بسم الله الرحمن الرحيم
أخبار السابقين، وقصص الأولين، وسير الماضين؛ من أهم وسائل تربية النفوس، وتأديبها على الصالح من الأفعال والأحوال والأقوال، إنها قصص تحكي ليالي وأياماً، ودهوراً وأعواماً، ذهبت أحداثها، وبقيت آثارها، ذهب أصحابها وبقيت الدروس والعبر منها، قصص يستفيد منها من كان له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد.
ومن أحسن القصص ما جاء في كتاب الله سبحانه وتعالى، وسنة النبي صلى الله عليه وسلم، وها نحن اليوم نعيش في هذه الكلمات مع إحدى هذه القصص من الأخبار النبوية،وهي تحكي حال ثلاثة نفر عاشوا لحظات ضيق وكرب؛ لكنهم كانوا أصحاب رصيد من الأعمال الصالحات؛ ففرج الله تعالى عنهم كربتهم، وكانت تلك كرامة من الله تعالى لهم.
وقد روى القصة بتفاصيلها كل من الشيخين: البخاري ومسلم رحمهما الله، ونكتفي هنا بلفظ أحدهما وهو الإمام مسلم الذي ساق السند إلى ابن عمر رضي الله عنهما فقال: عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: ((بينما ثلاثة نفر يتمشون أخذهم المطر، فأووا إلى غار في جبل، فانحطت على فم غارهم صخرة من الجبل، فانطبقت عليهم، فقال بعضهم لبعض: انظروا أعمالاً عملتموها صالحة لله فادعوا الله تعالى بها لعل الله يفرجها عنكم، فقال أحدهم: اللهم إنه كان لي والدان شيخان كبيران وامرأتي، ولي صبية صغار أرعى عليهم، فإذا أرحت عليهم حلبت فبدأت بوالدي فسقيتهما قبل بَنِيَّ، وأنه نأى بي ذات يوم الشجر فلم آت حتى أمسيت فوجدتهما قد ناما، فحلبت كما كنت أحلب، فجئت بالحلاب، فقمت عند رؤوسهما أكره أن أوقظهما من نومهما، وأكره أن أسقي الصبية قبلهما، والصبية يتضاغون عند قدمي، فلم يزل ذلك دأبي ودأبهم حتى طلع الفجر، فإن كنت تعلم أني فعلت ذلك ابتغاء وجهك فافرج لنا منها فرجة نرى منها السماء، ففرج الله منها فرجة فرأوا منها السماء، وقال الآخر: اللهم إنه كانت لي ابنة عم أحببتها كأشد ما يحب الرجال النساء، وطلبت إليها نفسها فأبت حتى آتيها بمائة دينار، فتعبت حتى جمعت مائة دينار، فجئتها بها، فلما وقعت بين رجليها قالت: يا عبد الله اتق الله، ولا تفتح الخاتم إلا بحقه، فقمت عنها، فإن كنت تعلم أني فعلت ذلك ابتغاء وجهك فافرج لنا منها فرجة، ففرج لهم، وقال الآخر: اللهم إني كنت استأجرت أجيراً بفرق أرز، فلما قضى عمله، قال: أعطني حقي فعرضت عليه فرقه، فرغب عنه، فلم أزل أزرعه حتى جمعت منه بقراً ورعاءها، فجاءني، فقال: اتق الله ولا تظلمني حقي، قلت: اذهب إلى تلك البقر ورعائها فخذها، فقال: اتق الله، ولا تستهزئ بي، فقلت: إني لا أستهزئ بك، خذ ذلك البقر ورعاءها، فأخذه فذهب به، فإن كنت تعلم أني فعلت ذلك ابتغاء وجهك فافرج لنا ما بقي، ففرج الله ما بقي)) رواه البخاري (2165)، ومسلم (4926) واللفظ له.
هذه القصة، وهذا الخبر، وهي وقائع تكلم بها الصادق المصدوق صلى الله عليه وسلم لنقف ملياً متأملين في حال من أخلص لرب العالمين، وأن الفرج مآل من استعان بربه على أمور الدنيا والدين، ونعلم ما للصلة بالله تعالى من السعادة في الدارين.
ونلاحظ في حديث الثلاثة أن كل واحد منهم كان له عمل مستقل غير عمل الآخر، ومن هنا نعلم أن أبواب الجنة كثيرة، وأن المجتمع يحتاج إلى كل عامل، وإلى كل التخصصات النافعة المفيدة، وكلٌ ميسر لما خُلِقَ له، والجنة لها ثمانية أبواب، فيجد المرء فيما يسره الله تعالى له سعة، ويبدع فيما يعمل، ويخلص فيه، وليست العبرة بكثرة العمل بل بإجادته وإتقانه يقول صلى الله عليه وسلم: ((إن الله يحب إذا عمل أحدكم عملاً أن يتقنه)) رواه الطبراني في المعجم الأوسط (1/275)
. نتعلم من هذا الحديث عظمة بر الوالدين، وأنه ليس عملاً سهلاً؛ بل هو من أجلِّ الأعمال التي رغَّب فيها الإسلام، وقد بيَّن الله سبحانه وتعالى لنا أهمية بر الوالدين لما عطف بر الوالدين على الأمر بالتوحيد والنهي عن الشرك فقال عز وجل: {وَاعْبُدُواْ اللّهَ وَلاَ تُشْرِكُواْ بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا}(النساء:36)، وقال عز وجل: {وَقَضَى رَبُّكَ أَلاَّ تَعْبُدُواْ إِلاَّ إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا}(الإسراء:23)، وقرن شكره بشكرهما فقال الله: {وَوَصَّيْنَا الْإِنسَانَ بِوَالِدَيْهِ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْنًا عَلَى وَهْنٍ وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ}(لقمان:14)، وامتدح الله عبده يحيى بأنه بار بوالديه فقال: {وَبَرًّا بِوَالِدَيْهِ وَلَمْ يَكُن جَبَّارًا عَصِيًّا}(مريم:14)، وأمر الله تعالى بالتواضع للوالدين، والدعاء لهما على ما قدما لأبنائهما فقال سبحانه وتعالى: {وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُل رَّبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا}(الإسراء:24)، ونهى الله عن جرحهما ولو بأقل كلمة فقال جل شأنه: {فَلاَ تَقُل لَّهُمَآ أُفٍّ وَلاَ تَنْهَرْهُمَا وَقُل لَّهُمَا قَوْلاً كَرِيمًا}(الإسراء:23)، فالكلام الكريم هو الذي يستخدم عند التحدث مع الأبوين.
والنبي صلى الله عليه وسلم في هذا الحديث يذكر صورة من صور بر الوالدين، فهذا الرجل الذي له أبوان شيخان كبيران جاء متعباً من الرعي، ومع هذا لم يشرب اللبن مع شدة جوعه، ولم يطعمه لزوجته ولا لأولاده إلا بعد أن استيقظ أبواه في الصباح فسقاهما، فكيف حالنا نحن مع آبائنا وأمهاتنا؟ وما مقدار تحملنا وصبرنا عليهما، وهل عملنا مثلما عمل هذا الرجل؟
ولقد بيَّن النبي عليه الصلاة والسلام فضل بر الوالدين فقال عليه الصلاة والسلام: ((الوالد أوسط أبواب الجنة فأضع ذلك الباب أو احفظه)) رواه الترمذي (1822) ، ودعا الرسول صلى الله عليه وسلم على من أدرك والديه ثم لم يبرهما فقد جاء عن أبي هريرة رضي الله عنها قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((رغم أنفه، ثم رغم أنفه، ثم رغم أنفه)) قيل: من يا رسول الله؟ قال: ((من أدرك والديه عند الكبر أحدهما أو كليهما ثم لم يدخل الجنة)) رواه مسلم (4628)، وجاء في فضل بر الوالدين الكثير من النصوص التي تبين فضله وأهميته.
سائلين المولى جل في علاه أن ينفعنا بما علمنا، وأن يعلمنا ما ينفعنا، وأن يزيدنا علماً وعملاً وتقوى وصلاحاً، وأن يثبت على الخير خطانا، وأن يفرج همومنا، وينفس كروبنا، وأن يسهل لنا طريق طاعته، ويبعدنا عن معصيته.
اللهم احفظنا بحفظك، واكلأنا برعايتك، وكن معنا ناصراً ومؤيداً ومعيناً، وصلى الله على نبينا محمد، وعلى آله، وصحبه، ومن اهتدى بهداه إلى يوم الدين.
بسم الله الرحمن الرحيم
أخبار السابقين، وقصص الأولين، وسير الماضين؛ من أهم وسائل تربية النفوس، وتأديبها على الصالح من الأفعال والأحوال والأقوال، إنها قصص تحكي ليالي وأياماً، ودهوراً وأعواماً، ذهبت أحداثها، وبقيت آثارها، ذهب أصحابها وبقيت الدروس والعبر منها، قصص يستفيد منها من كان له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد.
ومن أحسن القصص ما جاء في كتاب الله سبحانه وتعالى، وسنة النبي صلى الله عليه وسلم، وها نحن اليوم نعيش في هذه الكلمات مع إحدى هذه القصص من الأخبار النبوية،وهي تحكي حال ثلاثة نفر عاشوا لحظات ضيق وكرب؛ لكنهم كانوا أصحاب رصيد من الأعمال الصالحات؛ ففرج الله تعالى عنهم كربتهم، وكانت تلك كرامة من الله تعالى لهم.
وقد روى القصة بتفاصيلها كل من الشيخين: البخاري ومسلم رحمهما الله، ونكتفي هنا بلفظ أحدهما وهو الإمام مسلم الذي ساق السند إلى ابن عمر رضي الله عنهما فقال: عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: ((بينما ثلاثة نفر يتمشون أخذهم المطر، فأووا إلى غار في جبل، فانحطت على فم غارهم صخرة من الجبل، فانطبقت عليهم، فقال بعضهم لبعض: انظروا أعمالاً عملتموها صالحة لله فادعوا الله تعالى بها لعل الله يفرجها عنكم، فقال أحدهم: اللهم إنه كان لي والدان شيخان كبيران وامرأتي، ولي صبية صغار أرعى عليهم، فإذا أرحت عليهم حلبت فبدأت بوالدي فسقيتهما قبل بَنِيَّ، وأنه نأى بي ذات يوم الشجر فلم آت حتى أمسيت فوجدتهما قد ناما، فحلبت كما كنت أحلب، فجئت بالحلاب، فقمت عند رؤوسهما أكره أن أوقظهما من نومهما، وأكره أن أسقي الصبية قبلهما، والصبية يتضاغون عند قدمي، فلم يزل ذلك دأبي ودأبهم حتى طلع الفجر، فإن كنت تعلم أني فعلت ذلك ابتغاء وجهك فافرج لنا منها فرجة نرى منها السماء، ففرج الله منها فرجة فرأوا منها السماء، وقال الآخر: اللهم إنه كانت لي ابنة عم أحببتها كأشد ما يحب الرجال النساء، وطلبت إليها نفسها فأبت حتى آتيها بمائة دينار، فتعبت حتى جمعت مائة دينار، فجئتها بها، فلما وقعت بين رجليها قالت: يا عبد الله اتق الله، ولا تفتح الخاتم إلا بحقه، فقمت عنها، فإن كنت تعلم أني فعلت ذلك ابتغاء وجهك فافرج لنا منها فرجة، ففرج لهم، وقال الآخر: اللهم إني كنت استأجرت أجيراً بفرق أرز، فلما قضى عمله، قال: أعطني حقي فعرضت عليه فرقه، فرغب عنه، فلم أزل أزرعه حتى جمعت منه بقراً ورعاءها، فجاءني، فقال: اتق الله ولا تظلمني حقي، قلت: اذهب إلى تلك البقر ورعائها فخذها، فقال: اتق الله، ولا تستهزئ بي، فقلت: إني لا أستهزئ بك، خذ ذلك البقر ورعاءها، فأخذه فذهب به، فإن كنت تعلم أني فعلت ذلك ابتغاء وجهك فافرج لنا ما بقي، ففرج الله ما بقي)) رواه البخاري (2165)، ومسلم (4926) واللفظ له.
هذه القصة، وهذا الخبر، وهي وقائع تكلم بها الصادق المصدوق صلى الله عليه وسلم لنقف ملياً متأملين في حال من أخلص لرب العالمين، وأن الفرج مآل من استعان بربه على أمور الدنيا والدين، ونعلم ما للصلة بالله تعالى من السعادة في الدارين.
ونلاحظ في حديث الثلاثة أن كل واحد منهم كان له عمل مستقل غير عمل الآخر، ومن هنا نعلم أن أبواب الجنة كثيرة، وأن المجتمع يحتاج إلى كل عامل، وإلى كل التخصصات النافعة المفيدة، وكلٌ ميسر لما خُلِقَ له، والجنة لها ثمانية أبواب، فيجد المرء فيما يسره الله تعالى له سعة، ويبدع فيما يعمل، ويخلص فيه، وليست العبرة بكثرة العمل بل بإجادته وإتقانه يقول صلى الله عليه وسلم: ((إن الله يحب إذا عمل أحدكم عملاً أن يتقنه)) رواه الطبراني في المعجم الأوسط (1/275)
. نتعلم من هذا الحديث عظمة بر الوالدين، وأنه ليس عملاً سهلاً؛ بل هو من أجلِّ الأعمال التي رغَّب فيها الإسلام، وقد بيَّن الله سبحانه وتعالى لنا أهمية بر الوالدين لما عطف بر الوالدين على الأمر بالتوحيد والنهي عن الشرك فقال عز وجل: {وَاعْبُدُواْ اللّهَ وَلاَ تُشْرِكُواْ بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا}(النساء:36)، وقال عز وجل: {وَقَضَى رَبُّكَ أَلاَّ تَعْبُدُواْ إِلاَّ إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا}(الإسراء:23)، وقرن شكره بشكرهما فقال الله: {وَوَصَّيْنَا الْإِنسَانَ بِوَالِدَيْهِ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْنًا عَلَى وَهْنٍ وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ}(لقمان:14)، وامتدح الله عبده يحيى بأنه بار بوالديه فقال: {وَبَرًّا بِوَالِدَيْهِ وَلَمْ يَكُن جَبَّارًا عَصِيًّا}(مريم:14)، وأمر الله تعالى بالتواضع للوالدين، والدعاء لهما على ما قدما لأبنائهما فقال سبحانه وتعالى: {وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُل رَّبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا}(الإسراء:24)، ونهى الله عن جرحهما ولو بأقل كلمة فقال جل شأنه: {فَلاَ تَقُل لَّهُمَآ أُفٍّ وَلاَ تَنْهَرْهُمَا وَقُل لَّهُمَا قَوْلاً كَرِيمًا}(الإسراء:23)، فالكلام الكريم هو الذي يستخدم عند التحدث مع الأبوين.
والنبي صلى الله عليه وسلم في هذا الحديث يذكر صورة من صور بر الوالدين، فهذا الرجل الذي له أبوان شيخان كبيران جاء متعباً من الرعي، ومع هذا لم يشرب اللبن مع شدة جوعه، ولم يطعمه لزوجته ولا لأولاده إلا بعد أن استيقظ أبواه في الصباح فسقاهما، فكيف حالنا نحن مع آبائنا وأمهاتنا؟ وما مقدار تحملنا وصبرنا عليهما، وهل عملنا مثلما عمل هذا الرجل؟
ولقد بيَّن النبي عليه الصلاة والسلام فضل بر الوالدين فقال عليه الصلاة والسلام: ((الوالد أوسط أبواب الجنة فأضع ذلك الباب أو احفظه)) رواه الترمذي (1822) ، ودعا الرسول صلى الله عليه وسلم على من أدرك والديه ثم لم يبرهما فقد جاء عن أبي هريرة رضي الله عنها قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((رغم أنفه، ثم رغم أنفه، ثم رغم أنفه)) قيل: من يا رسول الله؟ قال: ((من أدرك والديه عند الكبر أحدهما أو كليهما ثم لم يدخل الجنة)) رواه مسلم (4628)، وجاء في فضل بر الوالدين الكثير من النصوص التي تبين فضله وأهميته.
سائلين المولى جل في علاه أن ينفعنا بما علمنا، وأن يعلمنا ما ينفعنا، وأن يزيدنا علماً وعملاً وتقوى وصلاحاً، وأن يثبت على الخير خطانا، وأن يفرج همومنا، وينفس كروبنا، وأن يسهل لنا طريق طاعته، ويبعدنا عن معصيته.
اللهم احفظنا بحفظك، واكلأنا برعايتك، وكن معنا ناصراً ومؤيداً ومعيناً، وصلى الله على نبينا محمد، وعلى آله، وصحبه، ومن اهتدى بهداه إلى يوم الدين.
بسم الله الرحمن الرحيم
أخبار السابقين، وقصص الأولين، وسير الماضين؛ من أهم وسائل تربية النفوس، وتأديبها على الصالح من الأفعال والأحوال والأقوال، إنها قصص تحكي ليالي وأياماً، ودهوراً وأعواماً، ذهبت أحداثها، وبقيت آثارها، ذهب أصحابها وبقيت الدروس والعبر منها، قصص يستفيد منها من كان له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد.
ومن أحسن القصص ما جاء في كتاب الله سبحانه وتعالى، وسنة النبي صلى الله عليه وسلم، وها نحن اليوم نعيش في هذه الكلمات مع إحدى هذه القصص من الأخبار النبوية،وهي تحكي حال ثلاثة نفر عاشوا لحظات ضيق وكرب؛ لكنهم كانوا أصحاب رصيد من الأعمال الصالحات؛ ففرج الله تعالى عنهم كربتهم، وكانت تلك كرامة من الله تعالى لهم.
وقد روى القصة بتفاصيلها كل من الشيخين: البخاري ومسلم رحمهما الله، ونكتفي هنا بلفظ أحدهما وهو الإمام مسلم الذي ساق السند إلى ابن عمر رضي الله عنهما فقال: عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: ((بينما ثلاثة نفر يتمشون أخذهم المطر، فأووا إلى غار في جبل، فانحطت على فم غارهم صخرة من الجبل، فانطبقت عليهم، فقال بعضهم لبعض: انظروا أعمالاً عملتموها صالحة لله فادعوا الله تعالى بها لعل الله يفرجها عنكم، فقال أحدهم: اللهم إنه كان لي والدان شيخان كبيران وامرأتي، ولي صبية صغار أرعى عليهم، فإذا أرحت عليهم حلبت فبدأت بوالدي فسقيتهما قبل بَنِيَّ، وأنه نأى بي ذات يوم الشجر فلم آت حتى أمسيت فوجدتهما قد ناما، فحلبت كما كنت أحلب، فجئت بالحلاب، فقمت عند رؤوسهما أكره أن أوقظهما من نومهما، وأكره أن أسقي الصبية قبلهما، والصبية يتضاغون عند قدمي، فلم يزل ذلك دأبي ودأبهم حتى طلع الفجر، فإن كنت تعلم أني فعلت ذلك ابتغاء وجهك فافرج لنا منها فرجة نرى منها السماء، ففرج الله منها فرجة فرأوا منها السماء، وقال الآخر: اللهم إنه كانت لي ابنة عم أحببتها كأشد ما يحب الرجال النساء، وطلبت إليها نفسها فأبت حتى آتيها بمائة دينار، فتعبت حتى جمعت مائة دينار، فجئتها بها، فلما وقعت بين رجليها قالت: يا عبد الله اتق الله، ولا تفتح الخاتم إلا بحقه، فقمت عنها، فإن كنت تعلم أني فعلت ذلك ابتغاء وجهك فافرج لنا منها فرجة، ففرج لهم، وقال الآخر: اللهم إني كنت استأجرت أجيراً بفرق أرز، فلما قضى عمله، قال: أعطني حقي فعرضت عليه فرقه، فرغب عنه، فلم أزل أزرعه حتى جمعت منه بقراً ورعاءها، فجاءني، فقال: اتق الله ولا تظلمني حقي، قلت: اذهب إلى تلك البقر ورعائها فخذها، فقال: اتق الله، ولا تستهزئ بي، فقلت: إني لا أستهزئ بك، خذ ذلك البقر ورعاءها، فأخذه فذهب به، فإن كنت تعلم أني فعلت ذلك ابتغاء وجهك فافرج لنا ما بقي، ففرج الله ما بقي)) رواه البخاري (2165)، ومسلم (4926) واللفظ له.
هذه القصة، وهذا الخبر، وهي وقائع تكلم بها الصادق المصدوق صلى الله عليه وسلم لنقف ملياً متأملين في حال من أخلص لرب العالمين، وأن الفرج مآل من استعان بربه على أمور الدنيا والدين، ونعلم ما للصلة بالله تعالى من السعادة في الدارين.
ونلاحظ في حديث الثلاثة أن كل واحد منهم كان له عمل مستقل غير عمل الآخر، ومن هنا نعلم أن أبواب الجنة كثيرة، وأن المجتمع يحتاج إلى كل عامل، وإلى كل التخصصات النافعة المفيدة، وكلٌ ميسر لما خُلِقَ له، والجنة لها ثمانية أبواب، فيجد المرء فيما يسره الله تعالى له سعة، ويبدع فيما يعمل، ويخلص فيه، وليست العبرة بكثرة العمل بل بإجادته وإتقانه يقول صلى الله عليه وسلم: ((إن الله يحب إذا عمل أحدكم عملاً أن يتقنه)) رواه الطبراني في المعجم الأوسط (1/275)
. نتعلم من هذا الحديث عظمة بر الوالدين، وأنه ليس عملاً سهلاً؛ بل هو من أجلِّ الأعمال التي رغَّب فيها الإسلام، وقد بيَّن الله سبحانه وتعالى لنا أهمية بر الوالدين لما عطف بر الوالدين على الأمر بالتوحيد والنهي عن الشرك فقال عز وجل: {وَاعْبُدُواْ اللّهَ وَلاَ تُشْرِكُواْ بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا}(النساء:36)، وقال عز وجل: {وَقَضَى رَبُّكَ أَلاَّ تَعْبُدُواْ إِلاَّ إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا}(الإسراء:23)، وقرن شكره بشكرهما فقال الله: {وَوَصَّيْنَا الْإِنسَانَ بِوَالِدَيْهِ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْنًا عَلَى وَهْنٍ وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ}(لقمان:14)، وامتدح الله عبده يحيى بأنه بار بوالديه فقال: {وَبَرًّا بِوَالِدَيْهِ وَلَمْ يَكُن جَبَّارًا عَصِيًّا}(مريم:14)، وأمر الله تعالى بالتواضع للوالدين، والدعاء لهما على ما قدما لأبنائهما فقال سبحانه وتعالى: {وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُل رَّبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا}(الإسراء:24)، ونهى الله عن جرحهما ولو بأقل كلمة فقال جل شأنه: {فَلاَ تَقُل لَّهُمَآ أُفٍّ وَلاَ تَنْهَرْهُمَا وَقُل لَّهُمَا قَوْلاً كَرِيمًا}(الإسراء:23)، فالكلام الكريم هو الذي يستخدم عند التحدث مع الأبوين.
والنبي صلى الله عليه وسلم في هذا الحديث يذكر صورة من صور بر الوالدين، فهذا الرجل الذي له أبوان شيخان كبيران جاء متعباً من الرعي، ومع هذا لم يشرب اللبن مع شدة جوعه، ولم يطعمه لزوجته ولا لأولاده إلا بعد أن استيقظ أبواه في الصباح فسقاهما، فكيف حالنا نحن مع آبائنا وأمهاتنا؟ وما مقدار تحملنا وصبرنا عليهما، وهل عملنا مثلما عمل هذا الرجل؟
ولقد بيَّن النبي عليه الصلاة والسلام فضل بر الوالدين فقال عليه الصلاة والسلام: ((الوالد أوسط أبواب الجنة فأضع ذلك الباب أو احفظه)) رواه الترمذي (1822) ، ودعا الرسول صلى الله عليه وسلم على من أدرك والديه ثم لم يبرهما فقد جاء عن أبي هريرة رضي الله عنها قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((رغم أنفه، ثم رغم أنفه، ثم رغم أنفه)) قيل: من يا رسول الله؟ قال: ((من أدرك والديه عند الكبر أحدهما أو كليهما ثم لم يدخل الجنة)) رواه مسلم (4628)، وجاء في فضل بر الوالدين الكثير من النصوص التي تبين فضله وأهميته.
سائلين المولى جل في علاه أن ينفعنا بما علمنا، وأن يعلمنا ما ينفعنا، وأن يزيدنا علماً وعملاً وتقوى وصلاحاً، وأن يثبت على الخير خطانا، وأن يفرج همومنا، وينفس كروبنا، وأن يسهل لنا طريق طاعته، ويبعدنا عن معصيته.
اللهم احفظنا بحفظك، واكلأنا برعايتك، وكن معنا ناصراً ومؤيداً ومعيناً، وصلى الله على نبينا محمد، وعلى آله، وصحبه، ومن اهتدى بهداه إلى يوم الدين.
بسم الله الرحمن الرحيم
أخبار السابقين، وقصص الأولين، وسير الماضين؛ من أهم وسائل تربية النفوس، وتأديبها على الصالح من الأفعال والأحوال والأقوال، إنها قصص تحكي ليالي وأياماً، ودهوراً وأعواماً، ذهبت أحداثها، وبقيت آثارها، ذهب أصحابها وبقيت الدروس والعبر منها، قصص يستفيد منها من كان له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد.
ومن أحسن القصص ما جاء في كتاب الله سبحانه وتعالى، وسنة النبي صلى الله عليه وسلم، وها نحن اليوم نعيش في هذه الكلمات مع إحدى هذه القصص من الأخبار النبوية،وهي تحكي حال ثلاثة نفر عاشوا لحظات ضيق وكرب؛ لكنهم كانوا أصحاب رصيد من الأعمال الصالحات؛ ففرج الله تعالى عنهم كربتهم، وكانت تلك كرامة من الله تعالى لهم.
وقد روى القصة بتفاصيلها كل من الشيخين: البخاري ومسلم رحمهما الله، ونكتفي هنا بلفظ أحدهما وهو الإمام مسلم الذي ساق السند إلى ابن عمر رضي الله عنهما فقال: عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: ((بينما ثلاثة نفر يتمشون أخذهم المطر، فأووا إلى غار في جبل، فانحطت على فم غارهم صخرة من الجبل، فانطبقت عليهم، فقال بعضهم لبعض: انظروا أعمالاً عملتموها صالحة لله فادعوا الله تعالى بها لعل الله يفرجها عنكم، فقال أحدهم: اللهم إنه كان لي والدان شيخان كبيران وامرأتي، ولي صبية صغار أرعى عليهم، فإذا أرحت عليهم حلبت فبدأت بوالدي فسقيتهما قبل بَنِيَّ، وأنه نأى بي ذات يوم الشجر فلم آت حتى أمسيت فوجدتهما قد ناما، فحلبت كما كنت أحلب، فجئت بالحلاب، فقمت عند رؤوسهما أكره أن أوقظهما من نومهما، وأكره أن أسقي الصبية قبلهما، والصبية يتضاغون عند قدمي، فلم يزل ذلك دأبي ودأبهم حتى طلع الفجر، فإن كنت تعلم أني فعلت ذلك ابتغاء وجهك فافرج لنا منها فرجة نرى منها السماء، ففرج الله منها فرجة فرأوا منها السماء، وقال الآخر: اللهم إنه كانت لي ابنة عم أحببتها كأشد ما يحب الرجال النساء، وطلبت إليها نفسها فأبت حتى آتيها بمائة دينار، فتعبت حتى جمعت مائة دينار، فجئتها بها، فلما وقعت بين رجليها قالت: يا عبد الله اتق الله، ولا تفتح الخاتم إلا بحقه، فقمت عنها، فإن كنت تعلم أني فعلت ذلك ابتغاء وجهك فافرج لنا منها فرجة، ففرج لهم، وقال الآخر: اللهم إني كنت استأجرت أجيراً بفرق أرز، فلما قضى عمله، قال: أعطني حقي فعرضت عليه فرقه، فرغب عنه، فلم أزل أزرعه حتى جمعت منه بقراً ورعاءها، فجاءني، فقال: اتق الله ولا تظلمني حقي، قلت: اذهب إلى تلك البقر ورعائها فخذها، فقال: اتق الله، ولا تستهزئ بي، فقلت: إني لا أستهزئ بك، خذ ذلك البقر ورعاءها، فأخذه فذهب به، فإن كنت تعلم أني فعلت ذلك ابتغاء وجهك فافرج لنا ما بقي، ففرج الله ما بقي)) رواه البخاري (2165)، ومسلم (4926) واللفظ له.
هذه القصة، وهذا الخبر، وهي وقائع تكلم بها الصادق المصدوق صلى الله عليه وسلم لنقف ملياً متأملين في حال من أخلص لرب العالمين، وأن الفرج مآل من استعان بربه على أمور الدنيا والدين، ونعلم ما للصلة بالله تعالى من السعادة في الدارين.
ونلاحظ في حديث الثلاثة أن كل واحد منهم كان له عمل مستقل غير عمل الآخر، ومن هنا نعلم أن أبواب الجنة كثيرة، وأن المجتمع يحتاج إلى كل عامل، وإلى كل التخصصات النافعة المفيدة، وكلٌ ميسر لما خُلِقَ له، والجنة لها ثمانية أبواب، فيجد المرء فيما يسره الله تعالى له سعة، ويبدع فيما يعمل، ويخلص فيه، وليست العبرة بكثرة العمل بل بإجادته وإتقانه يقول صلى الله عليه وسلم: ((إن الله يحب إذا عمل أحدكم عملاً أن يتقنه)) رواه الطبراني في المعجم الأوسط (1/275)
. نتعلم من هذا الحديث عظمة بر الوالدين، وأنه ليس عملاً سهلاً؛ بل هو من أجلِّ الأعمال التي رغَّب فيها الإسلام، وقد بيَّن الله سبحانه وتعالى لنا أهمية بر الوالدين لما عطف بر الوالدين على الأمر بالتوحيد والنهي عن الشرك فقال عز وجل: {وَاعْبُدُواْ اللّهَ وَلاَ تُشْرِكُواْ بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا}(النساء:36)، وقال عز وجل: {وَقَضَى رَبُّكَ أَلاَّ تَعْبُدُواْ إِلاَّ إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا}(الإسراء:23)، وقرن شكره بشكرهما فقال الله: {وَوَصَّيْنَا الْإِنسَانَ بِوَالِدَيْهِ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْنًا عَلَى وَهْنٍ وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ}(لقمان:14)، وامتدح الله عبده يحيى بأنه بار بوالديه فقال: {وَبَرًّا بِوَالِدَيْهِ وَلَمْ يَكُن جَبَّارًا عَصِيًّا}(مريم:14)، وأمر الله تعالى بالتواضع للوالدين، والدعاء لهما على ما قدما لأبنائهما فقال سبحانه وتعالى: {وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُل رَّبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا}(الإسراء:24)، ونهى الله عن جرحهما ولو بأقل كلمة فقال جل شأنه: {فَلاَ تَقُل لَّهُمَآ أُفٍّ وَلاَ تَنْهَرْهُمَا وَقُل لَّهُمَا قَوْلاً كَرِيمًا}(الإسراء:23)، فالكلام الكريم هو الذي يستخدم عند التحدث مع الأبوين.
والنبي صلى الله عليه وسلم في هذا الحديث يذكر صورة من صور بر الوالدين، فهذا الرجل الذي له أبوان شيخان كبيران جاء متعباً من الرعي، ومع هذا لم يشرب اللبن مع شدة جوعه، ولم يطعمه لزوجته ولا لأولاده إلا بعد أن استيقظ أبواه في الصباح فسقاهما، فكيف حالنا نحن مع آبائنا وأمهاتنا؟ وما مقدار تحملنا وصبرنا عليهما، وهل عملنا مثلما عمل هذا الرجل؟
ولقد بيَّن النبي عليه الصلاة والسلام فضل بر الوالدين فقال عليه الصلاة والسلام: ((الوالد أوسط أبواب الجنة فأضع ذلك الباب أو احفظه)) رواه الترمذي (1822) ، ودعا الرسول صلى الله عليه وسلم على من أدرك والديه ثم لم يبرهما فقد جاء عن أبي هريرة رضي الله عنها قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((رغم أنفه، ثم رغم أنفه، ثم رغم أنفه)) قيل: من يا رسول الله؟ قال: ((من أدرك والديه عند الكبر أحدهما أو كليهما ثم لم يدخل الجنة)) رواه مسلم (4628)، وجاء في فضل بر الوالدين الكثير من النصوص التي تبين فضله وأهميته.
سائلين المولى جل في علاه أن ينفعنا بما علمنا، وأن يعلمنا ما ينفعنا، وأن يزيدنا علماً وعملاً وتقوى وصلاحاً، وأن يثبت على الخير خطانا، وأن يفرج همومنا، وينفس كروبنا، وأن يسهل لنا طريق طاعته، ويبعدنا عن معصيته.
اللهم احفظنا بحفظك، واكلأنا برعايتك، وكن معنا ناصراً ومؤيداً ومعيناً، وصلى الله على نبينا محمد، وعلى آله، وصحبه، ومن اهتدى بهداه إلى يوم الدين.