في قلب المرتفعات الجبلية الشاهقة باليمن، تبرز منطقة حراز كواحدة من أعرق المواطن الجغرافية التي تحتضن أسرار حبة البن الأكثر ندرة وفخامة في العالم. لا تعد هذه المنطقة مجرد رقعة زراعية، بل هي متحف حي للتاريخ الإنساني والزراعي، حيث تُزرع الحبوب على مدرجات صخرية شاهقة تتحدى الجاذبية، وتستمد قوتها من تربة بركانية غنية وعناية مزارعين توارثوا المهنة جيلاً بعد جيل. إن اختيار محصول حراز من متجر مارد القهوة ليس مجرد شراء لمنتج استهلاكي، بل هو رحلة استكشافية لنكهات معقدة تعبر عن أصالة الأرض اليمنية وتفوقها في سوق القهوة المختصة العالمي.
تقع منطقة حراز غرب العاصمة صنعاء، وتتميز بتضاريسها الوعرة وارتفاعاتها التي تتراوح ما بين 1800 إلى 2900 متر فوق مستوى سطح البحر. هذا الارتفاع الشاهق يلعب دوراً حاسماً في تكوين شخصية البن؛ فكلما زاد الارتفاع، نضجت كرزات القهوة ببطء أكبر، مما يسمح بتراكم السكريات والمواد العطرية داخل الحبة بشكل أكثر كثافة.
المناخ في حراز يجمع بين الدفء النهاري والبرودة الليلية القارسة، مع ضباب كثيف يغلف الجبال في أغلب الأوقات. هذه العوامل البيئية تمنح المحصول حموضة راقية ومعقدة تشبه حموضة الفواكه الاستوائية، وهو ما يميز بن حراز عن غيره من الأقاليم اليمنية الأخرى مثل بني مطر أو آنس.
تعتبر حراز موطناً لسلالات أصيلة من "أرابيكا"، وتحديداً سلالات مثل العديني، الدوائري، والجعدي. هذه السلالات تمتاز بمقاومتها العالية للظروف المناخية الصعبة وقدرتها على إنتاج نكهات مركزة للغاية. في السنوات الأخيرة، أظهرت الدراسات الجينية أن اليمن يمتلك سلالات لا توجد في أي مكان آخر في العالم، وهو ما أطلق عليه الخبراء "السلالة اليمنية الأم"، التي انبثقت منها معظم سلالات القهوة المعروفة اليوم.
الخاصية
تفاصيل محصول حراز (مارد القهوة)
المنطقة
حراز - اليمن
الارتفاع
2600 - 2950 متر
السلالة
تيبيكا (Typica)
طريقة المعالجة
تجفيف لاهوائي (Anaerobic Drying)
الإيحاءات الرئيسية
قصب السكر، أناناس، زيتون
القوام
متوسط إلى ممتلئ
التقليد السائد في اليمن هو المعالجة المجففة (Natural Process)، حيث تُترك كرزات القهوة لتجف تحت أشعة الشمس فوق أسطح المنازل أو على أسرة خشبية مخصصة. ولكن، ما يقدمه مارد القهوة في محصول حراز يتجاوز التقليد إلى الابتكار، حيث يتم استخدام تقنية "التجفيف اللاهوائي".
في هذه العملية، تُوضع الكرزات في أوعية محكمة الإغلاق مع عزل الأكسجين لفترة محددة، مما يؤدي إلى تخمير متحكم فيه يبرز نكهات فاكهية حادة وعميقة. هذه الطريقة تعزز من حلاوة البن وتضيف له طابعاً يشبه المربيات أو الفواكه المجففة، وتجعل النتيجة النهائية في الكوب مذهلة وغير متوقعة.
عند تذوق قهوة حراز، يجد الشارب نفسه أمام طبقات متعددة من النكهات. تبدأ الرشفة الأولى بحلاوة واضحة تذكرنا بقصب السكر الخام، تليها حموضة حيوية ومنعشة تشبه فاكهة الأناناس الناضجة. ما يميز هذا المحصول تحديداً هو تلك اللمسة غير التقليدية التي تشبه الزيتون، والتي تمنح القهوة قواماً دهنياً ناعماً وعمقاً عطرياً نادراً.
تُعد القهوة اليمنية خياراً مثالياً لمن يبحث عن كوب قهوة "نظيف" ومعقد في آن واحد. التوازن بين الحلاوة والحموضة والمرارة الطفيفة التي تشبه الكاكاو الخام يجعلها مناسبة لمختلف الأذواق، خاصة الذائقة السعودية التي تقدر القهوة ذات القوام الرزين والنكهات الواضحة.
لا يمكن الحديث عن حراز دون الإشارة إلى ميناء المخا التاريخي، الذي كان المنفذ الوحيد لتصدير هذا الكنز إلى العالم. كانت القهوة اليمنية هي المعيار الذهبي للجودة لعدة قرون، واليوم، تعود هذه القهوة لتتصدر منصات القهوة المختصة العالمية، حيث تُباع في المزادات الدولية بأسعار قياسية نظراً لندرتها وصعوبة إنتاجها.
المزارع في حراز لا يزال يعتمد على الأدوات التقليدية؛ فالقطاف يتم يدوياً حبة بحبة لضمان نضج الكرزات، والزراعة عضوية بالفطرة دون استخدام مبيدات كيميائية، مما يجعلها منتجاً صديقاً للبيئة وصحياً للمستهلك.
بناءً على ملف النكهة الفريد لمحصول حراز من مارد القهوة، ينصح خبراء التحميص باستخدام أدوات الترشيح (V60) أو الكيمكس لإبراز الملاحظات الفاكهية والحموضة الراقية.
وصفة مقترحة للتحضير (V60):
كمية القهوة: 20 جرام.
درجة الطحن: متوسطة (تشبه ملح الطعام).
درجة حرارة الماء: 91 درجة مئوية.
نسبة الماء إلى القهوة (Ratio): 1:15 (أي 300 مل من الماء).
وقت الاستخلاص: ما بين 2:30 إلى 3:00 دقائق.
تبدأ عملية التحضير بالترطيب (Blooming) بصب 40 مل من الماء والانتظار لمدة 30 ثانية للسماح للغازات بالخروج، ثم إكمال الصب على دفعات دائرية هادئة. ستلاحظ أثناء التحضير انبعاث روائح عطرية قوية تملأ المكان، وهي ميزة أصيلة في بن حراز الفاخر.
ترتبط القهوة في المملكة العربية السعودية بالضيافة والكرم، ولطالما كان البن اليمني هو المكون الأساسي للقهوة السعودية التقليدية. ومع تطور ثقافة القهوة المختصة، أصبح المستهلك السعودي أكثر وعياً بجودة المحصول وتفاصيل معالجته. إن تقديم محصول مثل حراز في المجالس السعودية يعكس تقديراً كبيراً للضيوف، حيث يجمع بين التراث القديم والتقنيات الحديثة في التحميص والمعالجة.
تعتبر المتاجر المحلية مثل مارد القهوة جسراً يربط بين المزارع اليمني والمستهلك في السعودية، مع ضمان الحفاظ على نضارة البن من خلال التحميص الاحترافي الذي يراعي خصائص كل سلالة.
إذا قارنا بن حراز بالبن الإثيوبي (مثل سيدامو أو يرقاشيفي)، نجد أن حراز يمتاز بقوام أثقل وحلاوة أكثر بروزاً، بينما يميل البن الإثيوبي إلى النكهات الزهرية والشاي. أما إذا قارناه بالبن البرازيلي، فإن حراز يتفوق بوضوح في تعقيد الحموضة وتعدد الإيحاءات، حيث أن البرازيلي غالباً ما يركز على نكهات المكسرات والشوكولاتة فقط.
وجه المقارنة
قهوة حراز اليمنية
القهوة الإثيوبية
القهوة البرازيلية
الحموضة
معقدة وفاكهية
عالية وزهرية
منخفضة إلى متوسطة
القوام
متوسط إلى ثقيل
خفيف (يشبه الشاي)
ثقيل وكريمي
الحلاوة
عالية (سكر بني/تين)
متوسطة (حمضيات)
عالية (كراميل)
الندرة
عالية جداً
متوفرة
متوفرة بكثرة
للاستمتاع بكل نوتة عطرية في محصول حراز، يجب اتباع قواعد صارمة في التخزين:
الإغلاق المحكم: يجب الاحتفاظ بالبن في كيسه الأصلي المزود بصمام أحادي الاتجاه أو في وعاء معتم ومفرغ من الهواء.
درجة الحرارة: يُحفظ في مكان بارد وجاف بعيداً عن أشعة الشمس المباشرة أو مصادر الحرارة في المطبخ.
الطحن عند التحضير: القاعدة الذهبية في عالم القهوة المختصة هي عدم طحن الحبوب إلا قبل ثوانٍ من عملية التحضير، للحفاظ على الزيوت العطرية من الأكسدة.
شراء القهوة اليمنية المختصة يساهم بشكل مباشر في تحسين معيشة آلاف العائلات في جبال حراز. المزارعون هناك يواجهون تحديات كبيرة تشمل ندرة المياه وصعوبة النقل، ولكن استمرار الطلب العالمي على هذا البن الفاخر يحفزهم على الحفاظ على أشجار القهوة التاريخية وتطوير أساليبهم الزراعية.
إن متجر مارد القهوة يلتزم بمعايير التجارة العادلة، مما يضمن وصول الفائدة المالية للمزارع الحقيقي، وهو ما ينعكس إيجاباً على جودة المحاصيل المستقبلية. فكل كوب تشربه هو دعم لاستمرارية هذا الإرث الإنساني العظيم.
في عالم مليء بالخيارات التجارية، تظل القهوة القادمة من مرتفعات حراز رمزاً للنقاء والتميز. إنها ليست مجرد مشروب يحتوي على الكافيين، بل هي تجربة حسية تنقل ذائقتك إلى قمم الجبال اليمنية، حيث يلتقي الضباب بالتربة البركانية لينتجا حبة بن تحكي قصة صمود وإبداع. سواء كنت تفضلها سوداء بالتقطير، أو حتى بلمسات الحليب في الإسبريسو، فإن حراز ستظل دائماً المقياس الذي تُقاس به جودة القهوة العربية الأصيلة.
الاستثمار في محصول يمني فاخر يعني أنك تبحث عن "الذهب الأسود" في أصفى صوره. ومع الاهتمام المتزايد من المحامص السعودية الكبرى بهذا النوع من المحاصيل، أصبح الوصول إلى هذه التجربة أسهل من أي وقت مضى، مما يتيح لك الاستمتاع بعبق التاريخ في كل فنجان.