حركة تحرير السودان: إتهامات صلاح قوش دليل عجز وقلة حيلة
إن التصريحات التى أطلقها المدعو صلاح عبد الله قوش في لقائه بالصحفيين والتي إتهم فيها حركة/ جيش تحرير السودان قيادة الأستاذ/ عبد الواحد محمد أحمد النور بممارسة التخريب والعنف في الإنتفاضة التى عمت المدن السودانية هي دليل عجز وقلة حيلة ومحاولة يائسة لتبرير الفشل الذي لازم نظامه.
إزاء هذه المزاعم والأكاذيب فإننا نوضح الآتي:
أولاً:
يعلم الجميع بأن حركة/ جيش تحرير السودان لم تتخلف يوماً في مواجهة النظام في كافة الجبهات منذ تفجر الثورة ولا تزال ، ومعاركنا مع النظام قائمة وستظل وسنواجهه بكل قوة وحسم في مختلف الميادين السياسية والعسكرية والجماهيرية حتي نلحق به الهزيمة الماحقة ونبني دولة المواطنة المتساوية التى تسع كل السودانيين.
ثانياً:
إن الحركة تفرق بين معارضة النظام ومعارضة الوطن ، فمعركتنا مع النظام ومليشياته وأجهزته القمعية وليست مع الشعب السوداني ، وندرك أن الأصول والمرافق العامة هى ملك للشعب السوداني وليس المؤتمر الوطني ، وما صرح به المدعو قوش نعده سذاجة وبلاهة تعبر عن حالة العجز والتوهان السياسي الذي وصل إليه قادة النظام الذين أصبحوا يقولون ما لا يعلمون ظنا منهم بمثل هذه الأكاذيب يمكن أن يخدعوا الشعب السوداني.
ثالثاً:
إن من قسّم السودان وحوله إلي دولة فاسدة وفاشلة وأشعل فيها نيران الحروب العبثية العنصرية وقسّم شعبها إلي مسلمين/ كفار وعرب/زرقة وقتل أكثر من ستمائة ألف نسمة في دارفور وحدها وشرد الملايين داخليا وخارجيا ، وقتل الطلاب في المدارس والجامعات وأطلق الرصاص الحي علي صدور الشباب العزل في هبة سبتمبر ٢٠١٣م ولا يزال يمارس هوايته في قتل الأبرياء في عطبرة وبورتسودان والقضارف والدمازين وربك وغيرها هو نظام صلاح قوش وليس حركة/ جيش تحرير السودان.
رابعاً:
إن القتل وحرق الممتلكات العامة ونهب الثروات هي سياسة وممارسة رسمية لنظام المؤتمر الوطني وماركة مسجلة باسمه ، ولدينا المعلومات والدليل علي أن الذين أحرقوا ونهبوا هم منسوبي جهاز أمن صلاح قوش بهدف إجهاض ثورة الجياع التى أنتظمت البلاد وتخويف المواطنين بما سوف تؤول إليه الأمور ولكن الثورة الشعبية قد إنطلقت ولن توقفها أكاذيب صلاح قوش ، والحال الذي وصل إليه السودان بفعل هذه العصابة لا يمكن معالجته إلا برحيل النظام الذي أصبح وجوده عبئا ومهددا لوحدة وسلامة السودان ، فالأزمة الإقتصادية هى قمة جبل الجليد وتجلي للأزمة السياسية والأمنية والإجتماعية والفساد ونهب ثروات البلاد.
خامساً:
إذا كانت لدي صلاح قوش معلومات كما يزعم عن مجموعة تابعة للحركة و تتكون من مائتين وثمانين عنصرا يشرف عليها الموساد ، وتحركت من إسرائيل إلي كينيا ثم دخلت السودان ، فلماذا لم يعتقلها قبل تنفيذ الجريمة المدعاة؟!!
ألا يعتبر ذلك فشلاً ذريعاً لجهاز أمنه ويتطلب ذلك الإستقالة أو الإقالة؟!!
إن المدعو صلاح قوش يعلم قبل غيره أن تصريحاته مجرد أكاذيب لإيجاد شماعة يعلق عليها فشل نظامه وصرف الأنظار عن القضية الجوهرية والأزمة الحقيقية وصفوف الرغيف والبنزين والبنوك .
إن هذه التصريحات أكدت بما لا يدع مجالاً للشك عن غباء قادة النظام وضحالة تفكيرهم وهو ما قادهم من فشل إلي فشل أكبر منه ، فإذا كانت معلومات وخطط الحركة يتحصل عليها قوش بهذه البساطة لما وجدت حركة تحرير السودان التى عجزت كل القوي الإقليمية والدولية الحليفة للنظام في حرفها عن مواقفها ومبادئها ، ولما فشلت كل الضغوط والاغراءات والتهديدات في جلبها إلي طاولة التسوية مع النظام !!.
سادساً:
بعد فشل نظام البشير في هزيمة الحركة عسكرياً وسياسياً وجماهيرياً ، وفشل كافة محاولات إضعاف الحركة عبر الإنشقاقات وزرع الفتن ، وتمسك الحركة بإسقاط النظام وتغييره ومحاكمة رموزه ، ورفضها لكافة أشكال التفاوض والتسوية ، لم يعد أمام النظام إلا بث مثل هذه الأكاذيب والترهات وتجريم الرفاق بالداخل تمهيداً إلي قتلهم وإعتقالهم والتنكيل بهم.
سابعاً:
إننا نعتبر هذه الإتهامات ضوء أخضر وإستهداف ومحاكمة مسبقة لأعضاء الحركة بالداخل يتحمل صلاح قوش ونظامه كافة تبعاتها والمسئولية المترتبة علي أي أذي يلحق بأحد من رفاقنا.
ثامناً:
نؤكد للجميع بأن أكاذيب صلاح قوش والجريمة التى يمهد لها لن تخيفنا ، وقد خبرنا المعتقلات والسجون وبيوت الأشباح وقدمنا آلاف الشهداء والجرحي في سبيل حرية شعبنا ، وسنظل في خط المقاومة جنباً إلي جنب مع شعبنا حتي إعلان النصر الكبير ومحاكمة كل القتلة والمجرمين .
محمد عبد الرحمن الناير
الناطق الرسمي باسم الحركة
٢٣ ديسمبر ٢٠١٨م
لا يساورني أدنى شك في أن الذين شاهدوا ذلك (الفيديو) هطلت دموعهم مدراراً بمثلما كان حالي. تلك الأم التي جفَّ الدمع في مآقيها، وما عاد صوتها يقوى على الكلام، وهي تبكي بحرقة وحيدها الطالب الجامعي، الذي وضعت على كاهله الآمال العظام. قالت إنها (تمرمطت في الشوارع) وهذا تعبيرها، من أجل أن يواصل ابنها دراسته، إذ عملت بائعة شاي. وهي المهنة التي لجأت لها ثلاثون ألف امرأة درءاً للفقر في ظل دولة أصحاب الأيادي المتوضئة. وقد أثبتت دراسة ميدانية أن هؤلاء النسوة يعول معظمهن أسراً فقدت الأب لأسباب كثيرة. وثمة (فيديو) آخر شاهدنا فيه ذلك الأب الذي كسا الشيب شعره وما عاد يستطيع الصبر، ففاضت عيونه بالدمع السخين، حزناً على ابنه الطالب الجامعي أيضاً. هذا وذاك كانت تطمح أسرهم بمستقبل زاهر يحقق لهم ما ظلوا يحلمون به!
ذلك بالطبع ما لم يخطر على بال قناصة نظام العصبة ذوي البأس، وهم يوجهون بنادقهم نحو أولئك الشباب ويردونهم قتلى. هو في واقع الأمر لم يقتل طالباً وإنما قتل أمة. فهؤلاء هم عماد الوطن، كان يمكن أن يكونوا أحد الذين يحملونه لمصاف التقدم والازدهار. لكن النظام القمعي الذي تمرس على القتل والإرهاب، وضع حداً لحياتهم وحياة مئات الشباب والطلاب الذين اغتالهم بدم بارد على مدى سنواته في السلطة.
ظل النظام القمعي يفعل ذلك متلذذاً بشهوة القتل التي جُبل عليها، ونحن في كل مرة نزرف الدمع على راحل مضى في انتطار راحل جديد. بتنا كأننا بصمتنا نشجعه على الاستمرار في ذلك الفعل الإجرامي. بل صرنا كمكتوف الأيدي الذي لا يقوى على رد الفعل بما يوازي الفعل بحسب قوانين الطبيعة. لا أعنى مبادلة العنف بالعنف، فذلك ليس من شيمنا ولا عُرف عنا مثله، ولكن بوسعنا أن نفعل الكثير الذي يخفف الحزن عن ذوي الذين فقدوا أبنائهم وبناتهم.
فالشهداء الذين قتلوا في سبتمبر 2013 والذين قتلوا في الأسبوع المنصرم، أي منذ اندلاع ثورة الكرامة، نجد أن معظمهم من الشباب، ويستطيع المرء أن يزعم بأن جميعهم إدخرتهم أسرهم لمستقبل يجنبها الفقر المدقع الذي يعيشه أهل السودان بنسبة فاقت 90% في عهد أصحاب الأفواه المتمضمضة. وكنت قد تساءلت عقب مشاهدتي تلك الفيديوهات الصادمة، ما الذي يمكن أن نفعله لأسر هؤلاء؟ لا سيما، وأن السودانيين في الخارج، والذين بعثرهم هذا النظام في كل بقاع الدنيا، تشير الاحصائيات العشوائية أن نسبتهم بلغت ثمانية ملايين أو يزيد في الثلاثين عاماً العجاف!
بالأصالة عن نفسي أدعو هؤلاء المعنيين في الخارج، بالشروع العاجل في جمع الأموال التي تعين تلك الأسر المكلومة على مواجهة أعباء الحياة، كما أن هذه الأموال ستضمن استمرارية ثورة الكرامة حتى تصل لنهاياتها المنطقية، وهي اقتلاع نظام العصبة من جذوره. مثل هذا الدعم يجعل أدوارنا تتكامل مع من هم داخل السودان، فأنا على يقين بأن الكثيرين يتوقون لفعل يشاركون به الأبطال القابضين على جمر القضية، والذين تحدوا سلطة القمع، وفتحوا صدورهم للرصاص. ذلك في تقديري هو أبسط ما يمكن أن نفعله نحن البعيدين عن الوطن. وأنا على يقين أيضاً أن السودانيين الذين يعيشون في المهاجر المختلفة، سوف يقبلون على ذلك بما يمكن أن يكون الصندوق المقترح دعماً للوطن كله، خاصة وأن ثورة الكرامة لن تحقق غاياتها إلا بإنقاذ الوطن من الفقر الذي أصبح مشاعاً بين الناس!
أخاطبكم طامحاً ومتأملاً، فقد كنا عوناً وسنداً لبعضنا طيلة سنوات التيه والضلال، نؤازر بعضنا بعضا، ونتدثر بإرادة قوية للوصول إلى تلك الغاية النبيلة التي تلوح لنا الآن في الأفق. إننا نعيش لحظة المخاض التي تسبق ولادة الحلم. لحظة الخلاص التي عملنا من أجلها وانتظرناها طويلاً باتت أقرب إلينا من حبل الوريد. وما أجمل الحلم الذي يأتي عقب عناء وشقاء. وقريباً سيعيش الوطن ساعة الميلاد الكبرى!
إنها ضريبة الوطن.. ومهر الحرية
فلنتدافع لجمع الأموال أولاً وسنرى ماذا نحن فاعلون بها ثانياً.
آخر الكلام: لابد من المحاسبة والديمقراطية وإن طال السفر!!
تستمر اليوم 19 ديسمبر 2018 انتفاضة شعبنا الباسل التى بدأت قبل ايام بخروج جماهير مدن عطبره ، بورتسودان ، الدامر و شندى فى تظاهرات شجاعة ، غاضبة ، هادرة و قوية ، حيث طاردت الجماهير فى عطبره ممثلى السلطة وانحازت قوات الجيش و الشرطة للجماهير الثائرة فاعلن النظام حالة الطوارى فى ولاية نهر النيل.
كما قلنا خلال الفترة القريبة الماضية ان عناصر تفجر الثورة قد اكتملت ، وبلغ الضيق بالناس مبلغه وستتوالى التظاهرات واشكال الاحتجاجت المختلفة ، و التى تعبر بها الجماهير عن رغبتها الاكيدة فى التغيير .
نناشد كل الشباب عموما واعضاء حركة 27 نوفمبر على وجه الخصوص ، ان ينتظموا ويشاركوا فى كل التظاهرات .كما نهيب بهم ان ينظموا التظاهرات الليلية و لجان الانتفاضة فى الاحياء ، فللتظاهرات الليلية الكثيفة التى تقوم فى وقت واحد فى عدة احياء من العاصمة المثلثة و الولايات فوائد عديدة ، فهى سهلة الترتيب ولكنها تنهك القوات الامنية وتشتت جهودها وتدخل الخوف والرهبة فى قلوب المتمكنين . كما انها تهيئ الامر لوضع الترتيبات حول مستقبل البلاد والفترة الانتقالية والمشروع الوطنى ، كما تتيح الفرصة لقراءة الوضع بدقة ولمعرفة الفرصة المناسبة للنزول الكبير للميادين و الشوارع .
تهيب حركة 27 نوفمبر بكل الشباب وكل جماهير الشعب السودانى للمشاركة فى مسيرة تسليم مذكرة تجمع المهنيين السودانيين للبرلمان في يوم 25 ديسمبر.
نناشد قوى الاجماع الوطنى والقوى المنحاذة للانتفاضة الشعبية فى نداء السودان ، فى سياق الاصطفاف واعادة الاصطفاف، بترك الخلافات والاستجابة لنداء الوطن بالبحث عن نقاط الالتقاء و الاستجابة لنداء الجماهير برص الصفوف من اجل النزول للشارع ، وجمع المعارضة الشعبية ومنظمات المجتمع المدنى و الاجتماع بالقوى الشبابية وبقية المعارضة الرسمية خارج الكتلتين والاهتمام بالتخطيط و التاسيس للفترة الانتقالية ولمهامها وقضاياها و التى يجب ان تنقل السودان من حالة الانهيار الحالى الى درجة معقولة من الاستقرار والسلام يمكن بعدها اجراء انتخابات حرة ونزيهة يستطيع فيها الشعب الادلاء باصواته واختيار ممثلية بكامل حريته واستقلاله .
لقد تفجرت الثورة ولا تراجع عن التغيير الكامل الشامل ، لا تراجع عن اعادة هيكلة الدولة ، بناء دولة المواطنة وتصفية دولة الاخوان المسلمين العميقة والدستور العلمانى الديمقراطى ، ومجانية العلاج و التعليم و الحقوق المتساوية و التنمية المتوازنة.
نناشد ضباط و ضباط صف وجنود الجيش السودانى ، والشرطة السودانية فى الانحياذ دون تردد لجماهير الشعب السودانى وحمايتهم من غدر مليشيات السلطة الفاشية كما فعلت قوات الشعب المسلحة والشرطة فى مدينة اتبرة الباسلة .
ايها الشباب ، يا جماهير الشعب السودانى ثورة حتى النصر ، لا تراجع لا تخاذل لا انهزام ، سنصنع المستقبل ونهزم السلطة الفاشية .
عاش الشعب السودانى
المجد و الخلود لشهداء انتفاضة سبتمبر 2013
المجد و الخلود لكل شهداء الثورة السودانية
العزة للسودان
هبّت جموع الشعب السوداني، في وضح النهار، وفي كل القرى والحضر، وحتى لحظة كتابة هذا المقال، ارتوت أرض السودان بدماء أكثر من ثلاثة عشرا شهيد ومئات الجرحى. خرجت الجماهير إلى الشوارع، لا استجابةً لتوجيه من حزب أو من تحالف أحزاب، ولا من زعيم سياسي، وإنما تخطّت كل هؤلاء، لتملأ الشوارع، متسلحة بهتافات الحناجر، تلبية لنداءات المعاناة وشظف العيش بعد أن بلغت الحياة في السودان درجة من القسوة لا تُطاق ولا تُحتمل، ولأن الفساد أضحى مجسدا ملموسا ومتحكما في البلاد، ولأن السودان أصبح وكأنه مملوك لمجموعة بعينها، مع سدنتهم وخلصائهم، يتحكمون في كل صغيرة وكبيرة في البلد، ويقررون حاضره ومستقبله، ومن الذي يستحق ومن الذي لا يستحق…!
إتخذت جموع الشعب قرارها عفويا، لم تناقشه أجسام قيادية، ولم يُخطط له مسبقا، ولا توجد قيادات ميدانية تُنظم وتقود المسيرات، وإنما يقودها وحدة الهدف والوعي بمن هو السبب في المعاناة، غض النظر عن الموقع الجغرافي للمسيرة. صبرت جموع الشعب طويلا، فظنّه أهل الحكم رضوخا ورضىً، فأستمروا في غيّهم، غير عابئين بما وصل إليه حال المواطن، بعد أن إختفى النقد «الكاش» من البنوك وخزانات المؤسسات، وصار، هو نفسه، بضاعة نادرة، وإنتظم الناس في صفوف ممتدة ولساعات طويلة أمام البنوك والصرافات الآلية، يسْتجدون الحصول على جزء، ولو يسير، من مرتباتهم، بينما تتضاعف أسعار ضروريات الحياة، كالخبز والأدوية، إلى أرقام فلكية. ولأن وعي الشعب قاده إلى حقيقة أن النظام، بممارساته وسياساته، هو المسؤول الأول عن تدهور المعيشة والاقتصاد حد الاقتراب من الانهيار الكامل، جاءت هتافاته مطالبة برحيل النظام، مؤكدة ما أشرنا إليه من قبل بأن الاحتجاجات المطلبية، مهما إبتعدت عن السياسة، ستصطدم بها عاجلا، فارضة نفسها في قمة تكتيكات العمل السياسي المطالبة برحيل النظام.
غضبة «الهبباي»، إنفجرت هذه المرة في خارج الخرطوم، ومركز ثقلها الرئيسي لا يزال هناك، على عكس ما تعودنا عليه من قبل، عندما كانت القوى الحديثة في المركز هي التي تبتدر الحراك ثم ينتشر إلى الأقاليم الأخرى. وغض النظر عن السبب، أو ما إذا كان مركز الثقل سينتقل قريبا إلى الخرطوم، فإن إنفجار الغضبة وبدء الحراك خارج المركز، أمر له دلالته الهامة، وقد نتناوله بتفصيل أكثر في كتابات قادمة. صحيح أن إستمرار عفوية الحراك، قد تؤثر عليه سلبا، لكن الذي يُضعف ويُربك الحراك والغضبة فعلا، ظهور المراكز القيادية وتعددها، دون أي رابط أو تنسيق بينها. فهذا مركز يعلن عن موكب وتسليم مذكرة يوم 25 كانون الأول/ ديسمبر الجاري، ومركز آخر يدعو لإضراب سياسي وعصيان مدني يوم 26 من ذات الشهر، ونحن غير متأكدين من أن دعوة العصيان وصلت إلى كل الناس ناهيك عن درجة الاستعداد والتحضير لخطوة كبيرة كهذه. ومركز ثالث يدعو القوى السياسية للإتفاق على مذكرة تُحمل في موكب وتسلم لقيادة النظام ويتم التفاهم معها على تسليمها السلطة بمثل ما حدث مع الرئيس عبود، إبان ثورة أكتوبر 1964…الخ. لكن القانون الرئيس في أي هبة أو إنتفاضة أو ثورة، يقول: لا شيئ يهزم الطغيان، غير إرادة جماهيرية قوية، تحت قيادة موحدة، تمتلك رؤية واضحة، تواصل الضغط حتى يرحل النظام.
ليس سهلا التنبؤ أو التكهن يما سيؤول إليه مسار الهبة الجماهيرية، ولا أعتقد أن هذا هو المطلوب الآن، بقدر ما أن المُلح هو التعامل العملي المسؤول مع ما يجري على أرض الواقع حاليا، حتى لا يسقط الوطن تحت سنابك خيل المؤتمر الوطني. ومع ذلك، وحتى لحظة وصول هذا المقال إلى أيدي القارئ، فإن المآلات المتوقعة، والبديهية أيضا، ستشمل: ـ
المآل الأول، إستمرار وتصاعد الغضبة والحراك، دون توقف، وتضاعف أعداد الشهداء والجرحى مع إصرار النظام على سفك الدماء. وهو ما يضع المؤسسات الأمنية والعسكرية والأمنية والشرطية، أمام مسؤولية أخلاقية ووطنية، وفي محك تاريخي كبير. فإما أن تستعيد قوميتها وجدارتها بالمسؤولية الأخلاقية الكبيرة الملقاة على عاتقها، وتؤكد أنها جزء لا يتجزأ من هذا الشعب، فتستجيب لصرخاته، بما فيها صرخات أفراد أسر هذه المؤسسات نفسها، ضد الغلاء وشظف العيش، وضد هدر الكرامة، وتقف على مسافات متساوية من كل القوى السياسية، أو تنحاز إلى المجموعة السياسية الحاكمة، غض النظر عن خطل سياسات هذه المجموعة، فتخون الشعب، وتقودنا فعلا إلى سيناريوهات الأرض المشبعة دوما بدماء الإنسان. وعموما، كل ما تواصلت الهبة دون توقف، كلما إكتسبت زخما وقوة دافعة تقودها في النهاية إلى الإنتصار، ولو جاء باهظ الثمن. وبالطبع، سيطرح الإنتصار كيفية الحفاظ عليه من السرقة، وكيفية ألا يكون سطحيا، يعيد إنتاج النظام القديم في شكل جديد. وهذا يعني، التوافق، الآن وليس غدا، على مشروع إنتقالي بديل، يساهم في صياغته السياسيون والتكنوقراط والمجتمع المدني والعسكريون في الجيش والقوات النظامية الأخرى، وسائر قطاعات المجتمع. وتعمل على تنفيذه كفاءات وطنية يجمع الناس على أهليتها ونزاهتها، بعيدا عن أي ترضيات أو محاصصات سياسية.
المآل الثاني، قد تخبو الهبة ويخفت حراكها فتتراجع، ولكن هذا لا يعني هزيمتها، أو إنتصار النظام، رغم الخسائر المتوقعة، بقدر ما هو إنتهاء دورة إستعدادا لدورة قادمة، دائما ما تكون أقوى. فالسبب لا يزال موجودا، ولا علاج له غير الرحيل، والبلاد لم تعد تحتمل. أما الإنتصار، فسيأتي وإن طال الزمن.
لابد من وقفة حاسمة، ننشط خلالها ذاكرتنا المتصلة ونقويها، حتى لا تترك شاردة ولا واردة إلا وتضعها في الحسبان، من أجل وقف النزيف اليومي في البحث عن لقمة العيش والحقوق الضائعة في وطن مرهق، بعيدا عن التدليس ولعبة الاستغماية التي ظل يلعبها المؤتمر الوطني طوال ما يقرب من نصف عمر إستقلال هذا البلد الأمين.
القدس العربى
24/12/2018