Opinions

مقالات وآراء

  تقرير عن مركز دراسات امريكي - خطة حقيقية لإنهاء الحرب في اليمن

معهد واشنطن للشرق الاوسط  - بواسطة مايكل نايتس, كينيث بولاك, باربارا والتر

٢ مايو ٢٠١٩

متوفر أيضًا باللغات:

عن المؤلفين

مايكل نايتس

مايكل نايتس هو زميل في برنامج الزمالة "ليفر" في معهد واشنطن ومقره في بوسطن، ومتخصص في الشؤون العسكرية والأمنية للعراق وإيران ودول الخليج.

كينيث بولاك

كينيث بولاك هو باحث مقيم في "معهد أمريكان إنتربرايز"

باربارا والتر

باربارا والتر هي أستاذة العلوم السياسية في كلية سان دييغو للسياسة والاستراتيجية العالمية في جامعة كاليفورنيا ومؤسسة مشاركة للمدونة الحائزة على جوائز Political Violence @ A Glance.

مقالات وشهادة

عادت الأمور إلى طبيعتها بعض الشيء في ميناء الحديدة، الذي هو الميناء البحري الأكبر في اليمن، بفضل اتفاق وقف إطلاق النار بين الفصائل المتحاربة في البلاد منذ كانون الأول/ديسمبر 2018. ولكن وراء مشارف الميناء، يحتدم قتال شرس بين الثوار الحوثيين وقوات التحالف العسكري بقيادة السعودية، وتستمر حصيلة القتلى بالارتفاع، كما يتفشى سوء التغذية والجوع على حد سواء. وفي شباط/فبراير، حذّرت الأمم المتحدة من أن الأزمة الإنسانية في اليمن هي اليوم الأسوأ في العالم.

وفي واشنطن دعت مجموعة متزايدة من المحللين والسياسيين، الولايات المتحدة إلى التدخل وسحب الدعم الأمريكي للمجهود الحربي السعودي، وتحويل وقف إطلاق النار الذي توسطت فيه الأمم المتحدة إلى سلام دائم. وتعتبر هذه المجموعة أن القيام بذلك هو المسار الوحيد الذي يمكن الدفاع عنه من الناحية الأخلاقية والاستراتيجية. لكن من بين جميع الخيارات المطروحة أمام الولايات المتحدة، فإن هذا المسار هو الأقل احتمالاً لوقف عمليات القتل، والموت، وما يشكله هذا المسار من مضاعفات على المصالح الأمريكية.

ولعلّ التدخل الذي تقوده السعودية أدّى إلى تفاقم الوضع في اليمن، لكنه لم يبدأ الحرب. وبالتالي فإنّ دفع السعوديين إلى الانسحاب لن ينهي سفك الدماء في اليمن، تماماً كما لم يؤدّ دفع الولايات المتحدة إلى الامتناع عن المشاركة في الحرب الأهلية في سوريا إلى وقف أعمال العنف هناك. كما أن الانسحاب السعودي لن [يشجع] الوصول إلى تسوية عن طريق التفاوض. وبدلاً من ذلك، سيستمر القتال وموت اليمنيين الأبرياء على حد سواء إلى أن ينتصر أحد الأطراف - على الأرجح الحوثيون - في الحرب.

وسيظل السلام الحقيقي في اليمن بعيد المنال ما لم يقبل الطرفان أنه لا مكسب لهما مهما استمرا في القتال. إلّا أن ذلك لم يتم تحقيقه بعد. ولن يتطلب الوصول إلى تلك الغاية قطع الدعم الأمريكي للسعودية، بل التهديد بمضاعفة هذا الدعم ما لم يحترم الحوثيون التزاماتهم تجاه الأمم المتحدة ويستعدوا للتخلي عن معظم الأراضي التي استولوا عليها في البداية. وإذا كانت واشنطن جادة بشأن إنهاء الحرب، فيجب عليها أن تتواءم مع هذه الحقيقة غير المريحة.

كيف تنتهي الحرب

من الناحبة التاريخية، كانت الحروب الأهلية المماثلة لحرب اليمن تنتهي إمّا عند فوز طرف واحد بانتصار عسكري حاسم أو عندما يتفاوض طرف ثالث حول التوصل إلى تسوية بين الفصائل المتحاربة.

وفي الشرق الأوسط، غالباً ما يعني الخيار الأول - السماح للقتال بأخذ مجراه - قبول سفك الدماء المروّع والتطهير العرقي. والأمثلة على ذلك كثيرة، منها: تدمير حماة، معقل المعارضة السابق في سوريا في عام 1982، أو القتل الجماعي المنهجي الذي نفّذه صدام حسين ضدّ الأكراد العراقيين في أواخر الثمانينيات، أو قمعه العنيف لتمرد وطني في عام 1991. وقد أدت هذه "الانتصارات" إلى إنهاء الصراعات بسرعة وثبات، ولكن على حساب سقوط عشرات أو مئات الآلاف من الضحايا.

ويمكن لتسوية تفاوضية أن تنهي الحرب في وقت مبكر، وبالتالي التخفيف من سفك الدماء. ولكن المقاتلين عموماً لا يوافقون على مثل هذه التسويات إلى أن يصلوا إلى حالة من الجمود العسكري، بحيث تكون جميع الأطراف مقتنعةً بأنها لا تستطيع تحقيق أي انتصار عسكري. وحتى في ذلك الحين، يتعين على الأطراف المتحاربة أن تدرك أن بإمكانها نزع سلاحها دون أن يتم القضاء عليها، وهو شرط لا يمكن تلبيته في بعض الأحيان إلا بالتزام خارجي بحفظ السلام لمدة عقد أو أكثر. وحين يجلس الأطراف حول طاولة (المفاوضات)، يجب على أي تسوية تفاوضية ناجحة أن تتضمن ترتيباً لتقاسم السلطة يمنح جميع الفصائل سلطة سياسية وفوائد اقتصادية بما يتناسب مع وزنها الديموغرافي تقريباً (معدّلة وفقاً للوقائع العسكرية).

وفي حالة اليمن، إنّ سحب الدعم الأمريكي - الذي يتألف إلى حد كبير من المساعدة الاستخباراتية واللوجستية - للسعوديين سيعيق الجهود الحربية للتحالف وسيشجع الحوثيين وداعميهم الإيرانيين، مما سيجعلهم أقل استعداداً لقبول وقف إطلاق النار على مستوى البلاد وقبول اتفاق تقاسم السلطة.

وفي الواقع، إنّ النقد الذي يوجّهه الكونغرس الأمريكي للسعوديين قد شجّع بالفعل الحوثيين الذين يبدو أنهم عازمون على الاستمرار في القتال بدلاً من الاستسلام. ومنذ أن توسّطت الأمم المتحدة في اتفاق وقف إطلاق النار في ميناء الحديدة، ذو الأهميةً الاستراتيجية، الذي يسيطر عليه الحوثيون منذ كانون الأول/ديسمبر، حصّن الحوثيون مواقعهم في المدينة، في انتهاك مباشر لبنود الاتفاق. وفي الواقع، تخلّف الحوثيون أيضاً عن الموعد النهائي للانسحاب مرةً تلو الأخرى - وكانت الأولى في أوائل كانون الثاني/يناير، ثم في منتصف شباط/فبراير، وبالتالي نكثوا بالالتزامات الواضحة تجاه الأمم المتحدة.

وحالياً، يحاول مفاوضو الأمم المتحدة تنفيذ خطة ثالثة لإخراج قوات الحوثيين من الحديدة وغيرها من موانئ البحر الأحمر، حيث سيتعين على الجانبين الانسحاب فيما بعد من الخطوط الأمامية في مدينة الحديدة. وما لم يتم منح الحوثيين حافزاً قوياً يشجعهم على التراجع، فلا يوجد سبب وجيه يدعو إلى توقّع التزامهم بذلك.

وبدلاً من إحداث حالة من الجمود، فقد يؤدي خفض الدعم الأمريكي للتحالف الذي تقوده السعودية إلى تمكين الحوثيين من إحراز انتصار عسكري، يشبه كثيراً ذلك الذي حققه نظام الأسد وإيران وروسيا ببطء في سوريا. وهذه النتيجة بالكاد مرغوب فيها. فالحوثيون معادون للولايات المتحدة، وللسامية وللسُّنة بشكل متزايد. وفي الواقع، إنّ الحوثيين، الذين ينتمون إلى المذهب الزيدي الشيعي ليسوا سوى قبيلةً واحدة من بين مئات القبائل في البلاد. ولا يوجد أي أساس تاريخي أو شعبي للحوثيين يؤهلهم لحكم العاصمة صنعاء أو السيطرة على الموانئ. ونتيجةً لذلك، قد يتطلب [الوضع في] اليمن على الأرجح في مرحلة ما بعد الصراع تحت حكم الحوثيين قدراً هائلاً من عمليات القمع كي يستمر الحوثيون في حكمهم.  

وقد لا يحبّذ أعضاء الكونغرس الأمريكي الحرب الأهلية أو التدخل السعودي، حيث يلقي النقّاد اللّوم عن حق على هذا التدخل في ازدياد اعتماد الحوثيين على إيران، وبالتالي تعزيز نفوذ طهران في البلاد. غير أنّ هذا النفوذ أصبح اليوم حقيقةً واقعة. وبالفعل، أطلق الحوثيون صواريخ إيرانية على الرياض وعلى السفن (بما فيها السفن الحربية الأمريكية) في باب المندب - ممر الشحن الحيوي الذي يربط البحر الأحمر بخليج عدن. إن وضع نهاية دموية للحرب الأهلية يكون فيها الحوثيون منتصرين ومدينين لإيران لن يؤدي إلاّ إلى تقويض مصالح الولايات المتحدة وترويع حلفائها في المنطقة.

إلا أن الوضع الراهن غير مقبول من منظور إنساني. فقد قوبل وقف إطلاق النار الجزئي في الحديدة بشعور من الارتياح الدولي الجماعي، حيث أعرب المراقبون عن أملهم في أن تعود الحديدة ثانية لتكون عصب الحياة للبلاد التي مزقتها الحرب. وتجدر الإشارة إلى أنه لم يتم شحن سوى 619,085 طن من الأغذية خلال الربع الأول من عام 2019، وهو رقم بعيد كل البعد عن الأغذية التي دخلت عبر الميناء خلال الفترة نفسها من عام 2016 والتي بلغت 1.7 مليون طن، وفقاً لـ "برنامج الأغذية العالمي". كما أن شاحني الأغذية التجارية لن يعودوا إلى أن يتم تسوية الوضع القائم منذ أمد طويل في الحديدة والموانئ الأخرى في البحر الأحمر، وإلى أن تستقر العملة اليمنية، وتتحسن القوة الشرائية للأسر اليمنية من خلال استئناف دفع الرواتب الحكومية. وبالتالي، فإن خطر وقوع مجاعة ما زال ماثلاً بحجم كبير.

والحقيقة المرة هي أنّه لم يتم التوصل إلى وقف إطلاق النار في الحديدة سوى بسبب الضغط العسكري الذي مارسه التحالف الذي تقوده السعودية. فاحتمال حدوث اعتداء سعودي على الحديدة أجبر الحوثيين على الاختيار بين أمرين: إمّا التوصل إلى اتفاق بينما لا يزالون يحتفظون بالسيطرة على المدينة، وبالتالي يمكنهم استخدامها كورقة مساومة، وإمّا القيام بذلك لاحقاً، لكن بعد خسارتهم لها، وبالتالي سيكون نفوذهم أقل بكثير .فاليوم، وبعد التوصل إلى اتفاق وقف إطلاق النار، لم يعد الحوثيون يتعرّضون لمثل هذه الضغوط للمضي قدماً في التوصل إلى اتفاق سلام أشمل. فهم يدركون أنّ عقد صفقة لن يؤدي إلاّ إلى تقليص سلطتهم، في حين أن الانتصار العسكري من شأنه أن يعززها. وفي هذا السياق، فشل كل من المجتمع الدولي والأمم المتحدة في استبدال الضغوط العسكرية على الحوثيين بضغوط دبلوماسية موازية. وأفضل وصف للوضع هنا يكون في عبارة "مسرح السلام"، أي وَهْم التقدم الذي يوفّر استراحةً مرّحب بها من حدوث حرب شاملة في الحديدة، مع ترك الأزمة الأساسية على حالها.

أقل الخيارات سوءاً

إذاً، ما الذي يمكن أن تفعله الولايات المتحدة لوقف القتال؟ يشير تاريخ الحرب الأهلية، في اليمن ومناطق أخرى، إلى نهج غير متوقّع، وهو زيادة الدعم الأمريكي للتحالف الذي تقوده السعودية، وتمكينه من السيطرة على الحديدة، ومن ثم استخدام النفوذ الناتج عن ذلك لإجبار الطرفين على إنهاء القتال وتوقيع اتفاق لتقاسم سلطة.

وهذا السيناريو ليس منطقياً فحسب، بل إنه الحل الوحيد على المدى القريب الذي يمكن أن يُنهي الحرب الأهلية، ويوقف أعمال القتل، وينهي الوجود السعودي والإيراني.

ويبقى انتصار التحالف في الحديدة صعباً بل ممكناً. فقد حققت القوات الحكومية المتجمعة خارج المدينة عدداً كبيراً من النجاحات العسكرية، وذلك بفضل الدعم الكبير من الإمارات. ففي عام 2016، نجحت قوة أصغر بكثير مؤلفة من جنود يمنيين وإماراتيين في السيطرة على عدن - مدينة أكبر بكثير من الحديدة. وفي العام التالي، زحفت قوات كل من الإمارات والقبائل إلى المُكلّا - مدينة ساحلية كبيرة أخرى.

ومنذ ذلك الحين، أصبحت الإمارات وحلفاؤها أكثر تمرّساً. ففي القتال العنيف الذي اندلع في شوارع الحديدة مباشرةً قبل التوصل إلى اتفاق وقف إطلاق النار، حرّر التحالف ثلاثة أميال مربعة من مساحة المدينة البالغة 17 ميلاً مربعاً في غضون أسبوع، وذلك باستخدام ذخائر دقيقة ذات رؤوس حربية صغيرة لإحباط قناصة الحوثيين المتمركزين في المناطق السكنية.

إنّ الانتصار في الحديدة سيسمح للسعوديين والإماراتيين بالإيحاء إلى منافسهم الإقليمي، إيران، وإلى شعوبهم أيضاً، بأنهم أقوياء ولا يجوز استفزازهم. وفي الوقت نفسه، فإن فقدان الحوثيين سيطرتهم على المدينة لابد وأن يقنعهم بأنهم لا يستطيعون الانتصار، وإذا استمروا في القتال، فقد يفقدون سيطرتهم على صنعاء وغيرها من المناطق التي استولوا عليها منذ عام 2014. والحقيقة أن إيران ستشجّع الحوثيين على الأرجح على مواصلة القتال في معركة خاسرة من شأنها أن تساعد الحوثيين على الفهم بأن مصالح طهران ليست مصالحهم.

عندئذٍ، لا تكون الولايات المتحدة قد فضّلت التحالف الذي تقوده السعودية بدعمها هذه الاستراتيجية، بل أن واشنطن تكون قد كسبت نفوذاً على التحالف من خلال تحديد الظروف التي بموجبها ستوافق على تنفيذ هجمات جديدة على الحديدة أو تقديم الدعم الاستخباراتي. وفي مقابل مساعدة واشنطن، سيتعين على التحالف قبول خطة سلام واقعية - أي خطة تلبي مطالب الحوثيين بإعادة تقسيم الدوائر الداخلية، وتضع عمليةً لتشكيل حكومة جديدة مع ترتيبات مناسبة لتقاسم السلطة، وربما تنص على تغييرات في القيادة من جانب الحكومة. ومن جانبهم، سيتعين على الحوثيين طرد المستشارين العسكريين الإيرانيين واللبنانيين التابعين لـ «حزب الله» وقبول قوة لحفظ السلام تابعة لجهة خارجية من أجل تأمين مواقع مهمة مثل الموانئ، حيث يمكن أن تتألف هذه القوة من قوات أوروبية وعربية وأفريقية، وربما تخضع لقيادة حلف "الناتو" أو "الجامعة العربية" أو حتى الولايات المتحدة.

إنّ التسوية التفاوضية ستكون النتيجة الأفضل - أو الأقل سوءاً - للحرب الوحشية في اليمن. وإنّ تجدّد الهجوم على الحديدة سيمهّد الطريق للتوصل اليها. إذ سيكون الحوثيون أكثر تقبلاً لعرض سخي بعد خسارتهم المدينة. أمّا بالنسبة للسعوديين، فيمكن أن تحذّرهم واشنطن من أنهم إذا عرقلوا عملية السلام، فستعلق الولايات المتحدة بدورها جميع المساعدات العسكرية - وليس فقط تلك المتعلقة بعملياتهم في اليمن. إن ذلك الإنذار يجب أن يقنعهم بالتراجع بينما هم في المقدمة، لأسباب ليس أقلها أن عملياتهم في اليمن تعثرت وأصبحت تثير الكثير من الاستياء الدولي. فالنصر العسكري في الحديدة سيمنح ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان الغطاء المناسب الذي يحتاجه لإعلان النصر وإعادة قواته إلى السعودية.

لقد سبق أن تمّت تجربة هذا النهج واختباره، وهو يوازي الاستراتيجية التي استخدمها الدبلوماسيون الأمريكيون لإنهاء الحرب الأهلية البوسنية في عام 1995. ففي ذلك الحين ساعدت الولايات المتحدة القوات العسكرية الكرواتية والبوسنية المسلمة على تدمير القوات الصربية البوسنية والاستيلاء على ما يقرب من نصف أراضيها. ومن ثم أثناء محادثات السلام في دايتون، أوهايو، قدّم المبعوث الأمريكي ريتشارد هولبروك للجانبين اتفاقيةً لتقاسم السلطة. ووافق الصرب على مضض، مدركين أن الرفض يعني خسارة ما تبقى من أراضيهم لصالح العدو الذي تدعمه الولايات المتحدة. ورضخ الكروات والبوسنيون على مضض أكبر، لأن هولبروك هدد بسحب الدعم الأمريكي إذا لم يوافقوا. لذا فإن الخطة التي استخدمها هولبروك ستخدم الولايات المتحدة حالياً في اليمن ايضاً.

أخذ الأمور بجدية

تتطلب كل من المصالح والقيم الأمريكية إنهاء الحرب في اليمن، حيث يهدد الصراع بدفع البلاد نحو المجاعة. فقد استغل تنظيم «القاعدة في شبه الجزيرة العربية» فوضى الحرب لتجنّب القوة الكاملة لجهود مكافحة الإرهاب الأمريكية-الإماراتية-اليمنية المشتركة. كما تواجه السعودية والإمارات ضرراً كارثياً على المستويين الدبلوماسي والاقتصادي وفي ما يتعلق بالسمعة. أما إيران فيهي الوحيدة التي ستستفيد من إطالة أمد هذه الحرب القذرة.

لكن وضع حد للقتال يتطلب اتخاذ خيارات صعبة قد يُكتب لها النجاح فعلاً، وليس خيارات سهلة من المحتمل أن تفشل. وإذا بقيت خطوط المعركة على ما هي عليه الآن، فسيكون الحوثيون قد انتصروا في الحرب فعلياً، بعد أن استولوا على عاصمة اليمن وأكبر موانئها. وفي المقابل، إذا استولى التحالف ثانية على الحديدة، فيمكنه تحمّل وقف الحرب بينما ستؤدي سيطرة الحوثيين على صنعاء إلى تركهم مع بعض القدرة على المساومة. فجُلّ ما يحتاجه اليمن حالياً هو دبلوماسية أمريكية وأوروبية أكثر صرامةً، مدعومةً بضغط عسكري نشط. وعندها فقط، سيفهم الطرفان المتحاربان أنهما إذا واصلا القتال، فلن يبقى أمامهما إلا الخسارة.

 

مايكل نايتس هو زميل أقدم في معهد واشنطن، وكان قد زار جبهات القتال في الحديدة مرتين خلال العام الماضي. كينيث بولاك هو باحث مقيم في "معهد أمريكان إنتربرايز". باربارا والتر هي أستاذة العلوم السياسية في كلية سان دييغو للسياسة والاستراتيجية العالمية في جامعة كاليفورنيا ومؤسسة مشاركة للمدونة الحائزة على جوائز Political Violence @ A Glance.

"فورين آفيرز"


 انشأ بتاريخ: 25 كانون2/يناير 2017

 

المرصاد نت - متابعات

يجمع محللون سياسيون غربيون وخبراء جيوسياسيون وتقارير أمريكية أن كل شيء عن الحرب على اليمن ما هو إلا لذر الرماد على العيون ومخفي وراء قصة كبيرة ..


الجغرافيا السياسية والبترو-سياسية التي تهدف للسيطرة على مضيق باب المندب وخليج عدن ومضيق باب المندب ممر مائي يصل البحر الأحمر بخليج عدن والبحر العربي يقع بين البحر الأحمر والمحيط الهندي.

يربط البحر الأبيض المتوسط والبحر الأحمر من خلال قناة السويس ويعد ممراً إجباري يتيح الوصول للمحيط الهندي والمحيط الهادئ ويشكل بوابة دخول لمنطقة القرن الأفريقي بالإضافة إلى كونه منفذا هاما يربط غرب وشرق آسيا بقارة أفريقيا ومن ثم إلى أوروبا عبر البحر الأبيض المتوسط فهو مفترق طرق استراتيجي للشحن الدولي وعن طريقه تمر أهم الشحنات النفطية.

كما يعد مضيق باب المندب وكذا مضيق هرمز الذي تسيطر عليه إيران من الممرات الرئيسة في هذه المنطقة الحيوية والمنتعشة بحركة الشحن النفطية على طول البحر الأحمر.

وفي تقرير تحليلي نشره الخبير الجيوسياسي داريوس ناظم رويا في مركز “Strategic Culture” الأمريكي للدراسات الإستراتيجية تحت عنوان: “الأهداف الجغرافية الإستراتيجية للولايات المتحدة والسعودية وراء الحرب في اليمن”، يؤكد فيه أنه لطالما ينظر بيت آل سعود إلى اليمن بأنه كجزء تابع لنفوذ الرياض فإن الولايات المتحدة تريد أن تتأكد من أن السعودية يمكنها السيطرة على باب المندب وخليج عدن وجزر سقطرى.

ويرى داريوس أن السعودية كانت ولا تزال تخشى بشكل واضح من أن يصبح اليمن رسميا محاذيا لإيران وأن تؤدي الأحداث هناك إلى ثورات جديدة في شبه الجزيرة العربية ضد آل سعود.

وكانت الولايات المتحدة تماما تشعر بالقلق كثيرا عن هذا أيضا ولكنها تفكر من حيث المنافسات العالمية وهو منع روسيا أو الصين أو إيران من وجود موطئ قدم استراتيجي في اليمن كوسيلة لمنع القوى الأخرى من الإطلال على خليج عدن وباب المندب.

ويؤكد الخبير الجيوسياسي داريوس، بالإضافة إلى أهمية اليمن الجيوسياسية في الإشراف على الممرات البحرية الإستراتيجية فهناك أيضاً ترسانة الصواريخ العسكرية الخاصة بها.

صواريخ اليمن قد تصل إلى أي سفينة في خليج عدن أو باب المندب

وفي هذا الصدد فإن الهجوم السعودي على مستودعات الصواريخ الإستراتيجية في اليمن يخدم مصالح الولايات المتحدة والهدف ليس فقط لمنعهم من استخدامها للرد على القوة العسكرية السعودية ولكن لمنعهم أيضا من أن تكون متاحة للحكومة اليمنية التي ستنحاز إلى روسيا أو الصين أو إيران وفي أكتوبر من عام 2016 اتهمت الولايات المتحدة الحوثيين وقوات صالح –حسب توصيفها- استهداف سفينة تابعة للبحرية الأمريكية “يو اس اس ماسون” قبالة السواحل اليمنية على الرغم من نفي الجيش اليمني قطعا بأي هجوم على أي سفينة أمريكية.

يضيف داريوس: ومع ذلك وبعد أربعة أيام من “الهجوم المضاد” تغيرت القصة تماما: لم يكن هناك أي دليل رسمي أن مقاتلي الحوثي أو القوات المتحالفة معهم كانوا مسؤولين عن استهداف السفن الأمريكية، فقد ذكر موقع (Military) الأمريكي المختص بالدفاع والبحرية الأمريكية أن المتحدث باسم البنتاغون صرح (الخميس 13 أكتوبر/تشرين الأول 2016)، أن الولايات المتحدة لم تحدد بعد الجهة المسؤولة عن إطلاق الصواريخ على السفن الحربية البحرية في البحر الأحمر.

وأضاف بيتر كوك المتحدث باسم البنتاجون: “إننا لا نعرف من ضغط على الزناد” ! وقال كوك “لا نزال نقيم الوضع. لا يزال هناك بعض الأوجه لهذا (الحادث) التي نحاول أن نستوضحها بالنظر إلى التهديد المحتمل لشعبنا …لذلك هذا لا يزال وضعا نقيمه بعناية” حسبما نقلت له رويترز ووكالات أخرى.

حتى أن شبكة سي أن أن قالت إن المسئولين كانوا غير متأكدين من معرفة ما حدث حد بروز تفسير يقول بأن الأمر كان يتعلق بإنذار كاذب (..) بسبب عطل أو خلل في نظام الرادار في مدمرة أمريكية.

وحسبما يذكر موقع “Zero Hedge” الأمريكي: دخلت الولايات المتحدة أحدث تورط عسكري في منطقة الشرق الأوسط، عندما شنت “يو اس اس نيتز” عدة صواريخ توماهوك واستهدفت منشآت الرادار في اليمن.

وأمام معطيات متراكمة كهذه صريحة (ومريبة في الوقت ذاته) يتوقف موقع “Zero Hedge” الأمريكي: هنا تحديدا على المرء أن يتساءل، الآن إذا كانت الصواريخ التي سقطت بالقرب من السفن الأمريكية مجرد فبركة تستدعي الولايات المتحدة لشن تدخل أجنبي آخر في اليمن؟ يتابع الخبير الجيوسياسي الأمريكي: بطبيعة الحال إذا لم يكن الحوثيون وحلفاؤهم فإن البديل المنطقي الوحيد هو خصم الحوثيين في اليمن: النظام السعودي وأدواته.

وللعودة إلى تحليل الخبير الجيوسياسي داريوس يؤكد أن دعم الولايات المتحدة للسعودية في الحرب على اليمن هو من أجل التحكم والسيطرة على مضيق باب المندب وخليج عدن وأنابيب النفط.

اليمن جوهرة جيوسياسية

في تقرير تحليلي للخبيرة الجيوسياسية كاثرين شاكدام نشر على موقع “مينت برس” الأمريكي أشارت فيه إلى أن السعودية تدّعي أنها تقاتل من أجل الديمقراطية وإنقاذ اليمن من إيران لكن تصرفات التحالف السعودي الوحشية يكشف جانبا آخر لهذه القصة “السيطرة على ممرات النفط”.

وكشفت الباحثة كاثرين أنه منذ بداية هذه الحرب ضد اليمن الفقير بررت السعودية تدخلها العسكري من أجل استعادة الحكومة الشرعية ووضع نفسها على أنها الفاعل المسؤول لحماية التوازن داخل المنطقة.

ولكن في الواقع كما تؤكد الخبيرة هو أن اليمن يمثل الكثير من الجائزة الجيوسياسية للرياض.

ولفتت إلى أن اليمن يمثل جوهرة جيوسياسية ولذا تعتبر السعودية اليمن مثل ما كانت الهند إلى التاج البريطاني في القرن الـ19 كونها المفتاح الجيواستراتيجي لتوجيه النفط في العالم عن طريق باب المندب ولذا تعمل السعودية جاهدة للسيطرة عليه كبديل لمضيق هرمز الذي تسيطر عليه إيران من خلال بناء خط لأنابيب النفط في المنطقة الشرقية من حضرموت.

من جانبه قال موقع “مينت برس” الأمريكي في تقرير منفصل إنه على الرغم من أن السعودية قد استنفدت الكثير من الجهود والموارد الكبيرة في حربها ضد اليمن إلا أنها حققت نقطة للسيطرة على وسائل الإعلام لسرد الصراع.

ولفت الموقع أن رقص الرياض على أنغام جنون العظمة السياسية والدينية وإصرار وسائل إعلامها وشركات الرياض الدعائية اللوبية في أنحاء العالم على أن حرب اليمن صراع طائفي حتى وإن كان على حساب إراقة دماء أكثر شعوب المنطقة فقراً.

ويرى الموقع الأمريكي أن كل هذا بطبيعة الحال هو أكثر قليلا من أسطورة أو خرافة بيعها لجمهور السذج لتغطية الطموحات الجيوسياسية الحقيقية والسباق الحقيقي الوحيد للسيطرة على ممر نقل النفط في العالم.

وأكد الموقع أن حرب “الوكالة” في اليمن ما هو إلا للسيطرة على باب المندب طريق النفط إلى العالم.

كما أن دعم الولايات المتحدة للسعودية للسيطرة على خط أنابيب حضرموت والموارد المائية في اليمن في منطقة حيث التصحر يعد مسألة تتعلق بالأمن القومي.

إلى ذلك كشف موقع “ميدل ايست آي” البريطاني عن برقية سرية ومسؤول حكومي هولندي يؤكد أن الدافع من الحرب السعودية على اليمن هو طموح الولايات المتحدة لخطوط أنابيب النفط.

في الواقع، كما يرى الموقع البريطاني، تعارض الولايات المتحدة صراحة الديمقراطية في منطقة الخليج بأكملها لأنها تسعى من خلال ذلك “استقرار” تدفق النفط من الخليج إلى الأسواق العالمية.

واعترف على انفراد مسؤولون غربيون وبدون مناقشة علنية أن “اليمن يمتلك إمكانات لم تستغل حتى الآن لتوفير مجموعة بديلة من طرق الشحن العابر للنفط والغاز لتصدير النفط السعودي، بحيث لا تمر عن طريق إيران ومضيق هرمز.

وفي هذا الصدد كشفت برقية سرية في 2008 عن طموحات المملكة – حصل عليها ويكيليكس- من السفارة الأمريكية في اليمن إلى وزير الدولة جاء فيها، أن “دبلوماسياً بريطانياً في اليمن، أخبر بولوف (ضابط سياسي بالسفارة الأمريكية) أن السعودية لها مصلحة في بناء خط أنابيب بحيث أنها ستقوم بحمايتها وتشغيلها وتكون ملكاً لها بالكامل من حضرموت إلى ميناء خليج عدن، متجاوزة بذلك الخليج العربي ومضيق هرمز”.

ولكن الرئيس السابق علي عبدالله صالح كان يعارض ذلك دائماً.

الدبلوماسي كشف أيضاً أن المملكة السعودية تحاول من خلال دعم القيادة العسكرية اليمنية ودفع مبالغ بالسعر المناسب لشراء ولاء شيوخ وغيرها من الوسائل لضمان الحصول على خطوط تلك الأنابيب من خليفة الرئيس صالح.

وفي مقال نشر في مجلة “القوات المسلحة” الأمريكية، انضم الجنرال روب تايلور إلى العديد من النقاد الآخرين في الإشارة إلى أن الحرب في سوريا واليمن هي في الواقع حرب خط أنابيب للسيطرة على إمدادات الطاقة..

حيث كل من المملكة السعودية وقطر وتركيا تعمل بشدة لإزالة الرئيس الأسد “حتى يتمكنوا من السيطرة على سوريا وكذا السيطرة على خط أنابيب الخاصة بهم من خلال تركيا”.

مقال الجنرال روب تايلور الذي نُشر في مجلة “القوات المسلحة” الأمريكية تحت عنوان “صراع الأنابيب في سوريا”، تحدث فيه عن عرض قدمته قطر لدمشق في عام 2009 لمد خط أنابيب يحمل الغاز القطري والسعودي ويمر عبر سوريا متجها إلى تركيا ومنها إلى أوروبا، الأمر الذي لم يلق استجابة من سوريا.

ويقول الجنرال تايلور أن السعودية وقطر فضلا عن تنظيم القاعدة وغيرها من الجماعات تناور للإطاحة بالأسد على أمل حصولهم على حصة من السيطرة على الحكومة السورية “الجديدة” وحصة في ثروة خط أنابيب النفط.

في السياق تؤكد الدكتورة كريستينا لين، الباحثة في معهد واشنطن لدراسات الشرق الأدنى، في مقال نشرته في صحيفة “آسيا تايمز” الصينية أن حروب السعودية وتركيا تستهدف الاستيلاء على مسار أنابيب النفط في اليمن وسوريا.

وكشفت أن المنطقة العازلة ضرورة تركية لمشروع خط الغاز القطري- السعودي- التركي يمر عبر حلب السورية.

ومن ناحية أخرى ترى الباحثة والدكتورة كريستينا أن خط الأنابيب هذا سيعود بالفائدة على الدولة السلفية التي تسعى الدول الثلاث لتشكيلها في سوريا واليمن عبر دعمها لجيش الفتح وجبهة النصرة والقاعدة.

المصدر: المرصاد

اليمن لا يحتاج إلى مساعدات وإنما لقرار عاجل بوقف الحرب ورفع الحصار | الثورة نتالمؤتمرات الإنسانية شعار آخر للمتاجرة بمعاناة اليمنيين تبرعات المانحين باب لتبييض صفحات العدوان وممارسة الارتزاق والتسول باسم الشعب اليمني الثورة / حمدي دوبلة اليمن لا يحتاج إلى مساعدات ومؤتمرات إنسانية تساعد مرتزقة الداخل والخارج للتسول باسمه والمتاجرة بمعاناته، بقدر ما يحتاج إلى موقف دولي جدي يفضي إلى وقف الحرب ورفع الحصار بشكل فوري. وكانت فعاليات المؤتمر الافتراضي الذي عقد مؤخرا برعاية أممية قد خرج بنتائج مخيبة وفق أغلب المراقبين ولم تصل التبرعات إلى مستوى ما كانت تتوقعه المنظمة الدولية التي تتحدث عن معاناة إنسانية هي الأسوأ في العالم بسبب العدوان والحصار المتواصلين منذ ست سنوات، لكنه حقق شيئا من تبييض صفحة دول العدوان التي اقترفت جرائم ومجازر سوداوية في حق اليمن وشعبه طوال تلك السنوات وما تزال ترتكب أفظع الجرائم وحرب الإبادة الشاملة من خلال الحصار ومنع وصول الغذاء والدواء ومشتقات النفط مستغلة في ذلك الصمت والتواطؤ الأممي غير المسبوق. الحاجة الأهم سعت دول العدوان - ومعها الأمم المتحدة طوال الفترة الماضية - إلى تنظيم مؤتمرات إنسانية لدعم اليمن والإسهام في الحد من آثار الكارثة

   تقرير امريكي : تحقيق سلام مستدام في اليمن

 -معهد واشنطن للشرق  الاوسط بواسطة إلينا ديلوجر, آدم بارون

١٩ مايو ٢٠٢١

متوفر أيضًا باللغات:


Also published in "المركز اليمني للسياسات"

عن المؤلفين

إلينا ديلوجر

إلينا ديلوجر، متخصصة في شؤون اليمن ومحللة سياسية، في مؤسسة "معهد سيج للشؤون الخارجية".

آدم بارون

آدم بارون كاتب ومحلل سياسي كان مقره في اليمن في الفترة 2011 -2014.

مقالات وشهادة

يخوض المبعوث الأمريكي الخاص إلى اليمن تيم ليندركينغ عمليةً تركّز بشكل كبير على الجوانب الإقليمية للصراع، لا سيما أدوار السعودية وإيران والاستخدام المحتمل لقوى الوساطة والتسهيل مثل الكويت وسلطنة عُمان. وبطبيعة الحال هناك أهمية بالغة للتوصل إلى تسوية سياسية مع الحوثيين، لكن أي اتفاق لا يمكن أن يستمر دون مشاركة محلية وجهود متضافرة لإعادة بناء البنية التحتية والمؤسسات وممارسات الحكم في اليمن.

منذ تولّي المبعوث الأمريكي الخاص إلى اليمن تيم ليندركينغ منصبه في شباط/فبراير، يخوض المبعوث عمليةً تركّز بشكل كبير على الجوانب الإقليمية للصراع، لا سيما أدوار السعودية وإيران والاستخدام المحتمل لقوى الوساطة والتسهيل مثل الكويت وسلطنة عُمان. وقام ليندركينغ بالعديد من الجولات السريعة المقتضبة للقاء شخصيات خليجية ويمنية بارزة، كما شارك في مضاعفة الجهود المستمرة للأمم المتحدة لوقف إطلاق النار. وعلى الرغم من ردود فعل الحوثيين - التي تعتبر فاترة في أحسن الأحوال - تجاه خطة ليندركينغ لوقف إطلاق النار والخطة السعودية المعلنة، واستمرار التقدم الحوثي في مأرب، ومغادرة مارتن غريفيث منصبه كمبعوث الأمم المتحدة الخاص إلى اليمن - وجميعها عوامل تلقي بظلال من الشك حول إمكانية التوصل إلى حلٍّ سريع - يأمل المفاوضون أن الإرادة السياسية الأمريكية لإنهاء الحرب، وتركيز ليندركينغ الثاقب على الجهات الفاعلة في المنطقة، قد يساعدان في النهاية على إتاحة الفرصة الأولى للتوصل إلى اتفاق سياسي منذ عام 2016.

مشكلة الإرادة السياسية

لم يأتِ التركيز على الشركاء في المنطقة دون سبب: فمن الصعب تصوّر نجاح أي تسوية من دون تأييد الجهات الفاعلةالرئيسية مثل السعودية والإمارات وعُمان. علاوة على ذلك، وبخلاف ما حدث في الماضي، تتفق الجهات الفاعلة الإقليمية حالياً في رغبتها بإيجاد حل دبلوماسي. فالحرب تشكل عبئاً متزايداً على تلك الدول التي يجب أن تستمر في إنفاق رأسمال مالي وسياسي عليها، مع تعرّضها باستمرار للاتهامات بالتواطؤ في معاناة الشعب اليمني. وقد أراد العُمانيون حلاً منذ اليوم الأول [بداية الحرب]، وانسحبت الإمارات رسمياً من القتال ضد الحوثيين في عام 2019، بينما يريد السعوديون بشكل متزايد إنهاء الحرب التي أصبحت كارثة للعلاقات العامة في الغرب ووضعت الثقة بالدفاعات السعودية قيد الاختبار في الداخل. وصُدمت المملكة بشكل خاص حين تعرّضت لهجومٍ بصواريخ موجهة وطائرات مسيرة على منشآت شركة "أرامكو" في أيلول/سبتمبر 2019، مما أدى إلى توقف نصف إنتاج النفط السعودي لفترة مؤقتة. لكن هجوم بقيق، الذي ألقت السعودية باللوم فيه على إيران، أرغم المملكة أيضاً على تغيير أولوياتها، وبذلك تحوّل تركيزها العسكري في اليمن إلى تركيز دبلوماسي.

وعلى نحو مماثل، تتوافق الإرادة السياسية للدول الغربية مع الدبلوماسية. فالولايات المتحدة والمملكة المتحدة تواجهان معارضة حاشدة بشكل متزايد، تأتي من اليسار إلى حد كبير، بسبب دعمهما المستمر للتحالف الذي تقوده السعودية؛ وتتعرض دول أخرى لضغوط بسبب صفقات بيع الأسلحة لشركاء في الخليج. ونتيجةً لذلك، يعمل المفاوضون في المنطقة وفي الغرب على مدار الساعة للتوصل إلى تسوية مقبولة تؤدي إلى اتفاق لوقف إطلاق النار الذي قد يوقف انزلاق اليمن نحو المجاعة ويضع البلاد على طريق السلام. لكن المشكلة الوحيدة هي أن الإرادة السياسية الخارجية لا تنهي الحروب الأهلية.

لقد بدأت حرب اليمن على شكل صراع بين اليمنيين، وعلى اليمنيين حشد الإرادة السياسية لإنهائها. وعندما يجري نقاش حول اليمنيين، غالباً ما يكون ذلك في سياق اكتساب النفوذ عليهم. وعلى وجه الخصوص، يتم تكريس موارد كبيرة للنقاش حول أي دولة لديها نفوذ على الحوثيين وما الذي يمكن أن يستحضر إرادتها السياسية لإنهاء الحرب. وفي حين أن الراعي الأقرب لأي جماعة في اليمن غالباً ما يكون طرف خارجي، إلا أن اليمنيين ليسوا دمىً. وفي الواقع، لا يزال معظم اليمنيين يعارضون التدخل الأجنبي بشكل كبير، على الأقل من حيث المبدأ، وذلك بهدف حماية استقلاليتهم. لهذا السبب، وبغض النظر عن النفوذ الخارجي المزعوم، فإن الضغط الدولي لإنهاء الحرب لا يمكن أن يستمر إلا إذا كانت الأطراف المعنية نفسها مستعدة لإنهائها.

وفي الوقت الحالي، ليس لدى الأطراف اليمنية سبب وجيه للتوصل إلى اتفاق. فالحوثيون يتقدمون نحو مأرب حيث تغريهم مواردها الغنية ويهدفون توجيه ضربة إلى معقل رئيسي للحكومة. ويشعر الحوثيون أن لديهم القليل من الحوافز النسبية للموافقة على وقف إطلاق النار. من هنا، قد يضطر التحالف إلى تقديم تنازلات كبيرة للحصول على موافقة الحوثيين، مثلرفع الحصار أو فتح ميناء الحديدة أو مطار صنعاء - وهي جميع الخيارات التي يَخشى أنها ستسمح للحوثيين بإعادة الإمدادات [لقواتهم]. وفي غضون ذلك، فإن الحكومة اليمنية غير محفزة للدخول في محادثات سلام مع الحوثيين المهيمنينفي مأرب، خشية أن يُسفر اتفاق انتقالي يتم التوصل إليه الآن عن تقنين مكاسب الحوثيين على الأرض إلى مكاسب سياسية دائمة. وبالتالي، يجد التحالف نفسه في مأزق: الظروف غير مؤاتية، لكن موقفه التفاوضي قد يتدهور أكثر فأكثر مع استمرار الحرب.

الحل يجب أن يكون مستداماً

فضلاً عن ذلك، إن التوصل إلى اتفاق سلام هو مجرد جزء واحد من عملية إرساء سلام مستدام. فلا تزال مشاكل الحكم التي أدت إلى هذه الحرب قائمة، وسيؤدي أي اتفاق سياسي مبرم كحل سريع إلى وجود حوثي دائم لا يتناسب مع شعبية الحوثيين ويستنثي الجهات الفاعلة المهمة التي يمكن أن تكون عناصر إفساد وتخريب، الأمر الذي سيقود حتماً إلى نزاعات إضافية. وسيحتاج اليمن إلى المساعدة في إنهاء هذه الدوامة من خلال بناء دولة واقتصاد مستقرَيْن بدعمٍ وتأييد من كافة أطياف المجتمع.

وسيكون للاتفاق السياسي أساس أقوى إذا كان هناك بالفعل إطار عمل لإصلاح البنية التحتية ومؤسسات الدولة، واقتصاد مستقر، وتوافق على نماذج الحكم الرشيد التي يمكن أن تكون خيارات عمل لدولة يمنية مستقبلية (فيدرالية على الأرجح).وعلى الرغم من عدم تركيز معظم دول العالم إلا على الجانب السعودي الإيراني من الحرب، إلا أن الصراع عجّل بتقسيم الدولة اليمنية المركزية، مما أظهر، للمفارقة، الدور البارز الذي يلعبه نظام الحكم الفيدرالي المخطط له والذي أدى الصراع إلى وضع عملية تنفيذه جانباً: فقبل الحرب، أقيم "مؤتمر للحوار الوطني" الذي كان مؤتمراً موسعاً وجامعاً توصّل إلى أن اليمن الفيدرالي هو مستقبل البلاد، حتى لو بقي النظام الفيدرالي الحالي للمناطق الستة مثيراً للجدل. ومع ذلك، سيكون من الصعب تقبّل نموذج تصاعدي من القاعدة إلى المستويات العليا يسعى إلى تهيئة الظروف المناسبة لتحقيق السلام المستدام، لأنه يتطلب من المجتمع الدولي تقّبل التعقيد اليمني والموافقة على المشاركة فيه لفترة طويلة - وهو احتمال لا تفضّله أي من الدول المنخرطة في اليمن.

ولكن حتى مع هذا الدعم، فإن اليمنيين أنفسهم هم الذين سيعملون في النهاية على إعادة إرساء السلام وإصلاح الأضرار التي سببتها الحرب. وهم يؤكدون باستمرار على وجود سبب يدعو للأمل رغم الفظائع التي جلبها الصراع. وفي هذا الإطار، يملك المجتمع الدولي موارد كبيرة لمساعدة أولئك الذين يعملون على تخفيف الآثار المدمرة للحرب، والتي ستساعدفي النهاية في دعم أي اتفاق سياسي مستقبلي. وإذا تم توجيه الإرادة السياسية الدولية لإنهاء الحرب نحو تهيئة الظروف لسلام مستدام، فقد توفّر للأطراف المحلية المتحاربة حوافز لتحقيق السلام وبالتالي تدعم الجهود للتوصل إلى وقف إطلاق النار وتوافق سياسي والحفاظ عليهما.

 

إلينا ديلوجر هي "زميلة روبن فاميلي" في معهد واشنطن وأستاذة مساعدة في "جامعة جورج تاون". آدم بارون هو كاتب ومحلل سياسي كان مقيماً في اليمن في الفترة 2011-2014. وقد نُشر هذا المقال في الأصل على موقع "المركز اليمني للسياسات".


«الدم والنفط»: صناعة نفوذ ابن سلمان في البيت الأبيضلعلّ الاستثناء الوحيد الذي يمكن استخلاصه من كتاب «الدم والنفط: بحث ابن سلمان الشرس عن قوّة عالمية» لمراسلَي «وول ستريت جورنال»، برادلي هوب وجاستين شيك، يكمن في توقيت نشره، على مسافة شهرين من انتخابات الرئاسة الأميركية، والهرولة التي تسبق الحدث الأهمّ لهذا العام، إلى التطبيع مع إسرائيل بقيادة الإمارات ومباركة السعودية. الكتاب الذي يحكي، مرةً جديدة، سيرة صعود وليّ العهد السعودي، محمد بن سلمان، الذي فَتَن الغرب في المرحلة السابقة لاغتيال جمال خاشقجي، يجيء بعد أشهر قليلة مِن نشر آخر لمراسل «نيويورك تايمز»، بِن هابرد، بعنوان «إم بي إس: صعود محمد بن سلمان إلى السلطة»، قدّم قراءة وافية عن تعاظم سلطة الأمير في خلال نصف عقد، بمضمون هو أشبه ما يكون بالسِيَر الذاتية. غير أن الكتاب الجديد الصادر أول من أمس، وإن لم يقدّم معلومات استثنائية، يُعدُّ نتاج تحقيق صحافي يتناول حياة ابن سلمان وقراراته التي قادت إلى تربُّعه باكراً على العرش. ويُلقي الكاتبان مزيداً من الضوء على الصعود الصاروخي للأمير (أكمل أعوامه الـ35 قبل أيام)، والذي تزامن مع تآكل عصر النفط، لتحلّ بدلاً منه «رؤية» ظنّ الشاب الطموح أن تحقيق

كاتبة فرنسية: اليمن لن تكون تحت الوصاية السعودية


في أغسطس 6, 2021   

يمني برس:

 

قالت الكاتبة الفرنسية ”بادية بن جلون“ إن التحالف السعودي الإماراتي فشل في الحرب ضد اليمن، على الرغم من مشاركة أمريكا وبعض الدول الأوروبية في هذه الحرب والدعم الذي تم تقديمه للتحالف وذلك من خلال الأسلحة التي اشترتها السعودية بمليارات الدولارات.

 

وأكدت أن اليمن يعتبر واحد من أفقر خمسة بلدان في العالم، حيث شن عليه هجوم من قبل تحالف من البلدان العظمى التي تمتلك الأسلحة المتطورة وأحدث تقنيات المراقبة وفشل في إلحاق الهزيمة به بعد ست سنوات من الدمار الجوي العنيف الذي لا هوادة فيه، والحصار البري والبحري والجوي الإجرامي الذي يعتبر إبادة جماعية مخططة.

 

وأفادت الكاتبة أن أسهم شركة ”رايثيون- بوينغ -جنرال دايناميكس“ المصنعة للأسلحة قد ارتفعت على الفور منذ دخول ملوك البتروحرب في مارس 2015.. مضيفة أن بدو نجد ينشر ويستخدم الأسلحة التي تم شراؤها بمئات المليارات من الموردين الأمريكيين.. كما أنه لم يتم استبعاد مصنعي الأسلحة الأوروبيين سواء كانوا فرنسيين أو إيطاليين أو ألمان.

 

وتابعت الكاتبة الفرنسية ”بادية بن جلون“أن قوات الجيش واللجان الشعبية ما زالت مسيطرة على العاصمة صنعاء على الرغم من الغارات الجوية التي يشنها التحالف، حيث تراوح عددها أكثر من «266510» غارة.

 

علاوة على ذلك قدم العميد “يحيى سريع” تقييما للهجوم الذي شنه سلاح الجو اليمني المسير والأرقام المأهولة عن الخسائر التي لحقت بالتحالف السعودي فكانت مثيرة للإعجاب.  وحذر “سريع” المعتدي ووعده بأن ”العام السابع“ سيشهد المزيد من العمليات العسكرية إذا لم يتوقف العدوان ويتم رفع الحصار.

 

الكاتبة رأت أن الصواريخ والطائرات دون طيار التي تخترق خطوط العدو وتصل إلى مواقع أرامكو الاستراتيجية المحمية جيداً هو أداء رائع وملفت للنظر.. من شأنه هذا الأمر أُجبر البدو في نجد على الاعتراف بقصف منشآتهم النفطية الواقعة بالقرب من العاصمة السعودية وتعرضوا لأضرار وخسائر كبيرة في 19 آذار/ مارس.. وقبل أيام قليلة، شن سلاح الجو اليمني المسير هجمات على محافظتي نجران وعسير في جنوب السعودية.

 

وأكدت أن اليمن لن تكون تحت الوصاية السعودية.. ومن خلال إزالة أنصار الله من قائمة المنظمات الإرهابية، تسمح إدارة بايدن على الأقل للمنظمات غير الحكومية بتقديم المساعدة للسكان المتضررين.. وبالتالي فهي تدرك وتعترف بأن الحركة لا مفر منها إذا سعت إلى عملية تهدئة.

 

وقالت الكاتبة إن أنصار الله الذين يشار إليهم في كثير من الأحيان باسم حلفاء إيران ، هم أجزاء من السكان تجاهلتهم السلطة المركزية بعناد لعقود ، وقرروا عدم مشاركتهم في السلطة.

 

بالإضافة إلى ذلك أعلن وزير الخارجية الأمريكي ”بلينكن“أن الولايات المتحدة ستدعم عملية السلام في ظل اليمن المستقر وبعيداً عن التدخل الأجنبي.. ورداً على ذلك علق المسؤول السياسي رفيع المستوى ”محمد علي الحوثي“ على هذا الموقف مغرداً بأنه يعتبره إيجابياً.

 

وتختم الكاتبة حديثها بموقع «موندياليزاسيون» الفرنسي بالقول: تسير عملية صوملة الدول العربية على الطريق الصحيح. لم يكتشف آل سعود الأمر بعد ولم يفهموا ذلك بأن مملكتهم بلا شك واحدة من الأهداف التالية أو القادمة.



بعنوان ماذا عن «الإخوان» في اليمن؟.. كاتب ومحلل سياسي يستعرض تاريخ وسياسة حركة الاخوان باليـمن

قبل سنتين

 المصدر: الأمين برس / خاص  

استعرض المحلل السياسي هاني مسهور في مقالة نشرة بجريدة الجزيرة تاريخ تيار الاخوان المسلمين باليمن ( حزب الإصلاح) ودورهم السياسي والاجتماعي في محاولة الاستحواذ على الحكم بمختلف الأساليب التي يعتمدونها كمنهج وسلوك في اختيار توجهاتهم.

 

وقال مسهور : مع تحرير الُمكلا في 28 ابريل 2015م بقيادة المملكة العربية السعودية ودولة الإمارات العربية المتحدة تكشفت حقائق كبيرة حول علاقة العناصر الإرهابية بتنظيم الإخوان (المسلمين) في اليمن عموماً وفي حضرموت بشكل أكثر دقة، وإذا كان كثير من المهتمين بالشأن اليمني حاولوا غض الطرف عن دور تنظيم «الإخوان» في اليمن لاعتبارات مختلفة فإن ارتدادات مشهد ما بعد تحرير العاصمة الجنوبية عدن في 14 يوليو 2015م وإلى ما بعد تحرير المُكلا يضعنا أمام الأهداف والغايات لهذا التنظيم الذي لا يمكن اعتباره سوى جزء من أجزاء المشكلة في اليمن وليس جزء من أجزاء الحل ".

 

وأضاف " في خلفية التاريخ فإن ظهور تنظيم الإخوان (المسلمين) في اليمن بدأ مبكراً ففي العام 1929م فلقد ألقى مؤسس التنظيم حسن البنا محاضرة التقى بعدها مع السيد محمد زبارة الحسن اليمني أمير قصر السعيد في صنعاء حينذاك، وبعد أن توطدت الصداقة بينهما زار زبارة مصر واطلع على منشآت الإخوان في الإسماعيلية، وكان الإخوان في اليمن يستلهمون من التنظيم في مصر كثيرا من مناشطهم الاجتماعية والدينية، حتى حاولوا الانقلاب باغتيال الإمام يحيى بن حميد، وكانت الحادثة التاريخية مؤشرا للدرجة التي بلغها التنظيم في اليمن وارتباطه بالتنظيم في مصر، حتى أن تنظيم «الإخوان» في مصر أصدر بياناً وضحوا فيه القضية وأبعادها وعلاقتهم باليمن والإمام يحيي وابن الوزير، الذي قاد الثورة وتولى الحكم وقد حكم عليه بالإعدام بعد سيطرة أحمد بن الإمام يحيي على الحكم مرة أخرى، وبعد ذلك عاد الفضيل الورتلاني وعبد الحكيم عابدين من اليمن بعد تدخل جامعة الدول العربية ".

 

وتابع "بعد ثورة 26 سبتمبر 1962م عاد محمد الزبيري إلى صنعاء مع عدد من نشطاء التنظيم وعملوا على نشر أفكار جماعة الإخوان وتأسيس العديد من المدارس الدينية والتي أسهمت في كسب أفكار الإخوان أرضية كبيرة باليمن بالإضافة إلى الدعم القبلي، وأسهمت في تأجيج الصراعات الداخلية وظهور التيارات الفكرية التي كان كل تيار منها يحاول السيطرة على دفة القيادة وإضفاء نكهته على المعطيات الجديدة للثورة اليمنية، مما أسفر عن أجواء مرتبكة سادها التوتر والحذر وسوء الظن، وشارك الإخوان في مؤتمر الجند عام 1966م لتنقية الأجواء بين الأطراف المتصارعة في اليمن عقب قيام الجمهورية، وقد حضر هذا المؤتمر المشايخ والأعيان والمسئولون وفي مقدمتهم رئيس الجمهورية عبد الله السلال، وكان عبده محمد المخلافي المرشد الأول لجماعة الإخوان ممثلا للإخوان بالمؤتمر ".

 

وأوضح ان حركة الإخوان (المسلمين) في اليمن حاولت على «أسلمت الثورة» من خلال محاربة التيارات التي وصفها عبد الملك الشيباني في كتابه (عبده محمد المخلافي شهيد القرآن) بالتيارات الإلحادية التي كانت تستهدف إنكار وجود الله تعالى وسب الدعاة إلى الله وتشويهم صورتهم وسمعتهم.

 

وأشار الى ان جماعة الإخوان واصلت أنشطتها الدعوية والاجتماعية خلال الجمهوريتين الأولى والثانية, إلا أن وصول العقيد إبراهيم الحمدي إلى سدة الحكم في يونيو 1974م مع مشروعه التصحيحي كان فرصة ذهبية للإخوان, خاصة أن الحمدي اختارهم في البداية لينشر من خلالهم رسائله للجماهير اليمنية وليثبت دعائم دولته التي لم يجد المشائخ والقبائل مكانا لهم فيها ولكن الأمور لم تسر كما يريد الرئيس الحمدي فقد خيب الإخوان الآمال التي عقدها عليهم الحمدي في القيام بالدور الإعلامي اللازم من خلال الإشادة بشخصه وبسياسته التي أغضبت مراكز النفوذ الاجتماعي والقبلي والمتمثلة في إلغاء مجلس الشورى وتعليق الدستور الدائم للبلاد وعزل الشخصيات الاجتماعية الكبيرة ذات النفوذ القبلي والعسكري، عجز الرئيس إبراهيم الحمدي في احتواء جماعة الإخوان (المسلمين) كما عجزت الجماعة في احتوائه, لهذا بحث عن تيار آخر فلم يجد غير الناصريين الذين وجدوا أنفسهم بين عيشة وضحاها على بوابة القصر الجمهوري.

 

وقال " انه في أكتوبر 1977م لقي الرئيس الحمدي مع أخيه عبدالله مصرعهما في ظروف غامضة وقبل يوم واحد من السفر إلى عدن لترتيب أوضاع الوحدة بين شطري اليمن, وأُعلن في صنعاء عن اختيار المقدم أحمد حسين الغشمي رئيساً للبلاد لفترة لم تتجاوز التسعة الأشهر إذ لقي مصرعه في تفجير انتحاري بمكتبه في 24 يونيو 1978م، وتسلم علي عبدالله صالح قائد لواء تعز مقاليد الحكم في البلاد في 17 يوليو 1978م , وكان صالح أحد الشخصيات العسكرية البارزة في محاربة المد الماركسي القادم من جنوب البلاد, لهذا فقد أنشأ الرئيس الجديد تحالفاً مع جماعة الإخوان التي كانت تسعى بدورها للتصدي للأيدلوجية الماركسية التي كانت السبب الرئيسي لإنشاء تحالف استراتيجي بين علي عبدالله صالح والإخوان استمر لما يقرب من ربع قرن ولم يسقط حتى الآن.

 

واستطرد المحلل السياسي مسهور تحليله " في مطلع الثمانينيات خاض علي عبدالله صالح بالتحالف مع الإخوان المسلمين مواجهات عسكرية ضارية ضد اليمن الجنوبي، وعلى الرغم من تكبد الشمال اليمني لخسائر فادحة في كل تلك المواجهات العسكرية مع حكام عدن، وفي عام 1981 تقرر تشكيل لجنة الحوار الوطني برئاسة حسين المقدمي, وقد شكل الإخوان المسلمين 25 % من أعضاء اللجنة. وقامت اللجنة بصياغة الميثاق الوطني الذي خرج بصيغة وافق عليها الإخوان خاصة وأن القيادي البارز والسابق عبدالملك منصور كان له بصمات واضحة في الصياغة ".

 

وبين انه فيما كان علي عبدالله صالح مشغول بتثبيت حكمه وترتيب البيت اليمني الداخلي, حقق الإخوان توسعاً كبيرا في مناطق عموم شمال اليمن من خلال نشر المعاهد العلمية التي تزايد عدد المنتسبين إلى صفوفها، وترافق مع انتشارها توسع في عدد مدارس تحفيظ القرآن الكريم، وإنشاء معاهد خاصة بالفتيات. وبحلول عام 1985 أصبحت المعاهد العلمية مؤسسة تعليمية موجودة في عموم محافظات شمال اليمن.

 

واكد انه مع قيام الوحدة اليمنية عام 1990 أعلن الإخوان عن تشكيل حزب سياسي باسم التجمع اليمني للإصلاح, وفقاً لقانون الأحزاب, وما انضم إليها من فعاليات سياسية إسلاموية، وشيوخ قبائل وضباط وعسكريين.. فيما كان اللواء على الأحمر وهو ابن عم صالح يمثل المؤسسة العسكرية وكان دور اللواء الأحمر بارزاً في قتال الجنوبيين عندما نشبت الحرب بين علي صالح ونائبه على سالم البيض عام 1994 وللحرب إفرازاتها فقد اصطف الإخوان المسلمون والقبائل يقاتلون بشراسة ضد الجنوبيين حتى تم فرض سياسة الأمر الواقع في 7 يوليو 1994م. يقول الشيخ عبدالله بن حسين الأحمر في مذكراته : « تم تأسيس الحزب بطلب من علي عبدالله صالح، بعد الوحدة، وذلك ليكون رديفاً للمؤتمر، ويضم مجموعة الاتجاه الإسلامي، وذلك في مواجهة الحزب الاشتراكي، الذي - بعد دخوله الوحدة - سيضم إليه الأحزاب اليسارية في الشمال من ناصريين وبعثيين، وسيشكلون كتلة واحدة أمام المؤتمر، ولهذا فلا بد من وجود كتلة مقابلة شمالية «.

 

و تابع مسهور " بعد حرب اليمن في 94م استولت حركة الإخوان التي دخلت مع جحافل الجيش اليمني على كثير من المراكز الدينية وحاولت منذ دخولها على بث الأفكار المتشددة وتعزيز التطرف الديني، إلا أن واقع المدرسة الشافعية الحضرمية التي كانت تسود الجنوب السياسي فرضت أجندة مغايرة منذ انتفاضة المكلا في العام 1997م وتعززت في عام 2007م الذي انطلق فيه الحراك الجنوبي السلمي والمطالب بفك الارتباط السياسي عن الشمال اليمني، وفي انتخابات برلمان 1997 حقق حزب صالح (المؤتمر الشعبي العام) أغلبية مريحة لينفرد بالسلطة ويخرج الإصلاح إلى المعارضة ولكن بصورة خجولة، وظل الود بين الجانبين سنوات حتى إن الإصلاح سبق المؤتمر إلى إعلان صالح كمرشح له في أول انتخابات رئاسية مباشرة جرت في 1999.

 

 

وأشار الى ان السنوات العشر الأولى من الألفية الثالثة شهدت طلاقاً نهائياً بين صالح والإسلاميين. وسعى صالح إلى الاستفادة من أحداث 11 سبتمبر في الولايات المتحدة والحرب على القاعدة لتضييق الخناق على تنظيم الإخوان، غير أن الحرب التي أعلنت في 1994 لم تكن مفصولة عن البعد العقائدي (حرباً دينية) ضد قوى الجنوب السياسية والاجتماعية كذلك لذلك استخدمت في هذه الحرب كافة الأدوات بما فيها الاستعانة بالمجاهدين الأفغان العرب، ورغم ذلك فإن المنطق «البرجماتي» الذي ينتهجه تنظيم الإخوان الدولي هو أيضاً ما يتماشى مع التنظيم في اليمن لذلك لم يجد هذا التنظيم من حرج في الانضمام إلى ما أطلق عليه (اللقاء المشترك) والذي جمع خليطاً من الأحزاب اليسارية بما فيها بقايا الحزب الاشتراكي.

 

وقال مسهور : " ان كل هذا السرد الطويل في تاريخ تنظيم الإخوان (المسلمين) في اليمن يعطينا مؤشرا لأسباب الصدام العنيف بين الحوثيين والإخوان (المسلمين) فالمرجعية الأيدلوجية بينهما والتنافس على السيطرة الجغرافية في شمال اليمن سبب هذا التصادم العنيف بين حركتين كانت الأولى (الحوثيين) حاكمة لليمن منذ ما يزيد عن الألف عام وسقط حكمها عبر تحالف الثانية مع مختلف القوى وإن كان الإخوان لم يستطعوا حكم اليمن بشكل مباشر عبر سيطرة مطلقة لكن تحالفهم مع الرئيس المخلوع علي عبدالله صالح مكّنَ لهم التأثير المباشر في اليمن سياسياً واجتماعياً واستفادوا بشكل كبير من موارد اليمن المختلفة النفطية وغيرها وبسطوا نفوذهم على كثير من المساحات في أراضي الجنوب في العقدين الأخيرين ".

 

وأضاف " لقد شكلت حرب صيف العام 1994م بين شمال اليمن وجنوبه المنعطف الأخطر في عموم الحركة الإخوانية العالمية، فحالة التقاطع مع رأس السلطة في صنعاء تعد حالة شاذة تماماً في علاقات الحركات الإخوانية كلها مع أنظمة الحكم السياسية، وقد ذكر راشد الغنوشي ذلك بعد زيارته إلى اليمن عندما أبدى تعجبه من أن إخوان اليمن يعيشون في قصور ومنازل فخمة ويتمتعون بحياة فارهة بعكس غيرهم في البلدان الأخرى الذين كانوا يقضون حياتهم في السجون والمعتقلات ".

 

وأوضح ان تحالفات الإخوان باليمن مع النظام الحاكم هي التي رجحت كفة صالح من غزو الجنوب، فلقد شكلت الفتاوى التكفيرية الصادرة عن علماء حزب الإصلاح اليمني قبيل حرب صيف 1994م ذريعة شرعية تم بموجبها الاستيلاء على كل شيء في ارض الجنوب، واقع «حضرموت والجنوب» يختلف في تركيبته الدينية تماماً عن شمال اليمن، فالشافعية هي المذهب الشامل، وتعد الوسطية هي السمة الطاغية نظراً لوجود مدرسة آل البيت التي عٌرف عنها التسامح وعدم التطرف في مواقفها، كما أنها مدرسة لا تتخذ أية مواقف سياسية، ولا تتخذ من علاقاتها مع أنظمة الحكم السياسية ذرائع للحصول على مكتسبات مادية أو غيرها.

 

وقال : تعتبر السنوات التي لحقت بما يسمى ثورة التغيير (فبراير 2011م) هي الفترة الأكثر بروزاً في علاقة تنظيم القاعدة الإرهابي وحركة الإخوان (المسلمين) في اليمن، فلقد وجدت عناصر القاعدة أموالاً متدفقة من الإخوان، برغم أن العلاقة بين الطرفين كانت متناغمة خلال الفترة التي كانت بعد غزو الجنوب في 1994م، فلقد استخدم الطرفان عناصر القاعدة من أجل ابتزاز دول الإقليم، كما استخدم صالح هذه العناصر في ابتزاز الولايات الأمريكية ونجح من خلالها على الحصول على ملايين الدولارات والعديد من فرص التدريب للقوات الخاصة التابعة لنجله أحمد علي صالح، ومع تطور الأحداث السياسية تم استخدام ذراع القاعدة من كلا الطرفين الإخوان والرئيس المخلوع صالح في موجة تصفيات واسعة للكوادر العسكرية الجنوبية، فلقد ارتفعت معدلات الاغتيال منذ 2011م بشكل لافت ".

 

واكد انه خلال الحرب التي شنها الحوثيون وقوات المخلوع صالح على الجنوب، لم تنفذ القاعدة أو وليدها «داعش» أي أعمال ضد الحوثيين وقوات المخلوع صالح، لكن وعقب دحر الميليشيات عن باب المندب في 14 يوليو 2015م، نفذت (القاعدة وداعش) سلسلة هجمات ضد المقاومة الجنوبية وقوات التحالف في عدن. وبدأ أول ظهور لما عرف بتنظيم داعش في اليمن عقب هجوم انتحاري استهدف قصر معاشيق ومعسكرات للقوات الحكومية في عدن، في أكتوبر 2015م استهدف دولة رئيس الوزراء خالد بحاح.

 

وتابع قائلا " في مطلع أبريل 2015م سلمت وحدات عسكرية موالية للمخلوع صالح عتادها للقاعدة في محاولة لإرباك التحالف العربي الذي تدخل لدعم شرعية الرئيس هادي. وأكدت حكومة هادي أن هذه الجماعات هي في الأصل قوات عسكرية تابعة للمخلوع صالح، وأنها فقط ارتدت لباس التنظيمات الإرهابية، في حين أكد التحالف العربي أن التدخل في اليمني هو من أجل استعادة الدولة اليمنية، كانت العملية بمثابة تطور نوعي في « البراغماتية « الإخوانية، بل يمكن تصنيف العملية التي تمت في المُكلا بأنها واحدة من أهم العمليات الإستراتيجية لتنظيم الإخوان الدولي، فمحافظ حضرموت عادل باحميد ذو التوجه الإخواني كان في - مهمة محددة - وهي أن لا تسقط المُكلا في يد أي طرف من أطراف النزاع غير أن ما حدث أن القاعدة استولت على المدينة في لحظات فقط ".. فيما رحبت الأوساط الشعبية في الجنوب بعملية تحرير المُكلا جاءت الصدمة من توافق الإخوان والحوثيين والرئيس المخلوع صالح في رفضهم لضرب القاعدة، فلقد أصدر القيادي البارز عبدالمجيد الزنداني بياناً يطالب فيه بحقن الدماء والتفاهم مع القاعدة في زنجبار لانسحاب آمن، فيما قال القيادي الحوثي أسامة ساري «الغارات التي ينفذها التحالف على القاعدة في جنوب اليمن مرفوضة»، في وافاد مسهور ان هذا المؤشر يؤكد مسألة نهائية وأن هذه الأطراف سواء الحوثيين أو الإخوان أو القاعدة إنما يشكلون أدوات مشتركة في يد اللاعب علي عبدالله صالح.

 

وقال مستدللا " كشف علي شائف الحريري وهو شخصية قبلية اجتماعية كبيرة عن وجود علاقة وثيقة تربط الإخوان بتنظيم القاعدة، موضحاً في تصريح للاتحاد الإماراتية «أن هذه العلاقة في اليمن تعود إلى ما قبل 30 عاماً، عندما ابتعث التنظيم عناصره إلى مناطق التوتر مثل أفغانستان التي شهدت ميلاد هذا الفكر الإرهابي. وقال «عاد أولئك المقاتلون بأفكار القاعدة، أي تطورت فقط أفكارهم، وتم تنميتها، لأنهم يحملون نفس الفكر المتقارب مع القاعدة، وتم إنشاء المعاهد في اليمن التي تخرج فيها عناصر كانت فيما بعد قيادات للقاعدة، ومنها جامعة الإيمان التي كان يرأسها عبدالمجيد الزنداني».. « وخاض هؤلاء الإرهابيون حرب 94 إلى جانب المخلوع صالح وإخوان اليمن ضد الجنوب، وتم تكفير الجنوب وإصدار فتوى آنذاك، وضمن قادة الأخوان لعناصر القاعدة الرتب والرواتب وأماكن الإيواء والدعم الاستخباراتي، وتم استخدامهم طوال 25 عاماً لابتزاز دول الجوار والعالم باسم مكافحة الإرهاب». وتابع «من عام 2008 إلى أواخر عام 2009 كنت أنا أحد المعتقلين السياسيين في سجن المخابرات اليمني في صنعاء، وهناك أتيحت لي الفرصة، والتقيت بعدد من معتقلي القاعدة الذين كشف لي بعضهم أنهم يستلمون مرتبات من الإصلاح اليمني، ويخرجون لتنفيذ عمليات، ثم يعودون، وكانت معاملتهم من إدارة السجن تختلف عن معاملتنا تماماً، وهناك لقاءات مسجلة إعلامية مع بعض قيادات هذا التنظيم، وقد اعترفوا بذلك أمام ملايين المشاهدين».

واكد عملية تحرير المُكلا كشفت حجم العلاقة بين تنظيم الإخوان والقاعدة، ويكفي الإشارة إلى أن كثيرا من أتباع حزب الإصلاح كانوا هم الذراع السياسي للقاعدة خلال فترة سيطرتهم على المُكلا، ومن اللافت أن كل عمليات الاغتيال والاستهداف المباشر التي تتبناها القاعدة في اليمن لا تستهدف أتباع تنظيم الإخوان في مؤشر يضاف لمؤشرات التوافق بين الطرفين فلقد تعمد تنظيم الإخوان وضع ملصقاته الحزبية على إغاثة دول التحالف العربي في حضرموت وسلمتها القاعدة للسكان المحليين.

 

واختتم تحليله قائلا : تنظيم القاعدة خرج من عباءة الإخوان، والاثنان ينتميان إلى نفس الفكر المتشدد الذي أسسه كل من حسن البنا وسيد قطب، وبالتالي فهم يحملان نفس المرجعية الفكرية، هذا الانسجام الداخلي يقود دائماً الإخوان لاستخدام القاعدة كخزان احتياطي في مواجهة الخصوم، كذلك يفعل الرئيس المخلوع صالح، ويفعل غيرهما، فهذه الثعابين المتفشية في جنوب الجزيرة العربية تعيش صراعات دائمة، وتخوض حروباً لا تتوقف فيما بينها البين، والمحصلة هي أن الإخوان الذين كانوا حتى 26 مارس 2015م مازالوا في صنعاء يتحاورون مع المبعوث الأممي السابق جمال بن عمر ومع طرفي الأزمة الحوثيين والمخلوع صالح، كانوا في أزمة حقيقية مع انطلاق «عاصفة الحزم» فلم تجد دعوتهم للنفير صداها، ولم تستطع كوادرهم من تحقيق انتصارات تذكر على الأرض، وكانوا يراهنون طويلاً على قدرتهم الاحتفاظ بالمُكلا والاستفادة من مخزوناتها النفطية حتى تحررت بقرار سيادي سعودي قطع أوصال أوهام الإخوان في اليمن الواحد ".

 


استراتيجية القوة الناعمة السعودية في اليمن

الهدف من مبادرات المساعدات والإعمار التي تطلقها السعودية في اليمن هو سعي المملكة إلى ضمان تأثيرها في المدى الطويل.

فيما تواجه الحرب السعودية في اليمن استنكاراً متزايداً من الحلفاء الغربيين، وفيما يبدو أن محادثات السلام التي تقودها الأمم المتحدة منذ كانون الأول/ديسمبرالماضي تُحقق تقدّماً باتجاه التوصّل إلى هدنة بين الحوثيين وحكومة عبد ربه منصور هادي المدعومة من السعودية، قد تُضطر الرياض إلى كبح تدخّلها العسكري في البلاد، أقلّه جزئياً. غير أن المبادرات الاقتصادية والديبلوماسية التي تقوم بها السعودية في اليمن سوف تضمن تأثيرها هناك حتى لو انحسرت حملتها العسكرية. 

تُشير مشاريع الإعمار والتنمية التي تقوم بها المملكة في مختلف أنحاء اليمن، إلى جانب التبرعات للمساعدات، إلى رغبة الرياض الطويلة المدى في ترسيخ نفوذها ودفع جارتها الجنوبية إلى الاعتماد عليها بصورة متزايدة في المستقبل. فمن شأن هذه الخطوات أن تحدّ من تأثير أفرقاء خارجيين آخرين على غرار الإمارات العربية المتحدة التي تسعى جاهدة أيضاً إلى ممارسة نفوذ أكبر في جنوب اليمن. بالمثل، يمكن أن تؤدّي التعرفات التي تفرضها السعودية على البضائع التي تدخل المهرة من سلطنة عمان، إلى الحد من تأثير السلطنة في اليمن، لا سيما الروابط التجارية القوية التي تجمعها تاريخياً بالمهرة.

لقد هدفت الاستراتيجية الحربية السعودية، على امتداد النزاع، إلى تدمير اليمن وإضعاف الدولة إنما مع الحؤول دون أن يؤدّي ذلك إلى انهيارها بالكامل – وهو ما يمنح السعودية راهناً فرصاً أكبر لتقديم "يد المساعدة" في إعادة الإعمار. تُظهر بيانات جمعتها وزارة الزراعة والري اليمنية أن السعودية تعمّدت، بين آذار /مارس 2015 وآب/أغسطس 2016، استهداف السدود والخزّانات والقطاع الزراعي والأسواق في حميع المحافظات تقريباً، لا سيما على مقربة من الخطوط الأمامية للنزاع في مأرب وصنعاء وتعز وعدن. بين آذار/مارس 2015 وأيلول/سبتمبر 2017، استهدفت 356 غارة جوية سعودية مزارع في اليمن، وشُنَّت 174 غارة على أسواق تجارية، و61 غارة على مستودعات للمواد الغذائية، وفقاً لإحصاءات صادرة عن مشروع بيانات اليمن (Yemen Data Project)، ما يُشير إلى تركيز متعمّد على جعل الوصول إلى المواد الغذائية رهناً بقوّة السلاح، وعلى فرض "الاعتماد الكلي على الواردات الغذائية من أجل البقاء". لقد استخدمت الرياض هذه المساعدات وسيلةً للاستحواذ على السيطرة. ووفقاً للجنة الإنقاذ الدولية، تلجأ خطة العمليات الإنسانية الشاملة في اليمن، التي تحصل على التمويل من الائتلاف الذي تقوده السعودية – وتؤمّن المواد الغذائية والأدوية والمساعدات التجارية إلى اليمنيين – إلى "التكتيكات الحربية" بدلاً من تلبية الاحتياجات الإنسانية الفورية في البلاد.

على الرغم من أن اليمن كان يعتمد على الواردات للحصول على 80 إلى 90 في المئة من المواد الغذائية والأدوية والوقود قبل العام 2015، إلا أن التجارة مع السعودية كانت تستحوذ على ما نسبته 9.7 في المئة فقط من هذه الواردات. تتطلع الرياض إلى استغلال انهيار البنى التحتية اليمنية لزيادة حصّتها من هذه الواردات وإبقاء اليمن رهناً بالدعم منها. في تشرين الأول/أكتوبر، وافقت الرياض على تزويد اليمن بمشتقات نفطية بقيمة 60 مليون دولار في الشهر، وقد سُلِّمت الدفعة الأولى في تشرين الثاني/نوفمبر 2018 إلى محافظات حضرموت وشبوة والجوف ومأرب والمهرة. تُحيط الشكوك بالجهود التي تبذلها السعودية لإظهار نفسها في صورة اليد التي تُقدِّم مساعدات إنسانية إلى اليمن. لقد أعلنت المملكة، في أيار/مايو 2018، عن خطط طويلة الأمد للتركيز على تطوير البنى التحتية من خلال البرنامج السعودي لتنمية وإعمار اليمن. يتضمن البرنامج الذي يُشرف عليه السفير السعودي لدى اليمن، محمد آل جابر، "بناء منشآت مدنية وصناعية وتربوية وطبية مجهّزة بأحدث التقنيات [في اليمن] وتوسيعها"، وفقاً للسفارة السعودية في الولايات المتحدة. في حين تُصوِّر الرياض البرنامج بأنه بادرة خيِّرة تعكس رغبةً في المساعدة على معالجة الأزمة الإنسانية في اليمن، يلفت النقّاد إلى أنه يتيح للسعودية، بصورة أساسية، توسيع شبكات المحسوبيات التابعة لها.

تُركّز هذه الجهود الواسعة لنطاق على تطوير المناطق الخاضعة لسيطرة حكومة عبد ربه منصور هادي، لا سيما في المهرة وعدن، بدلاً  مناطق الحوثيين التي تعرّضت لدمار أكبر. وتشمل هذه المشاريع – التي جرى الإعلان عنها في أيار/مايو 2018 ويُتوقَّع أن تُنجَز في مهلة أقصاها خريف 2019 – توسيع منشآت الرعاية الصحية، وبناء مصنع لتنقية المياه، وترميم المطار في الغيضة، وشق العديد من الطرقات المعبَّدة وبناء مصنع للطاقة الكهربائية في المهرة، وترميم ميناء نشطون، وبناء مستشفى في عدن الخاضعة لسيطرة هادي. وفي جانبٍ مهم، تعمل المملكة على تشييد جامعة مدينة الملك سلمان التعليمية والطبية في المهرة، والتي يُشير اسمها إلى أن السعودية تسعى إلى فرض نفوذها الثقافي أيضاً. على الرغم من أن تأثير الحرب لم يصل بالقدر نفسه إلى مدينة مأرب، إلا أن السعودية موّلت أعمال ترميم وإعمار في مطارها، ما ساهم في استحداث آلاف الوظائف لليمنيين. وكذلك في إطار البرنامج السعودي لتنمية وإعمار اليمن، تُشارف أعمال إنشاء الطريق الممتد على طول 250 كيلومتراً (155 ميلاً) بين مأرب والسعودية، على الانتهاء، الأمر الذي سيزيد حركة المواصلات والتواصل بين البلدَين. وقد أعلن القيّمون على البرنامج عن مشاريع إضافية في كانون الأول/ديسمبر 2018 لتطوير النظام التعليمي في المهرة والغيضة عبر تأمين آلاف الكتب المدرسية والحقائب والطاولات والحافلات المدرسية – في محاولة سعودية، وفق ما يُعتقَد، لكسب تأييد السكان المحليين.

يجري الإشراف على عدد كبير من المشاريع أو تطبيقها من خلال العاصمة "المؤقتة" في اليمن، بما يؤدّي إلى توطيد الرابط بين المحافظات الخاضعة لسيطرة هادي والمركز التجاري الأساسي في البلاد. لقد حاولت السعودية إعادة توجيه الحركة التجارية من الحديدة، التي تستورد أكثر من 70 في المئة من البضائع اليمنية وتخضع لسيطرة الحوثيين منذ تشرين الأول/أكتوبر 2014، إلى عدن. وفي سياق ذلك، سيصبح نظام هادي أكثر مساءلةً أمام السعودية نظراً إلى أن نفوذه على هذه المناطق سيصبح أكثر اعتماداً على الدعم السعودي الذي من شأنه أن يمنح المملكة امتيازات استثمارية متواصلة في اليمن.

كذلك تتيح هذه المشاريع الإنمائية والإعمارية للرياض فرصة لتحقيق منافع اقتصادية، لا سيما فيما تسعى إلى تطوير طرقات جديدة لزيادة قدرتها على تصدير النفط والغاز. لقد أطلقت مجموعة شركات هوتا النفطية في جدة، وفق ما ورد في رسالة موجَّهة إلى السفير آل جابر، خططاً في صيف 2018 لفتح ميناء لتصدير النفط في المهرة. كذلك باشرت السعودية في أيلول/سبتمبر العمل على إنشاء خط أنابيب نفطي بديل عبر المهرة وصولاً إلى بحر العرب. يؤمّن الميناء وخط الأنابيب معاً طريقاً داعماً للتصدير للحلول مكان مضيق هرمز الذي تدّعي السعودية أنه معرَّض لخطر حصار إيراني محتمل.

فضلاً عن ذلك، تكتسب المملكة سيطرة أوسع على المراكز اللوجستية الرئيسية في اليمن، والتي تستخدمها لتمرير المساعدات. لا يؤدّي الالتفاف على مرفئَي الحديدة والصليف إلى خفض المساعدات إلى مناطق الحوثيين وحسب، بل إن الحجم الكبير للمساعدات التي تمرّ عبر الموانئ الخاضعة لسيطرة التحالف، مثل المخا والمكلا وعدن، يؤمّن أيضاً حوافز للشركات المحلية والدولية لزيادة إمكانات هذه الموانئ وتعزيز فاعليتها. وقد عمدت الرياض إلى بناء رافعات لزيادة النشاط التجاري داخل الموانئ وخارجها، بغية تسريع هذه العملية الإنمائية وتثبيت السيطرة السعودية. فمن شأن ذلك أن يؤدّي إلى تعزيز الدور الاقتصادي للمدن الخاضعة للتأثير السعودي في المدى الأبعد. وفي هذا الإطار، تعتمد الموانئ على الرياض كونها تُسيطر على الدفق المتزايد للبضائع عبرها – وسوف يُبدي القيّمون عليها نزعة أكبر نحو السماح بالتدخل الاقتصادي من الشركات السعودية في المستقبل أو التساهل حياله.

* تُرجم هذا المقال من اللغة الإنكليزية.

جوناثان فنتون-هارفي باحث وصحافي يُركّز على النزاعات والمسائل الإنسانية في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا. لمتابعته عبر تويتر jfentonharvey@