لقد كان لإعلان النظرية النسبية أثر عميق جداً وكان أروع الأمثلة على مدى قدرة تفكير الإنسان بشكل عام، فقد جاء على مرحلتين فكريتين ضخمتين واحدة تقود إلى الأخرى، فكانت النسبية الخاصة عام 1905 والنسبية العامة عام 1915. وقد أدت هذه النظرية النسبية إلى دمج ثلاث أبعاد المكانية مع بعد الزمن في فضاء رباعي الأبعاد ومتعدد الجوانب. فأحدث ذلك تغيراً عظيماً في الفلسفة، ناهيك عن التغيرات الفيزيائية.
كلنا يعلم تجربة ميكلسون ومورلي التي أحدثت إضطراباً كبيراً في الفيزياء، فحتى نستطيع أن نفهم النسبية نحتاج إلى فهم وجهة الخلاف في هذه التجربة، ولم يطور أينشتاين نظرية كي يبحث عن تفسير لهذه التجربة لأنه لم يكن يعلم بها، وكان منغمساً في نظرية ماكسويل الكهرومغناطيسيه، وكي نفهم طبيعة هذه النظرية دعونا نراقب قطاراً مثلاً أو نقذف شيئاً أو نتحرك، ثم نحاول من خلال مراقبتنا لهذه الأشياء تحديد حركتنا، نجد أننا مهما تأنينا في مراقبتها فلن نكتشف أننا على سطح كوكب متحرك أم ساكن، ذلك لأن سلوكنا لا يدل على أي شي، كذلك لا يختلف الأمر إذا كنا في مركبة أو قطار أو طائرة تتحرك بسرعة ثابتة وفي خط مستقيم، إذ لن نتمكن من إكتشاف حركتنا المنتظمة (بسرعة ثابتة وفي خط مستقيم) والسبب هو ثبات قوانين نيوتن في الحركة بالنسبة لحركة المراقب المنتظمة، أي لا يمكن أن تتغير هذه القوانين عندما ينتقل المراقب من مرجعه إلى مرجع آخر يتحرك هو الآخر بإنتظام، وقد نقل أينشتاين هذه الفكرة إلى الضوء وأقنع نفسه بأن الضوء أقدر من قوانين الميكانيكا على كشف حركتنا المنتظمة، وهذا يعني أنه لا يمكن لمعادلات ماكسويل ،التي تصف طبيعة الضوء، أن يكون لها علاقة بحركة المراقب، لأنها لو كانت متعلقة بحركة المراقب لأمكن للمعادلات أن تفيدنا في تعيين حركة الشيء المطلق وكذلك تجربة ميكلسون ومورلي، ولذلك رأى اينشتاين أنه يجب أن تكون سرعة الضوء في الفراغ مستقلة عن حركة مصدر ذلك الضوء، وهذا يعني ثبات سرعة الضوء في الفراغ :
وهذه السرعة أصبحت ثابتاً كونياً، ولكن لم تستند إليه قوانين نيوتن، ومن ثبات سرعة الضوء إتجه اينشتاين إلى تحليل مفهومي المكان والزمان المطلقين التي إقترحها نيوتن، فكان عليه أن يبرهن بأن تزامن حدثين منفصلين في مكان ليس له مفهوم ثابت مطلق، بل يتعلق بحركة المراقب،!
هذا الثابت -سرعة الضوء- يُعتبر من أهم الثوابت الكونية التي تدخل في بناء هذا الكون. وأن القانون الذي لا يحتوي عليه لا يعتبر قانون كامل، بل يحتاج إلى أن يـُستكمل إلى أن يصبح صامد نسبياً، ولم يكن اينشتاين أول من أدخل مبدأ الصمود فقد أدخله نيوتن قبله على نظريته وكان مفيداً إلى حد بعيد، ولنبدأ بتعريف حادث إنطباق جسيم على نقطه في الفراغ (إلكترون مثلاً أو فوتون) في لحظه معينة. فلكي نحدد حادثاً معيناً يجب أن نعرف متى وأين حدث ؟ وهذا يعني أن يكون لدينا مرجع مقارنه (مجموعة إحداثيات)، وبما أننا نريد تحديد موقعه، فعلينا أن نعطي ثلاث أعداد على المحاور التي يكونها الفراغ (س, ص, ع) وهذه هي الإحداثيات المكانية، ولكي نحدد زمن وقوع الحادث نحتاج إلى إحداثي جديد للزمن فيكون مسار الجسيم منحنياً يصل بين هذه الحوادث، وبما أن القانون لا يعالج حالة خاصة بل يعالج الطبيعة بشكل عام، فيجب أن يبقى نفسه(أي لايتغير) لكل المراقبين وهذا هو مبدأ الصمود، وأكثر ما يميز النسبية أنها تـُظهر أن لا المكان وحده مطلق، ولا الزمان وحده مطلق. ولكن قولنا أن كلاً من الزمان والمكان ليس مطلقاً لا يعني أن النسبية ليست نظرية الأشياء المطلقة. بل أن الحقيقة المطلقة فيها على مستوى أعلى مما في فيزياء نيوتن، لأنها تدمج المكان بالزمان في - زمكان - متشعب الجوانب. ولكي نوضح ذلك نلاحظ أولاً أن كلاً من المسافة بين حدثين والمدة الزمنية الفاصلة بينهما هي نفسها وفقاً لفيزياء نيوتن بالنسبة لجميع المراقبين - أي أن المدة الزمنية مطلقة والمسافة مطلقة - أما في النظرية النسبية فيجد المراقبون المختلفون مسافات مختلفة وأزمنة مختلفة بين الحدثين، ومع ذلك تُخبرنا النسبية أن مزيجاً معيناً للمكان والزمان الفاصلين بين حدثين يكون واحداً بالنسبة إلى جميع المراقبين، وللحصول على مربع هذه الفاصلة الزمكانيه المطلقة بين الحادثين نربع المسافة بين الحادثتين ونطرح منها حاصل ضرب سرعة الضوء في المدة الزمنية بين الحادثين فنحصل على (المقدار المطلق).
ومن الفاصلة الزمنية التي سبق ذكرها يمكن أن نستنتج كل النتائج الهامة التي تنبثق عن النظرية النسبية الخاصة، مثل تقلص الأطوال المتحركة، وتباطؤ الزمن، وتزايد الكتلة، وتكافؤ الطاقة والكتلة، هذا التكافؤ الذي أتاح للعلماء معرفة مصدر الطاقة من الذرات المشعة وهو ما فتح الباب لإكتشاف الطاقة النووية وإستخداماتها السلمية والحربية.
و في عام 1916 نشر أينشتاين بحثه عن نظرية النسبية العامة في مجلة علوم أكاديمية. يمثل هذا البحث عشر سنوات قضاها أينشتاين بحثاً عن تطوير نظريته القديمة، وكان الدافع لهذه النظرية هو أن نظرية الخاصة تركت المكان والزمان مبتورين، ولان أينشتاين يرى أن الطريق إلى الوصول لتوحيد القوى الفيزيائية يحتم أن تكون نظرية صامدة نسبياً، ولما كانت النظرية الخاصة لم تكن كذلك حاول أن يتمها بالعامة، لأن النسبية الخاصة لا تنطبق إلا على ما يُدعى ((المراقبون القصوريين أي المراقبون الذي يتحرك أحدهم بالنسبة للأخر بسرعة ثابتة وفي خط مستقيم))، وهذه النظرية تبين أن الطبيعة تفضل المرجع القصورى، ورأى أينشتاين أن هذا المرجع القصوري يعد نقص في النظرية، لأنه كان يؤمن أن جميع المراجع تتكافئ في الطبيعة بغض النظر عن حركتها، ولابد للنظرية أن تشمل الحركة المتسارعة.
لقد بدأ اينشتاين عند صياغته للنظريته النسبية العامة بملاحظات هامة جدا، كان غاليليو أول من توصل إليها، وهي أن جميع الأجسام التي تسقط سقوطاً حراً تتحرك بتأثير الثقالة (أي جاذبية الأرض) بتسارع واحد مهما كانت كتلها، كما لاحظ أن جميع الأجسام المتحركة في مرجع متسارع تستجيب إلى هذا التسارع بنفس الطريقة مهما كانت كتلتها. ومن هاتين الملاحظتين اعتمد مبدأ من أهم المبادئ الفيزيائية وهو مبدأ التكافؤ، الذي ينص على أنه لا يمكن تمييز قوى القصور عن قوى التثاقل (الجاذبية) فأصبح هذا المبدأ أساس نظرية النسبية العامة، لأنه نفى إمكان تعيين حالة الجسم الحركية بملاحظة قوى القصور أو إكتشافها سواء أكان مرجعنا متسارع أو ثابت السرعة، يمكن أن نتابع تفكير أينشتاين بتجربة فكرية شهيرة، تخيل فيها أن مراقباً في مصعد (وكان في هذا المصعد أجسام مشدودة إلى أسفل) كان في بداية الأمر معلق فوق الأرض ساكناً، ففي هذه الحالة تكون جميع التجارب التي يجريها المراقب داخل المصعد تتفق تماماً مع تجارب مراقب خارج المصعد على الأرض سوف يستنتجان قوة الثقالة....إلخ، دعونا الآن ننتقل مع المراقب الذي في المصعد بتسارع (9.8 متر /ثانية) متجهين إلى أعلى، أي عكس قوة الثقالة وبنفس تسارع الأجسام نحو الأرض، إذا كان منطقياً مع نفسه سوف يبقى على إستنتاجه لأن جميع الأجسام سوف تبقى على نفس تصرفها عندما كان المصعد معلق على الأرض، وهذا هو مبدأ التكافؤ فهو يمنع المراقب من أن يستنتج بأنه موجود في مرجع متسارع، لأن كل الآثار المترتبة عن هذا التسارع هي نفس الآثار المترتبة عن الثقالة في مرجع ساكن أو يتحرك بسرعة منتظمة مستقيمة في مجال جاذبية، وهكذا يدعم هذا المبدأ نظر اينشتاين بأنه لا يمكن أن نفرق بين الحركة المتسارعة والثابتة لأن قوى القصور الناتجة عن التسارع هي نفسها ناتجة عن التثاقل فلا يستطيع المراقب أن يفرق بينهما، ومن هنا لا يوجد فرق بين ما يرصده المراقب، هل يرصد الأجسام المادية من الناحية التحركية أو الحركة أو إنتشار الضوء. مما أدى بإينشتاين إلى إستنتاج مهم جداً بشأن سلوك الضوء. فحينما تمر حزمة ضوئية عبر المصعد المتسارع في إتجاه عمودي على تسارعة تبدو أنها تسقط نحو أرض المصعد مثلما تسقط الجسيمات المادية حيث أن أرضه تتحرك حركة متسارعة، ولما كان مبدأ التكافؤ ينص على أن لا فرق بين آثار التسارع والثقالة (الجاذبية) لذلك توقع اينشتاين أن تسقط الحزمة الضوئية في مجال الجاذبية كما تسقط الجسيمات المادية أي تسقط الحزمة بشكل منحني تجاه أرضية المصعد وليس بشكل مستقيم، وقد ثبت هذا التوقع بحذافيره أثناء كسوف الشمس الذي حدث عام 1919، فقد شوهد أن الحزمة الضوئية تنحرف نحو الشمس عندما تمر بجوارها. وكان مقدار الإنحراف متفقاً مع ما توقعه اينشتاين. ونلاحظ أنه لا خلاف بين النظرية العامة والنظرية الخاصة فأنهما مبنيتان على زمكان رباعي الأبعاد، والعامة تشمل الخاصة، ولكنها تختلف عنها في أن هندسة النسبية العامة هندسة غير هندسة إقليدس، بل تعتمد على هندسة مختلفة تسمي هندسة ريمان، وهذا الجانب هو الذي يقود إلى مبدأ التكافؤ، وكي نفهم الفضاء اللا إقليدي، دعونا نعود إلى المصعد قليلاً.... ونتخيل الآن أن المصعد يسقط سقوطاً حراً نحو الأرض، ففي هذه الحالة يسقط المراقب وكل شي داخل المصعد بسرعة واحدة كما أن الشيء المقذوف يتحرك عبر المصعد حركة مستقيمة كما يراها المراقب، أي لا يوجد لديه مجال جاذبية، أما بالنسبة للمراقب الواقف على الأرض فلا يرى المقذوفات تتحرك حركة مستقيمة وأنما على هيئة قطوع مكافئة، لذلك لا وجود للثقالة بالنسبة للمراقب الذي في المصعد بينما يلاحظها المراقب الذي على الأرض، فكيف نخرج من هذا التناقض ؟ لقد رأى اينشتاين أن الحل يكمن في إعادة فهم قوى الجاذبية لأن مفهوم نيوتن لها ليس مفهوما مطلقاً، ويتغير من مرجع إلى آخر كما حدث في التجربة السابقة، ولذلك قام اينشتاين بإعادة صياغة قانون نيوتن الأول ليشمل هذا المفهوم، وأصبح القانون «أن الأجسام تتحرك دائماً في خطوط مستقيمة سواءً أكانت في مجال جاذبية أو لا»، ولكن يجب إعادة تعريف الخطوط المستقيمة كي تنتهي المشكلة وتشمل خطوطاً ليست مستقيمة بالمعنى الإقليدي، وقام اينشتاين بذلك وبيــّن هندسة الزمكان الإقليدية في الفضاء المليء بالكتل والهندسة الإقليدية في الزمكان الخالي من الكتل وأصبح السبب في حركة الأجسام في مجال الجاذبية و أن الأجسام تتبع مسار الإنحناء الزمكاني الذي تحدثة الأجسام الأكبر منها وتُعد هذه الحركة في الهندسة اللا إقليدية حركة في خطوط مستقيمة لأنها أقصر مسار في هذه الهندسة، وكان لهذه النظرية التي قدمها اينشتاين نتائج كثيرة من إنحراف حزمة الضوء وظاهرة (بدارية حضيض مدار عطارد) وأيضاً ظاهرة (الإنزياح الاينشتايني نحو الأحمر).
وأيضا تتنبأ هذه الهندسة الناتجة عن وجود أجسام ذات كتل هائلة كالنجوم بأن يتباطأ الزمن بالقرب من هذه النجوم، أضف إلى ذلك تقلص الأطوال، وكان أعظم إنجاز حققته النسبية العامة كان في مجال علم الكون , فقد طبق اينشتاين نظريته عن الجاذبية على الكون بشكل عام، وتوصل إلى نموذج سكوني له، لا يتوسع فيه ولا ينهار على نفسه، ثم أثبت باحثون أن النظرية تؤدي إلى نموذج متوسع لاسكوني، وهكذا ساهمت هذه النظرية في إثراء علم الكون.