تحليلات

تحليلات سياسية - شئون دولية

امريكا: تسحب قواتها من أفغانستان لتعود من بوابة داعش  

تحليلات سياسية- شئون دولية - داعش

12-8-2021

لن يكون الحال من الانسحاب الأميركي  في تشكيل  توازن داخل أفغانستان او محيطها الإقليمي كما رغب  الكثير من المراقبين للوضع. ولن يسمح ذلك  الانسحاب لدول الجوار ، لا سيما باكستان والهند والصين وروسيا وتركيا كممثلة للناتو، بالقيام بمسؤولياتها للحيلولة دون اندلاع حرب أهلية, كون امريكا بشكل غير مباشر, قد عملت جاهده في ضمان عودة منظمات متطرفة للعمل داخل البلاد وخارجها، "داعش" مستخدمة افغانستان نقطة انطلاق جديد لنشاطها. دلالات وشواهد تعزز ان إنسحاب امريكا بقواتها من أفغانستان هي مكر مكروه لتعود لها من بوابة داعش  

 امريكا استغلت التناقض بين دول الجوار حول  قضية افغانستان, ولمعرفة امريكا ان  هذه  الدول لا تمتلك  رؤية واحدة  نحو مستقبل أفغانستان، مع معرفتها ان الهدف الجامع بينها و أن يخرج الأميركيون، وألا يبقى لهم أي قواعد عسكرية أو نقاط عمل تحت سيطرة الاستخبارات الأميركية تحت مسمى مكافحة جماعات الإرهاب لا سيما الذريعة الجديدة  تنظيم «داعش»، ما عدا ذلك فلكل  دولة هدف ولكل دولة جوار مصالح متباينة حول افغانستان، ولا تحتاج امريكا الى الجهد الاستخباري لمعرفة ذلك , فهذا يتضح من طبيعة تحالفات كل دولة مع الداخل الأفغاني المتنوع والمتشرذم، وهي تحالفات تصطدم بعضها ببعض، وتلعب دوراً كبيراً ورئيسياً في استمرار الأزمة الأفغانية، ناهيك عن التخوف الاسرائيلي الامريكي من توسع  التأثيرات الإيرانية لدى شيعة أفغانستان في شمال غربي البلاد ,حسب زعمهم.

نشاط داعش وظهورها ميدانيا ليس مريب للشك, ولنا في  سيناريو ظهوره في العراق دلالات كافية لتعرفنا بمن يستغله ويوظفه, فأينما تواجدت امريكا وانتشرت قواتها  وبالذات في الشرق  الاوسط, يواكبه ظهور جماعات داعش المتطرفة, و لهذا فظهور  داعش في افغانستان وبالذات حول المنطقة التي  تحيط  اكبر قاعده لهم في افغانستان لدليل كافي من يصنعه, وسرعة  سطوعه كقوة على الميدان متزامنا مع عزم امريكا  انهاء تواجد قواتها عمليا وميدانيا, والبدء عمليا في تنفيذ عملياتها العسكرية في أفغانستان.   

شواهد اخرى تصريحات الخارجية الروسية الصريحة, بدعم امريكا لداعش المستمر  في افغانستان وحمايتها من هجمات طالبان, وفق مصادر روسية قالت المتحدثة باسم وزارة الخارجية الروسية، ماريا زخاروفا، خلال مؤتمر صحفي عقد مؤخر في شهر يوليو2021  الى هناك معلومات كافية تشير إلى تعاون الولايات المتحدة مع "داعش" في أفغانستان. حيث قالت في ذلك المؤتمر  "أثارت لدينا تحليقات مروحيات لم تحمل أي علامات تسجيل وتم رصدها منذ العام 2017 داخل مناطق أنشطة مسلحي داعش، خاصة شمال أفغانستان أسئلة كثيرة". وتابعت: "بحسب مصادر أفغانية، جرى من خلال هذه الطائرات تزويد تشكيلات داعش بتعزيزات بالقوة الحية والأسلحة والذخائر. كما تم بواسطتها نقل القتلى والجرحى بين الإرهابيين من ميادين القتال".واكدت زاخاروفا إلى أن هذه المعلومات تم كشفها مرارا وهي تتطلب اهتماما من قبل المؤسسات الدولية، موضحة: "لم يكن ممكنا القيام بمثل هذه الأنشطة دون علم الولايات المتحدة والناتو اللذين يسيطران بشكل كامل على المجال الجوي لأفغانستان". كما لفتت المتحدثة باسم الخارجية الروسية إلى أنه تم تسجيل "ضربات دقيقة من قبل القوات الجوية الأمريكية إلى مواقع عناصر طالبان الذين خاضوا معارك مع داعش".وعززت بأن "مثل هذه البراعة تشير إلى بشكل لا بس فيه إلى وجود تعاون. نعتقد أن هذه المعلومات كافية للتوصل إلى استنتاج حول التعاون بين الولايات المتحدة ومسلحي داعش". وسبق أن قال المبعوث الخاص للرئيس الروسي إلى أفغانستان، زمير كابولوف، خلال فعالية لندوى "فالداي" للحوار، إن روسيا تلقت معلومات حول حقائق دقيقة لتعاون مجموعة القوات الأجنبية بقيادة الولايات المتحدة مع تنظيم "داعش" في الأراضي الأفغانية. هذه الدلالات تعزز ان امريكا تنسحب من باب رسمي  دبلوماسي لتعود الى نفس الاراضي بتواجد مليشيا داعش. وهنا يمكن اعتبار انسحاب الولايات المتحدة من أفغانستان، بمثابة خطة وراء الكواليس لنشر الإرهاب في آسيا الوسطى بأدوات داعش.  وقد لا تكتفي امريكا بذلك في افغانستان , فهنالك دلالات في الواقع،  حول ما تحاول الولايات المتحدة من هدفها في نشر داعش في افغانستان هي  تجربه  لتستمر في نشره طاجيكستان ثم اشغال أوزبكستان وتركمانستان وقيرغيزستان , كما اكانت تجربة العراق لنشره في سوريا وليييا , لأنه في  مسألة وجود داعش ونفوذها. ستجد امريكا ذرائح للتدخل في سياسات دول  المنطقة لأجل  مكافحة  الإرهاب والتطرف في آسيا الوسطى ، مما يمهد الطريق لوجودها في المنطقة وكذلك خلق تهديد أمني للاعبين المنافسين.

 

دلالات  ضمنية , وهو  "التسليم السخي لمحتوى القاعدة الامريكية لداعش ليلا", حيث يصف الحال  الكثير من المحللون بالقول ان  هذا "التسليم" (ان صحت التسمية بانه تسليم),   بالسخي للغاية من امريكا وبلا شروط حسب وصفهم. ولكن هنالك شيء ملفت للنظر في "التسليم السخي", طريقة التسليم؟  فقد  خرجت قوات الولايات المتحدة خِـلسة من القاعدة أثناء الليل بعد قطع التيار الكهربائي ولفترة طويله. حال فيه ريب وشك, بالذات حيثيات التسليم, انقطاع الكهرباء, حدوث نهب وعبث بالقاعدة, سمح الانقطاع الأمني الناجم عن ذلك للناهبين واللصوص بكنس القاعدة, فهل يحتمل  ان يكون  التسليم  في الظلام تم لداعش؟ سيناريو مشابه لما حدث  في العراق من انسحاب  امريكي ودخول داعش بغداد  بمعدات واسلحة لا يمكن ان تمتلكها داعش دون وجود كل  الدلالات تشير الى ان امريكا  وراء حصولها على تلك المعدات التي لم تمتلكها السلطة العراقية في حينه. فهل كان تسليم لداعش "لولاية خرسان" تحت ذريعة دخول  لصوص ونهابين بحثا عن الغنائم؟ ولماذا لم تنتظر حتى وصول القوات الافغانية؟ ولماذا تركتها وبحال  تسهل العبث  والنهب بما فيها قبل أن تصل القوات الأفغانية وتستعيد السيطرة؟ قد تتذرع امريكا بانه تكتيك لانسحاب امني سري لحماية قواتها, أي ان المقصود ضمنا, كما سنسمع من القيادات الامريكية, من انسحاب الولايات المتحدة بهذه الطريقة  يرقى إلى تأييد تعريض حياة الأميركيين للخطر. ولكن  الحقيقة لها رغبة في تعريض الأفغان للخطر حقا.  حيث وعين التنظيم قد وضعت القاعدة العسكريه هذه في اجندتها, ففي استعراضٍ للقوة، أصدر تنظيم داعش- ولاية خراسان بيانات عدة ادّعى فيها وقوع هجمات على قاعدة باجرام الجوية الواقعة في شمال كابول في أوائل عام 2020.  

شواهد من التاريخ السياسي لامريكا , تعزز ان هذا الاسلوب من التسليم الامريكي ليس بالجديد, بل سمة في سياسات امريكا بما يخدم مصالحها, تتكرر  الخطوط العريضة لمثل هذه السيناريوهات وتختلف فقط تفاصيل القصة,  لنتذكر هنا آخر مرة خرجت فيها أميركا من حرب لم تكتمل: في عام 1973، خرجت وتركت مصير  من زعمت بأنهم حلفائها على نحو متعجل في جنوب فيتنام ليواجهوا الجماعات المناهضة. مما سبب في فوضى عارمه  في العام التالي و بلغ عدد القتلى بين الجنود والمدنيين في جنوب فيتنام نتيجة للصراع الى ثمانين ألفا، مما جعل ذلك العام أكثر الأعوام دموية في حرب فيتنام على الإطلاق. وسيناريو مشابه أن الولايات المتحدة سلمت كمبوديا فعليا إلى منظمة متطرفة " عرفت في حينه بجماعة "الخمير الحمر الشيوعية المتطرفة" والمدعومة من الصين، والتي واصلت تنفيذ فظائع لا يمكن تصورها.

محاكاة لم قام به التنظيم في العراق من في يناير 2015، أعلن تنظيم داعش عن إنشاء فرع ولاية خراسان مع المنشقين عن حركة طالبان الباكستانية، وقادة مقاتلين مستقلين. وتزامن هذا الإعلان مع التسجيل الصوتي الذي ألقاه المتحدث باسم داعش أبو محمد العدناني بشأن التوسع الجغرافي للتنظيم في مناطق في أفغانستان وباكستان. في باكستان، كسب دعم الفصائل الطائفية مثل “عسكر جنجوي العلمي”، و”جند الله”، و”عسكر الإسلام”. وفي وقتٍ سابق، حشد الدعم الشعبي المتشدد من جماعات هامشية وأقل شهرة مثل “جبهة سعد بن أبي وقاص” (لوجار، أفغانستان) و”التوحيد والجهاد” (بيشاور). كما استغل تنظيم داعش الاقتتال الداخلي داخل إمارة أفغانستان الإسلامية التي تقودها طالبان. وقد أتاحت الأزمة داخل حركة طالبان فرصة لداعش لإعادة بناء شبكته في المنطقة وتوسيعها. وعلى الرغم من أن هذه التحالفات المسلحة لا تزال غامضة، فإن داعش-ولاية خراسان قد استغل بلا شك المنافسات الداخلية القائمة، باستخدام القوة المسلحة، واستمالة الشبكات المحلية.

ما يعزز الرأي بان امريكا هي وراء داعش في افغانستان , هو ما يراه بعض المحللين أن  ظهور التنظيم وسر صموده يعود الى الدعم السري قبل امريكا, والتي  اشارات اليه الخارجية الروسية كما اسلفنا الذكر, كأحد اهم  الاسباب وراء قدرة تنظيم داعش-ولاية خراسان على الصمود، ولكن من الصعب إثبات صحة هذه الادعاءات. ومن المستبعد استنتاج أن التنظيم قد شارف على الهلاك في أفغانستان وباكستان، حيث أن جذوره راسخة في الديناميات المحلية، أكثر من كونها مرتبطة بالقضايا في سوريا أو العراق.

ونظرا لأن داعش كيان دخيل وبلا جذور إجتماعية أو مذهبية فإنه غير قادر على التمدد فى التربة الإجتماعية لأفغانستان ولا يمكنه التواجد بغير إسناد الإحتلال الأمريكى. وهو السبب   يمكن القول، بغض النظر عن عمليات الاستسلام الجماعية، والخسائر في صفوف القيادة وغيرها من النكسات العسكرية في الماضي القريب، فإن توفر المجموعة الكبيرة من المقاتلين الأجانب وكبار قادة طالبان المنشقين والمنضمين إلى جانبه من باكستان، وجاذبية المُثُل الأساسية للتنظيم في المنطقة، لا تزال تشكل عناصر أساسية لبقاء التنظيم وصموده.

وهنا نلاحظ ايضا انه اينما انتهت امريكا من تواجد عناصر  التنظيم في منطقة, لا تتحرج في دعمه لينتقل الى منطقة اخرى يخدم مصالحها , ففي تصريح لوزير الدفاع الروسي يشير الى ان  الانسحاب الأمريكي السريع من أفغانستان هو سبب تزايد النشاط الإرهابي، ويؤكد  سيرغي شويغو  أن مسلحي تنظيم داعش ينتقلون من سوريا وليبيا إلى الدولة الأفغانية. في اتهام ضمني ان امريكا وراء انتقالهم.

ومن الشواهد القوية, هو التناقض في قلق  رؤساء الاستخبارات الغربية من تقييم خطر التهديدات الارهابية, حيث يعبر رؤساء المخابرات الغربية  عن قلقهم، وهو في الواقع ليس سبب وجيه لمثل هذا القلق. حسب تداولهم انه أدى الانسحاب السريع لبقية القوات الغربية من أفغانستان مؤخرا، بموجب مرسوم أصدره الرئيس الأمريكي جو بايدن، إلى تشجيع عناصر حركة طالبان. في واقع الامر ليس التهديد الحقيقي اليوم في افغانستان من طالبان وليس من عودة شبح القاعدة , الخطر الحقيقي يكمن في تمكن داعش من الدخول في كابول قبل طالبان والسيطرة عليها, وقد يتكرر سيناريو دخول  داعش بغداد في العراق, في دخول  داعش كابول. ونجد انه بالرغم من تعهد طالبان بأنها لن تسمح بأن تصبح أفغانستان قاعدة للإرهابيين الذين قد يهددوا الغرب "داعش" والقاعدة الا اجهزت الغرب ما زالت لم تعتبر داعش تهديدا خطرا, وما زالت تقيم توسع حركة طالبان على انه شبح لعودة الارهابيين لحكم كابول, تناقض مفضوح.

داعش اداة اقليمية في تعطيل المشاريع الانمائية الاقليمية, وبالذات في المناطق  التي يصعد وبقوة اهتمام منافسيها الدوليين الصين وروسيا, فالغرب وامريكا  لم يعبروا لا بشكل علني, كما يفعلوا تجاه تقييمهم لطالبان , ولا حتى بشكل  ضمني   عن مدى  خطورة تواجد داعش وتوسعه وبشكل ملفت في افغانستان كتهديد بالرغم من اعلان التنظيم  تبني مجموعة من العمليات الارهابية داخل  كابول مؤخرا., ولكن ما يزال  تقييمهم لخطر طالبان لم يتراجع, لأن تواجد تنظيم إرهابي كداعش في المنطقة وتحت تصرفهم ,  سيسهم في تثبيط طموحات الدول  المجاورة من تحقيق التوازن الداخلي و الاستقرار الاقليمي في المنطقة , وقد تم توظيف داعش في العراق وليبيا وكانت داعش كفيلة لتحطيم الاحلام, والان داعش ستعيد سيناريو عرقلة المشاريع في المنطقة والاقليم المحيط ,  فحلم الصين سيتضرر اولا بتمكن داعش من التوسع, حيث تسعى بكين منذ فترة لأن تخلق من أفغانستان ممرا آمنا لمشاريعها الاستراتيجية "طريق الحرير"، إذ تشكل أفغانستان ممرا إجباريا للصين نحو الدول الإسلامية في غرب آسيا، هذا لو رغبت في تجاوز الهند، منافستها الإقليمية. ولذلك فإنه يمكن تشبيه حال انسحاب  امريكا من افغانستان, كحال تبادل  مناوبات حماية مصالح بين توظيف تواجد قواتها النظامية وبين انسحابها وتوظيف داعش في المنطقة لخلق عدم توازن في الداخل اولا, وبعد انسحابها رسميا, وخلق الفوضى اقليميا, حيث يأتي تواجد داعش بقوة في افغانستان,  كمحطم الاحلام الاقليمية نحو افغانستان, فلن تسمح امريكا ومن خلال  توظيف تواجد داعش  لباكستان بتحقيق نفوذ واسع, وان ظن الكثير ان امريكا تعول عليها نظراً لعلاقاتها القديمة الجديدة مع حركة «طالبان» ولن يتحقق ما  تتطلع إليه بأفغانستان مستقرة تسمح لها بالمشاركة في مشروعات تنموية تفيد البلدين، والاكثر من هذا فقد نجحت امريكا في توظيف التيارات الاسلامية سابقا في تحطيم طموح واحلام الروس نحو افغانستان, والان لن تسمح امريكا وعبر ادواتها الجديدة في تحقق احلام الروس والتي من جانبهم يطرحون فكرة حكومة انتقالية تشارك فيها حركة «طالبان» لمنع الانزلاق لحرب أهلية , وحتى ان بدت الفكرة فرصها كبيرة يطالب بها الجميع، حتى وان كانت  الفكرة قريبة من الطرح الأميركي  حيث  طالبت الفكرة  بتشكيل حكومة جامعة جديدة.  وطالبان الطامحة في اعادة سيطرتها على افغانستان بدأت تستشعر خطر وجود داعش في بلدهم  ففي شهر حزيران/يونيو من هذا العام حذر بعض قيادات  طالبان الأفغان  زعيم تنظيم ""الدولة الإسلامية""  داعش من أي محاولة للتمدد في بلادهم، بعد اشتباكات في الشرق بين مقاتليهم وآخرين يقولون إنهم ينتمون إلى تنظيم ""الدولة الإسلامية"".

وفق تصريحات  مؤخرا نسبت لقيادات من حركتي طالبان أفغانستان وطالبان باكستان وكذلك من قيادات  القاعدة في افغانستان فإنهما لا تعترفان  بما يدعى بزعيم تنظيم "الدولة الإسلامية", زعيم داعش, أبو بكر البغدادي كخليفة للمسلمين، كما أنهما لا تعترفان بداعش كجماعة جهادية تتوافق مع عقيدتهم  الجهادية وتوجهاتهم الجوهرية الجهادية, ويستبعد كل المحللين  حتى ان يكونوا  معهم في بناء دولتهم الاسلامية القادمة اذا سقطت كابول في ايديهم, كما عملوا سابقا مع تنظيم القاعدة" الافغان العرب" سابقا بعد خروج الاتحاد السوفيتي.

ومع تكرار امريكا في التعبير عن مخاوفها من تمدد داعش الا ان هذا ليس كافيا ليزيل التهمة عنها في كونها من تصنع داعش, وبالرغم من سعي  طالبان في الحد من سيطرة داعش  على اراضي افغانيه الى ان هذه    المخاوف اصبحت تهديدا واقعيا حيث اصبح لداعش موطئ قدم قوي في أفغانستان، وهذا كما اسلفنا نتيجة للدعم الامريكي, حيث تحدثت بعض التقارير عن وجود ما بين 1000 الى 1500 مقاتل في أجزاء من شرق البلاد، من مقاتلين غرب وعرب  واجانب  وافغان,  فيما استمر  خبراء الأمم المتحدة من التصريح بخطورة انتشار داعش في افغانستان وأن التنظيم الإرهابي قد "انتقل إلى ولايات أخرى و عزز مواقعه في كابول وحولها، حيث ينفذ معظم هجماته الا انه لم تقم بأي اجراءات ملموسة تحد من نشاط انتشاره.

وفي الاخير داعش في أفغانستان.. جزء من السلام الامريكي التي تمنحه لأهل الارض كما منحته سابقا للعراق وسوريا وليبيا, وداعش هي أداة امريكا لشن  الحرب الجديدة . الولايات المتحدة لا تمنح سلاماً لأحد، سواء  غوت بقواتها او بميليشياتها ومرتزقتها, بل تمنح أنواعاً مستجدة من الحروب. إنها لا توقف حرباً أبدا، بل تستبدل حرباً بحرب ـ وغايتها من كل أنواع الحروب هو أخضاع الآخرين لأهدافها، وهكذا يمكن الجزم ختاما أن الاستراتيجية الأمريكية هى ”عرقلة” أفغانستان، أي تحويلها إلى عراق أخرى، باستخدام أهم أدواتها فى العراق وهُمْ الدواعش.

المصدر :مركز آيلس للدراسات  

 


الصراعات بالمجتمعات العربية: نتيجة تدخلات اقليمية ودولية تخريبية لتعزيز  سلطات ضعيفة وتغييب الدولة(حالة اليمن)

 مقال تحليلي

2021-1-6

حينما تطرح الكثير من  التساؤلات عن الصراعات بالمجتمعات العربية,  والتدخلات الاقليمية والدولية في هذه الصرعات,  تنصرف الأذهان في الغالب إلى طرح اسباب اجتماعية وسياسية مثل مشكلات تهميش الأقليات الدينية والعرقية(صراع الاقليات)، والبعض يذهب  الى تصنيف اسباب اخرى للصراعات  بانه صراع على السلطة بين السلطة والسلطة الخفية( أي بين السلطة والمعارضة), أي (صراع  "الأكثريات"، أي  بين  الغالبية الشعبية)  والبعض يصنفها بتصنيفات بانها  حروب  اهلية بين السلطة والدولة العميقة. وغيرها من التصنيفات والذرائع السياسية ونادرا ما يربطوها بانها  نتيجة تدخلات اقليمية ودولية في الشئون الداخلية لذلك المجتمع.  ولو نظرنا الى حقيقة وجوهر  هذه الصراعات في المجتمعات العربية واخذنا حالة دراسية  اليمن ,واستخدمنا أداة الخط الزمني ووضعنا فقط تواريخ انفجار  الصراعات في مجتمع فقير  وقليل الوعي سياسيا – اليمن منذ 1960- وحتى الوضع الراهن 2021, لوجدنا حقيقة مطلقة من واقع تشخيص اسباب هذه الازمات بعيدا عن الذرائع السياسية التي تم افتعالها حين حدوثها , لوجدنا  انه عندما يدخل أي بلد تقليدي قبلي ومحافظ وفقير  (اليمن) في صراعات داخلية، او حروب أهلية، فإن  وراء هذا تدخلات إقليمية ودولية، لها أطماع استعمارية  توظف القوى الداخلية وتدعم بعضها ضد بعضها الآخر، من أجل تمرير مشروعاتها الخاصة.

 وكما هو الحاصل في اليمن ومن خلال  تحليل  خط  زمني لصراعات خلال الفترة منذ 1960- وحتى الوضع الراهن 2021.  تجدون انه في كل  ازمة او صراع كانت  كل او بعض  الأطراف مجرد أدوات  بيد دول الإقليم كالسعودية ومن ورائها  من دول  كبيره كبريطانيا وامريكا وغيرها، وما يقوم به  أي طرف محلي من تصعيد واستفزاز سياسي او ايدلوجي او ديني يدفع كافة الاطراف الاخر في الدخول في  الصراع ليتم تحميلها  السبب في ذلك الصراع , ولكي يتم توظفه كذريعة, وشماعة  لتحميله نتائج ما يصل إليه الوضع في ذلك الحين, وذريعة للتدخل المباشر او غير المباشر الاقليمي والدولي، ويبقى التدخل  الاقليمي ( السعودي) الذي هو السبب الجوهري والرئيسي لتفجير هذه الازمات  والصراعات الممنهجه  والتي ظهرت كل  خمس سنوات خلال  هذه الحقبة بعيدا عن اللوم , وهكذا تحقق  السعودية من تدخلها الاقليمي لتحقيق اهدافها الاستراتيجية والجيوسياسية طويلة الاجل  وعلى رأسها  تعزيز  سلطة تحت الوصاية , وتنجح في  اضعاف  الدولة الى مستوى يبقيها منكسرة ولكن بمستوى لا يسمح لها بالانهيار كليا. وقد تناول  الكاتب  الامريكي  جونثان هذا بقولة "قد هدفت الاستراتيجية الحربية السعودية، على امتداد النزاع، إلى تدمير اليمن وإضعاف الدولة إنما مع الحؤول دون أن يؤدّي ذلك إلى انهيارها بالكامل – وهو ما يمنح السعودية راهناً فرصاً أكبر لتقديم "يد المساعدة" في إعادة الإعمار. تُظهر بيانات جمعتها وزارة الزراعة والري اليمنية أن السعودية تعمّدت، بين آذار /مارس 2015 وآب/أغسطس 2016، استهداف السدود والخزّانات والقطاع الزراعي والأسواق في حميع المحافظات تقريباً، لا سيما على مقربة من الخطوط الأمامية للنزاع في مأرب وصنعاء وتعز وعدن. بين آذار/مارس 2015 وأيلول/سبتمبر 2017، استهدفت 356 غارة جوية سعودية مزارع في اليمن، وشُنَّت 174 غارة على أسواق تجارية، و61 غارة على مستودعات للمواد الغذائية، وفقاً لإحصاءات صادرة عن مشروع بيانات اليمن (Yemen Data Project)، ما يُشير إلى تركيز متعمّد على جعل الوصول إلى المواد الغذائية رهناً بقوّة السلاح، وعلى فرض "الاعتماد الكلي على الواردات الغذائية من أجل البقاء". لقد استخدمت الرياض هذه المساعدات وسيلةً للاستحواذ على السيطرة. ووفقاً للجنة الإنقاذ الدولية، تلجأ خطة العمليات الإنسانية الشاملة في اليمن، التي تحصل على التمويل من الائتلاف الذي تقوده السعودية – وتؤمّن المواد الغذائية والأدوية والمساعدات التجارية إلى اليمنيين – إلى "التكتيكات الحربية" بدلاً من تلبية الاحتياجات الإنسانية الفورية في البلاد.

  كيف تقوم  التدخلات الاقليمية والدولية التخريبية في تغذية  الصراعات بالمجتمعات العربية, والهادفة الى تحقيق  سلطات ضعيفة تتمكن في إحكام وصايتها عليها وتغييب الدولة, وذلك خلال ادوات واساليب متكررة وشبه ثابته في كل  ازمة  بعد تغذية الصراعات العرقية والطائفية والحزبيه وتفجيرها بالتوقيت الذي يخدم مصالحهم , كحال  اليمن, في احتضان رئيس قدم ا  مجبره على توظيف ادوات الصراع في ذالك الحين كردة فعل لمنع خروج السلطة عن الوصاية, وتستمر بالتغذية من خلال   تلك الادوات التخريبية الاستراتيجية والسياسية والاجتماعية والايدلوجية  استقالته, اسقت البرلمان شرعيته , اسقط الشعب  بالخروج عليه شرعيته, انتهت مدة ولايته وفق مبادرة صنعتها السعودية, يعني  لم يتبقى له أي شرعية , فقامت في انقاذ مشروعها التخريبي في اليمن, من خلال الزعم بإعادة شرعية من لا شرعية له, وفرضه بالقوة, تدخل  اقليمي من دول  الاقليم وبرعاية دولية امريكية باستراتيجاتها الناعمة اغلبها لتحقيق تصعيد الصراع بين الاطراف  المحلية وتفجير الموقف  حسب ما استلزم الحال . وعبر تلك الأساليب  التي  توظفها هي ؛ ومنها دفع اطرافها المحلية (المرتزقة)  الى تصعيد الصراع المحلي وثم  تقوم بإدارة  الصراع (بتدخل عسكري جائر) عبرهم. وهكذا أصبحت استراتيجية العنف   لتغذية  وادارة الصراع  والعنف السياسي  هي الوسيلة الوحيدة والاسرع لادارة الملف  اليمني من قبل دول  الاقليم (تحالف العدوان) ومن ورائهم من الامريكان, لتحقيق أهدافها الاستراتيجية والاقتصادية والأيديولوجية , زاد عن التدخلات خلال  الفترات السابقة  المذكورة اعلاه والتي قد تتجاوز نصف قرن في كونها( أي  دولة السعودية) خرجت من خلف الكواليس في ادارة ازمات خمسية صنعتها, الى الواجهة لقيادة العدوان لا يخدم الا مصالحها ومصالح من ورائها من الامريكان والصهاينة  للسيطرة على مقلدات البلد الاقتصادية  وثرواته ولأهمية موقعه الجيواستراتيجي  على ممرات مياه دولية.

 

لنسرد ما وظفته دولة العدوان السعودية في تدخلاتها الاقليمية قبل هذا العدوان الى المرحلة الراهنة بتدخل  اقليمي  لم يسبق له مثيل بعدوان غاشم وحصار جائر وتخريب اقتصادي سبب كارثة انسانية من صنعه, لا مثيل لها اطلاقا. فقد وظف العدوان ادوات واساليب كثيرة تخريبية من خلف الكواليس وعلى النحو التالي:

  من تلك الاساليب من التدخلات في اليمن   والهادفة الى تعزيز وصايتهم هو صناعة  سلطة  بنظام   سياسي متصلب, وقد نجحت في ذلك في السبعينيات وانهت مشروع دولة بإدارة اكبر عملية اغتيال لرئيس الدولة الحمدي, الذي بدأ يشكل تهديدا قوميا لهم حسب تقديرهم, بتهميش السلطة وتعزيز الدولة, كان اغتياله ليس لاعتباره فقط بل تدخل لأنهاء مشروع دولة وضمان بقاء السلطة والسلطة الخفية تحت وصايتها , صعود صالح وبقاء  سلطته العائلية  نصف قرن في الحكم ليسد منافذ الصعود والنزول من القيادة وإليها بالطرق السلمية، وكذلك لتعزيز سلطة بالوصاية السعودية وضمان  تغيب  دور  الدولة,  وضمان   بقاءه مع نخب  سياسية اسهمت  في تحقيق   فساد  هرمي عنقودي بمؤسسات الدولة لتهميش مكانتها بذهنية المواطن, وتغييب دورها كأحد مكونات الدولة الاقتصادية والسياسية هي من اساليب التدخل  الاقليمي  والدولي .  وعند سعي الدولة او الشعب  للخروج عنه توظف كل  ادواتها لضمن عدم حدوث  ذلك ومن هذه الادوات هو دفع السلطة وابواقها الى  اقناع عامة الناس بأنه لا بديل عن قيادتها سوى الخراب والدمار. وهكذا باسم محاربة  التخريب ( التغيير)  تخرب السلطة حياة الناس وتهدم الدولة وتحت مساندة وتشجيع  اقليمي ودولي، وليس هنالك أي  تحرج منهم في صنع  ذرائع عديده لإبقاء السلطة , لإبقاء الوصاية .

ومن تلك الأساليب ايضا, هي تبني سلطة معارضة  ايضا تحت الوصاية, و تبني سلطة  خفية  عميقة دينية وقبلية وسياسية وعسكرية اخرى موازية للسلطة وللمعارضة, لتعمل  كسلطة رقابية  إشراقية وجماعة ضغط  من خلالهم تصنع رأي  عام  مناهض للدولة محلي واقليمي ودولي ويخدم توجيهاتهم, ويعمل وفق اجنده اقليمية ودولية بحته وتضمن بقاء  المعارضة في المعارضة لتبعد قاعدة كبيره ورائها, وتغيب تحقيق  ممارسة لتداول  السلطة يخدم تقوية الدولة.

 من تلك الاساليب ايضا  في التدخل هو ضمان  دمج جزء في مكونات السلطة  وبمستوياتها القضائية والتشريعية والتنفيذية, لضمان وجود ما يمكن تسميتهم بجماعة ضغط او الثلث المعطل, لتعطيل الأجندة التشغيلية القومية  والوطنية  على المستويات  المحلية,  و, لتحقيق افشال أي محاولات لتحقيق   مشاريع استراتيجية قومية و وطنية او تحقق عودة الدولة. بهذا  الثلث  المعطل وضمان ديمومته في السلطة بمستوياتها تتمكن دون تدحل  مباشر من تغييب دور  أجهزة الدولة ومؤسساته  السياسية والاقتصادية والامنية والاستخبارية  والعسكرية (اجهزة  وهيئات وطنية قومية  كبيره تمثل كينونة  الدولة وركائزها).

  من تلك الاساليب هي نشر وعي سياسي ثقافي  مغلوط وعبر ابواق متعددة تصنع لها هالة سياسية واعلامية وثقافية لأجل تحقق نشر الثقافات المغلوطة ومنها لا للحصر, تفسير مفهوم الدولة بالسلطة- ونشرت عبر قنوات وادوات مفاهيم مغلوطة عن السلطة والدولة  سلطة, لضمان بقاء هذه السلطة ولنصف قرن   تحت وصايتها, وابعاد الدور  الحقيقي للدولة. وقد دفعت النخب  بتوظيف قنو والمثقفين محليا وعبر قنوات  اعلامية ودبلوماسية,  ووفق نهج يمكن وصفه  باستراتيجية انشر وتأمل "Spray and Pray" لنشر هذه الثقافات المغلوطة سياسيا ودينيا واجتماعيا  لخدمة هذه السلطة وتعزيز دورها, وتهميش دور  الدولة, وهنالك اربعة  اسباب  رئيسية بالمجتمعات العربية ومنها المجتمع اليمني, يمكن تصنيفها على اساس انها اسهمت في تحقق هذا الخلط والغلط  المنشود الذي قادته حملات  التدخل  الاقليمي (السعودي في اليمن), لأجل  تعزيز ان السلطة هي الدولة ؛ الاول ان مجتمعاتنا العربية, ومنها اليمن,  لا تملك وعياً سياسياً  كافيا يجعلهم يدركون الفرق بين المفهومين وعلاقة كل واحد بالأخر. والثاني عمد النخب السياسية المتنفذة (والعميلة لدول  اقليمية ودولية)  في مجتمعاتنا  العربية  في  تغييب  تحقق  وعي سياسي . لاستثمار غيابه  لضمان  سيطرتهم عبر السلطة على مكونات الدولة وتسخيرها لمصالحهم الخاصة، ووسيلة للاستحواذ لكل  من اصحاب  النفوذ المحليين لزيادة ثروتهم, وتمكن دول  الاقليم من حصرية الاستفادة اقليميا ودوليا من هذه الثروات..  والثالث عبر توظيف  نخبهم من  التيارات الاسلامية السياسية المحلية والاقليمية  (الاخوان المسلمين), الى اسهمت مفاهيم مغلوطة   لشرعنت توجهاتها  التي  هي اصلا تخدم دول  اقليمية ودولية في تغيير طبيعة الدولة, والعامل الاخير؛  تشريع التدخل الاقليمي والدولي في الشئون اليمينة من خلال خلق ذرائع سياسية ترتبط ظاهريا بأجندة اطراف الصراع تحت وصايته, وتتحجج بها للتدخل لضمان عدم حدوث  أي تغيير جوهري  قد يؤثر على نزع   السلطة من تحت وصايتها سواء السلطة الحاكمة او السلطة الخفية (احزاب  المعارضة) وابقاء  الدولة منكسرة.     

فعلا لقد اسهمت هذه الحملات السياسية الى نشر هذه الثقافات  المغلوطة ولسنوات , وكما اشرنا لا للحصر,  نشر  ثقافة الخلط والغلط بين  مفهوم السلطة والدولة, ونتيجة لهذه الثقافات المغلوطة اصبح هنالك اعتقاد خاطئ  ومتداول وبشكل واسع بين عامة الناس في مجامعتانا العربية نتيجة غياب  الوعي  وهو الخلط بين السلطة والدولة، حيث يعتقد الكثيرون ان السلطة هي الدولة وبالتالي هما واحد  ولكن هنالك فرق كبير شاسع بين المفهومين ويجب التمييز، فالدولة لها اركان ومقومات  ثابتة دائمة,  اما السلطة فهي  مؤقته وزائلة ومتحركة   السلطة تتوالى وتتعاقب اما الدولة تقوم على ثوابت   الارض و الانسان (لشعب) و, الهوية "  والتي   لها سيادتها  داخل الحدود السياسية للأرض الذي يقطنها، أي أن لها جانباً يتعلق بالشعب وأخر يتعلق بالإقليم او الارض.  وثالث  يتعلق بالهوية,  وتمتلك السيادة الداخلية وذلك  حرية الدولة في نظام حكمها  وعبر تخويل نخبه  تمثل السلطة بما يلائم أوضاعها الاقتصادية والثقافية والاجتماعية الخاصة ويضمن سلامة خصوصية وطبيعة " هويتها"، ولها الحق   المطلق في  السيطرة والاستفادة  من  مواردها الطبيعية داخل حدودها الإقليمية في البر والبحر والجو، وفي فرض قوانينها على كل المقيمين على أرضها، سواء كانوا مواطنين أو أجانب. وتمتل  الحق في ممارسة  السيادة الخارجية   في حق الدولة في إدارة شؤونها الخارجية بحرية ودون تدخل  أي أحد في شؤونها الداخلية، وعدم خضوعها لسلطة او وصاية أي  دولة أخرى بل لها أن تستخدم القوة للدفاع عن  ارضها وهويتها ومصالحها  .. الخ.   وكان من الاحرى ان من أيسعى العامة الى توسيع  الإدراك المعرفي بمعايير السلطة، ومعايير الدولة، باعتبار أن العلاقة بين السلطة والدولة علاقة تركيبية.

لم توظف دول  التدخل  الاقليمي ,  السعودية والامارات في حالة اليمن فقط   اصحاب النفوذ  السياسي ومن يتبعهم من النخب  السياسية لنشر ثقافة  الخلط بين مفهوم  الدولة والسلطة، ومفاهيم مرتبطة بذلك, بل  لجئت وعلى مر العقود الى توظيف ادواتها الدينية والايدلوجية (التكفيرية الوهابية والقاعدة وداعش) ومن خلال دفع زعمات  لجماعات دينية وحزبية طائفية الى تعزيز  الخلط والغلط في اذهان قواعدها السياسية وجماعاتها الدينية  واسلمت العنف السياسي، وخاصة عندما  استغلت  السعودية والامارات  طمع وجشع زعماء هذه النخب  الدينية ( لا للحصر مثلا, الزنداني) زعيم  جماعات الاخوان الديني و استغلت حبهم للمال والثراء والسلطة ولو فقط  الحصول  على  حصص في  السلطة عن طريق الانتخابيات او الخروج بالمظاهرات او عن المطالبة بالتغيير والمحاصصة, وما لوحظ في شعارات  لهذه الجماعات الاخوانية فيما يسمى بالربيع العربي يوضح نهجهم في توسيع  الخلط  والغلط في مقصود  إسقاط الدولة واسقاط  السلطة  في اليمن, فكانت تحمل مشروعا لأسقاط الدولة في بطان اسقاط السلطة, حيث كان اعتقادهم انه لا قيمة له أي  لسقوط السلطة ان دامة مؤسسات الدولة عامرة, أي مالم يكن مقدمة لتغيير  جذري للدولة كلها.، بهدف شرعنت توجهها لتغيير طبيعة الدولة وأيدولوجيتها, وفق معتقدات وهابية دخيلة على المجتمع اليمني( الزيدية والشافعية والصوفية وطوائف مسالمة اخرى), مارست هذه النخب  الدينية السياسية باب الفتاوي لتعزيز العنف  السياسي بغطاء ديني فتمت عمليات اغتيالات لقيادات عسكرية وامنية وسياسية ودينية, وكان اكثرها اجرام سياسيا في حق  الدولة  عملية اغتيال الشهيد الدكتور احمد شرف الدين و الدكتور عبد الكريم جدبان, في حين كانت الاطراف تتحاور لبناء دولة واسقاط سلطة الوصاية, كانت هاتين الجريمتين وفق التوقيت الزمني لها هي لكسر مشروع الدولة, وتعزيز بقاء الوصايا السعودية على  السلطة.

 وهذه الاحداث وما سبقها من تدخلات  لم تكن الا تكملة لما قد حدث   بالفعل في فترة الرعاية السعودية للمبادرة الخليجية وبالذات لما كان يدور خلف الكواليس  في تغيير جذري للدولة وهدم مؤسساتها, لتعزيز السلطة, وكان ذلك عبر توظيف الاخوان وشركائهم , و لم يتوقف عند هؤلاء  سقوط السلطة,  بل سعوا الى تدمير مؤسسات الدولة من الجيش واجهزة الامن والمخابرات والمؤسسات الاقتصادية. وتم تخريب الدولة بذريعة اسقاط  النظام  وهكذا خدعوا اكثر العامة بأن السلطة و الدولة   مفهوم واحد ولابد من ان يسقط, ليعيشوا في رفاهية,  ونتيجة لمثل هذا التخريب الى اليوم تعيش  اليمن  في ازمة اقتصادية , سببها هذه الاجراءات التعسفية التي قامت بها الجماعات الاخوانية وشركائهم ومن ورائهم التدخلات الاقليمية والدولية عند استلمهم السلطة وكان اكثرها جريمة قومية لن يغفر لهم التاريخ السياسي زلتهم هذه هي تفكيك الجيش   اليمني , تحت ذريعة هيكلته, و تدمير مخزون الاسلحة الاستراتيجية تحت ذريعة لا تصل الى ايادي  القاعدة, وتدمير المؤسسات الاستخبارية والامنية تحت ذريعة انها تخدم سلطة صالح( المخلوع حسب تعبيرهم)  ولا تخدم الدولة. وفشلت  جماعات الاخوان في قيادة الدولة الى بر الامان واخراج اليمن من الوصاية, كونها احذ ركائز الوصاية بذاتها, واداة استخدمتها قوى الاقليم وامريكا من ورائهم في انهاء  كل  مقومات الدولة. وهنا نرى اليوم انها قد وقعت ضحية اعمال  اعتقادها ان اسقاط السلطة لا يكتمل  الا بأسقاط  الدولة. سواء  كانوا أي  قيادات الاخوان وشركائهم  يدركوا انهم يخدعون الاخرين ويدركون انهم يقومون بتخريب دولة بلدهم لإرضاء خصوم اقليميين لها , او كونهم لا تدركوا انهم يخدعون نفسهم ايضا بهذه المغالطات, ظنا منهم انه هذا سيضمن   لهم ديمومة  الاستحواذ المطلق على السلطة والدولة من قبلهم حين وصلوا لها, ولكنهم فشلوا  بعد سعيهم الى  أخونة  الدولة والمجتمع و   تعزيز دور السلطة  الاخوانية على حساب الدولة.

  ومع انهم  كانوا  يدركون انهم كأدوات لتدخل  اقليمي سعودي  ودولي امريكي, ولا يثقوا هؤلاء بهم, الا انهم كما يقال  كذبوا الكذبة فصدقوها بأنفسهم, وهكذا فشلهم قاد اليمن الى عدوان غاشم وحصار جائر وتدمير اقتصادي خطير جدا, وتفكيك اجتماعي اخطر سيقود الى  صراعات وحروب  جديده  ادوات جديدة لتدخلات اقليمية ودولية في شئون الدولة ليزيد من تدمير ما يمكنه من مكونات الدولة المتبقية والكسرة.

 ونوكد هنا ايضا انه من تلك الاساليب ايضا في التدخل  الاقليمي السعودي في اليمن,  هو تبني سلطة خفية اخرى ( يمكن تسميتها بالسلطة العميقة) ( ويطلق عليها قبيلة الدولة ودولة القبيلة) حيث تبنت السعودية  نخب قبلية وحزبية ودينية وسياسية  اجتماعية لتعزيز الوصاية اجتماعية على العمق الشعبي, وكان لهذه السلطة القبلية ميزانية تساوي  ميزانية السلطة الحاكمة, ورواتب  شهرية تصرف من قبلها وتستمر على هذا المنوال  منذ  نصف قرن والى اليوم.  وهنا فقد حرصت  السعودية و الامارات وقطر  لاحقا  ومن ورائهم التدخل  الدولي  الامريكي  والبريطاني, حتى وان اختلفت اهدافهم الفرعية وأدوارهم في التدخل, وظهرت مواقفهم متناقضة بتناقض  مصالحهم في اليمن, الى انهم جميعا متفقون على هدف فصل السلطة عن شرعية الشعب, وجعلها ضعيفة مجبورة بقبول وصايتهم كهدف  سياسي استراتيجي  يكون وسيلة الى تحقيق مشاريع عده ومنها   ابقاء الدولة منكسرة ومنهارة ولكن ليس انهيار كلي. وقد اسهمت التدخلات الاقليمية السعودية وعبر ممارسة العنف  السياسي  خلال الحقبة الزمنية التي اشرنا اليها اعلاه الى تحقيق هذا الهدف  السياسي الاستراتيجي واضعاف  اجهزة الدولة وكينونتها  و تحت ذرائع سياسية واقتصادية واجتماعية وايدلوجية هادفه كلها في اضعاف وتفكيك كينونة الدولة  ومؤسساته الامنية والعسكرية والاقتصادية ولكن بمستوى لا يسمح لها بالانهيار الكلي,  وباستراتيجية  تضمن بقاء سلطة تحت وصايتها(سلطة صالح لمدة خمسة واربعون عام تحت الوصاية السعودية الامريكية).  وتعيين شخصيات بيروقراطية من اصحاب  النفوذ  السياسي ممن   لا تمتلك ولاء وطني  قومي, وتسعى الى الارتزاق, وخلال فترة السلطة وهذه النخب تتبادل المناصب في المؤسسات, وكانت عمدا  تبنى اتفاقيات اقتصادية وامنية وسياسية  لمصالح من ورائهم ومكاسب شخصية فقط,   احدثت  أضرار كبيرة للاقتصاد اليمني وخسائر مالية ضخمة ومنها اتفاقيات البترول  واتفاقيات ميناء عدن وغيرها من صفقات وهمية هدفت الى تدمير ركائز الدولة الاقتصادية.

ولا ننسى ايضا سعى دول  الخليج السعودية والامارات في تشجيع فساد السلطة الهرمي  عبر هذه النخب البيروقراطية, ليشلوا سير العمل المؤسسي القومي الوطني في  مؤسسات الدولة  الاقتصادية, وكان بقاء مثل هذه النخب البيروقراطية في رأس  السلطة الفاسدة ,و على  رأس هرم  الهياكل  لمؤسسات الدولة الاقتصادية اسهم في تخريبها تلقائيا اضافة الى تطبيق الاساليب التخريبية, وبأشكال متعددة  لضمان بقاء اليمن سوقاً مستهلكا لتصدير بضائع هذه الدول.  وما يعزز وجود هذا الهدف في استراتيجية هذه الدول  على اليمن هو ما نلاحظه, حيث فضلت دول  الخليج  في عدوانها  الغاشم والحصار جائر , الى تنفيذ اعتداءات وانتهاكات جوية في القطاعات الزراعية المدنية  كالضربات الجوية في صعدة  على مزارع وحقول زراعية وفي الحديدة وصنعاء على مصانع مدنية ملك قطاعات خاصة محلية وفي عدة مدن اثناء حربها  الراهن على اليمن.

لم تكن مسالة بتبني مبادرة اتفاقية الخليج في اليمن الا اسلوب  من اساليب قيادة الازمة والصراع في اليمن لما يخدم مصالح دول  الخليج ومن ورائهم الامريكان, وهنا اصبح الصراع وتصعيده او تهدئته وتشكيل  حكومة جديدة تحت سيطرتهم التامة،  وسرعان ما سارعت وبشكل  استغلالي في تدمير  مؤسسات الدولة  ومقوماتها التي لم تتمكن من تدميرها في المحاولات السابقة في ازمات سابقة, وبالذات  الجيش والامن والمخابرات، وهي المؤسسات التي  تمثل قوى وركائز أي  دولة ودائما ما تكون في المجتمعات ذات الوعي  السياسي بانها مقدسة و اعلى من نفوذ  السلطة, ولا تتدخل  السلطة في كينونتها, بل  تسعى كل  سلطات تلك الدول  المتقدمة في تعزيز  كينونتها لتبقى درع الدولة الصلب منيع الاختراق  من دول هادفه الى تخربها او اختراقها, بل يصبح من اولويات كل  سلطة جديده في هذه الدول المتقدمة الى تعزيز شأن هذه الركائز للدولة وتعزيز  صلاحياتها الوطنية والولاء المطلق في داخلها, حتى تكون جانب  رقابي استراتيجي عالي المستوى لأي تخريب داخلي او خارجي, وداعمة للأمن والاستقرار  في بلدانهم حتى وان سقطت السلطات.

من خلال  المبادرة الخليجية, سعت السعودية بتدخلاتها في تلك اللحظة الى تدمير ما تبقى من هذه المؤسسات العسكرية والامنية تحت ذرائع منها هيكلته, وتدمير الترسانة العسكرية الجوية, وتدمير الصواريخ الاستراتيجية, تمهيدا لما تخطط له من شن عدوان غاشم ان خرجت الامور  عن سيطرتها في أي  مرحلة قادمة, او اذا وصلت للسلطة شخصيات وطنية وقومية لا يمكن اختراقها او اختزال  سلطتهم . وهنا بعد فشلها في ادارة الوصاية عبر المبادرة , قامت  بتصعيد الصراع, ومارست مرة اخرى الكثير من الاساليب وعبر الثلث المعطل  الذي قد زرعته في داخل  النخب  السياسية المتحاورة الى افشال اتفاقية جديده هي  اتفاقية السلم والشراكة كونها نقلت مجريات الحوار  من حوار تحت مبادرة خليجية, الى حوار وطني  وطني , يمني  يمني, وحاولت افشال هذه الاتفاقية في عدة مراحل, ولم تتنظر عندما  اصبحت الاطراف قاب  قوسين او ادنى لتحقيق سلام شامل وتنفيذ بناء مشروع دولة قوية,  وبإرادة يمنية يمنية بعيد ان تدخلاتها وإملاءاتها, سعت الى افشاله, ولكن هذه المرة بتدخل سياسي عسكري باستراتيجية العنف وبعدوان لم يشهد له سابقة تاريخية وبدأت بعملياتها العسكريّة حالة سياسية تشبه تلك الحالة  الهترلية في الحرب الاوروبية التي  اصبحت حرب عالمية اولى وثانية,  ولا تقل همجية عما قام به هتلر  في الحرب  العالمية في التدخل  في شئون الدول  الاقليمية المجاورة له, وظاهرة سياسية اقليمية سباقة في التاريخ السياسي العربي. تدخل  عسكري  وسياسي  واقتصادي يهدف  الى افشال بناء  الدولة . ولذلك كل عمليات السلام المقترحة سواء  الاممية او الاقليمية هي فقط اسلوب  من اساليب التدخلات الاقليمية.  قد يقول  القائل ان هذا التدخل  الاقليمي بممارسة العنف  والعدوان ليس بجديد فقد سبق ان حدثت  بدخول  العراق الى  الكويت, فالرد ان الحال  مختلف كون ان العراق كان يرى ان الكويت ارض عراقية وكانت كذلك قبل تقسيم بريطانيا للإقليم الى دويلات صغيرة, وكذلك قامت كل الدول  في التدخل ومنها امريكا بحرب لإخراج العراق  من الكويت وشرعوا تدخلهم بقرار اممي , ولكن التناقضات في ردود الفعل الأممية  هنا تظهر النفاق السياسي الاممي, ففي حالة العراق  والكويت , صدرت قرارات اممية تجرم اعتداء  العراق  الاقليمي على الكويت , ولكن في حالة اليمن ساندت الامم المتحدة العدوان السعودي وتدخله العسكري  والسياسي  الجائر, وبإيعاز من هذه الدول  تقوم بمحاولة لتجريم قيادات وطنية تناهض  هذا العدوان ,  وتحاول  الامم المتحدة في التغطية على  جريمة اقليمية سياسية في حق الشعب اليمني من قبل العدوان السعودي, ويفترض تجريمه بأشد العقوبات الاممية  كونه   ظاهرة  عنف دولية اقليمية  جديده لا يوجد لها أي  مبرر, ستشجع تكرار مثل  الانتهاكات الاقليمية وبأساليب  عنف جديدة ومستحدثة و تعكس تحولات  غير ايجابية في  السياسيات الاقليمية.

 

واخيرا, ما يحدث اليوم من حروب وصراعات في معظم المجتمعات العربية, وخاصة ما يحدث الان  في اليمن من  عدوان غاشم وبتدخل سعودي اماراتي بعتف سياسي غاشم و اقتصادي  جائر  على 28 مليون يسبب في احداث  اسوء كارثة انسانية من صنع البشر, بتدخل  غير مبرر ,يتطلب من هذه الدول الضعيفة الى حرية الاختيار في بناء تحالفات تحميها من جور مثل هذه التدخلات في حين لم تقوم الامم المتحدة بتحريك ساكن تجاه هذه الانتهاكات الاقليمية, وانضمام اليمن الى محور  المقاومة هو من حقوقه لحماية مصالحه الاقليمية, وليست ذريعة يستغلها العدوان في اطالة عدوانه.

كما انه  لابد من الاشارة الى تقديم  هذه الدول بمقترح يسعوا الى نيل دعم الشعوب  الحية  الى تبني قانون دولي  يجرم ظاهرة التدخلات الاقليمية الجائرة والسلبية سواء  بأدوات واساليب من خلف  الكواليس  التي تثير  الصراعات وتوظفها كاستراتيجية عنف   لتحقيق اهداف  ومصالح على حساب  الشعوب  الفقيرة,  او منع أي من  الاعتداءات الاقليمية  كما هو الحال في اليمن من انتهاكات سياسية واقتصادية واجتماعية راهنة  نتيجة العدوان السعودي,  والان قد يطول عدوانهم   الى عشرة اعوام ولن يزيد هذا التدخل  في  الوضع الا شيئين هما جرائم وانتهاكات, وتدهور  للوضع الانساني.   فإطالة الحرب  لن يخدم هذه الحالة المستحدثة من التدخل  الاقليمي  للسعودية والامارات في اليمن.  وبالذات بعد فشلها عسكريا و اقتصاديا و دبلوماسيا وبمسانده امميه خلال سبعة اعوام, ولن تعد استراتيجية العنف السياسي كأسلوب في التدخل  الاقليمي    مجدية في تحقيق الاهداف حيث تبدا هذه الدول  في اللعب  على المكشوف واستخدام اخر ادواتها, التي  لم تعد خفيه, بل اصبح له تداعيات دولية هو زعزعت الثقة في اوساط هذه الدول الفقيرة في جدية ودور  الامم المتحدة ومؤسساته, وفي أي  تحرك اقليمي , ما لم يلتمس الشعب  اليمني (ومثله الليبي) أي تحركات جدية لأنهاء هذا التدخل, لأنه سلام تقوده دول  التدخل  الاقليمي كمبادرة السلام السعودية في اليمن , ليست الا اداة  تدخل ناعمة لتوظيفها مستقبلا في صراعات جديده, لان السبب الحقيقي في تعقيد الصراع هو تدخلها الغاشم وتخريبها الاقتصادي الجائر . أي  خطوات جادة في احلال  السلام لابد ان تبدأ بتجريم العدوان وليس فقط القيان بضغط دولي  وان كان جاد للحد من مثل هذه التدخلات الاقليمية  ومنعها توظيف استراتيجية العنف لخدمة مصالحها داخل  المجتمعات الضعيفة,

  ففي حالة اليمن, ان احداث  السلام لن يتم  الا بخطوات جادة تبدأ بتجريم العدوان وليس فقط بالضغط  الاممي وان كان جدي  وحقيقي على دول  التدخل  السعودية والأمارات لسحب قواتها ورفع الحصار,  وتعويض الدولة, وايقاف تدخلها وترك  الشئون اليمنية لليمنيين دون غيرهم لادارة شئونهم.   ولكي تضمن الدول  الاقليمية التي تتدخل  في شئون الدول  العربية الضعيفة علاقات ودية ومستدامه  ( كحال اليمن من قبل السعودية),  لن يحدث  من خلال استراتيجية العنف وحماية سلطات غير شرعية, بل من خلال تبني  علاقات مع الدولة والشعب  تسهم في تفعيل دورها الاقليمي كدولة شقيقة او صديقة تسند بعضها البعض في الخطر الحقيقي الاقليمي ان احسنت معاملتها دبلوماسيا وسياسيا واجتماعيا معاملة الند للند دولة لدولة, لا دولة تريد بالقوة توطيد سلطة غير شرعية كسلطة  هادي  غير الشرعية بكل  المقاييس لتضمن بقاء اليمن تحت وصاية.

المصدر:  مركز آيلس للدراسات

  

2021

 

 

 

معركة مأرب؛ السعودية والامارات واللعب على المكشوف لتضارب المصالح – دوافع عدوانهم اقتصادية وبالذات النفط  

 تحليلات سياسية - محلي

المصدر: مركز ايلس للدراسات

 

وفي ظل غمارِ حرب غاشمة تدخل  العام السابع ، تضاربت  الأبعاد السياسية لكل الأطراف؛ فانصار الله  وان يرى البعض انه  تناغمت أهدافهم في ترك قرار مصير الجنوب  لأبناء  الجنوب  انفسهم مع الامارات الا ان انصار الله تسعى الى تحقيق انتصار يضمن وحدة البلد وسيادته. الامارات تنتظر غرق السعودية في حرب مأرب وتنتظر سقوطها لتلعب على المكشوف في تقرير استقلال الجنوب, أمّا السعودية   فتخشى سيناريو التقسيم،واصبحت معركة مأرب هي معركة مصير ولكنها ايضا  باتت في مواجهة اثنين من أعدائها،  إما أن تواجه انصار الله ف يمأرب وتكتفي بالحفاظ عليها والتخلي عن حلمها  لتعيد سلطة الوصاية الى صنعاء كونه اصبح  خيار اصعب , ان لم يكن مستحيل ، وامام خيار اخر  هو في تقديرها لا يقل عن الاول  خطوره, وهو بذل الجهد وبكل  ما امكن من الخروج من الدفاع على مأرب الى الهجوم على صنعاء والجوف وهنا يكون الرابح بذلك  حليفها  بالمصلحة وحليف اعدائها في الايدلوجية  في  المنطقة (تركيا وقطر )وهو «حزب الإصلاح» المحسوب على جماعة الإخوان المسلمين والطامح في حكم اليمن وتسلمه السلطة, حيث كانت وما تزل  السعودية ترى بقائه بعيد عن السلطة افضل خيار  كحزب  معارض مصالحه تلزمه كمعارض لينطوي  في وصايتها وهو خيار افضل من تسليم السلطة له خوفا من خروجه عن وصايتها شيء فشيء، و الخيار  الاخر  وهو بتقديرها اسهل خيار  هو  أن تطول الحرب دون أن ينتصر أحد.  كون ان حربها على اليمن  لم تكن اهدافه من البداية فعلا اعادة ما زعمت بتسميتها بالشرعية ولن تتحرج  بعد اليوم من كشف اهدافها  وحقيقة دوافعها في عدوانها على اليم ن والتي  هي دوافع اقتصادية وبالذات النفط وراء العدوان.

ان تشابك الأبعاد السياسية والعسكرية والدينية لتحالف العدوان وبقيادة السعودية,  من وجهة نظر مادية لم يكن سوى غطاء للبعد الاقتصادي الغائب المتمثل في هدم مؤسسات الدولة الاقتصادية ومقدراتها وعلى راس ذلك  النفط اليمني، المحرك الرئيس لعناصر أساسية في هذا الصراع.معركة مارب ستدفع العدوان الى كشف احر الاوراق لديه واللعب باخر اوراقه على المكشوف فيترى ما سيستجد من هذا ؟ وهل سيكون ذلك قبل استعادة مأرب من قبل الجيش  واللجان الشعبية او بعد استعادتها؟.

 وللعودة الى شواهد من العصر , فإنه قبل انتخاب ترامب  رئيسًا للولايات المتحدة الأمريكية، شنّ دونالد ترامب هجومًا على السعودية والإمارات عبر خطابٍ ألقاه أمام جمع من  أنصاره خلال حملة  انتخابية:  بقوله «إنهم يلهثون وراء اليمن، وإذا كنتم لا تعرفون السبب الحقيقي لذلك أرجو منكم مغادرة القاعة في الحال؛ لأنكم لستم أذكياء بما يكفي، هل رأيتم حدودهم المشتركة مع اليمن، هل تعلمون ماذا يوجد على الضفة الأخرى؟ النفط، إنهم يسعون خلف ثروة اليمن النفطية، وليس أي شيء آخر».

 

كانت حرب السعودية الغاشمة  على اليمن مدفوعةً بمخاوف اقتصادية بشأن إمدادات النفط وتسليمه، خاصةً بعدما بات مضيق هرمز ممرًا غير آمنٍ لـ30% من إمدادات النفط عالميًا في ظل تهديدات إيران المتكررة بإغلاقه، لذا عمدت السعودية إلى موانئ الشحن البديلة وخطوط الأنابيب في اليمن كعنصر حيوي للاستقرار الاقتصادي المستقبلي للنظام الملكي، إضافةً إلى سبب آخر متعلق بالنفط اليمني نفسه، ومستقبل مشروع خط أنبابيب النفط الذي سبق ورفضه الرئيس السابق صالح لأسباب شخصية لم يعلن عنها وليس  لأسباب وطنية وبالمثل الاستثمارات الإماراتية المتنامية في البنى التحتية في قطاعَي الطاقة والأمن في اليمن، تشكّل بصورة مطردة القوة المحرِّكة خلف التدخل الإماراتي  في  اليمن فالسياسة الخارجية التي تعتمدها أبو ظبي راهناً، والتي كثيراً ما تجمع بين الأهداف العسكرية والتجارية المتداخلة، تتركّز جغرافياً في جنوب اليمن الذي يمكن أن تنطلق منه الإمارات لممارسة نفوذها في الخليج وأفريقيا وآسيا. . وهذا ما يوكده الباحثون الاجانب  ومنهم إليونورا أردماغني زميلة بحوث معاوِنة في المعهد الإيطالي للدراسات السياسية الدولية،  حيث طرحت في دراسة له  نشره مركو كارينجي بهذا الخصوص  تؤكد فيه  شكّل المناطق الواقعة جنوب اليمن المنصة الفضلى بالنسبة إلى الإمارات لتعزيز سياستها القائمة على "الاستدارة نحو الشرق"، وفق ما تُظهره الشراكة الشاملة التي وقّعتها مع الهند في كانون الثاني/يناير 2017 لزيادة التعاون المالي وفي مجال الطاقة. على سبيل المثال، قبل العام 2015، كانت محطة بلحاف للغاز الطبيعي المسال تُصدّر معظم إنتاجها من الغاز إلى آسيا؛ والصين هي من أبرز مستوردي النفط اليمني. وتؤكد ايضا انه من شأن السيطرة على الموانئ في جنوب اليمن – لا سيما إذا بدأت مجموعة موانئ دبي العالمية بتشغيل المرافئ الواقعة جنوب اليمن – أن تدعم المجهود الإماراتي لفتح خطوط شحن جديدة والاستحواذ على حصص سوقية جديدة في التجارة البحرية. 


و المعلوم انه  تفصل السعودية أكبر اقتصادٍ في الجزيرة العربية عن اليمن أحد أفقر بلدان العالم، حدودٌ شاسعة تمتد على طوال 266 كيلو متر، لكنّ المفارقة أنّ الصحراء اليمنية المقفرة تحمل في باطنها احتياطات كبرى من نفط اليمن والغاز المسال، خاصة منطقة الجوف الشمالية المحاذية للممكلة، بحسب تقديرات أمريكية. على مدى عقود ظلت السعودية تعرقل التنقيب عن النفط في محافظة الجوف اليمنية ، والذي قد يحول اليمن  في حالة إستخراجه الى أكبر منتج  للنفط في المنطقة  حيث كشفت دراسة جيولوجية حديثة بعنوان ” الكنز المخفي في اليمن ”  أعدتها شركات مسح عالمية متخصصة في الاستكشافات النفطية 1992 عن ان أكبر منبع نفط في العالم يوجد على الحدود السعودية اليمنية ، و تحديداً في محافظة الجوف اليمنية  ، حيث يمتد جزء بسيط  منه إلى السعودية  على عمق 1800 متر، إلا إنها أوضحت بان المخزون الكبير هو تحت أرض اليمن، ويُعتبر الأول في العالم، من حيث المخزون، وإذا كانت السعودية تمتلك 34% من مخزون النفط العالمي، فان اكتشاف هذه الحقول النفطية  يجعل اليمن تمتلك 34% من المخزون العالمي الإضافي, هذه الثروات النفطية الهائلة دفعت بالسعودية الى محاولة الاستيلاء على هذه الثروة الهائلة وإيقاف اليمن من إستغلال هذه الثروة .  وتمنع السعودية منذ الثمانينات الحكومة اليمنية من استخراج النفط في المحافظات الحدودية المحاذية لها بدعوى تهديد احتياطات النفط السعودية المقابلة، وفي عام 1984 أعلنت شركة «هنت أويل» الأمريكية اكتشافًا نفطيًا ضخمًا في محافظتي الجوف ومأرب، وهو ما اعترضت عليه الرياض لتتوقف عمليات التنقيب لأسبابٍ غير معروفة، لكنّ وزير المحلية اليمني الأسبق كشف عام 2013 بأنّ المملكة هي التي تقف وراء منع التنقيب عن نفط اليمن.

وفي التقرير السري الذي أعدته «الاستخبارات المركزية الأمريكية (سي آي إيه)» بعد مسحٍ جيولوجي عام 2002، أظهرت النتائج احتياطًا نفطيًا غير مستخرجٍ في اليمن يصل مبدئيًا إلى 9.8 مليار برميل، وهو ثلاثة أضعاف احتياط نفط اليمن المسجل رسميًا، والتقرير نفسه يؤكد أنّ الأرقام الحقيقة أكبر بكثير، وأنّ الجنوب اليمني فقط يحتوي على إمكانات نفطية تقدر بخمسة مليارات برميل.

 

وقبل أشهرٍ من عدوانها على اليمن ، كانت الحكومة اليمنية قد شرعت في إعادة عمليات الاستكشاف والتنقيب في محافظات الشمال بداية بالجوف عبر شرطة صافر الحكومية، لكنّ أعمالها ما لبثت أن توقفت بالرغم من تأكيدات بوجود النفط في تلك المنطقة، وهي نفس تأكيدات شركة «هنت الأمريكية» التي توقفت أيضًا لأسباب غير مُعلنة.

 

اللافت أنّ السعودية وقعّت مع الحكومة اليمنية عام 2000 اتفاقيةً تقضي بألا يتم التنقيب عن النفط والغاز واستخراجهما في منطقة تبعد 40 كيلومترًا عن الحدود، إلا بموافقة كلا الجانبين اليمني والسعودي، إضافةً إلى تبادل المعلومات المتعلقة بالثروات النفطية في المناطق الحدودية، وبحسب مصادر مطلعه  «فالسعودية بتلك الاتفاقية منعت اليمن من استغلال النفط الموجود في المساحة المُقدرة بـ40 كليو مترًا، بالرغم من علم الحكومة المسبق بوجود بحيرة نفطية في تلك المنطقة». وبعيدًا عن الحدود، فالمحافظات اليمنية التي تقبع في داخلها المنشآت النفطية، كانت لها حسابات خاصة في المعارك الدائرة.

 

حين قادت  السعودية عدوانها على اليمن في مارس   عام 2015 وتحت ذرائع لم تعد اليوم متمسكة بها، سبب العدوان الى تراجع إنتاج اليمن من النفط الخام من 100 – 150 ألف برميل في اليوم، إلى نحو 16 ألف برميل يوميًا، نتيجة مغادرة الشركات النفطية، وعلى رأسها «توتال الفرنسية»، أكبر مستثمر للغاز، التي اعترفت أنّ مواقعها لم تتأثر بالعمليات العسكرية، لتدخل بعدها شركات إماراتية وسعودية بديلة عنها.

ويعتبر النفط المحرك الرئيس لاقتصاد اليمن، ويمثل 70% من موارد الموازنة، و63% من الصادرات، و30% من الناتج المحلي، ويتركز الإنتاج النفطي في ثلاث محافظات (شبوة، ومأرب، وحضر موت) شكلت إلى حدٍ كبير خريطة التحركات العسكرية للتحالف العدوان. وكانه على ما يبدوا انه خارطة حرب على مدن البترول قادتها دول  العدوان.

واحدة من المحافظات التي لم تتأثر بالعمليات العسكرية في اليمن، هي محافظة حضر موت النفطية – شرق اليمن – التي تحتل المركز الأول بين القطاعات النفطية  الأكثر إنتاجية في اليمن، وبقيت ضمن المدن القليلة التي لم تتعرض للقصف الجوي، رغم أنّ تنظيم القاعدة كان يسيطر على ميناء المكلا أهم الموانئ في البحر العربي، وهو المنفذ البحري الوحيد المحافظة.

كانت إحدى الأسباب التي دفعت السعودية لعدم تدمير البنية التحتية للمحافظة، هو المشروع القديم للمملكة المتمثل في بناء خط أنابيب نفط يمر من الأراضي السعودية إلى خليج عدن والمحيط الهندي عبر حضرموت، وهو ما يسمح لها بتجاوز مضيق هرمز، في وقتٍ تعتمد فيه المملكة النفط مصدرًا رئيسًا لاقتصادها، والمشروع نفسه أكثر فاعلية، وأقل تكلفة نظرًا؛ لأن النفط سيعبر صحراءها الشرقية عبر المحافظة مباشرة.

وبحسب وكالة «أسوشيتد برس» الأمريكية، فالسعودية دخلت في تحالفات مباشرة مع «تنظيم القاعدة»، وأبرت اتفاقات سرية مع التنظيم للانسحاب من بعض المناطق وسط وجنوب البلاد، لتحييد المنشآت الإستراتيجية وعلى رأسها الموانئ، مقابل الحصول على ملايين الدولارات في صفقةٍ عقدت تحت رعاية أمريكية كاملة.

 

أمّا الإمارات فكان الاقتصاد أحد أجندتها للمشاركة في التحالف العربي، فما زالت بعد ثلاث سنواتٍ من الحصار الخليجي المفروض على قطر تعتمد على غاز الدوحة في سد ثلث حاجتها من الطاقة، لذا مثلت محافظة شبوة الغنية بالنفط والغاز، أهمية كبرى ضمن مخططاتها وقف استيراد الغاز القطري، عبر الاستمثار في الموارد النفطية اليمنية من خلال شركة غاز نمساوية تستحوذ أبوظبي على 24.9% من رأسمالها، بحسب تسريبات.

ركَّزت أبوظبي تواجدها منذ البداية على  جنوب اليمن من خلال استطاعت احتلال مدينة عدن ا، والسيطرة على مضيق باب المندب الإستراتيجي، ثم احتلت محافظة شبوة ، ثم شكلت قوات النخبة الشبوانية، لإحكام السيطرة على المنشآت والموانئ النفطية، وبينما تتمدد الإمارات للسيطرة على النفط، تعمل في المقابل على عرقلة جهود سلطة هادي الفار  لرفع إنتاجها الشحيح بالأساس.

ثالث المحافظات النفطية في اليمن هي مأرب؛ البوابة الشرقية للعاصمة صنعاء، وأقرب نقطة إستراتيجية سارع انصار الله  لإعادة تحريرها  ولكنها لاقت تحذيرات  من قبل ودول  الغرب التي  هي وراء  العدوان على اليمن من اجل  النفط وبذرائع اممية واهية تخفي تخوفهم  من  عودت  مدخرات مأرب  النفطية الضخمة لأبناء  الوطن، لذا كانت وما تزال الدفاع على المحافظة النفطية  من قبل دول  العدوان ومرتزقتها هدفًا ذا أولوية كبرى أكثر من العاصمة اليمنية نفسها، واللافت أنّ مأرب التي أحتلها   السعودية كاملةً في سبعة أشهرٍ فقط، بقيت قواتها  على تخوم صنعاء لنحو أربع سنوات ثم في العام السادس تم تحرير الجوف من الاحتلال السعودي وبشكل  مفاجأ.

 

وتعد مأرب حاليًا المقر الرئيس لقيادة دولة العدوان العسكرية المتواجدة في اليمن، وتتمركز فيها أكبر الألوية العسكرية  التابعة للعدوان السعودي ومرتزقته منذ اندلاع الحرب، كما يوجد بها أهم شركة نفطية في اليمن، هي «صافر» التي تسعى السعودية حاليا بإقحام مجلس  الامن والامم المتحدة وامريكا لتحقيق سلام واتفاق يشبه اتفاق الحديدة  لتحييدها لصالحها.

أحد أهم الاتفاقات التي توضح البُعد الاقتصادي لللصراع، هي اتفاقية «إعمار اليمن» التي تُعطي السعودية صلاحيات كاملة في إدارة موارد الدولة اليمنية بما في ذلك النفط والغاز والموانئ والمنافذ البرية، وتستطيع السعودية بموجب الاتفاقية إدارة الملف الاقتصادي لليمن دون الرجوع لأي طرف محلي.

وفي الوقت الذي يهاجم فيه انصار  الله من الجيش  واللجان الشعبية  محافظة مأرب،  ولتوحيد الجهود في ضمان مصالحهم الاستعمارية   نجحت السعودية في أكتوبر (تشرين الاول) العام الماضي في التوصل إلى ما يسمى «اتفاق جدة» بين القوى المنطوية تحت وصايتها من هادي وجماعة حزب  الاصلاح   ووبين ما يعرف بالكيان او الحليف للامارات المسمى "المجلس الانتقالي"، يقضي بتقاسم الجانبين السلطة وإعادة الحكومة لعدن، وانسحاب الانتقالي  المدعوم  إماراتيًا من كافة المحافظات التي سيطروا عليها وأبرزها (حضر موت، وشبوة ,  وبالرغم من اعلان  الإمارات انسحابها  من عدن وتسليمها للسعودية، فإن أبوظبي ما زالت تسيطر بنسبة كبيرة على ستة جيوش في جنوب اليمن يقودها «جنرالات حرب» لديهم ولاء كبير للإمارات، ويعملون تحت قيادة القائد العام الإماراتي مباشرةً، أبرزها ميليشيات «قوات الحزام الأمني» في عدن، والنخبتان الحضرمية والشبوانية في كل من حضرموت وشبوة، وهي الميليشيات التي أسست ما يمكن اعتباره سلطة موازية، لها أجهزتها الأمنية الخاصة بها، ولا تخضع للمساءلة أمام سلطة هادي.

تمسك أبوظبي بالسيطرة على المحافظات النفطية التي تحتوي على النسبة الأكبر من نفط اليمن، يهدد حاليًا بانهيار اتفاق جدة، خاصة أنّ التوترات المسلحة لم تنتهِ بين  مليشيات المجلس الانتقالي الجنوبي المدعوم إماراتيًا، وبين مليشيات التابعة لهادي والمدعومة سعوديا، وهو ما يهدد مصالحهم    في اليمن، ويُعيده إلى النقطة صفر.

اضافة الى القلق  السعودي في الشمال حاليًا في مواجهة اهم المعارك  والأعنف منذ عام 2015؛ فالجيش واللجان الشعبية بعدما حرروا محافظة  الجوف التي تطفو صحاريها على بحار ضخمةٍ من نفط اليمن والغاز،  وبعدما حرروا اجزاء  كبيرة من البيضاء التي كانت تحت سيطرة القاعدة الحليف السري للسعودية في اليمن صوّبوا مدافعهم نحو محافظة مأرب التي لا يعني سقوطها سوى بدء الفصل الأخير في القصة.

وطبقًا للإستراتيجية الاقتصادية للحرب، فسيناريو إسقاط مأرب يجعل  مسألة السلم والحرب    بمن يسيطر عليها ويجعل تحقيق العدوان اهدافه والحفاظ عليها  سوى احُلامً  صعبة المنال؛ لأنها تُمثل حائط صد لمحافظات الجوف وصعدة وعُمران وصنعاء من جهة، و تشكل فرصة لانصار الله لاستعادت   المحافظات النفطية المجاروة من الشرق (حضر موت، وشبوة) المتاخمتين لها.

 

وهكذا فالنفط هو من يرسم سيناريو انتهاء الحرب ؛ فالسيطرة على مارب  يضع  الغرب ودول  العدوان امام خياراين اما تقسيم  اليمن الى ما كان عليه قبل الوحدة, والاعتراف بدولة انصار الله, وهذا ما لا ترغب السعودية في تحققه ولكنه يسعد الامارات وهو يُنسف تحركات السعودية منذ الثمانينات لمنع التنقيب عن تلك المنطقة تحديدًا ولن يتراجعوا القيادات بأنصار الله من التنقيب., والخيار لثاني  وهو الاصعب  , والذي سيعود بالوضع الى الصفر,  والمحاولة من جديد من قبل قوات العدوان   في شن حرب اخرى وبمراحل  جديدة تهدف  الى احتلال هاتين المحافظتين من جديد  لما  تحويان أكبر خزان نفطي في جزيرة العرب لم يُستخرج بعد، بحسب تقديرات متفائلة، وهكذا يبقى التقط السبيل الوحيد لرسم سيناريو اليمن بعد سقوط مأرب.

النفط أيضًا هو المحرك الرئيس لدعوات انفصال الجنوب، فمحافظتا شبوة وحضر موت اللتان تسيطران على 80% من النفط اليمني، كانتا دومًا الفتيل الذي دفع اليمن الجنوب  لطلب انفصاله عن الشمال  المهدد بالجفاف، ويعوّل المجلس الانتقالي الداعي للانفصال على ورقة النفط هذه في تغيير شكل الحياة في اليمن، في وقتٍ ترى فيه السعودية أنّها أكثر المتضررين من نهضة اليمن سواء شماله او جنوبه او يمن موحد.

الوجه الآخر للوجود السعودي في اليمن يتمثل في الورقة الاقتصادية؛ فبخلاف المعارك التي شلّت كافة مناحي الحياة، قصفت السعودية المصانع، وعمدت قوى العدوان الى اللعب بأوراق اقتصادية مؤثرة كنقل  البنك وطبع عملات جديده وتزوير العملة القديمة مما ادى الى تدهور  الريال اليمني امام الدولار  ليصل الى ادنى مستوى, كما سعت منذ  البداية بعيدا عن الحصار وسياسة التجويع  إلى إغراق السوق اليمني البعيد عن محاور القتال بالسلع الإماراتية والسعودية، إضافة إلى الحصار المفروض على المنافذ الحدودية، والتحكم في خطوط الطيران والملاحة والموانئ، ومنع  الاطراف اليمنية  المنطوية تحت  تحالفها من الانتفاع و للاستفادة   رفع إنتاجها النفطي، واستئناف الكشف عن آبارٍ جديدة، وهو ما يعني أنّ السعودية لن تنسحب من الحرب إلا بترتيب أوراق تسليم الحكم لسلطة في اليمن بما لا يسمح بالإضرار بمصالحها. وهذا ما لا يبشر بقرب انتهاء الحرب في اليمن حتى وان تم الضغط عليها من المجتمعات الدولية, فالسعودية قادرة على اطالة الحرب والاستمرار فيها دون الموافقة الامريكية ان رأت الحاجة لترتيب  تلك الاوراق, وعليه فمعركة مأرب ستكون الاعنف وستكون نهاية قصة وبداية قصة احرى.

 المصدر: مركز ايلس للدراسات