Articles sur la RSE au Liban

Publications internationales et Articles publies dans RSEMagazine, l'Orient le Jour, Nahar, Joumhouria, Massira, LebanonFiles...

Deux Contributions dans l'ouvrage Dictionnaire Francophone de la Responsabilite Sociale en Sante

de l'Editeur "Les Presses Universitaires de Rouen et du Havre" 2019

1) La Responsabilité Sociale et l’Economie Sociale et Solidaire

2) la Responsabilité Sociale des Universités

As promised this is the link to my interview on VDL about CSR in Lebanon كما وعدتكم هذا هو الرابط لمقابلتي اليوم عبر إذاعة صوت لبنان حول المسؤولية الاجتماعية للمؤسسات في لبنان

Tel promis, voici le lien vers mon interview a VDL sur la Responsabilité Sociale des Entreprises au Liban - http://vdl.me/programs-episodes/%D8%A7%D9%84%D9%85%D8%B3%D8%A4%D9%88%D9%84%D9%8A%D8%A9-%D8%A7%D9%84%D8%A7%D8%AC%D8%AA%D9%85%D8%A7%D8%B9%D9%8A%D8%A9-%D9%81%D9%8A-%D9%86%D8%AD%D9%86/

أي اتجاه للدولرة الجزئية في لبنان؟ بين التعميم والإلغاء...

https://www.aljoumhouria.com/ar/news/571826/اي-اتجاه-للدولرة-الجزيية-في-لبنان--بين-التعميم-والالغاء?utm_source=editor&utm_medium=web&utm_campaign=listnews


Tuesday, 12-Jan-2021 06:19

اقتصاد


من المعروف أنّ الدولرة الجزئية كما هي الحال في لبنان منذ الأزمة النقدية في الثمانينات، هي نتيجة عمليات التضخم المرتفع أو التضخم المفرط، خصوصاً خلال فترات عدم الاستقرار الاقتصادي المرتبط بالعوامل المؤسساتية (التحكّم في حيازة الأصول بالدولار مع التدابير التي تحدّ أو تشجع مثل هذه الحيازة، وتحرير الأسواق المالية النقدية...) ومع ذلك، فإنّ الدولرة الجزئية التي تكون في الوقت نفسه عالية، يجب أن تكون إما وسيلة لتجنّب عيوب عدم استقرار العملة الوطنية في فترة معينة، وملجأ وسيطاً للعملاء الاقتصاديين، في انتظار استعادة الصدقية في العملة الوطنية، التي يجب أن تؤدي تلقائيًا الى التحرّر التدريجي من الدولرة والعودة التدريجية للعملة الوطنية، وإما أن تؤدي إلى تعميم دولرة شاملة في حالة صعوبة استعادة الثقة في العملة الوطنية والاستقرار النقدي المنشود، من خلال سياسة الاستقرار التي تتلاءم مع خصوصيات الاقتصاد الوطني. فما هي خصوصيات ومحاذير كل من هذين الخيارين والاتجاه نحوها؟

بعد سنوات من تثبيت سعر الصرف في لبنان، مع تطبيق سياسة نقدية متشدّدة منذ العام 1993 بمتوسط 1507.5 دولارات أميركية / ليرة لبنانية، ومنذ العام 1997، وعلى الرغم من الأزمات والتوترات السياسية التي مرّت بها البلاد، لم تُظهر فترات الاستقرار السياسي والاقتصادي توجّهاً فعّالاً نحو فك الدولرة، مما يدلّ الى الحاجة للسعي إلى سياسة استقرار نقدي فعلي في البلاد، أكثر فعالية في استعادة الثقة بالعملة الوطنية وصدقية السياسة النقدية التي من شأنها الغاء الدولرة وتحرير الاقتصاد الوطني من قيود السياسة الحالية.

إذا كانت الدولرة الجزئية، على الرغم من ارتفاعها كما هي الحال في لبنان، تشكّل «ملجأ» للعملاء الاقتصاديين من عدم استقرار القوة الشرائية لليرة اللبنانية، بعد تجربة تضخمية شديدة وانخفاض حاد في سعر الصرف للعملة الوطنية والاستقرار النقدي، وخصوصاً استقرار سعر الصرف لسنوات عدة، يجب أن يوفّر البيئة المناسبة للتراجع التدريجي عن الدولار المصاحب لعودة الثقة في العملة الوطنية. ومع ذلك، قد يكون من الصعب إزالة الدولار، حتى لو استمرت الدولة في استخدام عملتها الخاصة بالتوازي واستقرت قيمتها. ويتبيّن أنّه في حين أنّ الدولار يمكن أن يؤدي إلى مقدار أكبر من الاستقرار الاقتصادي الكلي، فإنّه يمكن أن يجعل النظام المالي أكثر عرضة للخطر. بالإضافة إلى ذلك، فإنّ الاستقرار الذي تعد به الدولرة نسبي في حدّ ذاته، لأنّ الدولار الأميركي (مثل أي عملة أخرى تختارها الدولة كمرجع وعملة بديلة أو موازية لعملتها الوطنية) يمكن أن يشهد تقلّباً في قيمته، مقارنة بسائر العملات الأجنبية.

في لبنان، وبدءاً من العام 1992، اتجّه نحو برنامج التثبيت التدريجي لسعر الصرف الاسمي، حتى اعتماد الهامش الضيّق 1501-1514 مع معدّل وسطي 1507.5 عام 1997، مما شجّع عودة الثقة النسبية، ومعدلات الفائدة المرتفعة على سندات الخزينة والتوقعات الإيجابية للقطاعات الاقتصادية، ولا سيما منها قطاع البناء، وازدياد صافي تدفق رأس المال الذي بلغ إجماله نحو 25 مليار دولار بين 1993 و 1997. وسمحت هذه التدفقات الرأسمالية للدولة بالحفاظ على سعر الصرف الإسمي وتقويته، والمساعدة في تحقيق معدل نمو سنوي خلال السنوات الأولى من إعادة الإعمار بنحو 40% من الإنفاق. ومع ذلك، فقد وصلت نِسَب العجز إلى الناتج المحلي الإجمالي إلى أكثر من 20% و 90% على التوالي، ولم يتمّ حينها الشروع في إزالة الدولرة تلقائيًا (من دون إجراءات إلزامية ولكن بنتيجة استقرار العملة الوطنية). ولكن من أجل ذلك، كان من الضروري اختيار مرحلة عالية من الدورة الاقتصادية لإحراز تقدّم في خفض الدولرة، إن في الدين العام أو التعامل الاقتصادي في القطاع الخاص. إنّ الحفاظ على استقرار الاقتصاد الكلي مقترنًا بعودة الثقة في العملة الوطنية يخلق الظروف اللازمة لتعزيز هذا الانقطاع عن الدولار، ومنع مخاطر عدم التوافق بين العملات، من أن يكون له تأثير سلبي على الملاءة المالية والسيولة للدولة والعملاء الاقتصاديين.

في الواقع، تتطلب الأزمة الاقتصادية الحالية في لبنان من الاقتصاد اللبناني، أن يحرّر نفسه أقلّه من إحدى القيود الرئيسية الثلاثة للسياسة النقدية التي سبق ذكرها: تثبيت سعر الصرف والدولرة والدين العام.

من ناحية، كان ولا يزال من الصعب فرض الخروج من مظلة دولرة الاقتصاد والتكامل المالي الدولي للبنان مع العالم. علماً أنّ إلغاء دولرة الاقتصاد إجبارياً يتضمن فرض تحويل الأصول والديون الى العملة الوطنية، بما يمكن إعتباره اعتداء على ملكية العملاء الاقتصادية وخياراتهم، مما يمكن أن يشجع النشاط الاقتصادي الموازي وغير المعلن، للاحتفاظ بالتعامل بالعملات الأجنبية، كما يمكن أن يؤدي إلى هروب رؤوس الأموال والاستثمار الأجنبي في ظلّ حرية حركة الرساميل التي كانت سائدة حتى انفجار الأزمة أواخر العام 2019. أما بالنسبة الى دين الدولة، فلا يمكن تحويله أحادياً الى العملة الوطنية، خصوصاً وان كان على شكل سندات «يوروبوند» يتمّ تداولها عالمياً بالعملة الأجنبية للإصدار، وهي غالباً الدولار الأميركي، أما العجز عن تأمين الدولار للدائنين عند استحقاق هذه السندات، فيُعتبر ذلك تخلّفاً عن السداد مثلما حصل أخيراً في آذار 2020.

من ناحية أخرى، فإنّ التخلّي عن تثبيت سعر صرف الليرة اللبنانية مقابل الدولار الأميركي، وبالتالي السماح بتعويم الليرة اللبنانية بعد تحويل ما قد يكون أصولًا مالية محلية، من المحتمل أن يؤدي إلى انخفاض قيمتها، وجعل ثقل الدين العام غير قابل للضبط. فيما يبقى من ناحية هاجس الدين العام بالدولار الأميركي للدولة، ومن ناحية هواجس الجهاز المصرفي إزاء الدولة غير القادرة على السداد، مثلما هي حال من جهة مصرف لبنان، الذي يحمل سندات «يوروبوند» بأكثر من 5 مليارات دولار على الدولة اللبنانية العاجزة عن السداد منذ آذار 2020، والمصارف اللبنانية التي كانت تحمل «يوروبوند» بأكثر من 14 مليار دولار على الدولة اللبنانية، فضلاً عن توظيف أكثر من 70 مليار دولار لدى المصرف المركزي، بين 17.5 مليار دولار إحتياطي الزامي، يمثّل 15% من الودائع بالدولار الأميركي في المصارف التجارية (والتي تفوق 76% من مجموع الودائع، وهي تمثّل معدّل الدولرة مثلما هو متعارف عليه)، وأكثر من 52.5 مليار دولار كشهادات إيداع بالدولار الأميركي لدى مصرف لبنان.

أما في ميزات ومحاذير تقنيات الخروج من الدولرة التي اعتُمدت عالمياً فنذكر:

• التحويل الإلزامي للودائع بالعملات الأجنبية (الودائع بالعملات الأجنبية) من العملات الأجنبية إلى العملة الوطنية. وقد أدّت هذه الإجراءات في كثير من الأحيان إلى زيادة هروب رأس المال وعدم الوساطة (بوليفيا والمكسيك في عام 1982 وبيرو في عام 1985). وفي بعض الحالات، اضطرت السلطات إلى عكس ذلك (بوليفيا وبيرو).

• تعليق استخدام الودائع بالعملات الأجنبية، يمنع هذا الإجراء المودعين من سحب ودائعهم بالدولار وتحويلها من المصارف لفترة معينة (لا يتمّ تحديد المدة دائمًا مسبقًا). يمكن ربط الودائع بالعملات الأجنبية المجمدة بمستوى التضخم (الأرجنتين)، أو جعلها قابلة للاسترداد بالعملة المحلية (باكستان). تقوّض هذه الإجراءات الثقة في النظام المصرفي الوطني، وغالباً ما تؤدي إلى عدم الوساطة وهروب رأس المال.

أما الإجراءات التي تحقق النتائج المتوقعة في كثير من الأحيان، فيمكن اختصارها بـ:

• فترة الاحتفاظ (الحجب) الإلزامية للودائع بالعملات الأجنبية. وقد يرتبط هذا الإجراء بإدخال أدوات للعملة الوطنية مربوطة بسعر الصرف... الجانب السلبي المحتمل لهذا الإجراء هو أنّه سيشجع العملاء الاقتصاديين على تفضيل الاحتفاظ بالأوراق النقدية بالعملة الأجنبية بدلاً من إيداعها في حساباتهم المصرفية.

• الاستخدام الإلزامي للعملة المحلية في المعاملات الوطنية ولقائمة أسعار السلع والخدمات: يرتبط الالتزام بإدراج الالتزام بإجراء المعاملات والمدفوعات بالعملة الوطنية حصرياً. يُعد حظر استخدام العملات الأجنبية في المعاملات الداخلية إجراءً شائعًا (أنغولا وبيرو وغيرهما الكثير). ومع ذلك حتى إذا استمرت المدفوعات بالعملة الأجنبية، فإنّ عرض الأسعار بالعملة المحلية يمكن أن يعطي زخمًا إضافيًا لإلغاء الدولرة قسرياً وليس نتيجة استعادة الثقة بالعملة الوطنية.

• الإجراءات الاستنسابية ضدّ استخدام العملات الأجنبية ، قد تشمل فرض قيود على الاقتراض أو الإقراض بالعملة الأجنبية (أنغولا والأرجنتين وفيتنام) وباستثناء الودائع بالدولار من نظام ضمان الودائع، وما لم يكن الجمهور على دراية جيدة باستبعاد الودائع بالعملات الأجنبية من نظام ضمان الودائع، قد تشجع هذه الخطوات المصارف على استقطاب مزيد من الودائع بالعملات الأجنبية.

• ضوابط على أسعار الفائدة على الودائع بالعملات الأجنبية، التي تحدّد الحدّ الأقصى للفائدة التي يمكن أن تقدّمها المصارف المحلية على الودائع بالعملات الأجنبية، لتشجيع إزالة الدولرة عن الالتزامات.

• ضوابط على حركة الرساميل - يمكن أن يؤدي الفرض المؤقت للالتزامات لإعادة شراء منتجات العملات الأجنبية من المقيمين إلى انخفاض تدفقات الودائع بالعملات الأجنبية بنحو سريع.

قد يقتصر الوصول إلى الودائع بالعملات الأجنبية على وكلاء اقتصاديين معينين (مثلما جرى في المكسيك) أو على مصارف عابرة للحدود، وقد يتمّ حظر عمليات الائتمان أو ربطها بموافقة مسبقة.

وبذلك يتبيّن، انّ الدولرة الجزئية المرتفعة المتزامنة مع تثبيت سعر الصرف ليست خياراً دائما بل مرحلة إنتقالية نحو، إما تعميم الدولرة الشاملة واستبدال العملة الوطنية كلياً بالعملة الأجنبية، مع ما يعني ذلك من فقدان للسيادة النقدية ودور المصرف المركزي كـ»ملاذ أخير» لتمويل المصارف، وإما سبيلاً لإلغاء الدولرة والعودة كلياً الى العملة الوطنية.

ويبقى أنّ الخروج من الدولرة السليم يحتاج الى استعادة الثقة بالعملة الوطنية كخيار تلقائي للعملاء الاقتصاديين وليس كقرار إلزامي قسري تفرضه الدولة عليهم، حتى لا يؤدي ذلك الى افتقاد الثقة الأشمل بالنظام المصرفي ككل وتفلّته من الضوابط... فهل يشكلّ هول الأزمة الحالية صحوة في اتجاه خيار العودة الى اعتماد العملة الوطنية فرضاً، أم باستعادة الثقة بها، ضمن خطة إصلاحية متكاملة مالياً-نقدياً-مصرفياً-اقتصادياً؟



لبنان 2021: بين "مجلس النقد" و"المجلس المصرفي" و"الدولرة الشاملة" - د. سهام رزق الله (أستاذة محاضرة في كلية العلوم الاقتصادية لجامعة القديس يوسف)

Tuesday, 29-Dec-2020 06:20

https://www.aljoumhouria.com/ar/news/569730/%D9%84%D8%A8%D9%86%D8%A7%D9%86-2021-%D8%A8%D9%8A%D9%86-%D9%85%D8%AC%D9%84%D8%B3-%D8%A7%D9%84%D9%86%D9%82%D8%AF-%D9%88%D8%A7%D9%84%D9%85%D8%AC%D9%84%D8%B3-%D8%A7%D9%84%D9%85%D8%B5%D8%B1%D9%81%D9%8A-%D9%88%D8%A7%D9%84%D8%AF%D9%88%D9%84%D8%B1%D8%A9-%D8%A7%D9%84%D8%B4%D8%A7%D9%85%D9%84%D8%A9?utm_source=editor&utm_medium=web&utm_campaign=listnews&fbclid=IwAR3uPEOif9GiSoCbOr8vYMzzDTB8MXmxQwSPZleSg7ADkQxRa5-UejAq6Q4

بعد أكثر من ثلاثين سنة على اختيار الدولرة الجزئية بشكل تلقائي غير رسمي من قِبل اللبنانيين، سعياً للحفاظ على قدرتهم الشرائية بعد التدهور الأول لسعر صرف الليرة اللبنانية في الثمانينيات، وبعد نحو 22 سنة من اعتماد ربط سعر الليرة اللبنانية بالدولار الأميركي على أساس 1507.5، توازياً مع معدل دولرة لم ينخفض منذ سنوات عن حدود الـ70%.. سقط سعر الصرف، وعجزت الدولرة الجزئية غير الرسمية عن تحقيق غايتها... اليوم لم يعد السؤال عن كيفية استكمال الخيار النقدي المعتمد، بل بات السؤال الاستراتيجي، أي خيار هو الأفضل لاستبداله، لا سيما مع تشعّب البحث بين «مجلس النقد» و«المجلس المصرفي» و «الدولرة الشاملة الرسمية».. فما هو تعريف ومميزات كل من هذه الخيارات؟ وأي خصوصية للبنان إزاءها؟

من المعلوم أنّ التجربة القاسية لتضخم الثمانينيات أرخت بظلالها بقوة على خيارات السياسة النقدية مطلع التسعينيات، إذ تلقّى المصرف المركزي كرة النار، فكان عليه امتصاص التضخّم الذي أسهم في حدوثه بشكل أساسي، بسبب زيادة الكتلة النقدية بالليرة اللبنانية، إن لتمويل الدولة أو لتلبية احتياجات تمويلية تحت كل ضغوط تلك الحقبة من الحرب وعدم الاستقرار على جميع المستويات...هكذا بدأ تأثير ذكرى فترة التضخّم والدولرة الجزئية غير الرسمية التي اختار اللبنانيون، حفاظاً على قدرتهم الشرائية على سلوك الحكومات والسلطة النقدية، بحثًا عن تثبيت استقرار قيمة العملة الوطنية وقدرتها الشرائية في مطلع التسعينيات، بعد انتهاء الحرب ميدانيًا.

وقد شكّل معدّل الدولرة المرتفع تقييدًا أيضًا للمصرف المركزي وسياسة تثبيت سعر صرف الليرة اللبنانية مقابل الدولار الأميركي، والتي كانت مكلفة للاقتصاد، من دون ضمان الاستقرار الفعلي. والبرهان على ذلك، استمرار معدّل الدولرة بحدود 76% بعد 22 عامًا من تثبيت سعر الصرف، فيما كان يمكن الانتقال التدريجي إلى نظام أكثر مرونة ومتماه مع مؤشرات ميزان المدفوعات، وطبعًا بأقل كلفة من العجز الفجائي عن التدخّل وترك الساحة للسوق الموازي.

أما أبرز المقترحات التي طُرحت لضمان الاستقرار النقدي في لبنان، فكانت إما اعتماد ربط الليرة بسلة من العملات لأبرز الشركاء التجاريين للبنان (أكثر البلدان التي تربطنا بها التجارة الخارجية) وفق ثقل يوازي النسبة المئوية للعلاقات التجارية مع كل منهم (مثلاً 40% تجاه الاورو اذا كانت نسبة التبادل التجاري مع أوروبا توازي 40% من مجموع تجارتنا الخارجية)، كذلك كان اقتراح الارتكاز على التوسع التدريجي لهامش سعر الصرف، وفق نهج ويليامسونWilliamson (2000) للاقتصادات النامية، مقارنة بالحالة في لبنان، ما يسمح بالانتقال التدريجي من نظام التثبيت الجامد لسعر الصرف إلى نظام أكثر مرونة، يسمح بتحديد أولويات هدف التضخم وفق تحليلات غولدشتاي Goldstein (2002). وفي الوقت نفسه، تعلّق هذه الدروس أهمية كبيرة على تنفيذ الإصلاحات المالية الموصى بها، للحدّ من وزن الدين العام، الذي يتحمّله البنك المركزي والمصارف التجارية، أي الجهاز المصرفي ككل، وبالتالي تجنّب التوقعات التضخمية المرتبطة بتوقعات تسييل الدين العام.

أما اليوم، بعد سقوط تثبيت سعر الصرف على أساس ربط الليرة بالدولار في ظل معادلة الدولرة الجزئية غير الرسمية، يبرز إقتراح إنشاء «مجلس النقد» Currency Board/Caisse d’Emission تنص هذه القاعدة على أنّ القاعدة النقدية - المكونة من الودائع التي تحتفظ بها البنوك والأوراق النقدية الصادرة عن مجلس العملة - يجب تغطيتها بالكامل وهامشياً بالعملة الاحتياطية. تؤسس قاعدة الاحتياطيات 100% هذه عدم مرونة فعليًا للعملة الأساسية، ومن المفترض أن تثبت صدقية السلطات النقدية بشكل دائم وعدم قابلية سعر الصرف للنقض. على مستوى الأدوات ، فإنّ مجلس النقد يضمن أنّ مجلس العملة وحده يضمن قابلية التحويل على قدم المساواة (على سبيل المثال، بمعدل واحد إلى واحد) لإصداراته بالعملة الاحتياطية، وبالتالي يشكّل احتياطيًا واحدًا.

عملياً يغطي مجلس النقد طباعة الليرة اللبنانية بنسبة 100% بالموجودات الخارجية (احتياطي بالعملات الاجنبية و احتياطي الذهب)، فيعيد الثقة المفقودة بالليرة، لأنّه يضمن القدرة على تحويلها من دون قيود، ما يجذب المستثمرين الأجانب ويزيد من إيرادات الدولة. والأهم في هذا الخيار، هو أنّه يقيّد المصرف المركزي فيمنعه تحديداً من طباعة العملة الوطنية بشكل إستنسابي من تمويل الحكومة Discretionnaire، ما من شأنه أن يرغم الدولة على القيام بالإصلاحات المالية، نظراً لتوقف إمكانية تحميل السياسة النقدية تبعات عجزها المالي وتحميل النظام المصرفي مدّها بالسيولة، ان بالتسليفات المباشرة أو عبر شراء سندات خزينتها بشكل متواصل دون ضوابط كما حصل.

فعلياً، ووفق الأرقام المعلنة، يملك «مصرف لبنان» احتياطياً ضئيلاً من العملات الأجنبية (لم يعد يتخطّى 800 مليون دولار أميركي فضلاً عن 17.5 مليار دولار تمثّل الاحتياطي الالزامي الممنوع من الصرف، كونه 15% من ودائع الناس في المصارف، ولا يجوز استخدامه لغير هذه الوجهة ولا حتى اعتباره ضمانة لخلق النقد ولا لغيره)، ولكنه يملك أيضاً احتياطي ذهب يفوق 24 تريليون ليرة، بإمكانه تغطية الليرة اللبنانية 3 مرات في حال تمّ تثبيت الصرف على 5000 ليرة للدولار، وفق الاقتصادي الخبير في أزمات العملات «ستيف هانك»، الذي أشار إلى أنّ «المدة الزمنية المطلوبة لإنشاء مجلس نقد في لبنان لا تتعدّى الـ 30 يوماً، تصبح من بعدها الليرة ثابتة بشكل مستدام»، مشبّهاً وضع البلاد الحالي بأزمة بلغاريا في أوائل التسعينيات، التي تخلّفت عن سداد ديونها مرات عدة بين 1991 و1997 فيما تخطّت نسبة التضخّم السنوي في بلغاريا 1230% (مقارنة بـ 283% في لبنان اليوم)، وبلغ عجز الموازنة العامة 14.2% (مقارنة بـ 11.4% في لبنان اليوم). وبعد إقرار مجلس النقد، انخفض التضخم إلى 1.6% ومعدلات الفائدة إلى 2.43% وتحول عجز الموازنة إلى فائض، وارتفع احتياط العملات الأجنبية من 864 مليون دولار إلى 3.1 مليارات دولار.

ولكن، يكمن التحدّي الأساسي في كيفية ضمان النقد بالليرة من خلال الذهب، بعد استنفاد الاحتياطي بالعملات الأجنبية والتسليم بعدم مس الاحتياطي الإلزامي.. والى أي مدى يشكّل ذلك خطراً من تسييل الذهب وخسارة آخر «عامل نفسي» مطمئن للبنانيين، في ظل ضعف ثقتهم الشاملة بكل الخيارات التي يمكن طرحها عليهم اليوم، قبل تلمّس أي منحى إصلاحي جذري وآفاق واضحة للمستقبل على مختلف المستويات..

كما ثمة تساؤلات حول مغبة خيار مجلس النقد تثبيت سعر الصرف وعدم قدرة السلطات النقدية على إجراء تعديل لسعر الصرف من أجل إدارة صدمات الاقتصاد الكلي الخارجية بشكل أكثر مرونة. في الواقع ، من المقبول عمومًا أنّ اختيار الثبات غير القابل للإلغاء لسعر الصرف يجب أن يأخذ في الاعتبار هيكل الاقتصاد الكلي ويكون أكثر ملاءمة للاقتصادات الصغيرة المتكاملة تجاريًا وماليًا. كما ثمة تساؤلات تتعلق بشكل أساسي بمسألة الإقراض كملاذ أخير Preteur en dernier ressort في هذا النوع من النظام النقدي. ومجلس النقد يمثل إشكالية في هذا الصدد، لأنّ من شأنه أن يحرم النظام المصرفي من قرض الملاذ الأخير للمصارف التجارية عند حاجاتها التمويلية. ويعتقد المدافعون عن مجلس النقد، أنّه إذا كان مجلس العملة يحتفظ باحتياطيات «فائضة»، فيمكنه في النهاية حشدها للتدخّل لدى المصارف. ومع ذلك، وكما رأينا في المقدمة، فإنّ مثل هذا الإجراء لا يتوافق مع قرض الملاذ الأخير ؛ إنّه يتوافق مع تحويل الاحتياطيات، والذي يظل مشروطًا للغاية وينطوي على عدم مرونة العملة الأساسية.

كما يعتقد المدافعون عن مجلس النقد، أنّ أي انحراف عن التشدّد النقدي من شأنه أن يقلّل من صدقية مجلس العملة، وبالتالي يعرّض لمخاطر العملة. نظرًا لإشكالية السيولة «غير المرغوب فيها» من قِبل مجلس النقد. فقد دعا بعض الاقتصاديين إلى التحول إلى الدولرة الرسمية للحدّ من ضخ المزيد من العملة الوطنية وضمان التشدّد في ضبط السيولة المتداولة.

الدولرة الرسمية الشاملة هي نظام يتمّ فيه دمج الأموال التي يصدرها بنك مركزي خارجي مع دمج النقود يدويًا. تؤدي هذه الخاصية إلى عدم مرونة عرض النقود اليدوية، بمعنى أنّه عندما يزداد الطلب على النقود اليدوية وينشأ نقص في السيولة، فإنّ النظام المصرفي غير قادر على تلبيتها. والنتيجة هي عدم الاستقرار في احتياطيات المصارف والقروض التي تقدّمها، وعدم استقرار في طبيعة انكماشية. من ناحية أخرى، يُلاحظ في هذا الصدد أنّ مجلس العملة يمكن أن يستجيب - ولكن إلى حدٍ معين فقط - للتغيرات في الطلب على النقود اليدوية، من خلال تعديل شكل التزاماته (زيادة تداول الأوراق النقدية وانخفاض في الودائع بين المصارف). من ناحية أخرى، للتغلب على عدم مرونة عرض النقود اليدوي هذا، دعا Hanke and Schuler (2001) إلى الإصدار المجاني للأوراق النقدية. في حين أنّ هذا الاقتراح يسمح للنظام المصرفي بتوفير نقود يدوية مرنة، إلّا أنّه يترك مسألة مرونة الأموال الأساسية دون إجابة.

كما ثمة خيار ثالث يتمثّل بإنشاء المجلس المصرفي Banking Boad يختلف عن «مجلس النقد»، إذ في ظلّ المجلس المصرفي لا توجد قاعدة إصدار أو احتياطي واحد، ولكن يوجد مقرض الملاذ الأخير، بينما تحت مجلس النقد، لا يوجد مقرض الملاذ الأخير، ولكن قاعدة واحدة والاحتياطي. يستجيب المجلس المصرفي لمبدأ القابلية للتحويل إلى عملة خارجية (عملة معدنية أو عملة أجنبية) ويؤسس تسلسلاً هرميًا مصرفيًا بين المصارف التجارية في القاعدة والبنك السيادي الأعلى على رأسها. حتى الآن، اتخذ المجلس المصرفي سمة من سمات الدولرة، وهي عدم وجود احتياطي واحد وقابلية التحويل إلى عملة خارجية على مستوى المصارف التجارية. ومع ذلك، لا يزال هيكلها العام مختلفًا جدًا، نظرًا لوجود شكل معين من المصرف المركزي. ينظم البنك المتميز (أو البنك المركزي، إذا اتبعنا تعريف Hawtrey) عمليات المقاصة بين المصارف، وهو مؤسسة ذات تغطية جزئية، تضمن إمكانية التحويل على قدم المساواة من عملتها إلى عملة خارجية ؛ تُصدر الأموال بين المصارف في شكل أوراق نقدية أو ودائع تحتفظ بها المصارف التجارية، وبالتالي يمكنها أن تكون بمثابة مقرض الملاذ الأخير.

يختلف المجلس المصرفي عن مجلس العملات، من حيث أنّه لا يوفر إمكانية التحويل من تلقاء نفسه ؛ ومع ذلك، فإنّه يضمن سيولة النظام المصرفي، بالنظر إلى حقيقة أنّ الإصدارات المصرفية قابلة للتحويل إلى عملة خارجية وإلى عملة أعلى (أو مركزية). علاوة على ذلك، لا يتبع البنك الأعلى سياسة نقدية تهدف إلى تثبيت المستوى العام للأسعار أو الحفاظ على التوظيف؛ بداهة أنّها لا تطبّق سياسة سعر الصرف.

في حين أنّ مجلس العملة يربط بين خاصيتين تبدوان متناقضتين، وهما اللامركزية المصرفية والمركزية النقدية الكاملة ، فإنّ المجلس المصرفي يربط بين خاصيتين لا تتعارضان بأي حال من الأحوال، وهما التسلسل الهرمي المصرفي (البنوك التجارية والبنك المركزي) وعدم التركيز النقدي (تضمن البنوك التجارية والبنك المركزي إمكانية التحويل إلى عملة خارجية).

نحدّد المجلس المصرفي كنظام مصرفي هرمي في إطار قابلية التحويل: في الأعلى، مؤسسة ذات تغطية جزئية، البنك المركزي (أو الأعلى)، يُصدر سيولة بين المصارف قابلة للتحويل إلى عملة خارجية ؛ في الأساس، تضمن مصارف الدرجة الثانية إمكانية تحويل عملتها إلى عملة البنك الأعلى وإلى عملة خارجية. ومن ثم ، فإنّ البنك الأعلى هو شكل معين من أشكال البنك المركزي في سياق قابلية التحويل. تمّ التخلّي عن قاعدة (احتياطيات 100%) وأداتها (الاحتياطي الفردي)، الأمر الذي يسمح بإزالة مخاطر الصرف وإعطاء النظام المصرفي الملاذ الأخير للمقرض السيادي..

تحت المجلس المصرفي، كل مصرف «يحتفظ» باحتياطياته الخاصة، والتي توجد بشكل هامشي في خزائنه الخاصة، ولكن بشكل رئيسي في خزائن ودفاتر المؤسسة - البنك الأعلى - التي تقوم بإجراء المقاصة بين المصارف. بعبارة أخرى ، يضمن البنك الكبير قابلية تحويل التزاماته المستحقة عند الطلب، وعلى الرغم من أنّ قابلية التحويل هذه تحدث على مستوى هرمي أعلى ، إلّا أنّها ليست المؤسسة الوحيدة التي تضمن قابلية التحويل إلى عملة خارجية. ونظرًا لتعدد العقود المصرفية القائمة على التزام عدد كبير من المصارف، فإنّ التوقعات تتعلق بقدرة كل مصرف على الاحتفاظ بالسيولة. وبالتالي، هناك تباين في التوقعات في ما يتعلق بقدرة العديد من المؤسسات المصرفية على ضمان قابلية التحويل إلى عملة خارجية - وليس تجانس التوقعات في ما يتعلق بالتزام البنك المصدر وحده. بهذه الطريقة، لا يوجد خوف مسبق من تخفيض قيمة العملة أو مخاطر العملة. فلا تزال هناك مخاطر سيولة مبعثرة بين العديد من المصارف التجارية ، فضلاً عن مخاطر السيولة على مستوى أعلى بنك. وتجدر الإشارة أيضًا إلى أنّ أسعار الفائدة أقل مما هي عليه في لوحة العملة (لا يوجد المزيد من مخاطر الصرف) وأقل تقلبًا من الدولرة (العملة اليدوية كعملة أساسية ، كلاهما مميز ومرن).

مع الاشارة الى أنّه من خلال إلغاء الاحتياطي الفردي ، فإنّ المجلس المصرفي يجعل من الممكن الخروج من هذا المأزق ؛ ولا يعود هناك أي مخاطر صرف، والنظام لديه مقرض الملاذ الأخير ؛ لا يوجد قيد كمي يؤثر على مستوى الاحتياطيات أو قضايا البنك الأعلى. كذلك، فإنّ غياب مخاطر العملة لا يمكن بالتالي أن يؤدي إلى حدوث أزمة مصرفية أو تفاقمها، والتي يمكن احتواؤها من قِبل البنك الأعلى. بالإضافة إلى ذلك، إذا كان هناك مخاوف في ظلّ مجلس النقد من أنّ خطر عدم السيولة سيتحول إلى مخاطر إفلاس بسبب عدم وجود قرض الملاذ الأخير، وبالتالي زيادة قسط التخلّف عن السداد، كما احتمالية تخفيض قيمة العملة ، فإنّ الحفاظ على السيولة من قِبل البنك الأعلى داخل نظام مجلس الإدارة المصرفية، يجعل هذا التحول أقل احتمالية.

أما الدولرة الشاملة فهي تتميز بطابعها النهائي (غير القابل تقريبًا للرجوع عنه). واذا كانت تنبع المزايا الرئيسية للدولرة من صدقيتها في الدولرة الكاملة، مرادفة بالنسبة للدولة لخسارة أرباح طباعة العملة الوطنية seigneuriage (الناتج بشكل أساسي من الفرق بين تكلفة إنتاج العملات المعدنية والورقية وقوتها الشرائية، وهي عملياً، إذا تجاهلنا الحدّ الأدنى من تكلفة طباعة الأوراق النقدية والصناعة المعدنية، تصبح تساوي الزيادة في حجم العملة الوطنية المتداولة). فضلاً عن كون الدولرة الكاملة تلغي دور المصرف المركزي الوطني كملاذ أخير للإقراض المصرفي.. وبالتالي تجعل البلد المعني بالدولرة الشاملة والرسمية يخسر «السيادة النقدية» المتمثّلة بالعملة الوطنية، وهي الى جانب العلم، تمثّل رمز استقلال وسيادة الوطن، وهنا يصبح للموضوع أبعاداً أوسع من الناحية النقدية البحتة.

يبقى أنّ السياسة النقدية كعنصر أساسي من السياسة الماكرو اقتصادية الشاملة، لا يمكن عزلها عن السياسات العامة للأوطان، وكأنّها على جزيرة مستقلة عن مختلف العوامل السياسية والاجتماعية الشاملة. وكما كان للخيار المعتمد منذ سنوات نقاط قوة ومكامن ضعف، ساهمت في ما وصلت اليه الأوضاع اليوم، كذلك للخيارات المطروحة اليوم آفاق وتحدّيات للمستقبل، وارتباط طبيعي بمجمل عناصر السياسة الاقتصادية وخيارات السياسات العامة للدولة ورؤيتها للدور المستقبلي للبنان. فمن هنا يبدأ البحث لاعتماد خيار جديد. وعلى هذا المستوى ستكون مسؤولية اتخاذه.


بعد زلزال بيروت: المسؤولية الاجتماعية أولوية!

https://www.aljoumhouria.com/ar/news/550829/%D8%A8%D8%B9%D8%AF-%D8%B2%D9...

جريدة الجمهورية

Saturday, 22-Aug-2020 06:57

محلي

بعد زلزال مرفأ بيروت أصبحت «المسؤولية الاجتماعية للمؤسسات» أولوية ملحة وطارئة، حفاظاً على سلامة الناس وصحتهم وبيئتهم المحيطة وحقوقهم السكنية والمعيشية والاجتماعية الشاملةّ! و«المسؤولية الاجتماعية» ليست مجرّد بحث في مفهوم جديد يتألّق عالمياً في مختلف الشركات والقطاعات، لتلميع صورتها وزيادة حصّتها في السوق، من خلال عمل خيري وتقديم المساعدات للمجتمع... «المسؤولية الاجتماعية» مفهوم ضروري وفق معايير «ايزو 26000» في كل المؤسسات العامة الخاصة والمشتركة وكل المرافق الحيوية من موانئ ومطارات ومحطات نقل ومؤسسات كهرباء وسدود مياه ومخازن وقود ومستودعات مواد.. ليكون عملها مسؤولاً إجتماعياً تجاه عمّالها وموظفيها وزائريها وزبائنها ومشتركيها وشركائها وسكان المناطق المجاورة لها، ولتكون أمينة وآمنة ومسؤولة تجاهها صحياً وبيئياً واجتماعياً، لتفادي المخاطر، قبل البحث في تغطية الأضرار والتعويض عن الأذى...هذه معاني «المسؤولية الاجتماعية». ومن الواضح اليوم أكثر من أي يوم مضى، كم باتت ضرورية. فعلامَ ترتكز؟ ماذا تطاول؟ وكيف تتبلور؟

من المعروف أنّ مجال الأعمال كانت تسوده ركائز الإقتصاد الأساسية القائمة على «القاعدة الذهبية» لتحقيق أعلى مستوى من الربح، بتوسيع الهامش بين المردود والكلفة الى أقصى حد ممكن، بغض النظر عن أي اعتبارات أخرى وعوامل مؤثرة ومتأثرة في محيطه على المستوى الإجتماعي والبيئي والصحي والسلامة العامة...أما المؤسسات التي يهمّها إعطاء «صورة جميلة» عن حسّها الإجتماعي والإنساني والأخلاقيات المهنية وتفاعلها مع بيئتها المحيطة، فكانت تجد ملاذاً لمرادها عبر تمويل بعض المشاريع ذات طابع المنفعة العامة والمساعدة الإنسانية (بناء جسر مهدّم من هنا، تقديم مساعدات خيرية من هناك، تخصيص مبلغ سنوي معيّن، أو نسبة من الأرباح لتقديم منح دراسية ومساعدات طبية وغيرها من هنالك...)، وتضع ذلك تحت تسمية الحس بالمسؤولية الإجتماعية، من باب المساهمة في مساعدة المجتمع لتأمين بعض الخدمات الخارجة عن إطار عمل المؤسسة وأهدافها المالية والإقتصادية البحتة.

المسؤولية الاجتماعية كتعريف سريع ترتكزعلى اهتمام المؤسسة خلال تأدية عملها، بالحرص على الاستجابة لحاجات المجتمع الذي تعمل فيه، والمساهمة في تنميته المستدامة، وليس فقط على تحقيق الأرباح.

أما الأفرقاء المعنيون بالاستجابة الى حاجاتهم فهم مختلف العملاء الاقتصاديين المعنيين بعمل المؤسسة من موظفين، زبائن، مؤسسات منافسة، إدارات عامة، هيئات مدنية من جمعيات ومنظمات غير حكومية، وسائل إعلام ... تربطها بالمؤسسة عقود عمل أو قوانين مرعية الاجراء أو أنّها تتأثر بنشاط المؤسسة وتؤثر فيه، من خلال تواصلها مع الرأي العام... فيكون على المؤسسة المسؤولة إجتماعياً أن تحدّد حاجات المجتمع الذي تعمل فيه وأولويات المشاريع التنموية المطلوبة لتتمكّن من إدراجها ضمن استراتيجياتها.

هكذا ترتقي المؤسسة من العمل الخيري الذي ينتهي مفعوله آنياً (مثل تقديم مساعدة مالية لجمعية تُعنى بالمقعدين في منطقة معينة) لتلتزم بالاستجابة الى الحاجات التنموية المستدامة للمجتمع (مثل تأمين البنى التحتية المناسبة لتنقّلهم وتوظيفهم في مشاريعها التنموية المستدامة في مختلف مناطق إنتشارهم، بحيث يصبحون مستقلين مالياً عن ذويهم ولا يعودون في حاجة الى المساعدات الخيرية).

في الواقع، وبعدما تفاقمت الأزمات الإجتماعية الى حدّ تسجيل عدم قدرة الدولة على الإستجابة لوحدها الى الحاجات الإنسانية والإجتماعية للفرد أو الجماعة، ظهر بوضوح انّ الهمّ الإجتماعي بات مسؤولية مجتمعية، يتشارك فيها الجميع، وفي مقدّمهم قطاعات الإنتاج التي تُعتبر العامود الفقري للإقتصاد، فتظهّر دور المنظمات غير الحكومية ودور المجتمع المدني، كما تبلور حديثاً مفهوم المسؤولية الاجتماعية، وتطوّر بسرعة ليصبح من أهمّ المبادئ التنموية على المستويين الإجتماعي والإقتصادي. فكان من الطبيعي ازدياد إهتمام المؤسسات والشركات في ولوج هذا الباب، إسهاماً في مداواة الحاجة الإجتماعية من جهة، وترسيخاً للعلاقة المتوازنة الضرورية على الصعيدين الاقتصادي والاجتماعي، مع تأكيد إضطلاع الدولة بمسؤولياتها كإطار ناظم وشريك أساس في المهمة، في إطار ما يُعرف بالشراكة بين العام والخاص (PPP).

ولعلّ خير دليل على تنامي هذا الدور، ما أظهرته الإحصاءات الصادرة عن منظمة التعاون والتنمية في الميدان الاقتصادي ( OECD)، من أنّ مساهمات منظمات المجتمع المدني تراوحت بين 6-7 بلايين دولار سنوياً في أواخر القرن العشرين. إنطلاقاً من هذا الواقع، قرّرت الشركات والمؤسسات الوازنة في الإقتصاد ـ وعلى المستويين المحلي والخارجي ـ الإضطلاع بدور متنام ٍ في المسؤولية الإجتماعية، وبلغ هذا الدور حداً تنظيمياً متجانساً مع الحداثة، فتطورت التقديمات من عطاء عشوائي غير منظّم وغير محدّد الهدف، الى دور تنموي أساسي يشكّل جزءاً لا يتجزأ من أنشطتها، يعتمد على خطط ـ برامج، منظمة، وواضحة الأهداف والمعالم لمساعدة المجتمع والمشاركة في العملية التنموية بنحو فعّال، يفضي الى كسب ثقة المجتمع وبالتالي ضمان النجاح في تحسين الأوضاع الإجتماعية وتثبيت الإستقرار الإجتماعي الإقتصادي المرجو.

على النطاق العربي، بدأ الاهتمام بالمسؤولية الإجتماعية يتنامى، وقد أُنشئت المنظمة العربية للمسؤولية الإجتماعية، التي تهدف الى رفع مستوى التعاطي مع مفهوم المسؤولية الاجتماعية على المستوى المحلي وتحويلها الى مستوى المفهوم الاستراتيجي في عمل البلديات والحكومات العربية وتعزيزها من خلال الادارة الحكيمة وتعميم ثقافتها عبر كافة الوسائل المتاحة، فضلاً عن تكريم المؤسسات الرسمية والحكومية الحائزة على شهادات الجودة العالمية «أيزو» في مجال المسؤولية الاجتماعية...

أما في لبنان، فمن الثابت انّ للمجتمع المدني دوراً كبيراً يلعبه بالتكامل والتعاون مع القطاعين الخاص والعام، فيما التحدّي الأساس في تحقيق هدفين متوازنين: تأطير دور ومدى عمل المجتمع المدني، من ضمن الاستراتيجية التنموية للمؤسسات المعنية تجاه مجتمعها بمختلف مكوناته من جهة، وتأمين الربط والتواصل المفقود بين المشاريع التي تنفذها المنظمات غير الحكومية وتوجيه التمويل المطلوب لها...

مع العلم أنّ الاضطرابات الاجتماعية والاقتصادية الكبرى في لبنان في السنوات الأخيرة، وقلّة الاستقرار السياسي والمؤسسي، أظهرتا أكثر فأكثر قصور الدولة في الاستجابة للاحتياجات الاجتماعية المختلفة.

كما من المعروف انّ كثيراً من المؤسسات في لبنان كان يعتمد مبدأ «المساعدة الإجتماعية»/ أي العمل الخيري الذي ينتهي مفعوله فور تقديمه، دون أن يكون ساهم في تحقيق التنمية المستدامة التي تؤمّنها برامج المسؤولية الاجتماعية (مبادرات لتأمين منح مدرسية وجامعية لمتفوقين غير قادرين على تسديد أقساطهم، مساعدات طبية لحالات إستثنائية مكلفة لا تشملها تغطية وزارة الصحة، أو حالات إجتماعية صعبة يتمّ تسليط الضوء عليها في وسائل الإعلام طلباً للمساعدة، الخ) أو على مساهمات في أعباء وطنية كبرى كمثل ما حصل بعد إنتهاء حرب تموز 2006 على لبنان، واليوم بعد زلزال مرفأ بيروت والكارثة التي تسبب بها في المناطق المحيطة، (حين أخذت بعض المصارف على عاتقها إعادة بناء بعض الجسور المهدّمة، والبنى التحتية المدمّرة، وبعض المقومات الإقتصادية التي قوّضها العدوان).

اليوم، بات من الضروري الإرتقاء بدور الشركات والمؤسسات التي تشكّل العمود الفقري للإقتصاد الوطني، ليصبح إلتزاماً بالمساهمة في التنمية المستدامة، من خلال العمل مع المجتمعات المحلية لتحسين مستوى معيشة الناس بأسلوب يخدم الاقتصاد ويخدم التنمية في آن واحد، وخصوصاً بعد صدور المواصفة العالمية ISO 26000 خلال تشرين الأول 2004 والتي تضمنت معايير المسؤولية الإجتماعية، وخصوصاً في الجوانب المتعلّقة بالسلامة والصحة والعامة للسكان في محيط عملها، إضافة الى الجانبين البيئي والقانوني، والشروط المتعلقة بالتنمية الإقتصادية.

يبقى القول، إنّ المسؤولية الاجتماعية باتت اليوم أولوية أكثر من أي وقت مضى، بعد أن ثبت بالألم الكارثي مدى خطورة اللامسؤولية على الأرواح والممتلكات، على سلامة الناس وحياتهم، كما المساكن والمرافق الاقتصادية والظروف المعيشية، كما ثبت أكثر فأكثر عدم إمكانية الدولة ولا أي دولة منفردة للاستجابة وحدها للكوارث الناتجة من خلل كهذا، والحاجة الى تضافر جهود كل مكوّنات المجتمع لمواجهة الأزمات.

واليوم، بعد ان تبيّنت عملياً على الأرض ديناميكية المجتمع المدني والقطاع الخاص المسؤول إجتماعياً، لا بدّ من وضع كل التدابير والتشريعات الضرورية لتسهيل وتشجيع ودعم وتأطير المسؤولية الاجتماعية للمؤسسات، طريقاً للتنمية المستدامة والسلامة العامة صحياً وبيئياً وإقتصادياً إجتماعياً بنحو مقونن ومبرمج.



الجامعات المسؤولة إجتماعياً حاضنة لطلابها: علمياً، بحثياً وإقتصادياً

https://www.aljoumhouria.com/ar/news/545731/%D8%A7%D9%84%D8%AC%D8%A7%D9%85%D8%B9%D8%A7%D8%AA-%D8%A7%D9%84%D9%85%D8%B3%D9%88%D9%88%D9%84%D8%A9-%D8%A7%D8%AC%D8%AA%D9%85%D8%A7%D8%B9%D9%8A%D8%A7-%D8%AD%D8%A7%D8%B6%D9%86%D8%A9-%D9%84%D8%B7%D9%84%D8%A7%D8%A8%D9%87%D8%A7-%D8%B9%D9%84%D9%85%D9%8A%D8%A7-%D8%A8%D8%AD%D8%AB%D9%8A%D8%A7-%D9%88%D8%A7%D9%82%D8%AA%D8%B5%D8%A7%D8%AF%D9%8A%D8%A7?utm_source=editor&utm_medium=web&utm_campaign=listnews



Tuesday, 21-Jul-2020 06:20


اقتصاد

وسط اشتداد الأزمة الاقتصادية، يحتدم البحث عن ترجمة التضامن الاجتماعي، لاسيما في المؤسسات التي تُعنى ببناء أجيال المستقبل، فيما الجامعات المسؤولة إجتماعياً، حاملة الرسالة مسبقاً من منطلق المسؤولية الاجتماعية، التي هي أبعد بكثير من «العمل الخيري» المتمثّل بتخفيض أقساط من هنا وحذف مصاريف زائدة من هناك.. المسؤولية الاجتماعية للجامعات لها مرتكزات ثلاثة: المستوى العلمي الرفيع، الذي يعطي تصنيفاً دولياً يسمح لحامله بالاعتراف بشهادته في كل بقاع الأرض. ومستوى بحثي، يجعل العلوم في خدمة الاستجابة لحاجات المجتمع، وإيجاد حلول لمشاكله وتسجيله بصمة عالمية من نتاجها. فضلاً عن الخدمة الاقتصادية للأفراد والمجتمع، من خلال المساهمة بتحقيق أهداف التنمية المستدامة. فماذا يعني بالعمق مفهوم المسؤولية الاجتماعية للجامعات اليوم، وكيف يُترجم، لا سيما في جامعات عريقة حملت همّ الشباب اللبناني في الحرب والسلم، بالبحبوحة وبالأزمات، وجعلت قيمها الانسانية البوصلة الأساسية لبناء وطن على أسس سليمة من العيش معاً، وجعلته منارة على قدر نور شعلة شبابه الواعد.


مع تنامي الأسئلة عن مفهوم المسؤولية الاجتماعية للمؤسسات وخصوصاً منها المؤسسات التربوية، وتحديداً الجامعات من بينها، لا سيّما مع أهداف الميثاق العالمي للأمم المتحدة، الذي تخطّى المسؤولية الاجتماعية للشركات لتشملَ وفقَ معايير أيزو 26000 مختلف المؤسسات العامة والخاصة والمنظمات غير الحكومية التي لا تبتغي أساس الربح، لا بدّ من تفنيد الركائز الثلاث للمسؤولية الاجتماعية للجامعات: التعليم، الأبحاث العلمية، وخدمة المجتمع، من خلال المساهمة في التنمية المستدامة و»الحدّ من أوجه عدم المساواة الاجتماعية».




المسؤولية الاجتماعية

في البداية، لا بدّ من توضيح الفَرق بين المسؤولية الاجتماعية و»العمل الخيري». اذ غالباً ما يختلط الاثنان في ذهن المجتمع، لا سيما في الأزمات، حيث الحاجة الملحة لترجمة المساعدة بدعم مالي سريع مباشر، بغض النظر عن السلّة الاجتماعية التنموية الشاملة ونوعية الخدمات المقدّمة. لا شك أنّ «العمل الخيري»، مثل المساعدة المالية وتأمين الِمنح الدراسية وتخفيض الأقساط لمن هو غير قادر على تسديدها كاملة، يندرج من ضمن استراتيجية المسؤولية الاجتماعية، ولكنه وحده لا يحقق المسؤولية الاجتماعية التنموية المطلوبة، ما لم يترافق مع سلة الركائز الضرورية. كما أنّ تحقيق الهدف العاشر للأمم المتحدة المتمثّل بتخفيف «أوجه عدم المساواة الاجتماعية» لا يكون بالدعم الشامل العشوائي للجميع بشكل متشابه، بل بأخذ في الاعتبار قدرة كل فرد وخلق روح التضامن، التي تجعل الأكثر قدرة يساهم في تعزيز وضع الأقل قدرة، بما يعزز المساواة ويحقق التنمية المستدامة والانسجام في النسيج الاجتماعي للوطن والعدالة، في الحصول على فرص التقدّم وتحسين أوضاع العائلات وفق جهود شبابها والتزامهم بالقيم الانسانية التي تتخطّى كل أنواع الفروقات الاجتماعية.





المستوى العلمي المعترف به دولياً

ويمثّل التعليم العالي إحدى الركائز الأساسية التي تقدّمها الجامعات لخدمة المجتمع، من خلال إعداد الكوادر والرأسمال البشري المتمكّن من المساهمة في تحقيق التنمية المستدامة على الصُعد العلمية والاقتصادية والاجتماعية. ويكون على الجامعات التأكّد من أنّ التوصيات العلمية التي تَصدر عن ندواتها ومؤتمراتها تَشمل النواحي البيئية والاجتماعية والأخلاقية لمختلف أعمالها. فالبحثُ العلمي ضروري لجعلِ المعلومات في خدمة المجتمع وتحسينِ نوعية الحياة. وبالتالي لا تكون المعلومات المنقولة نظرياً غريبة عن الواقع، فلا تكتفي الجامعات بنقلِ المعطيات الأكاديمية بغضّ النظر عن التمكّن من تطبيقها.

ويتبيّن، أنّ أبرز نواحي المسؤولية الاجتماعية للجامعات تتجلّى في إعداد مواطنين منتِجين ومسؤولين، وتشجيعِ الشراكة والمشاركة الفاعلة في صلبِ المجتمع المدني، وتنميةِ الكفاءات وتحقيق التوجيه المناسب نحوها. هذه الناحية من التعليم العالي تشكّل أحدَ أبرز مستلزمات التزام الجامعة تجاه المجتمع. من هنا نَفهم دور جامعات البلدان المتقدّمة في تشجيع طلابِها على التفكير في سُبل خدمة المجتمع على الصعيد العالمي، ولا سيّما التي في البلدان النامية، بما يفسِح في المجال أمام الحوار وتلاقي الثقافات المتنوّعة.

أولى مسؤوليات الجامعة هي تقديم تعليم رفيع المستوى معترف به عالمياً ومصنّف دولياً، بحيث تؤمّن الشهادات أوسع الفرص للمتخرجين على أوسع نطاق. فلا تكون صادرة عن «دكاكين» لا يُعرف إسمها ولا يُعترف بها في أي نقطة في الكون، فيكون الطالب هدر وقته وماله سدى، ويضطر الى إعادة التسجيل في أي إختصاص من جديد في مؤسسة معروفة لتأمين فرصة عمل مناسبة.

فالمستوى التعليمي بحدّ ذاته هو مسؤولية إجتماعية بما يحمل من هدف تكوين رأسمال بشري لدعم التنمية الاقتصادية والاجتماعية وتحسين مستوى العيش. وهنا أهمية الجامعات المسؤولة إجتماعياً في ضمان تكافؤ الفرص التعليمية للجميع، وخصوصاً الأشخاص ذوي الاحتياجات الخاصة والفئات الأقل إمكانيات مادية ومعنوية، بسبب أي ظروف مالية أو عائلية وظرفية في البلاد.

ويُطلب من الجامعات ألّا يقتصر تدريبها وأبحاثها الأكاديمية على متطلبات واحتياجات سوق العمل، بل عليها تشجيع المناهج المتنوعة والمنهجية التي تحدّد الروابط بين العلوم العملية والعلوم الاجتماعية. في الوقت نفسه، تسعى الجامعات الى إدراج توصيات الميثاق العالمي المتصلة بالأثر البيئي والاقتصادي- الاجتماعي، فضلاً عن الأخلاقيات المهنية والتنموية لمختلف نشاطاتها.

كما أنّ الجامعات هي التي تَصنع المستقبل، وبالتالي تقع عليها مسؤولية جعلِ «شهاداتها مسؤولةً إجتماعياً» بحِرصها على: إعداد نظام الإدارة الجيّدة، واستخدام الطاقات المتجددة، حسن إدارة النفايات وإعادة تدويرها، وضع استراتيجيات التنمية المستدامة، العمل على تعزيز روح المبادرة، الابتكار والتكنولوجيا، تنمية مواهب الطلاب ليكونوا مواطنين منتِجين، حسنِ إدارة الموارد البشرية لتشجيع وتوجيه الجهود نحو العمل التطوعي، وتنميةِ المجتمع... كلّ ذلك يَدفعنا للقول، إنّ جامعات اليوم هي جامعات المجتمع، لأنّها تعيش تحدّيات وحاجات المجتمع، كما فرَصَ وطموحات المجتمع.

وثمّة نشاطات جامعية عديدة من شأنها المساهمة في المسؤولية الاجتماعية، مِثل: توجيه البحث العلمي نحو المجالات التي تلبّي حاجات المجتمع ومختلف العملاء الاقتصاديين، تنظيم مؤتمرات علمية، التبادل الأكاديمي، النوادي الثقافية، منتديات الحوار، المعارض والمنتديات الثقافية والوطنية، دورات الإعداد والتدريب والتعليم المستمر، ورَش العمل الاقتصادية- الاجتماعية والثقافية في مختلف البرامج، حلقات الحوار والنشاطات التي يتمرّس فيها الطالب على التواصل مع المجتمع (المؤسسات العامة، الشركات الخاصة، الهيئات المحلية في البلديات وجمعيات ومنظمات غير الحكومية...) ليتبلوَر له كيفية استخدام ما يتعلّمه في خدمة المجتمع الذي ينمو فيه.






البحث العلمي والتطبيق العملي

البحث العلمي ضروري لوضع المعرفة في خدمة المجتمع وتحسين نوعية حياة السكان. وبالتالي، لا يمكن إجراء البحث بشكل مستقل عن احتياجات المجتمع والحاجة إلى استخلاص الاستنتاجات اللازمة التي تسمح باستخدامه لحلّ المشكلات (القانونية والاقتصادية والطبية والحضرية والبيئية والتعليمية والثقافية. .) من أجل تحسين رفاهية ومستوى معيشة الناس.

إلّا أنّ هذه الإنجازات تتطلّب وضعَ ورقةِ عملٍ استراتيجية لتحقيق المسؤولية الاجتماعية للجامعات، وتشكيلَ هيئةٍ تُراقب المسؤولية الاجتماعية، وتحديدَ الأفرقاء المعنيين بمختلف البرامج وتوقّعاتهم من مختلف برامج المسؤولية الاجتماعية المطروحة، وإعدادَ الدراسات والأبحاث المناسبة لها.

وبذلك تكون الجامعة مساهمةً في بناء المواطنية المسؤولة اجتماعياً، من خلال إدراج حاجات المجتمع ومفاهيم الحياة العامة في صلب الحياة الجامعية بالنشاطات الصفّية وغير الصفّية. كما مِن خلال تمكينِ المتخرّجين من التعامل مع مختلف تقنيات التواصل والبحث والحوار وتبادل الأفكار وترجمتها لإنجازات في خدمة المجتمع بكافّة مكوّناته وفئاته العمرية والاجتماعية والثقافية...

وهكذا يكون مشروع المسؤولية الاجتماعية للجامعات مساهِماً في تحقيق التنمية والترويج للنواحي الاجتماعية للتعليم العالي. وهكذا تكون المسؤولية الاجتماعية للجامعات متّسمةً بروح المواطنية والتنمية المستدامة، ومنطبعةً بكون التربية خدمةً عامةً والتزاماً تجاه المجتمع الذي تنشَط فيه، ناشرةً لمختلف السياسات والممارسات التي من شأنها تحقيق الازدهار والتنمية وفرَصِ العمل والتقدّم وتحسين مستوى العيش وخلق واحةً لفتح آفاق المنافسة نحو تقديم الأفضل وجعلِ البحث العِلمي في خدمة التطبيق العَملي.

بالنتيجة، لا تكون المسؤولية الاجتماعية للجامعات فصلاً في درس أو مشروعاً في جملة نشاطات أو قسماً من هيكلية المؤسسات، إنّما قيمة راسخة في استراتيجيتها ينبغي أن تُترجم في مختلف أوجه رسالتها.




المواطنية وخدمة المجتمع

تعتمد مسؤولية الجامعة تجاه المجتمع على فكرة أنّ دور الجامعة لا يقتصر على توفير التعليم المناسب للأشخاص الأكفاء في مختلف مجالات النشاط، ولكن تدريب المواطنين المسؤولين القادرين على الاندماج بسهولة في المجتمع، والتمرّس على الديمقراطية والتعاون مع الآخر، لبناء وطن أفضل للجميع. وخدمة المجتمع، هي واحدة من الركائز الرئيسية لرسالة ورؤية العديد من الجامعات المسؤولة إجتماعياً في جميع أنحاء العالم، ومنها طبعاً في لبنان، وفي طليعتها جامعة القديس يوسف، التي تميّزت في أدائها المسؤول إجتماعياً بين مختلف الجامعات الفرنكوفونية في الشرق الأوسط وفي اتحاد الجامعات الكاثوليكية وفي الميثاق العالمي للتنمية المستدامة للأمم المتحدة.

تبقى الإشارة، الى إنّ المسؤولية الاجتماعية للجامعات هي الفسحة الأولى للتمرّس على المسؤولية الاجتماعية في مختلف المؤسسات وعلى نطاق الوطن بشكل عام. أما الرهان الأساس للتقدّم في هذا المجال، فيتطلّب الالتزام بالمعايير المعتمَدة لقياس المسؤولية الاجتماعية للجامعات الدولية، والتي تشكّل نموذجاً تحتذي به كبرى الجامعات في لبنان، لتؤسس شبكة أمان للوطن ولأجياله القادمة، في القيم والمبادئ التي تحفظ كرامة الانسان وحقة بالمستوى العالمي اللائق، لفرص عمل لاحقة تؤمّن التنمية المستدامة والتقدّم الدائم.




LA CRISE DES DÉPLACÉS SYRIENS AU LIBAN: BESOIN / OPPORTUNITÉ DE RECOURS À LA RSE

Issue Number 107 - January 2019


https://www.lebarmy.gov.lb/fr/content/la-crise-des-d%C3%A9plac%C3%A9s-syriens-au-liban-besoin-opportunit%C3%A9-de-recours-%C3%A0-la-rse?fbclid=IwAR1wA7FNGHLKfyqNA5VWvJQ_7OCW7u4R9HO_a9nJrMl85E9kcXJzE-GcCyc

أزمة النازحين السوريين في لبنان: حاجة أم فرصة للّجوء إلى المسؤولية الاجتماعية للمؤسسات - 16-02-2019

الغرض من هذه المقالة هو دراسة أثر تدفّق اللاجئين المهاجرين الاجتماعي والاقتصادي على التنمية المستدامة للبلدان المضيفة، والبحث عن حلول بديلة من خلال المسؤولية الاجتماعية للشركات في عدم وجود كفاية الدعم الحكومي والدولي، بناءً على حالة لبنان في مواجهة تدفّق النازحين السوريين. من أجل ذلك، سنقدم في مرحلة أولى، مفاهيم معينة (مهاجرون، نازحون، لاجئون ...)، أما في المرحلة الثانية فسنقوم بتحليل خصوصيات عدم كفاية التمويل العام والمعونة الدولية لإثبات الحاجة إلى إشراك القطاع الخاص من خلال برامج المسؤولية الاجتماعية للشركات لمواجهة هذه الأزمة.

فإزاء الأزمة السورية، وتخطي نسبة النازحين في لبنان عتبة ثلث سكانه الأصليين، لا بد من تحديد واقع الأزمة وتصنيفها لتبيان آفاق آثارها الاقتصادية وسبل مواجهتها. ويتبيّن في المنشورات الدولية أنه غالبًا ما يتم إطلاق تسمية "لاجئ" بشكل خاطئ على الشخص "النازح" حتى لو كانت أسباب مغادرة النازحين مماثلة لتلك التي تدفع اللاجئين إلى مغادرة بلدانهم ( نزاعات مسلحة، عنف معمّم، انتهاكات لحقوق الإنسان). فالسوريون القادمون إلى لبنان منذ أزمة بلادهم هم نازحون يحتفظون كمواطنين بكامل حقوقهم، بما في ذلك الحق في الحماية، وفق قوانين حقوق الإنسان والقانون الإنساني الدولي، خلافًا لما هي حال اللاجئين الذين يُعَرَّفون، وفق اتفاقية 1951، على أنهم أشخاص "يوجدون خارج دولة جنسيتهم بسبب تخوّف مبرّر من التعرض للاضطهاد لأسباب ترجع إلى انتمائهم العرقي أو الديني أو الاجتماعي أو السياسي، وبذلك يفتقرون إلى القدرة أو حتى الرغبة باستظلال حماية دولتهم".

ويتبيّن أنّه منذ اندلاع الأزمة السورية وتوافد موجات النازحين السوريين إلى لبنان، سقطت مختلف المؤشرات الاقتصادية في البلاد سقوطا مدوّيًا فتراجع النمو الاقتصادي من حوالى 8% في العام 2011 تباعًا إلى أقل من 1% اليوم، وازداد الدَّين العام ليتخطى 80 مليار دولار أي أكثر من 150% من الناتج المحلي، وباتت خدمة الدين تسيطر على أكثر من ثلث الموازنة، ودخلنا مجددًا في حلقة مفرغة من العجز والمزيد من الاستدانة، فيما تسارع ارتفاع البطالة والفقر بشكل غير مسبوق في البلاد، وتدهورت أوضاع القطاعات جميعها وأحوال البنى التحتية ومختلف الخدمات العامة.

ومع الأوضاع الضاغطة للمالية العامة في لبنان، وضعف كفاية الدعم الدولي لتغطية التمويل المطلوب، لم يبقَ سوى تدخّل القطاع الخاص للمساهمة في حل الأزمة، من خلال جملة برامج تندرج في إطار المسؤولية الاجتماعية للمؤسسات. وبما أنّ القطاع المصرفي تحديدًا هو أول القطاعات وأكثرها انخراطًا في عملية إدراج مبادئ المسؤولية الاجتماعية في صلب استراتيجياته وخطط عمله، تبدو كلمة الفصل الأساسية في ملعبه. وقد بدأت بعض المصارف بإصدار بطاقات مصرفية إلكترونية بسقفٍ محدد، للمساعدة في تأمين الحاجات الغذائية الأساسية للمواطنين، وتتكاثر اقتراحات مشاريع وخدمات أخرى تصب في هذا الاتجاه من باب المساعدة المباشرة للنازحين. فيما تتولّى مؤسسات ومنظمات غير حكومية تأمين مساكن مستأجرة لبعض العائلات القادرة على الانخراط في النسيج اللبناني، وتأمين الخدمات من تعليم وطبابة وغيرها خارج إطار المخيمات

https://www.lebarmy.gov.lb/fr/content/la-crise-des-d%C3%A9plac%C3%A9s-syriens-au-liban-besoin-opportunit%C3%A9-de-recours-%C3%A0-la-rse?fbclid=IwAR1wA7FNGHLKfyqNA5VWvJQ_7OCW7u4R9HO_a9nJrMl85E9kcXJzE-GcCyc


د. سهام رزق الله - جريدة الجمهورية

الاثنين 23 أيلول 2019 https://www.aljoumhouria.com/news/index/488792

يوم المسؤولية الإجتماعية للشركات... طريقة للعيش معاً

بمناسبة اليوم العالمي للمسؤولية الاجتماعية للشركات (CSR)، نختار نشر ملخص لنتائج استطلاع حول تقديم وتطوّر المسؤولية الاجتماعية للشركات في لبنان.

منذ إدخال مفهوم المسؤولية الاجتماعية للشركات في لبنان مع نشر المعيار الدولي ISO26000 ومختلف المبادرات المجانية والحرة والطوعية التي اتّخذها القطاع الخاص اللبناني في هذا الاتجاه، فإنّ تطور المسؤولية الاجتماعية للشركات بطيء وسرعته تختلف بين قطاع وآخر. من هنا إنّ البحث عن نموذج مفاهيمي لشرح هذه الخصائص واتجاهات تطورها استلزم إجراء دراسة استقصائية تغطي جميع المحاور للتحقق من صحتها في لبنان. ما هو أفضل نموذج يفسّر المسؤولية الاجتماعية للشركات في لبنان؟ وما هي النتائج التطبيقية؟

في مواجهة تعدّد أوجه عدم المساواة ومخاطر التمييز والإقصاء الاجتماعي في مجتمع تعدّدي مثل الاقتصاد اللبناني الذي يستضيف أيضاً تدفّقاً هائلاً من النازحين خاصة منذ الأزمة السورية في 2011، تثبت أنّ المسؤولية الاجتماعية للشركات المسؤولة باتت ضرورة ملحّة خاصة أنّ الدولة وحدها غيرُ قادرة على تلبية الاحتياجات الاجتماعية بمجملها، والمنظمات غير الحكومية التي لا تملك الإمكانيات المالية الكافية غير قادرة على القيام بذلك منفردة، من هنا دور القطاع الخاص أن يتدخل ويوجّه الاقتصاد نحو العيش الشامل معاً.

ومع ذلك ، فإنّ إدخال المسؤولية الاجتماعية للشركات وتحدّيات تنفيذ المشروع تختلف من بلد إلى آخر وفقاً لخصائص النظام الاقتصادي في هذا البلد ودور الأطراف المختلفة وديناميكية القطاعات المعنية التي تجعله ضمناً أقرب إلى نهج نظري معيّن تجاه المسؤولية الاجتماعية للشركات.

من هنا، يبدو من المثير للاهتمام أن نفهم تحدّيات إدخال المسؤولية الاجتماعية للشركات من قبل دولة صغيرة ونظام اقتصادي حرّ مثل لبنان من خلال الاختيار الطوعي لقطاعها الخاص دون أيّ تدخّل من الدولة خلافاً لجميع البلدان العربية المحيطة، كما من المهم التوقّف عند بطء تطوّر المسؤولية الاجتماعية للشركات في بعض القطاعات وتسارعها في قطاعات أخرى من خلال الإشارة إلى النموذج النظري الذي من شأنه أن يفسّر ذلك بأفضل شكل.

النموذج المرجعي المختار هو النموذج المؤسَّسي الجديد الذي مكّن من تشكيل الإطار المفاهيمي لإدخال وتطور المسؤولية الاجتماعية للشركات بين القطاعات المختلفة في لبنان، والتي تمّ التحقق من صحتها من خلال نتائج المسح النوعي حول تطور المسؤولية الاجتماعية للشركات بين 18 مؤسسة لبنانية تشتهر بالمسؤولية الاجتماعية في لبنان. تعتمد المنهجية على مقابلات شبه منظمة ودليل للمقابلات وشبكة تحليل للإجابات. علماً أنّ النموذج المؤسسي الجديد يرتكز على ثلاثة محاور: التماثل في التقليد، التماثل المعاييري، واعتماد التنظيم والقوننة.

• تقليد التماثل: في أعقاب القيود المعرفية والثقافية، في سياق عدم اليقين الشديد، تميل المنظمات إلى إعادة إنتاج ممارسات بعضها البعض، لتقليدها. يمكن أن يقلّل التقليد من عدم اليقين، ويعتمد أساليب أو أدوات معروفة بالفعل دون المجازفة بتجربة خيارات جديدة.

• التماثل المعياري: يساهم القيد المعياري في الشرعية الأخلاقية المرتبطة بالمعايير وشهادات الاعتماد التي تحدّد القواعد المعرفية للممارسات المماثلة دون أن تؤدي إلى فرض عقوبات في حال غيابها.

مع العلم أنّ دراسات تجريبية عدة قد أُجريت حول تأثير النظرية المؤسسية الجديدة على المسؤولية الاجتماعية للشركات في البلدان التي تمرّ بمرحلة انتقالية، بما في ذلك لبنان، ومن هنا أهمية الدراسة الاستكشافية التي أُجريت.

• التنظيم القانوني التشريعي: التنظيم القانوني يعزّز شرعية الاستراتيجية المعتمدة من قبل المؤسسات لإدخال مفهوم المسؤولية الاجتماعية القائمة على القواعد والأنظمة المساهِمة في تنظيم وقوننة المبادرات. التعريف القانوني للمسؤولية الاجتماعية للمؤسسات والمعايير والمؤشرات المعتمدة في تقارير المؤسسات التي تعتمدها وفق النظم المعروفة عالمياً، تساهم في تحديد المؤسسات المسؤولة اجتماعياً فعلياً تمهيداص للمطالبة بحوافز وإجراءات مشجّعة.

وقد أعربت غالبية الشركات عن الحاجة إلى إطار رسمي لجمع معلومات حول المسؤولية الاجتماعية للشركات كمنصة يمكن أن تجمع ممثلين من جميع القطاعات. تنقسم المقترحات بالتساوي تقريباً بين طلب الإعفاءات الضريبية، ودعم بعض الأنشطة ومنح خطوط ائتمان مدعومة الفائدة، وهي تدابير ضرورية لتطوير المسؤولية الاجتماعية للشركات والتي لا تتطبق بعد في لبنان حتى اليوم.

مع العلم أنّ مطالبة الدولة بالحوافز لتشجيع الشركات اللبنانية على مواصلة تطوير استراتيجيتها للمسؤولية الاجتماعية للشركات لا يمكن أن تتم دون بناء قاعدة بيانات في البداية عن الشركات المسؤولة اجتماعياً في لبنان. وهذا يتطلب لوائح المسؤولية الاجتماعية للشركات وتحديد الشركات المسؤولة اجتماعياً وفقاً لمعايير ومؤشرات المساهمة في التنمية المستدامة ونشر التقارير العلمية التي تقيمها لجان الخبراء في هذا المجال.

وبذلك يكون تمّ التحقق من صحّة النموذج المؤسسي الجديد حيث يسمح التماثل في التقليد واعتماد المعايير والقيَم بتطوير المسؤولية الاجتماعية للشركات بسرعة في قطاعات معيّنة مثل قطاعات المصارف والاتصالات الخلوية. في حين أنّ غياب القوننة والحوافز يبطئ تطور المسؤولية الاجتماعية للشركات في قطاعات أخرى مثل القطاع الصناعي والقطاع التجاري في انتظار دعم الدولة. ومن هنا الحاجة إلى نظام أساسي رسمي لجمع البيانات حول المسؤولية الاجتماعية للشركات في لبنان، وتقييم الجانب العلمي للعملية، ومنح العلامات أو شهادات التميّز لأولئك الذين يستحقونها وتدريب أولئك الذين بحاجة إليها وإدخال اللوائح اللازمة من حيث الضرائب والحوافز المالية لتحسين النتائج... يستمرّ العمل في المرحلة الثانية لوضع الأساس الأكاديمي الضروري لتحقيق هذه الاستنتاجات.


La responsabilité sociale des universités : quels engagements pour le développement durable ?

SIHAM RIZKALLAH - Maître de conférences, Université Saint-Joseph

L'Orient le Jour OLJ 08/06/2018

https://www.lorientlejour.com/article/1119805/la-responsabilite-sociale-des-universites-quels-engagements-pour-le-developpement-durable-.html

La responsabilité sociale des universités (RSU) est de plus en plus au centre d’un débat sur le rôle de l’université dans la réalisation du développement durable. L’intégration de préoccupations environnementales, économiques et sociales dans les stratégies et activités des universités les inscrit dans la démarche du développement durable. Comment se traduit la relation entre la RSU et le développement durable à la lumière des fondements de la RSU et sa contribution à la responsabilité sociale (RS) de manière générale et aux besoins des parties prenantes ? Et quelles en sont les pratiques au sein des universités et à partir de l’université envers la société de manière à avoir le meilleur impact en matière de développement durable (DD) ?

L’approfondissement du rôle de l’université socialement responsable en matière de développement durable (DD) et la démarche universitaire sur ce plan se réfèrent à plusieurs dimensions, dont notamment : le rôle citoyen de l’université qui dépasse ses fonctions basiques de diffusion de créations et des connaissances pour mettre la recherche au service de la société ; le rôle de l’université comme catalyseur de la citoyenneté au sein de la communauté universitaire, incluant ses étudiants, ses enseignants, ses chercheurs et son personnel ; le rôle de l’université comme acteur du développement économique local et régional dans son pays ou sa zone géographique à travers son soutien à des projets d’innovation et sa culture entrepreneuriale ; le rôle universel de l’université qui l’amène à dépasser le cadre local pour adopter une politique ouverte à l’échange d’étudiants et d’enseignants chercheurs avec les universités étrangères et à se pencher sur les enjeux socio-économiques majeurs qui concernent des populations défavorisées à la recherche des moyens qui favorisent leur développement à tous les niveaux.

La responsabilité sociale s’avère intégrée à la stratégie de ces universités dont la mission est de contribuer à l’amélioration du bien-être de la société et à son développement durable grâce à la mise en place d’une stratégie globale basée sur des études et des recherches qui concernent l’ensemble des secteurs économiques et des catégories sociales.

La RSU se traduit par une responsabilité des membres du corps enseignant universitaire tenant compte des aspects éthique, social, national et humanitaire dans l’exécution des différentes fonctions d’enseignement, de recherches scientifiques et de services assurés à la société civile.


Domaines d’intervention de la RSU

Les domaines d’intervention de la RSU sont variés et concernent les différentes activités agricoles, industrielles, commerciales, touristiques, à l’échelle locale et nationale. Nous pouvons mentionner particulièrement sur ce plan : la santé publique qui comprend la protection de l’environnement et la préservation de la diversité écologique ; le patrimoine culturel et la diffusion de la culture ; les centres d’enseignement, de recherche et de consultation selon la discipline de chacun et sa spécialité ; l’efficacité des centres d’enseignement de langues et de dialogue interculturel ; la continuité de l’enseignement qui règle plusieurs types de problèmes socio-économiques ; les établissements universitaires qui offrent différents types de services à la société (centres médicaux, bibliothèques...).


Mission de l’université

Par la nature de ses services, ses objectifs, sa mission et son influence dans la société, l’université est censée jouer un rôle pionnier en termes de responsabilité sociale. Cela nécessite de définir des objectifs bien précis qui répondent à la mission de l’université et à sa contribution à la responsabilité sociale : le soutien à des programmes et projets de développement durable ; l’interaction avec la société sur les sujets de débats sur ses principaux besoins ; la collaboration avec les organisations non gouvernementales (ONG) locales et internationales ; l’engagement envers la société où elle opère.

Ces objectifs peuvent être réalisés à travers les programmes et les activités suivantes : des projets de protection de l’environnement et de l’écosystème ; le programme de formation des jeunes et l’amélioration de leurs compétences sur le marché du travail ; le soutien aux programmes d’aides humanitaires ; la mise en place des programmes de service pour les personnes à besoins spécifiques ; l’élaboration et l’exécution de campagnes culturelles ; la participation aux cérémonies et occasions nationales ; la contribution à la découverte de talents et leur soutien ; l’adaptation des services aux besoins du marché ; la participation active des étudiants dans les actions de la société civile.

Par ailleurs, la RSU se réfère à trois horizons principaux : l’horizon économique qui ne concerne pas le profit des entreprises, mais leur engagement en termes d’éthique et de valeurs et de contribution au développement durable ; l’horizon social, en ce sens que la RSU n’est pas un simple accord entre l’université et la société permettant à l’université de répondre aux besoins de la société ; l’horizon environnemental, du fait que les universités tiennent compte de l’impact environnemental de leurs activités et services offerts.

Le suivi des questions environnementales comprend : la réalisation d’études de terrain sur les causes de la pollution et la réalisation de campagnes de sensibilisation sur la protection de l’environnement ; l’organisation de conférences sur les différents sujets touchant l’environnement ; la transparence dans la diffusion des lois et les règlements locaux et internationaux relatifs à l’environnement.

Le service que l’université offre à la société est considéré comme l’une des principales manifestations de son engagement envers la société où elle opère et l’une de ses principales fonctions en vue de l’adaptation des individus aux mutations rapides du monde. Il en résulte que la RSU permet d’adapter l’enseignement supérieur aux besoins de la société à travers un éventail d’activités variées dans les différents domaines (conférences, colloques, tables rondes, ateliers de travail…) au service de la société.

*****************************************

ثلاثة مرتكزات لتأرجح المسؤولية الإجتماعية في لبنان

http://www.aljoumhouria.com/news/index/417084

د. سهام رزق الله - جريدة "الجمهورية" - 29 أيار 2018

يشهد لبنان موجة انتشار لمفهوم المسؤولية الاجتماعية المتنامية منذ سنوات لا سيما منذ العام 2010 تاريخ نشر معايير ايزو 26000 الخاصة بهذا الشأن... ولكنّ الإشكالية الملفتة تبقى في أنّ المسؤولية الاجتماعية رغم أنها أصبحت رائجة في مجتمع الأعمال اللبناني إلّا أنّ تقدّمَها لا يزال بطيئاً من ناحية المؤشرات العلمية (مقاييس المساهمة في أهداف التنمية المستدامة للأمم المتحدة، التقارير الخاصة بالمسؤولية الاجتماعية...). كما أنّ تقدّمَها يبدو غيرَ منتظم بين القطاعات إذ هو متسارع في البعض منها ومتعثر في البعض الآخر. فما هو سرّ هذا التأرجح لنظام تقدّم المسؤولية الاجتماعية في لبنان وعلى أيّ أسس ونموذج علمي يمكن قراءة أحوالها وتبيان العوامل المؤثرة فيها والمساهمة في تقدّمها مع الأخذ في الإعتبار خصوصيات الواقع اللبناني؟

في الواقع، لقد أدخلت وانتشرت المسؤولية الاجتماعية في لبنان بمبادرة حرّة فردية اختيارية وتطوّعية من قبل القطاع الخاص اللبناني. أما المبادرة الوحيدة لمؤسسة المقاييس والمواصفات اللبنانية «ليبنور» فهي بتمويل من الوكالة السويدية الدولية للتنمية وهي أيضاً فردية ومباشرة مع المؤسسة دون أن يعني ذلك أيّ تبنٍّ أو مواكبة من وزارة الصناعة أو أيّ هيئة رسمية لها علاقة بالمؤسسة.


هكذا بقي إدخال المسؤولية الاجتماعية في لبنان عملاً حرّاً غير مواكب ولا موجّه ولا مشروط ولا منتظم بل إنه هادف بشكل أساسي لتحقيق ما يُسمّى بـ»المشروعية الاجتماعية» انطلاقاً من مرتكزات ثلاثة:

المماثلة أو التقليد


المرتكز الأول هو المماثلة أو التقليد حيث تسعى بعض المؤسسات في قطاعات معيّنة الى تقليد المؤسسات الكبرى فيها والرائدة في مجال المسؤولية الاجتماعية والتنمية المستدامة بمحاولة استلحاق نفسها للحفاظ على مصداقيّتها وحصّتها في السوق وتلميع صورتها على غرار المؤسسات الكبرى بغض النظر عن قناعتها وتمكّنها من الإلتزام بمعايير المسؤولية الاجتماعية.


وهذا الخيار يحصل عادةً في القطاعات التي يكثر عدد المؤسسات ويجمعها إطار ناظم (جمعية، نقابة، هيئة رسمية...)، والتي إما تكون تحقّق مستويات أرباح مرتفعة حتى في ظلّ وضع إقتصادي عام هشّ وتكون تسعى للتثبيت للرأي العام أنها حريصة على مشاركة محيطها ومجتمعها بجزء من هذه الأرباح (وهذا تحديداً وضع القطاع المصرفي في لبنان).. أو تكون مؤسسات متّهمة بطبيعة عملها بالتسبّب بضرر بالبيئة والطبيعة (مثلما هي حال بعض المصانع وشركات إنتاج الترابة..) والتي تجد نفسَها مضطرّةًَ لإظهار حرصها على اعتماد المسؤولية الاجتماعية والمساهمة في التنمية المستدامة التي تشمل ثلاثة نواحٍ: إقتصادية، إجتماعية وبيئية.

إظهار الحرص


المرتكز الثاني يعتمد على إظهار حرص المؤسسات المعنية باحترام جملة معايير ومواصفات وقيَم إجتماعية وإنسانية لها وقعها وأهميّتها في المجتمع الذي تعمل فيه هذه المؤسسات (الحرية، حقوق الإنسان، تماس العائلة، القيَم الروحية المستندة الى مبادئ دينية وأخلاقية) أو قيَم كبرى عالمية تتخطّى حدود الإنسان والطفل وأصحاب الحاجات الخاصة والتعددية الثقافية والحضارية ورفض العنصرية والتمييز على أساس الانتماء..


وهذا المرتكز هو إجمالاً الحافز الأساسي نحو المسؤولية الاجتماعية لدى المؤسسات الكبرى الدولية والعاملة في بلدان عديدة تسعى فيها لتخطّي التميّز واعتناق القيَم الكبرى على ما هي حال مثلاً المؤسسات المشغّلة لقطاع الاتّصالات الخلوية ومؤسسات تجارية كبرى..

العنصر التنظيمي


المرتكز الثالث يتمحور حول العنصر التنظيمي الذي يربط تطبيق وتطوير المسؤولية الاجتماعية في البلد والقطاع المعني والمؤسسة الخاصة بوجود قوانين وأنظمة راعية لآلية تنفيذها وتقييمها لتكريم مَن هم في خطّها، وإعطائهم الحوافز اللازمة لتشجيعهم على هذا الخيار أو حتى إلزام بقية المؤسسات باعتماد هذا النهج وصولاً الى معاقبة مَن يثبت أنّ أداءَه مناهض للمسؤولية الاجتماعية. وهنا لا بد من التنبّه الى حاجة بعض القطاعات لهذا التنظيم والدعم والحوافز (مثل المؤسسات الصغيرة اللبنانية والقطاعات الصناعية والتجارية المتأثرة بضعف النموّ الاقتصادي والتي لا تسمح موازناتُها باعتماد المسؤولية الاجتماعية دون التفاتة دعم من الدولة). أما طبيعة الحوافز التي يمكن للدولة أن تقدّمَها في هذا المجال فهي عديدة مثل تخفيضات ضريبية، تميل المؤسسات المسؤولة اجتماعياً بقروض مدعومة بفوائد مخفّضة، إلزام المؤسسات التي يتخطّى حجم مبيعاتها أو عدد عمالها سقفاً معيّناً أن تنشر تقارير حول مساهمتها بالتنمية المستدامة)، تقديم شهادات تقدير أو جوائز تميّز رسمية للمؤسسات التي تعتمد المسؤولية الاجتماعية في استراتيجياتها لتمييزها عن سواها في قطاعاتها...).

إنشاء هيئة رسمية


هكذا تبيّن أنّ النموذج النيوكلاسيكي يلخّص ويترجم وقع المسؤولية الاجتماعية في لبنان كما العناصر المؤثرة سلباً وإيجاباً في تطويرها. فإذا كان «التماثل» واعتماد «مقاربة القيَم» يسمحان بتقدّم المسؤولية الاجتماعية في قطاعات مثل المصارف والاتصالات، لا بد أنّ غياب التنظيم والقوننة والحوافز المالية والضريبية والمعنوية لا يشجّع على تنامي المسؤولية في القطاعات الأضعف مثل المصانع والمتاجر خصوصاً الصغيرة منها.


ولكن قبل البحث بالتدخّل المطلوب لدعم وتشجيع مسيرة المسؤولية الاجتماعية لا بد من السؤال حول سبل تأخير العمل بتبنّي الدولة اللبنانية إنشاء هيئة رسمية ترصد وتجمع داتا معلومات حول المؤسسات المسؤولة اجتماعياً في لبنان وتعتمد هيئة وآلية تقييم لإنجازاتها وحاجاتها لتتمكّن بعدها من تقديم التصوّر المساهم بتقدّمها، فضلاً عن السؤال حول دور أصحاب المصالح من مستهلكين وموظفين وإعلام ومجتمع مدني بالقيام بالضغط المطلوب للتأثير على الرأي العام والأفرقاء المعنيّين بحث المؤسسات نحو المزيد من المسؤولية الاجتماعية...

Le 3e secteur, un pont entre l’économie sociale et la RSE 07/10/2017

https://www.lorientlejour.com/article/1076812/le-3e-secteur-un-pont-entre-leconomie-sociale-et-la-rse.html

De nos jours, le 3e secteur, qui rassemble les différentes structures de l'économie sociale et solidaire (ESS), prend de plus en plus d'importance au Liban. Il s'agit du secteur qui n'appartient ni à la sphère publique ni à la sphère privée, et qui regroupe les ONG, les associations, les mutuelles, les coopératives et les entreprises sociales – encore peu connues au Liban. Ce secteur englobe les plus grands projets financés par les organisations locales et internationales, crée de plus en plus d'emplois et devrait par conséquent être mieux étudié par les économistes qui n'ont tendance qu'à distinguer les secteurs privé et public.

Alors que la responsabilité sociale des entreprises (RSE) a récemment été mise en avant à travers la journée mondiale qui lui a été consacrée le 25 septembre dernier, il convient de s'interroger sur la relation entre ces domaines, et comprendre dans quelle mesure les initiatives du secteur privé en matière de RSE et les principes du 3e secteur relatifs à l'ESS se complètent sans se concurrencer.

(Pour mémoire : La Responsabilité sociale des entreprises et l’Économie sociale et solidaire, derniers remèdes à la crise des réfugiés?)

Objectif commun

Les origines du concept d'économie sociale renvoient à la réalité des groupements associatifs et solidaristes qui se développent déjà au XIXe siècle en réaction aux dégâts causés par l'expansion du capitalisme industriel. Ces organisations, principalement d'intérêt mutuel, préfigurent la naissance d'un troisième secteur dans la mesure où elles prennent toutes distance vis-à-vis des modalités classiques de la production capitaliste et aussi vis-à-vis de l'intervention des pouvoirs publics. Au tournant du XXe siècle, elles sont reconnues par des statuts juridiques distincts (associations, coopératives, mutuelles).

Le troisième secteur cherche à mettre les outils économiques au service de la société par des objectifs sociaux, principalement la prospérité et la croissance pour tous, au lieu de se focaliser sur les bénéfices individuels comme dans les économies traditionnelles. Ce nouveau secteur permet une distribution équitable des ressources et encourage l'utilisation d'outils nouveaux de financement et d'innovation comme les microcrédits.

Beaucoup plus récente, la RSE s'est diffusée à partir des années 1990, en même temps que la notion de développement durable, dont elle reprend les principes. Elle concerne les entreprises et surtout les grands groupes : ceux-ci s'engagent à intégrer les enjeux sociaux et environnementaux dans leur gestion quotidienne, mais aussi dans leurs interactions avec leurs salariés, actionnaires, clients, fournisseurs, collectivités qui représentent leurs parties prenantes (stakeholders). Codes de conduite, adhésion à des chartes, publication de rapports, soumission à des certifications ou labels : ces outils sont largement utilisés pour attester de la réalité de la démarche RSE. Si, pour certains groupes, il s'agit essentiellement d'un outil de communication, d'autres ont réellement intégré la RSE dans leur stratégie de développement.

Par les principes qu'elles défendent, les structures du 3e secteur ou de l'ESS se rapprochent naturellement des entreprises engagées dans une démarche de RSE, leur objectif commun étant de favoriser le développement durable et de mettre l'économie au service de la société. Cependant, la finalité même des structures de l'ESS les distingue fortement du reste de l'économie. Pour une entreprise « classique », la finalité première reste la recherche du profit et la rentabilité du capital investi quand les priorités des ESS sont avant tout sociales et environnementales.

(Pour mémoire : Lancement d’une cartographie de l’entrepreneuriat social au Liban)

Terrain fertile

Dans le monde arabe, la pauvreté et le chômage des jeunes – dont le taux est presque le double de celui connu à l'échelle mondiale – constituent des défis majeurs qui exigent une intervention dans des domaines différents tels que l'éducation, la formation des compétences, la santé, la participation de la société civile ou le développement socio-économique... Des défis pouvant favoriser le développement de l'économie sociale et solidaire dans cette région.

Parmi les pays arabes, le Liban est l'un des pays qui assure le meilleur terrain fertile au développement de l'ESS en raison de la liberté exceptionnelle de fonder des ONG, associations ou autres structures de l'économie sociale... En 2010, le nombre d'entrepreneurs sociaux des pays arabes reconnus à l'échelle internationale a atteint 78 entreprises, dont 73 au Liban, en Jordanie, en Palestine, en Égypte et au Maroc.

Il faut dire qu'au Liban, pendant la période de guerre civile et jusqu'à l'année 1987, la plupart des ONG consistaient en des associations familiales. Ce n'est qu'à partir de l'an 2000 qu'elles commencent à avoir le statut actuel d'ONG. Il faudra même attendre 2004 pour que la loi leur permette de pouvoir être créées sans autre critère d'autorisation préalable du ministère de l'Intérieur que la publication au Journal officiel de l'information relative à leur fondation et de leurs statuts. Aujourd'hui, il existe près de 16 000 ONG au Liban dont le statut est reconnu, en plus de coopératives et de mutuelles enregistrées au ministère de l'Agriculture et de clubs sportifs enregistrés au ministère de la Jeunesse et des Sports. Par contre, l'entrepreneuriat social est encore peu connu dans la région arabe.

Alors que la RSE prend son essor à travers la concurrence que se livrent les entreprises libanaises pour améliorer leur image et afficher leur intérêt à contribuer au développement durable, les principales structures du 3e secteur au Liban, à savoir les ONG, se concurrencent entre elles pour attirer le financement proposé dans le cadre des programmes RSE. Ces ONG constituent aujourd'hui le principal pont entre ces deux domaines, traçant de nouvelles perspectives pour l'économie libanaise et lançant des interrogations quant au nouveau rôle socio-économique prometteur du Liban dans son environnement arabe.

Maître de conférences à la faculté de sciences économiques de l'Université Saint-Joseph.

Fondements et principes du concept de la responsabilité sociale des universités

Siham Rizkallah , Maître de conférences à l’Université Saint-Joseph, sciences économiques.D.R. 08/07/2017

https://www.lorientlejour.com/article/1061240/fondements-et-principes-du-concept-de-la-responsabilite-sociale-des-universites.html


La Responsabilité sociale des universités (RSU) est un nouveau concept qui consiste à percevoir l'université au-delà de la seule fonction d'enseignement pour tenir compte des trois piliers principaux de l'enseignement supérieur, à savoir : l'enseignement, la recherche scientifique et le service de la société. Partant de ce fait, la RSU s'avère être la voie indispensable pour introduire et développer la Responsabilité sociale de manière générale dans la société, que ce soit la Responsabilité sociale des entreprises (RSE) ou celle des organisations (RSO) selon ISO26000. Dans ce cadre, il est nécessaire d'approfondir les fondements de la RSU permettant de passer des bases théoriques à l'application pratique au regard des principales fonctions de l'université, de son rôle dans l'esprit de citoyenneté et des procédures indispensables pour favoriser son évolution...


Former des citoyens responsables

La responsabilité de l'université envers la société repose sur le fait que l'université n'a pas pour seule fonction d'assurer un enseignement adéquat à des personnes compétentes dans les différents domaines d'activité mais de former des citoyens responsables et capables de s'intégrer facilement dans la société civile. Le service de la société constitue l'un des piliers majeurs de la mission et de la vision de plusieurs universités dans le monde en se référant au triplet : enseignement ; recherche scientifique ; et service de la société.


Toutefois, il existe généralement une confusion entre le concept de « responsabilité sociale de l'université » et celui du « service de la société » qui constitue donc à la base l'une des trois principales fonctions des universités. Au fait, si le service de la société est l'un des piliers majeurs de la mission de toute université, qui se réalise automatiquement par le fait même que l'université assure la formation des générations futures et met leurs compétences au service de la société dans les différents domaines, cela ne veut pas dire que toute université est automatiquement socialement responsable. Ainsi, le service de la société est une condition nécessaire dans l'activité de toute université mais non suffisante pour la considérer comme étant socialement responsable. La responsabilité sociale de l'université est un concept plus large et plus profond du service rendu par l'université à la société et du résultat de sa fonction de former les personnes compétentes de demain...


La RS (Responsabilité sociale) des universités se base sur un ensemble de principes et de valeurs à partir du rôle social des universités dans l'enseignement, la recherche scientifique, le partenariat social et la gestion institutionnelle... jusqu'à sa contribution au développement de la Responsabilité sociale des entreprises et des organisations de manière générale, favorisant le DD (Développement durable) par la réponse aux besoins des différents parties prenantes, la contribution à résoudre leurs problèmes socio-économiques et l'amélioration de leur bien-être futur...


Le fond de ce rôle social de l'université résulte de son engagement dans les questions relatives à la justice, la crédibilité, l'excellence, l'égalité sociale, le développement durable, la dignité et la liberté individuelle, le respect de la diversité culturelle, le soutien aux droits de l'homme et la responsabilité civile.

Au fait, l'université regroupe l'élite intellectuelle et scientifique dans une société, donc elle n'est plus considérée comme un simple « podium de connaissances » mais également comme un « podium d'expertises » pour les différents secteurs de production et de services.


Parmi les principaux problèmes sociaux envers lesquels l'université devrait être socialement responsable, on note : la pauvreté et le chômage ; la concentration des services dans les villes au détriment des régions rurales défavorisées ; les problèmes de robotisation dans les industries ; l'analphabétisme ; la faiblesse du niveau d'éducation ; la croissance démographique et la mauvaise gestion des ressources naturelles ; la faible stabilité politique, la dégradation des services publics et les défaillances du secteur public à répondre, seul, aux défis socio-économiques croissants ; la croissance déséquilibrée ; le besoin de plateforme de dialogue et de coordination entre la théorie et la pratique ; les domaines académique et professionnel ; les secteurs public et privé, et les ONG et collectivités locales qui représentent la société civile.


L'enseignement

L'un des services majeurs offerts par les universités à la société réside dans la formation du capital social pour soutenir le développement économique, social et scientifique. À partir de là, les universités sont tenues d'assurer l'égalité des chances dans l'enseignement à tous, plus particulièrement les personnes à besoins spécifiques et les catégories les moins favorisées.

Les universités sont appelées à ne pas limiter leur formation académique et leurs recherches aux demandes et besoins du marché de travail. Au contraire, elles devraient encourager les programmes diversifiés et une méthodologie qui établit les liens entre les sciences pratiques et les sciences sociales. En même temps, les universités sont censées s'assurer que les recommandations spécifiques comprennent des volets qui touchent à l'environnement, à l'impact social et aux répercussions éthiques de toute activité scientifique.


La recherche scientifique

La recherche scientifique est indispensable pour mettre les connaissances au service de la société et pour améliorer la qualité de vie des populations. Ainsi, la recherche ne saurait être menée indépendamment des besoins de la société et de la nécessité d'en tirer les conclusions nécessaires qui permettraient d'en profiter pour résoudre les problèmes (juridique, économique, médical, urbain, environnemental, éducatif, culturel...) de manière à améliorer le bien-être et le niveau de vie des gens...

Le Partenariat social et l'esprit de citoyenneté

L'un des volets importants de la RSU consiste à former des citoyens productifs et responsables et à encourager la participation active au sein de la société civile ainsi que le développement des compétences. Il s'agit pratiquement de favoriser le transfert technologique, l'innovation, la formation continue... Ce volet de l'enseignement supérieur constitue un aspect indispensable de l'engagement de l'université envers la société.


Ainsi, les universités des pays développés encouragent les étudiants à réfléchir sur les possibilités de servir la société à l'échelle mondiale et surtout dans les pays en voie de développement, de manière à stimuler chez eux l'esprit de citoyenneté. Cet esprit de citoyenneté selon Sundberg (2008) fait référence à l'appartenance des individus à leur société, leur engagement dans la vie publique et leur participation active aux enjeux politiques et socio-économiques, bien au-delà du simple respect de leurs droits et devoirs qui émanent des lois et réglementations en vigueur...


Les principaux volets de la citoyenneté concernent la question de l'identité, la participation politique, sociale et culturelle, ainsi que les valeurs démocratiques, les droits de l'homme, la tolérance et la diversité culturelle, et la sensibilisation aux questions relatives à l'égalité sociale.

La dimension sociale, qui n'était pas fortement présente lors de la déclaration de Bologne (1999) et la création de l'Espace européen de l'enseignement supérieur, connait aujourd'hui une influence remarquable surtout avec le projet EU-USR (European Union – University Social Responsibility). Cette influence croissante est liée à la reconnaissance du rôle de l'enseignement supérieur au niveau du développement de la société européenne et la transmission de ses valeurs et principes.


Maître de conférences à l'Université Saint-Joseph, sciences économiques.


Par Dr. Siham RIZKALLAH | 04/02/2017 | 9823 signes

Le Liban peut compter sur son secteur privé, et sur son initiative en matière de développement durable, pour réduire la pression que représente le nombre croissant de réfugiés sur son territoire.

Siham RIZKALLAH | OLJ04/02/2017

Mon OLJ https://www.lorientlejour.com/article/1033321/la-responsabilite-sociale-des-entreprises-et-leconomie-sociale-et-solidaire-derniers-remedes-a-la-crise-des-refugies.html

Entre l'introduction de la Responsabilité sociale des entreprises (RSE) et la diffusion des principes de l'Économie sociale et solidaire (ESS), le Liban compte toujours sur l'initiative du secteur privé en matière de développement durable, surtout avec la pression du nombre croissant de réfugiés syriens qui ne fait qu'accentuer la crise socio-économique à tous les niveaux, en l'absence d'orientation de l'État sur ce plan. Quelle est la relation entre la RSE et l'ESS ? Pourquoi et comment constituent-elles un remède au besoin de développement durable au Liban face à la crise actuelle des réfugiés syriens au pays du Cèdre ?

La RSE a été diffusée à partir des années 90, en même temps que la notion de développement durable, dont elle reprend les principes et les prolonge pour amener le secteur privé à partager ses profits avec les parties prenantes qui ont contribué à sa réalisation (actionnaires, employés, clients, ONG et société civile, administrations publiques et collectivités locales...). Le concept de la RSE amène l'entreprise à dépasser l'objectif économique traditionnel qui consistait en la maximisation du profit, afin de prendre en considération les répercussions sociales et environnementales de ses activités ainsi que sa contribution au développement durable. L'idée-clé de ce concept est non seulement de répondre aux besoins des parties prenantes actuelles mais de préserver les ressources naturelles, et en même temps de répondre aux besoins des générations futures... D'où les trois piliers : économique, social et environnemental..

La RSE concerne les entreprises, et surtout les grands groupes qui ont assuré leur satisfaction financière et qui se sont rassurés quant à l'avenir de leur présence et leur part du marché (ce qui correspond aux bases de la pyramide des besoins de Maslow appliquée aux entreprises). Les entreprises qui se rapprochent du sommet de la pyramide sont celles qui sont déjà satisfaites de leurs résultats financiers, qui commencent à s'intéresser aux valeurs et à la bonne réputation, donc à la « réalisation de soi-même ». Cette vision est certainement bien au-delà des soucis primaires des petites entreprises débutantes inquiètes pour leur « existence » sur le marché face aux concurrents, et face à tous les facteurs internes et externes qui influencent leur situation financière, indépendamment de l'impact de leurs activités aux yeux de la société...

Deux conceptions qui se complètent

Les entreprises qui s'engagent à la RSE intègrent les enjeux sociaux et environnementaux dans leur stratégie d'entreprise et leur gestion quotidienne de manière volontaire et facultative, mais aussi dans leurs interactions avec leurs salariés, actionnaires, clients, fournisseurs, collectivités... à travers des codes de conduite, l'adhésion à des chartes, la publication de rapports, la demande de certifications ou de labels qui sont les outils largement utilisés pour attester de la réalité de la démarche RSE.

Toutefois, si, pour certaines entreprises, il s'agit essentiellement d'un thème de communication, destiné à améliorer leur image de marque, d'autres ont réellement intégré la RSE dans leur stratégie de développement et en sont convaincus.

Ainsi, la RSE procède par une démarche volontaire et non imposée, surtout qu'elle ne constitue pas l'objectif ultime et principal de l'activité d'une entreprise, telle la maximisation de profits.

Par contre, pour les acteurs de l'Économie sociale et solidaire ESS, l'objectif social et solidaire est une vocation et une priorité.

Les acteurs de l'ESS sont parfois perçus comme des référents pour la RSE, mais les entreprises sont en pointe en matière d'évaluation et de notation de leur impact socio-environnemental. Pouvant s'inspirer mutuellement, ESS et RSE constituent finalement deux approches d'une même volonté d'entreprendre autrement. Sachant que la réalisation des projets de RSE par les entreprises se fait dans la majorité des cas à travers le partenariat et la collaboration, voire le financement direct de la part des entreprises aux acteurs de l'ESS qui l'exécutent comme les ONG, les associations, les collectivités locales, les municipalités...

Ces deux conceptions peuvent très bien se compléter.

Cependant, toutes les entreprises ne peuvent pas prétendre à l'agrément ESS.

Pour être reconnue ESS, une société commerciale doit en effet respecter trois principes fondateurs:

* une gouvernance démocratique,

* le réinvestissement majoritaire des bénéfices dans l'activité

* l'« impartageabilité » des réserves obligatoires.

À l'inverse, une démarche de RSE peut être initiée par n'importe quelle entreprise, quel que soit son secteur d'activité.

Les acteurs de l'ESS sont naturellement socialement responsables et proches des préoccupations du développement durable, ce qui les rapproche des entreprises engagées dans une démarche de RSE.

Les acteurs de l'ESS mènent des actions basées sur des principes humanistes, ils ont des objectifs de solidarité et publient un bilan sociétal et des rapports sociaux.

Les entreprises RSE cherchent à dépasser le cadre légal sur les questions environnementales et sociales, et évaluent cette démarche...Reste que la finalité même des ESS les distingue fortement du reste de l'économie. Pour une entreprise « classique », l'objectif ultime demeure la recherche du profit et la rentabilité du capital investi alors que les ESS donnent la priorité au social et à l'environnemental.

RSE et ESS face à la crise des réfugiés

Au Liban, petit pays à système économique libéral, fondé sur l'initiative privée et le secret bancaire, plusieurs contraintes ne font qu'accentuer les tensions sur la stabilité socio-économique et les indicateurs du développement durable...Ces principales contraintes se résument par une dette publique de 75 milliards de dollars américains, l'afflux de près de 2,5 millions de réfugiés, une détérioration de l'ensemble des indicateurs économiques avec la pression sur le marché du travail, les dépenses pour l'aide humanitaire, le ciblage de la pauvreté, les pressions sur les secteurs de la santé, de l'éducation, du transport, de l'infrastructure et des services public divers... Ces contraintes deviennent de plus en plus croissantes au point d'atteindre, voire de franchir, le plafond de soutien possible des donateurs internationaux, la capacité de l'État libanais et les moyens des acteurs de l'Économie sociale et solidaire, comme les associations et les ONG locales et internationales...

Le Liban est actuellement le pays qui accueille le plus grand pourcentage de réfugiés syriens par habitant libanais, soit plus de 40 % de sa population qui est réfugiée. Ainsi, les ONG sont plus que jamais essentielles afin d'offrir des services primaires aux personnes touchées par la crise syrienne.

L'expérience internationale montre qu'il s'écoule en moyenne 17 ans avant que des réfugiés fuyant une zone de conflit ne commencent à rentrer chez eux. Et quand cela se produit, ce retour se fait par petits nombres. Certains réfugiés ne quittent d'ailleurs jamais leur pays d'accueil.

À savoir qu'entre 2011 et 2015, les dépenses publiques ont augmenté de 15,2 % à 13,45 milliards de dollars, contre une hausse de seulement 2,6 % des recettes, à 9,58 milliards selon la Banque mondiale (BM). Conséquence : en cinq ans, le ratio du déficit public sur le PIB est passé de 5,8 à 7,8 %. Quant au ratio de la dette publique, il est passé de 134 à 139 % du PIB sur la même période, selon le ministère des Finances, pour dépasser 140 % actuellement, et le ratio déficit public/PIB, qui avoisine les 8 %.

En 2017, la Banque centrale continue à jouer un rôle majeur dans la défense de la valeur de la monnaie nationale et dans la confiance en l'économie libanaise...La BDL projette d'injecter de nouvelles liquidités sur les marchés d'un montant d'un milliard de dollars. Le but est de stimuler les investissements, d'encourager la consommation et de résorber le chômage. Cette injection aura des effets multiplicateurs positifs pour l'ensemble des secteurs de l'économie, d'autant que l'inflation est toujours contenue et maîtrisée à des taux très bas.

Quant aux taux d'intérêt, le « risque pays » est un élément majeur qui empêche leur baisse remarquable, quoique la BDL continue à offrir des crédits à taux d'intérêt réduits aussi bien pour l'investissement immobilier que pour les différents secteurs productifs.. Toutefois, les agences de notation se basent sur les différents risques auxquels un pays est exposé pour lui avancer une note qui sera déterminante pour la fixation des taux. Ajoutons à cela que la Fed a augmenté ses taux et envisage, pour 2017, des augmentations supplémentaires, ce qui accentuera la pression sur les taux à moyen terme.

À partir de là, la situation économique du pays face à la crise des réfugiés ne laisse d'autres remèdes que le recours à la RSE et la collaboration étroite entre les entreprises privées socialement responsables et les principaux acteurs de l'ESS. Une telle collaboration s'avère indispensable et prioritaire afin de mettre en place des programmes de développement durable et un financement à long terme des opérations d'intervention auprès des réfugiés qui allège le poids subi par l'État, la tension au niveau de l'économie et les défis de la société civile par un partenariat tripartite... Reste à voir qui prendra cette initiative. Qui l'orientera, et qui évaluera ses résultats et garantira sa continuité ?

Siham RIZKALLAH

Maître de conférences à la faculté des sciences économiques de l'Université Saint-Joseph - Beyrouth

----------------------------------------------

L'Orient-Le Jour Siham RIZKALLAH | Maître de conférences à l'Université Saint-Joseph OLJ24/09/2016

Samedi 24 septembre 2016 | Le Commerce du Levant | Boutique

LIBAN - La Journée mondiale de la responsabilité sociale : quel bilan pour le Liban ?

TRIBUNE Siham RIZKALLAH | OLJ24/09/2016

Mon OLJ https://www.lorientlejour.com/article/1009033/la-journee-mondiale-de-la-responsabilite-sociale-quel-bilan-pour-le-liban-.html


https://www.lorientlejour.com/article/1033321/la-responsabilite-sociale-des-entreprises-et-leconomie-sociale-et-solidaire-derniers-remedes-a-la-crise-des-refugies.html


À l'occasion de la Journée mondiale de la responsabilité sociale des entreprises (RSE), le 25 septembre, plusieurs questions se posent concernant la situation de la RSE au Liban et les perspectives de son évolution.

Tout d'abord, il faut savoir que le concept de la RSE amène l'entreprise à dépasser l'objectif économique traditionnel ultime qui consistait en la maximisation du profit, afin de prendre en considération les répercussions sociales et environnementales de ses activités ainsi que sa contribution au développement durable. L'idée-clé de ce concept estime qu'actuellement la réussite d'une entreprise est fortement liée à l'attention qu'elle accorde à ses parties prenantes, c'est-à-dire aux entités et personnes avec lesquelles elle a des relations contractuelles.

Selon la Commission de l'UE, être socialement responsable ne se limite pas à respecter les lois en vigueur qui sont indispensables pour éviter les poursuites devant les tribunaux, mais nécessite d'investir davantage dans les relations avec les parties prenantes, environnement, capital humain...

Dans les pays arabes, malgré la vision générale positive pour le développement des activités sociales des entreprises et leur contribution au développement durable (DD), depuis le sommet de la RSE en 2015, à travers essentiellement le soutien des catégories les plus défavorisées et le soutien des jeunes aux niveaux académique et professionnel, beaucoup d'obstacles persistent au niveau de la réalisation des résultats souhaités. Sachant que les résultats indispensables en matière de développement durable ne peuvent être réalisés qu'en collaboration entre les trois entités : les entreprises du secteur privé, les organisations non gouvernementales (ONG) et les institutions publiques...

Quant au Liban, l'introduction récente de la RSE a résulté en une initiative volontaire prometteuse de la part de plusieurs entreprises privées. Toutefois, récemment, Libnor (institution publique attachée au ministère de l'Industrie au Liban et également membre d'Iso internationale) a lancé un projet important sur la responsabilité sociale des entreprises sur la période 2011-2014.

Ce projet « officiel » d'introduction de la RSE s'inscrit dans le cadre d'un programme plus large adressé à la région du Moyen-Orient et de l'Afrique du Nord (Mena) pour l'introduction et l'application des critères Iso 26000. Il a été financé par l'Agence suédoise internationale pour le développement (ASDI) pour introduire les critères Iso 26000 de la RSE dans 8 pays arabes pilotes dont le Liban en plus de l'Algérie, l'Égypte, l'Irak, la Jordanie, le Maroc, la Tunisie et la Syrie (parmi lesquels 2 pays se sont retirés : la Syrie et l'Irak).

Jusqu'à présent, la collecte d'informations sur la RSE au Liban est difficile, les initiatives privées et leur évaluation sont faites librement par les entreprises. De plus, les données sont dispersées en l'absence d'une entité commune qui rassemble les informations, qui oriente les projets vers les besoins prioritaires des parties prenantes, qui empêche le gaspillage et la redondance entre les projets réalisés et qui collecte et évalue les résultats et les rapports de la RSE permettant d'avancer des propositions et des recommandations envers le secteur public. De plus, contrairement aux pays arabes où la promotion de la RSE se base sur l'intervention de l'État qui l'encadre et l'oriente, c'est le secteur privé qui prend l'initiative au Liban par des efforts individuels et dispersés en l'absence de tout encadrement de la part de l'État ou toute mesure incitative.

Étant donné que la RSE reste conçue par les États comme étant facultative et non pas obligatoire, la principale voie incitative officielle consiste à encourager cette démarche par quelques mesures (exemptions fiscales, crédits à taux d'intérêt réduits...) dans certains pays. Toutefois, de telles mesures ne peuvent être suffisantes s'il n'y a pas un recours à des référentiels et des dispositifs assurant le cadre nécessaire pour le développement et l'évolution de la RSE, comme notamment le Global Compact, les normes Iso 26000. L'adhésion à de tels dispositifs importe aux entreprises notamment pour bien se positionner par rapport aux parties prenantes, dont surtout les concurrents et les clients, qui influencent directement leurs parts de marché. D'autant plus que la publication de rapports de RSE (CSR reporting) joue également un rôle important dans la définition d'indicateurs et la mise en place de systèmes internes facilitant l'avancement dans la lignée de la RSE.

Toutefois, plusieurs critères de mesure de la participation sociale de l'entreprise envers ses employés sont connus et retenus déjà dans plusieurs pays de la région qui appuient la démarche vers la responsabilité sociale des entreprises... Notons principalement les critères de mesure de la participation sociale de l'entreprise envers ses employés, les critères de mesure des coûts des activités relatives à l'amélioration de la relation avec les parties prenantes (agents) et les critères de mesure de contribution de l'entreprise envers la société et l'environnement...

Une enquête menée par l'auteure auprès de plusieurs entreprises engagées dans des projets de RSE au Liban montre la faiblesse du Liban dans ce domaine par rapport à plusieurs autres pays de la région en raison de plusieurs obstacles qui empêchent l'institutionnalisation et le développement de la RSE.

Si l'initiative du secteur privé libanais en matière de RSE est prometteuse, plusieurs difficultés empêchent aujourd'hui son évolution... L'absence de dialogue entre le secteur privé et le secteur public sur ce thème actuel qui est au centre des débats socioéconomiques à l'échelle régionale et internationale, la dispersion des données concernant la RSE au Liban, le manque de collaboration entre les entités concernées (chercheurs, professionnels, ministères, syndicats...) et par la suite le faible lobbying de la part des acteurs de la société civile ne font que ralentir le processus de la RSE... Il est vrai que la situation actuelle au Liban met en relief d'autres dossiers prioritaires (le dossier présidentiel et électoral, le blocage des institutions publiques, l'assistance indispensable aux réfugiés...). Toutefois, les défaillances de l'État surtout à répondre aux besoins sociaux et environnementaux croissants exigent des efforts plus pertinents pour inciter davantage le secteur privé à intervenir auprès des acteurs de la société civile pour assurer le succès de la RSE au Liban.

Par Siham RIZKALLAH

Maître de conférences à l'Université Saint-Joseph

**********************************************************************************

http://www.rse-magazine.com/L-introduction-de-la-RSE-au-Liban-et-dans-son-entourage-arabe_a1921.html

07/11/2016


L'introduction de la RSE au Liban et dans son entourage arabe

Dr Siham Rizkallah


La Responsabilité Sociale des Entreprises (RSE) est un nouveau concept qui se développe progressivement au Liban et dans son entourage arabe visant la contribution au Développement Durable (DD). Ce nouveau concept qui s’avère au centre du débat socio-économique au Liban et dans la plupart des pays arabes voisins reflète des enjeux et des défis majeurs aussi bien pour les entreprises privées que pour les Etats et les sociétés civiles qui devraient accompagner son développement pour en tirer les meilleurs résultats souhaités. Quelles sont les principales initiatives de RSE au Liban et dans son entourage arabe ? Et comment les résultats souhaités sont-ils liés à la collaboration entre les trois entités : secteur privé, secteur public et société civile.


Les débuts de la RSE au Liban

Par définition, la RSE conduit l’entreprise à viser au-delà de son objectif économique traditionnel, qui se traduit par la maximisation du profit, pour tenir compte de l’impact de son activité sur les différentes parties prenantes et sa contribution au DD. Une telle perspective qui favorise la « bonne image » et la « réputation » de l’entreprise aux yeux des différents agents économiques, reflète également l’engagement de l’entreprise à partager une part de ses profits avec la société où elle opère afin d’améliorer son bien –être et son développement.


Dans la majorité des pays arabes, la RSE fait toujours face à une multitude de défis malgré le choc positif réalisé par le sommet arabe de la RSE qui s’est tenu en 2015 et malgré le soutien de l’Etat pour la plupart des initiatives en matière de RSE sauf au Liban où le secteur privé demeure la dynamo du système économique libéral. Dans le pays du Cèdre, l’introduction et la promotion de la RSE repose toujours essentiellement sur l’initiative libre, facultative et volontaire de certaines entreprises privées qui amènent leurs concurrents du même secteur à les suivre pour préserver leur part de marché.

La percée de la RSE au Liban de distingue donc de son entourage par le fait qu’elle résulte d’une initiative libre du secteur privé libanais, quoique l’institution publique Libnor, attachée au ministère de l’Industrie et membre d’ISO internationale a géré un projet d’intégration des critères RSE sur la période 2011-2014. Le statut de Libnor ne suffit pas pour considérer que l’Etat joue un rôle dans la promotion de la RSE au Liban, puisque Libnor a appliqué un programme indépendant financé par l’Agence Suédoise Internationale pour le Développement (ASDI) pour introduire les critères ISO26000 de la RSE dans 8 pays arabes pilotes dont le Liban en plus de l'Algérie, l'Egypte, l'Irak, la Jordanie, le Maroc, la Tunisie, et la Syrie (dont 2 pays se sont retirés: la Syrie et l'Irak) sans aucune décision officielle de l’Etat.

Il en résulte que la situation de la RSE au Liban reflète une absence remarquable de collecte d’informations sur la RSE ainsi qu’une difficulté d’accès à l’information et un manque criant de coordination entre les différentes entités concernées par la RSE (chercheurs, professionnels, entreprises, ONG, syndicats, administrations publiques, médias..). La dispersion de l’information, le manque de coordination et l’absence d’orientation constitue des obstacles majeurs quant à la répartition efficace des interventions sociales des entreprises, la réalisation d’une complémentarité pour répondre aux besoins des parties prenantes et l’évaluation délicate de l’introduction de la RSE aboutissant à la contribution souhaitée au DD. Toutefois l’engagement libre des entreprises privées libanaises, même si parfois sous la pression de la concurrence et la recherche d’augmentation de la part du marché, est prometteur et ne nécessite qu’un effort pour lui assurer le cadre indispensable pour son évolution.


Les autres initiatives arabes de RSE

Un bref aperçu sur l’évolution de la RSE dans les autres pays arabes permet de réaliser une grande différence par rapport au Liban, résultat de l’intervention de l’Etat dans ces autres pays.


Au Bahrein, le ministère de l’Industrie et de Commerce a mis en place un comité d’études des normes internationales ISO26000 et a lancé un guide d’orientation des institutions pour l’intégration de la RSE.


A Oman, les entreprises privées et publiques jouent un rôle social remarquable par l’octroi d’aides aux détenteurs de revenus fixes.

En Jordanie, un Forum jordanien sur la RSE a été lancé pour diffuser les principes de la RSE.


Aux Emirats Arabes Unis, l’Académie des Emirats Arabes Unis pour la RSE a été lancée pour la mise en place de programmes académiques et de sessions de formation sur la RSE.


En Arabie Saoudite, des programmes sur la RSE sont mis en place pour la création de départements de RSE dans les différentes organisations et institutions dans les domaines de l’Education, la santé, la culture, le sport, la formation, la sensibilisation ... en plus de la création du Conseil de la RSE qui s’occupe du soutien des projets de RSE permettant le Développement de la société et la mise en place de ses besoins.


En Egypte, une stratégie nationale pour le soutien et la diffusion des principes de la RSE est déjà mise en place, en plus du lancement de l’indice égyptien de la RSE pour devenir le premier pays arabe qui adopte et applique cet indice.


Au Koweit, les opérations de charité se font toujours à travers des départements internes au sein des entreprises sans évoluer vers la RSE.


Au Qatar, la RSE est toujours limitée, quelques entreprises se contentent de faire des opérations de charité dans des domaines ciblés.


En Palestine, un fond de la RSE a été créé pour soutenir la société civile et les projets qui permettent le développement.


Ampleur et critères de mesure

Ces différents initiatives/tentatives en matière de RSE montrent que les activités de RSE ont augmenté de manière remarquable récemment, toutefois il s’avère rare d’assister à une vraie coordination entre les projets de RSE réalisés et les objectifs de DD souhaités.

Pour cela, il importe de définir l’objectif de la RSE dans ces pays (compenser la défaillance de l’Etat dans la réalisation des besoins de développement socio-économiques, partager les profits avec les parties prenantes pour gagner en termes de réputation et de part de marché, favoriser le développement durable en respectant ses trois piliers : économique, social et environnemental).


Il importe aussi d’étudier l’ampleur de la RSE qui se manifeste par:

  • Le nombre croissant des entreprises qui ont joint l’accord mondial des Nations Unies qui constitue une initiative politique stratégique pour les entreprises engagées de concilier leurs stratégies avec les principes relatifs aux droits de l’Homme, la protection de l’environnement, la lutte contre la corruption…

  • La fixation des meilleures pratiques de RSE par la participation des entreprises leaders de manière claire et efficace dans l’orientation de la stratégie de la RSE à l’interne et à l’externe.

  • L’amélioration de la Bonne Gouvernance qui permettrait d’encourager la transparence pour mener un dialogue clair et précis sur les questions relatives à la RSE avec les entités concernées.

  • La création d’un environnement adéquat pour la RSE qui nécessite un rôle encourageant de la part des Etats aux entreprises appliquant la RSE à travers des mesures incitatives (exemptions fiscales, crédits bonifiés à taux d’intérêt réduits..).

  • L’introduction de la RSE dans les cursus académiques surtout dans les Facultés d’Economie et de Gestion afin de promouvoir ses principes auprès des futurs professionnels et faciliter son intégration dans les stratégies de leurs entreprises.

Toutefois, de telles mesures ne peuvent être suffisantes s’il n’y a pas un recours à des référentiels et des dispositifs assurant le cadre nécessaire pour le Développement et l’évolution de la RSE, comme notamment le Global Compact, les normes ISO26000.


Par ailleurs, plusieurs critères de mesure de l’intervention sociale de l’entreprise sont retenus, à savoir :

  1. Ratio : Salaires, récompenses, bonus / nombre des salariés

  2. Ratio pour chaque employé : coûts de la contribution de l’entreprise aux coûts de formation et de Développement/ somme des salaires payés aux employés

  3. Ratio : Nombre d’accidents par an/Nombre d’heures de travail effectif annuel

  4. Ratio: Nombre d’employés ayant quitté l’entreprise par an/Total des employés

  5. Ratio de mesure des dépenses en recherche et amélioration de la qualité des produits et services/Total des coûts des produits et services

  6. Ratio des questions et problèmes auxquelles l’entreprise a répondu/Total des questions et problèmes soulevés par les parties prenantes

  7. Ratio : coûts de contribution de l’entreprise aux activités sociales/ Total des coûts des activités sociales auxquelles l’entreprise a participé

  8. Ratio de contribution de la société à la création d’emplois : employés de l’entreprise/ Total des employés dans le pays

  9. Ratio : coûts de contribution de l’entreprise à la protection de l’environnement/ Total budget de Recherche et Développement des entreprises de la région

  10. Coûts de participation de l’entreprise à l’amélioration de l’infrastructure/ Total des contributions des entreprises de la région


Vers un espace de collaboration ?

En conclusion, l’application de critères de référence et de mesure du degré d’introduction de la RSE, l’application de moyens de communication et d’évaluation de la RSE nécessitent une collaboration étroite entre les différentes parties prenantes concernées. Les efforts du secteur privé seul au Liban, le soutien de l’Etat et son orientation principale dans plusieurs pays arabes, les études académiques en l’absence de dialogue avec le monde professionnel et les initiatives dispersées de la société civile par ses différentes ONG ne permettent pas jusqu’à présent de réaliser les résultats souhaités. Reste à voir dans quelles mesures la création d’un espace commun de collaboration entre ses différentes entités est-il possible et permet-il d’améliorer les résultats.


Dr. Siham Rizkallah est Maître de Conférences à l'Université Saint Joseph de Beyrouth, Faculté de Sciences Economiques, spécialisée en Economie Sociale et Economie Monétaire. Dr. Rizkallah est conseillère Economique et Sociale et membre de comités de pilotage de plusieurs projets réalisés par le ministère des Affaires Sociales au Liban, le Centre d’Analyse des Différends et leurs Modes de Solution (CADMOS) au Liban et à l’étranger et par plusieurs ONG locales et internationales qui s’occupent de projets de Développement socio-économique. Elle a aussi plusieurs articles qui se rapportent à la Responsabilité Sociale des Entreprises, le Développement Durable et l’économie sociale appliquée.


Tags : développement durable, entreprises, Liban, pays arabes, RSE

****************************************

Quels Mécanismes possibles pour la RSU ?

Vers des Universités Socialement Responsables…

www.csrsa.net/post/1167

Dr. Siham Rizkallah (Maître de conf à l’Université Saint Joseph)

La Responsabilité Sociale des Universités (RSU) est devenue au centre des débats académiques et professionnels avec l’ampleur que prend de jour en jour la Responsabilité Sociale des entreprises (RSE) et des Organisations (RSO) de manière générale depuis la diffusion de la norme ISO26000. Si l’objectif ultime est d’avoir des entrepreneurs professionnels socialement responsables dans le futur, quels seraient les moyens de les imprégner par le concept de responsabilité Sociale dès leur parcours universitaire à travers les meilleurs mécanismes de mise en place de la RSU ? Il s’agit alors de s’interroger sur les critères de la Responsabilité Sociale des Universités RSU, les volets d’intervention qui en découlent, l’historique de la RSE et les différentes procédures de son application..

**********************

Le rapport final sur le projet EU- USR [février 2015] a défini la RSU comme étant la Responsabilité des Universités vis -à -vis de l’impact de leurs décisions et activités dans la société et l’environnement grâce à des stratégies transparentes et éthiques. Les normes de référence pour la responsabilité sociale de l’université dans l’espace européen de l’enseignement supérieur couvrent les préoccupations concernant la responsabilité sociale basée sur ISO 26000 à travers des critères tenant compte de la nature, de la mission et des valeurs du secteur de l’enseignement supérieur européen.

Ainsi, le projet de l’UE- RSE est considéré comme une contribution au Développement et la promotion de la dimension sociale de l’Enseignement Supérieur à travers l’échange d’expériences en termes de :

  • Gouvernance

  • Travail

  • Environnement

  • Opération

  • Engagement et Développement communautaire

  • Droits de l’Homme et citoyenneté démocratique

Sachant que le rapport EU- USR [2015] souligne que selon les parties prenantes concernées, la RSU est importante comme :

*Moyen de promouvoir la citoyenneté et la croissance durable

*Mission obligatoire pour les universités liée au fait que l’éducation est un bien public et les institutions d’enseignement supérieur ont un engagement social envers la société ou elles opèrent.

*Gamme de politiques et de pratiques variées qui influencent la stratégie interne des établissements d’enseignement supérieur.

*Atout de la compétitivité qui contribue à améliorer la réputation des universités.

*Responsabilité éducative à intégrer comme cours dans les domaines de l’Economie et de la gestion, en plus de l’orientation de l’Education en général vers la prise en compte de valeurs sociales.

Les volets de la RSU :

  • Volet de la connaissance : les économistes et les chercheurs académiques ont convenu que la connaissance constitue la force principale qui influence l’évolution et le développement de toute société. Ceci à travers :

-L’amélioration des systèmes d’enseignement supérieur et l’accès des bénéficiaires à ses services

-Le développement des structures de recherche, d’innovation et de développement

-Le développement des applications de la connaissance pour la réalisation de meilleurs profits

-L’institutionnalisation des concepts et des valeurs d’éthiques liées à la responsabilité sociale.

  • Volet du renforcement du tissu social : les universités ne peuvent pas être isolées des besoins de la société ou elle opère et elles doivent élargir leurs activités pour couvrir les différents services d’ensemble et la recherche comme le renforcement des relations entre les différentes catégories.

  • Volet de l’Environnement et des ressources naturelles : la RSU vise en grande partie la protection de l’environnement et des ressources naturelles pour répondre aux besoins des générations actuelles ainsi que des générations futures. De plus, ce volet vise la formation de citoyens qui apprécient la protection de l’environnement et des ressources naturelles et des citoyens qui préservent les ressources naturelles et contribuent à son développement et à la bonne gestion de ses ressources pour le bien-être social.

  • Volet de l’engagement des travailleurs, dans le secteur de l’enseignement supérieur (éducatifs, académiques, employés de services généraux…)

  • Volet de l’engagement envers les étudiants par différents types de facilités et de services et en formation en matière de RS et leur soutien pour trouver un emploi dès l’obtention de leur diplômes ou à lancer des petits projets et faciliter leur inclusion sociale.

L’historique de la relation entre l’université et la société permet de distinguer plusieurs phases:

-La première phase concerne la période ou les universités n’offraient que des études de philosophie et de liturgie [Hassan 1990]

-La phase durant laquelle les universités commencent à s’intéresser à la recherche dans les sciences.

-La troisième phase est celle résultant de la révolution industrielle et technologique ou paraissent les problèmes socio-économiques et politiques. A partir de là, les universités commencent à s’intéresser à l’intellectuel et à la formation des jeunes aux professions de haut niveaux qui dépassent les questions justes juridiques et philosophiques et religieuses pour atteindre les études scientifiques et les applications socio-économiques [Jamaledine, 1983]

-La quatrième phase concerne la relation entre les universités et la société a été imposée par les bouleversements et modifications locales et internationales qui cherchent à prendre en considération les problèmes et les besoins liés à l’environnement et aux besoins sociaux

-La phase actuelle caractérisée par la vitesse de l’évolution et du développement qui rend de plus en plus difficile à l’université de répondre aux besoins sociaux croissants diversifiés et en évolution continue. [Hassan, 1990].

Procédures pour l’Application de la RSU :

Les réalisations souhaitées en matière de RSU nécessitent la mise en place d’un plan stratégique pour la RSU, la formation d’un comité qui surveille les activités de la RS, la détermination des parties prenantes et leurs différentes attentes des programmes de RS et l’élaboration d’études et de recherches.

Les procédures relatives à la mise en place et au développement de la RSU nécessitent de tenir compte aussi bien de ses fondements théoriques que de ses modes d’application en pratique.

-La liaison indispensable entre la théorie et les pratiques en matière de RSU.

-La nomination d’un coordinateur de la RS chargé de concilier entre ses fondements théoriques et le suivi de son application en pratique dans les différents secteurs..

-L’intégration de la RSE et ses principes dans les programmes scolaires et universitaires insistant sur le rôle du volontariat au service de la société.

-La réalisation d’études et de recherche approfondies sur la RS et l’encouragement des publications et des débats qui la concernent…

-La diffusion de la culture sur la RSE dans les institutions universitaires en particulier à travers les programmes d’études, les services de formation et les activités parascolaires et para universitaires, la publication de rapports et de sites sur la RS, ainsi que la création d’une plateforme spécifique sur la RS.

-La mise en place d’un cadre général sur la contribution des différents membres de l’institution a la RS à travers l’organisation de sessions spécialisées sur les besoins prioritaires de la société dans le domaine de la planification, l’exécution et l’évaluation des projets de RS, l’organisation de conférences, ateliers, colloques, tables rondes et des débats sur le droits de la femme, la citoyenneté, la culture sociale..

-L’élaboration d’un indicateur RS basé sur des critères spécifiques et claires qui précisent les résultats de programmes de RSU.

-L’adoption des principes de DD dans les différents secteurs et le développement de la RS par le renforcement des cadres spécialises en RS.

-la participation à des conseils de gouvernance des universités en vue de l’augmentation des liens entre les universités et la société.

Notons que les grandes institutions d’enseignement sont appelées à jouer un rôle déterminant dans l’institutionnalisation de la RS par des plans stratégiques qui comprennent l’élaboration d’études, la mise en place de procédures de mesure et d’indicateurs permettant d’évaluer la réussite, ce qui permettrait de passer du concept d’offre de service de volontariat à celui d’application du concept de RS qui exige une révision des étapes d’évolution des relations de l’institution et la vérification des besoins et des intérêts de la société.

Il est vrai que le sujet de la RSU n’est pas récent de point de vue son contenu, mais il est en termes de débat actuel du fait de la prise de conscience de la nécessite de son institutionnalisation et son intégration dans les programmes des universités ainsi que ses rôles et ses outputs…

A savoir que pour les institutions d’enseignement devraient jouer leur rôle actif en matière de RS à travers les interventions des unités et individus, il importe de tenir compte de :

  • La réponse au manque en matière de revue de littérature théorique relative à la RS à travers des publications spécialisées et des recherches méthodologiques dans ce domaine.

  • Le développement de la culture des individus et des institutions sur la RS en général et la RSU en particulier.

  • L’institutionnalisation de la RS par son intégration dans les plans de l’université, ses objectifs et ses mesures ainsi que les volets de l’évaluation de ses différentes procédures d’évolution.

  • L’intégration du concept de la RS dans les matières enseignées et les décisions académiques.

  • L’implication de la RS dans la stratégie même de l’université se basant sur des études et des recherches pour répondre aux besoins de la société dans ses différentes catégories de manière continue.

  • La création d’une unité spécialisée à l’université chargée du dossier de la RS et du suivi des réalisations des différents niveaux dans ce domaine.

  • L’Organisation de colloques annuels en collaboration entre l’université et le ministère de l’Education et de l’enseignement supérieur ou toute autre organisme public chargé de la RS dans le pays pour le suivi des démarches RSU et le développement des mesures incitatives qui encouragent les autres institutions à rentrer dans la compétition vers plus d’innovation et de succès de la RS.

A partir de là, il s’avère que les plans de développement de la RSU dans le futur doivent reposer sur la prise en compte des besoins de la société et des intérêts de ses parties prenantes, la reconnaissance du rôle social des institutions d’enseignement supérieur et la mise en place des stratégies de sensibilisation sur les pratiques de RSU, la reconnaissance de l’importance des normes ISO 26000 sur le Développement de la RSU, la mise en place de normes de référence nécessaires pour le développement de la RSU… Ces objectifs nécessitent une documentation et une identification des pratiques RSU intéressantes ainsi que la consultation des parties prenantes concernées. La RSU serait ainsi un pilier principal de diffusion et de mise en place de la RS de manière plus large englobant la RSE (Responsabilité Sociales des Entreprises) et la RSO (Responsabilité sociale des Organisations) traçant le chemin du Développement Durable.

-------------------------------------------------

https://www.annahar.com/article/662717

المسؤولية الاجتماعية للشركات في مواجهة أزمة اللاجئين - د. سهام رزق الله المصدر: النهار 15 أيلول

2017

أصبح الأثر الاجتماعي والاقتصادي لأزمة الهجرة، لا سيما مع تزايد تدفق اللاجئين منذ بداية الأزمة السورية، يشكل

أمرا محورياً في النقاش الاجتماعي والاقتصادي على الصعيدين الوطني والإقليمي. وقد تجاوز التدفق غير المحدود للاجئين المهاجرين قدرات الدولة وإمكانات المنظمات الإنسانية لتشكل تحديا كبيرا للاقتصاد الاجتماعي والقطاع الخاص المسؤول اجتماعيا.

كيف يمكن تحقيق مثل هذا التدخل وما هي تحديات تحويل أزمة المهاجرين واللاجئين إلى فرصة لتنمية البلدان المضيفة؟

يبدو الاتجاه العام هو النظر إلى تدفق المهاجرين واللاجئين كعبء ثقيل على مؤشرات التنمية المستدامة للبلدان المضيفة، والتحول إلى مصادر حقيقية للتنمية في هذه البلدان. ويتطلب هذا التحول بالتأكيد وضع استراتيجيات لتمويل مشاريع التنمية التي تزيد من حجم "الكعكة" بدلا من القلق بشأن تقاسمها بين عدد أكبر من المستفيدين .

والهدف من ذلك هو إشراك الشركات اللبنانية المسؤولة اجتماعيا والجهات الفاعلة في الاقتصاد الاجتماعي (المنظمات غير الحكومية المحلية، والتعاونيات، والمجتمعات المتبادلة، وما إلى ذلك) في استراتيجية شراكة مع الدولة والوكالات الدولية التي تعزز إدماج اللاجئين في نظام الصحة والتعليم والتدريب المهني لتوجيههم نحو القطاعات التي تحتاج إلى العمل ...

من هذه النقطة، نتفهم مشاركة الشركات الكبيرة مثل غوغل (1.1 مليون دولار أميركي و5.5 ملايين دولار أميركي لكل صندوق متطابق) لدعم اللاجئين السوريين، (مع 1.1 مليون دولار) لدعم برامج الطوارئ المحلية، فضلا عن إريكسون، فولفو، زارا ... وأيضا العديد من أندية كرة القدم الأوروبية والعديد من المنظمات غير الحكومية الدولية (مثل إنقاذ الطفولة) كجهات فاعلة في المجتمع المدني تسعى إلى دعم اللاجئين وإدماجهم في النسيج الاجتماعي والاقتصادي للبلدان المضيفة وتسهيل حصولهم على التعليم والرعاية الصحية والحماية الاجتماعية ...

ومع ذلك، إذا كان بعض الشركات الألمانية لا تزال مترددة في الاستثمار في التدريب المهني للاجئين، وذلك بسبب خطر طردهم ... إلا أنه ينبغي الإشادة بمشاركة القطاع الخاص وحرصه على المساهمة في معالجة التحديات الاقتصادية - الاجتماعية التنموية...

وفي حالة لبنان، كان تأثير الأزمة السورية وتدفق اللاجئين السوريين حاسماً ويطغى على المؤشرات الاجتماعية والاقتصادية والتنموية المستدامة.

وتظهر تقارير البنك الدولي [2014] انخفاضاً في معدل النمو الاقتصادي بين عامي 2012 و2014 بمقدار 2.9 نقطة، أي بزيادة في عجز الموازنة بمقدار 2.6 مليار دولار أميركي، نتيجة زيادة في النفقات المختلفة (في البنية التحتية، والتعليم، والحماية الاجتماعية، والكهرباء، والمياه، وما إلى ذلك)، وزاد عدد اللبنانيين تحت خط الفقر البالغ عددهم 170 ألف شخص إضافي...

وأظهرت دراسة أجرتها جامعة القديس يوسف أن 20٪ من اللاجئين غير مسجلين وأن السلطات اللبنانية تحتاج إلى تصريح إقامة للاجئين الذين تزيد أعمارهم على 14 عاماً، في حين أن العديد من اللاجئين لا يزال وضعهم غير قانوني.

وفي الواقع، فإن لبنان، المتّسم بالفقر في الموارد والإفراط في المديونية بأكثر من 75 مليار دولار أميركي أو 175٪ من الناتج المحلي الإجمالي وفقا لميزانية عام 2017 غير قادر وحده على مواجهة مثل هذه الأزمة.

وفي ما يتعلق بالتمويل اللازم والمساعدة التي تلقاها لبنان، تجدر الإشارة إلى أننا يحتاج، وفقا لأرقام برنامج الأمم المتحدة الإنمائي، إلى أكثر من 2.48 مليار دولار أمريكي لتغطية تكاليف استضافة اللاجئين، لم يتلق حتى الآن سوى نصف الدعم المطلوب منذ عام 2015 وفقا للخطة التي وضعتها الدولة اللبنانية.

واليوم، يحث لبنان على تقديم مساعدة عاجلة من جميع القطاعات على أساس تخصيص 36٪ من الأموال لمجتمع اللاجئين اللبنانيين (الرعاية الصحية والتعليم والطاقة وغيرها) والباقي للخدمات الإنسانية السوريون ولبنان الذين يعرفون أن 71٪ من اللاجئين السوريين في لبنان يعيشون تحت خط الفقر و8٪ منهم يعانون من الفقر المدقع و 28.5٪ تحت خط الفقر.

إذا كانت الدولة اللبنانية وحدها غير قادرة على مواجهة هذه الأزمة، وما زالت المساعدات الدولية غير كافية، فإن القطاع الخاص اللبناني هو المسؤول اجتماعيا وأصبحت الجهات الفاعلة في الاقتصاد الاجتماعي أكثر انخراطا.

المسؤولية الاجتماعية للشركات في لبنان وأزمة اللاجئين

خلافا لمعظم البلدان العربية، عانى لبنان من المسؤولية الاجتماعية للشركات من خلال مبادرات القطاع الخاص والطوعي من دون أي توجيه أو تنظيم أو حوافز أو مكافآت من الدولة.

وقد بدأ القطاع الخاص، كدينامو في الاقتصاد اللبناني، بإدخال مبادئ المسؤولية الاجتماعية للشركات وفقا لمعيار ISO26000 في استراتيجيات شركاتها المختلفة بما في ذلك المصارف.

وأظهر مسح أجري كجزء من أبحاثي في المسؤولية الاجتماعية للشركات في جامعة القديس يوسف أن معظم المشاريع تتمحور حول القضايا المتعلقة بالتعليم والبيئة والتنمية المستدامة من خلال إدارات محددة للمسؤولية الاجتماعية للشركات، والميزانيات، والتقارير السنوية للمسؤولية الاجتماعية للشركات.

غير أن المبادرات الجديدة تولي أهمية متزايدة لمشكلة اللاجئين السوريين في البلد.

وقد دعمت بعض المصارف اللبنانية (على سبيل المثال برنامج ماستركارد كجزء من الاستجابة الإنسانية الهائلة للأزمة السورية من خلال إنشاء مشروع قسائم إلكترونية مبتكرة في لبنان. هذه البطاقات الإلكترونية قابلة لإعادة التوزيع في أكثر من 300000 نسخة منذ عام 2013 والتي يمكن استخدامها لدى المراكز التجارية المشاركة في هذا البرنامج في لبنان.

وان كانت معظم الشركات اللبنانية غير قادرة على المساهمة على غرار الشركات العالمية الكبرى مثل غوغل وغيرها في برامج المسؤولية الاجتماعية، إلا أن تقسيم العمل والتدخل الهادف ضمن برامج المسؤولية الاجتماعية للشركات وبالشراكة مع المنظمات غير الحكومية المحلية، يسمح للقطاع الخاص اللبناني أن يدعم تنمية لبنان ووسائله التي لا غنى عنها للتغلب على أزمة اللاجئين.

في الحصيلة، أزمة اللاجئين هي مثال واضح على كيفية مناقشة السلوك التجاري المسؤول اجتماعيا اليوم والذي لم يعد خياراً يتيح بعدم التصرف في أوقات الأزمات.

كل الشركات مدعوة للمشاركة بثقة واهتمام لدى جميع أصحاب المصالح في المجتمع الذي تعمل فيه (الموظفون، العملاء، الدول، الشركات المتنافسة، وسائل الإعلام، المنظمات غير الحكومية، البلديات، الخ)

ويبقى أن نرى إلى أي مدى يمكن تحقيق شراكة بين القطاعين العام والخاص والجهات الفاعلة في المجتمع المدني من أجل تحويل أزمة اللاجئين إلى التنمية المنشودة.

الدكتورة سهام رزق الله - أستاذة محاضرة في جامعة القديس يوسف

باحثة في مركز "قدموس"

*********************************

إزدهار الجمعيات دينامو المسؤولية الإجتماعية

http://www.aljoumhouria.com/news/index/394959


د. سهام رزق الله

-

جريدة الجمهورية

الأربعاء 13 كانون الأول 2017


باتت الجمعيات والمنظمات غير الحكومية تمثّل قطاعا موازيا للقطاعين العام والخاص وتؤمّن فرص عمل ورواتب وآفاق تقدّم مهني تساهم في تعزيز مفهوم الاقتصاد الاجتماعي وتطويره.

وسط الازدهار اللافت لتنامي عدد الجمعيات والمنظمات غير الحكومية في لبنان بشكل خيالي قياسا بعدد السكان، لتتخطى أكثر من 10 آلاف جمعية ناشطة، يصبح السؤال عن دورها في تعزيز المسؤولية الاجتماعية والاقتصاد الاجتماعي والتضامني إشكالية ملحّة. إلى أي مدى تساهم الجمعيات في توجيه تمويل الشركات نحو المسؤولية الاجتماعية من جهة؟ وكيف يتبلور دورها في تعزيز قطاع الاقتصاد التضامني من جهة أخرى؟

في الواقع، إن الهدف الأساسي من مفهوم المسؤولية الاجتماعية هو حمل الشركات الخاصة التي بنظامها تبغي الربح على جعل استراتيجياتها تأخذ بالاعتبار الأثر الاقتصادي-الاجتماعي-البيئي لنشاطها أي مساهمته في تحقيق التنمية المستدامة في المجتمع الذي تعمل فيه وبالتالي تأمين أفضل نتائج

من أعمالها لخدمة المجتمع الذي تعمل فيه مع المحافظة، قدر الإمكان، على الموارد الطبيعية للاستجابة الى حاجات الأجيال القادمة.

هكذا يكون مفهوم المسؤولية الاجتماعية حافزا أيضا لإعادة توزيع جزء من فائض الأرباح من أجل قضايا اجتماعية بيئية تنموية والتعويض عن الأثر السلبي أحيانا لبعض المشاريع ونشاطات المؤسسات اجتماعيا وبيئيا.

كما يساهم داخل المؤسسات في تحسين إنتاجية الموظفين من خلال الحرص على حسن العلاقة معهم وتأمين أفضل ظروف العمل والتقديمات الممكنة والمعاملة المحترمة التي تزيد من وفائهم وانتمائهم لمؤسساتهم.

كما تحسّن المسؤولية الاجتماعية علاقة الشركات مع مختلف الفرقاء الذين هم على علاقة معها من زبائن وموردين ومساهمين وعاملين وإعلام ومنافسين في القطاع وإدارات عامة وإعلام ومجتمع مدني عبر اعتماد معايير حوكمة جيدة وتواصل دائم واحترام العقود والموجبات والشفافية والشراكة في العلاقة مع مختلف هؤلاء الأفرقاء المتأثرين بعملها والمؤثرين فيه على حد سواء.

هذا التعاون والحرص على الانعكاس الإيجابي للأعمال على مختلف مكوّنات المجتمع ينعكس بدوره إيجابا على المؤسسات وعلى صورتها بالإعلام ولدى الرأي العام مما يساهم في تحسين وتكبير حصّتها في السوق.


تبدو العلاقة متكاملة في الاتجاهين بين الشركات الخاصة والجمعيات والمؤسسات الاجتماعية لأن الجمعيات تمثّل من جهة الذراع التنفيذي للمشاريع التنموية التي ترغب الشركات المسؤولة اجتماعيا بتمويلها، كما تمثّل الجمعيات والمنظمات غير الحكومية الهيئة الرقابية للقطاع الخاص من ناحية التوعية والمتابعة للأثر الاجتماعي والبيئي لاستراتيجيات أعماله.

ما يجعلها جهاز ضغط ومناصرة لتسليط الضوء على القضايا التي تهمّ المجتمع (مكافحة التلوّث، زيادة فرص العمل، حسن توزيع الثروات، الحفاظ على الموارد الطبيعية، إحترام حقوق العمال والمنافسة الشريفة في الأسواق والحفاظ على حقوق المستهلك بأفضل معيار نوعية/أسعار...)

أما المفارقة التي ينبغي التوقّف عندها فهي أن الجمعيات والمنظمات غير الحكومية التي تمثّل الذراع التنفيذي لمشاريع القطاع الخاص في مجال المسؤولية الاجتماعية هي نفسها تمثّل أحد المكوّنات الأساسية للاقتصاد الاجتماعي والتضامني الى جانب التعاونيات وصناديق التعاضد والمؤسسات الاجتماعية التي لا تبغي الربح بل تعمل فقط لخدمة الانسان والمجتمع.

من هنا، تكون الجمعيات جسر العبور وصلة الوصل بين مبادرات المسؤولية الاجتماعية للقطاع الخاص الذي يبغي الربح ومشاريع «القطاع الثالث» (الاقتصاد الاجتماعي والتضامني) مختلف مكوناته من جمعيات وتعاونيات وصناديق التعاضد ومؤسسات إجتماعية على اختلافها.


وبذلك يتبيّن الارتباط بين المسؤولية الاجتماعية للمؤسسات من ناحية ومنظمات الاقتصاد الاجتماعي من خلال دعم منظمات الاقتصاد التكافلي كذلك اتسام مشاريع المسؤولية الاجتماعية في تحقيق المنفعة العامة والمساهمة في توزيع أرباح وحرص على الموارد الطبيعية والبيئية والحقوق العمالية.

ويتبلور التعاون والتكامل بين الشركات المسؤولية إجتماعيا ومؤسسات الاقتصاد الاجتماعي والتضامني في قطاعات ومجالات عديدة إنطلاقا من مسلمات ثابتة تجعل الأرباح الاقتصادية والمالية في خدمة المجتمع والتنمية وتساهم في تطوير الاقتصاد لهذه الغاية.


وإذا كان للجمعيات وسائر الأفرقاء المعنيين في المجتمعات من مموّلين ومستهلكين وإعلام ومؤسسات عامة وإعلام من دور في الضغط أكثر فأكثر على القطاع الخاص لأخذه أكثر باتجاه السؤولية الاجتماعية، إلا أن الحافز الأساسي لازدهار هذه البرامج في لبنان بقي متصلا بعامل المنافسة لمواكبة ركب المسؤولية الاجتماعية كسبا لتلميع الصورة وتحسين السمعة لاستقطاب أكبر حصة في السوق وآفاق الوصول الى الأسواق في البلدان المتقدمة التي تولي أولوية لسلع وخدمات المؤسسات المسؤولة إجتماعيا.

وحتى اليوم لا تزال معظم الجمعيات المنظمات غير الحكومية المتنامية بشكل سريع وخيالي في لبنان وتتميّز فيه عن مختلف البلدان العربية، ترتكز في نشاطاتها على التمويل الأجنبي لاسيما بالاستجابة الى حاجات النازحين القادمين الى لبنان بعد الأزمة السورية.

وأكثر ما يغيب عن المنظمات غير الحكومية العاملة في لبنان هو رسم خطة وقرع أبواب الشركات الخاصة الباحثة عن فرص تمويل مشاريع تنموية من شأنها وضعها على خارطة المسؤولية الاجتماعية التي تكسبها اضافة هامة ومطلوبة على بطاقة هويتها ومستقبلها في القطاع الذي تعمل فيه وفي الاقتصاد الذي تنمو وتتطوّر فيه.

قد تكون الجمعيات اللبنانية الأكثر عددا ونشاطا واستقطابا للتمويل الأجنبي بالمقارنة مع ما هي عليه في البلدان العربية المجاورة.

إلا أن دور الجمعيات والمنظمات غير الحكومية في تحقيق التواصل بين القطاع الخاص والاقتصاد الاجتماعي التضامني لايزال ضعيفا وقابلا للكثير في التطوير.


* أستاذة محاضرة في جامعة القديس يوسف وباحثة في «قدموس»


http://www.aljoumhouria.com/news/index/382600

د. سهام رزق الله-جريدة الجمهورية الجمعة 15 أيلول 2017 -

الجمعيات دينامو «القطاع الثالث»... نشاط مُكثّف وتمويل واعد

وسط زحمة التجاذب في الإقتصاد التقليدي بين القطاعين العام الخاص، والتبارز في إمكانية الاستجابة للحاجات الاقتصادية-الاجتماعية بين مقاربات تراوح من أقصى المدارس اليسارية الى أقصى التوجّهات الليبرالية، برز بقوة «القطاع الثالث» كخيار جديد صاعد.«القطاع الثالث» أو ما يُعرَف بالإقتصاد الإجتماعي التضامني والتكافلي يشمل مختلف الجمعيات والمنظمات غير الحكومية والتعاونيات وصناديق التعاضد والمؤسسات الإجتماعية.

لقد بنى ذاته بسرعة قياسية في السنوات الأخيرة ليفرض نفسه اليوم قطاعاً منظّماً يدير أكبر رساميل من الداخل والخارج، ويخلق أكبر عدد من فرص العمل بأفضل الشروط لشباب طموح يبحث عن مميّزات «قطاع ثالث» متحرّر من حصرية القطاع العام ومن ربحيّة القطاع الخاص ليجعل الموارد المالية في خدمة الإنسان والمجتمع.

الذراع التنفيذية

وإن كانت مؤسسات وهيكليات قطاع الإقتصاد الإجتماعي التضامني متعدّدة إلّا أنّ أبرزها يبقى في لبنان مرتكزاً حول الجمعيات والمنظّمات غير الحكومية التي يتنامى عددها منذ العام 2010 ليفوق العشرة آلاف منظمة ناشطة وفاعلة بين آلاف المسجّلين لدى وزارة الداخلية، (منها جمعيات صغيرة محدّدة النشاط والأهداف)، وقسم كبير منها ناشط بالتعاون مع وزارات عديدة لا سيما منها وزارة الشؤون الاجتماعية، بين الاهتمام بالرعاية للأطفال والمسنّين وشؤون المرأة المسجونين، ذوي الحاجات الخاصة، وحقوق الانسان والحفاظ على البيئة والتنمية الشاملة، فضلاً عن التعاونيات المهنية وصناديق التعاضد المسجّلة لدى وزارة الزراعة والأندية المسجّلة لدى وزارة الشباب والرياضة.

وأكثر من ذلك فإنّ ميزة الجمعيات والمنظمات غير الحكومية، وهي المحرّك الأساس لنشاط القطاع الثالث الاقتصاد الاجتماعي التضامني، هي أنها أيضاً الذراع التنفيذية لتنفيذ أيّ مشاريع تندرج في إطار المسؤولية الإجتماعية لشركات القطاع الخاص الراغبة بالانخراط في هذا المجال الصاعد عالمياً، دعماً لجعل الاقتصاد في خدمة التنمية المستدامة، أكثر من الاكتفاء بتسجيل أعلى نسبة أرباح آنية.

علماً أنّ إيجابيات هكذا مشاريع لا تحسّن فقط صورة وسمعة الشركات المسؤولة إجتماعياً، إنما تنعكس كذلك على علاقتها بمختلف الأفرقاء المعنيين والمؤثرين والمتأثّرين بأعمالها من مستهلكين وموظّفين ومساهمين ومنافسين، إدارات عامة ومجتمع مدني.

وبذلك تقوم الجمعيات اليوم بدور كبير وإستثنائي ولا تمثّل فقط قطاعاً ثالثاً إنما صلة وصل كانت مفقودة بين القطاع العام والقطاع الخاص، لإيصال مطالب المجتمع الذي بات يفضّل تقديم التمويل المباشر للجمعيات والمنظمات غير الحكومية المعروفة والموثوق بها وبمهنيتها في إدارة المشاريع والتوفيق بينها وتقديم التقارير حولها الى الجهات المانحة.

من هنا، يبدو مفهوماً إستقطاب القطاع الثالث لأكبر فرص تمويل من الداخل والخارج للتعاون معه لتنفيذ مشاريع مسؤولية إجتماعية، وتشجّع الوزارات على التعاقد مع كثير من الجمعيات للمشاركة في مشاريع عديدة، كما تطمئن السفارات والمظّمات الدولية المانحة الى تمويل مشاريعه.

قطاع جديد ثوري

وإذا كانت غالبية الشركات الكبرى تخصّص قسماً مستقلاً لمتابعة مشاريع المسؤولية الإجتماعية، فمن الضروري أن تشبك معها الجمعيات والمنظمات غير الحكومية والتأكيد على أنّ أهداف هكذا شراكة تندرج ضمن إطار استراتيجيات المؤسسات وقطاعها وخصوصيّة أسواقها، لمعرفة نوع المشاريع الذي يهمّها محلياً أو حتى دولياً، والذي يجلب لها المردود غير المُعلن من تلميع صورة واكتساب رأي عام وحصّة سوق وأرباح مستقبلية من جميع النواحي. كما على الجمعيات معرفة مدى اهتمام المؤسسات باجتذاب الشباب وخلق فرص عمل ودعم لهم حرصاً على الموارد للأجيال القادمة.

كما من المفيد أن تثبت أنّ مشاريع المسؤولية الإجتماعية تحمل إنعكاسات إيجابية على نموّها ومروديّتها على المدى البعيد بما فيه من تحسين نتائج للمساهمين ورواتب للعاملين واستقرار في التعاون مع مختلف الأفرقاء المعنيين بالسوق.

وإذا كانت غالبية الشركات والمؤسسات تميل لاحتساب المردود والنتائج على المدى القصير المنظور، وحتى عندما «تستثمر» في مشاريع مسؤولية إجتماعية، يبقى على الجمعيات والمنظمات غير الحكومية الشريكة معها في تنفيذ المشاريع أن تساعدها على التفكير على المدى البعيد، ضمن استراتيجية شاملة تنقل المستثمرين من تنفيذ مشاريع تكتيكية للمسؤولية الإجتماعية لتصبح المؤسسة ككلّ مسؤولة إجتماعياً.

وبذك وخلافاً لما كان يُعتقَد من أنّ الجمعيات تقتصر على بعض الأعمال الخيرية التي يقوم بها متطوّعون ينعمون بوقت فراغ يسمح لهم بخدمة المجتمع، باتت اليوم الجمعيات في صلب بروز قطاع ثالث جديد وثوري يخطف الأنظار عن القطاعات التقليدية، يدير رساميل كبيرة ويخلق فرص عمل لشباب ينضمّون إليه بعد مباريات ودراسة ملفات ومقابلات ويعملون فيه بشهادات عليا وكفاءات مميّزة تعزّز سيرهم الذاتية وتحمل لهم فرصاً مستقبَلية في منظمات محلّية وإقليمية ودولية... هذا «القطاع الثالث» لا يزال رغم تألّقه في بداية رحلة طويلة لا سيما وأنه ينتقل من المشاريع التنموية الى إدارة الأزمات، وهذا ما يجعله ريادياً وإبتكارياً لا سيما في منطقة تغصّ بالأزمات.

في الواقع، لا يغفل عن أحد أن معظم التمويل الذي كان يأتي تحت راية ضرورة التنمية وإعادة توزيع الثروات بات اليوم يأتي أكثر تحت عنوان مواجهة الأزمات والنزوح، لاسيما بعد الأزمة السورية وانتشار عدد كبير من النازحين في البلدان المجاورة، خصوصاً في لبنان حيث نسبة النازحين هي الأعلى بالنسبة الى عدد سكان البلاد الأصليين.

وبالتالي أصبح اليوم عنوان التمويل الأساسي هو من ناحية دعم النازحين ومستقبلاً دعم عودتهم الى بلادهم وإعادة إعمارها، ومن ناحية ثانية دعم البلدان المستضيفة للصمود وإعادة تعزيز ما تحمّلته بنيتها التحتية ومقوّماتها الإقتصادية البيئية الإجتماعية.

* أستاذة محاضرة في جامعة القديس يوسف وباحثة في مركز قدموس الدولي








د. سهام رزق الله

-

جريدة الجمهورية

السبت 03 حزيران 2017






http://www.aljoumhouria.com/news/index/368665

المسؤولية الإجتماعية للمؤسسات: تلميع صورة أو تصوير لمعة؟

المسؤوليّة الإجتماعية للمؤسسات والأعمال (Corporate Social Responsibility) مفهومٌ جديد يتصاعد طرحه في الإعلام فارضاً البحث عن التنمية المستدامة بدل الاكتفاء بالنموِّ التقليدي وتلميع صورة المؤسسات أمام الرأي العام وبدل الاكتفاء بالإعلان والتسويق الذاتي، متحدِّياً الهدف الوحيد في عالم الأعمال الذي كان يحدِّده علم الإقتصاد للمؤسسات بتحقيق أعلى مستوى ممكن من الأرباح بغض النظر عن تأثيراته على البيئة والمجتمع... فماذا تعني المسؤولية الإجتماعية للمؤسسات؟ ما هي مرتكزاتها والدوافع لاعتمادها؟ وما هي أدوار وآليات تظهيرها إعلامياً وتنموياً؟

من المتعارَف عليه أنّ مجال الأعمال كانت تسوده ركائز الإقتصاد الأساسية القائمة على «القاعدة الذهبية» لتحقيق أعلى مستوى من الربح عبر أوسع هامش بين المردود والكلفة، بغض النظر عن أيّ اعتبارات أخرى وعوامل مؤثرة ومتأثرة في محيطه على المستويات الإجتماعية والبيئية والصحّية والخلقية... وتستند المسؤولية الاجتماعية على سبع ركائز أساسية:


• مبدأ القابلية للمساءلة

• مبدأ الشفافية

• مبدأ السلوك الأخلاقي

• إحترام مصالح الأطراف المعنية

• إحترام سلطة القانون

• مبدأ احترام الأعراف الدولية للسلوك

• مبدأ احترام حقوق الإنسان


بين المسؤولية الاجتماعية والأعمال الخيرية


صحيح أنّ المستثمر يدخل في عملٍ ما لتحقيق الأرباح، إلّا أنّ الربح ليس الغاية الوحيدة من الأعمال، بل هنالك جملة من الغايات والتداعيات المنتظرة من كل عمل على مستوى المجتمع ككل من أصحاب المؤسسة، من المستثمرين، الموردين، العاملين، المستهلكين، والدولة... تتناول تحقيق مردود جيّد للمستثمر، تأمين رواتب مقبولة للعاملين، ظروف عمل آمنة وسالمة، بيئة نظيفة، نوعيّة منتجات مقبولة بأفضل الأسعار... وهذا ما يقود الى التعريف عن المسؤولية الإجتماعية للمؤسسات باضطرار الأعمال على تأمين وحماية المصلحة العامة.


وذلك يستدعي التنبّه الى جملة ملاحظات:


أولاً: إنّ هكذا أعمال لا تُعتبر من الأعمال الخيرية، لا بل إنّ القيام بأعمال خيرية مثل تقديم مساعدات طبّية ومِنَح مدرسية... لا يعفي المؤسسات من المسؤولية الإجتماعية التي ذكرناها.


ثانيا: إنّ هكذا أعمال لا يمكن أن تكون مفيدة لفئة من المجتمع ومضرّة لفئة أخرى، مثل رفع المؤسسات لأسعار منتجاتها بشكل عشوائي ما يُثقل كاهل المستهلكين وتحقيق أرباح باهظة من ثم تقديم تغطية طبّية للمسنّين في أحد دور العجزة...


دوافع ومصالح


أما الدوافع التي تشجّع أصحابَ المؤسسات على أخذ المسؤولية الإجتماعية بالإعتبار فهي تراوح بين:


-»الصورة الجيدة» للمؤسسة: بحيث إنّ اهتمام المؤسسات بالخير العام يعكس نظرة إيجابية لدى الرأي العام تجاهها ويزيد من مصداقيّتها وثقة المستهلكين بها وبمنتجاتها.


- تطبيق الأنظمة: ثمّة أنظمة وقوانين تفرض شروطاً معيّنة مثل اعتماد المسؤولية الإجتماعية في المؤسسات من ناحية منع التلوّث والمحافظة على البيئة والسلامة العامة.


- تنمية كل عمل تشكّل جزءاً من المجتمع المنوجد فيه، ويستفيد العمل من موارده مثل المياه، شبكة الطرق العامة، الطاقة... وبالتالي مسؤوليّته أن يخصّص جزءاً من أرباحه لخدمة هذا المجتمع بمختلف مكوّناته.


- إكتفاء العاملين: الى جانب الحصول على رواتب مقبولة وظروف عمل صحّية وآمنة، ينتظر العاملون في المؤسسات تسهيلاتٍ عديدة مثل بدلات النقل والتدريب، والمساعدات في الأقساط المدرسية والضمان الصحّي لأفراد العائلة... ما يؤثّر مباشرة على إنتاجيّتهم ووفائهم على المدى البعيد.


- وعي المستهلكين: المستهلكون باتوا واعين أكثر من أيّ وقت لحقوقهم وهم يعترضون على أيّ خلل في نوعية المنتجات والخدمات وعلى أيّ تلاعب بالأسعار. وتتنامى جمعيات حماية حقوق المستهلكين الى جانب مصلحة حماية حقوق المستهلك لدى الدولة، ما يحمل المؤسسات على تقديم مؤشر نوعيّة/سعر تنافسي لاجتذاب أكبر حصة من المستهلكين المحتمَلين لمنتجاتهم.


دور جماعات الضغط


وقد شهد مفهوم المسؤولية الإجتماعية تطوّراً في الإعلام ولدى الرأي العام. وكانت KLD إحدى الشركات الرائدة في مجال إصدار التقارير والتقييمات حول المسؤولية الاجتماعية للمؤسسات في الولايات المتحدة قد أظهرت أنه خلال العام 1990 كان ذِكْر عبارة «المسؤولية الإجتماعية للمؤسسات» مفقوداً في الإعلام، ثم في فترة العامين 1998 و1999 تطوّر ذِكْر هذه العبارة في الصحافة الدولية. ثمّ تبيّن أنّ مشروعيّة هذه الاستراتيجية الخارجية قد بدأت تأخذ دوراً كبيراً في المجتمع، إضافة إلى زيادة وعي المحلّلين حول تأثير المسؤولية الاجتماعية على القيمة المحتمَلة للمؤسسات.


وفي تشرين الأول 2004 رفعت ISO 26000 المتضمنة معايير المسؤولية الإجتماعية على أن يبدأ العمل بها في الربع الأخير من العام 2008.


ويتضمّن المعيار الجديد ISO 26000 أربعة جوانب أساسية للمسؤولية الاجتماعية:

• الجانب الثقافي.

• الجانب الاجتماعي الحضاري.

• الجانب البيئي والقانوني.


شروط متعلقة بالتنمية الاقتصادية.


وبين الجانب الإنساني والجانب الاقتصادي يأتي دور جماعات الضغط، مثل الحكومات والجمعيات الإنسانية والبيئية، للوقوف في وجه طمع المؤسسات وإيقاف التجاوزات التي تؤثر سلباً على الحياة الإنسانية:


دور السلطة التشريعية: يأتي دور الجانب القانوني والتشريعي لحماية المجتمع البشري بشكل عام. ويكون دور القوانين والعقوبات الصارمة المحلّية من قبل الدول والمؤسسات الإقليمية والعالمية مثل الأمم المتحدة وهيئاتها خَلْق هذا التوازن.


دور الهيئات الحكومية والدولية في دعم المسؤولية الاجتماعية: تتحمّل الهيئات الحكومية والدولية مسؤولية أساسية في تطبيق معايير «المسؤولية الإجتماعية للمؤسسات»، بحيث تقوم بسنّ الأنظمة والقوانين، تطوير نظم وآليات العمل، نشر الوعي الثقافي لدى المجتمع وتدريب المتطوّعين والقائمين على المسؤولية الاجتماعية في المؤسسات. فضلاً عن تحفيز التواصل والتنافس بين المؤسسات لتصميم وإدارة أعمال المسؤولية الاجتماعية وخَلْق تحوّل اجتماعي تجاه المسؤولية الاجتماعية.


السلطة الرابعة - الإعلام: إجراء تحقيقات عن برامج المسؤولية الاجتماعية، نشر المعرفة والتطبيقات المثلى في هذا المجال، خلق جوّ من التنافس بين المؤسسات، نشر الوعي بأهمية هذه البرامج، التواصل والانفتاح على المجتمع وخلق نوع من الحوار حول قضايا المجتمع.


وإذا كان الترويجُ الإعلامي يستند الى الصورة التي تقدّمها المؤسسة عن نفسها ومنتجاتها وخدماتها، فالمسؤولية الاجتماعية ترتكز على السمعة التي يتداولها المجتمع عن المؤسسة والتي تجعل حسّها الاجتماعي والبيئي والتنموي يتحدّث عن إنجازاتها وينمّي حصصها في السوق ويزيد من أرباحها.


ولكنّ دور الإعلام لا ينبغي أن يقتصر على الترويج للمسؤولية الاجتماعية من منطلق تلميع الصورة، بل يجب أن يتخطّاه ليحمِل المؤسسات على تصوير لمعة صورتها كمؤسسات إعلامية مسؤولة إجتماعياً عن نتائج كلّ ما تقدّمه للرأي العام وتنمية المجتمع.


* أستاذة محاضرة في جامعة القديس يوسف وباحثة


--------------------------------------------------------------------






د. سهام رزق الله

-

جريدة الجمهورية

الاثنين 20 آذار 2017


- "د. سهام رزق الله: أستاذة محاضرة في جامعة القديس يوسف- وباحثة في المركز الدولي "قدموس

بين المالك والمستأجر...أزمة السكن الى تفاقُم

http://www.aljoumhouria.com/news/index/357433


وسط عملية المد والجزر التي يشهدها قانون الإيجارات الجديد والذي بدلا من أن يقدّم حلا منتظرا من قبل مختلف الأفرقاء المعنيين بات محط بحث في سبل تجميده أو إبطاله أو الطعن به تبدو المشكلة الأساسية أبعد من القانون في حد ذاته.

تكمن المشكلة الحقيقية في غياب السياسة الإسكانية الاستراتيجية المتسمة بحس المسؤولية الإجتماعية التي تراعي مختلف المعنيين بالملف من مالكين ومستأجرين ودولة وإعلام ورأي عام...فماذا تعني المسؤولية الإجتماية لـ«السكن» كمفهوم جديد يشق طريقه حديثا أوروبيا ودوليا إنطلاقا من مبادئ ومعايير المسؤولية الإجتماعية للشركات والمؤسسات؟ ما هي مساحة القطاع العقاري في عالم المسؤولية الإجتماعية في التجارب الدولية الحديثة؟ وأي مقاربة ممكنة لها في لبنان؟


لم تعد المسؤولية الاجتماعية للشركات حكرا على القطاعات المصرفية والصناعية أو الشركات المالية والتجارية والسياحية الكبيرة والمتعددة الجنسيات...إنما باتت تتقدّم باتجاه مختلف القطاع التي تطال الناس في حياتهم اليومية بشكل مباشر سيما منها في تأمين المسكن.


هكذا استنادا الى تقاطع المصلحة العامة والاقتصاد الاجتماعي، يبدو السكن الاجتماعي مفهوم جديد يشارك أكثر وبشكل أكبر في المسؤولية الاجتماعية للشركات، المؤسسات الدولية التي تعنى بقضايا السكن والتنظيم المدني واستراتيجيات الاستثمار العقاري، فضلا عن التعاونيات والنقابات وتجمعات المستأجرين.


تأسس السكن الاجتماعي بهدف تحسين ظروف السكن للطبقات العاملة والمتوسطة وهو موجّه لأي شخص أو عائلة تعاني من صعوبات معيشية ويحق لها الحصول على مسكن «سيما بسبب عدم كفاية مواردها أو عدم تمكّنها من توفير شروط تأمينها.»


ويتم تعيين سقوف الإيجارات وفق دخل المستأجرين مقابل مساهمة الدولة في تسديد الفرق للمالك أو تقديم تسهيلات تمويل ودعم لشركات بناء تقبل بإيجارات مخفّضة أو تقديم حوافز لها من تسهيلات تمويل بفوائد مخفّضة أو تخفيضات ضريبية لمجمعات إسكانية شعبية أو تسهيلات مباشرة لشركات البناء التي تعتمد تسهيلات التأجير أو البيع إنطلاقا من هذه الشروط للفئات الأضعف في النسيج الإجتماعي.


يبقى أن ثمة ثلاثة أنواع من الدعم الممكن:


• القرض الإسكاني الاجتماعي المتاح لذوي الدخل الأعلى.

• قرض الإيجار الاجتماعي للذين ينتمون الى فئة الدخل المتوسط.

• قرض الإيجار المدعوم ليكون في متناول الفئات الأضعف للاستفادة من أدنى الإيجارات.


تعتبر المؤسسات الاجتماعية للسكن شركات خاصة، لا تبغي الربح قد تكون مملوكة من قبل القطاع العام أو الخاص أو ذات رأسمال مشترك وتكون لها حصة الأغلبية فيه. كما يكون المستأجرون أيضا مساهمين في المؤسسات بغية المشاركة في القرار في مجلس الإدارة أو الهيئة المشرفة.


وهناك أنواع مختلفة من السكن الاجتماعي:


• السكن العام أو الخاص على أساس الإيجارات المنخفضة، وتكون المساكن مبنية ومدارة من قبل هيئة عامة أو خاصة.


• السكن المدعوم المبني أو المشغّل في بعض الأحيان من قبل شركات خاصة.


• التعاونيات الإسكانية التي يتم تمويلها ودعمها من قبل الدولة وهي عادة أسهل طريق لتملك المنازل إذ إنها تميل إلى تفضيل الاستقلال المالي للأسر وزيادة المسؤولية المدنية للمالكين.


كما يمكن أن يكون السكن الاجتماعي من أي نوع، «مجموعات كبيرة»، «مجموعة صغيرة»، «جناح»...


إلا أن تناول هذا القطاع لا يزال محدودا حاليا في المؤتمرات والتقارير الدولية أو شبكات وسائل الإعلام والتواصل الإجتماعي المختصّة بالمسؤولية الاجتماعية للشركات.


في الواقع، ليس الإسكان الاجتماعي وحده الذي لا يزال غير معروف في بلادنا، بل إننا لا زلنا في طور التعريف بالمسؤولية الإجتماعية وإدخالها في صلب استراتيجيات الشركات والمؤسسات اللبنانية والمناشدة بمبادئ الإقتصادي الإجتماعي وأهميته في تحقيق التنمية المطلوبة. ولكن يكفي القول أن السكن الإجتماعي والمنازل العامة والتعاونية باتت اليوم تضم حوالي 12٪ من الأسر في أوروبا!


في لبنان، لا تزال السياسة الاسكانية الشاملة المتكاملة غائبة، ويقتصر التعاطي بدعم السكن على دور مؤسسة الاسكان في تأمين القروض المدعومة لذوي الدخل الذي يقل عن 6.750.000 ليرة لبنانية بشرط ألا يتعدى سعر الشقة 270 مليون ليرة لبنانية، أما للشقق الأغلى فيمكن أن يكون الحل بطلب القروض المصرفية بالليرة اللبنانية أيضا والمدعومة من المصرف المركزي، وإلا يبقى خيار القروض من المصارف التجارية بغير العملة الوطنية، غالبا بالدولار الأميركي، ويعجز عنها ذوي الدخل المحدود بالليرة اللبنانية خشية أي تغير محتمل في سعر الصرف خلال فترة القرض.


علما أن بين المصارف التجارية بنك الإسكان المتخصص بالقروض الإسكانية بشروط تيسيرية أيضا.. ولكن كل هذه المساهمات لا تشكّل سياسة إسكانية متكاملة خاصة في ظل أزمة متراكمة شارفت على الانفجار وهي أزمة الايجارات القديمة التي يحصل التجاذب في شأنها انطلاقا من المآخذ على القانون الجديد المطروح بمعزل عن الاشكالية الأساسية المتمثلة بغياب السياسة الإسكانية الشاملة في البلد والتي يفترض أن تنطلق من حاجات الأفرقاء المعنيين لتترجم بالاستجابة الى مطالب مشتركة ضمن استراتيجية مستدامة بعيدة المدى.


وفي هذا الإطار، لا بد من الشرح أنها تعني إلتزام المؤسسة تجاه المحيط الذي تعمل فيه من خلال مشاركتها بالنشاطات الاجتماعية والبيئية المؤدية إلى تخفيض نسب الفقر وتحسين الشروط الصحية وخلق فرص عمل وحل أزمة السكن والمواصلات وغيرها.


وفي الوقت عينه، تكتسب المؤسسات من خلال التزامها بالمسؤولية الاجتماعية حوافز اجتماعية وإقتصادية أيضاً، لأنها بذلك الإلتزام تضمن توسع رقعة عملها وقبولها من جانب السكان، بل أن منتجاتها وخدماتها تصبح أكثر تنافسية، لأن نسبة الطلب عليها سترتفع، على عكس المؤسسة التي لا تلتزم بالمسؤولية الاجتماعية وتبتعد عن محيطها الاجتماعي وبيئتها.

مقالي اليوم في جريدة الجمهورية

http://www.aljoumhouria.com/news/index/328229

.. الجمهورية - 29-09-2016

صعوبات تطور المسؤولية الإجتماعية للمؤسسات في لبنان

د سهام رزق الله - أستاذة محاضرة في جامعة القديس يوسف

المسؤولية الإجتماعية للمؤسسات مفهوم جديد يحاول أن يشق طريقه منافساً بقوة المفاهيم الإقتصادية التقليدية الساعية لتحقيق أعلى معدّل أرباح للمؤسسات، أيّاً يكن وقع نشاطها على مختلف العملاء الاقتصاديين من النواحي الاقتصادية-الاجتماعية-البيئية.

25 أيلول هو اليوم العالمي المعتمد للمسؤولية الاجتماعية الأول عام 2016 بعد أن تمّ إعلانه في كانون الأول 2015، خلال الملتقى الإقليمي الثاني للسفراء الدوليين للمسؤولية الاجتماعية، الذي نظّمته الشبكة الإقليمية للمسؤولية الاجتماعية في الفترة من 27 الى 28 كانون الأول 2015 تحت شعار «أهداف الأمم المتحدة للتنمية المستدامة 2030 الطريق الى عالم أفضل». وذلك كمبادرة من الشبكة الاقليمية للمسؤولية الإجتماعية دعماً لجهود الأمم المتحدة في نشر أفضل الممارسات في مجال المسؤولية المجتمعية.

النمو الخجول

في لبنان، لا يزال مفهوم المسؤولية الاجتماعية يتقدّم ببطء نظراً لاعتماده على المبادرة الحرة والطوعية للمؤسسات من دون أي قيد أو رقابة أو تقدير أو تشجيع أو حوافز غير المنافسة بين المؤسسات نفسها على تلميع صورتها إزاء المستهلكين لزيادة حصتها في السوق ليس إلّا. الأمر الذي يجعل نمو المسؤولية الاجتماعية خجولاً في لبنان لأسباب عديدة يمكن تلخيصها كالتالي:

1 - مبادرات غير مؤطرة وتطوعية: جميع مبادرات المسؤولية الاجتماعية للشركات والخطوات التي قامت بها الشركات اللبنانية اتخذت بشكل طوعي وحرّ في ظل غياب أي توجيه أو إرشاد أو إشراف من قبل الادارات الرسمية.

2 - ضعف المعلومات والبيانات حول المسؤولية الاجتماعية للشركات في لبنان: غياب المعلومات بغياب رصد أي مؤسسة للمعلومات المتصلة بالمسؤولية الاجتماعية للشركات في لبنان سواء في القطاع الخاص أو من حيث القطاع العام.

3 - غياب أي توجيه نحو القطاعات التي تحتاج التدخل الاجتماعي للمؤسسات فيها، ما يحصر من مشاريع المسؤولية الاجتماعية للشركات في مجالات محددة (التعليم، الصحة، البيئة...)

4 - غياب الضغط من جانب أصحاب المصالح لتطوير المسؤولية الاجتماعية للشركات (المستهلكين، العاملين، المستثمرين، الإعلام، النقابات...)

5 - عدم وجود حوافز من الدولة لتشجيع تطوير المسؤولية الاجتماعية للشركات (مثل تخفيض الضرائب أو تقديم قروض بفوائد مخفّضة للمؤسسات المسؤولة إجتماعياً...)

6 - غياب أيّ تقييم للجهود المبذولة من قبل بعض المؤسسات في مجال المسؤولية الاجتماعية أو عربون أو شهادة تقدير تميّزها عن سائر المؤسسات المنافسة لها في قطاعاتها.

7 - عدم وجود قانون أو أي نوع من التشريعات التي تشجع على التعاون بين القطاعين العام والخاص لتشجيع بعض مبادرات القطاع الخاص مثل المسؤولية الاجتماعية للشركات، لا سيما بعد تأخير بتّ اقتراح القانون المتعلّق بالشراكة بين القطاعين العام والخاص.

8 - إفتقاد أطر الحوار بين القطاع الأكاديمي والقطاع المهني من جهة وبين القطاعين العام والخاص من جهة أخرى حول المسؤولية الاجتماعية للشركات.

9 - ضعف حملات التوعية في وسائل الإعلام حول المسؤولية الاجتماعية للشركات التي لا تزال مغمورة.

10 - ندرة برامج تبادل الخبرات مع الشركات المتعددة الجنسيات في مجال المسؤولية الاجتماعية للمؤسسات بغية تسهيل سبل الالتزام بالمعايير الدولية المتصلة بها تدريجاً.

حسّ المؤسسة الاجتماعي

يبقى القول إنّ مفهوم «المسؤولية الإجتماعية للمؤسسات» لا يزال الى حد ما جديداً ويثير بعض الحذر في الأوساط الإقتصادية القَلِقة من انعكاساته على تكلفة الإنتاج وآلية احتساب المردود، خصوصاً عندما تقترن التكاليف بمردود يتخطى الإطار المادي البحت (ليقترن بسمعة المؤسسة وصورتها، حسّها الإجتماعي مع المعوزين، حرصها على البيئة والسلامة العامة وأخلاقيات المنافسة الشريفة...).

إلّا أنّ بيت القصيد يبقى في أنّ الإقتصاد هو قمّة العلوم الإجتماعية وليس في حالة صراع مع الشأن الإجتماعي، إلّا أنّ زخم قدرته على المساهمة في العمل الإجتماعي يبقى رهن المردود الذي يحققه جرّاء إنتاجية عمّاله وفعالية مؤسساته ومدى احترام الدولة والمجتمع على السواء بحرية المبادرة والربح فيه بعيداً عن التكبيل والفرض الذي يصوّر المسؤولية الإجتماعية عبئاً، بدلاً من أن تكون إحدى المبادرات التي تنطلق من الإقتصاد المسؤول وتعود بالخير عليه.

وعلى رغم الصعوبات المذكورة، تجدر الاشارة الى أنّ القطاع الخاص لا يزال مبادراً في لبنان لا بل ساعياً للتعويض عن أي تقصير رسمي بحقّ المجتمع الذي يعمل ويربح ويتطوّر فيه.


*************************************************************

http://csrsa.net/post/1003

قراءة في السياسة النقدية للمصرف المركزي اللبناني - د. سهام رزق الله

الجمعة, 27 يناير, 2017

السياسة النقدية بين تحديات سندات الخزينة وحاجات تمويل الإقتصاد

أي إتجاه لمستوى الفوائد؟

(23-01-2017)

د. سهام رزق الله (أستاذة محاضرة في جامعة القديس يوسف – كلية العلوم الإقتصادية

وباحثة إقتصادية في المركز الدولي "قدموس" )

************************

وسط احتدام السجال الاعلامي حول دور مصرف لبنان في دعم الاقتصاد الوطني من خلال سياسته النقدية ومستوى الفوائد في خضم كل الضغوط الاقتصادية والاجتماعية التي تعرفها البلاد... لا يزال القطاع المصرفي العمود الفقري لتمويل كل من القطاعين العام والخاص رغم الاتهامات بتوجيه معظم الادخار نحو سندات الخزينة والقطاع العقاري حصراً على حساب تمويل القطاعات الانتاجية..مع ارتفاع معدلات الفوائد إلحاقا أيضا بمعدل فوائد سندات الخزينة مما ينعكس على مجمل الاستثمار والنمو وخلق فرص العمل ...فما هي أبرز خيار مصرف لبنان والقطاع المصرفي في السنوات الأخيرة؟ وأي عوامل مؤثرة بمستوى الفوائد؟ وكيف يتترجم إنعكاسها على الاقتصاد الوطني ككل؟

********************************

لقد وقف القطاع المصرفي ومصرف لبنان لسنوات الى جانب الدولة والاقتصاد اللبناني، حتى في ادق الظروف واكثرها صعوبة وعمل بما لديها من صدقية محلية ودولية على استقطاب مدخرات اللبنانيين المقيمين والمغتربين ومدخرات المتمولين العرب، واعاد ضخّها في السوق اللبنانية ، إما تمويلاً للقطاعين العام والخاص وإما دعماً لاحتياطي القطع الأجنبي لدى المصرف المركزي.

كمـا ان القطاع المصرفي لم يكن محايداً في إنجاز المكتسبات التي حقّقها إنعقــاد مؤتمر

باريس 2 ، بل تميز بلعب دور اساسي وحيوي في آلية تخفيض خدمة الدين العام، وذلك إما بطريقة مباشرة عبر الاكتتاب بسندات خزينة بمبلغ يقارب 4 مليارات دولار بفائدة صفر في المئة، وهو مبلغ فاق إجمالي مساهمات البلدان الصديقة والشقيقة معاُ، وإما بطريقة غير مباشرة، عبر الإسهام في خفض معدلات الفوائد بشكل ملموس في الاسواق وبالاخص على سندات الخزينة اللبنانية.

فالمعروف أن معدل سندات الخزينة لمدة سنة مثلا هو اليوم بحدود 5.35% وهو معدل الفائدة الذي ترتبط به معدلات الفائدة للقروض السكنية إن كان القروض المدعومة من مصرف لبنان مباسرة أو تلك الممنوحة من خلال مؤسسة الإسكان وهي كذلك منذ سنوات عديدة وتحديدا منذ العام 2012، بعد انخفاضات متتالية عن مستويات مرتفعة بلغت ذروتها بحوالي 38% عام 1995...

أما اليوم فمعدلات الفائدة المعتدلة تبقى مرتبطة بعوامل عديدة وليس بمجرد قرار مركزي! ومن أبرز هذه العوامل المؤثرة بمستوى الفوائد:

أولا "مخاطر البلد" وهو عنصر هام وأساسي يمنع تراجعها بشكل ملحوظ ، على الرغم من أن البنك المركزي استمر في دعم القروض بفوائد مخفضة، لا سيما للاستثمار العقاري وللقطاعات الإنتاجية المختلفة .. ولكن بموازاة ذلك، تقوم الوكالات الدولية لتصنيف المخاطر بدراسة وضع كل بلد وفق مؤشراته الاقتصادية وغير الاقتصادية المؤثرة على اقتصاده مما ينعكس بشكل حاسم على تحديد معدات الفائدة. أضف إلى ذلك أن رفع المصرف المركزي الأميركي معدلات الفائدة لعام 2017، يزيد الضغط على معدلات متوسطة الأجل.

وهنا لابد من التوقف عند أبرز مؤشرات المالية العامة، وهي اليوم تشير الى ارتفاع الدين العام الى حوالي 75 مليار دولار، وتجاوز نسبة الدين العام من الناتج حدود 140٪ ونسبة العجزالمالي الى الناتج المحلي الإجمالي حوالي 8٪.

أكثر من ذلك من المعروف أن معدل الفائدة على سندات الخزينة بات معدل الفائدة الرئيسي الذي يقود معدلات الفائدة الدائنة والمدينة في لبنان نظرا للدور الأساسي للنظام المصرفي (أي المصرف المركزي والمصارف التجارية) في تمويل القطاع العام إن كان عبر الاكتتاب بسندات الخزينة بالليرة اللبنانية أو حتى سندات الخزينة بالدولار الأميركي، مما يعني أن الدين العام اللبناني المقسوم ظاهريا مناصفةً بين دين داخلي ودين خارجي هو عمليا دينا داخليا لأن معظم المكتتبين هم من المقيمين (بشكل أساسي الجهاز المصرفي) بغض النظر عن العملة المعتمدة لإصدار السندات.

كما أنه من الطبيعي أن يتم العمل للمحافظة على معدلات فائدة حقيقية إيجابية (وهي تساوي الفرق بين معدل الفائدة الإسمي ومعدل التضخم)، مما يستدعي إبقاء معدلات الفائدة الإسمية أعلى من معدل التضخم وإلا يصبح معدل الفائدة الحقيقي سلبيا (يعني تحت الصفر) لاسيما في ظل مستوى تضخّم لايُستهان به.

أضف الى ذلك عام 2017، يواصل البنك المركزي لعب دوره الرئيسي في الدفاع عن قيمة العملة الوطنية والثقة بالاقتصاد اللبناني ..ومن المعروف أن سياسته المعتمدة منذ سنوات ساهمت بتخفيض معدل الدولرة نظرا لجذب المودعين الى إبقاء أموالهم بالليرة اللبنانية بمعدلات فائدة أعلى من معدل الفائدة على الدولار الأميركي نظرا لفارق المخاطر بين العملتين بغض النظر عن مخاطر البلد/السوق الذي يتم توظيفها فيه.

اليوم في مطلع العام 2017، يعتزم مصرف لبنان ضخ سيولة جديدة بقيمة مليار دولار. والهدف هو تحفيز الاستثمار وتشجيع الاستهلاك والحد من البطالة. وفي التفاصيل، يحضّر مصرف لبنان لإطلاق رزمة تحفيزية إضافية بقيمة 1500 مليار ليرة أي ما يقارب مليار دولار خلال السنة المقبلة، وذلك في اطار تعميمه الوسيط الجديد الرقم 444. ويأتي هذا القرار كـتكملة للرزمات التحفيزية التي أطلقها منذ العام 2013 والتي تهدف الى دعم حركة التسليف الى القطاع الخاص وتسريع عجلة النمو الاقتصادي في البلاد. وفي هذا السياق، سيقوم البنك المركزي بضخ خطوط ائتمان لدى المصارف بمعدل فائدة يبلغ 1% بغرض تمويل قطاعات اقتصادية مختلفة بنسب فوائد متدنية لا تتخطى الـ 6%، منها القطاعات الانتاجية، قطاع السكن، البحث والتطوير، التعليم، تكنولوجيا المعلومات، المشاريع الصديقة للبيئة وغيرها، فيما حدّد سقفاً لقطاع السكن عند 60% اي ما قيمته 900 مليار ليرة.

ولهذه الحقن آثار إيجابية مضاعفة لجميع قطاعات الاقتصاد، خصوصا أن التضخم لا يزال موجود وأدوات التحكم بالأسعار محدودة. كما أن ثمة "تضخم مستورد" مرتبط بأسعار المنتجات المستورة من بلدان ارتفعت قيمة عملاتها بالمقارنة مع الدولار الأميركي الذي ترتبط به قيمة الليور اللبنانية.

كما نجحت السياسة النقدية للمصرف المركزي بزيادة الاحتياط بالذهب والعملات الأجنبية الى ما يفوق 51 مليار دولار أميركي مطلع هذا العام وارتفعت السيولة لدى المصارف اللبنانية الى حوالي 18 ألف مليار ليرة، مع وجود بنية قانونية متطورة معتمدة على نظام السرية المصرفية التي يكاد ينفرد به لبنان ليس في المنطقة فحسب، بل مع دول معدودة في العالم، من دون الاخلال بالمعايير الدولية الحديثة في الافصاح والشفافية ومكافحة الاموال غير المشروعة.

وكانت السلطات التشريعية اتخذت قرارا في العام 1986 بعدم التصرفّ بالذهب، مما سهّل قرار مصرف لبنان عدم المس بهذه السلعة الموجودة في محفظته، في غياب القناعة بجدوى المس بها، وبالأخص في ظل العجز المرتفع في ميزانية الدولة...ونظرا لما يمثّله إحتاطي الذهب من طمأنينة للعملاء الإقتصاديين.

كما ساهم مصرف لبنان بتعدي مرحلة الضغوط على إلغاء السرية المصرفية بالمساهمة الفعّالة بإقرار قانون مكافحة تبييض الأموال وإنشاء وحدة لديه متخصصة بتطبيق هذا القانون.

اما لجهة الموارد المالية في المصارف اللبنانية، فقد زادت ودائع الزبائن (قطاع خاص وقطاع غام) في القطاع المصرفي اللبناني بنسبة 5.15% (12.027 مليار ل.ل.) الى 245.616 مليار ل.ل. (162.93 مليار د.أ) في الأشهر ال11 الأولى من العام 2016 بالمقارنة مع الفترة عينها من العام السابق .

كذلك، ارتفعت تسليفات المصارف اللبنانية الى القطاع الخاص بنسبة 5.06% (4135 مليار ل.ل.) منذ بداية العام 2016 الى 85.878 مليار ل.ل. (56.97 مليار د.أ.) مع نهاية الاشهر الاحد عشر الاولى من العام 2016، من 81.743 مليار ل.ل.(54.22 مليار د.أ.) في نهاية العام 2015.

وكان مصرف لبنان أصدر جملة من التعاميم تهدف الى تعزيز المسؤولية الاجتماعية للشركات، بالإضافة إلى التعميم المتعلقة بالحوكمة ومكافحة تبييض الأموال، والتعميم 331، الذي يشجع المصارف للاستثمار في الشركات الناشئة الجديدة التي تهتم مباشرة باعتماد نهج المسؤولية الاجتماعية في العمل والمؤسسات الجديدة التي ينشئها الشباب... وإذا كانت الودائع تعكس قوة الإدخار في الإقتصاد الوطني، فالتسليفات تعكس قدرة القطاع المصرفي على المساهمة في تمويل الإقتصاد بقطاعيه العام والخاص وتحريك الدورة الأقتصادية ككل في البلاد.

ففي شهر كانون الأول عام 2013، أصدر مصرف لبنان التعميم الوسيط رقم 331 الذي يسمح للمصارف والمؤسسات المالية بالمساهمة، ضمن حدود 3 % من أموالها الخاصة، في رسملة مشاريع ناشئة وحاضنات أعمال وشركات مسرِعة للأعمال يكون نشاطها متمحورا حول قطاع المعرفة. والهدف من هذا التعميم هو تحريك آليات تأسيس شركات جديدة واعدة تعزز النمو الاقتصادي وتوفر فرص عمل جديدة.

وبفضل هندسته المالية، تمكن مصرف لبنان من استقطاب مليارات الدولارات الى لبنان، ما أثر ايجابا على ميزان المدفوعات الذي بعد تسجيله عجزا تراكميا بلغ 1.7 مليار دولار في أيار 2016، عاد ليسجل فائضا بقيمة 555 مليون دولار في أيلول 2016.

كما ساهم مصرف لبنان بتعدي مرحلة الضغوط على إلغاء السرية المصرفية بالمساهمة الفعّالة بإقرار قانون مكافحة تبييض الأموال وإنشاء وحدة لديه متخصصة بتطبيق هذا القانون.

لقد شهدنا ارتفاعا بميزانيات المصارف وبميزانية مصرف لبنان بالرغم من العجز المستمر في ميزانية الدولة والارتفاع المستمر في الدين العام.

ولا ننسى طبعا الانعكاسات الايجابية لاستقرار سعر صرف الليرة اللبنانية إزاء الدولار الأميركي منذ حوالي العشرين سنة (تحديدا منذ كانون الأول 1997)، بما في ذلك من طمأنينة على القدرة الشرائية خاصة لذوي الدخل المحدود، بعد معاناة التضخم وتدهور قيمة العملة الوطنية التي أطاحت بالطبقة الوسطي خلال سنوات الحرب اللبنانية. علما أن معدل الدولرة والهروب من الليرة في تلك المرحلة كان له الأثر الأساسي في خيار المصرف المركزي لإعادة الاستقرار في أوائل التسعينات...وحتى اليوم لا تزال السايسة النقدية وسياسة القطع في لبنان تتأثر بثلاثية: الدين العام، والدولرة وربط الليرة اللبنانية بالدولار الأميركي.

ويبقى القول أن القطاع المصرفي اللبناني لم ينخرط في توظيفات بالأدوات والمؤسسات والأسواق المالية التي تعرّضت لمضاعفات الأزمة المالية العالمية او انهارت من جرّائها. وقد سجّلت ميزانيّات المصارف ونتائجها المالية معدلات نمو جيّدة، مما طمأن المستثمرين والمودعين، المقيمين وغير المقيمين على السواء.وقد تبيّن أن إدارة المصارف اللبنانية، بالتعاون مع السلطات النقدية والرقابيّة مستمرة في سياسة امتلاك سيولة عالية، خصوصاً بالعملات الأجنبية، وهي سياسة أثبتت جدواها المصرفية والنقدية والإقتصادية عامة. كما أن المصارف مستمرة في اتّباع نموذج العمل المحافظ، وفق الأصول والقواعد المصرفية السليمة، التي يتحمّل البعض اليوم عواقب الابتعاد عنها، والتي يدعو المجتمع الدولي حالياً للعودة إليها.

من جهته، يبدو المصرف المركزي مرتكزا على:

-فعالية إدارة السيولة المتزايدة بالليرة بسبب التحويل المستمر من الدولار الى الليرة والذي يعني ثقة متزايدة بها وبالإقتصاد اللبناني الذي المربتط باستقرارها.

- المحافظة على ااستقرار الفوائد دون تعطيل توجهات الأسواق من أجل المحافظة على السيولة المطلوبة فيها.

- التحفيز على التسليف بالليرة اللبنانية مما يؤمّن المزيد من الموارد لتمويل الإقتصاد وتخفيض المخاطر على القطاع المصرفي ويؤمن دورا لمصرف لبنان في الإقتصاد (لاسيما دعم التسليفات العقارية بالليرة اللبنانية).

- العمل بالتنسيق مع الحكومة اللبنانية ووزارة المالية، على إطلاق مبادرات تستند على دعم الفوائد والإعفاء من الاحتياط الالزامي لمختلف المشاريع لتكون كلفة تمويلها منخفضة ...

يبقى القول أن الاستقرار النقدي والاستقرار في الأسعار والنمو في الاقتصاد أصبحوا مرتبطين بتطور ونمو السيولة أكثر من ارتباطهم بالمالية العامة. وبين تحديات وإمكانيات مصرف لبنان والقطاع المصرفي يبقى الرهان الدائم على حسن استخدام وادارة السيولة لحسن استفادة الاقتصاد اللبناني ككل منها إن بحجم الإقتصاد الوطني أو بتنوّع أنشطته دون المس بركيزة الإستقرار.

دكتورة /سهام رزق الله

باحثة وأستاذة محاضرة في جامعة القديس يوسف في لبنان

**************************************************************


المسؤولية الاجتماعية للشركات حلٌ لأزمة النازحين السوريين؟

الجمهورية الثلاثاء 10 كانون الثاني 2017

د. سهام رزق الله (أستاذة محاضرة وباحثة إقتصادية-إجتماعية في جامعة القديس يوسف وباحثة في المركز الدولي لدراسة النزاعات وسبل حلّها

http://www.aljoumhouria.com/news/index/345605 "قدموس")

من المعروف أن الأثر الاجتماعي والاقتصادي لتدفق النازحين الى لبنان بات يفوق قدرات الدولة اللبنانية على تحمّله ويتخطى تقديمات المؤسسات المانحة لمواجهته... فهل يمكن أن تكون مشاركة القطاع الخاص اللبناني من خلال المسؤولية الاجتماعية للشركات طريقا الى الحل؟لا يزال لبنان تحت التأثير الاقتصادي-الاجتماعي للأزمة السورية والتدفق المتزايد للنازحين السوريين الذي يخل بالتوازن الديموغرافي ويتسبب بضغط إقتصادي إجتماعي تنموي شامل، وباختناق في سوق العمل والطلب على الخدمات العامة (الماء والكهرباء والبنية التحتية ...). معدل النمو قارب الصفر بالمئة والبطالة لا تزال ترتفع.

على الرغم من التحسن الطفيف في الاقتصاد لوحظ الجمود في قطاعات السياحة والعقارات والصناعة والزراعة .. الدين العام مرتفع جدا، يلامس الـ 75 مليار دولار أميركي في مطلع العام 2017 وتقدّر نسبة البطالة رسميا بنسبة 21٪ ولكن في حالة عدم وجود إحصاءات موثوق بها، يمكن أن تصل في الواقع الى أكثر من 25٪ وقد تفاقمت مع تدفق اللاجئين السوريين.

وفق تقارير البنك الدولي، فإن أوضاع المالية العامة اللبنانية الهشة بالفعل قبل الأزمة السورية تدهورت بشكل حاد منذ بداية هذه الأزمة، وقد تسببت بانخفاض عائدات الضرائب 1.5 مليار $ بين عامي 2012 و2014 نتيجة تأثير الأزمة السورية على المناخ الاستثماري في لبنان ونشاط مختلف قطاعاته.

على خط مواز، كان ارتفاع إجمالي إنفاق الموازنة بنحو 1.1 مليار دولار خلال الفترة 2012-2014، وخاصة لتلبية احتياجات النازحين السوريين مما أدى إلى الزيادة في استهلاك مختلف الخدمات العامة (زيادة مفاجئة في استخدام نظم إدارة النفايات الصلبة والخدمات البلدية من قبل النازحين السوريين ، زيادة الطلب على الطاقة الكهربائية ، ارتفاع مصروف المياه، تدهور نظام النقل والضغط على الطرقات لا سيما في المناطق التي توجد فيها أعداد كبيرة من اللاجئين، عكار، زحلة وبعلبك أو الاتجار أكثر من الضعف في بعض الطرق ...)

أكثر من ذلك، فإن الأزمة السورية، دفعت نحو أكثر من 170 ألف لبناني إضافي نحو الفقر بينما كانت التقدريات في حدود المليون لبناني تحت خط الفقر.

وفقا لتقرير البنك الدولي، فإن 92٪ من اللاجئين السوريين في لبنان ليس لديهم عقد عمل، وأكثر من نصفهم يقبضون أجرهم أسبوعيا أو يوميا.

وقد تأثر بشكل كبير سوق العمل اللبناني بوجود اليد العاملة السورية مع العلم أن السوريين يقبلون بأجور أقل مرتين وأكثر من الأجور التي يطلبها اللبنانيون نظرا لاضطرارهم للعمل من جهة ولاختلاف كلفة معيشتهم من جهة أخرى، لاسيما مع تزايد ضغوط تكاليف العيش على اللبنانيين من ضرائب ورسوم وتكاليف خدمات الكهرباء والهاتف والتعليم والطبابة والسكن ... فضلا عن ضرورة تسجيلهم في الضمان الاجتماعي والتي تحدث كلها فوارق بينهم وبين أجور سواهم.

باختصار، إن تدفق اللاجئين السوريين بات يؤثر مباشرة وبشكل حاد على التنمية الاقتصادية-الاجتماعية للبنان، وهو لم يعد قادرا على الاستمرار بالاعتماد فقط على المساعدات الدولية التي تشح يوما عن يوم وبات التطلّع ملحا لإشراك القطاع الخاص من خلال تطوير المسؤولية الاجتماعية للشركات.

لا يملك لبنان إطارا تشريعيا للمسؤولية الاجتماعية للشركات، على عكس العديد من البلدان التي تشجع على تنمية المسؤولية الاجتماعية للشركات، وعلى عكس دول أخرى مثل فرنسا، حيث القانون دعا الشركات إلتي تضم أكثر من 500 موظف الى نشر معلومات معينة عن أدائها الاجتماعي والبيئي.

وعلى عكس الدول العربية التي تدعم تعزيز المسؤولية الاجتماعية للشركات بتدخل باشر من الدولة، فإن القطاع الخاص هو الذي يأخذ المبادرة في لبنان عن طريق الجهود الفردية والطوعية دون أي توجيه أو أي حوافز من قبل الدولة اللبنانية .

اليوم، بدأت بعض الشركات والمصارف اللبنانية تبادر بشكل خاص للبحث عن الأولويات الضرورية للتدخل الاجتماعي والتخفيف من وطأة تدفق النازحين السوريين على مؤشؤات التنمية فيه.

وقد أصدر مصرف لبنان التعميم 331، الذي يشجع المصارف للاستثمار في الشركات المبتدئة الجديدة التي تهتم مباشرة باعتماد نهج المسؤولية الاجتماعية في العمل والمؤسسات الجديدة التي ينشئها الشباب.

صحيح أن المسؤولية الاجتماعية للشركات في لبنان لا تزال في مراحلها الابتدائية، ومع ذلك، فإنها واعدة لتطوير البلاد وخاصة للتغلب على صعوبات التنمية في ظل تزايد تدفق النازحين السوريين الى لبنان.

بين أفضلية تنمية لبنان وأولوية تمويل النازحين

د. سهام رزق الله - أستاذة محاضرة في جامعة القديس يوسف - كية العلوم الإقتصادية - وباحثة في المركز الدولي "قدموس" - الجمهورية (20-02-2017)

http://www.aljoumhouria.com/news/index/352603

ضغط النازحين على الاقتصاد يزداد


وسط ضعف التمويل الدولي المخصص لتلبية حاجات نازحين فاق عددهم 40% من سكان لبنان وعجز الدولة عن تأمين البدائل في ظل عجز المالية العامة وارتفاع الدين العام وغياب السياسة السكانية، أي إشكالية أمام القطاع الخاص الساعي نحو المسؤولية الاجتماعية؟


مع بدء السنة السادسة للأزمة السورية وتداعياتها على البلدان المجاورة وتحديدا لبنان، انطلق البحث في إمكانية الاستجابة لـ «مؤتمر هلسنكي حول دعم السوريين والمنطقة» الذي استضافته الحكومة الفنلندية، وأطلق الخطة الإقليمية للنازحين وتعزيز القدرة على مواجهة الأزمة للعامين 2017-2018 بهدف مساعدة 4.7 مليون نازح سوري، و 4.4 مليون من سكان المجتمعات المضيفة لهم في الاردن وتركيا ولبنان والعراق ومصر.


حاجات التمويل


تحدّد الخطة الجديدة لمواجهة أزمة النزوح السوري 2.62 مليار دولار مخصصة لحماية ومساعدة النازحين، و 2.07 مليار دولار مخصصة لدعم المجتمعات المضيفة والاستثمار فيها.


وكان إجمالي التمويل الذي تمكنت خطة العام 2016 من جمعه 2.54 مليار دولار حتى 30 تشرين الثاني، أي ما يعادل ٥٦% فقط من النداء الذي وجهته بداية العام. وتشمل الخطة الدول الخمس الإقليمية وتضم أكثر من 240 شريكاً يتوزعون بين حكومات ومنظمات أمم متحدة ومنظمات مجتمع مدني ومانحين ومؤسسات في القطاع الخاص.


يحوز لبنان الحصة الأكبر من التمويل المطلوب بمبلغ يقارب الملياري دولار تنقسم بين مليار و131 مليون دولار مخصصة للمساعدات الإنسانية للاجئين و903 آلاف دولار مخصصة لتمكين المجتمعات المضيفة. وتستهدف الأموال المطلوبة عدة مجالات هي: الحماية، الأمن الغذائي، التعليم، الصحة، الحاجات الأساسية، السكن، المياه والصرف الصحي.


وأكثر تحديدا وفق أرقام البرنامج الإنمائي للأمم المتحدة، ان حاجة لبنان لتغطية كلفة النزوح أكبر من ذلك بكثير وهي تفوق المليارين و480 مليون دولار، وذلك وفقاً للخطة التي وضعتها الدولة اللبنانية، علماً ان المساعدات التي وصلت الى لبنان منذ العام 2015 تغطي نحو 50 في المئة من الحاجة المطلوبة.


على صعيد الحماية، يحتاج لبنان إلى 188 مليون دولار من أصل 649 مليون دولار مخصصة إقليمياً لهذا الهدف. أما في ما يتعلق بالأمن الغذائي، فهناك حاجة إلى 407 ملايين دولار عام 2017، بعدما تبيّن عام 2016 أن ٧% فقط من أسر اللاجئين تتمتع بأمن غذائي، مقارنة بـ ١١% عام 2015.


وتطالب خطة مواجهة الأزمة بمساعدات لكل القطاعات، على أساس ان 36% من الاموال المطلوبة ستعود الى المجتمع المضيف اي لبنان، وتتوزّع على الوزارات المعنية مثل الطاقة، الصرف الصحي، المستشفيات، التعليم.... أما النسبة المتبقية فتستهدف الخدمات الانسانية لمليوني شخص يقيمون في لبنان، نصفهم من اللبنانيين الاكثر فقراً، والنصف الثاني من النازحين.


المؤشرات التنموية


أفاد تقرير للأمم المتحدة انه لم يصل عدد النازحين في أي بلد الى ثلث السكان كما هو الحال في لبنان، وذلك منذ أحداث رواندا في تموز 2013. ويبدو تأثير الأزمة السورية على لبنان من خلال جميع المؤشرات الاقتصادية الاجتماعية التي تعكس التنمية المستدامة في تقرير الإسكوا (الناتج المحلي الإجمالي، والمالية العامة، والتجارة الخارجية، والبطالة، والفقر، والوصول إلى الخدمات التعليم والصحة..)


ويقسّم التقرير النازحين السوريين إلى 3 فئات إقتصادية: الفئة الأولى هي يد عاملة غير نظامية تعمل في قطاعات نظامية من دون أي تغطية وتأمينات (مثل العمال السوريين في مزارع ومصانع ومتاجر ومطاعم ...) بشكل شبه يومي وغير ثابت وغير منظّم وغير مطابق لنفس المهام التي يقوم بها اللبنانيون...مما يخلق فرقا في كلفة اليد العاملة ويشجّع على استبدالها من قبل أصحاب العمل باليد العاملة السورية غير الخاضعة للنظم والتكاليف المنبثقة.


الفئة الثانية تضم الحرفيين الذين فتحوا مؤسسات صغيرة (مثل محلات الخضار والأفران والسناك..) ويشكلون عنصر مزاحمة على الفئات ذات الأعمال المشابهة لهم من اللبنانيين...وهذه الفئة تشكّل أثرا مضاعفا على الاستقرار الاقتصادي الاجتماعي لأنها تزاحم بالمباشر أصحاب المؤسسات اللبنانية فتخلق عملا شبيها لأعمال لبنانيين دون الحاجة للتوظّف لديهم لا بل تخلق وظائف جديدة لأفرادها وأسواقا موازية للأسواق اللبنانية.


الفئة الثالثة الثرية والمتمكّنة منقسمة بين المستثمرين والتجار الذين تمكّنوا من الاستمرار في عملهم وهم يلعبون دورا إقتصاديا وماليا في لبنان أو من خلال لبنان نحو الخارج حيث تنتشر أعمالهم، والمتموّلون الذين يتحوّلون نحو الريع العقاري ويساهمون في ارتفاع الأسعار التي استفادت أيضا من استقرار وهدوء الوضع السياسي والسعي لعودة المستثمرين العرب على اختلاف بلدانهم للمشاركة في مشاريع البناء وحركة البيع والشراء للأراضي والمساكن بما يزيد عن حاجات السكن ليلامس المضاربة بالأسعار.


على خط مواز، أعلنت الأمم المتحدة، أن 71% من إجمالي عدد اللاجئين السوريين المقيمين في لبنان حاليا يعيشون تحت خط الفقر، ووصفت ظروفهم المعيشية والاجتماعية بـ»الخطيرة في أحسن الأحوال». النازحون السوريون الفقراء اختلطوا بين اللبنانين الفقراء علما أن 8 % من سكان لبنان يعانون الفقر المدقع، و28،5 % يعيشون تحت خط الفقر.


منذ العام 2014، تضاعف عدد الأشخاص الذين يعيشون بأقل من 2،4 دولار يوميا إلى 1،2 مليون نسمة مما يعني أن ما يقدر بـ 300،000 لبناني، وأكثر من 70% من النازحين السوريين يغرقون أكثر فأكثر في دوامة خانقة بين العجز المالي والديون.


في الاطار نفسه، كشف البنك الدولي في «الموجز الاقتصادي الفصلي لمنطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا« في نهاية العام 2016 أن الخسائر المباشرة التي تكبدها لبنان من جراء النزوح السوري اليه تراوحت ما بين 12 و13 مليار دولار.


خيارات الاقتصاد


وسط تراجع مختلف مؤشرات التنمية الاقتصادية في لبنان جراء تفاقم الأزمة في سوريا وتزايد الحاجات التمويلية للنازحين الموجودين في لبنان، ووسط الأوضاع الضاغطة للمالية العامة في لبنان، وضعف كفاية الدعم الدولي لتغطية التمويل المطلوب، لا يبقى سوى تدخّل القطاع الخاص للمساهمة في حل الأزمة من خلال جملة برامج تندرج في إطار المسؤولية الاجتماعية للمؤسسات.


بما أن القطاع المصرفي تحديدا هو أول وأكثر القطاعات المنخرطة في عملية إدراج مبادئ المسؤولية الاجتماعية في صلب استراتيجياته وخطط عمله، تبدو كلمة الفصل الأساسية في ملعبه.


وقد بدأت بعض المصارف في إصدار بطاقات مصرفية الكترونية بسقف محدد لمساعدة تأمين الحاجات الغذائية الأساسية للمواطنين وتتكاثر الاقتراحات لمشاريع وخدمات أخرى تصب في هذا الاتجاه من باب المساعدة المباشرة للنازحين. فيما تتولّى مؤسسات ومنظمات غير حكومية تأمين مساكن مستأجرة لبعض العائلات القادرة على الانخراط في النسيج اللبناني وتأمين الخدمات من تعليم وطبابة وغيرها خارج إطار المخيمات...


يبقى المطلوب حسن التوفيق بين توجيه جزء من تمويل القطاع الخاص نحو النازحين على حساب المشاريع التنموية الملحة والمساهمة في التنمية الاقتصادية الاجتماعية المطلوبة لجميع السكان من لبنانيين وغير لبنانيين دون فصل حاجاتهم وأوضاعهم وإمكانياتهم بعضها عن بعض.

25 أيلول ... اليوم العالمي لل"مسؤولية الاجتماعية للمؤسسات"

أي واقع لها في لبنان؟ وأي آفاق للتقدم؟

المسيرة (24-09-2016) التفاصيل في العدد 1578

د. سهام رزق الله -أستاذة محاضرة في جامعة القديس يوسف في كلية العلوم الاقتصادية

يوم 25 أيلول يصادف اليوم العالمي لل"مسؤولية الاجتماعية للمؤسسات" وهو المفهوم الذي يحدث ثورة في عالم الاقتصاد الجديد فارضا على المؤسسات الراغبة باتباعه أن تأخذ بعين الاعتبار حاجات ومصالح المجتمع الذي تعمل فيه بدلا من حصر اهتمامها بزيادة أرباحها الخاصة فقط. فما هي خلفية تطور مفهوم "المسؤولية الاجتماعية للمؤسسات" وأي قراءة لواقعه وآفاقه في لبنان؟

**********************

المسؤولية الاجتماعية كتعريف سريع ترتكز على اهتمام المؤسسة خلال تأدية عملها بالحرص على الاستجابة لحاجات المجتمع الذي تعمل فيه والمساهمة بتنميته المستدامة وليس فقط على تحقيق الأرباح.

أما الأفرقاء المعنيين بالاستجابة الى حاجاتهم فهم مختلف العملاء الاقتصاديين المعنيين بعمل المؤسسة من موظفين، زبائن، مؤسسات منافسة، إدارات عامة، هيئات مدنية من جمعيات ومنظمات غير حكومية، وسائل إعلام ... تربطها بالمؤسسة عقود عمل أو قوانين مرعية الاجراء أو أنها تتأثر بنشاط المؤسسة وتؤثر فيه من خلال تواصلها مع الرأي العام... فيكون على المؤسسة المسؤولة إجتماعيا أن تحدد حاجات المجتمع الذي تعمل فيه وأولويات المشاريع التنموية المطلوبة لتتمكّن من إدراجها ضمن استراتيجياتها.

هكذا ترتقي المؤسسة من العمل الخيري الذي ينتهي مفعوله بشكل آني (مثل تقديم مساعدة مالية لجمعية تعنى بالمقعدين في منطقة معينة) لتلتزم بالاستجابة الى الحاجات التنموية المستدامة للمجتمع (مثل تأمين البنى التحتية المناسبة لتنقلهم وتوظيفهم في مشاريعها التنموية المستدامة في مختلف مناطق إنتشارهم بحيث يصبحون مستقلين ماليا عن ذويهم ولا يعودوا بحاجة للمساعدات الخيرية).

ثمة تطبيقية عديدة للانتقال من التبرع إلى العطاء الذكي من خلال برامج المسؤولية الاجتماعية:

مجالات برامج المسؤولية الاجتماعية

المجال الفرعي

برامج البيئة الداخلية

- برامج المنتجات والعمليات (الحرص على الأثر البيئي لكل مشروع)

- برامج للسلامة والبيئة والصحة العامة (التشجير، تنظيف الشواطئ...)

برامج المشروعات الصغيرة

- برامج إنشاء المعاهد لأغراض المسؤولية الاجتماعية

- برامج مشاريع التسويق للمنتوجات المحلية للمنطق الريفية، السياحة الريفية...

- برامج مشاريع النقل والتوزيع (نقل مشترك ورحلات للمناطق الطبيعية..)

البرامج الاجتماعية

- برامج المسجونين وأسرهم : - برامج المعاقين - برامج رعاية الأطفال

- برامج مساعدة المرضى - برامج رعاية اليتيم - برامج كبار السن - برامج الأسر الأكثر حاجة - برامج التوعية الاجتماعية (ضد المخدرات، الإدمان بشكل عام...)

البرامج التعليمية والتأهيلية

- برامج التعليم والرعاية الموهوبين - برامج التدريب المستمر لموظفي المؤسسات

البرامج الاقتصادية

- برامج القروض الحسنة - برامج صناديق تأسيس مشاريع المسؤولية الاجتماعية

- برامج تمويل مشاريع المسؤولية الاجتماعية

البرامج الثقافية والاعلامية

-برامج المكتبات العامة - برامج المراكز الثقافية - برامج الأندية الأدبية والثقافية

- برامج المعارض الثقافية - برامج الندوات الثقافية

البرامج الصحية

-برامج العيادات المتنقلة - برامج الرعاية الصحية - برامج العلاج بالمجان

- برامج الصيدليات المتنقلة - برامج الادمان والتدخين برامج الأمراض المزمنة

في الواقع وبعدما تفاقمت الأزمات الإجتماعية الى حدّ تسجيل عدم قدرة الدولة على الإستجابة لوحدها الى الحاجات الإنسانية والإجتماعية للفرد أو الجماعة، ظهر بوضوح ان الهمّ الإجتماعي بات مسؤولية مجتمعية يتشارك فيها الجميع وفي مقدمهم قطاعات الإنتاج التي تعتبر العامود الفقري للإقتصاد، فتظهّر دور المنظمات غير الحكومية ودور المجتمع المدني كما تبلور حديثا مفهوم المسؤولية الاجتماعية وتطوّر بسرعة ليصبح من أهمّ المبادئ التنموية على المستويين الإجتماعي والإقتصادي، فكان من الطبيعي ازدياد إهتمام المؤسسات والشركات في ولوج هذا الباب إسهاماً في مداواة الحاجة الإجتماعية من جهة، وترسيخاً للعلاقة التوازنة الضرورية على الصعيدين الاقتصادي والاجتماعي، مع التأكيد على إضطلاع الدولة بمسؤولياتها كإطار ناظم وشريك أساسي في المهمة في إطار ما يعرف بالشراكة بين العام والخاص (PPP).

ولعل خير دليل على تنامي هذا الدور ما أظهرته الإحصاءات الصادرة عن منظمة التعاون والتنمية في الميدان الاقتصادي ( OECD) من أن مساهمات منظمات المجتمع المدني تراوحت بين 6-7 بلايين دولار سنوياً في أواخر القرن العشرين. إنطلاقاً من هذا الواقع قرّرت الشركات والمؤسسات الوازنة في الإقتصاد ـ وعلى المستويين المحلي والخارجي ـ الإضطلاع بدور متنام ٍ في المسؤولية الإجتماعية وبلغ هذا الدور حداً تنظيمياً متجانساً مع الحداثة، فتطورت التقديمات من عطاء عشوائي غير منظم وغير محدد الهدف الى دور تنموي أساسي يشكل جزءاً لا يتجزأ من أنشطتها، يعتمد على خطط ـ برامج، منظمة، وواضحة الأهداف والمعالم لمساعدة المجتمع والمشاركة في العملية التنموية بشكل فعال، يفضي الى كسب ثقة المجتمع وبالتالي ضمان النجاح في تحسين الأوضاع الإجتماعية وتثبيت الإستقرار الإجتماعي الإقتصادي المرجو.

على النطاق العربي، بدأ الاهتمام بالمسؤولية الإجتماعية يتنامى وقد أنشئت المنظمة العربية للمسؤولية الإجتماعية، التي تهدف الى رفع مستوى التعاطي مع مفهوم المسؤولية الاجتماعية على المستوى المحلي وتحويلها الى مستوى المفهوم الاستراتيجي في عمل البلديات والحكومات العربية وتعزيزها من خلال الادارة الحكيمة وتعميم ثقافتها عبر كافة الوسائل المتاحة فضلا عن تكريم المؤسسات الرسمية والحكومية الحائزة على شهادات الجودة العالمية"أيزو" في مجال المسؤولية الاجتماعية...

وقد بدأت بلدان عربية عديدة إدراج المسؤولية الإجتماعية في صلب استراتيجيات مؤسساتها:

ففي مملكة البحرين، شكلت وزارة الصناعة والتجارة عبر إدارة المواصفات والمقاييس لجنة فنية لدراسة مشروع المواصفات الدولية للمسؤولية الاجتماعية. وفي سلطنة عمان، تقوم الشركات الخاصة مع المؤسسات الحكومية بدور اجتماعي ملحوظ لمساعدة ذوي الدخل المحدود. أما في الأردن، فهنالك مشروع بناء المنتدى الأردني للمسؤولية الشركات الاجتماعية. كما تم تأسيس أكاديمية الإمارات المتحدة للمسؤولية الاجتماعية للشركات في أبو ظبي. في حين تميّزت المملكة العربية السعودية بالعديد من نماذج وبرامج المسؤولية الاجتماعية التي تقوم الشركات السعودية بتنفيذها. وفى مصر وضعت إستراتيجية دعم وطني لمزيد من الانتشار لمبادئ المسؤولية الاجتماعية للمؤسسات في البلاد.

أما في لبنان، فمن الثابت ان للمجتمع المدني دور كبير يلعبه بالتكامل والتعاون مع القطاعين الخاص والعام، فيما التحدي الأساسي في تحقيق هدفين متوازنين: تأطير دور ومدى عمل المجتمع المدني من ضمن الاستراتيجية التنموية للمؤسسات المعنية تجاه مجتمعها بمختلف مكوناته من جهة، وتأمين الربط والتواصل المفقود بين المشاريع التي تنفذها المنظمات غير الحكومية وتوجيه التمويل المطلوب لها...

مع العلم أن الاضطرابات الاجتماعية والاقتصادية الكبرى في لبنان في السنوات الأخيرة وقلّة الاستقرار السياسي والمؤسسي أظهرت أكثر فأكثر قصور الدولة في الاستجابة للاحتياجات الاجتماعية المختلفة.

كما من المعروف ان العديد من المؤسسات في لبنان كان يعتمد مبدأ " المساعدة الإجتماعية "/ أي العمل الخيري الذي ينتهي مفعوله فور تقديمه دون أن يكون ساهم في تحقيق التنمية المستدامة التي تؤمنها برامج المسؤولية الاجتماعية (مبادرات لتأمين منح مدرسية وجامعية لمتفوقين غير قادرين على تسديد أقساطهم، مساعدات طبية لحالات إستثنائية مكلفة لا تشملها تغطية وزارة الصحة، أو حالات إجتماعية صعبة يتم تسليط الضوء عليها في وسائل الإعلام طلباً للمساعدة، الخ) أو على مساهمات في أعباء وطنية كبرى كمثل ما حصل بعد إنتهاء عدوان تموز 2006 على لبنان، حين أخذت بعض المصارف على عاتقها إعادة بناء بعض الجسور المهدّمة، والبنى التحتية المدمّرة، وبعض المقومات الإقتصادية التي قوّضها العدوان). اليوم، بات من الضروري الإرتقاء بدور الشركات والمؤسسات التي تشكل العمود الفقري للإقتصاد الوطني ليصبح إلتزاماً بالمساهمة في التنمية المستدامة من خلال العمل مع المجتمعات المحلية لتحسين مستوى معيشة الناس بأسلوب يخدم الاقتصاد ويخدم التنمية في آن واحد، ولا سيما بعد صدور المواصفة العالمية ISO 26000 خلال تشرين الأول 2004 والتي تضمنت معايير المسؤولية الإجتماعية، ولا سيما في الجوانب الثقافية والإجتماعية الحضارية، إضافة الى الجانبين البيئي والقانوني، والشروط المتعلقة بالتنمية الإقتصادية.

وبغية دراسة تحديات المسؤولية الاجتماعية للمؤسسات في لبنان ، أجري مسح نوعي من قبل الباحث، كاتب هذا المقال، مع عينة من 18 مؤسسة لبنانية معروفة بمشاركتها الفعالة في تطبيق المسؤولية الاجتماعية (بنك عودة بنك البركة، البنك اللبناني للتجارة، بنك بيبلوس، فرانسبنك، بنك البحر المتوسط، بنك لبنان والمهجر، البنك اللبناني – الفرنسي، بيكاسو، فتال، مؤسسة الخطيب والعلمي، مؤسسة الجميل للصناعات الورقية، كسارا، البناء، هولسيم، أم تي سي للاتصالات، ألفا، أ ب س. وقد تم اختيارها على النحو التالي:

من جهة، تم اختيار تسعة مؤسسات كانت اختارتها مؤسسة ليبنور ضمن برنامجها لتعزيز تطبيق معايير أيزو للمسؤولية الاجتماعية. مع العلم أن ليبنور اختارت 14 مؤسسة (بما في ذلك بلدية ومدرسة وجامعة، في حين اكتفينا بالتواصل مع 11 مؤسسة لإعداد دراستنا وقد تجاوب من بينها 9 مؤسسات)

ومن جهة أخرى، تم اختيار تسعة مؤسسات لم تشارك في مشروع ليبنور ولكنها تعمل على تطوير معايير المسؤولية الاجتماعية لديها بشكل مستقل (لديها وحدات خاصة بالمسؤولية الاجتماعية للمؤسسات أو تطبق مشاريع المسؤولية الاجتماعية للشركات من خلال إدارة الموارد البشرية أو التواصل والتسويق ...). وتنشر مشاريع المسؤولية الاجتماعية للشركات على موقعها على الانترنت أو في تقاريره السنوية الرسمية.

وقد أظهرت الدراسة أن ثمة صعوبات كبرى في جمع المعلومات حول المسؤولية الاجتماعية للمؤسسات في لبنان نظرا لكون جميع المبادرات المتخذة في هذا المجال لا تزال طوعية وخاصة وتعتمد على تقييم خاص ومستقل في غياب منصة جامعة أو هيكلية تنسيق وتحديد للأولويات المطلوبة. ولكن تجدر الإشارة الى أن مبادرة المؤسسات الخاصة المذكورة متقدمة جدا إن من حيث الاعتماد على وحدات خاصة باختيار وتنفيذ ومتابعة المشاريع المتصلة بالمسؤولية الاجتماعية أو من حيث تنوع مجالات التدخل الاجتماعي-التنموي الذي تعتمده (التعليم، الصحة، البيئة والتنمية المستدامة بشكل عام). وقد أثبتت هذه المؤسسات اللبنانية الرائدة نفسها في متابعة مستجدات الأبحاث والدراسات في مجال المسؤولية الاجتماعية وقد تمكّن بعضها من إعداد تقارير سنوية حول مشاريع المسؤولية الاجتماعية التي يدعمها كما بدأ بعض منها أيضا باعتماد موازنة سنوية خاصة لمشاريع المسؤولية الاجتماعية بما يعكس التزاما واضحا باستدامتها...

إلا أن المسؤولية الاجتماعية بشكل عام في لبنان لا تزال تفتقد للتنظيم المؤسساتي في غياب أي توجيه أو أي نظام مؤشر قياس أو شهادة تقدير للمؤسسات التي تقدّم منتجات أو خدمات وفق المعايير الدولية للمسؤولية الاجتماعية. ويبدو ملحا إيجاد منصة جامعة للمسؤولية الاجتماعية تسمح بتطوير المسؤولية الاجتماعية للشركات وبتلاقي ممثلين من قطاع الأعمال والمنظمات غير الحكومية والنقابات والمستثمرين لمناقشة القضايا المتعلقة بالمسؤولية الاجتماعية للشركات ومساهمتها في التنمية المستدامة ..ويؤمن توحيد الجهود الخاصة والعامة وكذلك الجهود التي يبذلها المجتمع المدني من خلال التشبيك بين المنظمات غير الحكومية المحلية والوكالات المانحة المحلية والدولية ....

ويكون بإمكان هكذا منصة مشتركة للمسؤولية الاجتماعية أن تموفّق بين الأبحاث النظرية والمعطيات العملية للمؤسسات وتسمح بتفادي الازدواجية في الوقت والكلفة والمجهود. كما يسمح التنسيق بين المؤسسات المعنية بالمسؤولية الاجتماعية بالاضاءة على أولويات حاجات المجتمع وسبل الاستجابة لها وتقييمها وفق مؤشرات علمية واضحة.

وأكثر من ذلك، قد يكون تأسيس هكذا منصة يشكّل مساحة تلاقي وحوار إقتصادي- إجتماعي بين القطاعين العام والخاص وبين العالمين النظري العلمي والتطبيقي العملي بما يفتح المجال لفرص عمل وتنمية واسعة للأجيال القادمة.

فضلا عن أن وجود هيئة متابعة ومراقبة وتواصل إعلامي من شأنه أن ينعكس إيجابا على المؤسسات الراغبة بالانخراط بالمسؤولية الاجتماعية، الأمر الذي يشجّع المؤسسات المنافسة على الحذو حذوها أقلّه دفاعا عن حصّتها في السوق. وبالتالي تكون المسؤولية الاجتماعية أسست لتحفيز المؤسسات على التطلّع الى حاجات ومطالب المجتمع الذي تعمل وتربح فيه ولو انطلاقا من ركائز المنافسة الاقتصادية المشروعة.

ويبقى أنه رغم تقدم المسؤولية الاجتماعية للمؤسسات في لبنان، لا يزال نموّها بطيئا بالمقارنة مع المحيط العربي حيث تلعب الدولة دورا بارزا في إدخال وتطوير المسؤولية للمؤسسات. إلا أن لبنان لطالما تميّز بمبادرة القطاع الخاص حتى في المواضع التي تستدعي التنسيق مع القطاع العام والمجتمع المدني لتعزيز التنمية المستدامة. لكن يبقى أن يتم السعي لإيجاد المنصة الجامعة للمسؤولية الاجتماعية لتوحيد الجهود المقدمة في هذا المجال وتوجيهها بما يكفل تقدمها وتأمين أفضل النتائج المرجوة منها.

********************************************

لا إصلاح بدون خصخصة في لبنان! http://csrsa.net/post/1036

والامتحان الأول في قطاع الكهرباء !

د. سهام رزق الله (أستاذة محاضرة في جامعة القديس يوسف – باحثة في "قدموس")

صحيح أن الخصخصة ليست إكتشافا جديدا ولكن تنفيذها في لبنان إنجازٌ بحد ذاته، لا بل إنها الطريق الوحيد للإصلاح الفعلي المطلوب والموعود لاسيما منذ إعلان ورقة لبنان الى مؤتمر الدول المانحة في باريس 2.. المسألة ليست بالنظريات الأكاديمية إنما بصلب التطبيق العملي بالنظر الى التجارب العالمية التي أثبتت بما لا يقبل الشك فعالية انتقال الخدمات (كهرباء، إتصالات..) الى القطاع الخاص وفتح مجال المنافسة وتحسين الخدمة والجباية والانعكاسات على مختلف العملاء الاقتصاديين. فماذا تعني الخصخصة؟ أي ميزات لها؟ وما الذي يجعل منها الحل الوحيد لإصلاح الخدمات المتعثرة مثل كهرباء في لبنان ضمن خصوصيات محددة؟

******************************

من المعروف أن الدين العام كان صفراً عند اندلاع الحرب عام 1975و الكهرباء مؤمنة، وبلغ الدين ما يعادل 3 مليارت دولار بعد انتهاء الحرب وانطلاق عملية إعادة الإعمار في آخر العام 1992، حين كانت غالبية الدين بالليرة، ليصبح اليوم يوازي 75 مليار دولار أميركي ولا تزال الكهرباء تنقطع والموّلدات تزدهر، فيما ترصد موازنة العام 2017 تحويلات مالية لمؤسسة كهرباء لبنان بحدود 2100 مليار ليرة لبنانية...

كل ذلك وطريق الإصلاح واحد، بعد استنفاد كل الجهود الأخرى، وهي حتما عبر إشراك القطاع الخاص وإفساح المجال أمام المنافسة الشفافة والفعالة لاسيما في الكهرباء والاتصالات!

فمن المفروغ منه إقتصاديا أن مشاركة القطاع الخاص في مشاريع البنى التحتية ليس بالضرورة انتقال للملكية من القطاع العام الى القطاع الخاص، فالعلاقة بينهما واسعة وثمة أشكالا عديدة للخصخصة تشمل درجات وآليات عدة وفقا لمتطلبات عامة تتراوح بين الخصخصة الجزئية وبيع الأسهم للجمهور في الأسواق المالية التي تعتمد عادة لخصخصة المؤسسات التي تكون موازنتها ووضعيتها العامة جيدة، والبيع للعاملين والإداريين الذي يؤدي الى تملكهم الشركة أو حصة فيها، وطريقة القسائم التي يتم فيها بيع مؤسسة عامة وفق خيار التصفية بدلا من بيعها كمشروع قابل للاستمرار..وأيضا ثمة آليات أخرى تسمح بمشاركة القطاع الخاص من دون انهاء ملكية الدولة له، وهي تتنوع بين: إصلاح شركات القطاع العام أو إعادة هيكلة المؤسسات المعنية، الإدارة على اسس تجارية والتحول شركة مساهمة، فضلا عن طريقة بناء-تشغيل-تحويل وطريقة بناء-امتلاك-تشغيل-تحويل.

ولا بد من الإشارة الى مميزات الخصخصة من حيث تحسين الفعالية الإقتصادية وزيادة إنتاجية المؤسسات وتحسين الإدارة والرقابة فيها وزيادة التنافسية في السوق بما من شأنه تحسين النوعية والأسعار للخدمات المقدمة للمواطنين، وأداء المؤسسات المعنية والمساهمة في زيادة إيرادات الخزينة، لأن مجرد انتقال الخدمات من القطاع العام الى شركات خاصة يسمح للدولة بالإستفادة من الرسوم والضرائب المطبقة عليها مثلما هي على كل مؤسسات القطاع الخاص. ولكن ينبغي التنبه لحسن تنفيذ مشاريع الخصخصة بكل مراحلها لتكون واضحة وشفافة وتتيح معرفة الأرقام والمعطيات وتأمين أفضل مردود.

وقد اثبتت التجارب ان الخصخصة تساهم في تحسين مؤشر النوعية/الكلفة لمختلف الخدمات وتسمح بفتح الأسواق للمنافسة التي تخفض الأسعار وتزيد الاستثمارات وتسمح للجمهور بالمشاركة في الأرباح والإستفادة من تحسين إنتاجية المؤسسات وتوفير فرص عمل جديدة تكون متاحة للشباب الكفوء ولحملة الشهادات في مختلف الإختصاصات المطلوبة وغير محصورة في أيدي السياسيين النافذين والتوظيف السياسي الخدماتي الذي يرهق المؤسسات العامة ويكبّل إنتاجيتها وفعاليتها وتقدّمها. نذكر في هذا الاطار الانعكاسات السلبية لأزمة الكهرباء تحديدا على القطاعات الصناعية اللبنانية لا سيما تلك التي تتطلّب الكثير من الطاقة، مما ينعكس على كمية وكلفة إنتاجها بالمقارنة مع المنتجات المشابهة المصنعة في الدول المجاورة، الأمر الذي يضعف القدرة التنفاسية للمنتجات اللبنانية إن كان في السوق المحلة أو في الأسواق الخارجية التي تتوجه اليها الصادرات اللبنانية.

كما إن الخصخصة تسمح للدولة بالإستفادة، ليس فقط من المردود الآني لعملية "البيع" على ما يصورها البعض علما أن ثمة طرقاً عدة لمشاركة القطاع الخاص، بعضها يقضي بتحويل ملكية الأصول وبعضها باحتفاظ الدولة بالملكية، إنما تستفيد الدولة من توسيع حجم الإقتصاد، وبالتالي الصحن الضريبي، وعدد المشتركين والضرائب على أرباح المؤسسات المخصصة بدلا من الاستمرار في تحمل أعباء خسائر قطاع او سوء إدارته أو تردي نوعية الخدمات وارتفاع التكاليف التي تعرقل عمل سائر القطاعات الإنتاجية وتؤثر سلبا في قدرتها الإنتاجية وتؤثر سلبا في قدرتها التنافسية وتجعل المواطنين يتحملون أعباء ضريبية إضافية لتغطية عجز بعض المؤسسات والقطاعات وضعف الجباية والإدارة فيها.

كما أن ميزات إدارة القطاع الخاص ليست مجرد نظريات إقتصادية، ومفاهيم الإنتاجية والفاعلية وفوائد المنافسة في السوق ليست علما نظريا إنما تفسير لواقع معيوش في مختلف الإقتصاديات وخير برهان على ذلك مقارنة فارق الأسعار في الخدمات المشابهة وعدد المشتركين تحديدا في شبكة الاتصالات الخلوية بين لبنان ودبي على سبيل المثال لا الحص.

ومن هذا المنطلق بالذات من غير الممكن الاستمرار في تخطي مصالح المواطنين ومصلحة الإقتصاد الوطني التي تحققها مشاركة القطاع الخاص وتحرير الاتصالات لحساب مصلحة القطاع العام على المدى القصير جدا، إذ حتى مصلحة القطاع العام على المديين المتوسط والبعيد تكمن في الخصخصة ماليا وضرائبيا وإداريا وإقتصاديا، وحتى في أكثر البلدان التزاما بمبادئ الشيوعية والاشتراكية لم تعد اي دولة تحتفظ بقطاع الاتصالات، كما أن "عقد الإدارة" المعتمد حاليا في لبنان مع شركتي "ألفا" و"أم تي سي" لا يوجد له مثيل! أما من ناحية الأسعار، فكيف القول أن كلفة رسم على دقيقة التخابر في لبنان يتخطى كلفة التخابر نفسها للدقيقة في سائر البلدان. كذلك، ما من دولة في العالم تنتج كهرباءها إلا لبنان وعدد من دول العالم الثالث، وأكثر من ذلك تبقى في حالة عجز مالي بسبب دعم سعر الكهرباء للمواطنين، وأسباب أخرى تتصل بارتفاع الكلفة واستمرار الهدر والصعوبات الإدارية المعروفة في القطاع العام ونقص الجباية وغيرها، ومع ذلك لا يتأمن التيار الكهربائي بشكل متواصل ويبقى المواطن يسدد فاوترة أخرى للمولدات الخاصة المنتشرة في مختلف المناطق، ما عدا في زحلة التي حقّقت "إستقلاليتها الكهربائية" منذ زمن وأمنت التيار بأسعار مقبولة وشكّلت نموذجا إصلاحيا يحتذى به.

باختصار، لا اصلاحا اقتصادياً في لبنان ولا نهضة للاقتصاد اللبناني من دون اشراك القطاع الخاص في قطاعين مهمين للاقتصاد مثل الكهرباء والاتصالات.

وفي المقابل، لا إمكانية لتحقيق النتائج المرجوة من الخصخصة إن لم تتبع قواعد الشفافية المطلوبة، بحيث لا تكون الخصخصة عملية "رمي" للمؤسسات بيد القطاع الخاص وشركات "مختارة" كما يعتقد البعض، بل بيد هيئة منظمة لهذا القطاع، ما يؤمن الاستمرارية ويسحب القطاع من التجاذب السياسي ومن انتقائية الوزراء، لأن الهيئة المنظمة لا تكون خاضعة لأهواء شخص واحد بل تضم مجموعة من التقنيين والمحترفين والخبراء العلميين.

وفي محاولة البحث عن حلول آنية في انتظار تنفيذ الخصخصة كحل جزري للقطاع، تجمع اقتراحات مختلف الخبراء في مجال الطاقة على ضرورة اللجوء الى الطاقة المتجددة من منطلق استراتيجي، وليس فقط من منطلق تأمين القدرة الانتاجية الأساسية. كذلك يشار الى ان الطاقة المتجددة قد تكون أكثر تكلفة للكيلووات ساعة، لكنها ستكون ولسنين طويلة مصدراً ثانوياً للكهرباء، الاّ أن تطوير الأطر اللازمة لإشراك القطاع الخاص في هذا المجال، وتطوير الخبرات المحلية في التقنيات الحديثة لا بدّ أن يشكل المسار السليم المطلوب على المدى البعيد.

والى جانب اعتماد الطاقات المتجددة، تتركز الأولوية على فصل خدمات الإنتاج والنقل واالتوزيع وإيجاد الآليات المناسبة لخصخصة القطاع بما يتلاءم مع حاجات المواطنين والعمال من تحسين لخدمات وتخفيض للأسعار وحماية حقوق الموظفين وتخفيف أعباء القطاع عن كاهل الدولة والمواطنين كما عن كاهل المنتجين عبر تحرير انتاج الكهرباء وبيعها في المناطق الصناعية تحريرا كاملا.

كما تظهرالأرقام أن مؤسسة كهرباء لبنان تواجه مشاكل رئيسية على صعيد الادارة ونوعية الاداء، وقد نتجت عنها خسائر تقنية وإدارية هامةوخسارة في تحصيل الفواتير وغيرها. مع الاشارة الى ان مجمل النفقات في قطاع الكهرباء والتي تحملتها الخزينة خلال العقدين الماضيين، بما فيها خدمة ذلك الدين لكون الخزينة قد قامت بتمويل كامل تلك النفقات عن طريق الاقتراض، قدّرت بأكثر من ربع رصيد الدين العام.

من هنا، لا مفر من خصخصة تدريجية ومتأنية للقطاع تسمح من ناحية بتخفيف أعبائه عن كاهل الدولة ومن جهة أخرى بتحسين فعاليته الإقتصادية من خلال تعزيز المنافسة والمحاسبة والمساءلة والنوعية والأسعار ومن ناحية أخرى من خلال المردود الذي سوف يحققه للخزينة العامة من خلال الضرائب التي ستدفعها الشركات الخاصة التي ستدخل الى القطاع.

يبقى القول أن الحلول لأزمة الكهرباء معروفة، إلا أن المشكلة تكمن في انتظار التوقيت والقرار السياسي الداعم لهذا الاتجاه، لاسيما في ظل تعدد الآراء بين الأفرقاء السياسيين بشأن قطاع الطاقة في لبنان، ورؤيتهم لمستقبله، فضلاً عن ازدها ونفوذ المولدات الكهربائية الخاصة المنتشرة على امتداد الوطن والمُستفيدين من تأخر الحلول الجزرية، والاضطرار لتأمين الكهرباء لشرائح عديدة متزايدة في المخيمات والحالات العاجزة عن تسديد فواتير القطاع الخاص أو البقاء في الظلام، والتي تتطلّب أيضا أخذها بعين الإعتبار في استراتيجيات الحلول المطروحة.


أي ربيع إقتصادي؟ وأي يقظة في لبنان؟

المسؤولية الاجتماعية للمؤسسات:

http://www.lebanonfiles.com/news/1083378

أستاذة محاضرة في جامعة القديس يوسف كلية العلوم الاقتصادية د. سهام رزق الله

يوم 25 ايلول اليوم العالمي للمسؤولية الإجتماعية للمؤسسات والأعمال وهو مفهوم حديث يتطوّر ببطء ولكن بثبات في لبنان ويطرح نفسه منافسا قويا للمفاهيم الإقتصادية التقليدية وتحديا أساسيا للهدف الوحيد في عالم الأعمال الذي كان يحدده علم الإقتصاد للمؤسسات بتحقيق أعلى مستوى ممكن من الربح لا أكثر ولا أقل.ولكن ماذا تعني المسؤولية الإجتماعية للمؤسسات الإقتصادية؟ بماذا تختلف عن مجرد تمويل أعمال خيرية من قبل المؤسسات؟ وكيف تبدأ اليقظة حول المسؤولية الاجتماعية في لبنان؟

------------------------------

من المعروف أن مجال الأعمال كانت تسوده ركائز الإقتصاد الأساسية القائمة على "القاعدة الذهبية" لتحقيق أعلى مستوى من الربح بتوسيع الهامش بين المردود والكلفة الى أقصى حد ممكن بغض النظر عن أي اعتبارات أخرى وعوامل مؤثرة ومتأثرة في محيطه على المستوى الإجتماعي والبيئي والصحي والخلقي...

أما المؤسسات التي يهمها إعطاء "صورة جميلة" عن حسّها الإجتماعي والإنساني والخلقي وتفاعلها مع بيئتها المحيطة فكانت تجد ملاذا لمرادها عبر تمويل بعض المشاريع ذات طابع المنفعة العامة والمساعدة الإنسانية (بناء جسر مهدّم من هنا، تقديم مساعدات خيرية من هناك، تخصيص مبلغ سنوي معيّن أو نسبة من الأرباح لتقديم منح دراسية ومساعدات طبية وغيرها من هنالك...)، وتضع ذلك تحت تسمية الحس بالمسؤولية الإجتماعية من باب المساهمة في مساعدة المجتمع لتأمين بعض الخدمات الخارجة عن إطار عمل المؤسسة وأهدافها المالية والإقتصادية البحتة.

من هنا، سيعالج هذا المقال محورين أساسيين: المحور الأول يتناول مضمون المسؤولية الإجتماعية للمؤسسات والأنشطة الإقتصادية من حيث الأهداف والخلفية والإنعكاسات على كل من أصحاب المؤسسات والأعمال والمستثمرين والمنتجين والموظفين والمستهلكين والمنافسين والدولة والمجتمع...مع الأخذ بعين الإعتبار القيم الإجتماعية وأخلاقيات الأعمال. فيما المحور الثاني يتناول اليقظة اللبنانية الحديثة على مفهوم المسؤولية الإجتماعية للمؤسسات والتحديات الجديدة المطروحة على عاتقها من جرائه.

وفقا للعالم الإقتصادي ميلتون فريدمان، المسؤولية الاجتماعية للمؤسسات هي الاستعمال الأمثل للمصادر و العمل لزيادة الأرباح ضمن قواعد اللعبة و هي العمل بمنافسة حرة وشريفة بدون مكرً أو احتيال

أما بالنسبة للعالم مالين بيكر، فالمسؤولية الاجتماعية للمؤسسات هي كيفية إدارة المؤسسات عملياتها لخلق تأثير إيجابي في المجتمع .

من المعروف أن المستثمر يدخل في نشاط إقتصادي ما لتحقيق الأرباح، إلا أن الربح ليس الغاية الوحيدة من الأعمال، بل هنالك جملة من الغايات والتداعيات المنتظرة من كل عمل على مستوى المجتمع ككل من أصحاب المؤسسة، المستثمرين، الموردين، العاملين، المستهلكين، الدولة...تتناول تحقيق مردود جيّد للمستثمر، تأمين رواتب مقبولة للعاملين، ظروف عمل آمنة وسالمة، بيئة نظيفة، نوعية منتجات مقبولة بأفضل الأسعار...وهذا ما يقود الى التعريف عن المسؤولية الإجتماعية للمؤسسات باضطرار الأعمال على تأمين وحماية المصلحة العامة. وذلك يستدعي التنبه الى جملة ملاحظات:

أولا: إن هكذا أعمال لا تعتبر من الأعمال الخيرية، لا بل أن القيام بأعمال خيرية مثل تقديم مساعدات طبية ومنح مدرسية...لا يعفي المؤسسات من المسؤولية الإجتماعية التي ذكرناها.

ثانيا: إن هكذا أعمال لا يمكن أن تكون مفيدة لفئة من المجتمع ومضرّة لفئة أخرى: مثل رفع المؤسسات لأسعار منتجاتها بشكل عشوائي يثقل كاهل المستهلكين وتحقيق أرباح باهظة من ثم تقديم تغطية طبية للمسنين في إحدى دور العجزة، ...لا بل أن المسؤولية الإجتماعية ينبغي أن تدفع أصحاب المؤسسات الى القيام بجهود لتحقيق خطوات ترضي المصلحة العامة لمختلف شرائح المجتمع.

أما الدوافع التي تشجع أصحاب المؤسسات على أخذ المسؤولية الإجتماعية بالإعتبار فهي تتراوح بين:

-"الصورة الجيدة" للمؤسسة: بحيث أن اهتمام المؤسسات بالخير العام يعكس نظرة إيجابية لدى الرأي العام تجاهها ويزيد من مصداقيتها وثقة المستهلكين بها وبمنتجاتها.

- تطبيق الأنظمة: بعض الأنظمة والقوانين تفرض شروطا معينة مثل اعتماد المسؤولية الإجتماعية في المؤسسات من ناحية منع التلوث والمحافظة على البيئة والسلامة العامة...

- تنمية كل عمل تشكل جزءا من المجتمع المنوجد فيه، ويستفيد من موارده مثل المياه، شبكة الطرق العامة، الطاقة..وبالتالي مسؤوليته أن يخصّص جزءا من أرباحه لخدمة هذا المجتمع بمختلف مكوّناته.

- إكتفاء العاملين: الى جانب الحصول على رواتب مقبولة وظروف عمل صحية وآمنة، ينتظر العاملون في المؤسسات تسهيلات عديدة مثل بدلات النقل والتدريب، والمساعدات في الأقساط المدرسية والضمان الصحي لأفراد العائلة...ومن واجب المؤسسة ان تسهر على "تأمين أفضل مستوى من إكتفاء العاملين فيها إنطلاقا من الحس بالمسؤولية الإجتماعية لديها، كما سعيا لمصلحتها ايضا لأن ذلك يؤثر مباشرة على مستوى إنتاجية العاملين فيها وبالتالي إزدهار المؤسسة ونمو أعمالها على المدى البعيد.

- وعي المستهلكين: المستهلكون باتوا واعين أكثر من اي وقت لحقوقهم وهم يعترضون على أي خلل في نوعية المنتجات والخدمات وعلى أي تلاعب بالأسعار وتنامي جمعيات لحماية حقوق المستهلكين الى جانب مصلحة حماية حقوق المستهلك لدى الدولة، وهي في لبنان مرتبطة بوزارة الإقتصاد، وهذا يقود المؤسسات نفسها الى الحفاظ على حقوق المستهلكين عبر تقديم مؤشر نوعية/سعر تنافسي لاجتذاب أكبر حصة من المستهلكين المحتملين لمنتجاتهم.

المسؤولية إزاء مختلف العملاء الإقتصاديين:

المسؤولية إزاء أصحاب المؤسسات:

أصحاب المؤسسة يؤمّنون رأسمالها ويتحملون المخاطرة في الأعمال، وبالتالي مسؤولية المؤسسة تجاههم أن تعمل بأفضل مستوى فعالية وحسن استخدام رأس المال وضبط الهدر وهوامش الخطأ...

المسؤولية تجاه المستثمرين:

المستثمرون هم المساهمون في تمويل أعمال المؤسسة من خلال أسهم أو سندات أو ودائع...وبالتالي مسؤولية المؤسسة تجاههم تكمن في توفير البيئة الآمنة لإستثماراتهم، تسديد الفوائد بشكل منتظم لهم، تسديد الديون تجاههم لدى استحقاقها...

المسؤولية تجاه العاملين:

كما سبق ذكره، إكتقاء العاملين في المؤسسة من ناحية الرواتب والمخصصات والمساعدات الطبية والمدرسية وغيرها يؤثر بشكل أساسي على إنتاجيتهم، إلتزامهم بالمؤسسة التي يعملون فيها ويشعرون بالإنتماء إليها وبأهمية بذل أقصى الجهود لتوفير أعلى مستوى من الفعالية والربحية لها. لذا من مسؤولية المؤسسة تجاههم: تسديد الرواتب بشكل منتظم، تأمين أفضل ظروف عمل، التغطية الصحية، بدلات نقل ومساعدات إجتماعية ومدرسية، دورات تدريبية منتظمة...

المسؤولية تجاه الموردين:

الموردون هم الذين يؤمنون التجهيزات ومختلف لوازم العمل، وعلى المؤسسة أن تؤمن لهم بشكل منتظم لوائح اللوازم التي تحتاجها، الإلتزام بالعقود الموقعة معهم من حيث المهل في الاستلام والأسعار والنوعية، تسديد المبالغ المتوجبة بشكل منتظم...

المسؤولية تجاه المستهلكين:

المستهلكون يمثلون العمود الفقري في نجاح واستمرار أي عمل، ومن مسؤولية المؤسسة تجاههم توفير أفضل نوعية من المنتجات والخدمات وبأفضل مستوى أسعار لهم للحفاظ على حصتها في السوق إزاء أي منافسين موجودين أو محتملين، إعلام المستهلكين بكافة فوائد ومضار المنتجات والخدمات، تأمين خدمات ما بعد البيع وحسن الإلتزام بها، المصداقية بوضع تاريخ الإنتاج وانتهاء الصلاحية حفاظا على صحة وسلامة المستهلكين، التحذير من أي منتجات مقلّدة رفعا للمسؤولية من أي مضار ناتجة عنها واختلاط الأمر بالنسبة للمستهلك بين منتجات المؤسسة والمنتجات المقلّدة أو المزوّرة.

المسؤولية تجاه المنافسين:

وجود المنافسين هو عامل ديناميكي للمؤسسة وحافز للخلق والإبداع والتجديد. إلا أن المنافسة من شأنها أن تستدرج أحيانا المؤسسة الى القيام بأفعال سلبية للسيطرة على السوق. من هنا، مسؤولية المؤسسة تجاه المنافسين تكمن في عدم تقديم العمولة المرتفعة بشكل غير اعتيادي للموزعين والموردين لاحتكار المواد، عدم القيام بحسومات خارقة أو تقديم المنتجات بشكل مجاني أو شبه مجاني للمستهلك لإخراج المنافسين من السوق وعدم الإساءة الى المنافسين من خلال ترويج غامض أو مسيء أو غير صحيح...

المسؤولية تجاه الدولة:

هنالك قوانين وأنظمة مختلفة ترعى عمل المؤسسات على اختلاف مجالات أعمالها، ومسؤولية المؤسسات تجاه الدولة تكون في الإلتزام بهذه القوانين والخطوط العريضة التي تحددها الدولة في قطاع معيّن، تسديد الضرائب والرسوم المتوجبة بشكل شفاف ومنتظم وتقديم دفاتر صحيحة للدولة، عدم القيام بعمليات إحتكارية تنعكس سلبا على الأسواق، الإلتزام بمعايير حماية البيئة من التلوث والمحافظة على قواعد الصحة والسامة العامة، عدم الدخول بأي عمليات فيها طابع من الرشاوى والفساد والإلتفاف على القوانين المعتمدة.

المسؤولية تجاه المجتمع:

المجتمع مكوّن من أفراد وجماعات، منظمات غير حكومية، عائلات...والمسؤولية الإجتماعية للمؤسسة تجاههم تتسم ب مساعدة أضعف الفئات في المجتمع والأكثر عرضة للتهميش، المحافظة على القيم الإجتماعية والثقافية والإلتزام باحترامها في الإنتاج والترويج لكافة المنتجات والخدمات التي تقدمها، خلق فرص العمل الجديدة، حماية البيئة، المحافظة على الموارد الطبيعية، تشجيع نشاطات ثقافية ورياضية من خلال تقديم الرعاية لها والمساهمة في تنمية الأبحاث والتقدم التكنولوجي بما فيه خير المؤسسة والقطاع الذي تعمل فيه والإقتصاد الوطني والمجتمع ككل.

مبادئ المسؤولية الإجتماعية للمؤسسات وتطوّرها الزمني:

وتقسم المبادئ العشر للاتفاق العالمي للمسؤولية الاجتماعية للمؤسسات الى أربعة مجموعات:

المجموعات

المعايير

أولاً حقوق الإنسان:

  1. دعم حماية حقوق الإنسان المعلنة دوليا واحترامها.

  2. التأكد من عدم الاشتراك في انتهاكات حقوق الإنسان.

ثانياً معايير العمل:

  1. احترام حرية تكوين الجمعيات والاعتراف الفعلي بالحق في المساومة الجماعية.

  2. القضاء على جميع أشكال السخرة والعمل الإجباري.

  3. القضاء على عمالة الاطفال.

  4. القضاء على التمييز في مجال التوظيف والمهن.

ثالثاً المحافظة على البيئة:

  1. تشجيع اتباع نهج احترازي إزاء جميع التحديات البيئية.

  2. الاضطلاع بمبادرات لتوسيع نطاق المسؤولية عن البيئة.

  3. تشجيع تطوير التكنولوجيا غير الضارة بالبيئة ونشرها.

رابعاً مكافحة الفساد:

  1. مكافحة الفساد بكل أشكاله، بما فيها الابتزاز والرشاوي.

دور السلطات التنفيذية والتشريعية والإعلامية في تطبيق هذه المعايير:

دور الهيئات الحكومية والدولية في دعم المسؤولية الاجتماعية


تتحمل الهيئات الحكومية والدولية مسؤولية أساسية في تطبيق معايير "المسؤولية الإجتماعية للمؤسسات"، بحيث: تقوم بسن الأنظمة والقوانين، تطوير نظم وآليات العمل،

وضع المعايير تشجيع التنافس في مجال المسؤولية الاجتماعية،

دعم البحث العلمي لخلق ثقافة علمية أكاديمية،

نشر الوعي الثقافي لدى المجتمع،

وتدريب المتطوعين والقائمين على المسؤولية الاجتماعية في المؤسسات.

فضلا عن تحفيز التواصل والتنافس بين المؤسسات لتصميم وإدارة أعمال المسؤولية الاجتماعية وخلق تحول اجتماعي تجاه المسؤولية الاجتماعية.

وبين الجانب الإنساني والجانب الاقتصادي يأتي دور جماعات الضغط، مثل الحكومات والجمعيات الإنسانية والبيئية، للوقوف في وجه طمع للمؤسسات وإيقاف التجاوزات التي تؤثر سلباً على الحياة الإنسانية.


دور السلطية التشريعية:

يأتي دور الجانب القانوني والتشريعي لحماية المجتمع البشري بشكل عام.

ويكون دور القوانين والعقوبات الصارمة المحلية من قبل الدول والمؤسسات الإقليمية والعالمية مثل الأمم المتحدة وهيئاتها لخلق هذا التوازن.


السلطة الرابعة - الإعلام:

يحقق الإعـــلام عن برامج المسؤولية الاجتماعية:

نشر المعرفة والتطبيقات المثلى في هذا المجال،خلق جو من التنافس بين المؤسسات، نشر الوعي بأهمية هذه البرامج ، التواصل والانفتاح على المجتمع، وخلق نوع من الحوار حول قضايا المجتمع.

بداية يقظة في لبنان على مفهوم المسؤولية الإجتماعية للمؤسسات:

تبدأ تظهر مؤخرا في لبنان يقظة حذرة على مفهوم المسؤولية الإجتماعية للمؤسسات تتعدى إطار بعض المساعدات الخيرية التي كانت بعض المؤسسات الكبرى لا سيما منها بعض المصارف تقدمها إن على صعيد أفراد (مثل مبادرات لجهة تأمين منح مدرسية وجامعية لمتفوقين غير قادرين على تسديد أقساطهم، مساعدات طبية لحالات إستثنائية مكلفة لا تشملها تغطية وزارة الصحة أو حالات إجتماعية صعبة يتم تسليط الضوء عليها في الإعلام وتطلب مساهمات علنية في إعانتها...) أو على صعيد الوطن (مثلما حصل على إثر حر تموز 2006 على لبنان حين أخذت بعض المصارف على عاتقها تمويل إعادة بناء بعض الجسور المهدّمة والبنى التحتية التي المدمّرة وبعض المقومات اللإققتصادية التي تم تقويضها...).

وبدأ تعزيز هذا الوعي من خلال سلسلة ندوات تشارك فيها مختلف القطاعات من غرفة الزراعة والصناعة والتجارة وصولا الى مصرف لبنان. وتسلّط هذه النشاطات الضوء على القروض المخصصة لمشاريع صديقة للبيئة، اعتماد المعايير البيئية لدى تقييم المشاريع الممولة من المصارف، معايير تحديد وتقييم المخاطر الاجتماعية والبيئية المتصلة بالمشروع المنوي تمويله، دعم القروض الهادفة الى تعزيز التنمية في المناطق والدورات التدريبية الهادفة الى تعزيز القدرات لا سيما في الأرياف ودعم القروض التعليمية والثقافية ومختلف القروض ذات الطابع الإجتماعي التنموي على اختلافها...

واذ يظهر استطلاع نوعي قمنا به مع 18 مؤسسة لبنانية معروفة في مجال المسؤولية الاجتماعية (بعضها مشارك في برنامج مؤسسة ليبنور لنشر مبادئ المسؤولية الاجتماعية للمؤسسات في لبنان وبعضها الآخر يجهد بشكل فردي وطوعي لإدراج مبادئ المسؤولية الاجتماعية في صلب استرانيجيته دون أي دعم من أي جهة كانت).

ويتبيّن أن العديد من المؤسسات اللبنانية لا سيما منها القطاع المصرفي بات لديه قسم خاص بالمسؤولية الاجتماعية فيما بعضها الآخر الناشط إجتماعيا يكلف أقساما تقليدية لديه بالمشاريع الاجتماعية (قسم التسويق والاتصالات، قسم الموارد البشرية...). إلا أن الملفت أن العديد من المؤسسات الملتزمة بالمسؤولية الاجتماعية لا يلتزم بموازنة سنوية ثابتة لتمويل مشاريعها المندرجة في هذه الخانة مما يطرح تساؤلات حول استدامتها وحول استمرارية المؤسسات في هذا الاتجاه...

كما تجدر الاشارة الى أن معظم مشاريع المسؤولية الاجتماعية لديها تصب تقريبا في نفس القطاعات (التعليم والصحة والبيئة...) دون سعي للتنويع في "الاستمثار الاجتماعي" نظرا لغياب أي توجيه أو إطار رسمي يسمح بتسهيل الحصول على داتا المعلومات حول المسؤولية الاجتماعية في لبنان وأي هيكلية رسمية توجه نحو التدخلات الاجتماعية الأولوية المطلوبة.

وأكثر من ذلك، لا بد من التوقف عند ضعف التوعية والتحفيز الإضاءة على جهود بعض المؤسسات في مجال المسؤولية الاجتماعية.. فلا المؤسسات قادرة كلها على إصدار تقارير حول نشاطها في مجال المسؤولية الاجتماعية ولا الإعلام يتولى المساهمة في تسليط الضوء الكافي عليها ولا الدولة تقدم لها حوافز المضي في هذا الاتجاه (بإعفاءات ضريبية أو قروض ميسّرة...) ولا توجد حتى الآن ضغوط كافية من المجتمع المدني دعما لتعزيز المسؤولية الاجتماعية للمؤسسات...

ويتبيّن ايضا أن جميع مبادرات المسؤولية الاجتماعية للشركات والخطوات التي قامت بها الشركات اللبنانية اتخذت بمبادرة خاصة في ظل غياب أي توجيه أو اشراف عام ورسمي. ... مما يجعل من الصعب تطور المسؤولية الاجتماعية للشركات في البلد . فضلا عن غياب أي تقييم السلطة وتقديرا لجهود المسؤولية الاجتماعية للشركات لتقديم الشهادات أو العلامات التي تميز الشركات المسؤولة اجتماعيا عن المنافسين الآخرين في نفس القطاع أو توفير نفس المنتجات أو الخدمات ..

كما يذكر التأخر في بت التشريعات التي تشجع على التعاون بين القطاعين العام والخاص لتشجيع بعض مبادرات القطاع الخاص مثل المسؤولية الاجتماعية للشركات، والتي يمكن أن تعوض إخفاقات الدولة على الاستجابة وحدها لاحتياجات المجتمع المدني ... لاسيما مثلا المضي بمشروع قانون الشراكة بين القطاعين العام والخاص.

ويبدو ملحا إيجاد إطار للحوار الأكاديمي والمهني حول المسؤولية الاجتماعية للشركات من جهة، والحوار بين القطاعين العام والخاص في هذا الموضوع من جهة أخرى. علما أن هكذا فسحات حوار من شأنها المساعدة على تعزيز الأبحاث في هذا المجال وتوجيهها نحو المؤسسات التي تحتاجها وإيجاد فرص عمل للمتخصصين فيها وتطوير الأطر التي تسمح بحسن تطبيقها.

وقد يكون ضروريا تطوير برامج التبادل الدولية في المسؤولية الاجتماعية للشركات من خلال اتفاقات مع شركات متعددة الجنسيات من ذوي الخبرة في هذا المجال، وإلا يبقى تطوير المسؤولية الاجتماعية للشركات بطيئا ومحدودا ويقتصر على الخبرة المحلية. وعلى الرغم من الجهود التي تبذلها شركات لبنانية مهمة، يبقى نمو المسؤولية الاجتماعية للمؤسسات خجولا في لبنان إلا أن فضل القطاع الخاص يبقى أنه المبادر الأساسي والوحيد باتجاه المسؤولية الاجتماعية خلافا لما هي الحال في معظم البلدان ومنها البلدان العربية المحيطة حيث تواكب الدولة تنامي هذا المفهوم وتساهم بتعزيزه. أما في لبنان فالقطاع الخاص هو المبادر استجابة لتزيد الحاجات والمطالب الاجتماعية وتعويضا الى حد كبير عن عجز الدولة عن تلبيتها.

_________________

صعوبات تطور المسؤولية الاجتماعية لمؤسسات في لبنان


0

د. سهام رزق الله (أستاذة محاضرة في جامعة القديس يوسف - كلية العلوم الاقتصادية)

4 تشرين الثاني 2016


المسؤولية الإجتماعية للمؤسسات مفهوم جديد يحاول أن يشق طريقه منافساً بقوة المفاهيم الإقتصادية التقليدية الساعية الى تحقيق أعلى معدّل أرباح للمؤسسات أياً يكن وقع نشاطها على مختلف العملاء الاقتصاديين من النواحي الاقتصادية والاجتماعية والبيئية.

25 أيلول هو اليوم العالمي الأول المعتمد للمسؤولية الاجتماعية عام 2016، بعد إعلانه في كانون الأول 2015 خلال الملتقى الإقليمي الثاني للسفراء الدوليين للمسؤولية الاجتماعية الذي نظّمته الشبكة الإقليمية للمسؤولية الاجتماعية يومي 27 و 28 كانون الأول 2015 تحت شعار "أهداف الأمم المتحدة للتنمية المستدامة 2030 الطريق الى عالم أفضل"، وذلك كمبادرة من الشبكة الاقليمية للمسؤولية الإجتماعية دعماً لجهود الأمم المتحدة في نشر أفضل الممارسات في مجال المسؤولية المجتمعية.

لا يزال مفهوم المسؤولية الاجتماعية يتقدّم ببطء في لبنان نظراً لاعتماده على المبادرة الحرة والطوعية للمؤسسات من دون أي قيد أو رقابة أو تقدير أو تشجيع أو حوافز غير المنافسة بين المؤسسات نفسها على تلميع صورتها إزاء المستهلكين لزيادة حصتها في السوق ليس إلاّ، الأمر الذي يجعل نمو المسؤولية الاجتماعية خجولاً لأسباب عديدة يمكن تلخيصها بالآتي:

1 - مبادرات غير مؤطرة وتطوعية: جميع مبادرات المسؤولية الاجتماعية للشركات والخطوات التي قامت بها الشركات اللبنانية اتخذت بشكل طوعي و حرّ في ظل غياب أي توجيه أو إرشاد أو اشراف من الادارات الرسمية.

2 - ضعف المعلومات والبيانات حول المسؤولية الاجتماعية للشركات في لبنان: غياب المعلومات بغياب أي مؤسسة رصد للمعلومات المتصلة بالمسؤولية الاجتماعية للشركات في لبنان سواء في القطاع الخاص أو في القطاع العام...

3 - غياب أي توجيه نحو القطاعات التي تحتاج الى التدخل الاجتماعي للمؤسسات فيها، مما يحصر مشاريع المسؤولية الاجتماعية للشركات في مجالات محددة (التعليم، الصحة، البيئة ...)

4- غياب الضغط من جانب أصحاب المصالح لتطوير المسؤولية الاجتماعية للشركات المستهلكين، العاملين، المستثمرين، الإعلام، النقابات...)

5 - عدم وجود حوافز من الدولة لتشجيع تطوير المسؤولية الاجتماعية للشركات (مثل تخفيض الضرائب أو تقديم قروض بفوائد مخفّضة للمؤسسات المسؤولة إجتماعياً...

6 - غياب أي تقييم للجهود المبذولة من بعض المؤسسات في مجال المسؤولية الاجتماعية أو عربون أو شهادة تقدير تميزها عن سائر المؤسسات المنافسة لها في قطاعاتها.

7 - عدم وجود قانون أو أي نوع من التشريعات التي تشجّع على التعاون بين القطاعين العام والخاص لتشجيع بعض مبادرات القطاع الخاص مثل المسؤولية الاجتماعية للشركات، ولاسيما بعد تأخير بت اقتراح القانون المتعلّق بالشراكة بين القطاعين العام والخاص.

8 - افتقاد أطر الحوار بين القطاع الأكاديمي والقطاع المهني، وبين القطاعين العام والخاص حول المسؤولية الاجتماعية للشركات.

9 - ضعف حملات التوعية في وسائل الإعلام حول المسؤولية الاجتماعية للشركات التي لا تزال مغمورة.

10 - ندرة برامج تبادل الخبرات مع الشركات المتعددة الجنسيات في مجال المسؤولية الاجتماعية للمؤسسات بغية تسهيل سبل التزام المعايير الدولية المتصلة بها تدريجياً.

ويبقى القول إنّ مفهوم "المسؤولية الإجتماعية للمؤسسات" لا يزال الى حد ما جديداً ويثير بعض الحذر في الأوساط الإقتصادية القلقة من انعكاساته على تكلفة الإنتاج وآلية احتساب المردود، خصوصاً عندما تقترن التكاليف بمردود يتخطى الإطار المادي البحت (ليقترن بسمعة وصورة المؤسسة، حسّها الإجتماعي مع المعوزين، حرصها على البيئة والسلامة العامة وأخلاقيات المنافسة الشريفة...). إلاّ أنّ بيت القصيد يبقى في أنّ الإقتصاد هو قمة العلوم الإجتماعية وليس في حالة صراع مع الشأن الإجتماعي، إلاّ أنّ زخم قدرته على المساهمة في العمل الإجتماعي يبقى رهن المردود الذي يحققه جراء إنتاجية عماله وفعالية مؤسساته ومدى احترام الدولة والمجتمع على السواء بحرية المبادرة والربح فيه بعيداًً عن التكبيل والفرض الذي يصوّر المسؤولية الإجتماعية عبئاً بدلاً من أن تكون إحدى المبادرات التي تنطلق من الإقتصاد المسؤول وتعود بالخير عليه. وعلى الرغم من الصعوبات المذكورة، تجدر الاشارة الى أن القطاع الخاص لا يزال مبادراً في لبنان، بل ساعيا ًللتعويض عن أي تقصير رسمي في حق المجتمع الذي يعمل ويربح ويتطوّر فيه.

(أستاذة باحثة في كلية العلوم الإقتصادية في الجامعة اليسوعية)

*************************************************************

د. سهام رزق الله – أستاذة محاضرة وباحثة في جامعة القديس يوسف

ومستشارة لدى المركز الدولي "قدموس"

- "جريدة الجمهورية" -

الجمعة 09 كانون الأول 2016


مع تنامي البحث في مفهوم المسؤولية الاجتماعية للمؤسسات، ولا سيّما بعد تخطّي المسؤولية الاجتماعية للشركات لتشملَ مختلف المؤسسات بشكلٍ عام وفقَ معايير أيزو 26000، لا بدّ من التوقّف عند مفهوم المسؤولية الاجتماعية للجامعات بشكل خاص. فالمسؤوليات الجامعية تتحمّل ثلاث مسؤوليات رئيسة: التعليم، الأبحاث العلمية، وخدمة المجتمع.

فما هي مقوّمات هذا المفهوم الجديد؟ وما هي انعكاساته في مجال الدراسات العليا ومسؤولياتها في إدراج مبادئ المسؤولية الاجتماعية في مختلف مؤسسات المجتمع وإعداد العنصر البشري الكفوء لإرساء وتركيز أسسِها ومواكبة تطبيقِها.


المسؤولية الاجتماعية


في البداية، لا بدّ من توضيح الفَرق بين المسؤولية الاجتماعية وخدمة المجتمع التي تُشكل إحدى الركائز الثلاث للمسؤولية الاجتماعية للجامعات. فالمسؤولية الاجتماعية للجامعات هي مفهوم أوسع وأشمل من خدمة المجتمع، ويقَع على عاتق مؤسسات التعليم العالي بشكل خاص استناداً إلى جملة من المبادئ والقيَم وانطلاقاً من الدور الاجتماعي للجامعات في التعليم والأبحاث العلمية والشراكة الاجتماعية وإدارة المؤسسات.


إنّ صلبَ الدور الاجتماعي للجامعات يتجلّى في الالتزام بالمسائل المتصلة بالعدالة، المصداقية، الالتزام، العدالة الاجتماعية، التنمية المستدامة، حرية الفرد وكرامته، إحترام التنوّع الثقافي، تعزيز واحترام حقوق الانسان والمسؤولية المواطنية.


ويمثّل التعليم العالي إحدى الركائز الأساسية التي تقدّمها الجامعات لخدمة المجتمع من خلال إعداد الكوادر والرأسمال البشري المتمكّن من المساهمة في تحقيق التنمية المستدامة على الصُعد العلمية والاقتصادية والاجتماعية.


كما أنّ على الجامعات التأكّد من أنّ التوصيات العلمية التي تَصدر عن ندواتها ومؤتمراتها تَشمل النواحي البيئية والاجتماعية والأخلاقية لمختلف أعمالها. فالبحثُ العلمي ضروري لجعلِ المعلومات في خدمة المجتمع وتحسينِ نوعية الحياة. وبالتالي لا تكون المعلومات المنقولة نظرياً غريبة عن الواقع، فلا تكتفي الجامعات بنقلِ المعطيات الأكاديمية بغضّ النظر عن التمكّن من تطبيقها.


ويتبيّن أنّ أبرز نواحي المسؤولية الاجتماعية للجامعات تتجلّى في إعداد مواطنين منتِجين ومسؤولين، وتشجيعِ الشراكة والمشاركة الفاعلة في صلبِ المجتمع المدني، وتنميةِ الكفاءات وتحقيق التوجيه المناسب نحوها. هذه الناحية من التعليم العالي تشكّل أحدَ أبرز مستلزمات التزام الجامعة تجاه المجتمع. من هنا نَفهم دور جامعات البلدان المتقدمة في تشجيع طلابِها على التفكير في سُبل خدمة المجتمع على الصعيد العالمي، ولا سيّما التي في البلدان النامية، بما يفسِح في المجال أمام الحوار وتلاقي الثقافات المتنوّعة.


الشهادات والنشاطات


كما أنّ الجامعات هي التي تَصنع المستقبل، وبالتالي تقع عليها مسؤولية جعلِ «شهاداتها مسؤولةً إجتماعياً» بحِرصها على: إعداد نظام الإدارة الجيّدة، إقتصاد الطاقة، واستعمال الطاقات المتجددة، تخفيف إدارة النفايات وإعادة تدويرها، وضع استراتيجيات التنمية المستدامة، العمل على تعزيز روح المبادرة، المبادرات المبتكرة، تنمية مواهب الطلاب ليكونوا مواطنين منتِجين، حسنِ إدارة الموارد البشرية لتشجيع وتوجيه الجهود نحو العمل التطوعي، وتنميةِ المجتمع... كلّ ذلك يَدفعنا للقول إنّ جامعات اليوم هي جامعات المجتمع لأنها تعيش تحدّيات وحاجات المجتمع، كما فرَصَ وطموحات المجتمع.


وثمّة نشاطات جامعية عديدة من شأنها المساهمة في المسؤولية الاجتماعية، مِثل: توجيه البحث العلمي نحو المجالات التي تلبّي حاجات المجتمع ومختلف العملاء الاقتصاديين، تنظيم مؤتمرات علمية، التبادل الأكاديمي، النوادي الثقافية، منتديات الحوار، المعارض والمنتديات الثقافية والوطنية، دورات الإعداد والتدريب والتعليم المستمر، ورَش العمل الاقتصادية-الاجتماعية والثقافية في مختلف البرامج، حلقات الحوار والنشاطات التي يتمرّس فيها الطالب على التواصل مع المجتمع (المؤسسات العامة، الشركات الخاصة، الهيئات المحلية في البلديات وجمعيات ومنظمات غير الحكومية...) ليتبلوَر له كيفية استخدام ما يتعلّمه في خدمة المجتمع الذي ينمو فيه.


التطبيق العملي


إلّا أنّ هذه الإنجازات تتطلّب وضعَ ورقةِ عملٍ استراتيجية لتحقيق المسؤولية الاجتماعية للجامعات، وتشكيلَ هيئةٍ تُراقب المسؤولية الاجتماعية، وتحديدَ الأفرقاء المعنيين بمختلف البرامج وتوقّعاتهم من مختلف برامج المسؤولية الاجتماعية المطروحة، وإعدادَ الدراسات والأبحاث المناسبة لها.


وبذلك تكون الجامعة مساهمةً في بناء المواطنية المسؤولة اجتماعياً من خلال إدراج حاجات المجتمع ومفاهيم الحياة العامة في صلب الحياة الجامعية بالنشاطات الصفّية وغير الصفّية. كما مِن خلال تمكينِ المتخرّجين من التعامل مع مختلف تقنيات التواصل والبحث والحوار وتبادل الأفكار وترجمتها لإنجازات في خدمة المجتمع بكافّة مكوّناته وفئاته العمرية والاجتماعية والثقافية...


هكذا يكون مشروع المسؤولية الاجتماعية للجامعات مساهِماً في تحقيق التنمية والترويج للنواحي الاجتماعية للتعليم العالي. هكذا تكون المسؤولية الاجتماعية للجامعات متّسمةً بروح المواطنية والتنمية المستدامة، ومنطبعةً بكون التربية خدمةً عامةً والتزاماً تجاه المجتمع الذي تنشَط فيه، ناشرةً لمختلف السياسات والممارسات التي من شأنها تحقيق الازدهار والتنمية وفرَصِ العمل والتقدّم وتحسين مستوى العيش، وواحةً لفتح آفاق المنافسة نحو تقديم الأفضل وجعلِ البحث العِلمي في خدمة التطبيق العَملي.


وبالنتيجة، لا تكون المسؤولية الاجتماعية للجامعات فصلاً في درس أو مشروعاً في جملة نشاطات أو قسماً من هيكلية المؤسسات، إنّما قيمة راسخة في استراتيجيتها ينبغي أن تُترجم في مختلف أوجه رسالتها.


يبقى القول إنّ المسؤولية الاجتماعية للجامعات هي المدرسة الأولى للتمرّس على المسؤولية الاجتماعية في المؤسسات بشكل عام. ولكن يبقى السؤال عن المعايير المعتمَدة لقياس المسؤولية الاجتماعية للجامعات وآلية مساهمتها في إدخال وتثبيتِ مفهوم المسؤولية الاجتماعية عامّةً في البلاد.


http://www.aljoumhouria.com/news/index/340194

... "القطاع الثالث" هو الحلّ

http://www.csrsa.net/post/1151

الدكتورة سهام رزق الله

(أستاذة محاضرة في كلية جامعة القديس يوسف – كلية العلوم الإقتصادية)

وسط اشتداد الأزمات الاقتصادية الاجتماعية البيئية التنموية ومحدودية قدرات القطاعين العام والخاص منفردين في التصدي، يتنامى دور "القطاع الثالث" الذي بات معروفاً بالاقتصاد الاجتماعي-التضامني الذي يشقّ طريقه رسميا بتشريعات وقوانين سعيا للمزيد من الاستقرار وحسن إدارة الموارد وفرص العمل... في لبنان كما في المنطقة العربية وعلى الصعيد العالمي ككلّ تتسلّط الأنظار يوميا على قطاع ثالث يضمّ الجمعيات والمنظمات غير الحكومية والتعاونيات وصناديق التعاضد، ويشقّ طريقه وفق مبادئ وثوابت تتمحور حول المشاركة والحكم الديمقراطي، الابتكار والريادة في الأعمال الاجتماعية، المشاركة الطوعية والاستقلالية... ويتوصّل الى إدارة رساميل ضخمة مخصّصة لتعزيز التنمية المستدامة وجعل "الانسان" محور الدورة الاقتصادية ككل. فما سرّ هذا القطاع الثالث الجديد؟ أي تشريعات فرضت نفسها لمواكبته عالميا؟ وماذا عن تناميه وآفاقه في لبنان بشكل خاص؟

*************************

ببساطة يتمحور القطاع الثالث حول جعل الاقتصاد في خدمة الانسان وتلبية احتياجاته بدلا من تركه تقليديا في خدمة السعي لأعلى مستوى أرباح ومردودية استثمارات من شأنها زيادة النمو بغض النظر عن مساهمتها في تأمين التنمية المستدامة... بمعنى آخر إن القطاع الثالث المتمثل بالجمعيات والتعاونيات وصناديق التعاضد والمنظمات غير الحكومية والمقاولات الاجتماعية يوجّه الأدوات الاقتصادية نحو خدمة المجتمع وتقدّمه ورفاهه بدلا من حصرها في تحقيق الحدّ الأقصى من أرباح الأفراد. كما يتّسم القطاع الثالث بمبادئ وخصائص تميّزه من جهة عن مبادئ القطاعين العام والخاص وتميّزه من جهة أخرى حتى عن المفاهيم الجديدة التي بدأت تتطوّر لجعل الاقتصاد الخاص في خدمة المجتمع مثل "المسؤولية الاجتماعية للشركات" أو حق شركات الريادة الاجتماعية.

أولا يتميّز القطاع الثالث عن القطاع العام لكونه مستقلا قانونيا عن السلطات الرسمية ولكون مؤسساته لا تمت للقطاع العام بأي صلة وتتميّز بحرية الانتساب لها من قبل الأفراد الراغبين بذلك.

ثانيا، يتميّز القطاع العام عن القطاع الخاص بكون هدفه النهائي اجتماعي تنموي أكثر مما هو مالي ربحي وهو يضمن اتخاذ القرارات بشكل ديمقراطي داخل مؤسساته حيث لكل عضو صوت وليس لكل حصة من الأسهم وزن نسبي في اتخاذ القرارات كما هي الحال في الشركات المساهمة. فضلا عن خصوصية القطاع الثالث في إلزامية تشغيل الأرباح دائماً في مشاريع جديدة وليس لتوزيعها على الشركاء المساهمين.

ولكن مفهوم القطاع الثالث يختلف بعض الشيء بين المقاربة الأوروبية والمقاربة الأميركية. ففي المقاربة الأوروبية يندرج الاقتصاد الاجتماعي في إطار البديل عن النموذج الرأسمالي مدافعاً عن مبدأ الدولة القوية القادرة على تأمين الخدمات النوعية لجميع المواطنين حتى الأكثر حاجة وتهميشا... ما شركات الريادة الاجتماعية قلها إطارها القانوني والمبادئ التأسيسية التي ترعى عملها والبُعد الجماعي في عملها.

أما في المقاربة الأميركية الانكلوسكسونية للريادة الاجتماعية، فتعمل الدولة بشكل محدود بالنسبة للسوق أي القطاع الخاص، كما أن شركات الريادة الاجتماعية تتبع معايير أقل صرامة من تلك التي ترعى الاقتصاد الاجتماعي، المبادرات الفردية التي لا تبتغي الربح المساهمة في الابتكار الاجتماعي، أو حتى أنشطة المؤسسات المعروفة بالمسؤولية الاجتماعية للشركات.

وفق المدافعين عن المقاربة الانكلوسكسونية، ينبغي على شركات الريادة الاجتماعية و

أن تعتمد وسائل وأساليب الإدارة المتبعة في النموذج الاقتصادي الرأسمالي التقليدي ولو كانت تحمل بُعداً إجتماعياً لأعمالها، وذلك خلافاً للمقاربة الأوروبية التي تشدّد على اعتماد وسائل وأساليب تتكيّف مع الهدف الاجتماعي وإدارة الأعمال وفق أسلوب حوكمة محدّد.

Social Business

كما أن المقاربة الانكلوسكسونية لشركات الريادة الاجتماعية تحمل على التساؤل حول مخاطر خصخصة "المصلحة العامة" وتطمئن الى أن الشركات الاجتماعية والمستثمرين الذين يمتلكون قدرات تمويلية أهم من قدرات الدولة أحياناً، بوسعهم القيام بمساهمات مكمّلة لدورها تسمح بتحسين الاستجابة للحاجات الاجتماعية.

إنطلاقًا من هذا المنطق يبقى التحدي في التأكّد من إمكانية القطاع الخاص ومموّليه على فهم المشاكل والحاجات الاجتماعية والاستعداد والعمل لمعالجتها مع المحافظة على هدف المصلحة العامة فوق "المصالح الخاصة".

وأكثر من ذلك يتظهّر أيضا تحدي قدرة المؤسسات المعنية على رسم سلّم أولويات في الاستجابة للحاجات الاجتماعية ولو وفق منطق ربحية الأعمال بدلا من منطق المصلحة العامة، مما يدفع أكثر فأكثر باتجاه ضرورة تنظيم وقوننة عمل مختلف هيكليات هذا القطاع الصاعد تأمينا لأفضل استفادة من إمكاناته وقدراته الواعدة ليكون دورا مكمّلا لأدوار القطاعين الأساسيين التقليديين (العام والخاص).

والمعروف حديثا أن ثمة تشريعات كثيرة بدأت تتناول القطاع الثالث من أبرزها مثلا في فرنسا إقرار "قانون الاقتصاد الاجتماعي التضامني" من قبل البرلمان في 21 تمّوز 2014، وقد عرف هذا التشريع ب"قانون الاقتصاد والاجتماعي التضامني" Loi ESS

هذا التشريع واكب انطلاقة استثنائية لقطاع الثالث في فرنسا وأوروبا كما في العالم بأسره بسرعة خيالية بدأت تضاه سرعة تطوّر القطاعات التقليدية المعروفة.

فمثلا منذ العام 2000 وحتى اليوم، ازداد في فرنسا خلق فرص العمل والتوظيف في القطاع الثالث بحدود 24% ليضمّ 2.4 مليون موظّف في 200000 مؤسسة ضمن الاقتصاد الاجتماعي، مقابل ازدياد التوظيف في القطاع الخاص 4% فقط، وبات يضم القطاع الثالث 200000 مؤسسة توظّف 2.4 مليون عامل وتساهم حوالي 10% من الناتج المحلي، فضلا عن العدد المتزايد ن المتطوّعين النشيطين في مختلف المجالات.

أما على الصعيد الأوروبي فالاقتصاد الاجتماعي يشمل حوالي 10% من مجموع المؤسسات ويوفّر 6.5% من فرص العمل المدفوعة، وذلك من خلال انتشار حوالي المليوني مؤسسة توظّف 14 مليون شخص، وقد ازداد عدد العاملين في هذه المؤسسات بشكل كبير واستثنائي في مجمل أوروبا في السنوات الأخيرة. كما يتم العمل بشكل حثيث على إنشاء إطار قانوني جامع على الصعيد الأوروبي للاقتصاد الاجتماعي والتضامني، علماً أن البلدان الأوروبية لا تعرف المستوى نفسه في تطوّر الاقتصاد الاجتماعي، لا بل يمكن تصنيفها في هذا المجال وفق ثلاثة فئات:

*فئة الأكثر تقدّما في مجال الاقتصاد الاجتماعي: فرنسا، بلجيكا، يونان، برتغال، ايرلندا...

*فئة المستوى المقبول والمعتدل للاقتصاد الاجتماعي وتشمل إيطاليا، قبرص، الدنمارك، فنلندا، لوكسانبورغ، السويد، ليتونيا، مالطا، بولونيا، بريطانيا، بلغاريا وايرلندا...

*فئة الاقتصاد الاجتماعي المحدود: النمسا، تشيكيا، استونيا، ألمانيا، هنغاريا، ليتونيا، هولندا، سلوفاكيا، رومانيا، كرواتيا، وسلوفنيا.

أما في كندا، فقد شهد العام 2013 اعتماد الإطار التشريعي الرسمي المعروف ب"قانون الاقتصاد الاجتماعي"، على الرغم من أن هيكلياته كانت موجودة قبل ذلك، إلا أن الإطار القانوني عكس قرارا رسميا بالعمل للتنمية الاقتصادية الاجتماعية الشاملة، وحرصا من الدولة على تأمين الأدوات المناسبة لدعم هذا التوجّه من خلال مختلف برامجها. وفي البرازيل، تم عام 2012 إقرار قانون التعاونيات بعد جهد لأكثر من 9 سنوات من قبل مؤسسات الاقتصاد الاجتماعي الذي بات يضمّ اليوم 21859 مبادرة خلقت فرص عمل لأكثر من مليون موظّف. كما كانت البرازيل سباقة في إقرار أول نظام تجاري عادل تضامني في تشرين الأول 2010. وأصبح الاقتصاد الاجتماعي يساهم ب 8% من الناتج المحلي في البرازيل.

أما في إسبانيا، فالاقتصاد الاجتماعي يطبع باء الثروة الاقتصادية للبلاد منذ سنوات وهو معروف في النظام الاقتصادي المذكور في الدستور منذ العام 1987. وقد تطوّر عام 1992 لإنشاء الاتحاد الاسباني لمؤسسات الاقتصاد الاجتماعي توصلا الى إقرار "قانون الاقتصاد الاجتماعي" عام 2011 (28 آذار 2011) باجتماع سياسي تفوق 45093مؤسسة تضم 2379994 موظّف، وتساهم بحوالي 7.5% من الناتج المحلي.

أما عربيا فالاقتصاد الاجتماعي يشهد تناميا متصاعدا، وقد خلت التعاونيات بالمفهوم القانوني المنطقة العربية في مطلع القرن العشرين وبات عددها يفوق ال30000 تعاونية تقريبا معظمها زراعية ومن أبرزها التجربتين العراقية واللبنانية.

ففي العراق، أنشئ الاتحاد العام للتعاونيات عام 1971 ليتمكّن في غضون عشر سنوات من تحقيق استقلاليته المالية والإدارية في الحكومة ويضمّ 16 اتحادا تعاونيا و881 تعاونية محلية، و221 تعاونية استهلاكية و49 تعاونية متخصّصة وثلاث مزارع جماعية.

أما في لبنان، فقد بدأ العمل التعاوني عام 1937 ولم يتّخذ إطارا قانونيا إلا في العان 1964 مع صدور قانون للجمعيات التعاونية. ومنذ العام 1973 تتولّى المديرية العامة للتعاونيات الحركة التعاونية والحركة التعاضدية في لبنان\ن خاصة فيما يتعلّق بنشرها وتطويرها وتقديم الارشاد للجمعيات التعاونية واتحاداتها وصناديق التعاضد واتحاداتها. وقد بلغ عدد التعاونيات عام 2010 ف لبنان 1400 تعاونية و799 منها في القطاع الزراعي في مختلف المناطق.

أما بالنسبة لنمو عدد ونشاط الجمعيات والمنظمات غير الحكومية، يبدو لبنان الأبرز عربيا لاسيما بالنظر لمساحة الحرية المعطاة لإنشاء الجمعيات والمنظمات غير الحكومية وإمكانية مباشرة أعمالها بمجرّد إعطائها علمًا وخبرًا لوزارة الداخلية اللبنانية، كما بالنظر لحرية حركة المنظمات غير الحكومية الأجنبية الى تستقطب بحرية كميات كبيرة من الرساميل الهادفة الى تنمية مشاريع تنموية في مختلف القطاعات والمجالات والمناطق التي تضاعف نشاطها بشكل صاروخي لاسيما بعد الأزمة السورية وتلقي لبنان الوزر الأكبر من انعكاسات الأزمة نظرا لموقعه الجغرافي حيث الحدود السورية تمثل البوابة الوحيدة نحو العالم العربي وبالتالي تأثره اقتصاديا وتجاريا بشكل كبير بالأزمة كما بالنظر لاستقباله أكبر عدد من النازحين السوريين بالنسب لعدد سكانه الأصليين (حيث باتت نسبة النازحين تفوق 40%من عدد سكان لبنان الأصليين فق مختلف المنظمات الدولية).

وبذلك بات يتّجه معظم التمويل المستقدم أساسا من قبل مؤسسات الاقتصاد الاجتماعي والتضامني بهدف تحقيق التنمية المستدامة نحو هدف آخر هو دعم النازحين السوريين في لبنان ودعم التنمية في لبنان لا سيما في مناطق استقبال وإقامة النازحين.

اليوم بات مجموع عدد الجمعيات والمنظمات غير الحكومية المسجّلة في لبن يفوق 16000 جمعية منها حوالي 10000 جمعية ناشطة فعليا من خلال مشاريع مموّلة بشكل منظّم تسمح لها بإقامة النشاطات وتأمين خلق فرص العمل وبمستوى رواتب يفوق معظم الأحيان مستويات الرواتب في القطاعين العام والخاص لنفس فئة العاملين ومستوياتهم العملية والعمرية.

وإن كانت في البداية معظم هذه الجمعيات أهلية وعائلية دينية محدودة إلا أن المنظمات الدولية سعت منذ مطلع العام 2000 لتطويرها من خلال برامج "بناء قدرات" تسمح لها بتنظيم أعمالها بما يسمح بتلقي التمويل الدولي بشكل شفاف وفق مبادئ وشروط ودفاتر تتبع المعايير الدولية في هذا المجال من صياغة المشاريع مرورا بتنظيم موازناتها وصولا الى تقديم تقارير أعمالها وتلقي التدقيق من المموّلين. الأمر الذي يحمل اليوم لبنان أكثر من أي بلد عربي آخر مسؤولية كبرى في إنشاء وتطوير شبكة خاصة بالاقتصاد الاجتماعي التضامني تسمح بالتشبيك بين مختلف الأفرقاء المعنيين بأنشطتها وتقدّم إطار جامع لها من حيث القوانين والرقابة ودراسة لأكثر التدخلات الاقتصادية الاجتماعية التي تقدّمها. فالاقتصاد الاجتماعي التضامني ليس بديلا عن اقتصاد السوق وقطاعات التقليدية إنما مكمّلا لعمل القطاعين العام والخاص في تحقيق الأهداف التنموية المرجوة وحسن توزيع الثروات بما يحفظ العيش الكريم واستقرار المجتمعات وتحرير ديناميكيات الاقتصاد المدمج الذي يأخذ بعيم الاعتبار متطلّبات مختلف شرائح المجتمع ويسمح بدمجها في الحياة الاقتصادية فيحفظ توازنها واستقرارها وتفاعل مختلف مكوّناتها وبيئتها ومواردها فيدخلها في حلقة حميدة من الاستقرار والتقدّم.

الخلاصة، انه مهما كانت مفاهيم الاقتصاد الاجتماعي التضامني راسخة في ثقافة بلدان عديدة، إلا أن إقرار قانون خاص به على غرار بلدان مثل فرنسا، اسبانيا وكندا...أثبت أولوية وضرورة هذا الإطار القانوني الجامع لمختلف مؤسسات هذا القطاع الثالث سبيلا موحدا لتنظيم عملها.

كما لا بد من الاعتراف الرسمي بالقطاع الثالث ورسم التوجهات العامة في السياسات الحكومية دعما لتنفيذ هذا العقد السياسي تجاه المجتمع والانطلاق من مقاربة دامجة لمختلف شرائح المجتمع.

كذلك من المهم إيجاد هيئة استشارية بمستوى رفيع لتكون راعية للقطاع الثالث، تتسم بالاستقلالية والديمقراطية في اتخاذ قراراتها وتحرص على تمثيل مختلف مكوّنات الاقتصاد الاجتماعي التضامني ومواكبة مختلف نشاطاته ومبادراته وتقييم نتائجها.

فضلا عن هيئة مواكبة يكون دورها الاطلاع والتوجيه والمساعدة في مختلف أعمال القطاع الثالث وصولا الى تقديم خدمات ومساعدات مجنية لمؤسساته تشجيعا لنشاطها.

يضاف الى ذلك، أهمية اختيار ناطق رسمي باسم القطاع الثالث يكون وسيطا في أي مباحثات أو مفاوضات من قبل ممثلي الاقتصاد الاجتماعي مع ممثلي القطاعين العام والخاص.

وأيضا التنسيق بين مختلف مكوّنات الاقتصاد الاجتماعي التضامني حتى خلال إنشاء شبكات التعاون بين مؤسسات القطاع الثالث ومن خلال إقامة حاضنات لمختلف مكوّناته (تأمينا للعنصر البشري والتجهيزات اللازمة وغيرها).

كذلك تمويل الابتكار في مجال الاقتصاد الاجتماعي التضامني عبر قروض مصرفية ميسّرة أو صناديق تمويلية داعمة للمشاريع الاقتصادية-الاجتماعية الحديثة التي تعكس أفكارا مبتكرة تساعد على تقدّم مجتمعاتها.

كما توسيع التشبيك في مجال الاقتصاد الاجتماعي على الصعيد المناطقي الإقليمي ونحو العالمية بما من شأنه المساهمة في تبادل الخبرات والتجارب والامكانيات التمويلية والتجهيزية والبشرية.

من الملح أيضا اعتماد برامج الدعم والتسويق التي تساهم في تأمين التجارة العادلة وخلق فرص العمل المناسبة لمختلف الشرائح لاسيما تلك التي كانت الكثر عرضة للتهميش وفق الاقتصاد التقليدي.

فضلا عن ضرورة إصدار دليل للعاملين في مجال الاقتصاد الاجتماعي التضامني يسمح بإظهار المؤسسات المعنية في القطاع الثالث من جمعيات ومنظمات غير حكومية وتعاونيات وصناديق

تعاضد ومؤسسات ريادة اجتماعية. كما يساعد على إقامة خارطة شاملة تساعدها على التفاعل بين بعضها البعض وتمثّل مرجعاً للتعامل معها من قبل سائر الأفرقاء الداخليين والخارجيين.


د. سهام رزق الله: إقتصاد الصحة .. بين خصوصية المعلومات وإشكالية التمويل

2018السبت, 7 يوليو,


إقتصاد الصحة .. بين خصوصية المعلومات وإشكالية التمويل

دكتورة سهام رزق الله – أستاذة محاضرة في جامعة القديس يوسف

متخصصة في الإقتصاد الاجتماعي والتضامني

إقتصاد الصحة مجال جديد يحتلّ حيزاً متناميا من الاقتصاد الاجتماعي ويندرج في صلب قياس أثر النشاط الاقتصادي على نوعية حياة الناس وخدمة المجتمع بما هو أبعد من مجرّد مؤشرات نمو إقتصادي وحركة قطاعات... فماذا يعني "إقتصاد الصحّة" ولما يكثر التداول به ونموّه الواعد؟ ما هي مميزاته على ضوء خصوصية المعلومات بين طالبي الخدمة ومقدميها وإشكالية التمويل بين الجهات المعنية؟ وكيف يمكن قراءة تموضعه بين كل من القطاعين العام والخاص والقطاع الثالث غير الربحي؟

****************************

في الواقع يمكن تعريف إقتصاد الصحّة بتطبيق النظريات والتقنيات الاقتصادية على قطاع يُعنَى بحياة الناس بمختلف ميزاته بما يسمح بترجمة النشاط الاقتصادي في تحسين نوعية عيش الأفراد، معدّل أمل الحياة ورعاية مختلف مراحلها من الطفولة حتى الشيخوخة...

إلا أن الخدمة التي تميّز هذا القطاع، أي الصحّة، تختلف عن سائر الخدمات للقطاعات الاقتصادية كونها ليست سلعة عادية خاضعة للقواعد التقليدية للبيع والشراء في الأسواق وفق مروحة خيارات ينتقي منها المستهلك ما يشاء وفق أذواقه وإمكانياته ويتأثر فيها المنتج بخيارات المستهلكين وإمكانياتهم ليعدّل عروضه وفق متطلّبات السوق... أما السبب فيكمن بشكل أساسي في غياب تناسق المعلومات في هذا القطاع بين الطلب والعرض من جهة وفي تعدد الجهات المعنية بتمويل الحصول على الخدمات من جهة أخرى..

هذه الخصوصية ترتكز على فكرة أن من يطلب الخدمة الصحية يجهلها تماما، فلا هو يعرف أنه بحاجة إليها، ولا هو يدرك مكوّناتها ولا حتى يملك القدرة على قياس رضاه عنها او استفادته منها..! وأكثر من ذلك، فإن طالب الخدمة الصحية لا يختارها أساسا بل هو يخضع لتوجيهات مقدّميها (من الطبيب الذي يستشيره، مرورا بالمختبر والمركز الطبي والمستشفى الذي يقدّم له الخدمات الطبية من مفحوصات وتدخلات مباشرة وصولا الى الصيدلية التي يشتري منه الدواء لمرحلة زمنية أو طيلة العمر) .. طبعاً كل ذلك خلافا لجميع مفاهيم الاقتصاد التي تحكم سائر الخدمات والسلع في السوق...

وعلى خط موازٍ، ونظرا للكلفة الباهظة لهذه الخدمة وارتباطها المباشر بحياة الانسان، كان لا بد من اللجوء الى مؤسسات تُعنى بتمويل عملية الحصول على الخدمات الصحية، إن بتغطية عامة مجانية من الدولة أو مقابل إشتراكات لصناديق الضمان الاجتماعي أو بتغطية خاصة من شركات التأمين أو ووفق مبادئ القطاع الثالث غير الربحي من صناديق تعاضد وغيرها..أو بتقاطع معقّد بين أكثر من جهة من بينها ...

من هنا تقع "الصحة" على تقاطع إهتمام القطاع العام والقطاع الخاص والاقتصاد الاجتماعي التضامني "القطاع الثالث" غير الربحي على حدّ سواء والمتمثّل بشكل أساسي بالمؤسسات الضامنة والمسؤولة عن "تمويل كلفة" الصحّة في أي إقتصاد.

كذلك تمثّل الصحة ثقلا وازناً في نمو الاقتصاد وخلق فرص العمل بشكل واعد للمستقبل لاسيما مع تزايد مستوى الأعمار وتطوّر الخدمات الصحيّة من الطفولة حتى الشيخوخة التي باتت متأخرة أكثر فأكثر في المجتمعات المتقدّمة.

وقد أظهرت دراسة حديثة لمنظّمة العمل الدولية ارتفاع الحاجة لأكثر من خمسين مليون وظيفة لائقة عام 2016 للاستجابة لمتطلّبات الخدمة الطبية والصحية عامة في العالم.

كما أن تزايد المعدّلات العامة للشيخوخة في الأعوام الخمسة عشر القادمة من شأنه زيادة حاجات فرص العمل في الشبكات الطبية لأكثر من 84 مليون فرصة عمل على الصعيد العالمي. كما تظهر أن لأكثر من 57 مليون شخص يعملون في الخدمة الطبية دون أي اجر مباشر أو مقابل لتغطية نقص العنصر البشري الكافي لتأمين هذه الخدمات وهم معظمهم من النساء اللواتي لا تعملن وتتكفّلن بتقديم العناية الطبية للأشخاص المسنين من عائلاتهن بدلا من اللجوء الى ممرضات أو أشخاص متخصّصين في هذا المجال.

وإذا كانت الثورة الصناعية الرابعة، لاسيما اقتصاد المعرفة والتكنولوجيا، تؤدي الى اضمحلال بعض المهن فعدم استقرار الأعمال والوظائف من قطاع الى آخر، إلا أن الثابت والأكيد هو أن قطع الصحة والطبابة يشكّل الدعامة الأساسية لخلق فرص العمل المتزايدة (الاستشفاء، المراكز الطبية، المختبرات...) إن كان للأشخاص المتخصصين بها (أطباء، ممرّضين، صيادلة، متخصّصين في تصوير الأشعة والمختبر...) أو للعمال ذوي الكفاءات المتواضعة (تصنيع أدوات المختبرات، عمال النظافة والعناية بالمستلزمات الطبية...).

ويتبيّن ان معدّل الاستثمار في خلق فرصة عمل لكل طبيب إضافي أو ممرّض من شأنها خلق فرصة عمل لإثنان أو ثلاثة أشخاص من خارج الوسط الطبي المباشر:

ومن أبرز ما يميّز قطاع الصحّة:

أولا: شحّ ونقص المعلومات لدى "المستهلك / المريض" الذي غالبا ما يجهل عمق مشكلته الصحية كما الوسيلة المعتمدة لمعالجته.

ثانيا: صعوبة التأكّد من التكاليف الطبية التي تقع على عاتقه أو على عاتق الهيئة الضامنة أو الدولة التي تؤمن تغطيته في الدول المتقدّمة.

ثالثا: عدم ضمانة النتائج الدقيقة للعلاج الذي يتبعه

رابعا: الدور المزدوج للطبيب من جهة كوكيل عن المريض والموجّه الأساسي له لاستهلاك المواد والخدمات الطبية، ومن جهة أخرى كمقدّم للخدمة الطبية، مما يجعله من جهتي العرض والطلب في آنٍ معاً.

خامسا: تواجد العديد من المراكز الطبية التي لا تبتغي الربح وتعتمد أسعار لا تتعدّى تكاليفها الأساسية

سادسا: رغبة وتوجّه المجتمع لاحتضان مختلف الفئات الأكثر حاجة للعناية الطبية

سابعا: العوائق التي تصعّب الانخراط في مهنة الطب وعمل المحترفين في الصحة.

صحيح أن بعض هذه المميّزات المذكورة أعلاه قد تتوفّر في بعض القطاعات، إلا أن قطاع "إقتصاد الصحة" هو الوحيد الذي يتمتّع بها مجتمعةً في آن.

أما تقييم إقتصاد الصحة فله أيضا خصوصياته التي تبدأ بتوفّر الاستجابة للحاجات الطبية لمختلف المشاكل الصحية المطروحة، وتمرّ بالقوانين والتشريعات التي تشمل مختلف فروع هذا المجال وتنظيم عمل أسواق الخدمات الطبية والتعليم وفرص العمل للعنصر البشري المتخصّص.. ولا تنتهي بوضع المعايير والأنظمة المتبعة لعمل الهيئات الضامنة كفريق ثالث معني بتمويل تغطية تكاليف الخدمات الصحية وكوسيط بين طالبيها ومقدّميها.

هذه الهيئات يختلف عملها وسبل تدخّلها بين البلدان وأنظمتها الاقتصادية والصحية. وتتعدّد أشكالها لاسيما في البلدان التي يضعف فيها الدور الراعي للدولة وبالتالي يتراجع فيها دور القطاع العام في تأمين التغطية الطبية الشاملة لجميع المواطنين كما هي الحال في لبنان. فيبرز من جهة دور القطاع الخاص عبر شركات التأمين الى جانب الدور المتنامي للقطاع الثالث أو ما يُعرَف بالاقتصاد الاجتماعي التضامني الذي يشمل صناديق التعاضد والتعاونيات والصناديق الخاصة ببعض المهن .. وهب بطبيعتها لا تبتغي الربح وتسعى لتأمين التغطية المطلوبة بأقل كلفة وأوسع نطاق.

باختصار، إقتصاد الصحة يمثّل اليوم تحديا جديدا لتبيان مدى استفادة الشعوب من تقدّم إقتصادها في تحسين نوعية ومتطلّبات العيش من الطفولة حتى الشيخوخة المتقدّمة... فإذا كان المواطن يخصّص جزءا كبيرا من موازنته الخاصة لتسديد الفاتورة الصحية والاشتراك بالهيئات الضامنة لتأمين التغطية المطلوبة، يبقى السؤال الأساسي هل أن الحماية الصحية-الاجتماعية الشاملة مؤمنة له بما يضمن إستقلاليته المالية الطبية أولا وكرامته الإنسانية طوال العمر أولا وأخيرا ...وحتى لا يكون الحق الأساسي للفرد بالحصول على هذه الخدمة الحياتية عبءا على أهله في الصغر وعلى أولاده في الشيخوخة وعبءا منهم عليها طيلة شبابه ؟

*******************************************


الاقتصاد الاجتماعي التكافلي: الخيار الثالث؟

http://csrsa.net/post/1228

د. سهام رزق الله (أستاذة محاضرة في جامعة القديس يوسف – باحثة في مركز "قدموس" الدولي)

في موازاة القطاعين العام والخاص، يبرز القطاع الثالث غير الربحي (مثل الجمعيات والتعاونيات والمؤسسات الاجتماعية والريادة الاجتماعية وصناديق التعاضد) كخيار حديث يستند الى ما يعرف بميزة التضامن والتكافل. فما هو سر هذا القطاع الجديد الذي يستقطب يوميا المزيد من الداعمين والممولين والعاملين؟ الامً يستند من حيث المقاربات والامً يرمي من حيث الميزات والغايات؟ ثمة نظريات عديدة تتناول الاقتصاد الاجتماعي التكافلي، فما هي المقاربات المختلفة حول مبدأ التضامن وحيثياته وقراءاته المتنوعة المؤثرة في الأداء الاقتصادي؟

**************************

من الجدير الإشارة الى أن مفهوم التضامن والتكافل شهد نهضة بارزة منذ أوائل التسعينات مع تطوّر السعي لما يسمى بإقتصاديات التنمية المستدامة التي تشمل مؤشرات أبعد وأوسع من معدل النمو الاقتصادي الذي غالبا ما لا يكفي لتظهير التقدم الإقتصادي الإجتماعي البشري على مختلف المستويات.

إنطلاقا من مفهوم التضامن، يظهر الاقتصاد جملة مبادئ وقيم تختلف من جهة عن تلك التي تطبع القطاع العام نظرا لأن مكونات الاقتصاد التضامني غير مملوكة من الدولة وغير مدارة من قبلها وكونها تعطي حرية الانتساب اليها والانسحاب منها، ومن جهة أخرى تختلف عن القطاع الخاص كونها لا تبتغي الربح كما أنها تفسح المجال للديمقراطية في التصويت على القرارات حيث لكل فرد في مؤسسة إجتماعية صوت واحد وليس لكل فرد وزنه تبعا لثقل مساهمته في الشركة كما هي الحال في القطاع الخاص. إلا أن الاقتصاد التضامني لا يعني عدم تحقيق الأرباح، بل ثمة مؤسسات إجتماعية ومنظمات غير حكومية تدير إمكانيات تمويل هائلة وتدفع أعلى رواتب ولكنها تعيد إستثمار كافة أرباحها ولا توزعها على المساهمين كما هي الحال في القطاع الخاص.

ويعكس مبدأ التضامن مساحة مشتركة وروابط بين الأهداف والمصالح بين مجموعة من الناس تتلاقى على جملة من القيم والحاجات والغايات التي تدفعها للتعاون لتحقيقها. أما من أبرز شروط التضامن فهو الترابط بين الأفراد (ضمن الجمعية، أو التعاونية، أو صندوق التعاضد...) وضرورة العمل المشترك غيرالفردي وغير المستقل لتحقيق الغاية المشتركة والمصلحة العامة للمجموعة.

أما في مقاربات التضامن فيلاحظ:

من جهة، مقاربة إيجابية تجعل من التضامن واقعا وتبحث في الإيجابية الاجتماعية التي تربط الأفراد بحالة كلية متكاملة.

من جهة أخرى، مقاربة إسمية لا تقرأ بشكل عام الترابط بين الأفراد ضمن الكل في المجموعة بل تسعى الى نوع من إستقلالية بما يؤسس للبناء الاجتماعي بدلا من الإيجابية الاجتماعية وحسب.

أما أبرز المعايير التي تشكّل ميزات الاقتصاد الاجتماعي التضامني التكافلي فهي:

أولا: حرص واهتمام الاقتصاد الاجتماعي بمجالات خارجة عن العناصر الاقتصادية المباشرة (البيئة، الصحة، العدالة الاجتماعية...)

ثانيا: رفض الفردية التنافسية التي يتسم بها المجتمع الرأسمالي.

ثالثا: إدارة ذاتية لمكونات ومؤسسات الاقتصاد الاجتماعي وانخراطها في المجالات الانتاجية الأكثر ضعفا وتهميشا.

رابعا: المساهمة في دمج الأشخاص ذوي الحاجات الخاصة أو الأكثر تهميشا في الدورة الاقتصادية الاجتماعية الشاملة.

خامسا: العدالة والمساواة بين الأفراد ضمن المجموعات كما بين المستهدفين في المشاريع والمستفيدين منها.

سادسا: الحرية الفردية ولو ضمن روح التعاضد والتكامل في المؤسسات وبين المجموعات لاسيما عبر احترام حرية وإرادة الأفراد في الانضمام الى المبادرات التعاونية والتضامنية وروحية التبادل والديمقراطية في اتخاذ القرارات ضمن المؤسسات الاجتماعية التضامنية كما في مسيرة تنفيذها.

بالننتيجة إن المصالح الفردية تصبح تضامنية طالما تأخذ بعين الاعتبار روح التبادل في التضامن ضمن المؤسسات. وذلك يتعدى الحق بأن يكون الفرد مقدرا في عمله من خلال المردود كبديل مباشر لمجهوده الذي يبذله، ليحصل على المكافآت الرمزية كما المادية التي تعكس تقييم أدائه وتقديره كفرد بشكل مستقل ومميز بما هو أبعد من إعطائه حقه كبدل أتعاب وكمجرد فرد قابل للاستبدال ويؤدي واجبه ضمن مؤسسة.

وإذا كان الاقتصاد التضامني يوحي نظريا أن المبادرات التضامنية هي عمل عفوي، إلا أن الواقع يظهر خلاف ذلك تماما. فالمبادرات الاجتماعية التضامنية الناجحة التي يقدمها ترتكز في معظم الأحيان على تجارب نموذجية وعلى تعاميم ومخططات هادفة تخضع لدراسات عديدة لاسيما وأن الهيئات المساهمة في تمويلها من منظمات غير حكومية محلية أو دولية أو مشتركة تعتمد على معايير رفيعة في دراسة الحاجات لكل مشروع يتقدم لها كما على الأوراق المناهجية وآليات التنفيذ ورزنامة المراحل المقترحة والحملة الإعلانية التمويلية المواكبة كما لخطة تقييم مراحل التنفيذ كما لاهتمام المشروع بتلمس مدى استجابته لحاجات المجتمع المعني به.

من هنا، تبدو أوضح أسباب نمو القطاع الثالث المعروف بالقطاع الذي يبتغي الربح أو الاقتصاد الاجتماعي التضامني التكافلي والذي تطوّر وتحوّل من مجرّد قطاع قائم على مبادرات خيرية متفرّقة الى قطاع منظّم ومموّل وهادف وأكثر ن كل ذلك الى قطاع خاضع لمعايير ولتقييم دائم يشكل حجر الأساس لاستمراريته. أما أبعاد الاقتصاد الاجتماعي المبني على التضامن فهي بحدّ ذاتها ترسم آفاقه المستقبلية التي تجعل المشاريع تستهدف الانسان وتلبية حاجاته وتعطيه فرصة التعبير عن مدى رضاه بعد تنفيذها بدل من جعله رقما يقوم بمجهود ويحصل على أجر مثله مثل غيره، فلا يترك بصمة خاصة به ولا يتكافأ عليها ويبقى رهن القلق من الاستبدال في أي لحظة.

فهل تكون جاذبية الاقتصاد الاجتماعي التضامني انطلاقا من هذه المبادئ والمميزات صرخة وحافزا لإعادة النظر في قيمة الفرد ضمن مجموعة العمل في القطاعين التقليديين العام والخاص أو طريقا لتنامي القطاع الثالث على حسابيهما؟

_____________________________

د. سهام رزق الله

جريدة الجمهورية السبت 15 أيلول 2018

أي مشروعية إجتماعية للمؤسسات الإقتصادية ؟ http://www.aljoumhouria.com/news/index/436139

المشروعية الاجتماعية للمؤسسات الاقتصادية لا تزال مفهوما جديدا يشكل مفاجأة واستغرابا في الأوساط التي تعتبر أن طبيعة عملها تفرض السعي الى أعلى نسبة أرباح بغض النظر عن رضى المجتمع ومشاركته بها. فماذا تعني حقيقة «المشروعية الاجتماعية» بالنسبة لمؤسسات القطاع الخاص التي تبغي الربح بطبيعتها؟ ما هي المشروعية المقصودة؟ من يمنحها ومن يحجبها؟ وعلى أي أساس؟ وبأي سبل، سيما في غياب دور الدولة في هذا المجال؟

يعرّف الاقتصاديون-الاجتماعيون «المشروعية الاجتماعية» بأنها الادراك المشترك لدى مختلف أصحاب المصالح في المجتمع أن مؤسسة معينة تقوم بالنشاطات المطلوبة والمؤاتية والمرغوبة بالنسبة للنظام الاجتماعي المبني على مجموعة معايير وقيم ومعتقدات إجتماعية. ويزداد مؤخرا تسابق المؤسسات على تظهير نفسها مسؤولة إجتماعيا في القضايا التي تهم الناس من حيث الحفاظ على البيئة، المردودية الاقتصادية لمشاريعها، الاستجابة للحاجات الاجتماعية والتركيز على التنمية المستدامة بالمحافظة على الموارد الطبيعية للأجيال القادمة...


أما أصحاب المصالح المؤثرون على المؤسسات والمتأثرون بها فهم: المساهمون، المستثمرون، الموظفون، المستهلكون، الموردون، المنافسون، الإعلام، المؤسسات الرسمية، الجمعيات والمنظمات غير حكومية المتخصصة في الشؤون البيئية والاجتماعية وحقوق الانسان، النقابات المنظمات...


تجدر الإشارة الى أن اكتساب المؤسسة «المشروعية الاجتماعية» يتطلب إدراج معايير المسؤولية الاجتماعية في استراتيجية المؤسسات كاملة، وليس فقط ضمن مشروع محدد من مشاريعها.


أما المؤسسات التي هي الأكثر حاجة لاكتساب «المشروعية الاجتماعية» فهي بشكل أساسي المؤسسات التي تفرض طبيعة عملها خطر التسبّب بتلوّث للبيئة أو استنزاف لمواردها الطبيعية (بعض المصانع، المقالع...) أو تلك التي تحقّق أعلى مستوى أرباح مقارنة بسائر القطاعات في المحيط الذي تعمل فيه (كما هي مثلا حال المصارف في لبنان وقطاع البناء قبل حالة الجمود الحالية) والتي تسعى لإظهار اهتمامها بمشاركة المجتمع بقسم من أرباحها التي تساهم في تحقيقها.


توجد ثلاثة سبل لتبنّي المؤسسة للقيم والمعايير التي تكسبها «المشروعية الاجتماعية» رضائيا او فرضا من قبل المجتمع الذي تعمل فيه:

أولا- العادة: بعض المؤسسات تعتاد بشكل لا إرادي على تبنّي قيم ومبادئ يفرضها عليها مجتمعها والبيئة الحاضنة لأعمالها بغض النظر عن قناعاتها بها.

ثانيا- التقليد: البعض الآخر من المؤسسات تسعى الى تقليد خيارات مؤسسات أخرى أثبتت نجاحها ومصداقيتها في المجتمع واكتسبت فيه «المشروعية الاجتماعية» المرجوة. وبالتالي، تعتمد المؤسسات الأخرى على تقليدها باعتمادها القيم والاجراءات التي اتبعتها دون أن تخاطر وتجرّب خيارات أخرى، فتتبنّى تجارب ناجحة عن وعي وبشكل إرادي أو عن غير وعي وبشكل لا إرادي، فقط طبقا لما يرضي المجتمع.

ثالثا- الامتثال والتبنّي الصادق: الفئة الثالثة من المؤسسات تتمثّل بجملة قيم ومبادئ ومتطلبات العمل المؤسساتي وتتبناها عن قناعة وإرادة تامة فتدرجها في استراتيجيتها وتضع لها آليات التنفيذ اللازمة بغض النظر عمّا يقوم به سواها.


أما الضغوط التي يمارسها المجتمع والبيئة الحاضنة للمؤسسات لمنحها «المشروعية الاجتماعية» المطلوبة لصالح نفسها ولصالحه على حد سواء، فهي من ثلاثة أنواع:

أولا- ضغوط قانونية: من تشريعات وقوانين حقوق وقواعد عمل تلزمها بها وتعاقبها على غيابها وتؤمن لها «مشروعية قانونية».

ثانيا- ضغوط قيمية: من معايير وقيم وشهادات ومقاييس تسمح بتصنيف المؤسسة دوليا في حال التزامها بها مما يؤمّن لها «مشروعية معنوية».

ثالثا- ضغوط تقليدية: من ممارسات وإجراءات شكلت أدوات نجاح لمؤسسات أخرى حتى باتت بطاقة اعتماد للعبور نحو «المشروعية الاجتماعية» المضمونة والمجرّبة دون مخاطرة.


وبغض النظر عن الضغوط والقناعات والسبل المعتمدة لاكتساب «المشروعية الاجتماعية»، وفي ظل غياب دور الدولة في تأطير وضمان المسؤولية الاجتماعية، يبقى الرهان على قناعة والتزام الشركات الخاصة من جهة، وعلى إمكانيات المراقبة والمتابعة من قبل المجتمع من جهة أخرى، لأن المشروعية الاجتماعية تتطلب أكثر من جهد لمجرد إكتسابها...إنها تتطلب جهودا مستمرة للمحافظة عليها.

_______

لبنان: الدين العام يتخطّى عتبة 150 في المئة من الناتج المحلي وفق تقرير البنك الدولي

https://www.alquds.co.uk/%D9%84%D8%A8%D9%86%D8%A7%D9%86-%D8%A7%D9%84%D8%AF%D9%8A%D9%86-%D8%A7%D9%84%D8%B9%D8%A7%D9%85-%D9%8A%D8%AA%D8%AE%D8%B7%D9%91%D9%89-%D8%B9%D8%AA%D8%A8%D8%A9-150-%D9%81%D9%8A-%D8%A7%D9%84%D9%85%D8%A6/?fbclid=IwAR20BsvbpGzXE0ZXip8dTvLAqHmRUhELY4C0cTwoXGJ1wF1n6ZnQiV6rzfE

لبنان: الدين العام يتخطّى عتبة 150 في المئة من الناتج المحلي وفق تقرير البنك الدولي

10 - نوفمبر - 2018

ناديا الياس

بيروت-“القدس العربي”: كثرت التحذيرات الدولية حيال ما آلت إليه الأوضاع في البلاد التي تقترب من المأزق المالي والاقتصادي بسبب التدهور السريع الذي يطال سائر النشاطات والأعمال، ويؤّدي إلى استنزاف ما تبقى من طاقات وامكانات بشكل عام في ظلّ عرقلة تشكيل الحكومة والخطوات الإصلاحية واستمرار الأزمة السورية وتداعياتها على الاقتصاد، الأمر الذي ينذر بمستقبل قاتم للاقتصاد وهذا ما حذّر منه مؤّخراً البنك الدولي.

وعلى ضوء الانذارات التي وجّهها البنك الدولي والسياسات الاقتصادية والنقدية في لبنان، التقت “القدس العربي” الدكتورة سهام رزق الله الاستاذة المحاضرة في جامعة القديس يوسف كلية الاقتصاد، والمستشارة في السياسة النقدية والاقتصاد الاجتماعي التي قدّمت رؤيتها الاقتصادية الشاملة، وطالبت بتشكيل الحكومة سريعاً للحؤول دون التدهور الأخطر للوضع الاقتصادي للبلاد وتفويت فرصة الاستفادة من الصدمة الإيجابية التي وعد لبنان بها من مؤتمر “سيدر” كما حذّرت من خطورة التمادي في تأجيل الإصلاح الاقتصادي المنشود .

واستعرضت رزق الله “الوضع الاقتصادي الذي يشهد تراجعاً متزايداً منذ اندلاع الأزمة في سوريا، وقد تراجع معدّل نمّوه الاقتصادي من نحو 8 في المئة قبل الأزمة السورية إلى حدود 1 في المئة اليوم والمعروف أنّ التأثير الأساسي لأحداث سوريا على اقتصاد لبنان يكمن من ناحية في كون سوريا البوابة البرية الوحيدة للبنان نحو مختلف البلدان العربية إن كان لانتقال البضائع أو الأشخاص (أيّ للتجارة كما للسياحة وهما ركيزتا الاقتصاد اللبناني).

ومن ناحية أخرى نظراً للتكاليف المباشرة وغير المباشرة لأعداد النازحين السوريين إلى لبنان. إلا أنه لا يمكن تحميل الأزمة السورية المسؤولية الكاملة، وعلى الرغم من أهمية تأثيرها، إذ ثمة تعثّرات كبرى للاقتصاد اللبناني لاسيما بسبب أوضاع المالية العامة التي تلقي بأعبائها على النظام المصرفي ككل (مصرف لبنان والمصارف التجارية) وتزيد الترابط بينها من خلال عمليات الهندسات المالية المتلاحقة والناجحة حتى الآن في إدارة الأزمة والدفاع المستمر عن الاستقرار النقدي”.

وأكدّت رزق الله أنه “لا يمكن الاستمرار إلى ما لا نهاية في إدارة أزمة المالية العامة وفي تسجيل العجز المالي المتزايد والذي يزيد الدين العام أكثر من 7 في المئة سنوّياً في حين لا يزيد نمّو الاقتصاد أكثر من 1 في المئة سنوياً. لاسيما مع تزايد مستوى الفوائد وبالتالي خدمة الدين التي باتت تمتص أكثر من ثلث الناتج المحلي السنوي ويتخطى الدين العام عتبة 150 في المئة من الناتج المحلي وفق التقارير المحلية والدولية وآخرها نشرة تشرين الأول/اكتوبر 2018 للبنك الدولي”.

ورأت انه “لا يمكن الاستمرار في نقل الضغط من المالية العامة على الجهاز المصرفي المسؤول عن تمويل كامل الاقتصاد بما فيه القطاع الخاص وليس القطاع العام وحده، وبالتالي عندما تتوجّه حصة متزايدة من توظيفات المصارف بالليرة وبالدولار نحو تمويل الدولة وترتفع معدلات الفوائد على النحو الذي أصبحت عليه اليوم يصعب أكثر فأكثر حصول القطاعات الاقتصادية على التمويل الضروري للاستثمار الخاص” مشيرة في الوقت عينه إلى “أنّ هذا الاستثمار لا يتوقّف فقط على تأثير الأزمة السورية أو معدّل الفوائد المتزايد أيضاً من جراء المخاطر بل يتطلّب مناخاً استثمارياً إيجابياً يستلزم أولاً وسريعاً تشكيل حكومة اليوم قبل الغد”.

واعتبرت الدكتورة سهام رزق الله “أنّ تشكيل الحكومة اليوم لم يعد مطلباً سياسياً فقط لانتظام عمل المؤسسات إنما مطلباً اقتصادياً ملحّاً أيضاً للحؤول دون التدهور الأخطر للوضع الاقتصادي للبلاد وتفويت فرصة الاستفادة من الصدمة الإيجابية التي وعد لبنان بها من مؤتمر سيدر، والذي التزم خلاله بجملة إصلاحات فعلية تتطلّب تكاتف وتضامن لضبط الهدر وتحسين المالية العامة وتحريك العجلة الاقتصادية وخلق فرص العمل وكسر الحلقة المفرغة لتنامي المديونية العامة”.

وأكدّت في السياق عينه “أن الأوضاع الاجتماعيّة والمعيشية التي يشهدها لبنان لم تعد تحتمل تأجيل الملفات وإدارة الأزمات عبر تأخير انفجارها، بل تتطلّب معالجة جذرية لها على جميع المستويات خاصة وقد ارتفعت نسبة البطالة، لتتجاوز الـ25 في المئة وأكثر، وكذلك معدّلات الفقر وتراجع مؤشرات التنمية المستدامة في جميع الميادين”.

وتطرقت إلى تحذيرات البنك الدولي الأخيرة فقالت “يكفي النظر لمجرى تطوّر المؤشّرات الاقتصادية الواردة في منشورات البنك الدولي الأخيرة في الجدول لتبيان خطورة التمادي في تأجيل الإصلاح الاقتصادي المنشود والملحّ، والذي لا يمكن حصوله إلا مع تشكيل حكومة سريعاً والتضامن في معالجة الملفات الأساسية”.

وأكدت “أن تثبيت سعر صرف الليرة اللبنانية إلى الدولار الأمريكي والدفاع عن استقراره الدائم بات عنصر الثقة الأساسي، كي لا نقول الوحيد، في الاقتصاد اللبناني، وقد نجح المصرف المركزي في المحافظة عليه في أحلك التجارب التي مرّ بها لبنان في السنوات الأخيرة ولا يزال، إلاّ أنّ المشهد الكامل للاقتصاد يتطلّب النظر إلى جملة المؤشرات في المالية العامة كما في حركة القطاعات الاقتصادية التي تحتاج لمناخ استثماري إيجابي وإصلاح اقتصادي فعليّ لتخفيف الضغط عن النقد والجهاز المصرفي ليلعب دوره الكامل كعمود فقري للاقتصاد ككل وليس كداعم اضطراري دائم لضعف المالية العامة للدولة”.


مؤسسات الريادية الاجتماعية ... إقلاع وتحليق ولو دون تنظيم

د. سهام رزق الله (أستاذة محاضرة في جامعة القديس يوسف وباحثة في الاقتصاد الاجتماعي)

http://csrsa.net/post/1250

تتعدد تعريفات مؤسسات الريادة الاجتماعية وتختلف أطر عملها الحديث على بين بلد وآخر، حيث بادرت بعض الدول الى تنظيمها وبقيت الأخرى في انتظار بلورة المفهوم والمبادئ وآليات العمل. وإذا كان من المعروف أن مؤسسات الريادة الإجتماعية تنتمي الى ما بات يُعرف بالإقتصاد الإجتماعي التضامني إلا أن ما يمّيز هذه المؤسسات عن غيرها من مكوّنات "القطاع الثالث" هو كونها ليست جمعيات ولا هي شركات خاصة فكيف ذلك؟ وبماذا تتلاقى وتختلف مع كل منها انطلاقا من مبادئها الخاصة وأهدافها الأساسية؟ وما هو واقعها في المنطقة العربية ولبنان؟

***********************

في التعريف العام لمؤسسات الريادة الاجتماعية ، اقترحت المفوضية الأوروبية عام 2011 تعريفًا للمشروع الاجتماعي يركز على 3 نقاط:

هي شركة هدفها الرئيسي أن يكون لها تأثير اجتماعي بدلاً من تحقيق الربح لأصحابها أو شركائها ؛

التي تعمل في السوق من خلال توفير السلع والخدمات و يستخدم الفائض (المكاسب) في المقام الأول لأغراض اجتماعية.

وهو يخضع للإدارة المسؤولة والشفافة ، لا سيما عن طريق ربط موظفيها وعملائها وأصحاب المصلحة المعنيين بأنشطتها الاقتصادية.

إذا أردنا اختصار خصوصية مؤسسات الريادة الاجتماعية التابعة للإقتصاد الإجتماعي التضامني فيمكن ذلك من خلال تصنيفها وفق ثلاثة أبعاد من المؤشرات التي تميّزها:

المؤشرات الاقتصادية: حيث يمكن التشبيك بين المبادئ الاقتصادية ومنطق التعاضد، توافق بين الإلتزام الاقتصادي والاجتماعي والبيئي وتظهير الأعمال.

المؤشرات الاجتماعية: هدف نهائي يتمحور حول إحداث التغيير والتحرّر، التضامن الديمقراطي، الإستقلالية.

المؤشرات السياسية: البُعد العام، مساحات عامة وسيطة والريادة الإجتماعية والبناء السياسي المؤسساتي

وقد نشأ مفهوم المشاريع الاجتماعية في أوائل التسعينيات ، في الولايات المتحدة وإيطاليا.

في الولايات المتحدة، وجدت أول صدى كبير في وقت مبكر من خلال "كليات إدارة الأعمال" للجامعات الشهيرة مثل هارفارد ومن خلال الأسس التي قررت لتعزيز المشاريع الاجتماعية الفردية أو الجماعية. كان الهدف هو العثور على مصدر تمويل كافٍ لتنفيذ التدخلات الاجتماعية والبيئية ، إلخ.

أما في إيطاليا ، ففي أوائل التسعينيات ، أصدر البرلمان قانونًا يعترف بوضع التعاونية الاجتماعية. حفز هذا النص على تطوير الحركة التعاونية ، لا سيما من خلال الإجراءات التي تهدف إلى دمج الأشخاص المهمشين في العمل. ثم انتشر مفهوم هذه التعاونيات الاجتماعية الإيطالية في جميع أنحاء أوروبا.

المؤسسات الاجتماعية وأعمالها:

مثلها مثل أي هيكلية اقتصادية ، تبحث المؤسسة الاجتماعية عن العملاء لبيع السلع والخدمات. اختلافها هو أنها لا تسعى إلى الربح من أجل الربح ، ولكنها تستخدم نتائجها لتمويل العمل الاجتماعي الذي يتم تتسم به.

في العديد من الحالات ، تكون بعض موارد المؤسسات الاجتماعية ذات منشأ عام. كما تتميز هذه الشركات أيضًا بطرق الإدارة التشاركية.

وتعمل مؤسسات الريادة الاجتماعية على المساهمة في التنمية المستدامة في أبعادها الاقتصادية والاجتماعية والبيئية والقائمة على المشاركة ويمكن لمؤسسات الريادة الاجتماعية مثلا في فرنسا من العام 2016 الاستفادة من ترخيص شركة التضامن الاجتماعي، وهذه العلامة المعتمدة تسهل تمويلها من قبل المجتمع بحث تسمح لها الحصول على القروض المصرفية لتوسيع أعمالها خلافا لما هي حال الجمعيات والمنظمات غير الحكومية التي لا يمكنها الاقتراض، في حين أن الجمعيات يمكنها الحصول هلى الهبات التي لا يحق لشركات الريادة الاجتماعية الاستفادة منها.

في المقابل، الفرق بين الشركات التي تنتمي الى القطاع الخاص ومؤسسات الريادة الاجتماعية هو أن الشركات الخاصة تبتغي أعلى مستوى أرباح لتوزيعها على المساهمين فيها، وذلك إما عبر أعلى مستوى من الانتاج من خلال كلفة محددة أو عبر استهداف مستوى إنتاج مرجو عبر تقليص التكالف الى أدنى درجة ممكنة، في حين أن مؤسسات الريادة تعمل على إعادة إستثمار أرباحها في المجال نفسه بهدف الخدمة الإجتماعية ولا تعمل على توزيعها.

ومن الجدير ذكره ان أبرز مجالات الاستثمار في الريادة الاجتماعية هو الرعاية الاجتماعية والأنشطة المالية والتأمين والتعليم والصحة

أما في المنطقة العربية، فيمكن لمؤسسات الريادة الإجتماعية أن تكون حلاً فعالًا للحاجات الاقتصادية الاجتماعية الملحّة من خلال التوفيق بين كل من الاستدامة المالية (الأرباح) وأولوية التأثير الاجتماعي، لتساهم هذه المؤسسات في كل من التنشيط الاقتصادي وإعادة البناء الاجتماعي بشكل خاص للشباب.

وتعتبر ريادة الأعمال الاجتماعية "طريقة ثالثة" يمكن أن توازن بين الرغبة في تحقيق المزيد من المساواة الاجتماعية والحاجة إلى النمو الاقتصادي السريع. على مستوى الاقتصاد الكلي تتسم المشاريع الاجتماعية بنموذج من أصحاب المصالح المتميّزين بالضوابط الادارية والحوكمة الجيدة، ولكن أيضا بتوزيع الأرباح والفوائد بشكل أكثر إنصافا واستدامة على المدى الطويل.

كما تتميّز ريادة الأعمال الاجتماعية بعدم حصر اهتمامها بالمساهمين، بل تخضع الشركة لشبكة من أصحاب المصالح ، بما في ذلك العملاء والموظفين والموردين والمستثمرين والمجتمع والبيئة. في المنطقة العربية، تبنت بلدان عديدة مختلفة للريادة الاجتماعية غالبا وفق خصوصيات نظامها الاقتصادي الاجتماعي الأساسي. .. ولكن حيثما كان أثبتت ريادة الأعمال الاجتماعية قدرتها على تقديم حل قوي لأنها تساهم في الحد من المشكلات الاجتماعية والبيئية دون الاضطرار إلى الاعتماد على الأعمال الخيرية أو التمويل العام.

وتبيّن وسط عجز الثنائية الاقتصادية التقليدية المتمثّلة بالقطاعين العام والخاص وحدها عن معالجة الحاجات التنموية الملحّة إن إنشاء مؤسسات الريادة الإجتماعية يبقى الأمل الوحيد في تحقيق حلول مستدامة ومتطورة للمشاكل الاجتماعية والبيئية العاجلة.

ولكن إزاء التنامي العفوي لمؤسسات الريادة الإجتماعي في المنطقة العربية، لا تزال أطرها التنظيمية ضعيفة وشبه غائبة ومتروكة للمبادرات العفوية والهامش الواسع للحركة ولاختيار أولويات التدخل الاقتصادي الاجتماع والتنموي بدزن تسهيلات خاصة ولا توجيه ممنهج.

في السعودية تعتبر مؤسسة الملك سلمان للشباب أكبر داعم لرواد الأعمال الاجتماعيين، ومؤسسة الأمير محمد بن سلمان ( مسك الخيرية) ، فضلا عن برنامج “بادر” التابع لمدينة الملك عبدالعزيز للعلوم والتكنولوجيا، وبنك التنمية الوطني ( ريادة )...

وفي مصر، توجد جمعية نهضة المحروسة، وحاضنة أعمال جسر ” وحاضنة ” انطلق ” التي أسستها أكاديمية البحث العلمي وغيرها..

وفي الإمارات، أطلقتها مؤسسة الإمارات في أبو ظبي “جائزة الإمارات لشباب الخليج العربي” لتشجيع الشباب الخليجي على إنشاء المبادرات الاجتماعية و إقامة وتطوير مشاريع الريادة الاجتماعية.

وتبقى تونس الأولة عربيا في مجال الريادة الإجتماعية، وأهم مشاريع مؤسسات ريادة الأعمال فيها هي في مجال الاقتصادي الرقمي، وقد سبق وأطلقت تونس قبل سنوات مشروع "خارطة الطريق تونس الرقمية 2018"، وحثت القطاعين العمومي والخاص ورجال الأعمال وأصحاب الشركات والمؤسسات الصغيرة والمتوسطة للتوجه نحو التجارة الإلكترونية.

أما في لبنان فقد برزت مؤسسات ريادة الأعمال الاجتماعية وتطوّرت بشكل كبير، والمعروف أن من أبرزها arc en ciel". ولو أن معظمها مسجّل إما وفق الهيكلية القانونية أو وفق هيكلية شركة لبنانية ذات مسؤولية محدودة فيما نادرا ما تختار هذه المؤسسات ان تتسجّل وفق هيكلية شركات مساهمة.

وكذلك في ظل غياب شكل قانوني خاص بتسجيل الشركات الاجتماعية في المنطقة العربية، فإن معظم المبادرين لإنشاء مؤسسات ريادة الأعمال يختارون تلقائيا تسجيلها على أنها شركات ذات مسؤولية محدودة. على أن يتشكّل مجلس الإدارة من المؤسسين والموظفين الأساسيين ..وتعتمد لتمويلها على الاستثمارات المؤسسية ورساميل تأسيسها والقروض المصرفية فضلا عن برامج المسؤولية الاجتماعية للشركات الساعية لتظهير نفسها مساهمة في تحقيق أهداف التنمية المستدامة.

وبينما يزداد التطلّع الى مبادرات الريادة والابتكار الاجتماعي للمنطقة العربية، تبدو أولويات المشاريع الاجتماعية باعتبارها النهج المفضل لأنها قادرة ليس فقط على النهوض بالاقتصاد إنما بتحقيق ذلك وفق مبادئ التوازن والمشاركة والدمج لجميع الفئات الاجتماعية لتحسين مستوى العيش للجميع بالتالي تأمين تنمية مستدامة متوازنة ودامجة ومستقرّة.

______________________

https://www.aljoumhouria.com/news/index/446690

الريادة الإجتماعية بين الإبتكار الربحي والغاية التنموية

د. سهام رزق الله

الثلاثاء 27 تشرين الثاني 2018

الريادة الاجتماعية مفهوم جديد يشقّ طريقه في صلب النقاش حول القطاع «الثالث» الصاعد المتمثّل بالإقتصاد الاجتماعي. فما هو تعريف هذا المفهوم؟ كيف يمكن إدراجه ضمن مكوّنات الاقتصاد الاجتماعي والتضامني؟ ما هي ميزات هذه المؤسسات التي تنتمي إليه؟ وكيف تساهم في تحفيز الاقتصاد الاجتماعي كأحد أعمدته وأحدث مكوّناته؟ وبماذا تختلف عن سائر المؤسسات الخارجة عن إطار القطاع الثالث وماذا ينتظر تقدّمها؟

خلال السنوات العشر الماضية، اكتسب الابتكار الاجتماعي مكاناً متزايداً في عالم العمل وشقّت مؤسسات الريادة الاجتماعية طريقها الحديث بين سائر المكوّنات التقليدية للإقتصاد الاجتماعي التضامني من جمعيات/منظمات غير حكومية تعاونيات وصناديق تعاضد، ضمن الالتزام بمبادئه الأساسية ومع زيادة خصوصياتها وميزاتها.

علما أنّ الميزات التي يستند اليها الاقتصاد الاجتماعي التضامني التكافلي هي:

- أولاً: حرص واهتمام الاقتصاد الاجتماعي بمجالات خارجة عن العناصر الاقتصادية المباشرة (البيئة، الصحة، العدالة الاجتماعية…)

- ثانياً: رفض الفردية التنافسية التي يتّسم بها المجتمع الرأسمالي.

- ثالثاً: إدارة ذاتية لمكوّنات ومؤسّسات الاقتصاد الاجتماعي وانخراطها في المجالات الإنتاجية الأكثر ضعفاً وتهميشاً.

- رابعاً: المساهمة في دمج الأشخاص ذوي الحاجات الخاصة أو الأكثر تهميشاً في الدورة الاقتصادية الاجتماعية الشاملة.

- خامساً: العدالة والمساواة بين الأفراد ضمن المجموعات كما بين المستهدفين في المشاريع والمستفيدين منها.

- سادساً: الحرية الفردية ولو ضمن روح التعاضد والتكامل في المؤسسات وبين المجموعات.

سابعاً: حرية الانتساب والانسحاب دون قيود.

ثامناً: الحوكمة الجيدة والشفافة.

تاسعاً: جعل غاية النشاط خدمة الإنسان وليس الربح الذي لا يمنّ توزيعه بل اعادة استثماره للغايات الاجتماعية نفسها.

عاشراً: الديمقراطية في اتّخاذ القرارات على اعتبار صوت لكل فرد وليس وفق قيمة الأسهم بين الأفراد.

السمات الأساسية المباشرة للريادة الاجتماعية فهي:

أولاً: تفكير غير تقليدي: تعبر عن محاولة إحداث تحوّل ثوري لمواجهة التحديات الاجتماعية.

ثانياً: تقديم حلول مستدامة: ينبغي أن تنطوي الريادة الاجتماعية على إستراتيجية لتحقيق التنمية المستدامة، وتقديم حلول دائمة لمشكلات متأصّلة في المجتمع، ولا تكون مجرد حلول وقتية أو ذات أثر هامشي محدود.

ثالثاً: تحقيق الأثر الاجتماعي الإيجابي: تستلزم الريادة الاجتماعية إحداث أثر إجتماعي ملحوظ للمجتمعات التي عانت طويلاً من التهميش والحرمان من قبل الجهات الفاعلة ومؤسسات الدولة، وبالتالي يمكن قياس هذا الأثر بمقارنة حال هذا المجتمع قبل ظهور حلول مبدعة لمشكلاته المستعصية بما بعدها.

وتبقى ضرورة التمييز من جهة بين مؤسسات الريادة الاجتماعية والجمعيات من منطلق أنّ الأولى يمكنها الاستحصال على قروض مصرفية لتمويل إستثماراتها وليس على هبات، في حين أنّ الجمعيات والمنظمات غير الحكومية لا يمكنها الحصول على قروض بل على هبات وتمويل مباشر لمشاريعها ودعم من الدولة ومنظمات دولية بالاضافة الى مساهمات الأعضاء.

ويتميّز الابتكار الاجتماعي بالاستجابة لحالة اجتماعية تُعتبر غير مرضية. يعتقد الاقتصاد الاجتماعي أنه لا يمكن تحقيق هذه الحلول إلّا من خلال العمل الجماعي والتغيير المؤسّسي، بينما تدعم روح المبادرة الاجتماعية بشكل عام فكرة أنّ الأفراد - رجال الأعمال - يوفرون شرارة تسمح بحلّ المشكلات الاجتماعية.

ويتفّق الجميع على شرطين واضحين. يقوم الأوّل على أنّ الهدف الاجتماعي يجب أن يكون هدف شركة الريادة الاجتماعية، والثاني على أنّ نموذج عمل الشركة يجب أن يحقق لها الاستقلالية المالية.

وبالتالي، يقوم التعريف على توظيف الأدوات الريادية والتفكير الريادي في خدمة قضيّة اجتماعية (أو بيئيّة)، وذلك بضمان استدامة النشاط أي ضمان أثره.

ولأنّ هذه النوعية من المشاريع تحتاج للدعم والتشجيع، خصوصاً المشاريع المبتدئة أو الناشة منها؛ يبقى السؤال متى يتبلور الإطار التنظيمي الضروري لدعم وتحفيز هذه المبادرات لا سيما في ظلّ صعوبة القطاعين التقليديّين العام والخاص في الاستجابة وحيدَين الى الحاجات التنموية للمجتمع؟


La légitimité sociale des entreprises:

http://csrsa.net/post/1265http://csrsa.net/post/1265

Quels acteurs? Et quels déterminants ?

Dr. Siham Rizkallah (Maitre de Conférence – Université Saint Joseph – Faculté de Sciences Economiques – chercheur en Economie Sociale et Solidaire)

L’évolution du concept de Responsabilité Sociale des Entreprises (RSE) à l’échelle mondiale et l’absence de cadre règlementaire encourageant dans les pays en développement dont le Liban amènent à rechercher l’origine de l’effort des entreprises à s’afficher socialement responsables par libre choix volontaire et facultatif. Le besoin de légitimité sociale s’avère la raison principale qui exige plein d’efforts et de sacrifices des entreprises qui se précipitent face à leurs concurrents de gagner la meilleure réputation aux yeux des différentes composantes de la société ou elles opèrent. Comment se définit alors la ‘légitimité sociale’ ? Quels sont les acteurs susceptibles de l’accorder aux entreprises ? et selon quels déterminants ?

**********************

Au fait, si dans les pays développés la RSE est devenue bien encadrée par les institutions publiques, réglementée par des lois qui encouragent les entreprises à aller davantage dans ce sens et favorisée par des mesures fiscales incitatives.., ce n’est pas le cas dans d’autres pays ou la RSE est introduite par libre choix des entreprises privées de manière facultative, libre et volontaire comme c’est particulièrement le cas au Liban.

Dans de telles circonstances, il est évident de s’interroger sur les raisons qui poussent les entreprises à supporter les couts indispensables pour investir en RSE et attendre les résultats souhaités à long terme en termes d’amélioration de l’image, de la crédibilité et de la réputation aux yeux des agents, la fidélité des parties prenantes (employés, clients,…) et par suite l’amélioration des résultats financiers.. Il s’avère que parmi les parties prenantes (internes : actionnaires, employés… et externes : clients, fournisseurs, Etat, concurrents, medias et société civile englobant les ONG, les syndicats…), le concurrent de l’entreprise s’avère la principale origine déclenchant cette ‘course’ à s’afficher socialement responsable pour acquérir la confiance du public et préserver sa part de marche qui risque d’être attirée par le concurrent s’il se montre davantage socialement responsable.

Plus précisément, les entreprises se concurrencent pour gagner ce qu’on appelle la ‘légitimité sociale’ qui se définit par l’impression partagée que les actions de l’entreprise sont désirables, convenables ou appropriées par rapport au système socialement construit de normes, valeurs ou croyances sociales.

A savoir que les entreprises qui ont le plus besoin d’acquérir la ‘légitimité sociale’ sont essentiellement celles dont l'activité principale risque de provoquer des externalités négatives ou les entreprises qui réalisent le plus de profits dans la société ou elles opèrent. Les entreprises à externalités négatives sont comme les industries provoquant la pollution, les cimenteries qui portent atteinte a la nature et la biodiversite, les usines qui risquent d’épuiser certaines ressources naturelles pour maximiser leurs profits actuels…sans tenir compte des besoins des générations futures. Les entreprises faisant le plus de profits par rapport aux autres secteurs dans la société ou elles opèrent sont comme par exemple le secteur bancaire au Liban qui constitue le dynamo du financement aussi bien public que privé au Liban ou le secteur de la construction avant la situation de stagnation actuelle.. Ces secteurs font l’effort de montrer qu’ils sont conscients des besoins de la société qui a contribué à la réalisation de leur succès et sont prêts à partager une partie de leur profit avec elle par l’adoption de la RSE dans leur stratégie globale et le soutien des initiatives contribuant à favoriser le Développement Durable au-delà de la recherche juste de la croissance économique et l’augmentation de leurs propres profits.

Ainsi, par la recherche de la ‘légitimité sociale’, les entreprises se plient aux pressions qu’exerce leur environnement par trois effets principaux :

Premièrement, l’habitude : qui renvoie à l’intégration inconsciente par l’entreprise de valeurs et de normes imposées par la société et l’environnement qui l’entourent.

Deuxièmement, l’imitation : qui amène l’entreprise a adopter les pratiques d’autres entreprises bénéficiant déjà de réputation et de légitimité de manière consciente ou inconsciente sans prendre le risque de tenter de nouvelles pratiques.

Troisièmement, la conformité : qui conduit l’entreprise de manière consciente et convaincue à intégrer les valeurs et exigences sociales dans sa stratégie et ses choix.

Ces pressions de la part de la société sur l’entreprise cherchant à acquérir la légitimité sociale sont de trois sources :

La première est coercitive : lois, règles… assurant la légitimité sociale.

La deuxième est normative : valeurs, normes… accordant la légitimité morale

La troisième est mimétique : croyances et pratiques déjà réussies dans d’autres entreprises pour une légitimité déjà reconnaissable.

Ainsi, la légitimité sociale, condition nécessaire pour la réalisation de la RSE, n’est pas un acte individuel momentané mais un engagement social de long terme qui amène à s’interroger sur les outils et moyens de contrôle indispensable pour assurer le suivi de l’entreprise dans un tel engagement social durable

د. سهام رزق الله: بين المستشار الاقتصادي وأصحاب القرار..عشرة تحديات في رحلة ألف ميل

27-12-2018

http://csrsa.net/post/1264

د. سهام رزق الله (أستاذة محاضرة في جامعة القديس يوسف ومستشارة إقتصادية إجتماعية)

مهمة المستشار الاقتصادي الى جانب أصحاب القرار والمتعاطين بالشأن العام من منطلق العمل الوزاري أو النيابي مسألة دقيقة تحكمها تحديات كبرى بين القدرة على الاقناع بما يراه الاقتصادي ضروريا وملحا وبين ما يراه السياسي ممكنا وأولويا بالنظر لقناعاته كما لانتمائه. علما أنه عندما يشرح الخبير الواقع الإقتصادي، يقوم بعمل علمي مبني على نظريات ثابتة وتجارب مثبتة أما عندما يسعى إلى تحسين الواقع الاقتصادي ويقدم إقتراحات عملية لتنفيذها يكتسب صفة المستشار لأصحاب الشأن، وتبدأ بذلك رحلة التحدي لإيصال فكرته والتمهيد لتنفيذها والسير وسط حقل الألغام لإيصالها الى بر الأمان. فأين تكمن أسس التحديات؟ كيف يمكن تلخيصها وشرحها وأي أفق لتخطيها ودوزنة العلاقة بين الطرفين؟

****************

يتخرّج سنويا ألوف المتخصصين بالعلوم الاقتصادية ويتوزعون بين مختلف مجالات العمل والقطاعات فيعملون في المصارف والشركات المالية والمؤسسات الكبرى التجارية والصناعية والسياحية ومكاتب إستشارات لتقديم دراسات الأسواق لمختلف أنواع الشركات وفيما يختار آخرون العمل في المؤسسات العامة أو منظمات غير حكومية محلية أو دولية ويفضل قليلون العمل البحثي والأكاديمي في الجامعات ومراكز الأبحاث...تختار قلة قليلة جدا أن تغامر في الاستشارات الاقتصادية لأدى أصحاب القرار في الوزارات او المجلس النيابي أو الأحزاب وتبدأ معها رحلة الألف ميل في تشخيص الواقع الإقتصادي واقتراح الحلول الممكنة أمام أصحاب الشأن بغض النظر عن إختصاصهم واختصاص من حولهم وخيارات جميعهم في الفكر والسياسة والقيم والمبادئ الاجتماعية المؤثرة في اتخاذ قراراتهم.. ومن هنا ينطلق البحث في التحديات المتنوعة التي تتسّم بها هذه المهمة والتي يمكن إختصارها بعشرة تحديات أساسية يصلح زيادتها أو تفصيلها وفق الظروف وأوضاع البلاد وخصوصيات المعنيين بها سعيا للتوازن المطلوب لعلاقة ثابتة بين الطرفين.

التحدي الأول يكمن في اختيار الشخصية التي يمكن تقديم الاستشارات الاقتصادية لها بالنظر الى إدراكها لقيمة الخبير الاقتصادي كمرجع أساسي في مجاله، والمعلوم أن ذلك يتطلّب حرصاً كبيرا في ايام يدعي فيها الجميع الإلمام بكافة المواضيع ويقدمون الآراء والنصائح في الاقتصاد والقانون والاجتماع والإعلام والسياسة بنفس السهولة دون أي مرتكز سوى قدرة التأثير والإقناع لدى أصحاب الشأن.. لذا تلعب شخصيّة المسؤول دورا فاصلا في "إعطاء الخبز للخباز".

التحدي الثاني يتعلّق بالمدرسة الفكرية والقيم الاجتماعية التي يتسم بها المسؤول المعني حيث لا ينفع مثلا تقديم كل المبررات والفوائد والحجج الضرورية لاعتماد الشراكة بين القطاع والعام والقطاع الخاص لمن ينتمي لمعتقد فكري يسعى للتأميم الكلي للقطاعات الاقتصادية أو على العكس لمن هو مقتنع بفكر ليبرالي راديكالي يسعى للخصخصة الشاملة غير المشروطة كخيار فعال وبناء وحيد دون سواه وبغض النظر عن انعكاساته على العدالة والمساواة الاجتماعية في الحصول على الخدمات...

التحدي الثالث يعود للخط السياسي والحزبي الذي تنتمي إليه الشخصية المعنية لناحية الاستعداد لتبني إقتراحات المستشار الاقتصادي في البرامج والاستراتيجية المعتمدة والايعاز لوزرائه ونوابه بالعمل لتنفيذها أو بالعكس الطلب من المستشار الاقتصادي تحضير التعليل والحجج اللازمة لإقناع الجمهور بالخيارات الاقتصادية للحزب وفكره الاقتصادي بغض النظر عن قناعة الخبير نفسه بها أو الرجوع اليه لدى اعتمادها، وهنا يعود للاقتصادي القبول أو الرفض بلعب هذا الدور "المقلوب"... أو استباقا أن يختار الاقتصادي تقديم استشاراته فقط لمن يعرف مسبقا أنه يتفق معهم فكريا وعقائديا وعلى جميع المستويات وضمنا الرؤيا الاقتصادية...

التحدي الرابع هو التوقيت حيث تلعب اللحظة الزمنية التي يختار فيها الخبير الاقتصادي تقديم إستشارته دورا أساسيا في تبنيها أو تأجيلها او حتى رفضها لعدم ملاءمتها مع اولويات الشخصية السياسية أو الحزب الذي تنتمي إليه في لعبة سلّم الأولويات التي لا يؤثر فيها المستشار الاقتصادي لوحده بل تحكمها عوامل عديدة لدى الشخصية وفريق عمله المتنوع الاختصاصات وطبعا حزبه السياسي وأوضاع البلاد...

التحدي الخامس يتمثّل بتوفّر التمويل حيث يتعرّض غالبا الاقتصاديون لقلق أصحاب الشأن من تبني إقتراحاتهم نظرا لصعوبة تأمين التمويل اللازم لتنفيذها إلا إذا أرفق المستشار استباقا خطة التمويل وآليات التنفيذ المسهّلة لها في الوقت عينه.

التحدي السادس يعود لثقل وحجم وهامش تحرّك أصحاب القرار في خوض معاركهم الاصلاحية وتبني الاقتراحات الاقتصادية للمستشار، وذلك يتاثّر بموقع المسؤول ومدى سلطته في موقعه وقدرته على التأثير في حزبه او الحكومة أو المجلس النيابي فضلا عن حجم وقوة التأثير للحزب الذي ينتمي إليه في اقتراح المشاريع وحشد التصويت لها لتحقيق الانجازات المطلوبة.. وإلا قد يفضّل تفادي تبني الاستشارات الاقتصادية الجديدة وصرف الجهد والوقت لها دون إمكانية ضمان إيصالها في المنابر الرسمية.

التحدي السابع يتعلّق بمدى استقرار العمل المؤسساتي في البلد الذي يتم فيه تقديم الاستشارات الاقتصادية للشخصيات السياسية في مواقع القرار، حيث قد يتعرّض الاقتصادي لتأجيل بت إقتراحاته في ظل غياب الاستقرار والاستمرارية في العمل المؤسساتي حيث كلما حصل مثلا تغيير حكومي توضع جانبا إقتراحات وخطط الوزراء السابقين ويبدأ الوزراء الجدد التخطيط وتلقي الاستشارات التي يدركون أنه يحتمل ألا يلحّقون تنفيذها قبل تغيير جديد يعيد البحث الى نقطة الصفر...

التحدي الثامن يتعلّق بمدى قرب أو بُعد الاستشارات الاقتصادية المقدّمة في مجال عمل وإختصاص الشخصية السياسية.. فيكون مثلا رجل الأعمال أو الصناعي أو رئيس مؤسسة إجتماعية تنموية أكثر أهتماما لتلقّف للإستشارات المفيدة للقطاع المعني به والمدرك لحاجاته أكثر من أي شخصية بعيدة عن المجال وغير متأثرة فيه لا بل يكون أكثر حماسة في النضال لأجله والاستفادة من فترة توليه موقع قرار لتحسين وضع قطاعه تحضيرا لاستكمال مصالحه فيه بعد هذه المرحلة.

التحدي التاسع يكمن في تحلّي المسستشار الإقتصادي بمهارة التواصل وقوة التفاوض وسهولة التعاطي وقدرة الإقناع وخصوصا سلاسة تبسيط الأفكار في تقديم إقتراحاته للمسؤول المعني كما لمختلف أعضاء فريق عمله المحيط به والمؤثّر على آراءه وخياراته. هذا التواصل يساعد الاقتصادي في تفادي خطر تلقي الرفض إستنادا الى سوء فهم اقتراحاته ممن هم بعيدين عن المجال أو إستنادا الى حسابات تزكّي الاهتمام بإقتراحات تتعلّق بمجال معيّن على حساب مجال آخر (مثلا طغيان الاستشارات السياسية على الملفات الاقتصادية أو الاجتماعية أو غيرها)

التحدي العاشر هو اعتماد منهجية إستمزاج آراء الجهات المعنية قبل تقديم المستشار الاقتصادي للإقتراحاته من ثم اعتماد المناصرة والضغط باتجاه تبنيها وهو ما يحتاج تشبيك إجتماعي مع الجهات والمجموعات المعنية بالملف موضع البحث (نقابات، جمعيات، مؤسسات قطاعية..). فالاقتصادي يعزز إقتراحاته بمساندة مسبقة من الشرائح والمجموعات المعنية بها بحيث يهيء قاعدة من المؤيدين الذين يرجّح أن تؤخذ آراءهم قبل تبني الاقتراحات من قبل أصحاب الشأن، ومن ثم يسعى لخلق مجموعات ضغط لمتابعتها وملاحقة تبنيها وتطبيقها بفتح أوسع مروحة أبواب تجعل من الصعب الرهان على حصرها لطمسها او المراهنة على عامل الوقت لإهمالها.

هذه التحديات العشرة إن أهملها المستشار الاقتصادي من شأنها أن تتحوّل الى مشروع مطبّات تعرّض مسيرته للاهتزاز أو الانحراف نحو مهمّة إعداد تقارير داعمة ومبررة مسبقاً للخيارات الاقتصادية لأصحاب الشأن بدل تقديم الاستشارات الاصلاحية والريادية المقنعة لهم. أما على العكس إن أحسن الاقتصادي أخذ احتياطاته تجاه هذه التحديات فمن شأنها أن تحوّل مهمّته من مجرّد مستشار يقدّم إقتراحات غير مضمونة الأفق الى لاعب فاعل وقبطان في قيادة الخيارات الاقتصادية للمسؤول أو الفريق الذي يمثّله في أي موقع مسؤولية يتولاه لا بل في أي موقع يمر فيه وحتى بعد الخروج منه ومتابعته من اي موقع جديد يتولاه.. صحيح أن دقة كل مهمّة إستشارية تحتاج لفترة مد وجزر لدوزنة العلاقة بين طالب الاستشارة ومقدّمها إلا ان خصوصية الاستشارة الاقتصادية بالذات تكمن في كون الاقتصاد ملف يتقنه القليلون ويتناوله كثيرون لأنه في الواقع يطاول الجميع!


http://nna-leb.gov.lb/ar/show-news/379741/http://nna-leb.gov.lb/ar/show-news/379741/ الوكالة الوطنية - التقى وزير الشؤون الاجتماعية النائب بيار بو عاصي، وفدا من طلاب جامعة القديس يوسف برئاسة عميد كلية العلوم الاقتصادية البروفسور جوزيف الجميل، في الوزارة وتسلم منهم إقتراح قانون لتنظيم الاقتصاد الاجتماعي التضامني في لبنان من اعدادهم.

وناقش بوعاصي مع الطلاب اقتراح القانون، مبديا رأيه في بعض النقاط. واستمع الى شرح الطلاب الذين توجهوا اليه بعدد من الاسئلة تناولت مختلف القضايا الاقتصادية والاجتماعية التي تهمهم وتعني مستقبلهم وفرص العمل التي يسعون لها بعد تخرجهم وهواجسهم.

وشكر الجميل بو عاصي على استقباله وإعطائه الفرصة للشباب لأخذ المبادرة والانتقال من حالة تلقي المعلومات نظرا الى دور اللاعبين في تحويلها الى أطر تطبيقية، لافتا الى جهود كلية العلوم الاقتصادية لتحفيز المسؤولية الاجتماعية للمؤسسات والاقتصاد الاجتماعي التضامني.

وشرحت المتخصصة بالاقتصاد الاجتماعي والمشرفة على صياغةاقتراح القانون الدكتورة سهام رزق الله أهميته الاستراتيجية مسلطة الضوء على

أبرز مرتكزاته وأبعاده واستهدافاته وشارحة حيثيات المبادرة وكيفية متابعتها.


http://nna-leb.gov.lb/ar/show-news/344274/?fbclid=IwAR3pAQR6MW8enuTfqTLtydreTtqPUdbVN5zb48fXxHX-_lMMtpTdto2TC6c

الثلاثاء 08 أيار 2018 الساعة

وطنية - شهدت جامعة القديس يوسف في كلية العلوم الإقتصادية ندوة أكاديمية علمية عملية بعنوان "تحديات المسؤولية الاجتماعية للمؤسسات في لبنان"، نظمها مركز الأبحاث والتوثيق الإقتصادي، برعاية رئيس الجامعة الأب سليم دكاش. وهذا الحدث هو الأول من نوعه في إطار إنشاء منصة أكاديمية للمسؤولية الإجتماعية للمؤسسات في لبنان ينطلق من مساحة مشتركة تتخطى البحث النظري لتبني جسور التواصل مع أركان المجال التطبيقي من مصارف وشركات ومؤسسات، سعيا لجعل الاقتصاد في خدمة الانسان والمجتمع.

دكاش

بعد كلمة ترحيب من عميد كلية العلوم الاقتصادية البروفسور جوزيف الجميل، قال دكاش: "إن المسؤولية الإجتماعية للشركات تبقى في لبنان مفهوما غير واضح، فليس هناك من تشريع وموقف مشترك للشركات بهذا الخصوص. الشركات ما زالت قليلة لكي تلتزم بسلوك هذه الدرب. فقط 160 كيانا لبنانيا -من بينها منظمات عديدة- وقعت حتى اليوم على الميثاق العالمي للأمم المتحدة -المعروف أكثر تحت التسمية الإنجليزية Global Compact- وهي مجموعة من 10 مبادىء ترمي إلى حث الشركات على تبني موقف مسؤول إجتماعيا، بالتزامها في دمج 10 مبادىء خاصة وتعزيزها، مبادىء ترتبط بحقوق الإنسان وبالمعايير الدولية للعمل ومكافحة الفساد. من بين هذه الشركات الرائدة، التزمت عدة مؤسسات مصرفية اتباع مبادىء الميثاق العالمي وتقديم تقرير بالنشاطات التي تمت في هذا المجال".

أضاف: "إذا كانت لدي أمنيات أود التعبير عنها، فذلك لأن الشركات اللبنانية، على الرغم من صعوبات الحياة اليومية، تدخل في عملية المسؤولية الإجتماعية للشركات بشكل كامل، وهذه المسؤولية تصبح جزءا لا يتجزأ من حوكمة أي شركة. إنطلاقا من هذا المؤتمر ستكون فكرة تشجيع إنشاء منصة تقودها الشركات بدعم من المسؤولية الإجتماعية للشركات من أجل التفكير المشترك وتشجيع المسؤولية الإجتماعية للشركات إنجازا جيدا".

رزق الله

ثم تحدثت الأستاذة المحاضرة في كلية العلوم الاقتصادية الدكتورة سهام رزق الله عن تحديات المسؤولية الاجتماعية في لبنان نظرا "لاعتماده على المبادرة الحرة والطوعية للمؤسسات من دون أي قيد أو رقابة أو تقدير أو تشجيع أو حوافز غير المنافسة بين المؤسسات نفسها على تلميع صورتها إزاء المستهلكين لزيادة حصتها في السوق ليس إلا، الأمر الذي يجعل نمو المسؤولية الاجتماعية خجولا في لبنان لأسباب عديدة أبرزها: المبادرات غير مؤطرة وتطوعية، ضعف المعلومات والبيانات حول المسؤولية الاجتماعية للشركات، غياب أي توجيه نحو القطاعات التي تحتاج التدخل الاجتماعي للمؤسسات فيها، غياب الضغط من جانب أصحاب المصالح لتطوير المسؤولية الاجتماعية للشركات، عدم وجود حوافز من الدولة لتشجيع تطوير المسؤولية الاجتماعية للشركات، غياب أي تقييم للجهود المبذولة من بعض المؤسسات أو شهادة تقدير تميزها عن سائر المؤسسات المنافسة، عدم وجود قانون أو أي نوع من التشريعات التي تشجع على التعاون بين القطاعين العام والخاص، إفتقاد أطر الحوار بين القطاع الأكاديمي والقطاع المهني من جهة وبين القطاعين العام والخاص من جهة أخرى، ضعف حملات التوعية في وسائل الإعلام، ندرة برامج تبادل الخبرات مع الشركات المتعددة الجنسيات".

كلمات

وقد شارك في مناقشة نتائج البحث نخبة من ممثلي القطاعات المعنية، فتحدثت رئيسة وحدة المسؤولية الاجتماعية في "بنك عودة" هازميغ الخوري عن تأثير التقليد والمحاكي في إدخال المسؤولية الاجتماعية في القطاع المصرفي اللبناني، ورئيسة وحدة المسؤولية الاجتماعية في البنك اللبناني-الفرنسي رنا حداد عن تجربة المصرف في إدخال المسؤولية الاجتماعية ضمن استراتيجيته، ورئيسة وحدة المسؤولية الاجتماعية في شركة الاتصالات "ألفا" سهى بو رجيلي عن أهمية القيم الاجتماعية في اعتماد المسؤولية الاجتماعية في استراتيجيات قطاع الاتصالات، ورئيسة وحدة المسؤولية الاجتماعية في شركة "فتال" غيدا إبراهيم عن معوقات غياب قوننة وتنظيم المسؤولية الاجتماعية للشركات في القطاع التجاري وممثلة محافظة وبلدية بيروت كارلا زيادة عن أثر إقرار الشراكة بين القطاع العام والقطاع الخاص على المسؤولية الاجتماعية للمؤسسات ومشاريع التنمية المستدامة.

نقاش

ثم جرى نقاش بين ممثلي المؤسسات والطلاب والباحثين في المسؤولية الاجتماعية المشاركين في الندوة.


د. سهام رزق الله-جريدة الجمهورية الجمعة 15 آذار 2019قانون يُعرِّف بالإقتصاد الإجتماعي ويُصنِّف مؤسساته

http://www.aljoumhouria.com/news/index/462773

مقالات خاصةخاص "الجمهورية": لقاءٌ حاسم؟خاص "الجمهورية": مساندة تطاول مسائل الطائفةخاص "الجمهورية": "الصبح غير المسا"المزيدوسط الموجة المتصاعدة لـ»لإقتصاد الاجتماعي التضامني»، الذي يشمل الجمعيات والتعاونيات وصناديق التعاضد ومؤسسات الريادة الاجتماعية، وجهود معظم البلدان المتقدّمة فيه غربياً وعربياً لوضع الإطار القانوني الذي يسمح بالتعريف به وإعطائه «علامة تميّز» تؤكّد إلتزامه بجملة مبادئ خاصة به وتزيد الثقة بالتعامل معه وتمويله من مختلف الجهات المهتمة.

لا يزال هذا الموضوع جديداً بين المسؤولين وأصحاب الشأن في لبنان. ولا زالت ثمة أسئلة مثل: ماذا يعني «الاقتصاد الاجتماعي التضامني»؟ ولماذا تمييزه عن القطاعين العام والخاص واعتباره «قطاعاً ثالثاً»؟ لماذا وضع إطار قانوني جامع لتسميته وإعطائه علامة خاصة طالما توجد قوانين خاصة بكل من مكوّناته المعروفة؟

يُعرَّف «الإقتصاد الاجتماعي التضامني» أيضاً بـ»القطاع الثالث» كونه مستقلاً عن القطاع العام ويختلف بمبادئه عن الغاية الربحية البحتة من جهة، وعن أساليب إدارة القطاع الخاص من جهة أخرى. ويقوم نشاط «مؤسسات الاقتصاد الاجتماعي التضامني» على مبادئ التضامن، والمنفعة الاجتماعية، الاستقلالية عن الدولة، حرّية الانضمام أو العضوية كما حرّية الانسحاب، طرق إدارة تشاركية وديمقراطية حيث لكل عضو صوت، بدل أن تكون الأصوات وفق حصص الرساميل وتراقب بحزم استخدام الفوائض المالية، كونها بالأساس لا تستهدف تحقيق الأرباح بقدر ما تستهدف خدمة المجتمع وتحفيز التنمية الإقتصادية الاجتماعية/ تحسين مستوى العيش، دمج الفئات المهمة والمساهمة في العدالة الاجتماعية.

ويتبيّن أنّ هذا القطاع الاقتصادي منظم قانونًا في دول النظام الأنغلوسكسوني ويسمّى «اقتصاد الأعمال الاجتماعية» والقطاع غير الربحي Non Profit Sector، وموجود أيضًا في دول كالهند والصين ويسمّى «الاقتصاد الشعبي»، وموجود أيضًا في الدول الأوروبية اللاتينية ويسمّى الاقتصاد التضامني الاجتماعي Economie Sociale et Solidaire.

في بعض الدول توجد قوانين تنظّم هذا القطاع وآليات دعم مميزًة خاصّة به، فيشمل القانون تنظيم المبادرات والمشاريع الصغيرة والمتوسطة وصناديق التعاضد والتعاونيات والجمعيات ومؤسسات الريادة الاجتماعية، وفي بعض التجارب الدولية يمكن أن نستشعر أوجه المراعاة القانونية لهذه المؤسسات.

والمعروف حديثاً أنّ ثمة تشريعات كثيرة بدأت تتناول القطاع الثالث، من أبرزها مثلاً في فرنسا إقرار «قانون الاقتصاد الاجتماعي التضامني» في البرلمان في 21 تمّوز 2014، وقد عرف هذا التشريع بـ»قانون الاقتصاد الاجتماعي التضامني» Loi ESS

هذا التشريع واكب انطلاقة استثنائية للقطاع الثالث في فرنسا وأوروبا كما في العالم بأسره بسرعة خيالية بدأت تضاهي سرعة تطوّر القطاعات التقليدية المعروفة.

فمثلاً، منذ العام 2000 وحتى اليوم، ازداد في فرنسا خلق فرص العمل والتوظيف في القطاع الثالث بحدود 24% ليضمّ 2.4 مليون موظّف في 200000 مؤسسة ضمن الاقتصاد الاجتماعي، مقابل ازدياد التوظيف في القطاع الخاص 4% فقط.

على الصعيد الأوروبي، يشمل الاقتصاد الاجتماعي حوالى 10% من مجموع المؤسسات، ويوفّر 6.5% من فرص العمل المدفوعة، من خلال انتشار حوالى مليوني مؤسسة توظّف 14 مليون شخص، وقد ازداد عدد العاملين في هذه المؤسسات بشكل كبير واستثنائي في مجمل أوروبا في السنوات الأخيرة. علماً أنّ البلدان الأوروبية لا تعرف المستوى نفسه في تطوّر الاقتصاد الاجتماعي، لا بل يمكن تصنيفها في هذا المجال وفق ثلاث فئات: فئة الأكثر تقدّما في مجال الاقتصاد الاجتماعي (فرنسا، بلجيكا، اليونان، البرتغال، ايرلندا)، الفئة المعتدلة (إيطاليا، قبرص، الدنمارك، فنلندا، لوكسمبورغ، السويد، ليتونيا، مالطا، بولونيا، بريطانيا، بلغاريا وايرلندا) والفئة الضعيفة (النمسا، تشيكيا، استونيا، ألمانيا، هنغاريا، ليتونيا، هولندا، سلوفاكيا، رومانيا، كرواتيا، وسلوفينيا).

أما في كندا، فقد شهد العام 2013 اعتماد الإطار التشريعي الرسمي المعروف بـ»قانون الاقتصاد الاجتماعي»، على الرغم من أن هيكلياته كانت موجودة قبل ذلك، إلا أنّ الإطار القانوني عكس تعريفاً بوجود مؤسسات تنتمي الى «قطاع ثالث» له مبادؤه الخاصة وإقرار رسمي بدوره في التنمية الاقتصادية الاجتماعية الشاملة وحرصاً على دعمه.

عربياً، «الاقتصاد الاجتماعي» يشهد تنامياً متصاعداً، وقد دخلت التعاونيات بالمفهوم القانوني، المنطقة العربية في مطلع القرن العشرين وبات عددها يفوق الـ30000 تعاونية تقريباً معظمها زراعية ومن أبرزها التجربتان العراقية واللبنانية.

في العراق، أُنشئ الاتحاد العام للتعاونيات العام 1971 ليتمكّن في غضون 10 سنوات من تحقيق استقلاليته المالية والإدارية في الحكومة ويضمّ 16 اتحاداً تعاونياً و881 تعاونية محلية، و221 تعاونية استهلاكية و49 تعاونية متخصّصة وثلاث مزارع جماعية. واليوم تبرز تونس في طليعة البلدان العربية المنظّمة من جهة لـ»الاقتصاد الاجتماعي التضامني» وإعطاء مؤسساته «علامة تميّز» ومن جهة أخرى لجهة المسؤولية الاجتماعية للمؤسسات. وقد أصبحت مثالا للعديد من البلدان العربية لتحذو حذوها.

أما في لبنان، فقد بدأ العمل التعاوني العام 1937 ولم يتّخذ إطاراً قانونياً إلا في العام 1964 مع صدور قانون للجمعيات التعاونية. ومنذ العام 1973 تتولّى المديرية العامة للتعاونيات الحركة التعاونية والحركة التعاضدية في لبنان خصوصاً في ما يتعلّق بنشرها وتطويرها وتقديم الارشاد للجمعيات التعاونية واتحاداتها وصناديق التعاضد واتحاداتها. وقد بلغ عدد التعاونيات عام 2010 في لبنان 1400 تعاونية و799 منها في القطاع الزراعي في مختلف المناطق.

يعرّف القانون الجمعية التعاونية بأنها كل جمعية تتألف من أشخاص ولها رأسمال غير محدود، وتُؤسس وفقاً لأحكام هذا القانون، ولا يكون هدفها الأساسي الربح، حتى لو انها تسمح بطبيعة عملها توزيع جزء من الفوائض المالية بين الأعضاء وفق مبادئ التكافل، وتكون غايتها تحسين حالة أعضائها اقتصادياً واجتماعياً، وذلك بتضامن جهودهم وفقاً للمبادئ العامة للعمل التعاوني.

إذا كانت مؤسسات وهيكليات قطاع الإقتصاد الإجتماعي التضامني متعدّدة، إلّا أنّ أبرزها في لبنان تبقى الجمعيات والمنظّمات غير الحكومية التي يتنامى عددها منذ العام 2010، وقسم كبير منها ناشط بالتعاون مع وزارات عديدة لا سيما منها وزارة الشؤون الاجتماعية، بين الاهتمام بالرعاية بالأطفال والمسنّين وشؤون المرأة في السجون، ذوي الحاجات الخاصة، وحقوق الانسان والحفاظ على البيئة والتنمية الشاملة، فضلاً عن التعاونيات المهنية وصناديق التعاضد المسجّلة لدى وزارة الزراعة والأندية المسجّلة لدى وزارة الشباب والرياضة.

ويساعد في ذلك، مساحة الحرية المعطاة لإنشاء المنظمات غير الحكومية وإمكانية مباشرة أعمالها بمجرّد إعطائها علماً وخبراً لوزارة الداخلية اللبنانية.

وتبقى الحاجة في لبنان إلى إطار موحّد وجامع لمختلف مكوّنات الاقتصاد الاجتماعي التضامني ضمن منصّة تسهر على التزامها بمبادئ ومعايير الاقتصاد الاجتماعي والتشبيك في ما بينها، وتقدّم لها على أساسها «علامة تميّز» تسمح لها باكتساب ثقة الجهات المموّلة (من هيئات رسمية، شركات خاصة مسؤولة إجتماعياً أو منظمات دولية..) هذه المنصّة لا تمسّ بوجودها القوانين السابقة المرعية الإجراء لكل من مكونات الاقتصاد الاجتماعي إنما تعطيها «بطاقة تعريف» لانتمائها الى قطاع ثالث يتمتع بمبادئه الخاصة المعروفة دولياً وعلامة مصداقية لمن يرغب في دعمه.

إستقلالية المركزي ومصداقية السياسة النقدية

د. سهام رزق الله

-

جريدة الجمهورية

الثلاثاء 20 آب 2019

إستقلالية المركزي ومصداقية السياسة النقدية

https://www.aljoumhouria.com/news/index/483981

إستقلالية المصرف المركزي مفهوم قديم متجدد يستقطب الأنظار في المفترقات الاستراتيجية في اعتماد السياسات النقدية لاسيما في فترات الأزمة، وخصوصاً أزاء تحديات تعثّر السياسة المالية وصعوبة مواجهة حاجات التمويل للعجز العام والتصدي لأزمة استدامة المديونية العامة. وبعد الفورة الكبرى لإشكالية استقلالية المصرف المركزي وأهميتها لتأمين مصداقية السياسات النقدية في الثمانينات، عادت هذه الاشكالية بمتطلبات مختلفة في السنوات الأخيرة لاسيما مع اعتماد السياسات النقدية غير التقليدية بعد الأزمة المالية العالمية عام 2008. فماذا تعني السياسات النقدية غير التقليدية؟ لاسيما في ما يتعلّق بضرورة إستقلالية المصرف المركزي لتحقيق مصداقية السياسة النقدية؟ ما هي أبرز أشكال وأسس هذه السياسات؟ وما مدى تأثيرها المرتقب على صعيد الإستقرار النقدي كما المالي؟

عندما نتحدث في الإقتصاد على إستقلالية المصرف المركزي نعني بها تحديداً إستقلالية السلطة النقدية عن السلطة السياسية، بحيث يكون للمصرف المركزي حرية تحديد خياراته في اعتماد السياسة الأنسب للحفاظ على الاستقرار النقدي في الشق الداخلي عبر ضبط التضخم، وفي الشق الخارجي عبر الحفاظ على استقرار سعر صرف العملة الوطنية تجاه العملات الأجنبية. ومن المعروف إقتصادياً أن مفهوم استقلالية المصرف المركزي يعتمد على ثلاث ركائز أساسية: الاستقلالية القانونية في النصوص، الاستقلالية الفعلية في الممارسة والاستقلالية المالية في حسابات المصرف المركزي تجاه الدولة. ولطالما شددت الأدبيات الاقتصادية وخصوصاً مع الموجة الكلاسيكية في الثمانينات على أن تحقيق الهدف الرئيسي للمصرف المركزي بتأمين الاستقرار النقدي لا يمكنه أن يتحقّق إلا من خلال الفصل التام للسياسة النقدية للمصرف المركزي عن السياسة المالية للحكومة ووزارة المال خصوصاً لتفادي لجوء الحكومة متمثّلة بوزارة المال لطلب تغطية عجوزاتها المالية من خلال تدخل المصرف المركزي، إن كان عبر ضخ السيولة وتحمّل انعكاساتها التضخمية الفورية أو من خلال الضغط على المصرف المركزي للمساهمة في الدين العام عبر الإكتتاب بسندات الخزينة والتفاوض حول شروطها بالكمية والآجال ومستوى الفوائد...أو طبعاً اللجوء الى افتعال زيادة في السيولة واصطناع نهضة عابرة في الأسواق في فترات محددة، مثل الفترات التي تسبق الإنتخابات، لإحداث صدمة إيجابية وهمية لا تلبث أن تتحوّل كابوساً تضخمياً يصعب ضبطه دون أن تكون مساهمة بنمو إقتصادي حقيقي وخلف فرص العمل المطلوبة.

أما منذ الأزمة المالية عام 2008 ، فقد اضطرت المصارف المركزية للتدخّل في الأسواق ولعب دور المنقذ لتأمين السيولة المطلوبة للقطاعين العام والخاص وتفادي الإنهيارات الشاملة عبر السياسات النقدية غير التقليدية المعتمدة والتي شكّلت مفترقاً كبيراً في مفهوم إستقلالية المصرف المركزي لجهة تأمين التدخل المطلوبة لتمويل الاقتصاد مع المحافظة في الوقت عينه على مصداقية سياسته النقدية ومنع المس بخياراته في تأمين الاستقرار النقدي الضروري.

وقد جهدت السياسات الحديثة غير التقليدية في تثبيت إمكانية تحقيق مصداقية المصرف المركزي ولو بظل مساهمته في تمويل الدولة والدين العام عبر زيادة السيولة وتخفيض معدل الفوائد الى ما يلامس حدود الصفر دعماً للإستثمار ولتنيشط الاقتصاد ككل، ذلك أن من خلال سياسة المعايير الإسترشادية القائمة على إعطاء الجمهور علماً مسبقاً بمخططات السلطة النقدية لجهة تنامي Forward Guidance الكتلة النقدية ومستوى الفوائد واتجاه سعر الصرف بما يساعد العملاء الإقتصاديين على صياغة توقعاتهم بشكل صحيح، خلافاً لأسلوب المفاجأة والكتمان الذي كانت بعض المصارف المركزية تعتمده لإحداث فورة إقتصادية فجائية ولو بكلفة تضخّم باهظة. وهذا ما حرص على اعتماده حاكم مصرف لبنان مؤخراً إن كان لجهة الإعلان عن التوجهات النقدية للمصرف المركزي او لجهة الإضاءة على دقة الأوضاع المالية التي تستدعي تدخله خصوصاً عبر الإضطرار الدائم لتمويل القطاع العام حتى أصبح أبرز المكتتبين بسندات الخزينة والتي تدفعه مراراً للمشاركة في عمليات السواب والهندسات المالية مع المصارف التجارية، مما يعكس الشكل الثاني من السياسات النقدية غير التقليدية المعروفة بسياسات التليين النقدي الكمّيQuantitative Easing القائمة على ضخ السيولة لشراء السندات المالية من القطاعين العام والخاص والتليين النقدي النوعي، فضلاً عن الشكل الثالث للسياسات النقدية غير التقليدية القائمة على الشراء الكثيف للسندات على الرغم من ارتفاع درجة مخاطرها Qualitative Easing.

إلا أن السياسات الحديثة غير التقليدية واجهت عوائق عدة حدّت من فعاليتها ولا سيما من حيث انعكاستها على المالية العامة وتحفيز الدولة على ترشيد الانفاق العام وضبط الدين العام، خاصة أن تخفيض الفوائد ومنها طبعاً على سندات الخزينة مما يسمح للدولة بالتراخي في ضبط المديونية طالما أنها غير مكلفة لناحية خدمة الدين العام (أي الفوائد السنوية على أصل الدين) فلا يضغط عليها لتأمين الإنضباط في سياستها المالية وتفادي العجز والإستدانة.

وأكثر من ذلك، يبقى التحدي الأساس بعد انقضاء الأزمة في إمكانية الخروج عن السياسات النقدية غير التقليدية والعودة الى اعتماد السياسات النقدية التقليدية من دون إحداث بلبلة في توقعات الجمهور، بل طمأنته بشفافية الى مجرى الخيارات الجديدة فضلاً عن الضغط لضبط المالية العامة لعدم الإضطرار للتدخل باستمرار واستنفاد إمكانية المصرف المركزي وتحويله عن دوره الرئيسي بتأمين الإستقرار النقدي.


أبرز منشورات ومقالات الدكتورة سهام رزق الله

Principaux articles et publications de Dr. Siham Rizkallah



Monetary Policy & Central Bank Independence


* السياسة النقدية في لبنان واستقلالية المصرف المركزي: بين المطلوب والممكن


* L'Indépendance de la Banque Centrale et l'impact sur l'efficacité de la Politique monétaire et sur les performances macroéconomiques



Corportate Social Responsibility

* المسؤولية الإجتماعية للمؤسسات مفهوم جديد يتبلور لدى القطاع الخاص اللبناني


* La Responsabilité Sociale des Entreprises: Défis et opportunités pour les entreprises libanaises



Securitization, Case of Lebanon

* التسنيد وتأثيراته على هيكلية معدلات الفائدة

*Les opérations de Titrisation : l’expérience libanaise



*Le financement du secteur public et la structure des taux d'intérêt au Liban




GAFTA and the Arab Free Trade Agreements

* إتفاقية التيسير العربي - التكامل الإقتصادي العربي: من أي أسس؟ ولأي أفق؟


* ورقة القطاع الخاص اللبناني حول الإتفاقات العربية الثنائية والمتعددة الأطراف


* L'Accord GAFTA et ses répercussions sur le commerce inter-arabe