Arabic heritage Milky Way

كتبها الأستاذ خالد العجاجي بتاريخ // 18 إبريل, 2012 20:01// المنتدى الفلكي العربي

المَجَرَّة

 تراث وصور وتأمل وعبر

هذه مقالة عن المجرة، وأعني بها حزام السحابة البيضاء من النجوم الذي نراه في السماء الصافية في الليالي المظلمة. وهو حديث متنوع يأخذ ببعض الأطراف باختصار ليكون منطلقاً لمن أراد الاستزادة. إن كنت لم تر المجرة من قبل، فلا تدع هذا المنظر البديع من صنع الله الذي أتقن كل شيء يفوتك. لا تملك حين تراها إلا أن تقول بكل جوارحك سبحان الله.

المجرَّة في التراث

ورد ذكر المجرّة في التراث القديم في الشعر والأمثال وفي كتب الأنواء والفلك.

يقول المرزوقي في كتابه الأزمنة والأمكنة، سميت مجرة على التشبيه لأنها كأثر المسحب والمجرّ. وتسميها العرب أم النجوم لأنه ليس في السماء بقعة أكثر عدد كواكب منها. وينقل عن أبي حنيفة الدينوري وصفه للمجرة فيقول: "المجرة دائرة متصلة اتصال الطوق، وهي وإن كانت مواضع منها أرق، ومواضع أكثف، ومواضع أدق، ومواضع أعرض، فهي راجعة في خاصتها إلى الاستدارة، وأكثف بقاعها وأوسعها هو ما بين شولة العقرب فإلى النسرين، فإلى الردف، والشولة والردف كلاهما في نطاقها الأوسط أو قريب.

فإذا كانت الشولة مشرفة على الغور، رأيت حينئذ مرفق الثريا مستقلاً في المشرق، ورأيت المجرة قد أخذت من عند شولة العقرب فمضت حتى سلكت بين النسرين. ثم مضت حتى غشيت كواكب الكف الخضيب ثم رقت واستدقت إلى أن تبلغ العيوق فتكثف هناك. فإذا بلغت العيوق سلكت بين الكوكبين الجنوبيين من كواكب الأعلام الثلاثة المعروفة بتوابع العيوق. ثم مضت قدماً حتى تسلك بين الهقعة والهنعة، وحاك بحاشيتها الشرقية كوكبي الهنعة، ثم مضت حتى تسلك بين الشعريين، ثم تمضي وتغشى العذرة بحاشيتها الغربية فتكثف هناك، ثم تمضي عند العذرة حتى تسلك أسفل من كواكب الخيل، ثم تمضي من هناك حتى تشتمل على الشولة، ومنها كنا بدأنا بالوصف، فتجدها دائرة متصلة. ألا ترى أنا بدأنا بوصفها من عند الشولة ثم لم تزل تستقر بها حتى عدنا إلى الشولة فهذا الإيضاح عن استدارتها واتصال بعضها ببعض اتصال الطوق."

وهذا شرح مصور لكلام أبي حنيفة:

هذا الكلام عن صفة المجرة، وأما عن ماهيتها فإن ابن قتيبة الدينوري يقول: "ويقال أن النجوم تقاربت في المجرة فطمس بعضها بعضاً، فصارت كأنها سحاب." وذكر أن العرب تسميها أم النجوم لاجتماع النجوم فيها وكثرتها. قال ذو الرمة:

بشُعثٍ يشجون الفلا في رؤوسه *** إذا حولت أم النجوم الشوابك

يريد أن رفاقه الشعث يسيرون في الصحارى آخر الليل عند تحول المجرة عن موضعها وسماها أم النجوم. وأما البيروني فتكلم عن علو المجرة ورد قول أرسطاطاليس ومن وافقه بأن المجرة هي دون القمر وقال أن المجرة هي في فلك النجوم الثابتة، ودليل ذلك عنده ثبات شكلها وأبعادها بالنسبة لصور النجوم الثابتة وتحركها معها. وفي استنتاج علمي مشابه ذكر ابن الهيثم أن المجرة لايمكن أن تكون أقرب من القمر كما ظن أرسطاطليس بل هي بعيدة وذلك بالنظر إلى ثبات موقعها من السماء عند رصدها من مكانين مختلفين أو في وقتين مختلفين.

أسماء المجرة

هذا سرد للأسماء التي استطعت حصرها.

أم النجوم

سمّت العرب المجرة أم النجوم وذلك لكثرة النجوم فيها. يقول تأبط شراً:

يَرى الوَحشَةَ الأُنسَ الأَنيسَ وَيَهتَدي *** بِحَيثُ اِهتَدَت أُمُّ النُجومِ الشَوابِكِ

وقال الطغرائي:

وترى بها أمَّ النجوم كجدولٍ *** في روضةٍ فيها لجَينٌ ذائِبُ

المجرة

تسميها العرب المجرة ولهذا الاسم ذكر كثير في الشعر. يقول ابن نباتة السعدي:

وكم في المَجَرَّةِ من أَنجُمٍ *** لفرطِ التقاربِ لم تُحْسَسِ

مجر الكبش

هذا الاسم يظهر أنه حديث نوعاً ما، فمن الناحية التاريخية لم يرد هذا الاسم عند القدماء، فهو غير موجود في كتاب الأنواء في مواسم العرب لأبي قتيبة الدينوري الذي عاش في القرن الثالث الهجري، ولا في كتاب صور الكواكب للصوفي في القرن الرابع الهجري، ولا في كتاب الأنواء والأزمنة لعبدالله بن حسين بن عاصم الثقفي الذي عاش في القرن الرابع الهجري، ولا في كتاب الأزمنة والأمكنة للمرزوقي في القرن الخامس الهجري، ولم يذكره ابن منظور في لسان العرب في القرن السابع، ولم أجد الاسم في كتاب الفوائد لابن ماجد معلم البحر الهندي الذي امتلأت أراجيزه بأسماء النجوم في القرن التاسع، ولا عند سليمان المهري معلم البحر الهندي أيضا في القرن العاشر. ولا أزعم أني أحطت بكل ماكتب هؤلاء ولكن وجدتهم جميعاً ذكروا المجرة وبعضهم أسهب في وصفها ولم يذكروا هذا الوصف أو الاسم. كما أن هناك أثراً عن ابن عباس رضي الله عنه ولا أعلم عن صحته ولكن الدلالة هنا في قدم الأثر وعلى وجود الاسم من عدمه وهو أنه سئل عن المجرة فقال هي باب السماء ولم يذكر شيئاً عن مجر الكبش. كما أن هذا الاسم ليس له وجود كما أعلم في الشعر العربي القديم أو الأمثال القديمة العربية. ومن ذلك ربما ظهر هذا الاسم في القرن الحادي عشر أو مابعده. وهو منتشر في الجزيرة وغيرها من البلاد العربية.

درب التبانة

وجدت ذكراً لرسالة لابن الهيثم اسمها مقالة في درب التبانة، وابن الهيثم عاش في الفترة من منتصف القرن الرابع إلى أوائل القرن الخامس الهجري فإن كان اسم هذه الرسالة صحيحا فاسم درب التبانة قديم عند العرب.

الفلك اللبني والدائرة اللبنية

وهذان الأسمان وردا عند العرب مترجمين من اليونانية عند الحجاج بن يوسف بن مطر وإسحاق بن حنين في القرن الثالث والرابع الهجريين.

المسحب

ذكر لي أحد الإخوة الأعزاء من قطر أن المجرة تسمّى عندهم المسحب وربما كان هذا الاسم منتشراً في شرقي الجزيرة العربية وهو بنفس معنى المجر.

الأمثال والشعر

وردت المجرة في المثل بقول العرب: سطي مجر ترطب هجر. أي توسطي أيتها المجرة في السماء قيكون وقت الرطب في هجر، وهذا يكون أول الليل في الصيف. وأظن أن العرب قالت ذلك لأن المجرة تظهر أول الليل في أوائل الصيف وقت طلوع الثريا كقوس مضطجع في الأفق، ثم ترتفع كل ليلة حتى إذا طلع سهيل توسطت السماء.

وأما في الشعر فوردت كثيراً وخاصة عند الفخر بعلو المنزلة. انظر هذه الأبيات المختارة في الفخر والتشبيه:

خِيامي عَلى هامِ السِماكِ عَلِيَّةٌ *** وَقَدري عَلى مَتنِ المَجَرَّةِ شامِخُ

وَكُلِّ رُدَينِيٍّ أَصَمَّ عَنَطنَطٍ *** يَلوحُ كنَجمٍ في المَجَرَّةِ زاهِرِ

بَنى لي بِهِ الشَيخانِ مِن آلِ دارِمٍ *** بِناءً يُرى عِندَ المَجَرَّةِ عالِيا

أقِلاَّ فما دون المجرَّةِ مطلبٌ *** ولا خلفَ فخر الملكِ للظنِّ مَطرَحُ

إِذا خَفِيَ القَومُ اللئامُ رأَيتَني *** مُقارِنَ شَمسٍ في المَجَرَّةِ أَو بَدرِ

هذي المجرة والنجوم كأنها *** نهرٌ تدفق في حديقة نرجس

وتحوَّلَتْ أُمُّ النجومِ كَأَنَّها *** زَهَرٌ تراكَمَ فَوْقَ مَجْرى جَدْوَلِ

وترى بها أمَّ النجوم كجدولٍ *** في روضةٍ فيها لجَينٌ ذائِبُ

تأملات في المجرة

حينما نرى هذا النور الرقيق في السماء فإننا ننظر إلى نور الآلاف المؤلفة من النجوم مجتمعة، وكل نجم منها شمس منيرة كشمسنا أو أكبر أو أصغر، والبعد مابين كل شمس وشمس هائل لاتكاد تدركه الأفهام، ومع ذلك فإننا نراها كأنها الواحدة بجانب الأخرى. والبعد مابيننا وبين نجوم هذا النور، فإذا علمنا أن العين تميز بعض النجوم ولو كان بعدها ألف سنة ضوئية، فستكون نجوم هذا المجرة بمثل هذا البعد وأبعد بكثير. كون هائل واسع، يقول لنا كم أنتم ضعفاء أيها الناس والله هو الواحد القهار، لا تستكبروا ولا تتجبروا ولا تتسلطوا، وتذللوا لخالقكم الذي أبدعني وأسبغ عليكم نعمه.

حينما ننظر في هذه المجرة باتجاه النعائم فإننا نتجه بأبصارنا إلى قلب المجرة ولكن لانراه بسبب ما يحول بيننا وبينه من النجوم والغبار الكوني والمادة المعتمة، وما نرى هو كثافة جمع النجوم فيما يدعى بذراع كوكبة القوس. وهذه الذراع من المجرة تقع بين الذراع التي فيها مجموعتنا الشمسية وبين المركز. وحينما تنظر باتجاه نجوم الفوارس في كوكبة الدجاجة فإنك تنظر إلى الذراع التي تقع فيها شمسنا، وهي ذراع صغيرة تتفرع من ذراع كوكبة القوس. وأما باتجاه نجوم سنام الناقة والكف الخضيب فإنك ترى الذراع التي هي أبعد من ذراعنا في المجرة وأما ما بعد هذه الذراع فسيكون خارج حدود المجرة.

هانحن هؤلاء وكوكبنا ومجموعتنا الشمسية ومجرتنا وكل ذلك ليس إلا نقطة ضئيلة في هذا الكون الواسع، فتفكر وسبح ووحد ربك الذي قال:

ٱلْحَمْدُ للَّهِ ٱلَّذِي خَلَقَ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضَ وَجَعَلَ ٱلظُّلُمَٰتِ وَٱلنُّورَ ثْمَّ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ بِرَبِّهِمْ يَعْدِلُونَ

صور المجرة

جمال هذه النور الأخاذ أثار فناني التصوير لالتقاطه وبيان تفاصيل إبداعه. وهناك عدة مشاريع عالمية لتصوير المجرة بكاملها منها ماهو فردي ومنها ماهو مؤسسي. منها واحد أثار إعجابي سأتكلم عنه ببعض التفصيل وسأشير إشارات إلى البقية.

أكثر مناطق المجرة التي تستهوي المصورين هي المنطقة الواقعة بين العقرب إلى النسرين لعرضها وكثافة نورها وبعض التفاصيل التي تظهر فيها. وقد أشار أبو حنيفة الدينوري إلى ذلك حينما قال: وأكثف بقاعها وأوسعها هو ما بين شولة العقرب فإلى النسرين.

صورة بانورامية للمجرة من المرصد الجنوبي الأوروبي. وهي صورة من ضمن مشروع يسمى ESO's GigaGalaxy Zoom، وهو يبين المجرة على ثلاث مراحل كما تظهر للعين المجردة ثم كما تظهر بواسطة تلسكوب عادي ثم كما تبين تفاصيلها التلسكوبات العلمية الكبيرة.

( اضغط هنا ) لتذهب إلى الصورة التفاعلية مع خاصية التكبير والمعلومات.

هناك صور كثيرة جميلة للمصورين، ويظهر بعضها في موقع الصورة الفلكية اليومية لناسا، واخترت لكم منه هذه الصور:صورة تظهر فيها المجرة كقوس فوق المرصد الضخم جداً في تشيلي.

لمشاهدة الصورة بحجمها ودقتها ومعلوماتها اضغط هنا

لمشاهدة الصورة بحجمها ودقتها ومعلوماتها اضغط هنا

لمشاهدة الصورة بحجمها ودقتها ومعلوماتها اضغط هنا

وأما تصوير المجرة الذي أثار إعجابي فهو مجهود فردي قام به محترف اسمه Nick Risinge حيث أخرج صورة حجمها 5 جيجا بكسل جمعها من 37440 صورة خلال عام قام فيه بالتصوير من مناطق مختلفة في العالم قطع فيها مامجموعه 100000 كم بصحبة والده المتقاعد ليخرج بهذا الصورة. ولقد تكلمت عن هذا المشروع في موضوع :

 "أضخم عمل فردي لتصوير السماء كاملة" - اضغط هنا

الصورة التالية هي تكبير لجزء بسيط من الصورة. جمال في كل أنحاء الكون.

كيف تستطيع رؤية المجرة

ترى المجرة طوال السنة ولكن الأجزاء الكثيفة منها حول العقرب والنسرين يكون أفضل أوقات رؤيتها هو نفس أوقات رؤية هاتين المجموعتين في أشهر الصيف أول الليل.