ضعف الهندسة المالية تحد يواجه المؤسسات المالية الإسلامية

Post date: Nov 03, 2010 4:31:36 PM

عبد الكريم أحمد قندوز - المحاضر بقسم العلوم المالية بكلية العلوم الإدارية في جامعة الملك فيصل:

ضعف الهندسة المالية تحد يواجه المؤسسات المالية الإسلامية

المصرفية الإسلامية الإلكترونية : معاوية كنة

لا يخفى على أحد النمو الكبير الذي يشهده قطاع التمويل الإسلامي، وهو نمو في رأي الكثيرين "منقوص" وبحاجة إلى مزيد من العمل للإيفاء بمتطلباته، التي لا يمكن تحقيقها إلا بعلاج الأسباب الحقيقية, التي تكمن - في جزء منها - في غياب المهندسين الماليين الشرعيين الذين بإمكانهم القيام بهذه المهمة "غير المنتهية" لهذه الصناعة كما يقول "دعاة" تطبيق الهندسة المالية الإسلامية, التي تتيح تطبيقاتها العملية الإيفاء بكل متطلبات التمويل الإسلامي، فالهندسة المالية وفقاً للتعريفات المتاحة مفهوم يعمل على ابتكار وتطوير أدوات وآليات تمويلية في إطار من الضوابط الشرعية. في هذا الحوار نبحث مع الأستاذ عبد الكريم أحمد قندوز المحاضر بقسم العلوم المالية بكلية العلوم الإدارية في جامعة الملك فيصل, أبرز التفاصيل المتصلة بهذا المفهوم الذي بدأ يبرز خلال السنوات الأخيرة في أدبيات الصناعة المالية الإسلامية بشكل كبير.

ما زال في رأي كثيرين أن الهندسة المالية الإسلامية مصطلح مبهم وغير معروف .. هل هو حقاً كذلك؟

- إن الإجابة عن هذا السؤال تستدعي التمييز بين الهندسة المالية الإسلامية كمفهوم وكمصطلح.

الهندسة المالية الإسلامية كمفهوم تعني ابتكار وتطوير أدوات وآليات تمويلية في إطار الضوابط الشرعية كتحريم الربا والغرر والمضاربات .. وهي بهذا المعنى موجودة منذ عهد النبوة واستمرت في التطور على مر العصور الإسلامية، وعرفت مراحل خاصة كما هو الحال مع رواد المذاهب الفقهية الأربعة الشهيرة ومع شيخ الإسلام ابن تيمية ثم في العصر الحديث مع النهضة المالية والمصرفية الإسلامية.

أما الهندسة المالية الإسلامية كمصطلح له معنى خاص، فهنا قد يحدث الإشكال في فهمه لدى كثيرين، خاصة من غير المتخصصين، لأنه لم يجر إجماع إلى الآن على ما يمكن اعتباره هندسة مالية إسلامية.

لكن بالرجوع إلى تعريف الهندسة المالية التقليدية، التي تعني مجموعة الأنشطة التي تتضمَّن عمليات التصميم والتطوير والتنفيذ لكلٍ من الأدوات والعمليات المالية المبتكرة، وكذا صياغة حلول إبداعية لمشكلات التمويل، فإنه يمكننا الخروج بتعريف واضح بيِّن لمصطلح الهندسة المالية الإسلامية, وذلك بإضافة شرط واحد إلى التعريف السابق هو أن يكون ذلك الابتكار والتطوير الذي هو موضوع الهندسة المالية متوافقا مع الضوابط الشرعية.

ويبقى البحث في موضوع تلك الضوابط وعرضها بأسلوب ميسر يجعل من عملية الابتكار والتطوير عملية تمتاز بالسلاسة خاصة في ظل ما تعرفه الصناعة المالية الإسلامية اليوم من نمو وانتشار كبيرين.

ونود أن نضيف أنه ليس كل منتج أو أداة مالية مستحدثة يمكن اعتبارها هندسة مالية، بل إن هناك شروطا يجب توافرها في هذا المنتج أو الأداة، أو على الأقل توافر بعضها. من هذه الشروط أن يَكُونَ المنتج أو العملية مبتكراً وأَنْ تُمكّن هذه المنتجات أو العمليات الجهات ذات العلاقة من إنْجاز عمليات لم يكن باستطاعتهم القيام بها سابقاً قبل وجود هذا المنتج أو الأداة.

ينادي كثيرون بإيجاد تعريف شامل للهندسة المالية الإسلامية .. ما الذي يمكن أن يضيفه مثل هذا التعريف للصناعة المالية الإسلامية؟

- كما أشرنا سابقاً، فإنه من الضروري إيجاد تعريف شامل وواضح للهندسة المالية الإسلامية، ولا شك أن لذلك دورا مزدوجا: علميا وتطبيقيا. أما من الناحية العلمية فإن ذلك مما يساعد على استكمال المنظومة المعرفية للصناعة المالية الإسلامية التي لا تزال بحاجة ماسة إلى إثرائها ـ خاصة بمصطلحات المالية المعاصرة - حتى تواكب كل التطورات العلمية التي تحدث في هذا المجال. وأما من الناحية التطبيقية، فإن وضع تعريف شامل للهندسة المالية الإسلامية يعني وضع الأسس التي يمكن من خلالها ابتكار وتطوير المنتجات المالية الإسلامية الأصيلة وغير المستنسخة عن المنتجات التقليدية من جهة، وإغلاق الباب أمام الوالجين للصناعة المالية الإسلامية من خلال الحيل الربوية، من جهة أخرى. وهذا كله يساعد على تلبية الحاجات التمويلية (للأفراد والمؤسسات وحتى الحكومات) المتزايدة باطراد، كل ذلك في إطار الالتزام بالحلال.

هل ترى أن الهندسة المالية قادرة على الإيفاء بمتطلبات التمويل الإسلامي, خاصة أن الأخير بحاجة إلى أدوات ووسائل جديدة ومبتكرة؟

- إذا اتفقنا على أن الهندسة المالية الإسلامية تعني ابتكار وتطوير أدوات وآليات تمويلية في إطار الضوابط الشرعية، فإنها بذلك - لا شك - قادرة على الوفاء بكل متطلبات التمويل الإسلامي، لكن قبل ذلك لا بد من وضع أسس ومعايير واضحة يمكن الاستناد إليها عند تصميم أو ابتكار أو تطوير منتجات مالية إسلامية حتى يغلق الباب أمام الحيل الربوية ـ وهو باب كبير يمكن أن يتسبب في فقدان الثقة بالصناعة المالية الإسلامية ككل.

إن المتتبع كذلك لنمو التمويل الإسلامي قد يلاحظ الفجوة بين قدرات نمو الصناعة المالية الإسلامية (الكامنة) ونموها الحقيقي، وقد يكون أحد أسباب ذلك, غياب المهندسين الماليين الشرعيين الذين بإمكانهم القيام بمهمة الوفاء بالمتطلبات غير المنتهية لهذه الصناعة.

وحتى في حالة وجود هؤلاء، فإنه ينبغي عليهم الإلمام بحاجات السوق، والعمل على تصميم الأدوات المالية الملائمة من خلال إعمال العقل من دون التقيد بأية قيود إلا الضوابط الشرعية, والاستفادة من التراث الفقهي, وكذا الاستفادة من التجربة التقليدية، هذه الأمور مجتمعة ستساعد - لا محالة - على وضع بدائل جديدة ومرنة أمام متخذ القرار.

يؤكد البعض أن الحافز الرئيسي للكيانات الاقتصادية لممارسة الهندسة المالية جاء نتيجة للأزمات المالية، هل ترى أن الأزمة المالية الحالية ستكون حافزا أو دافعا لتنشيط هذا الفكر أو لصياغته بشكل محدد وفق الرؤية الإسلامية؟

- الحوافز التي أسهمت في بروز الهندسة المالية ابتداء ومن ثم انتشارها, كثيرة، كرغبة الكيانات الاقتصادية في تجاوز القيود القانونية التي تعد من وجهة نظرها عائقا لتحقيق مزيد من المكاسب والأرباح، أو القيود الاجتماعية أو الحاجة بشكل عام.

ولا يمكن كذلك إغفال دور الأزمات المالية البارز في انتشار مفهوم الهندسة المالية، لهذا وجدنا بعض الباحثين عرَّف الهندسة المالية على أنها فن إدارة المخاطر، وعلى الرغم من كون هذه النظرة ضيقة إلى حد ما إلا أنها لا تخلو من الصحة.

وبالعودة إلى الأزمة المالية الحالية فقد ظهر جلياً أن أحد أهم أسباب الأزمة المالية هو التوسع في المديونيات الربوية وانتشار المقامرات (المضاربات)، لهذا فإن البحث عن البديل المنقذ لم يعد خياراً ممكناً بقدر ما أصبح ضرورة.

الدور الآن على القائمين على الصناعة المالية الإسلامية لتقديم البديل الإسلامي، ولا شك أن الهندسة المالية الإسلامية سيكون دورها هو الأهم من خلال إيجاد بدائل للتمويل التقليدي التي تحقق غرض أدوات التمويل التقليدية أو تتفوق عليها, وتتميز في الوقت نفسه بالمصداقية الشرعية (كالصكوك الإسلامية بديلا عن السندات) والعمل على إيجاد حل جذري للأزمة من خلال إيجاد نظام مصرفي بعيد عن الفائدة قائم أساساً على المشاركة. إذن فالفرصة مناسبة، ولعل البشائر واضحة بهذا الخصوص، لكن تبقى بعض نقاط الضعف التي ينبغي مراعاتها بهذا الخصوص.

هل هناك ثمة اختلاف بين مفهوم الهندسة المالية الإسلامية والتقليدية؟

- تشترك الهندسة المالية الإسلامية والتقليدية في أن كلتيهما تعني الابتكار والتطوير والبحث عن حلول إبداعية لمشكلات التمويل، غير أن الهندسة المالية التقليدية لا تنضبط بضوابط وليس لها حدود، وبينت بعض الدراسات التطبيقية أنها غالباً ما كانت سببا في الأزمات المالية التي يعرفها العالم وأنها تزيد من حدة هذه الأزمات، لدرجة أن سماها بعض الكتاب الغربيين: عبثا ماليا بدلا من هندسة مالية, فهي لا تُفرِّق بين المصـالح الجزئية والمصـالح الكلية، وبين مصالح جماعات الضغط والمصالح العامة.

على العكس من ذلك، فإن الهندسة المالية الإسلامية لن تكون بأي حال إسلامية إن لم تلتزم بالضوابط الشرعية، وهو ما ينتج عنه أن تكون الهندسة المالية الإسلامية أكثر انضباطاً وآثارها إيجابية على جميع الأطراف بسبب انضباط الأحكام الشرعية وتناسقها.

ومن الواضح أن الاختلاف هنا جوهري.

في رأيك ما الأسباب الداعية لوجود هندسة مالية إسلامية؟

- دوافع وجود هندسة مالية إسلامية كثيرة، من أهمها:

- التحديات التي تواجه المؤسسات المالية الإسلامية كثيرة ومتشعبة، ولعل غياب الهندسة المالية الإسلامية يعد من أهم التحديات، وهو ما تشير إليه الدراسات التطبيقية. ففي دراسة للبنك الإسلامي للتنمية حول التحديات التي تواجه العمل المصرفي الإسلامي، خلصت الدراسة التطبيقية إلى أن أهم تحدٍ يواجه المؤسسات المالية الإسلامية هو غياب أو ضعف الهندسة المالية الإسلامية في هذه المؤسسات ...

وعلى الرغم من أن الدراسة تعود إلى منتصف تسعينيات القرن الماضي، إلا أن تغييرا كبيرا لم يحدث بعد، وقد آن أوانه.

- سد الفجوة بين طلب التمويل وعرضه، أو بمعنى آخر تساعد الهندسة المالية الإسلامية على التماشي مع النمو الكبير الذي يعرفه التمويل الإسلامي كازدياد عدد المؤسسات المالية الإسلامية وازدياد حجم الاحتياجات التمويلية سواء للأفراد أو الشركات أو الحكومات

- البحث عن البديل للهندسة المالية التقليدية خاصة بعد أن اتضح أن الابتكار من خلال الهندسة المالية كما هو في التطبيق أدى إلى اضطراب النظام المالي, وهناك مزيد من التجارب العالمية التي تثبت ذلك باستمرار، ومرد ذلك إلى عدم انضباطها بأية ضوابط أخرى, في الوقت الذي يبحث فيه العالم عن البديل (مهما كانت طبيعته).

- المنافسة من المؤسسات المالية التقليدية التي فرضت على المؤسسات الإسلامية قدراً من التحدي جعل الاقتصاد الإسلامي بأكمله على المحك.

الابتكار والحلول الجديدة دائماً ما تصطدم بالاختلافات الفقهية، كيف يمكننا تجاوز ذلك؟ وباختصار ما موقف المؤسسات المالية الإسلامية وعلماء الشريعة من هذا الفكر أو المفهوم؟

- الاختلافات الفقهية وآثارها على الصناعة المالية الإسلامية في حد ذاتها قضية أصبحت مختلفا عليها، بين من يرى أنها تمثل أحد العوائق التي تحد من انتشار التمويل الإسلامي ومن يرى أنها تؤدي إلى التنوع وإثراء تجربة الصناعة المالية الإسلامية. ومع ذلك فعلينا ألا نغفل بعض الجوانب المهمة هنا. ولتوضيح أهمية القضية وخطورتها دعنا هنا نتذكر ما حدث في ثلاثينيات القرن الماضي، وأذكرها من مقدمة رسالة "هدية السلطان إلى مسلمي الجابان (اليابان)"، للعلامة محمد سلطان المعصومي - رحمه الله - حيث ورد عليه سؤال من بعض سكان بلاد اليابان من بلدتي طوكيو وأوساكا ممن أرادوا أن يدخلوا الإسلام, حاصله: ما حقيقة دين الإسلام؟ فقال لهم جمع من أهل الهند: ينبغي أن تكونوا على مذهب الإمام أبي حنيفة، وقال جمع من أهل إندونيسيا: يلزم أن تكونوا شافعيين. فلما سمع اليابانيون كلامهم تعجبوا وتحيروا فيما قصدوا، وهكذا كانت مسألة المذاهب سدا في طريق دخول كثير من اليابانيين في الإسلام.

وبالرجوع إلى الصناعة المالية الإسلامية، فإن قضية الخلافات الفقهية لا ينبغي أن تكون سدا مانعا لانتشار التمويل الإسلامي، وفي الوقت نفسه يجب عدم التضييق على الناس في معاملاتهم المالية. إذن علينا أن ندرك الآثار التي يمكن أن تترتب على استفحال شدة الخلافات الفقهية في قضايا المعاملات المالية. وإلى الآن لا يبدو - من خلال عمل المجامع الفقهية خاصة - أن قضية الاختلافات الفقهية تشكل عائقاً، لكن مع بداية انتشار التمويل الإسلامي إلى دول غير إسلامية فإن الأمر قد يأخذ أبعاداً أخرى ينبغي التنبه لها. ولعل الحل أن تكون قرارات المجامع الفقهية ملزمة لجميع المؤسسات المالية الإسلامية.

ما مزايا تطبيقها على المؤسسات المالية؟ وهل بالإمكان تحقيق فوائد ملموسة من هذا التطبيق؟

- يحقق تطبيق الهندسة المالية الإسلامية في المؤسسات المالية كثيرا من المزايا, بعضها تستفيد منه هذه المؤسسات ذاتها، وبعضها له أثر على الصناعة المالية الإسلامية ككل. من المزايا التي تتحقق للمؤسسات المالية الإسلامية نجد زيادة قدرتها التنافسية من خلال تلبية الاحتياجات المتزايدة لطالبي التمويل، وبالشكل المناسب، من خلال هندسة وتصميم (على سبيل المثال) تمويلات خاصة بالمشروعات الصغيرة، وأخرى خاصة لمشروعات قطاع معين، وتمويلات ممنوحة لمحدودي الدخل ... وهكذا. وبذلك تشمل الفائدة جميع الأطراف، وهذه ميزة للهندسة المالية الإسلامية ليست متوافرة في نظيرتها التقليدية التي تجعل همها تعظيم ثروة الملاك فقط. كما تتيح الهندسة المالية الإسلامية للمؤسسات المالية فرصة التعامل مع المخاطر التي أصبحت خاصية مميزة للأنظمة المالية، على اعتبار أن أحد أدوار الهندسة المالية هو ابتكار وتطوير أدوات للتحوط وإدارة المخاطر, وكذا إيجاد التقنيات والاستراتيجيات الملائمة للتعامل مع المخاطر. وأيضا من الموضوعات التي يعاد طرحها في كل مرة والتي لها ارتباط مباشر بالهندسة المالية الإسلامية, قضية المشتقات المالية وإمكانية الاستفادة منها في الصناعة المالية الإسلامية. تساعد الهندسة المالية الإسلامية على ابتكار مشتقات مالية إسلامية تتميز بكفاءة المشتقات المالية التقليدية بنفسها وتتفوق عليها بانضباطها وابتعادها عن المضاربات الوهمية التي كانت سببا في كثير من الأزمات المالية.

أما المزايا التي تتحقق للصناعة المالية الإسلامية، فإننا نجد الاعتماد على الأصالة والابتعاد عن التقليد الذي يمكن أن يجعل الصناعة المالية الإسلامية مهددة بأن تفقد شخصيتها وتصبح تابعة للصناعة المالية التقليدية، تعاني من أمراضها ومشكلاتها نفسها، وهي التي يفترض أن تكون حلا لتلك المشكلات. إذن يساعد وجود هندسة مالية إسلامية على حل مشكلة كلية.

هناك ميزة أخيرة مهمة جدا (أعمّ من سابقاتها) وهي تقديم رسالة الاقتصاد الإسلامي، وهو في الأصل موجه للعالم أجمع، فالمتتبع لما يحدث في العالم اليوم خاصة بعد الأزمة المالية العالمية الأخيرة يلاحظ أنَّ الاقتصاد العالمي أصبح اليوم يبحث عن بدائل وحلول جديدة، وهو على استعداد لقبولها ما دامت تحقق أهدافه، وبيان ذلك واضح من خلال توجه كثير من الدول الغربية نحو التمويل الإسلامي ... لهذا تبرز الفرصة مواتية لتقديم هذه الرسالة.

ما أبرز التحديات والعوائق التي تقف أمام تطور هذا المفهوم؟

- لا شك أن التحديات التي تحول دون تطور الهندسة المالية الإسلامية كثيرة خاصة مع حداثة التجربة المالية والمصرفية الإسلامية. أول تحدٍ هو غياب الكفاءات البشرية التي تتمتع بمعرفة بأساسيات العلوم المالية والمصرفية, إضافة إلى الإلمام بالعلوم الشرعية.

تحدٍ آخر يتمثل في مدى قناعة المؤسسات المالية الإسلامية بوجود وظيفة متخصصة في الهندسة المالية الإسلامية (على نحو ما هو مشاهد في المؤسسات التقليدية) .. هذا على الرغم من وجود نوع من الإدراك لأهمية الهندسة المالية ذاتها، ويعني اقتناع هذه المؤسسات بزيادة ما يتم تخصيصه كإنفاق على البحث والتطوير.

كيف يمكننا تجاوز مثل هذه التحديات؟

- النقطة الأساسية التي يمكن انطلاقا منها تجاوز كثير من التحديات هو الإدراك لأهمية الهندسة المالية الإسلامية للمؤسسات المالية وللأسواق المالية، ويترتب عن ذلك ما يلي:

- تقديم تكوين متخصص في الهندسة المالية الإسلامية لتخريج مهندسين ماليين شرعيين. وأود التذكير بأهمية هذا العنصر، ففي الولايات المتحدة على سبيل المثال ساعد على ظهور الهندسة المالية وانتشارها إدراك المسؤولين على مستوى بورصة وول ستريت وبقية المؤسسات المالية (في بداية التسعينيات) أن هناك حاجة ماسة لنوع جديد من التدريب لخريجي الدراسات العليا، حيث أراد هؤلاء أن يكون متعاملوهم وموظفوهم على دراية بمهارات الرياضيات المالية وبعض تدريبات المالية. وهنا بَدأت الجامعات بالرد على هذا المطلب ببدء برامج الماستر في الهندسة المالية. وفي الوقت الحالي تعد هذه البرامج جد مطلوبة ومتوافرة في كثير من الدول الغربية. وعلى الرغم من التأخر الحاصل إلى الآن في الدول العربية والإسلامية بهذا الخصوص، فلا بد من التنويه بما قامت به جامعة الإمام محمد بن سعود من مبادرة هي الأولى في العالم بإنشائها مركز الهندسة المالية الإسلامية, الذي يسعى لأن يصبح متميزاً على الصعيد الدولي في مجال تطوير وابتكار حلول وأدوات مالية جديدة وملائمة تجمع بين المصداقية الشرعية والكفاءة الاقتصادية العلمية. ولعل من المفيد أن يتم توسيعه مستقبلا ليقدم تكوينا علمياً متميزا في الهندسة المالية الإسلامية.

- المزيد من الإنفاق على البحث والتطوير.

- وجود وظيفة متخصصة (وظيفة مهندس مالي شرعي) ضمن المؤسسات المالية الإسلامية، مهمتها الأساسية العمل على تصميم وتطوير المنتجات المالية بناء على احتياجات السوق.

- عقد المؤتمرات والندوات التي تبين مدى أهمية الهندسة المالية الإسلامية وضرورتها للمؤسسات المالية الإسلامية، مع البحث عن وضع أسسها الواضحة وحدودها وضوابطها...

هل هناك كفاءات بشرية قادرة على تطوير هذه المفهوم, وبالتالي تحقيق نتائج إيجابية من ورائه؟

أشرنا سابقا إلى أن أحد التحديات التي تعوق انتشار الهندسة المالية الإسلامية نقص الكفاءات البشرية المتخصصة. فهو إذن مطلب ملحّ في الوقت الحالي.

ويستدعي التخصص في الهندسة المالية الإسلامية الإلمام بالعلوم المالية, إضافة إلى العلوم الشرعية, وبشكل دقيق فقه المعاملات، ومسؤولية تأهيل هؤلاء يمكن أن يتحملها أكثر من طرف، لكن العبء الأكبر يقع على الجامعات ومراكز التدريب، حيث يجب عليها تغطية هذا الجانب من النقص، على نحو ما أشرنا إليه سابقا. وأستغل هذا المنبر لأدعو الإخوة القائمين على أول كلية متخصصة في الاقتصاد الإسلامي بجامعة الإمام محمد بن سعود، إلى العمل على تقديم شهادة متخصصة في الهندسة المالية الإسلامية، وهذه يمكن أن تكون تخصصاً فرعياً ضمن قسم المالية.

وعموما يتطلب الأمر في الأخير تضافر جهود جميع الفاعلين في الساحة المالية الإسلامية.

وختاماً أقول: إن ظاهرة الهندسة المالية الإسلامية ظلّت موجودة منذ القدم, ولا شك أن المخارج الفقهية التي اقترحها روّاد المذاهب الفقهية في محاولة التيسير على المسلمين في تعاقداتهم المالية وفقاً لضوابط الشرع الإسلامي, لا تخرج عن دائرة "الهندسة المالية الإسلامية". ويمكننا من خلال تتبع التاريخ الإسلامي الوصول إلى أنه تم استخدام الهندسة المـالية في كثير من المعاملات المالية الإسلامية، ونحن ندرك أن التراث الفقهي للمسلمين غني وثري جدا، وفيه من الكنوز المخبوءة الكثير، تحتاج إلى من ينقب عنها ويستخرجها، وستكون جد مفيدة للصناعة المالية الإسلامية.

المصدر: المصرفية الإسلامية

http://www.almasrifiah.com/2010/02/01/article_342415.html