كيف تغيّر اللغة الركيكة في التطبيقات والمواقع وعي المستخدم؟
كيف تغيّر اللغة الركيكة في التطبيقات والمواقع وعي المستخدم؟
في عالم التطبيقات الذكية، تتجاوز اللغة كونها أداة تواصل، لتصبح وسيلة تشكيلٍ للذائقة الجمعية بشكل غير مباشر، عبارات عابرة يواجهها المستخدم كل يوم: "تم الإرسال بنجاح"، "اضغط هنا"، "تم الحفظ"... قد تبدو محايدة وعادية، لكنها مع التكرار، تغرس نماذج تعبيرية داخل وجدان المتلقي.
الركاكة اللغوية في واجهات التطبيقات لا تتوقف عند خطأ نحوي أو تركيب غير متماسك؛ بل تمتــــــــــــــد إلى التأثير في كيفية تفكير الناس، وتعبيرهم، وفهمهم لذاتهم وهويتهم اللغوية. إنها نوع من "التطعيم الثقافي اليومي" بلغة مشوّشة، تُرسَّخ دون وعي.
تؤكد دراسات في علم النفس اللغوي والاجتماع، أن التعرّض المتكرر لنماذج لغوية محددة يؤثر في طريقة معالجة الفرد للمعلومات الثقافية، ويعيد تشكيل استجاباته الفكرية تدريجيًا.
كما وجدت دراسة منشورة عام 2018 أن صياغة الرسائل النصية في التطبيقات تؤثر في مستوى ثقة المستخدم وسلوكه التفاعلي، بما يعني أن اللغة لا تنقل فقط المعلومات، بل تبني شعورًا داخليًا يتراكم مع الاستخدام وينتقل بلا شك بعد زمن ليشكل وعي المتلقي لترسخه بذاكرته.
وهكذا، تكون اللغة الركيكة بمثابة تطعيم ناعم يمرّ عبر الشاشة إلى اللاوعي الثقافي، ويُعزز نماذج تعبير سطحية وغير أصيلة، خصوصًا لدى الأجيال التي تتربى على التواصل الرقمي منذ الطفولة وهذا قد يصل بهم لدرجة الاحتجاج بهذه النماذج الرقمية للاستدلال على صحة التعبير وسلامته، فقد يقول أحدهم مثلاً أن قولنا “تم حذف الحساب بنجاح” هو أفصح وأفضل من أن تقول “حُـذف الحساب بنجاح” ويستدل أن التطبيق الفلاني - لعلامة في مصاف العلامات العالمية - تستخدم هذا الأسلوب ! وهذا لا يستقيــــم أبداً.
إن المحتوى الرقمي اليوم هو مرآة لا تعكس الواقع فقط، بل تُعيد تشكيله، ومن هذا المنطلق، فإن اعتماد لغة سليمة في تجربة المستخدم ليس ترفًا بل ضرورة حضارية. ولا نقول إن استخدام اللغة السهلة خطأ، بل إن الخطأ أن تُصبح السهولة بوابةً للتسطيح، والتفريط في البناء اللغوي. فالتوازن بين البساطة والرصانة هو مفتاحنا، و"التطعيم اللغوي الناعم" هو سبيلنا نحو بناء ذائقة جماعية، تُنقذ الفصحى من التهميش، وتُعيد لها حضورها الطبيعي في حياة الناس... كل يوم، بهدوء، ووعي، واستمــــــــــــــــــــرار.