثم والعدوان" (المائدة)
- عدم الإضرار بالغير " إنما دماؤكم وأموالكم، وأعراضكم عليكم حرام" -حديث شريف-
- إن الإسلام يرعى الفرد كما يرعى الجماعة كلها، فحياته وكرامته وحريته، وأمنه وحقوقه، تساوي في أهميتها حياة وحرية وكرامة وأمن وحقوق المجتمع كله، لأن الإنسان هو الإنسانية، والإنسانية هي الإنسان.
" من قتل نفساً بغير نفس أو فساد في الأرض فكأنما قتل الناس جميعاً، ومن أحياها فكأنما أحيا الناس جميعاً " (المائدة)
" ولكم في القصاص حياة يا أولي الألباب لعلكم تتقون" (البقرة)
3- أما سمو العلاقات بالكون والأشياء، فيتمثل في التفكير الذي يحرر العقل من الأوهام والخروقات والانغلاق ويطلقه مفكراً في ملكوت الله، يكشف أسرار الكون، وسننه الثابتة ليزداد علماً وإيماناً، ويزداد قدرة على استثمار خيرات الكون، استثماراً مبدعاً ومحدداً.
فالتفكير وطلب العلم والمعرفة واستخدام الأشياء بإتقان وإبداع، أمور يعتبر في الإسلام فريضة، ترقى إلى مستوى العبادة.
" أولم ينظروا في ملكوت السموات والأرض وما خلق الله من شيء" (الأعراف)
" قل هل يستوي الذين يعلمون والذي لا يعلمون " (الزمر)
(طلب العلم فريضة على كل مسلم ومسلمة) -حديث شريف-
(إن الله يحب إذا عمل أحدكم عملاً أن يتقنه) -حديث شريف-
4- وسمو في علاقة الإنسان بالمال ويتمثل في أساس أكده الإسلام.. وهو أن المال مال الله، وأن الإنسان مؤتمن ومستخلف فيه.
" وأنفقوا مما جعلكم مستخلفين فيه" (الحديد)
" وآتوهم من مال الله الذي آتاكم " (النور)
والاستخلاف لا يجوز أن يكون أسلوبه كسب المال بالظلم أو التحايل أو الاستغلال.
" ولا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل، وتدلوا بها إلى الحكام، لتأكلوا فريقاً من أموال الناس بالإثم وأنتم تعلمون " (البقرة)
كما لا يجوز احتكاره أو كنزه..
" كي لا يكون دولة بين الأغنياء منكم" (الحشر)
" والذين يكنزون الذهب والفضة، ولا ينفقونها في سبيل الله فبشرهم بعذاب أليم". (التوبة)
كما أوجب الإسلام الإستقامة في التصرف بالمال.
" والذين إذا أنفقوا لم يسرفوا، ولم يقتروا، وكان بين ذلك قواماً" (الفرقان)
5- وفي مجال الحكم يتمثل سمو العلاقات في إقامة العدل بين الناس.
" ولا يجرمنكم شنآن قوم على أن لا تعدلوا إعدلوا هو أقرب للتقوى" (المائدة)
كما جاءت الشريعة الإسلامية مقررة لمبدأ الشورى " وأمرهم شورى بينهم " (الشورى 28)
وفي قوله تعالى " وشاورهم في الأمر" (آل عمران 159)
وفي الآيتين مبدأ الشورى الذي كرس مبدأ حق الناس في اختيارهم حكامهم، ومن هنا فإن الخروج على السلطة القائمة على ذلك المبدأ أو الوصول إليها عن طريق يتنافى مع هذه القاعدة الإسلامية يعد عملاً غير شرعي فالسلطة الحاكمة في الإسلام لا تكون شرعية إلا إذا اختارها الناس بالطريقة التي يتفقون عليها.
بل إن الإسلام لا يكتفي بحق الاختيار للحاكم، بل يوجب استمرار رقابة الناس عليهم حتى يؤدوا الأمانة ولا ينحرفوا إلى التسلط والظلم.
" ولتكن منكم أمة يدعون إلى الخير ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر وأولئك هم المفلحون" (أل عمران)
وتحقيقاً لهذه المبادئ الإسلامية فإن نظامنا الجمهوري يقوم على أسس دستورية واضحة تضمن السيادة الشعبية والتعددية الحزبية والتداول السلمي للسلطة وحق المعارضة في إطار الالتزام بالشرعية الدستورية، وتحقق العدل والتكافل الاجتماعي، وترسي مبدأ سيادة القانون، واستقلال القضاء، وتضمن تكافؤ الفرص أمام الجميع والنمو في جميع المجالات وصولاً إلى بناء مجتمع سليم فاضل، يبدأ برعاية الأسرة باعتبارها نواة المجتمع وإعداد المرأة إعداداً يمكنها من القيام برسالتها العظيمة في البيت، كأم فاضلة، ويمكنها من مشاركة الرجل في التعليم والعمل وبناء الحياة في المجالات التي تستطيع أن تبدع فيها. فـ ( النساء شقائق الرجال) -حديث شريف-
ويهتم بالتربية والتعليم، وفقاً لمنهج يساير التقدم العلمي، وإعداد الشباب إعداداً روحياً وبدنياً وعملياً وأخلاقياً، يمكنهم من تحمل المسئولية بجدارة، كما يهتم بالثقافة والإعلام لتكون كل أجهزة الدولة، وكل فئات المجتمع، واعية ومدركة، ومتطورة مع الحياة.
كل ذلك في إطار التصور الإسلامي، ليتقيد الجميع بأحكام وتعاليم الإسلام وآدابه، وأخلاقه فكراً وسلوكاً.
الباب الثاني
الإنسان والوطن
أ- الولاء الوطني:
الولاء الوطني مبدأ شريف، لا ينسجم بأي حال من الأحوال مع التبعية، أياً كان شكلها أو نوعها.
ففي ظل الولاء الوطني، يتمكن الشعب من التفاعل والتلاحم الطبيعيين، انطلاقاً من تمسكه بأهداف الثورة اليمنية، ومن شعوره بالانتماء إلى وحدة اجتماعية متماسكة، متميزة بالعقيدة الإسلامية، تتحقق فيها الممارسات الديمقراطية البناءة، والحياة الحرة الكريمة.
والولاء الوطني بمفهومه هذا ولاء لله، وعلى ذلك كان حب الوطن من الإيمان، الدفاع عن الوطن دفاع عن العقيدة، والتخلي عن الوطن هو تخل عن العقيدة.
" إنما ينهاكم الله عن الذين قاتلوكم في الدين وأخرجوكم من دياركم، وظاهروا على إخراجكم، أن تولوهم، ومن يتولهم فأولئك هم الظالمون"
(الممتحنة)
وهكذا فالولاء الوطني ليس شعاراً غامضاً مهزوزاً في ضمير الإنسان، ولكنه عقيدة تتجسد سلوكاً والتزاماً بأهم معايير الولاء الوطني التي تتلخص في الأتي:
المعيار الأول:
ويتمثل في الحفاظ على سيادة الوطن واستقلاله، باعتبار ذلك قمة المصلحة العليا للوطن، وعقيدته، وأي تبعية خارجية مادية أو فكرية أو التزام تنظيمي، يعتبر خيانة إضراراً بمصلحة الوطن العليا، وإخلالاً بالولاء الوطني.
وهذا بالطبع لا يعني الانغلاق المتنافي مع الانفتاح العلمي، والاستفادة من كل نافع ومفيد من تجارب الآخرين، وأفكار وحضارة العصر، بما لا يخل ولا يتناقض مع عقيدتنا الإسلامية، والولاء الوطني ممارسة وعملاً، يحتم على الدولة والشعب والاعتماد على النفس، وأن يكون الحكم ديمقراطياً، نابعاً من عقيدة الشعب المعبرة عن إرادته، ومحض اختياره، لتسود الثقة بين الحاكم والمحكوم فلا تسلط فرد، ولا ديكتاتورية حزب، ولا سطو طائفة، وبغير ذلك تصبح علاقة الدولة بالشعب، وعلاقة الشعب بالدولة غير ثابتة، وغير وثيقة مما يؤدي إلى إثارة تعصبات وولاءات ضيقة، تمزق الوحدة الوطنية وتخالف جوهر العقيدة، ومن هذا المنطلق فإن الحكم الديمقراطي الشوروي شرط أساسي لصدق الإيمان بالولاء الوطني، وبدون الممارسة الديمقراطية على النحو الذي يحدده الدستور، فإن الولاء الوطني قد يصبح مجرد شعار يتخذ ستاراً للمساس بوحدة الشعب وبسيادته الوطنية واستقلاله.
المعيار الثاني:
ويتمثل في التمسك بأهداف الثورة اليمنية، وتجسيدها فكراً، وسلوكاً، في المحافظة على النظام الجمهوري، وإرساء قواعده، وأسسه الديمقراطية، والالتزام بها قولاً وعملاً، والوفاء لشهداء الوطن الأبرار، الذين ضحوا بحياتهم عبر مراحل النضال الوطني، والذين فجروا الثورة، وحموها بأرواحهم ودمائهم حتى انتصرت إرادة الشعب اليمني المتجسدة في النظام الجمهوري الديمقراطي.
المعيار الثالث:
ويتمثل في الحفاظ على الوحدة الوطنية، والابتعاد عن التعصب الطائفي، أو السلالي، أو القبلي أو الحزبي.. وغيرها من التعصبات التي تمزق الوحدة الوطنية وتضر بمصلحة المواطن والوطن.
(ليس منا من دعا إلى عصبية) - حديث شريف-
وحين ينطلق الجميع من هذا المفهوم السليم للولاء الوطني، فإن الممارسات الخاطئة ستزول، وستختفي السلبيات على مستوى القاعدة والقمة في ظل الثقة والتلاحم بين الدولة، ومؤسساتها الدستورية والشعب، في الوقت الذي تعجز فيه كل المحاولات الخارجية عن جر الحاكم، أو جر المواطن إلى أي شكل من أشكال التبعية، كما تعجز كل النزعات الشريرة عن إثارة الولاءات والتعصبات الضيقة التي تضر بمصالح الوطن والمواطن، ففي المناخ الديمقراطي تموت هذه الولاءات والتعصبات الضيقة وتبقى الوحدة الوطنية قوة للشعب والدولة، لحماية البلاد وسيادتها واستقلالها.
ب- الوحدة الوطنية والوحدة العربية:
(1): الوحدة الوطنية:
إن الوحدة الوطنية هي القوة التي نواجه بها كل المخاطر التي تهدد كياننا واستقرارنا وسيادتنا الوطنية:
وبلادنا اليوم تمر بمرحلة هامة، الأمر الذي يقتضي ضرورة توحيد الجبهة الداخلية في موقف وطني موحد، يقوم على أسس محددة المعالم في جميع مجالات الحياة سياسياً واقتصادياً، واجتماعياً وثقافياً، تختفي معها التناقضات وتغيب الصراعات ليطغى على الموقف هدف واحد، هو توفير الضمانات الضرورية لحماية كيان اليمن، أرضاً وشعباً، من أي خطر خارجي أو داخلي يهدده وهذا يتطلب التجرد الكامل، على مستوى الشعب والسلطة -من كل الطموحات الذاتية المنحرفة التي تهدف إلى سلب السلطة، أو تهدف إلى الاستئثار بها، ومن كل رواسب الانتماءات الضيقة، والقضاء على مظاهر التفرقة والعصبيات، وعلى كل الارتباطات التي يترتب عليها الولاءات التي لا تخدم اليمن، بل تفرق أبناء الشعب، وتمزق صفوفهم.
إن الاتفاق على القضايا الأساسية، هو الوسيلة الوحيدة للتغلب على كل الظروف التي تؤدي إلى تباين المفاهيم، واختلاف التصور وتعدد المواقف مما يؤدي إلى تناقض أساليب التحرك لمواجهة الأخطار التي تهدد الجميع.
وقد اشتمل هذا الميثاق الوطني على المبادئ والقضايا الأساسية، التي تهم الجميع، بهدف الوصول إلى تلاحم جميع الفئات والعناصر الوطنية، شعباً وحكماً، وفي موقف واحد يتحرك في ظل الاستقرار والأمن - باتجاه تأكيد وترسيخ قواعد الحكم الجمهوري، على أسس ديمقراطية حقيقية، وتجسيد أهداف الثورة فكراً وسلوكاً، ودفع عجلة التنمية من أجل ازدهار وتقدم اليمن.
إن ذلك التلاحم يوجب انطلاق الجميع من موقف واحد في اتجاه واحد، في إطار المصلحة العليا، ومعالجة أي خلافات أو تناقضات بالطرق السلمية والديمقراطية، ونبذ كل وسائل الإرهاب والعنف من أية جهة كانت، لتبقى الوحدة الوطنية متماسكة.
إن الوصول إلى هذه الغاية، يوفر الظروف الموضوعية لترسيخ وحدة الوطن والحفاظ عليها في ظل نظامنا الجمهوري الديمقراطي الإسلامي الذي يكفل المساواة الكاملة في الحقوق والواجبات، وإتاحة الفرص أمام الجميع، ويضمن جميع الحريات للشعب، ويصون سيادة الوطن واستقلاله، ويحفظ لليمن قوته وفعاليته ومكانته
إن وحدة الوطن هي قدر شعبنا وضرورة حتمية لتكامل نموه وتطوره، وضمانة لقدرته على حماية كيانه وقدرته على أداء دور فعال وإيجابي على المستوى القومي والدولي.
وفي سبيل تجاوز كل التناقضات، فإن العمل بالأسس الدستورية والالتزام بأساليب الحوار الواعي، وتوفير المناخ الديمقراطي الحر النزيه، الذي يمكن الشعب من اختيار حكامه بملء إرادته الحرة، بعيداً عن أساليب القهر والإرهاب أو الغش أو التزوير، هو السبيل الوحيد لترسيخ الوحدة الوطنية بمضمونها الديمقراطي المعبر عن إرادة الشعب مستجيبين لإرادة الجماهير اليمنية صاحبة المصلحة الأساسية في الوحدة، مجنبين تبعيتها لأي جهة خارجية أياً كانت بطريقة مباشرة أو غير مباشرة
(2): الوحدة العربية:
إن التأكيد على وحدة بلادنا ليست دعوة إقليمية منغلقة، ولكنها تمثل الخطوة الأولى، التي كان لا بد منها كمقدمة نتمكن بها من الإسهام في تحقيق قيام الوحدة بين أقاليم الوطن العربي، وسيظل هدف ترسيخ وحدة بلادنا مرتبطاً ارتباطاً عضوياً بالعمل الوحدوي المشترك لكل أمتنا العربي، ضمن وحدة سياسية واقتصادية واجتماعية وعسكرية وثقافية شاملة بمحتواها الديمقراطي المعبر عن الإرادة الحرة للأمة العربية جمعاء.
إن إيماننا بالوحدة العربية يتأكد في تفاعلنا مع كل قضايا أمتنا العربية العادلة والمشروعة.. وأن نكون سنداً قوياً ودعماً حقيقياً لها ولا سيما قضية فلسطين التي تعتبر في مقدمة القضايا المصيرية، وفي بذل الجهود لإيجاد صيغة مشتركة لتحقيق التكامل الاقتصادي الذي يشكل المدخل السليم إلى الوحدة السياسية الكاملة، وبما أن العمل على ترسيخ الوحدة الوطنية يجب أن يكتسب بعده العربي، فإن تحقيق الوحدة العربية الشاملة يجب أن يكتسب بعده ومضمونه الإسلامي، قال تعالى: " إن هذه أمتكم أمة واحة وأنا ربكم فاعبدون " ( الأنبياء)
(ج): الحرية والديمقراطية:
1- الحرية:
الحرية هي فطرة الله التي فطر الناس عليها، وأي اعتداء عليها أو احتكار لها، لا يعتبر مجرد اعتداء على حق من حقوق الإنسان والمجتمع فحسب، بل إنه تحد لإرادة الله، وقد عبر عمر بن الخطاب رضي الله عنه عن هذه الحقيقة بقوله لوالي مصر عمر بن العاص: ( متى استعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحراراً ).
وقد قاوم الإنسان، والمجتمعات البشرية منذ أقدم العصور حتى اليوم - كل العوامل والأساليب والأنظمة التي شكلت أو تشكل عدواناً على الحرية، وجاءت الأديان السماوية لتضمن الحرية السياسية والاجتماعية للفرد والمجتمع.
وجاءت الثورة اليمنية، وكان هدفها الأول هو تخليص الإنسان من الظلم والقهر والاستبداد وإقامة نظام جمهوري إسلامي عادل، وإزالة الفوارق والامتيازات بين الطبقات، لتمكين الفرد والمجتمع من ممارسة الحريات، ممارسة حقيقية، خاصة والحكم الإسلامي أسبق من أي نظام آخر وأكثر حرصاً على كفالة الحقوق والحريات الشخصية والعامة، فهو لم يكتف بتقرير الحقوق والحريات وإلزام الدولة بتحقيقها وحمايتها، ولم يكتف بأن تضمن الدولة للمواطنين التمتع بهذه الحقوق والحريات، بل كان أكثر تطوراً وفاعلية، حيث جعل التمتع بها واجباً على المواطنين، يأثمون إذا تركوه.
وإذا كانت الحرية الشخصية -أو حرية الذات- محددة بأوامر الله ونواهيه، وفي نطاق " قدرة الإنسان على إتيان عمل لا يضر بالآخرين ".. فإن مضمون ذلك، أن تكون الحرية للمواطنين جميعاً، لا تفرقة بينهم ولا تمييز، وإذا جاز تنظيم الحرية الفردية، فإنما يكون ذلك بهدف حماية الإنسان - عند ممارسته حريته- من أن يضر نفسه أو يضر بحرية غيره، فليس الغرض من تحديد وتنظيم الحرية إلا الإبقاء عليها، وصيانتها من العبث والفوضى والانحراف.
إن الحرية مبدأ أساسي أكده الإسلام، وهي ضرورة من ضرورات الحياة في جميع المجتمعات البشرية، تنظمها الشرائع والدساتير والقوانين، وتكفلها المؤسسات الدستورية في الدولة، وتحميها وتحترمها هيئات ومؤسسات المجتمع المدني في جميع المجالات، إذ بالحرية يصبح كل فرد من أفراد المجتمع طاقة قادرة على العطاء والإبداع والإسهام في تطور الحياة.
ومن تلك المنطلقات أنه لا بد أن يملك الإنسان كفرد وكمجتمع، الحقوق الكاملة، التي تمكنه من ممارسة جميع الحريات الشخصية والعامة وأهمها.
- حق التعبير عن الرأي والفكر وبكل وسائل التعبير، وتمتع المواطنين بكافة الحقوق السياسية والمدنية.
- حق وحرية المشاركة لجميع أفراد الشعب في النشاط العام، وضمان حرية التنقل، وحرية اختيار العمل، وضمان حرية المواطن في بيته ووطنه، فلا يعتدي عليه بظلم أو قتل أو سلب، ولا يجوز اقتحام بيته ولا الدخول إليه إلا بإذنه، ولا يجوز إخضاعه للرقابة والتفتيش، أو مؤاخذته بالتهمة أو بالظن، وتجب حمايته من القبض التعسفي، ومنع تعدد الجهات التي تتولى القبض والحبس، وجعل ذلك مربوطاً بالقضاء، وفي هذه الحالة يجب إشعاره بالتهمة أو التهم الموجهة إليه وإعطاؤه فرصة حق الدفاع عن نفسه، ويحرم تحريماً قاطعاً إخفاء مكانه عن أهله وذويه، كما يحرم تحريماً قاطعاً استخدام أية وسيلة من وسائل التعذيب النفسي والجسدي ضد أي مواطن مهما كانت الأسباب.
" يا أيها الذي آمنوا إن جاءكم فاسق بنبأ فتبينوا أن تصيبوا قوماً بجهالة فتصبحوا على ما فعلتم نادمين " (الحجرات)
" يا أيها الذين آمنوا اجتنبوا كثيراً من الظن، إن بعض الظن إثم ولا تجسسوا ولا يغتب بعضكم بعضاً، أيحب أحدكم أن يأكل لحم أخيه ميتاً فكرهتموه، واتقوا الله إن الله تواب رحيم " (الحجرات)
( إن دماءكم وأموالكم حرام عليكم) (من خطبة الرسول في حجة الوداع)
- ضمان كل حقوق المواطنة لكل مواطن، فلا يحرم منها أو من جزء منها، وضمان تمتع كل مواطن بحقوق الجنسية، فلا تسقط عنه، ولا يطرد من الوطن، أو يمنع من العودة إليه.
2- الديمقراطية:
إن الديمقراطية المتكاملة -فكراً وسلوكاً هي الضمانة الأساسية لحماية الحريات.. ولقيام علاقات سوية متطورة بين مؤسسات الحكم، وبين الشعب والدولة، وبين الفئات الشعبية نفسها، وبين المواطن والوطن.
وإذا كنا اليوم نخوض تجربتنا الديمقراطية، فحري بنا أن نسجل خطوطها العريضة، وضوابطها المحددة في ميثاق يضرب بجذوره في أعماق تاريخنا الديمقراطي، ويصل الحاضر بالماضي وتتحدد به معالم المستقبل.
إن الديمقراطية تعني أن الدولة بمختلف سلطاتها حق الشعب، ومن ثم فالشعب مصدر السلطة جميعاً.
هذا التعريف للديمقراطية يعبر عن القاعدة الإسلامية في الحكم التي تقوم على الشورى، وحق الناس في اختيار حكامهم.
" والذين استجابوا لربهم وأقاموا الصلاة وأمرهم شورى بينهم ومما رزقناهم ينفقون " (الشورى)
وهكذا فإن الديمقراطية التي نؤمن بها ديمقراطية إسلامية تعلوا على مفهومي الفوضوية والديكتاتورية بجميع أشكالها، ديمقراطية تتحقق بها كرامة الفرد، وعزة الجماعة، فغاية الفرد إنما هي غاية الجماعة، إطارهما الالتزام بالإسلام عقيدة وشريعة.
وعلى هذا الأساس فإن الديمقراطية الحقة التي يجب أن تحكم سلوكنا وممارستنا في جميع مجالات الحياة، لا بد أن تقوم على الأسس الآتية:
- أن تكفل جميع الحقوق والحريات في إطار ذلك الالتزام فممارستها بعيداً عن الالتزام يسوق إلى الفوضى.. كما أن تحريم ممارسة تلك الحقوق والحريات يسوق إلى الطغيان، وكل منها يتنافى مع المبادئ الإسلامية والوطنية.
- أن يملك الشعب كل القدرة على اختيار من يمثلونه في مختلف المؤسسات الدستورية، وكل القدرة على استمرار مراقبتهم ومنعهم من الانحراف، حتى لا تكون وظائف المجتمع متوقفة على إرادة حاكم، وحتى لا يستأثر بها أحد، دون أحد ولا طائفة دون طائفة، ولا فئة دون فئة بل تتوزع بين أفراد الشعب جميعاً كل فيما يستطيع، وبكل ما يستطيع، فكل مواطن في الشعب لا بد أن يعطي حرية تامة - في حدود الشريعة والقانون - ليختار ما يشاء، ويستعمل قدراته لإتقان ما تميل إليه نفسه، جنباً إلى جنب مع حقه في المجتمع سواء كان ذكراً أم أنثى، فالمواطنون سواسية في حق التصويت وإبداء الرأي، وفي كل الحقوق والواجبات.
وعلى هذا الأساس فإن حق المشاركة في النشاط العام، وحق التمتع بكافة الحقوق السياسية والمدنية، وحق الترشيح والانتخاب، حقوق يجب أن تكون مكفولة لكل مواطن.
وعليه أيضاً، فإن حرية المعارضة يجب أن تكون مكفولة للأفراد والجماعات على حد سواء، يمارسونها بالأساليب الديمقراطية، جاعلين المصلحة الوطنية فوق أي اعتبار آخر.. لكي لا تصل ممارسة ذلك الحق إلى حد الإضرار بمفهوم الالتزام الذي يتحدد بمبدأ الطاعة لله، كما جاء في الأثر:
(لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق)
(أطيعوني ما أطعت الله فيكم، فإن عصيته فلا طاعة لي عليكم) (أبو بكر الصديق)
والديمقراطية تتنافى مع تركيز السلطة في يد فرد واحد أو في يد مجموعة من الأفراد، بل يجب أن تقوم على المؤسسات الدستورية المتمثلة في السلطة التشريعية للدولة وهي مجلس النواب الممثل للشعب، ويمارس أعماله على الوجه المبين في الدستور وفي السلطة التنفيذية التي تتمثل في رئيس الجمهورية، ومجلس الوزراء، ويمارس كل منهما سلطته التنفيذية نيابة عن الشعب ضمن الحدود المنصوص عليها في الدستور وفي السلطة القضائية المستقلة التي لا تخضع لسلطة إلا لسلطان الشرع والقانون.
ومن هنا فإننا عندما نتحدث عن الدولة، أو عن الحكم فإننا نقصد مجموعة المؤسسات الدستورية، ولا نقصد بها فرداً أو أفراداً يحكمون، فحكم الفرد أو الأفراد الذي لا توجد فيه مؤسسات دستورية لا يسمى دولة إلا على سبيل المجاز.
إن الديمقراطية التي يجب أن ننتهجها، والتي تقوم على المؤسسات الدستورية، تتسع لأصول الحكم بكل ما فيها من شمول، فهي لا تخرج بها من دائرة التسلط الفردي أو الجماعي فحسب، ولكنها تخرج بها من الصبغة المحلية إلى الصبغة الإنسانية، فالرسول عليه الصلاة والسلام بشير ونذير، والأمر بينه وبين أمته قائم على الشورى ومكارم الأخلاق.
والحاكم يتولى الحكم عن المحكومين، والشعب هو المرجع في كل سلطان، ليس لأحد حق العسف والطغيان، ولا لأحد حق الفتنة والعصيان، أي ليس لأحد حق الحكم، أو حق المعارضة خارج الضوابط والقواعد والأصول الديمقراطية المحددة في الدستور ولهم في نطاقها حق الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر كل فيما يعلم وحسبما يستطيع.
( الدين النصيحة) -حديث شريف-
ولا سيادة لنسب، ولا لمال، ولا لفرد، ولا لطائف أو شلة من الناس، ولكن المواطنين جميعاً بنية واحدة تستمد حياتها من كل عضو، وتمد كل عضو بحياته، ويقوم بنيانها في ظل دولة المؤسسات الدستورية، على التعاون والتكافل والمحبة والإخاء.
وعلى هذا الأساس فإن نظامنا الجمهوري نظام ديمقراطي شوروي نيابي يقوم على العددية الحزبية وتداول السلطة سلمياً، ويتجسد في دولة المؤسسات الدستورية، ويقوم على مبدأ الفصل بين السلطات، مع توضيح وبيان اختصاصات كل سلطة، وأوجه التعاون والتنسيق في العلاقات بين السلطات الدستورية.
وحرصاً على سلامة الممارسة للتعددية الحزبية ونزاهتها من جهة وصوناً للوظيفة العامة والمال العام من جهة أخرى، فإنه لا يجوز تسخير الوظيفة العامة أو المال العام لمصلحة خاصة بحزب أو تنظيم سياسي معين.
وبما أن الشعب هو مصدر السلطات، فإنه الذي ينتخب رئيس الجمهورية في انتخابات تنافسية، بناءً على تزكية مجلس النواب طبقاً للدستور، كما أن مجلس النواب يستفتي في القضايا المصيرية والهامة التي يقرر رئيس الجمهورية إجراء استفتاء عام بشأنها، كما أن الشعب هو الذي ينتخب ممثله في مجلس النواب الذي يتولى إقرار القوانين والسياسة العامة للدولة والخطة العامة للتنمية الاقتصادية والاجتماعية والموازنة العامة للدولة والخطة العامة للتنمية الاقتصادية والاجتماعية والموازنة العامة والحساب الختامي، وهو الذي يمنح الثقة للحكومة، أو يحجبها عنها أو يسحبها منها وله الحق في محاسبتها كمجموعة أو محاسبة أي وزير مشترك فيها ضمن ممارسته لمهام الرقابة على الهيئة التنفيذية.
وبما إن مجلس النواب ينوب عن الشعب، فإن ممارسته الديمقراطية لحقوقه، ومباشرته لمسؤولياته، لا تنصرف لحق في ذات أعضائه، ولا لحق يحصره العضو لمصلحة دائرته الانتخابية، ولكنها النيابة عن الشعب كله، فاستعمالها هو حق أصلي له، فهم المسئولون عن تأدية الواجب، ويقع عليهم إثم التقصير، وإذا كان مجلس النواب يمثل سلطة التشريع والرقابة، وكان مجلس الوزراء هو الحكومة، وهو الهيئة التنفيذية والإدارية العليا للدولة التي تتولى تنفيذ السياسة العامة للدولة في المجالات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية والدفاعية، واقتراح مشاريع القوانين واقتراح تعديل القوانين النافذة، ويتبعها جميع الإدارات والأجهزة والمؤسسات التنفيذية التابعة للدولة بدون استثناء، فإن رئيس الوزراء والوزراء مسئولون في نفس الوقت مسئولية جماعية عن أعمال الحكومة أمام رئيس الجمهورية ومجلس النواب، وإذا كانت مؤسسات القضاء والقضاة يمثلون السلطة القضائية، ويتولى المحاكم الفصل في جميع المنازعات والجرائم بدون استثناء فإن رئاسة الدولة هي رمز سيادة الوطن واستقلاله، ورمز وحدة الدولة ومركزيتها، ورمز الوحدة الوطنية حيث يتولى رئيس الجمهورية العمل على تجسيد إدارة الشعب واحترام الدستور والقانون وحماية الوحدة الوطنية ومبادئ وأهداف الثورة اليمنية والالتزام بالتداول السلمي للسلطة والإشراف على المهام السيادية المتعلقة بالدفاع عن الجمهورية وتلك المرتبطة بالسياسة الخارجية للدولة ويمارس صلاحيته على الوجه المبين في الدستور، وأمام هذه المسؤوليات الوطنية الهامة والجسيمة، فإن رئاسة الدولة بما ترمز إليه -من معان عظيمة- يجب أن ترتفع فوق الخلافات التي قد تحدث بين سلطات الدولة، أو داخل أجهزة الحكومة، أو بين الحكومة وبين فئات شعبية أو أحزاب أو منظمات، أو بين الفئات الشعبية أو الأحزاب والتنظيمات السياسية نفسها، لتساعد على حصر وحل كل الخلافات داخل الإطار الديمقراطي.
كما إن على رئاسة الدولة أن ترتفع فوق الطموحات الذاتية، التي قد تدفعها إلى انتهاج أساليب غير دستورية، بهدف التدخل أو السيطرة على شؤون الحكم.
إن صلة رئاسة الدولة بالحكومة صلة المشاركة الكاملة في وضع السياسة العامة للدولة، ووضع الخطوط العريضة لبرامج التنمية، وفي مناقشة القضايا التي تهم البلاد، وفي دعوة الحكومة للاجتماع برئاسة رئيس الدولة لمناقشة أي رأي أو قضية يرى ضرورة مناقشتها.
كما أن صلتها بالسلطة التشريعية - مجلس النواب- صلة تتمثل في واجب دعوة الناخبين إلى انتخاب مجلس جديد قبل انتهاء مدة المجلس بستين يوماً على الأقل ودعوة مجلس النواب إلى عقد أول اجتماع له خلال أسبوعين على الأكثر من إعلان نتائج الانتخابات وفي إصدار القوانين بعد إقرارها من مجلس النواب، وطلب إعادة النظر في أي منها والتصديق على المعاهدات والاتفاقيات التي يقرها المجلس، كما تتمثل هذه الصلة في حق رئيس الجمهورية، دعوة مجلس النواب لدورات انعقاد غير عادي لمناقشة ما يرى ضرورة عرضه على المجلس من قضايا هامة.
هذه الصلة بالسلطتين التنفيذية والتشريعية، يجب أن تستهدف مساعدة السلطتين على تحمل المسؤوليات وأدائها بشكل أفضل، وترسيخ قواعد السلوك الديمقراطي لتصبح حياة معاشه، وهي صلة يجب أن تكون ملتزمة بالدستور نصاً وروحاً.
ورئاسة الدولة -بما ترمز إليه من معاني عظيمة- هي عامل التوازن والاستقرار والانسجام في نطاق السلطات الدستورية وهذه مهمة من أعظم مسؤولياتها طبقاً لقواعد الدستور، تؤدي أعظم عمل يخدم المصلحة العليا للوطن، وهو حماية الدستور وترسيخ قواعد الديمقراطية.
وبما أن رئاسة الدولة تسهم وتشارك في وضع السياسة العامة للدول، ووضع برامج التنمية، وفي مناقشة القضايا والقوانين التي تهم البلاد، دون التدخل في اختصاصات السلطات الدستورية، ودون التدخل في الشؤون التنفيذية، فإنها ليست مسئولة أمام مجلس النواب، إلا في حالة اتهامها بخرق الدستور، أو بالخيانة العظمى فتحاسب طبقاً للدستور، حيث لا مسؤولية بلا سلطة، ولا سلطة بلا مسؤولية، وذلك هو مفهومنا للديمقراطية السياسية.
وفي مجال ممارستنا للديمقراطية الاقتصادية، فينبغي أن تقوم على أساس عدم الاستغلال، وتحريم المغالاة والاحتكار، واحترام العمل، واحترام الملكية الخاصة، فلا يجوز أخذها أو مصادرتها إلا لمصلحة عامة، وبتعويض عادل، وعلى تساوي الناس في عدل القانون، فلا تكون الفوارق بينهم سبباً في استغلال الأقوياء علم الضعفاء، أو في اغتصاب المالكين حق المحرومين، محكومة بأخلاق إسلامية تحرم الربا، والاستغلال، والاحتكار، والغش وكل كسب حرام، لا سيادة فيها لطبقة دون طبقة ولا استئثار بالسلطة لأحد دون أحد.
ولكي نتمكن من الممارسة العملية للديمقراطية بهذا الشموخ والشمول، فلا بد أن تكون أسسها الدستورية واضحة المعالم، مفصلة بكل دقة وتحديد في الدستور، بحيث تتحدد المسؤوليات والاختصاصات، ويزال أي تداخل أو تضارب أو ازدواجية، لأن وجود ذلك يؤدي إلى الضياع والانفلات، والتهرب من تحمل المسؤولية مما يضر بمصلحة الوطن والمواطن.
كما يجب أن تبين الشروط الواجب توافرها فيمن يختار لرئاسة الدولة، ومدة الرئاسة، أو يختار ممثلاً للشعب في مجلس النواب، أو يختار رئيساً لمجلس الوزراء، أو زيراً في المجلس، وإلى جانب الشروط الخاصة بكل مؤسسة دستورية، فإن الشروط المشتركة التي يجب أن تتوافر في جميع موظفي الدولة والمؤسسات التابعة لها هي:
الاستقامة، والأمانة، والورع، والسمعة الحسنة، والقدرة الذاتية على أداء الواجب.
كما يجب أن يبين المقياس الديمقراطي في مجال اتخاذ القرارات على مختلف المستويات والمؤسسات، وهو أن ما تختاره الأكثرية يصبح قرار الجميع الملزم، ويجب على كل فرد الالتزام به، وإن اختلف مع رأيه.. (فيد الله مع الجماعة) ما لم يتناقض ذلك مع المبادئ الأساسية للدستور المنبثق من الشريعة الإسلامية.
وتوفيراً للضمانات التي تحمي الحريات والحقوق، وتحمي ديمقراطية الحكم من أي عدوان أو تحايل يستهدف القضاء عليها، أو الانحراف بها عن مسارها الصحيح، أو إفسادها بأي شكل من الأشكال، يجب ضمان استقلال السلطة القضائية مالياً وإدارياً وقضائياً، وتحريم أي تدخل في أعمال القضاة من خارج السلطة القضائية، وعدم خضوعهم إلا لسلطان الشريعة والقانون النابع منها، لذلك يجب أن يكون رؤساء وأعضاء المؤسسات القضائية من داخل السلطة القضائية نفسها ضماناً لاستقلال القضاء، ويتولى المجلس الأعلى للقضاء دراسة وإقرار مشروع موازنة القضاء تمهيداً لإدراجها رقماً واحداً في الموازنة العامة للدولة.
وبما أن مبدأ سيادة القانون مبدأ مقدس، فيجب النص على أن عزل ومحاسبة القضاة وتطهير سلطة القضاء من أي عنصر لا تؤهله كفاءته أو لا تؤهله نزاهته البقاء داخل السلطة القضائية، يجب أن يتم بواسطة السلطة القضائية، يجب أن يتم بواسطة السلطة القضائية نفسها، ولا يجوز أن يأتي من خارجها، فلا حرية بلا ديمقراطية، ولا ديمقراطية بلاد حماية، لوا حماية بدون تطبيق سيادة القانون.
ولكي يرتفع القضاة، والمؤسسات القضائية إلى هذا المستوى الرفيع يجب العمل على اختيار القضاة ممن تتوفر فيهم الكفاءة والنزاهة والإيمان الصادق، ولا ينتمون لأي حزب أو تنظيم سياسي.
كما يجب تقوية وتطوير أجهزة القضاء، وتحديث وتبسيط وسائل التقاضي، بما يشمل حماية القضاة أنفسهم، ويضمن تنفيذ أحكام القضاء عن طريق الأجهزة القضائية، تمكيناً لها من مواجهة التطورات الجديدة، عن طريق استكمال التشريعات القضائية، والدفع بالمتخصصين في مجال الشريعة والقانون للالتحاق بالعدل والنيابة العامة.-
الباب الثالث-
الإدارة
العدل الاجتماعي والتنمية الاقتصادية
التربية والثقافة
أ) الإدارة:
إننا ونحن في بداية تكوين الدولة اليمنية الحديثة، بسلطتها الدستورية وهياكلها التنفيذية، والاجتماعية، والاقتصادية، والثقافية، واستكمال أجهزتها التنفيذية، لا بد لنا أن نستفيد من تجاربنا، وتجارب الآخرين، من خلال دراسة موضوعية لتلك التجارب، ومعرفة الآثار السلبية، لنزيلها ونتجنبها، والآثار الإيجابية لنقويها ونطورها، وصولاً إلى بناء الدولة الحديثة بناءً سليماً شاملاًن يجعلها قادرة على تحقيق السعادة والرفاهية، والحرية للإنسان، باعتباره محور القضية كلها. ومشمولية البناء الدولة ترتكز على شمولية الممارسة والمشاركة الديمقراطية على كل المستويات وفي جميع المجالات.
وإذا كانت الدولة منذ قيام الثورة اليمنية قد أنشأت الكثير من الهياكل الإدارية ، وحاولت أن تجعلها قائمة على أحدث الأسس العلمية،فإن فعالية هذه الهياكل قد ظلت قاصرة ورافقها الكثير من الضعف والسلبيات.
ولذلك لابد من اتخاذ كل الخطوات العلمية المدروسة، لاستكمال بناء هياكل الدولة،على أسس علمية، لتغيير الواقع إلى ما هو أفضل، وخلق مناخ تنمو وتتعمق فيه الثقة بين المواطن والدولة، وبذلك يرتبط الولاء للوطن بالولاء للدولة التي تحمي الأرض، وتصون حريات الشعب ومصالحه ويصبح الانتماء للوطن والدولة أقوى وأعمق من الانتماءات الضيق التي تقوى في غياب الثقة المتبادلة بين السلطة والشعب.
ولن نصل إلى هذه الغاية، إلا إذا طبقنا مبدأ المشاركة الشعبية الشاملة، وعن طريق تحقيق خطوتين أساسيتين.
الخطوة الأولى:
بناء الدولة المركزية الديمقراطية القوية المستنيرة، بمؤسساتها الدستورية وأجهزتها التنفيذية، وتتمثل صلاحيات الحكم المركزي الأساسية في مركزية:
- السلطات الدستورية ، ومركزية التشريع.
- رئاسة الدولة ووحدتها، أرضاً وحكماً وشعباً.
- وضع وإقرار السياسة العامة للدولة داخلياً وخارجياً.
- بناء المؤسسات العسكرية والأمنية.
- التخطيط والبرمجة الشاملة.
- الإشراف والتوجيه والتنسيق والمراقبة.
- الضرائب والرسوم العامة.
- ممارسة المهام المركزية المنوطة بالسلطة المركزية حسب القوانين المتعلقة بالإدارة المحلية، وفي مقدمة ذلك مهام الرقابة على أعمال المجالس المحلية.
الخطوة الثانية:
تحقيق مبدأ المشاركة على المستوى المحلي، عن طريق تطبيق نظام الإدارة المحلية، تطبيقاً حقيقياً يجعل المواطنين في الوحدة الإدارية يزاولون حقهم في اختيار أعضاء مجلسهم المحلي، ليتولى المشاركة في إدارة المنطقة، وحل مشاكلها وتنفيذ مشاريع التنمية فيها طبقاً للسياسة والخطة العامة والقوانين الصادرة من السلطات المركزية، بحيث تقسم أراضي الجمهورية اليمنية إلى وحدات إدارية يبين القانون عددها وحدودها وتقسيماتها، والأسس والمعايير العملية التي يقوم عليها التقسيم الإداري كما يبين القانون طريقة ترشيح وانتخاب واختيار رؤسائها ويحدد اختصاصاتهم واختصاصات رؤساء المصالح فيها وتتمتع الوحدات الإدارية بالشخصية الاعتبارية ويكون لها مجالس محلية منتخبة انتخاباً حراً مباشراً ومتساوياً على مستوى المحافظة والمديرية وتمارس مهماتها وصلاحياتها في حدود الوحدة الإدارية، وتولى اقتراح البرامج والخطط والموازنات الاستثمارية للوحدة الإدارية ، كما تقوم بالإشراف والرقابة والمحاسبة لأجهزة السلطة المحلية وفقا للقاًنون، ويحدد القانون طريقة الترشيح والانتخاب للمجالس المحلية ونظام عملها ومواردها المالية وحقوق وواجبات أعضائها، ودورها في تنفيذ الخطط والبرامج التنموية وجميع الأحكام الأخرى المتعلقة بها، وذلك بمراعاة اعتماد اللامركزية الإدارية والمالية كأساس لنظام الإدارة المحلية، وتعتبر كل من الوحدات الإدارية، والمجالس المحلية جزءً لا يتجزأ من سلطة الدولة، ويكون المحافظون محاسبين ومسئولين أمام رئيس الجمهورية ومجلس الوزراء وقراراتهما ملزمة لهم، ويجب عليهم تنفيذها في كل الحالات ويحدد القانون طريقة الرقابة على أعمال المجالس المحلية.
وتقوم الدولة بتشجيع ورعاية هيئات التطوير التعاوني على مستوى الوحدات الإدارة باعتبارها من أهم وسائل التنمية المحلية، فلقد كانت التجربة التعاونية بما حققته من إنجازات ونجاحات دليلاً قاطعاً على أن المواطنين في مختلف الوحدات الإدارية إذا ملكوا حرية اختيار من يمثلهم فإن لديهم الوعي والقدرة على فهم مشاكلهم وعلى حلها، وعلى الإسهام البناء في تنفيذ المشاعر وعلى اكتشاف الكفاءات المغمورة التي تخدم وحداتهم الإدارية، وهم لذك جديرون بممارسة نظام الإدارة المحلية، الذي هو حق من حقوقهم أكده الدستور، وكل الدساتير التي صدرت منذ قيام الثورة اليمنية، وكان هدفاً من أهداف ثورة 1948م بل إن نظام الإدارة المحلية هو النظام الذي كان سائداً في دول الحضارة اليمنية القديمة، وكان من أهم عوامل قوة الدول المركزية حينذاك.
ومجالس الإدارة المحلية في عموم الوحدات الإدارية هي الأداة القادرة على مواجهة المشاكل وحلها، والقادرة على التغلغل والتفاعل مع المواطنين في الوحدات الإدارية، الأمر الذي يوفر الاستقرار النفسي والسياسي وترسخ الثقة ويخفف في الوقت ذاته الضغط على أجهزة الحكومة المركزية مما يرد إليها من مشاكل وقضايا من مختلف مناطق الوحدات الإدارية تقضي فيها الأجهزة المركزية معظم أوقاتها دون جدوى بل وتصرفها عما هو مطلوب منها، من التفرغ للتخطيط والبرمجة وبناء السياسة العامة للدولة وتقوية مؤسساتها العامة، وتأهيل كوادرها الإدارية والفنية والعملية وترسيخ الممارسة الديمقراطية في سلطاتها الدستورية وعلى كل المستويات في جميع الوحدات الإدارية.
إن مجالس الإدارة المحلية المنتخبة هي القنوات الطبيعية، التي تستمد منها الدولة المركزية قوتها وتواجدها الفعال على كل أجزاء الوطن، وقدرتها على حماية الأرض والسيادة والاستقلال وحماية حقوق ودماء وأموال وحريات المواطنين جميعاً ولكي تستطيع السلطات المركزية استيعاب هذه القوة وتوظيفها توظيفاً إيجابياً، لا بد أن تكون أجهزتها المركزية قوية وقادرة تتصف بالكفاءة والنزاهة لتمارس صلاحياتها المركزية بجدارة وأمانة وتحسن اختيار مندوبيها وممثليها في مختلف أجهزة السلطة المحلية في الوحدات الإدارية وتتمكن من خلال ممارستها لصلاحيات التخطيط والإشراف والمراقبة،
وصلاحية توزيع مسؤوليات التنفيذ واستيعاب التقارير الدورية التي ترد إليها من مختلف الوحدات الإدارية وحل المشاكل بالتعاون والتنسيق مع مجالس الإدارات المحلية ومعرفة ما يدور في جميع أنحاء البلاد ومتابعته بأسلوب ديمقراطي قوي وشامل وبذلك يتكامل بناء الدولة الديمقراطية الحديثة القادرة على تحمل مسؤوليات الحكم ليكون الترابط العضوي بين الشعب والدولة أساس تماسك البنية الاجتماعية في جبهة داخلية موحدة، تحقق الاستقرار والأمن والطمأنينة وتمكن الدولة والمجتمع معاً من حشد كل القوى البشرية وتسخير كل الإمكانات المادية في تفاعل إيجابي خلاق لتحقيق التنمية الشاملة، وبناء الحياة الكريمة للإنسان، والمجد والسيادة للوطن.
ب) العدل الاجتماعي والتنمية الاقتصادية:
لقد انطلقت الثورة اليمنية الرائدة في دعوتها إلى العدل الاجتماعي من فهم مدرك وواع للمبادئ الإسلامية الحقة، وتعاليمه الإنسانية إحساساً صادقاً بمشاكل جماهير شعبنا ومعاناتها واحتياجاتها وطموحاتها المشروعة والعادلة.
وإذا كان انتشار الظلم الاجتماعي بكل صوره سمة عهود ما قبل الثورة، فإننا مطالبون اليوم ببذل أقصى الجهود لتحقيق العدل الاجتماعي.
فالعدل الاجتماعي هو التطبيق الواقعي للقيم المنبثقة عن الإسلام، بحيث يسود بين أبناء مجتمعنا اليمني جو من الحب والتعاون والإيثار بما يحمله من معان إنسانية شاملة لكل جوانب الحياة الإنسانية ومقوماتها يتناول جميع مظاهر الحياة وجوانب النشاط فيها كما يتناول الشعور والسلوك والضمير والوجدان فتمتزج فيه القيم المادية بالقيم الروحية وتغدو القيم الاقتصادية والاجتماعية حلقة من حلقاته في تعادلية تحقق تكافؤ الفرص والعدل بين الجميع، وإطلاق الطاقات الفردية والعامة في حدود منهج الله وشرعه.
إن من العدل الاجتماعي إن تفتح أبواب العمل ليختار المواطن منها ما تؤهله له كفاءته وميوله ولا يفرض عليه عمل معين إلا إذا تعين لمصلحة المجتمع، كما لا تسد في وجهه أبواب العمل إلا إذا كان مخالفاً لأحكام الشريعة الإسلامية.
والتكافل الاجتماعي من أهم السمات في العدل الاجتماعي ليتحقق من خلاله لكل فرد ما يكفل له في المجتمع حياة إنسانية لائقة تتوفر له فيها على أقل تقدير حاجات الحياة الضرورية.
وإذا كنا نتوخى في العدل الاجتماعي أن يكفل للفرد التحرر من العوز والتحرر من الاستعباد والاستغلال الاقتصادي وإيجاد الظروف الملائمة، التي يمكن فيها لأي فرد إن يستغل مؤهلاته وإمكاناته أحسن استغلال، فإننا نحقق في العدل الاجتماعي المصلحة العامة (ومصلحة المجتمع من كل فرد لكل فرد) ونشاط الفرد في ظل العدل الاجتماعي لن يخرج عن حقه في (الاستعمال) وحقه في (التصرفات) وحقه في (الاستثمار والتنمية) من خلال ضوابط التحليل والتحريم والاختيار على نحو ما حددته الشريعة الإسلامية.
ومفهومنا لقضية تذويب الفوارق بين الطبقات إنما يقوم على أساس من إيماننا بمبدأ المساواة المطلقة بين كل أفراد مجتمعنا، من حيث القيمة الاجتماعية والكرامة الإنسانية علاوة على الحقوق والواجبات وهذا لا يعني بالطبع المساواة المطلقة في الدخول أو الأجور، إذ لا بد أن يتفاوت المواطنون في ذلك بحسب ما يقوم به كل منهم من جهد وعمل نوعاً وحجماً على أنه لا يجوز لأي كان الإثراء بطرق غير مشروعة ولا عادلة من خلال ممارسة أي نوع من أنواع الظلم والاستغلال والاحتكار أو الجشع أو الاختلاس أو الارتشاء أو المراباة أو الغصب أو السرقة .. إلى أخر ما حدده الإسلام وحرَّمه.
فالحياة الاجتماعية تعاون وتكافل وإطلاق للطاقات الفردية والعامة وليست صراعاً طبقياً ولا حقداً وخصاماً.
إن اتساع قاعدة الإنتاج ورفع مستواه وازدياد معدلاته وعدالة علاقاته أمر على جانب كبير من الأهمية في معركتنا ضد التخلف وللوصول إلى مستوى الكفاية بقيمها المادية والروحية.
وعليه فإننا نهدف في نظامنا الاقتصادي إلى تنمية الإنتاج ومضاعفته وعدالة التوزيع لضمان إشباع حاجات المجتمع الأساسية وتمكينهم من تأمين حاجاتهم من غير إسراف ولا تبذير وصولاً إلى تقريب الشقة بين مختلف الطبقات بما من شأنه تحقيق العدالة والرفاهية لكل أفراد المجتمع، آخذين في الاعتبار عدم طغيان القيم المادية على سائر القيم الإنسانية فيد الإنسان على الثروة يد عارضة والكون كله ملك الله تعالى وقد جعل الله الإنسان خليفة في أرضه استخلفه على ماله، وامتحنه فيه وداوله بين عباده.
" وأنفقوا مما جعلكم مستخلفين فيه " (الحديد)
" لله ملك السموات الأرض وما فيهن " (المائدة)
والملكية التي نقرها ونحميها هي تلك التي تعين على تحقيق مقاصد الإسلام، وتقوم قياماً مشروعاً وتتحرك حركة مشروعة.
ويتمثل القيام المشروع للملكية في عائد العمل وعائد رأس المال من خلال الموازين الإسلامية وكذا في صور الدخول المشروعة الأخرى كالإرث والوصية والهبة والصدقات، والعلاقة الإنتاجية بين العمل ورأس المال علاقة مشاركة عمدت فيها الشريعة الإسلامية إلى ضمان حقوق المالك في ملكيته وحقوق العامل في عمله بحيث تحقق تكافؤ الفرص بين الناس وتحول دون السيطرة والاستغلال وتجعل الدخول مشروعة متكافئة مع العمل المنتج سواء في مجال الزراعة أو التجارة أو الصناعة أو غيرها من الأعمال الاقتصادية.
كما أن العلاقة بين المالك والمجتمع محكومة بأحكام الشريعة الإسلامية.
إن الملكية الفردية المشروعة مصونة ولا تنزع إلا بقانون لمصلحة عامة وبتعويض عادل وتعتبر وظيفة اجتماعية ولكي تتمكن الدولة من توزيع الدخول والثروة توزيعاً عادلاً بين أفراد المجتمع فمن حقها أن تحقق التنافس المشروع بين القطاع العام والخاص والتعاوني والمختلط وتحقيق المعاملة المتساوية بين جميع القطاعات وسن تشريعات الضرائب التصاعدية وتنظيم الأجور وتطبيق مفهوم الضمان الاجتماعي وغير ذلك من الوسائل الاقتصادية ولاجتماعية فالزكاة بكل أنواعها هي الحق الأدنى في المال وتوجه في مصارفها المحددة.
والضرائب تفرضها الدولة إذا دعت الحاجة طبقاً لأحكام الشريعة.
(إن في المال حقاً سوى الزكاة)
وفي الوقت الذي يحقق العدل الاجتماعي رعايته للملكية الفردية فنهاك الملكية العامة التي يأذن فيها الشارع للجماعة في الانتفاع بالعين مثل الطرق والمرافق العامة والخدمات العامة.
وهناك الملكية الخاصة بالدولة وهي ما تقتضي المصلحة العامة تملكه كمصادر الثروة الطبيعية، أو ما تستهلكه الدولة للمصالح العامة.
إن الاقتصاد الذي يرمي الميثاق إلى بنائه هو الاقتصاد القوي المنبثق عن تصور سليم من عقيدتنا يربط بين المادة والروح وبين الحرية وضوابطها والقائم على التخطيط العملي والبرمجة.
ولا بد أن يتجه القطاع الخاص والعام والمختلط والتعاوني إلى مجالات التنمية الإنتاجية زراعياً وصناعياً.
ولذا فإن خطتنا الاقتصادية والتنموية يجب أن تتسم بالنظرة الشمولية لتحقيق سياسة اقتصادية تنتقل بنا من المرحلة الحالية التي نعتمد فيها اعتماداً أساسياً على الاستيراد والتمويل الخارجي إلى مرحلة الاكتفاء الذاتي والاعتماد على النفس مشجعين الاستثمارات الخاصة والمختلطة وطنية كانت أو عربية أو أجنبية دونما ظلم أو استغلال لأحد.
وذلك من خلال مرتكزات أساسية للانتعاش الاقتصادي المتكامل في شتى الميادين والمتمثلة في :
1- البناء الهيكلي الأساسي:
والذي يعنى بالتوسع في بناء الموانئ والطرق والمطارات والمؤسسات الخدمية والمرافق العامة والتي تسهل حركة الناس والمنتجات وتجعل عوامل الإنتاج متفاعلة بصورة متكاملة.
كما أنه لا بد من التوسع في مشاريع المياه والطاقة الكهربائية للصناعة والاستهلاك العام والعمل المستمر على ضرورة تأمين وسائل الاتصال السريع داخل البلاد ومع الخارج باعتبار أن ذلك عامل له أهميته في مجال التنمية الشاملة وفي الحفاظ على تحقيق الترابط العضوي بين أبناء الوطن داخلياً، وفي تواجد الشخصية اليمنية وسط المنظومة العربية ودول العالم.
2- الزراعة والثروة السمكية:
لقد كانت الزراعة ولا زالت إلى يومنا هذا المصدر الرئيسي للدخل في بلادنا كما أنها الميدان الغالب لعمل السواد الأعظم من اليمنيين.
ولهذا فإن خطتنا الزراعية يجب أن ترتكز على تطبيق أحدث وسائل العصر في المجال الزراعي وتقديم الخدمات والإرشادات ومكافحة الآفات وتوفير أفضل أنواع البذور وتنويع الإنتاج الزراعي وكذلك الاهتمام باستصلاح الأراضي الزراعية وزراعة المهجور منها واستغلال مياه الأمطار ببناء السدود والحواجز والقنوات واستخدام المياه الجوفية وتشجيع الجمعيات الزراعية وتثبيت علاقات عادلة بين المزارعين ومالكي الأراضي الزراعية كل ذلك يعتبر من الوسائل المؤدية إلى مضاعفة الإنتاج الزراعي وبالتالي تقوية الاقتصاد الوطني وعلينا أن نسعى إلى تحقيق أكبر قدر ممكن من الاكتفاء الذاتي في غذاء المواطنين وفي تلبية احتياجات الصناعة من المواد الأولية الزراعية وفي تحقيق فائض من الإنتاج لغرض التصدير الذي يدعم الميزان التجارية.
وفي هذا المجال فإنه يجب العناية بالمبادرات الخاصة والعامة ويأتي في مقدمة المصادر الأساسية التي تحقق هذه الأهداف الثروة السمكية التي يجب التركيز على حسن الاستفادة منها وتشجيع الاستثمار فيها وحمايتها والاهتمام بالجمعيات الزراعية التعاونية وإيجاد الكوادر المؤهلة وتشجيع المزارعين على التفرغ للعمل الزراعي بالحوافز والإرشاد، وضمان تسويق المنتجات بالأسعار المجزية وحمايتها من المنتجات المستوردة وإيجاد مخازن التبريد وصوامع الغلال في المناطق الزراعية، والمدن الرئيسية بهدف الاحتفاظ بالمنتجات الزراعية أطول مدة ممكنة ثم تسويقها بحسب الطلب والاحتياج.
3- الصناعة:
إن الهدف الرئيسي والتوجه الأساسي لخطتنا الاقتصادية والتنموية يجب أن يكون مبنياً على تنمية القدرة الذاتية لاقتصاد البلاد تدريجياً بحيث يزداد الاعتماد على المصادر المحلية بشكل مضطر لذلك فإن هدف العمل على تنشيط الصناعة والعناية بها يجب أن يسبح محوراً رئيسياً للنشاط الإنمائي خلال المرحلة القادمة.
وفي هذا الصدد يجب أن ترتكز الخطة على الصناعات التي تخدم خطة التنمية وتخدم التوسع الزراعي وتوفر المواد والسلع والتي يغلب استهلاكها في الأسواق وخصوصاً تلك الصناعات التي تتوفر موادها الأولية في بلادنا سواء كانت هذه المواد والخامات من مصدر زراعي أو صناعي أو استراتيجي والاهتمام بالصناعات الحرفية المحلية وتشجيعها وتقديم الدعم لها.
كما أن على الدولة التركيز على استغلال ثروات البلاد المعدنية والبترولية ومواصلة الجهود للبحث عنها واستخراجها مستخدمة في ذلك أحدث الوسائل العلمية التي توصل إليها الإنسان في هذا المجال واضعين نصب أعيننا هدفاً واضحاً هو سيادة الشعب على ثرواته الطبيعية والقدرة على إيجاد مواد كافية وثابتة تضمن رخاء المجتمع وسعادة الإنسان في بلادنا.
4- التجارة الداخلية والخارجية:
في مجال التجارة الداخلية والخارجية لا بد من وضع خطة مدروسة بدقة وعناية تراعي حرية النشاطات التجارية التي يزاولها القطاع الخاص والقطاع المختلط والقطاع العام في نطاق الضوابط الآتية:
1- ترشيد الاستيراد حسب الاحتياجات الفعلية من السلع الاستهلاكية وتوفير المواد الأساسية والغذائية وتوزيعها بشكل يضمن توفرها في جميع مناطق الجمهورية.
2- اتخاذ التدابير الضرورية التي تمكن مؤسسات القطاع العام والمختلط والتعاون من الإسهام في المجال التجاري منسقة فيما بينها طبق الخطة المدروسة بهدف توفير وتوزيع السلع التجارية وبيعها بأسعار معقولة تراعي الخدمة العامة أكثر مما تراعي الربح لتخفيف ارتفاع تكاليف المعيشة.
3- يجب أن تخضع المواد والآلات الإنتاجية اللازمة للصناعة والزراعة والنقل لمراقبة دقيقة بهدف توفير جودة النوعية والصيانة وتوفير قطع الغيار وبيعها بأسعار تنتفي منها المغالاة وإلزام المستوردين بتدريب وتأهيل الكوادر اليمنية.
4- وضع نسب معقولة للربح وتحديد الأرباح على ضوء ذلك ووضع الضوابط والتشريعات الضرورية لتنقية العمل التجاري من كل الشوائب والسلبيات وتقوية أجهزة الرقابة للقضاء على المغالاة والجشع.
5- نشر الوعي التمويني والتجاري بمختلف الوسائل حتى تصبح الرقابة الشعبية على نشاطات الأسواق المحلية عنصراً أساسياً في تنفيذ الخطة العامة ودعماً لرقابة أجهزة الدولة.
5- القوى البشرية:
إن الخطط الاقتصادية والتنموية مهما بلغت دقتها لا يمكن تحقيقها وتنفيذ ما جاء فيها من مشاريع دون وجود العنصر البشري المؤهل القادر على الإنتاج.
فالإنسان هو هدف التنمية ووسيلتها معاً ولا يمكن أن تتحقق التنمية إلا بالجهد الإنساني الواعي المتنامي لذا وجب أن يكون أهداف خطتنا الاقتصادية إعداد العنصر البشري بالتوسع في فتح المعاهد الفنية المتخصصة وتأهيله وتشجيعه على البحث العلمي والاهتمام به من النواحي الفنية والثقافية والصحية والاجتماعية والتربوية وإحياء ضمير القيم الدينية والوطنية ووضع نظام سليم للحوافز ليكون أكثر عطاء والتزاماً وتفاعلاً مع احتياجات وأهداف التنمية الاقتصادية والاجتماعية في آفاقها البعيدة.
6- الحركة التعاونية:
تعتبر الحركة التعاونية تجربة وظاهرة يمنية متميزة نبعت من طبيعة الشعب اليمني الذي تعود في كل العصور على التعاون والتكاتف في سبيل تحمل صعاب الحياة ووعورة الطبيعة والعمل على تسخيرها وتذليلها.. فالتعاون من القيم العظيمة التي يقوم عليها الكيان الاجتماعي اليمني وسعي الفرد لإسعاد الجماعة واجتهاد الجماعة لإسعاد الفرد هي الفكرة الإنسانية العادلة طبقتها الحركة التعاونية في بلادنا.
ولا يغيب عن البال ما للمبادرات الشعبية في مجال التعاون من تأثير معنوي في تماسك المجتمع، وتأثير مادي في اقتصاد البلاد الوطني وذلك بما توفره من طرقات وخدمات هي من صلب التطور الاقتصادي وشموليته.
ولذا فقد أصبح لزاماً علينا أن نجعل هذه التجربة اليمنية الفريدة حية الاتجاه والممارسة وأن تتوسع مجالات نشاطاتها ومشاريعها لتشمل الجوانب الخدمية والإنتاجية معاً وخصوصاً في قطاع الزراعة والتسويق بحيث تبقى القناعة الشعبية في جدواها وفائدتها للمجتمع راسخة في اليوم والغد.
ولن تبقى هذه القناعة إلا إذا ظلت الحركة التعاونية حركة شعبية يختار المواطنون هيئاتها وقياداتها اختياراً حراً لا يشوبه أي تدخل من أي جهة كانت وأن تتمكن الجمعيات العمومية وأجهزة الرقابة من مراقبة النشاطات التعاونية لحمايتها من الانحراف أو العبث بإمكاناتها وبما تتلقاه من دعم الدولة.
ج) التربية والثقافة:
الثقافة في أي مجتمع من المجتمعات تعبير عن عقيدته وأفكاره وتجاربه ومواقفه واتجاهه.
والتربية هي الأساس في تحديد نوع الثقافة ومسارها وأبعادها بما لها من قدرة توجيهية للفكر والضمير والسلوك وبهذا فإن التربية قوة تكوين لمقومات المجتمع.
والثقافة قوة بلورة وترسيخ لتلك المقومات في حياة الناس ومن ترابط القوتين تبرز هوية الشخصية الفردية والاجتماعية.
والعقيدة هي محور الارتكاز في العملية التربوية والإطار الشامل لثقافة المجتمع وقد كان لعقيدتنا الإسلامية فعلها في احتفاظنا بشخصيتنا وهويتنا عبر مراحل التاريخ ومتغيراته.
وإذا كان العهد الماضي قد حاول إيقاف العطاء الثقافي في هذا الشعب وسعى إلى تجهيله وتعطيل فكره فإن أصالة الشعب النابعة من قوة ماضيه قد قاومت من أول حركة وطنية معاصرة هذه السياسة وجعلت في طليعة أهدافها القضاء على الجهل والتخلف والاهتمام بالتعليم والثقافة.
إننا ونحن نبني الحاضر من واقع البيئة الاجتماعية والطبيعية وسائر المؤثرات المختلفة، ونتطلع إلى مستقبل أفضل متفاعلين ومتجاوبين مع التقدم العلمي والحضاري مندفعين مع حياة العصر فكراً وسلوكاً لا بد أن نبقى مرتبطين بقيمنا الروحية والحضارية تلك الاستمرارية التي تزودنا بالقدرة على التوازن والقدرة على التفكير المستنير المتجدد مع تطور الحياة واستيعاب الحضارة الإنسانية المعاصرة محتفظين بشخصيتنا اليمنية في إطار العقيدة الشاملة حتى لا نقع في التيه والضياع.
لقد فجر الإسلام في مجتمعنا الطاقات الفكرية المغذية للفكر الإنساني ونمت في رحابه مدارك فكرية إسلامية تحترم العقل والاختيار وترفض الظلم والطغيان والقهر وتقاوم ظواهر التسلط والاستغلال وتجعل التفكير في الأشياء والأحياء في الكون بكل جزئياته ومعرفة أسراره وطاقاته وتسخيرها بالعلم لخير الإنسان واجباً من الواجبات التي ترقى إلى مستوى العبادة.
ويعتبر هذا البعد الاجتماعي والسياسي والعلمي من أهم المقومات الأساسية للمجتمع اليمني بخلفيته الإنسانية والحضارية وقد دل على تلك الخلفية آثارها التاريخية وأعرافنا وتقاليدنا البناءة وما عكسته من معان تمثلت في قيمة العمل والجهد الإنساني والتنظيمي الاجتماعي ممتدة عبر التاريخ ثقافة وحضارة.
وقد أسهم في بعث هذا التراث رجال عظماء من أعلام اليمن حيث ألفوا الكتب العديدة في علوم التفسير والحديث والسيرة النبوية وفي علم الكلام وعلم الفقه وأصوله وعلم الفرائض والتصوف والأدب واللغة والتاريخ وفي المعارف العامة مثل علم السياسة ونظام الدواوين وعلم المساحة والطب والرياضيات والفلك والزراعة.
وفي تاريخنا المعاصر أدت مدرسة ثورة 1948م الفكرية دوراً فعالاً في تحديد مفاهيم الفكر الإسلامي وفي مقاومة الاستبداد ورفض التخلف وفي معاداة الاستعمار ومطامعه.. وقد امتدت آثارها لتكون شرارة التفاعل في ثورة 26سبتمبر و14 أكتوبر.
إن اهتمامنا بمسألة الثقافة إنما يعني اهتمامنا بكياننا المستقل وطابع شخصيتنا المميزة وينبغي أن ترسخ هذه المفاهيم عن طريق استخدام وسائل التثقيف العام والمراحل التي تسبقها.
ومن المهام الأساسية في هذا المجال محاربة روح الانهزام والاستسلام للتيارات المعادية لقيمنا ومثلنا ومبادئنا والعمل بكل الوسائل الممكنة وعن طريق بناء المؤسسات الثقافية التي تعمل على تنمية الروح الدينية والوطنية والديمقراطية وتعزيز الاستقلال والسيادة وتصحيح المفاهيم الخاطئة وتعميق روح المحبة للقضاء على عوامل الاختلاف والفرقة التي من شأنها تمزيق كياننا الاجتماعي والعمل على إحياء تراثنا وحضارتنا التي تمثل الخصائص الإنسانية العليا بما تعطي الإنسان من فكر وأخلاق وسلوك.
وعليه فإنه يجب تشجيع الفنون والآداب، والعلوم بمختلف فروعها والاهتمام بالآثار وتطوير المتاحف الملائمة لها وتشجيع وتطوير دور الكتب والاهتمام بمجال محو الأمية وتثقيف المجتمع بكل الوسائل الكفيلة بنشر الثقافة والفنون والعلوم.
وإذا كانت الثقافة خلاصة عملية تربوية شاملة لبناء الإنسان روحياً وفكرياً وجسدياً تمنحه القدرة على الإبتكار والإبداع في جميع مجالات الحياة فإن هذه العملية ينبغي أن تبدأ بالأمومة والطفولة وتستمر طبق مناهج عملية مدروسة متدرجة من دور الحضانة ورياض الأطفال ومراحل التعليم المختلفة وتنتقل إلى مجالات الحياة العامة مستمرة في بناء الإنسان اليمني عن طريق المساجد ودور الكتب والمراكز الثقافية ووسائل الإعلام المختلفة المرئية والمسموعة والمقروءة لما لها من آثر سريع وفعال وعن طريق المؤسسات السياسية والاجتماعية والمهنية والعلمية والجمعيات النسائية والنقابات والاتحادات والأندية الشبابية والتعاونيات وكل وسائل التثقيف الأخرى جنباً إلى جنب مع الاهتمام بمناهج التعليم القائمة على أفضل أساليب التربية.
إن الاهتمام بوسائل التربية والثقافة والإعلام وتوجيهها هو اهتمام بحياة الفرد والجماعة في مجتمعنا والبلوغ بشعبنا إلى مستوى الحصانة والمتانة والتفاعل مع تطور الحياة وصولاً إلى تحقيق مجتمع الرفاهية والسعادة.
الباب الرابع-
الدفاع الوطني
أولاٌ: في مجال القوات المسلحة:
لقد كانت الثورة اليمنية ومنذ انطلاقتها الأولى مدركة وواعية لأهمية بناء القوات المسلحة البرية والبحرية والجوية فجعلت الهدف الثاني من أهدافها "بناء جيش وطني قوي لحماية البلاد وحراسة الثورة ومكاسبها".
لقد كانت القوات المسلحة تشارك الشعب في جميع الأمة وتعبر عن إرادته وتطلعاته وكان له دور كبير في مناهضة الحكم الفردي المباد وفي الانتفاضات والحركات الوطنية التي توجت بثورة (سبتمبر وأكتوبر) التي أطاحت وإلى الأبد بالحكم الفردي المستبد والاستعمار البغيض وأعادت لليمن حريته، وترجمت طموحات الجماهير اليمنية في أهداف الثورة الستة.
ولقد سجلت القوات المسلحة وقوات الشرطة والقوات الشعبية أشرف صفحات النضال البطولي، في الدفاع عن الثورة والجمهورية والوحدة ومكاسبها ودحر قوى الخيانة والتآمر.
وإذا كان العمل الوطني بصورة عامة واجباً فإن العمل في القوات المسلحة من أقدس الواجبات لأنه خدمة لحماية الوطن الذي نستظل جميعاً بسمائه والذي يمثل رمز وجودنا كشعب، وكدولة، ومن أجل ذلك تأتي أهمية أداء خدمة الدفاع الوطني كواجب مقدس ومفروض على كل من بلغ سن الخدمة الإلزامية لأن لذلك يعزز لدى الشباب روح التضامن والمساواة ويعزز الشعور بالواجب في نطاق المشاركة في الدفاع الوطني ومهام التنمية تحقيقاً لشعار:
(القوات المسلحة للدفاع والبناء)
وعلى هذا الأساس فإنها قوات للدفاع عن الوطن وسيادته واستقلاله ووحدته وليست قوات للاعتداء والتوسع.
وما دامت هذه هي طبيعتها فإن بناء هذه القوات يجب أن يتركز على الكيف قبل الكم بانتقاء أفضل وسائل التدريب والتعليم وتطوير وتحديث القوات المسلحة تدريباً وتنظيماً وتسليحاً لتساير روح العصر وتطور وسائل الحرب الحديثة بحيث تصل إلى المستوى الذي يمكنها من أداء واجبا الوطني والإسهام والمشاركة في القضايا العربية والإسلامية وفي مقدمتها القضية الفلسطينية.
ومن أجل ذلك يجب علينا الاهتمام بالكليات والمعاهد والمدارس العسكرية وتطوير مناهجها وبرامجها والتركيز على محو الأمية ونشر الثقافة الوطنية كما يجب إعداد الفرد إعداداً روحياً ووطنياً وترسيخ الأهداف الوطنية والدفاع عنها والولاء الوطني والابتعاد عن الولاءات الضيقة ليكون الولاء أولاً وأخيراً لله وللوطن وتعميق احترام الشعب وحقوقه وحرياته وحماية واحترام مؤسساته الدستورية ومبادئه الديمقراطية.
على أن تكون قوات الشرطة وقوات الاحتياط والقوات الشعبية رديفاً لمساندة قواتنا المسلحة، عندما تدعو الضرورة إلى ذلك.. ومن ثم ينبغي العمل على تحسين أوضاع أفراد القوات المسلحة وتحقيق الضمان الاجتماعي لهم أثناء الخدمة وبعدها ورعاية أسر الشهداء الذين وهبوا حياتهم دفاعاً عن الثورة والجمهورية.
كما أنه من غير المنطق أن نتصور إمكانية بناء قوات مسلحة منضبطة وقادرة على تحمل مسئولياتها بمعزل عن استكمال بناء نظامنا الديمقراطي الإسلامي، وذلك أن نظام الدولة حلقات محكمة مترابطة فإذا فقدت حلقاتها هذا الربط المحكم فإن الخلل يشمل كل الحلقات.
ثانياً: في مجال قوات الشرطة:
إذا كان بناء القوات المسلحة لحماية الوطن واستقلاله وسيادته أمراً في غاية الأهمية فإن استكمال بناء قوات الشرطة على أسس حديثة وعلمية يضارع في أهميته نفس الأهمية لاستكمال بناء القوات المسلحة.
فحماية أمن وسلامة المواطن والمجتمع ومكافحة التجسس والنشاطات المعادية لبلادنا وأمنها واستقرارها لا يقل أهمية عن حماية حدود الوطن واستقلاله.
ومن هنا تبرز الأهمية في الارتفاع بوعي قوات الشرطة إلى هذا المستوى السامي من المسؤولية فإنها ستكون عاملاً أساسياً لضمان الحريات الفردية والعامة ورادعاً لكل من يخرج عن النظام والقانون وأداة خيرة في ترسيخ قواعد الأمن والاستقرار وتحقيق العدل.
وانطلاقاً من هذا المبدأ فإن الأجهزة الأمنية يجب ألا تتحول إلى أداة قمع وإرهاب في يد أي جهاز من أجهزة الدولة أو في يد أي مسئول أياً كان وأن تكون علاقتها بالمواطنين علاقة طيبة وفي إطار شعار الشرطة في خدمة الشعب كما أنه لا بد من أن تتحدد المهمات الملقاة على عاتق أجهزة الشرطة بحيث لا تختلط عليها المهمات الإدارية والضبط الإداري بالمهمات المتعلقة بتنفيذ العدالة والأحكام الشرعية.
ولتحقيق ذلك لا بد أن يملك القضاء والنيابة العامة كل السلطة لمنع كل الأجهزة من أي عمل يخالف الدستور والقوانين.
إن القوات المسلحة وقوات الشرطة مؤسسة وطنية تحمي السيادة والاستقلال وتحافظ على المنجزات والمكتسبات كما أن الانخراط في صفوف القوات المسلحة وقوات الشرطة وأداء خدمة الدفاع الوطني شرف ومسئولية ويمثل ذلك أروع مظاهر الوحدة الوطنية فيجب أن يكونوا بمنأى عن الحزبية والولاءات الضيقة.
الباب الخامس-
السياسة الخارجية
عبر مراحل تاريخية، كانت اليمن تلعب أدواراً فعالة في منطقة الشرق الأوسط بحكم موقعها الجغرافي الاستراتيجي وبحكم كثافتها السكانية في شبه الجزيرة العربي والخليج وتستطيع اليمن اليوم أن تؤدي دوراً أكبر وتترك أثراً ملموساً في الساحة العربية والدولية.
ولا بد لنا أن نؤكد بأن قدرة بلادنا قد تزايدت فعاليتها في المجالين العربي والدولي.
وحتى تكون لنا سياسة خارجية ثابتة ذات أثر ملموس لا بد أن تكون متوازنة ومتطابقة مع سياستنا الداخلية التي تضمنها هذا الميثاق انطلاقاً من أهداف الثورة اليمنية ذلك أن قيام الدولة على أسس ديمقراطية ومؤسسات دستورية وصيانة حرية وكرامة المواطنين وتوطيد الاستقرار وتحقيق الرخاء والرفاهية للمجتمع اليمني والاعتماد على النفس ونبذ التواكل وإزالة مظاهر وأسباب التخلف يجعل من تحركنا الخارجي عملية سهلة ومفهومة ومقبولة وفعالة ولا بد أن نضع منهجاً واضحاً لأسلوب التطبيق العملي لتلك السياسة العامة حتى تنسج مع مواقفنا الصادقة والواضحة من قضايانا الوطنية والعربية والإنسانية ذلك أن العلاقات الخارجية اليوم أصبحت في منتهى التشابك والتداخل والتعقيد والحساسية.
فقد اختلطت المصالح الاقتصادية والسياسية بالتيارات الفكرية المتنوعة اختلاطاً يجعل تحديد منهج واضح المعالم في مجال السياسة الخارجية أمراُ في غاية الصعوبة وقد زاد من هذه الصعوبة تطور وسائل الاتصالات الحديثة التي جعلت الفواصل الجغرافية والفكرية والحضارية شبه منعدمة وصار من المستحيل على أي دولة أن تنغلق وتتقوقع على نفسها أو أن تمنع نفسها وشعبها من التفاعل والتعامل مع بقية دول وشعوب العالم.
ومن هنا فقد أصبح وضوح مبادئ وأساليب السياسة الخارجية لا يكفي وحده لقيام علاقات متكافئة بيننا وبين الدول الأخرى إذ لا بد مع ذلك أن نبقى في غاية اليقظة والحس المرهف حتى لا نقع دون أن نشعر فريسة لنفوذ الاستعمار الجديد الذي يتستر وراء الكثير من الأقنعة البراقة المادية والفكرية ليخفي الوجه القبيح للاستعمار القديم.
وهذا النوع من الاستعمار المقنع لم تعد تمارسه الدولة الكبرى وحدها لأن دولاً صغيرة تابعة لها اعتقدت أن من حقها هي الأخرى إيجاد مناطق نفوذ لحسابها الخاص ما دامت قادرة بإمكاناتها المادية أو الحزبية أو العسكرية على مزاولة أساليب استعمارية مقنعة أو مكشوفة تبسط نفوذها أو تستولي على أرض الغير أو تزاولهما معاً وكمثال على ذلك دور إسرائيل بعد زرعها في قلب الوطن العربي.
ولذلك يجب أن تكون علاقتنا الخارجية مع جميع الدول واضحة كل الوضوح وقائمة على الاحترام المتبادل والمصالح المشتركة ومبدأ التعامل بالمثل.
ولما كان ارتباطنا بالأمة العربية قدراً ومصيراً فإنه يتوجب علينا أن نواصل تفاعلنا الجاد مع كل أماني وطموحات الأمة العربية في تطوير وتنمية مجتمعاتها وتوظيف طاقاتها من أجل بناء المجتمع العربي القوي في أفكاره ووسائل حياته المتمسكة بعقيدته وقيمه.
وهذه الحقيقة تفرض علينا أن يكون لنا تفكير خاص بأولوية العلاقات القائمة فبحكم موقعنا وواقعنا لا بد وأن تكون لنا علاقات متميزة بالأشقاء في دول شبه الجزيرة العربية والخليج تقوم على الوضوح والتعامل المتكافئ والاحترام المتبادل وتتطور بالممارسة الأخوية لإبراز المصالح المشتركة من خلال مشاريع اقتصادية وتجارية وتعاون ثقافي وإعلامي واجتماعي تساعد في مرحلة من المراحل على وضع اللبنة الأولى من صرح الوحدة العربية المنشودة لأننا جميعاً جزء لا يتجزأ من الأمة العربية إيماناً بوحدة الوطن العربي كمبدأ راسخ لا يتزعزع ونضالنا من أجل بلوغ الوحدة المنشودة في مقدمة أهدافنا القومية.
كما أنه ينبغي أن نكون سنداً قوياً ودعماً حقيقياً لكل قضايا أمتنا العربية العادلة لا سيما قضية فلسطين التي تعتبر في مقدمة القضايا المصيرية ومن الضروري أن يكون لبلادنا دور أساسي في التضامن العربي والإسلامي وأن نجعل من التفاهم والتحاور أساساً لحل المشاكل بين الدولة العربية والإسلامية بدلاً من استخدام الوسائل التي لا يستفيد منها إلا أعداء الأمة العربية والإسلامية.
ولما كان السلام هو هدف البشرية وغايتها المنشودة وفي ظله يمكن أن يسود الرخاء والعدل وأن تنتشر الرفاهية في كافة أصقاع المعمورة فإننا نرى أن السلام القائم على العدل لا يمكن أن يتحقق إلا بوضع ضوابط تمنع الدول الكبرى من استمرار استغلال الدول الصغيرة وتوقف ممارسة عدوان أي دولة على دولة أخرى.
ولهذا فإن التمسك بميثاق جامعة الدول العربية وميثاق الأمم المتحدة وتضامن دول العالم الثالث والالتزام التام بمبادئ عدم الانحياز وتحقيق المزيد من التضامن بين الدول الإسلامية ودول العالم الثالث من شأنه أن يوجد معادلة مقبولة لحفظ التوازن بين الدول العظمى ويجعلها أكثر ميلاً نحو التسليم بأهمية توفير سلام عادل تنعم به البشرية.. وعلينا أن نعمل متضامنين مع الدول النامية لإيجاد نظام اقتصادي عالمي جديد يحقق قيام علاقة اقتصادية متكافئة قائمة على تبادل المنافع يلزم الدول الغنية والدول الصناعية المتقدمة بتقديم المساعدات للدول النامية ويمكنها من استيعاب التقدم العلمي والتكنولوجي والاستفادة منه في جميع المجالات حتى تتمكن هذه الدول من اللحاق بركب الحضارة الحديثة.
وبالتالي فإن سياستنا الخارجية ينبغي أن تقوم على انتهاج سياسة الانفتاح في التعامل مع مختلف الدول في إطار الأسس التالية:
1- ألا يمس هذا التعامل كرامة الدولة واستقلالها السياسي والاقتصادي ووحدة أراضيها وشعبها.
2- أن تقوم العلاقات على أساس الاحترام المتبادل والتعامل المتكافئ وألا تتجاوز حدود المصالح الأساسية للبلاد.
3- أن تكون العلاقات المتميزة مع دول شبه الجزيرة العربية والخليج واضحة ومتكافئة وسيلة من وسائل السعي المتواصل لتحقيق تعاون عربي شامل يدفع بقضية الوحدة العربي الشاملة خطوات إلى الأمام.
4- أن يستمر التزامنا بسياسة الحياد الإيجابي وعدم الانحياز في الصراعات الدولية وأن نواصل دعم مبادئ التعايش السلمي وأن يكون لنا وجود فعال في لقاءات وجهود دول العالم الثالث ودول عدم الانحياز وفي نطاق الأمم المتحدة والمنظمات التابعة لها.
5- أن يستمر تأييد حق الشعوب في تقرير مصيرها ورفض سياسة التمييز العنصري.
خاتمة (الميثاق الوطني)
- الخاتمة:
وأخيراً فإن هذا الميثاق الوطني قد تضمن أهم المبادئ والأسس التي توحد كل فئات الشعب وتربط القاعدة الشعبية بالقيادة في ظل النظام الجهوري الديمقراطي القائم على:
- الإيمان المطلق بالعقيدة الإسلامية منهجاً ونظاماً وسلوكاً.
- ديمقراطية الحكم متمثلة في المؤسسات الدستورية وفي صيانة الحريات الكاملة للشعب والوطن.
- العدالة الاجتماعية التي تضمن تنظيم العلاقات الاجتماعية وتضمن تكافؤ الفرص والكفالة الاجتماعية لكل مواطن.
- الولاء الوطني المرتبط بالولاء لله والذي نصون به سيادة الوطن واستقلاله ونرسخ به وحدته أرضاً وشعباً وحكماً.
- تمكين الدولة والشعب من تنفيذ خطط التنمية وتطوير الحياة في جميع المجالات.
- استكمال بناء وتنظيم القوات المسلحة ولأمن، للدفاع عن الوطن وحماية أمن وسلامة المواطن والمجتمع.
- إرساء قواعد الاستقرار السياسي داخلياً وخارجياً واعتماد التعددية الحزبية وتداول السلطة سلمياً وديمقراطياً.
وإذا كان ذلك الفهم وتلك القناعة منا لما ورد في هذا الميثاق ذات أهمية فإن الدفاع عن أهدافه والعمل بما جاء فيه هو الأكثر أهمية وضرورة لدعوة جميع فئات الشعب للتمسك بما فيه نجاح مسيرة التطور والرخاء الاقتصادي والاجتماعي والاستقرار السياسي في ظل الوحدة الوطنية الصادقة والتي تعتبر في الحقيقة الأساسية لضمان كل عمل وطني شريف ولنجاح كل خطة موضوعة وبدونها لن يتسنى لنا بلوغ أي من طموحاتنا المشروعة في هذه الحياة.
وإذا كان هذا الميثاق يشكل الإطار الفكري لتوجهاتنا فإن برامج العمل يجب ألا تخرج عن هذا الإطار مهما اختلفت أساليبها في التطبيق.
ذلك أن تحرك النشاطات الشعبية الحكومية ضمن هذا الإطار الفكري يجعل التحرك تحركاً بناءً يجنبنا مخاطر الانقسام ومغبة الانتماءات غير الوطنية ومساوئ الاجتهادات الفردية والتكتلات النفعية ويجعل التنافس السلمي الخلاق في ظل الممارسات الديمقراطية بديلاً للصراعات الهدامة.
فلنمض قُدُماً متحدين ومتعاونين نحو مستقبل زاهر وشريف معتمدين -بعد الله- على أنفسنا وعلى وحدتنا وقدراتنا الذاتية كي نبلغ كل أمانينا وطموحاتنا.
" والله ناصرنا وهو نعم المولى ونعم النصير "
الميثاق الوطني — 18/03/2018 08:21:56 م