جميع مقالاتي السابقة 

تفضل بزيارتها من هنا 

@@@@@@

نسخك للمقال ونشره في الوتساب عرضه للتعديل والتعدي ولذا آمل نشر رابط المقال كما أن ذلك يساعدني على التعديل إن وجد


أسماء مُشَرِّفة من مدينة بريدة يجب أن تذكر


إذا تعرف موقفا شبيها له أو لغيره فاكتبها في هذا النموذج

ليتم إدارجها في هذه الصفحة

https://forms.gle/X4F2ySVS3UZd9e4t9


رتويت لمتابعيك في تويتر 


الأول 

فهد العشاب رحمه الله

فهد العشاب … أيقونة عطاء 

ثلاثة نماذج من الأغنياء رحلوا إلى قبورهم، كانوا متقاربين في إمكاناتهم المادية، لكنهم اختلفوا في أسلوب صرفهم:

الأول/ كان ينفق على نفسه بلا حساب، شعاره دلّع نفسك، يغيّر في المركوب والمأكول والملبوس.

الثاني/ كان شحيحًا على نفسه، يجمع المال ويكدّسه، غايته تأمين مستقبل أبنائه وارتفاع رصيده البنكي.

الثالث/ أنفق بوعي، فوازن بين حاجاته الدنيوية، ووجّه الفائض لبناء مستقبله الأخروي.

ولو سُئلوا اليوم في قبورهم: أيّ الطرق كنتم تودّون لو اتبعتم؟ لكانت إجابتهم مغايرة تمامًا لإجابات الأحياء، قولًا وفعلاً. ومن العجيب أن الناس لا يدركون قيمة المال والوقت إلا بعد الفوت!


النموذج الثالث رأيته رأي العين في الشيخ فهد العشاب رحمه الله، المتوفى سنة 1409هـ. كنت أراه في بقالتنا بشارع الملك فيصل في بريدة، يقود سيارته "داتسون نص هنقلين" محمّلة بالأرز والسكر والقهوة والهيل والشاي، ثم يشتري المزيد من مؤن الغذاء، ليقوم بنفسه بتوزيعها على المحتاجين.

 

ويوم وفاته رحمه الله، كنت في البقالة، وإذ بجنازة مهيبة تمر ومعها جمع غفير. كان عندي زبون شاب – أصفه بــ"زقرتي" أي ممن لا يظهر عليهم أثر التدين – فسألني متأثرًا: من الميت؟ قلت: فهد العشاب. فظهر على وجهه حزن صادق، ودعا له بحرارة. ثم حكى لي قصته معه:

"سمعت عن كرمه فذهبت إليه وطلبت قرضًا حسنًا لأفتح به محلًا أسترزق منه. فأقرضني بلا فائدة. وبعد مدة جئت أردّ له المبلغ، فقال لي: لست بحاجة إليه الآن، طوّر تجارتك به."


انتهت القصة، لكنها لم تنتهِ في نفسي؛ فقد رأيت فيها صورة ناصعة لعطاء لا يُنتظر منه مردود دنيوي.

وبحثت في تاريخ وفاته فعرفت أنه رحل عن عمر ستين عامًا، أي أنه أنفق بسخاء وهو في كامل قوته، أمامه أمل طويل، وله أبناء صغار. فزاد ذلك إعجابي؛ إذ لم يكن عطاءه في سن شيخوخة أو بعد استغناء، بل وهو "صحيح شحيح".

 

وكلما بحثت عنه قلّ ما أجد، لكن قصة ذلك الشاب التي رويتها قد تكون شهادة نادرة تحفظ جانبًا من سيرته. وأطمح أن يقرأها الأغنياء ليتأملوا: أين يكمن الاستمتاع الحقيقي بالمال؟ وكيف تكون الاستفادة الفعلية منه؟

 كتبتها ونشرتها في 1445/6/9

وبعد نشر ما كتبت، أخبرني أحد جيرانه أن فهد العشاب لم يكن يقتصر على العطاء المباشر، بل ابتكر طرقًا تزيد أثره. فقد كان – كما يقول – يوزع أبقارًا على المحتاجين في شهر شعبان، ويقول لهم: أبقوها عندكم في رمضان، وبعده أعيدوها لي. فمن أعادها أخذها، ومن لم يُعِدْها تركه، لكنه ضمن بذلك أن تحلب البقرة لأسر محتاجة في رمضان كله. ولو أعلنها صدقة منذ البداية ربما باعها الفقير لحاجته، وحُرم وأسرته من لبنها في وقت هم أحوج ما يكونون إليه.

ثم عدت ثانية لأعرف إجابة تساؤل كان في بالي منذ كنت في البقالة:

لماذا يشتري مني فهد العشاب سكر وشاي وأرز وسيارته مليانة من هذه الأنواع؟

لماذا لم يشتريها كاملة من محل واحد؟

كأني فهمت اليوم من خلال سلوكه رحمه الله أنه كان يتقصد توزيع مشترياته لنفع أكثر من محل تجاري.

رحم الله الشيخ فهد العشاب، فقد جسّد النموذج الثالث: الصرف الواعي الذي يجمع بين حياة متوازنة وصدقات جارية، بين عقل مدبر وقلب رحيم.

  


الثاني

أحمد المسعود رحمه الله


أحمد المسعودعنوان مبادرات

بعض الأسماء لا تُذكر إلا مقرونة بالخير، ولا تعيش في الذاكرة إلا بما تركت من أثر خالد.... هنا في بريدة كان هناك رجل من هذا الطراز، وُلد عام 1315هـ، كان قلبًا نابضًا بالعطاء، وأذنًا صاغية لحوائج الناس....   حكاياته تتناقلها الألسن حتى اليوم، شاهدة على معدن أصيل وخلق رفيع.
وما بين قصص والدي وما سمعته من غيره، تتجلّى شخصية فريدة تركت بصمة في أهل بريدة وأريافها.


الشيخ أحمد بن عبدالله المسعود، من مواليد عام 1315هـ،

كان معروفًا حينها بلقب يشي باللطف والسماحة؛ إذ اشتهر في حياته بـ "أحمد الحنيني"، وهو الاسم الذي حمله مسجده رحمه الله الواقع شمال غرب الجامع الكبير في مدينة بريدة (مسجد الحنيني)، وكان إمامه رحمه الله.

 

حكى والدي قصة عنه، ثم سمعت قصة أخرى، ومن مجموع القصتين نستنتج أن هذه الشخصية كان لها أثر كبير وتأثير ظاهر في أهل بريدة وأريافها.

 

يقول والدي رحمه الله، المتوفى عام 1443هـ وقد تجاوز التسعين:

بعد أن صليت الظهر في جامع البصر، قال لي والدي: اذهب للحنيني وهات منه الصميل (من الجلد يُخضّ به اللبن). فانطلقت مسرعًا حتى أعود قبل غروب الشمس، إذ كنت أخشى الذئب، وعمري حينها 12 عامًا.

 

كنت أركض معظم الطريق، حتى وصلت الجامع الكبير وهو يؤذن لصلاة العصر. فتوضأت من الحَسْو المجاور للجامع وكان شديد الملوحة، ثم صليت العصر. وبعد الصلاة، تحلق الناس حول شيخ يعلّمهم. وبعد أن قرأ أول شخص وشرح الشيخ الحديث، قام بعض أهل التجارة ومنهم الحنيني، فصحبته وكان معه رجل آخر.

 

ولما فتح محله قلت له: يسلم عليك أبوي ويقول تعطيه الصميل اللي عندك.

فرد علي: الصميل في البيت، والحين نروح سوا.

 

وبعد نحو ربع ساعة أخذ الصميل من المحل وأغلقه، ثم انطلقنا إلى بيته المجاور لمسجده. دخلنا مع الباب، وأشار إليّ وإلى ضيفه أن نصعد إلى المجلس عبر الدرج المؤدي إلى السطح، ثم ذهب هو إلى داخل البيت.

 

ولما وصلنا المجلس، إذ به قد سبقنا عبر الدرج الآخر ومعه "السفرة" (تُصنع من خوص الجريد وتُبسط تحت الوجبات). وما لبث أن وصلت "الصحفة" (من الخشب) وفيها من خيرات السوق. كنت حينها أتضور جوعًا، وآخر ما أكلت ثلاث تمرات في الصباح.

 

أكلت حتى بلغ الطعام حلقي، ثم سلّمني الصميل، فانطلقت راجعًا إلى البصر.

 

وكان والدي كلما ذكر القصة يتساءل متأثرًا: وش يبي الحنيني بطفل ما له فيه علاقة ولا معرفة، ليشاركه وجبة العشاء مع ضيفه القادم من الزلفي، لولا قلبه الرحيم وحبه للخير؟ ثم يختم بالدعاء له. ونحن من بعده ندعو له:

اللهم أعط الحنيني حتى يرضى، واجعله في فردوسك الأعلى، واجمعه بمن يحب من أهله وصحبه.

 

وعندما رويت القصة لأحد أصدقائي، قال:

ذكر جدي –رحمه الله– وهو من سكان المريدسية، أنه احتاج قرضًا (أو "دَيْنة" كما كانوا يقولون)، فذكروا له رجلاً في بريدة لكنه خشي أن يرده لعدم معرفته به. فتوجّه جدي إلى أحمد الحنيني يطلب منه أن يصحبه إليه ليطمئن.

 

رحّب الحنيني بالشفاعة، وصحبه. وعند الديّان طلب الرجل رهنًا، فذكر جدي شيئًا لم يعجبه. فقال له: لا أجد غيره. فقال الشيخ أحمد الحنيني: ارهن بيتي! وتم الأمر، وأخذ جدي القرض.

 

وهذا يدل على أن الشيخ أحمد الحنيني –رحمه الله– كان ذا أثر وتأثير، محبًّا لنفع الناس، قائمًا على حوائجهم، وقد تمكّن هذا السلوك من قلبه حتى صار عادة له.

 

ويبدو أن مواقف هذا الشيخ البطولية كثيرة، لا تزال محفوظة في صدور الناس، وهناك شذرات منها رُويت للأبناء والأحفاد.

 

فمن لديه شيء منها، له أو لغيره، فليكتبها هنا؛ فهذه النماذج يجب أن تُبرز، لنفاخر بأهلنا، ونقتدي بعطائهم.

 كتبتها ونشرتها في 1447/4/8


 

جميع مقالاتي السابقة 

تفضل بزيارتها من هنا