قصص قصيرة من إبداعات التلاميذ

مهندس مع وقف التنفيذ

التلميذة  جنات علوي

تفوق في دراسته منذ التحق بالمدرسة الابتدائية. حصد جوائز تقديرية لا تحصى طيلة مساره الدراسي. لطالما عُرف "عبد الله" بالفطنة والجدية في العمل بين اترابه. أخلاقه السامية وتلك الروح النقية جعلتا منه قدوة بين اصدقائه. فكان محاطا بكم هائل من الاصدقاء والرفيقات او المعجبات ان صح القول. منهم من احبه بصدق اما الاغلبية الساحقة كانت تضمر له الحسد.

حصل عبد الله على شهادة البكالوريا بميزة حسن جدا، فولج الاقسام التحضيرية والسرور مقيد اضلعه، تائه يشق الطريق للخروج من بين جنبيه. كان يعشق المعمار والتصاميم، تماما كما صمم الدرب الذي سار عليه حتى اضاءه بكدحه.

     وبينما هو يتصفح قائمة الاختبارات المتاح اجتيازها، وقع بصره على ذلك الاختبار الشامخ .تابط حقيبته و لم يع على نفسه الا والقلم بين يديه والاسئلة في ورقة امامه، واستاذ يحرسه. وااا فرحتاااااه.. كان يسعد وينتشي كالطفل ان نادته امه (اين انت يا مهندس...؟)

  بعد ثلاث سنوات، تخرج الشاب الطموح بتفوق ليجد نفسه اسيرا لواقع مرّ يخشاه كل طالب أو متخرج.. واقع البطالة! كان يتساءل مرارا في قرارة نفسه: "كيف...كيف لمهندس درس طيلة هذه السنوات وّشع نجمه خلالها، ان يواجه هذا المصير الاليم ...أهذا حال هذه الدنيا الزائفة!"

عسير هو النطق بهذا، لكنه مع ذلك كان يتجول بين الشركات أياما وأياما، حاملا بخيبة مسيرته المهنية وغصة يجهل مصدرها تحتل فؤاده. احس انه يتسول العمل، او بالاحرى انه يقوم بذلك فعلا.

تبخر حلم شاب طموح . تلاشت احلامه مع مرور الوقت. لينتهي به المطاف يتقدم لاجتياز مباراة التعليم . فتسائل واعاد الكرة مرات حتى كاد ينفجر ذهنه لكثرة تفكيره. (اين العدل ايها العباد اين....دبلوم مهندس معماري يعادل اجازة! ما فائدة التفوق ان لم يجعلك مميزا عن غيرك ... ما جدوى الكد والعمل ان لم يكلل بوظيفة راقية..)

وجد عبد الله نفسه بين زوايا مركز مهن التربية والتكوين، ليتخرج بعد سنة أستاذا متعاقدا يناضل مع اخوته بغية الترسيم وضمان حقوق ضاعت مع نظام التعاقد العجيب..‼

مراهقة في قلب "مكة"

التلميذة  قمر شرايعي 

        والدي رجل طموح. بدأت القصة قبل ست سنوات، حين سافر والدي لأول مرة في حياته معتمرا إلى "مكة". وقد أعجب بجمالها وسحرها وروحانيتها إعجابا ملأ عليه قلبه. ومنذ ذلك الوقت وهو يحاول فقط أن يصف لنا مشاعره، والمشاهد التي رآها وعاشها هناك.

    واليوم، بعد ستّ سنوات، يقرر أبي العودة إلى الأراضي المقدسة، ويوفقه الله في تحقيق واحد من أحلامه العظيمة. عزم أبي ألاّ يعود إلاّ ومعه أسرته الصغيرة، وكان مصرا على ذلك منذ ست سنوات إلى الآن.

    هنا، في أواخر أكتوبر لسنة ألفين واثنتين وعشرين، تأخذنا مقطورة عملاقة تحلق في السماء بين السحاب، من مطار "محمد الخامس" لتنزل بنا في مطار "الملك عبد العزيز". كانت أول مرة تطأ فيها قدماي أراضي "المدينة المنورة". بعدها صعدنا إلى حافلة الرّكاب نقلتنا إلى فندق لازلت أتذكر اسمه: "المختارة الغربي". لي ذكريات جميلة داخل المسجد النبوي الكبير، كنت أجد راحة هائلة هناك، كنت أعشق الجلوس مستندة بظهري إلى مكيفات الهواء، فأشعر بالانتعاش من النسيم المنبعث من أعمدة المسجد. وأتأمل تلك القبة التي تفتح عند العصر، لتكشف عن سماء "السعودية" الصافية. لكني كنت أتحرق شوقا وحماسا لرؤية "الكعبة المشرفة". مرّت سبع ليال، وحان موعد التوجه إلى "مكة المكرمة". كانت محطتنا الأولى: "أبيار علي"، لنصبح بعد ذلك محرمين، جاهزين لقضاء باقي مناسك العمرة.

   وصلنا إلى وجهتنا، ليجذب انتباهي "برج ساعة مكة" الذي كنت أستطيع رؤيته أينما كنت، فأصبحت مهووسة بجمال هندسته، وجمال زخرفته وعلوه الشامخ وأضوائه الخضراء الساطعة. ثم تحققت أمنيتي.. هنا "الحرم المكي"، قلب مكة، الرقعة المقدسة.. هنا يتجمع المسلمون من جميع أقطار العالم تحت تكبيرة واحدة. حين رأيت "الكعبة"، لأول مرة، رأيتها أكبر حجما مما توقعت، صافية صافية.. جمالها ساحر، وما يزيدها جمالا هو الإسلام المحفور في قلب كل مسلم يطوف حولها، ويصلي قاصد قبلتها، ويعرف قصتها، ويشعر بعظمتها.

  طفت حولها سبع مرات، وصليت في صحنها ركعات، وجلست أتأملها لوقت طويل.. ودعوت ربي بجانبها. فكان أهم حدث عشته في حياتي إلى الآن؛ قصة مراهقة في قلب "مكة".

الفشل هو عدم النهوض مجدّدا

التلميذ احمد المرابط 

أسامة شاب طموح، يعمل بجد رغم انه لم يكن متفوقا في دراسته عكس شقيقه سمير الذي يكبره بسنة، الا انه كان يعلم بل يوقن انه سيكون ناجحا في حياته. ففي صغره لم يكن من الأوائل في قسمه ونادرا ما كان يحصل على درجات عالية، و في كل مرة يعود فيها الى البيت يلقى عتابا شديدا ويسمع كلمات على غرار "كن كشقيقك "و "انظر الى درجات اسيادك".. و ما الى ذلك. و لم يكن يسر من هذه الالفاظ، وكان يذهب الى غرفته ويدرس بكل تفان وإصرار، ولكن دون جدوى. نفس النتائج ونفس الدرجات. ومن جهة أخرى، يحصد سمير كل كلمات الثناء والمديح. و في نهاية السنة الدراسية، ظهرت نتائج أسامة الذي كان يدرس في السنة الأولى بكلوريا. أما سمير فكان يدرس في السنة الثانية بكلوريا. وفوجئت العائلة بنبأ هز أركانها، النبأ الذي كانوا يتوقعونه ويخشون سماعه؛ رسوب أسامة، فيما حصد سمير اعلى الدرجات كعادته، مما خول له القبول في جميع المدارس العليا، واختار مجال التسويق ليس حبا فيه، بل فقط لسماعه مديح الناس لهذا المجال. بينما كان سمير يتلقى التهاني من الأقارب، كان اخوه منهكا نفسيا وهو يرى امه تتهرب من الإجابة كلما سئلت عنه، كما سئم من العتاب و كثرة المقارنات التي يتلقاها كلما جلسوا الي مائدة الطعام. فقرر أسامة نتيجة لهذه الظروف، ترك دراسته والتسجيل في مركز التكوين المهني بمدينة تطوان املا في ان يحظى ببعض الهناء. حزم أسامة امتعته واتجه صوب محطة "الطاكسيات" بطنجة. ومنذ ذلك الحين انقطع الاتصال بينه وبين افراد اسرته، الا من مرات قليلة عن طريق "التيليبوتيك".

       قضى أسامة ثلاث سنوات من حياته على نفس المنوال، من البيت الى المدرسة.. وبعدها يتجه الي الميناء ليوفر قوت يومه. وفي أوقات الفراغ يجلس في المقهى مع زميله عبد الجليل، او مع صديقته "وفاء" التي تعرف عليها في المركز، وكانا يحلمان بحياة وردية. وفي السنة الأخيرة من دراسته، أجرى دورة تدريبية في شركة، وقد حصل من عمله في الميناء على الكثير من المعارف، مهدت له الدخول الى شركة تختص في النقل البحري، وقد أعجبوا بحنكته وسرعة بديهته، وبعد انتهاء فترة التدريب عرضوا عليه العمل معهم فوافق، وقضي معهم سنتين يترقى من منصب لآخر. وفي وقت وجيز أصبح المدير التنفيذي للشركة، وقد أحدث تغييرات جدرية في الشركة. اما عن سمير فقد كان يعاني من البطالة على الرغم من تخرجه باعلي الدرجات، وحاول والده ان يجد له وظيفة في إحدى الشركات الكبرى الا ان قلة خبرته، وعدم استثماره في نفسه ومعارفه، جعله مرفوضا الا من بعض المقاولات الصغرى. ولم يسمح له كبرياؤه بقبول هذه الوظائف وهو الذي حصل على ماجستير في التسويق بأعلى ميزة.

     وفي يوم من الأيام رن هاتف سمير، ففتح الخط وسأل عن المتصل، فأجابه صوت امرأة تقول: نحن الشركة الفلانية نعرض عليك العمل معنا.

  - واا فرحتاه انها أكبر شركة نقل بحري في افريقيا والشرق الأوسط كذلك صاح سمير بسعادة.

      خرج سمير في كامل حلته، مرتديا أجمل ثيابه وكأنه سيلتقي فتاة أحلامه. وعند وصوله قابله رجل أرشده الى مكتب المدير. وهنا كانت الصاعقة، انه اخوه الذي لم يره منذ سنوات، اخوه الذي لطالما كان حملا ثقيلا على الاسرة. ها هو الان مدير لإحدى أكبر الشركات. عانق أسامة أخاه، ورحّب به ترحيبا حارا، واتفقا على بنود الوظيفة.

في المساء، عاد الأخوان أسامة وسمير إلى بيت الوالدين، والتمّ شمل الأسرة بعدما أضاءت البسمة وجوه الجميع .